*هبة
*هبة
من سورة الحديد:



{يوم يقول المنافقون والمنافقـات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب }


{يوم يقول} أي: اذكر يوم يقول، فكلمة {يوم يقول} ظرف زمان، ولابد للظرف الزماني والمكاني، والجار والمجرور من شيء تتعلق به، والعلماء يقدرون المحذوف في كل مكان بما يناسب، وهنا المناسب أن يكون التقدير: اذكر أيها الإنسان يوم يقول المنافقون، هذا اليوم هو يوم القيامة، والمنافقون هم الذين أظهروا الإسلام وأبطنوا الكفر {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} ولم يظهر النفاق إلا بعد أن قويت شوكة المسلمين بعد غزوة بدر، وكانت غزوة بدر في رمضان في السنة الثانية من الهجرة، انتصر فيها المسلمون انتصاراً ساحقاً على الكفار، فلما بزغ فجر الإسلام وقويت شوكته ظهر النفاق. والنفاق هو أن الإنسان يظهر الإسلام ويبطن الكفر، فظهر ذلك في المسلمين، فكانوا يأتون إلى الناس ويحضرون الجماعة لكنها ثقيلة عليهم، «وأثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر (24) »، لأنه ليس هناك أضواء يشاهدون فيها، وهم إنما يصلون يراءون الناس، وفي يوم القيامة يظهر نور للمؤمنين والمنافقين، ثم ينطفىء نور المنافقين، وأنت تعلم أيها الإنسان أن انطفاء النور بعد ظهوره يكون أشد ظلمة مما لو لم يكن هناك نور، ولهذا لو أطفأت النور القوي ثم فتحت عينيك لم تر شيئاً إلا بعد برهة من الزمن، فيكون انطفاء النور بعد وجوده أشد عليهم مما لو لم يكن هناك نور، ثم تكون الحسرة أشد، فيقول المنافقون للذين آمنوا: {انظرونا نقتبس من نوركم}، أي: نأخذ شيئاً قليلاً بقدر الحاجة، {قيل ارجعوا وراءكم}، والقيل هذا إما من المؤمنين، أو من الملائكة، فالله أعلم لا ندري.{ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً} وهل هو حقيقة يريدون أن يذهبوا إلى مكان النور، الذي انطفأ فيه النور لعله يتجدد النور، أو أن هذا من الاستهزاء بهم والسخرية؟ الآية محتملة هذا وهذا {فضرب بينهم} أي بين المنافقين والمؤمنين {بسور له باب} هذا سور عظيم، له باب يمنع من القفز، له باب يدخل منه المؤمنون ويمنع منه المنافقون، {باطنه فيه الرحمة} أي: باطن هذا السور فيه الرحمة للمؤمنين، {وظاهره من قبله العذاب } للمنافقين، وأنت لا تستطيع أن تتصور هذه الحال، لأن الحال أعظم من أن نتصورها، حال عظيمة {ينادونهم}، المنادى المنافقون، والمنادى المؤمنون، {ألم نكن معكم} يعني في الدنيا كنا نصلي معكم ونتصدق ونذكر الله، {قالوا بلى} يعني أنتم معنا، ولكن في الظاهر دون الباطن، ولهذا قالوا: {ولـكنكم فتنتم أنفسكم} يعني أضللتموها {وتربصتم}، انتظرتم بنا الدوائر {وارتبتم} شككتم في الأمر، فليس عندكم إيمان { وغرتكم الأماني} أي: ظننتم أنكم محسنون لأنكم تقولون إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً، نوفق بين المؤمنين والكافرين، وبين الإيمان والكفر، إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا فهم مع المؤمنين، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم، فهم مع الكفار، ظنوا أنهم بهذه المداهنة كسبوا المعركة، فغرتهم الأماني {حتى جاء أمر الله}، وذلك بموتهم {وغركم بالله الغرور }. الغرور هو الشيطان ودليل هذا قول الله تبارك وتعالى عنه حين وسوس إلى أبوينا قال الله عنه {فدلاهما بغرور}، فالغرور هو الشيطان، {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية} الأسير في الدنيا يمكن أن يفدي نفسه ويبذل المال فيسلم، لكن في الآخرة ليس فيه فدية، {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية} أيها المنافقون، {ولا من الذين كفروا} الذين أعلنوا الكفر وصاروا أشجع من هؤلاء المنافقين فلا فدية لا لهؤلاء ولا لهؤلاء، {مأواكم النار} أي: مثواكم ومآلكم النار {هي مولاكم} الذي تتولونه، والتي تتولاكم، فهم يتولون النار بعمل أهلها، والنار تتولاهم لأنهم مستحقون لها {وبئس المصير } أي: المرجع وهذا تقبيح لها، أعاذنا الله منها، نسأل الله أن يجعلنا ممن زحزح عن النار وأدخل الجنة، ومن الفائزين المتقين المفلحين.


(24) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب فضل العشاء في الجماعة (657) ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها (651) (252)..



&&


نسال الله تعالى الاخلاص والقبول
ونعوذ بالله من الشقاق والنفاق والرياء وسوء الاخلاق







المصدر / تفسير سورة الحديد
للشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -


binothaimeen.com -
فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله