%بريق الذهب%
%بريق الذهب%
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شرح الحديث السادس من صحيح البخاري




6 - حدثنا عبدان قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا يونس عن الزهري (ح). وحدثنا بشر بن محمد قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا يونس ومعمر عن الزهري نحوه قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.


الشرح :

قوله أجود الناس أكثر الناس جودا والجود الكرم وهو من الصفات المحمودة وقد أخرج الترمذي من حديث سعد رفعه إن الله جواد يحب الجود الحديث
قوله فيدارسه القرآن قيل الحكمة فيه أن مدارسة القرآن تجدد له العهد بمزيد غنى النفس والغنى سبب الجود والجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وهو أعم من الصدقة وأيضا فرمضان موسم الخيرات لأن نعم الله على عباده فيه زائدة على غيره فكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر متابعة سنة الله في عباده فبمجموع ما ذكر من الوقت والمنزول به والنازل والمذاكرة حصل المزيد في الجود والعلم عن الله تعالى .

قوله فلرسول الله صلى الله عليه وسلم الفاء للسببيه واللام للابتداء وزيدت على المبتدأ تأكيدا أو هي جواب قسم مقدر والمرسلة أي المطلقة يعني أنه في الإسراع بالجود أسرع من الريح
وعبر بالمرسلة إشارة إلى دوام هبوبها بالرحمة وإلى عموم النفع بجودة كما تعم الريح المرسلة جميع ما تهب عليه ووقع عند أحمد في آخر هذا الحديث لا يسأل شيئا إلا أعطاه وثبتت هذه الزيادة في الصحيح من حديث جابر ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فقال لا
وقال النووي في الحديث فوائد منها
1-الحث على الجود في كل وقت.
2- ومنها الزيادة في رمضان وعند الاجتماع بأهل الصلاح وفيه زيارة الصلحاء وأهل الخير وتكرار ذلك إذا كان المزور لايكرهه .3_واستحباب الأكثار من القراءة في رمضان وكونها أفضل من سائر الأذكار إذ لو كان الذكر أفضل أو مساويا لفعلا .

فإن قيل المقصود تجويد الحفظ قلنا الحفظ كان حاصلا والزيادة فيه تحصل ببعض المجالس وفيه إشارة إلى أن ابتداء نزول القرآن كان في شهر رمضان لأن نزوله إلى السماء الدنيا جملة واحدة كان في رمضان كما ثبت من حديث بن عباس فكان جبريل يتعاهده في كل سنة فيعارضه بما نزل عليه من رمضان إلى رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه به مرتين كما ثبت في الصحيح عن فاطمة رضي الله عنها والله أعلم بالصواب .

الشرح باختصار من فتح الباري شرح صحيح البخاري .
%بريق الذهب%
%بريق الذهب%
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شرح الحديث السابع من صحيح البخاري كتاب بدء الوحي

- حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، أن عبد الله بن عباس أخبره، أن أبا سفيان بن حرب أخبره: أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش، وكانوا تجارا بالشأم، في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها ابا سفيان وكفار قريش، فأتوه وهم بإيلياء، فدعاهم في مجلسه، وحوله عظماء الروم، ثم دعاهم ودعا بترجمانه،
فقال: أيكم أقرب نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ فقال أبو سفيان: فقلت أنا أقربهم نسبا، فقال: أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم إني سائل عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه، فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذبا لكذبت عنه. ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم؟ قلت: هو فينا ذو نسب. قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله؟ قلت: لا. قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا. قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟ فقلت: بل ضعفاؤهم. قال: أيزيدون أم ينقصون؟ قلت: بل يزيدون. قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قلت: لا. قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا. قال: فهل يغدر؟ قلت: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه الكلمة. قال: فهل قاتلتموه؟ قلت: نعم. قال: فكيف كان قتالكم إياه؟ قلت: الحرب بيننا وبينه سجال، ينال منا وننال منه. قال: ماذا يأمركم؟ قلت: يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئا، واتركوا ما يقول آباؤكم، ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة. فقال للترجمان: قل له: سألتك عن نسبه فذكرت أنه فيكم ذو نسب، فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها. وسألتك هل قال أحد منكم هذا القول، فذكرت أن لا، فقلت لو كان أحد قال هذا القول قبله، لقلت رجل يأتسي بقول قيل قبله. وسألتك هل كان من آبائه من ملك، فذكرت أن لا، قلت: فلو كان من آبائه من ملك، قلت رجل يطلب ملك أبيه. وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله. وسألتك أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاؤهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل، وسألتك أيزيدون أم ينقصون، فذكرت أنهم يزيدون، وكذلك أمر الإيمان حتى يتم. وسألتك أيرتد أحد سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه، فذكرت أن لا، وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب. وسألتك هل يغدر، فذكرت أن لا، وكذلك الرسل لا تغدر. وسألتك بما يأمركم، فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف، فإن كان ما تقول حقا فسيملك موضع قدمي هاتين، وقد كنت أعلم أنه خارج، لم أكن أظن أنه منكم، فلو أني أعلم أني أخلص إليه، لتجشمت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدمه. ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بعث به دحية إلى عظيم بصرى، فدفعه إلى هرقل، فقرأه، فإذا فيه: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم: سلام على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، و: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون}) قال أبو سفيان: فلما قال ما قال، وفرغ من قراءة الكتاب، كثر عنده الصخب وارتفعت الأصوات وأخرجنا، فقلت لأصحابي حين أخرجنا: لقد أمر ابن أبي كبشة، إنه يخافه ملك بني الأصفر. فما زلت موقنا أنه سيظهر حتى أدخل الله علي الإسلام.
وكان ابن الناطور، صاحب إيلياء وهرقل، أسقفا على نصارى الشأم، يحدث أن هرقل حين قدم إيلياء، أصبح يوما خبيث النفس، فقال بعض بطارقته: قد استنكرنا هيئتك، قال ابن الناطور: وكان هرقل حزاء ينظر في النجوم، فقال لهم حين سألوه: إني رأيت الليلة حين نظرت في النجوم ملك الختان قد ظهر، فمن يختتن من هذه الأمة؟ قالوا: ليس يختتن إلا اليهود، فلا يهمنك شأنهم، واكتب إلى مداين ملكك، فيقتلوا من فيهم من اليهود، فبينما هم على أمرهم، أتى هرقل برجل أرسل به ملك غسان يخبر عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما استخبره هرقل قال: أذهبوا فانظروا أمختتن هو أم لا؟ فنظروا إليه، فحدثوه أنه مختتن، وسأله عن العرب، فقال: هم يختتنون، فقال هرقل: هذا ملك هذه الأمة قد ظهر.
ثم كتب هرقل إلى صاحب له برومية، وكان نظيره في العلم، وسار هرقل إلى حمص، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق راي هرقل على خروج النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي، فأذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص، ثم أمر بأبوابها فغلقت، ثم اطلع فقال: يا معشر الروم، هل لكم في الفلاح والرشد، وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب، فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم، وأيس من الإيمان، قال: ردوهم علي، وقال: إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه، فكان ذلك آخر شأن هرقل.
رواه أبو صالح بن كيسان ويونس بن معمر عن الزهري.

الشــــرح :

قوله هرقل هو ملك الروم وهرقل اسمه وهو بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف ولقبه قيصر كما يلقب ملك الفرس كسرى ونحوه
قوله في ركب جمع راكب كصحب وصاحب وهم أولو الإبل العشرة فما فوقها والمعنى أرسل إلى أبي سفيان حال كونه في جملة الركب وذاك لأنه كان كبيرهم فلهذا خصه وكان عدد الركب ثلاثين رجلا
كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر الحديث وفيه فلما قرأ قيصر الكتاب قال هذا كتاب لم أسمع بمثله ودعا أبا سفيان بن حرب والمغيرة بن شعبة وكان تاجرين هناك فسأل عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قوله وكانوا تجارا بضم التاء وتشديد الجيم أو كسرها والتخفيف جمع تاجر .
قوله في المدة يعني مدة الصلح بالحديبية وكانت في سنة ست وكانت مدتها عشر سنين لكنهم نقضوا فغزاهم سنة ثمان وفتح مكة وكفار قريش بالنصب مفعول معه .

قوله فأتوه فجاء الرسول يطلب اتيانهم فأتوه تعيين الموضع وهو غزة قال وكانت وجه متجرهم .
قال هرقل لصاحب شرطته قلب الشام ظهرا لبطن حتى تأتي برجل من قوم هذا أسأله عن شأنه فوالله إني وأصحابي بغزة إذ هجم علينا فساقنا جميعا .

قوله بإيلياء بهمزة مكسورة بعدها ياء أخيرة ساكنة ثم لام مكسورة ثم ياء أخيرة ثم ألف مهموزة قيل معناه بيت الله وفي الجهاد عند المؤلف أن هرقل لما كشف الله عنه جنود فارس مشى من حمص إلى إيلياء شكرا لله زاد بن إسحاق عن الزهري أنه كان تبسط له البسط وتوضع عليها الرياحين فيمشى عليها ونحوه
وكان سبب ذلك أن كسرى أغزى جيشه بلاد هرقل فخربوا كثيرا من بلاده ثم استبطأ كسرى أميره فأراد قتله وتولية غيره فأطلع أميره على ذلك فباطن هرقل واصطلح معه على كسرى وانهزم عنه بجنود فارس فمشى هرقل إلى بيت المقدس شكرا لله تعالى على ذلك واسم الأمير المذكور شهر براز واسم الغير الذي أراد كسرى تأميره فرحان.
قوله فدعاهم في مجلسه أي في حال كونه في مجلسه وللمصنف في الجهاد فأدخلنا عليه فإذا هو جالس في مجلس ملكه وعليه التاج .

قوله وحوله بالنصب لأنه ظرف مكان قوله عظماء جمع عظيم ولابن السكن فأدخلنا عليه وعنده بطارقته والقسيسون والرهبان والروم من ولد عيص بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام على الصحيح ودخل فيهم طوائف من العرب من تنوخ وبهراء وسليح وغيرهم من غسان كانوا سكانا بالشام فلما أجلاهم المسلمون عنها دخلوا بلاد الروم فاستوطنوها فاختلطت أنسابهم .
قوله ثم دعاهم ودعا ترجمانه وللمستملى بالترجمان مقتضاه أنه أمر بإحضارهم فلما حضروا استدناهم لأنه ذكر أنه دعاهم ثم دعاهم .
والترجمان المعبر عن لغة بلغة وهو معرب وقيل عربي .

قوله فقال أيكم أقرب نسبا أي قال الترجمان على لسان هرقل قوله بهذا الرجل زاد بن السكن الذي خرج بأرض العرب يزعم أنه نبي قوله قلت أنا أقربهم نسبا قال ما قرابتك منه قلت هو بن عمي قال أبو سفيان ولم يكن في الركب من بني عبد مناف غيري اه وعبد مناف الأب الرابع للنبي صلى الله عليه وسلم وكذا لأبي سفيان وأطلق عليه بن عم لأنه نزل كلا منهما منزلة جده وإنما خص هرقل الأقرب لأنه أحرى بالاطلاع على أموره ظاهرا وباطنا أكثر من غيره ولأن الأبعد لا يؤمن أن يقدح في نسبه بخلاف الأقرب وظهر ذلك في سؤاله بعد ذلك كيف نسبه فيكم .
وقوله الذي يزعم ويأتي موضع الشك غالبا .
قوله فاجعلوهم عند ظهره أي لئلا يستحيوا أن يواجهوه بالتكذيب إن كذب وقد صرح بذلك الواقدي وقوله إن كذبني بتخفيف الذال أي إن نقل إلى الكذب .

قوله قال أي أبو سفيان قوله فوالله لولا الحياء من أن يأثروا أي ينقلوا على الكذب لكذبت عليه وفيه دليل على أنهم كانوا يستقبحون الكذب إما بالأخذ عن الشرع السابق أو بالعرف .
وفي قوله يؤثروا دون قوله يكذبوا دليل على أنه كان واثقا منهم بعدم التكذيب أن لو كذب لاشتراكهم معه في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم لكنه ترك ذلك استحياء وأنفة من أن يتحدثوا بذلك بعد أن يرجعوا فيصير عند سامعي ذلك كذابا .
قال أبو سفيان فوالله ما رأيت من رجل قط كان أدهى من ذلك الأقلف يعني هرقل.

قوله كيف نسبه فيكم أي ما حال نسبه فيكم أهو من أشرافكم أم لا فقال هو فينا ذو نسب فالتنوين فيه للتعظيم .
قوله فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله .
فقوله منكم أي من قومكم يعني قريشا أو العرب .
قوله فهل كان من آبائه ملك بفتح من وملك.
قوله فأشراف الناس اتبعوه فيه إسقاط همزة الاستفهام وهو قليل والمراد بالأشراف هنا أهل النخوة والتكبر منهم لا كل شريف حتى لا يرد مثل أبي بكر وعمر وأمثالهما ممن أسلم قبل هذا السؤال ووقع في رواية بن إسحاق تبعه منا الضعفاء والمساكين فأما ذوو الأنساب والشرف فما تبعه منهم أحد وهو محمول على الأكثر الأغلب .
قوله سخطة بضم أوله وفتحه وأخرج بهذا من ارتد مكرها أولا لسخط لدين الإسلام بل لرغبة في غيره كحظ نفساني كما وقع لعبيد الله بن جحش.

قوله هل كنتم تتهمونه بالكذب أي على الناس وإنما عدل إلى السؤال عن التهمة عن السؤال عن نفس الكذب تقريرا لهم على صدقه لأن التهمة إذا انتفت انتفى سببها ولهذا عقبه بالسؤال عن الغدر.
قوله ولم تمكني كلمة ادخل فيها شيئا أي انتقصه به على أن التنقيص هنا أمر نسبي وذلك أن من يقطع بعدم غدره أرفع رتبة ممن يجوز وقوع ذلك منه في الجملة وقد كان معروفا عندهم بالاستقراء من عادته أنه لا يغدر ولما كان الأمر مغيبا لأنه مستقبل أمن أبو سفيان أن ينسب في ذلك إلى الكذب ولهذا أورده بالتردد ومن ثم لم يعرج هرقل على هذا القدر منه .
قوله قال فوالله ما ألتفت إليها مني .

قوله سجال بكسر أوله أي نوب والسجل الدلو والحرب اسم جنس ولهذا جعل خبره اسم جمع وينال أي يصيب فكأنه شبه المحاربين بالمستقيين يستقى هذا دلوا وهذا دلوا وأشار أبو سفيان بذلك إلى ما وقع بينهم في غزوة بدر وغزوة أحد وقد صرح بذلك أبو سفيان يوم أحد في قوله يوم بيوم بدر والحرب سجال ولم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك .
قوله بماذا يأمركم يدل على أن الرسول من شأنه أن يأمر قومه قوله يقول اعبدوا الله وحده فيه أن للأمر صيغة معروفة لأنه أتى بقوله اعبدوا الله في جواب ما يأمركم وهو من أحسن الأدلة في هذه المسألة لأن أبا سفيان من أهل اللسان .

قوله ولا تشركوا به شيئا تأكيدا لقوله وحده قوله واتركوا ما يقول آباؤكم هي كلمة جامعة لترك ما كانوا عليه في الجاهلية وإنما ذكر الآباء تنبيها على عذرهم في مخالفتهم له لأن الآباء قدوة عند الفريقين أي عبدة الأوثان والنصارى .
قوله ويأمرنا بالصلاة والصدق وللمصنف في رواية الصدقة بدل الصدق ورجحها شيخنا شيخ الإسلام واقتران الصلاة بالزكاة معتاد في الشرع ويرجحها أيضا ما تقدم من أنهم كانوا يستقبحون الكذب فذكر ما لم يألفوه أولى .

قوله فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها الظاهر أن أخبار هرقل بذلك بالجزم كان عن العلم المقرر عنده في الكتب السالفة قوله لقلت رجل تأسى بقول كذا يتأسى بتقديم الياء المثناة من تحت وإنما لم يقل هرقل فقلت إلا في هذا.
وفي قوله هل كان من آبائه من ملك لأن هذين المقامين مقام فكر ونظر بخلاف غيرهما من الأسئلة فأنها مقام نقل .
قوله فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه هو قول هرقل وهم أتباع الرسل معناه أن أتباع الرسل في الغالب أهل الاستكانة لا أهل الاستكبار الذين اصروا على الشقاق بغيا وحسدا كأبي جهل وأشياعه إلى أن أهلكهم الله تعالى وأنقذ بعد حين من أراد سعادته منهم.

قوله وكذلك الإيمان أي أمر الإيمان لأنه يظهر نورا ثم لا يزال في زيادة حتى يتم بالأمور المعتبرة فيه من صلاة وزكاة وصيام وغيرها ولهذا نزلت في آخر سني النبي صلى الله عليه وسلم اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ومنه ويأبى الله الا أن يتم نوره وكذا جرى لاتباع النبي صلى الله عليه وسلم لم يزالوا في زيادة حتى كمل بهم ما أراد الله من إظهار دينه وتمام نعمته فله الحمد والمنة .
قوله حين يخالط بشاشة القلوب كذا روى بالنصب على المفعولية أي يخالط الإيمان انشراح الصدور وروى بشاشة القلوب بالضم والقلوب مفعول أي يخالط بشاشة الإيمان وهو شرحه القلوب التي يدخل فيها وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلبا فتخرج منه .
قوله وكذلك الرسل لا تغدر لأنها لا تطلب حظ الدنيا الذي لا يبالي طالبه بالغدر بخلاف من طلب الآخرة ولم يعرج هرقل على الدسيسة التي دسها أبو سفيان كما تقدم .

فائدة قال المازني هذه الأشياء التي سأل عنها هرقل ليست قاطعة على النبوة الا أنه يحتمل أنها كانت عنده علامات على هذا النبي بعينه لأنه قال بعد ذلك قد كنت أعلم أنه خارج ولم أكن أظن أنه منكم .
وقوله وينهاكم عن عبادة الأوثان مستفاد من قوله ولا تشركوا به شيئا واتركوا ما يقول آباؤكم لأن مقولهم الأمر بعبادة الأوثان .
قوله أخلص بضم اللام أي أصل يقال خلص إلى كذا أي وصل .
قوله لتجشمت بالجيم والشين المعجمة أي تكلفت الوصول إليه وهذا يدل على أنه كان يتحقق أنه لا يسلم من القتل أن هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم واستفاد ذلك بالتجربة كما في قصة ضغاطر الذي أظهر لهم إسلامه فقتلوه.

وفي مرسل بن إسحاق عن بعض أهل العلم أن هرقل قال ويحك والله إني لأعلم أنه نبي مرسل ولكني أخاف الروم على نفسي ولولا ذلك لاتبعته لكن لو تفطن هرقل لقوله صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي أرسل إليه أسلم تسلم وحمل الجزاء على عمومه في الدنيا والأخرى لسلم لو أسلم من كل ما يخافه ولكن التوفيق بيد الله تعالى .
وقوله لغسلت عن قدميه مبالغة في العبودية له والخدمة زاد عبد الله بن شداد عن أبي سفيان لو علمت أنه هو لمشيت إليه حتى أقبل رأسه وأغسل قديمه وهي تدل على أنه كان بقي عنده بعض شك وزاد فيها ولقد رأيت جبهته تتحادر عرقا من كرب الصحيفة يعني لما قرئ عليه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم وفي اقتصاره على ذكر غسل القدمين إشارة منه إلى أنه لا يطلب منه إذا وصل إليه سالما لا ولاية ولا منصبا وإنما يطلب ما تحصل له به البركة .

وقوله وليبلغن ملكه ما تحت قدمي أي بيت المقدس وكنى بذلك لأنه موضع استقراره أو أراد الشام كله لأن دار مملكته كانت حمص ومما يقوي أن هرقل آثر ملكه على الإيمان واستمر على الضلال أنه حارب المسلمين في غزوة مؤتة سنة ثمان بعد هذه القصة بدون السنتين ففي مغازي بن إسحاق وبلغ المسلمين لما نزلوا معان من أرض الشام أن هرقل نزل في مائة ألف من المشركين فحكي كيفية الوقعة وفي كتاب الأموال لأبي عبيد بسند صحيح من مرسل بكر بن عبد الله المزني نحوه ولفظه فقال كذب عدو الله ليس بمسلم فعلى هذا إطلاق صاحب الاستيعاب أنه آمن أي أظهر التصديق لكنه لم يستمر عليه ويعمل بمقتضاه بل شح بملكه وآثر الفانية على الباقية والله الموفق.

قوله ثم دعا أي من وكل ذلك إليه ولهذا عدى إلى الكتاب بالباء والله أعلم.
قوله دحية بكسر الدال وحكى فتحها لغتان ويقال أنه الرئيس بلغة أهل اليمن وهو بن خليفة الكلبي صحابي جليل كان أحسن الناس وجها وأسلم قديما وبعثه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر سنة ست بعد أن رجع من الحديبية بكتابه إلى هرقل وكان وصوله إلى هرقل في المحرم سنة سبع ومات دحية في خلافة معاوية وبصرى بضم أوله والقصر مدينة بين المدينة ودمشق وقيل هي حوران وعظيمها هو الحارث بن أبي شمر الغساني .

قوله من محمد فيه أن السنة أن يبدأ الكتاب بنفسه وهو قول الجمهور زاد في حديث دحية وعنده بن أخ له أحمر أزرق سبط الرأس وفيه لما قرأ الكتاب سخر فقال لاتقرأه إنه بدأ بنفسه فقال قيصر لتقرأنه فقرأه .
قوله عظيم الروم فيه عدول عن ذكره بالملك أو الآمرة لأنه معزول بحكم الإسلام لكنه لم يخله من إكرام لمصلحة التآلف وفي حديث دحية أن بن أخي قيصر أنكر أيضا كونه لم يقل ملك الروم .

قوله سلام على من أتبع الهدى في رواية المصنف في الاستئذان السلام بالتعريف وقد ذكرت في قصة موسى وهارون مع فرعون وظاهر السياق يدل على أنه من جملة ما أمرا به أن يقولاه فإن قيل كيف يبدأ الكافر بالسلام
فالجواب أن المفسرين قالوا ليس المراد من هذا التحية إنما معناه سلم من عذاب الله من أسلم ولهذا جاء بعده أن العذاب على من كذب وتولى وكذا جاء في بقية هذا الكتاب فإن توليت فإن عليك إثم الاريسيين فمحصل الجواب أنه لم يبدأ الكافر بالسلام قصدا وأن كان اللفظ يشعر به لكنه لم يدخل في المراد لأنه ليس ممن أتبع الهدى فلم يسلم عليه .

قوله أما بعد في قوله أما معنى الشرط وتستعمل لتفصيل ما يذكر بعدها غالبا وقد ترد مستأنفه لا لتفصيل كالتي هنا .

قوله بدعاية الإسلام بكسر الدال من قولك دعا يدعو دعاية نحو شكا يشكو شكاية ولمسلم بداعية الإسلام أي بالكلمة الداعية إلى الإسلام وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والباء موضع إلى .


وقوله أسلم تسلم غاية في البلاغ وفيه نوع من البديع وهو الجناس الاشتقاقي.
قوله يؤتك جواب ثان للأمر ويحتمل أن يكون تضعيف الأجر له من جهة إسلامه ومن جهة أن إسلامه يكون سببا لدخول أتباعه
واستنبط منه شيخنا شيخ الإسلام أن كل من دان بدين أهل الكتاب كان في حكمهم في المناكحة والذبائح لأن هرقل هو وقومه ليسوا من بني إسرائيل وهم ممن دخل في النصرانية بعد التبديل وقد قال له ولقومه يا أهل الكتاب فدل على أن لهم حكم أهل الكتاب خلافا لمن خص ذلك الاسرائيلين أو بمن علم أن سلفه ممن دخل في اليهودية أو النصرانية قبل التبديل والله أعلم.

قوله فإن توليت أي اعرضت عن الإجابة إلى الدخول في الإسلام وحقيق التولى إنما هو بالوجه ثم استعمل مجازا في الأعراض عن الشيء وهي استعارة تبعية .
قوله الاريسيين هو جمع اريسي وهو منسوب إلى أريس بوزن فعيل وقد تقلب همزته ياء الاكار أي الفلاح عند ثعلب وعند كراع الاريس هو الأمير وقال الجوهري هي لغة شامية وأنكر بن فارس أن تكون عربية وقيل في تفسيره غير ذلك لكن هذا هو الصحيح هنا فقد جاء مصرحا به في رواية بن إسحاق بلفظ فإن عليك إثم الأكارين زاد البرقاني في روايته يعني الحراثين

قال أبو عبيد المراد بالفلاحين أهل مملكته لأن كل من كان يزرع فهو عندالعرب فلاح سواء كان يلي ذلك بنفسه أو بغيره قال الخطابي أراد إن عليك إثم الضعفاء والاتباع إذا لم يسلموا تقليدا له لأن الاصاغر أتباع الأكابر .
قوله ويا أهل الكتاب .
قوله فلما قال ما قال يحتمل أن يشير بذلك إلى الأسئلة والأجوبة .
والصخب اللفظ وهو اختلاط الأصوات في المخاصمة .
قوله فقلت لأصحابي حين خلوت بهم.

قوله أمر هو بفتح الهمزة وكسر الميم أي عظم .
وابن أبي كبشة أراد به النبي صلى الله عليه وسلم لأن أبا كبشة أحد أجداده وعادة العرب إذا انتقصت نسبت إلى جد غامض .
قوله أنه يخافه هو بكسر الهمزة استئنافا تعليليا .
قوله ملك بني الأصفر هم الروم ويقال إن جدهم روم بن عيص تزوج بنت ملك الحبشة فجاء لون ولده بين البياض والسواد فقيل له الأصفر .وقيل إنما لقب الأصفر لأن جدته سارة زوج إبراهيم حلته بالذهب.

قوله فما زلت موقنا فما زلت مرعوبا من محمد حتى أسلمت .
قوله حتى ادخل الله على الإسلام أي فاظهرت ذلك اليقين وليس المراد أن ذلك اليقين ارتفع.
قوله وكان بن الناطور وهو بالعربية حارس البستان .
في قوله وكان عاطفة .
وقوله سقفا بضم السين والقاف سقف بكسر القاف والاسقف والسقف لفظ أعجمى ومعناه رئيس دين النصارى وقيل عربي وهو الطويل في انحناء وقيل ذلك للرئيس لأنه يتخاشع .

قوله حزاء بالمهملة وتشديد الزاي آخره همزة منونة أي كاهنا يقال حزا بالتخفيف يحزو حزوا أي تكهن.
وقوله ينظر في النجوم فالكهانة تارة تستند إلى إلقاء الشياطين وتارة تستفاد من أحكام النجوم وكان كل من الامرين في الجاهلية شائعا ذائعا إلى أن أظهر الله الإسلام فانكسرت شوكتهم وأنكر الشرع الاعتماد عليهم

فإن قيل كيف ساغ للبخاري إيراد هذا الخبر المشعر بتقوية أمر المنجمين والاعتماد على ما تدل عليه احكامهم فالجواب أنه لم يقصد ذلك بل قصد أن يبين أن الإشارات بالنبي صلى الله عليه وسلم جاءت من كل طريق وعلى لسان كل فريق من كاهن أو منجم محق أو مبطل أنسى أو جنى وهذا من أبدع ما يشير إليه عالم أو يجنح إليه محتج وقد قيل إن الحزاء هو الذي ينظر في الأعضاء وفي خيلان الوجه فيحكم على صاحبها بطريق الفراسة .
قوله ملك الختان بضم الميم واسكان اللام وللكشميهني بفتح الميم وكسر اللام قوله قد ظهر أي غلب يعني دله نظره في حكم النجوم على أن ملك الختان قد غلب وهو كما قال لأن في تلك الأيام كان ابتداء ظهور النبي صلى الله عليه وسلم إذ صالح كفار مكة بالحديبية وأنزل الله تعالى عليه إنا فتحنا لك فتحا بينا إذ فتح مكة كان سببه نقض قريش العهد الذي كان بينهم بالحديبية ومقدمة الظهور ظهور .

قوله من هذه الأمة أي من أهل هذا العصر وإطلاق الأمة على أهل العصر كلهم فيه تجوز.
قوله فلا يهمنك بضم أوله من أهم أثار الهم وقوله شأنهم أي أمرهم و مدائن جمع مدينة .
قوله فبينما هم على أمرهم أي في هذه المشورة قوله أتى هرقل برجل لم يذكر من أحضره وملك غسان هو صاحب بصري .
قوله عن خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فسر ذلك بن إسحاق في روايته فقال خرج من بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي فقد اتبعه ناس وخالفه ناس فكانت بينهم ملاحم في مواطن فتركتهم وهم على ذلك فبين ما أجمل في حديث الباب لأنه يوهم أن ذلك كان في أوائل ما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم .

قوله هذا ملك هذه الأمة قد ظهر كذا لأكثر الرواة بالضم .والله أعلم
الشرح باختصار من فتح الباري شرح صحيح البخاري .
%بريق الذهب%
%بريق الذهب%
شرح الحديث الثامن من صحيح البخاري

2 - كتاب الإيمان.

1 - باب الإيمان، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس).

وهو قول وفعل، ويزيد وينقص، قال الله تعالى: {ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم} /الفتح: 4/. {وزنادهم هدى} /الكهف: 13/. {ويزيد الله الذين اهتدوا هدى} /مريم: 76/. {والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم} /محمد: 17/. {ويزداد الذين آمنوا إيمانا} /المدثر: 31/. وقوله: {أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا} /التوبة: 124/. وقوله جل ذكره: {فاخشوهم فزادهم إيمانا} /آل عمران: 173/. وقوله تعالى: {وما زادهم إلا إيمانا وتسليما} /الأحزاب: 22/. والحب في الله والبغض في الله من الإيمان.
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي: إن للإيمان فرائض وشرائع وحدودا وسننا، فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعش فسأبينها لكم حتى تعملوا بها، وإن أمت فما أنا على صحبتكم بحريص.
وقال إبراهيم عليه السلام: {ولكن ليطمئن قلبي} /البقرة: 260/.
وقال معاذ: اجلس بنا نؤمن ساعة. وقال ابن مسعود: اليقين الإيمان كله.
وقال ابن عمر: لا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك في الصدر.
وقال مجاهد: {شرع لكم} /الشورى: 13/: أوصيناك يا محمد وإياه دينا واحدا.
وقال ابن عباس: {شرعة ومنهاجا} /المائدة: 48/: سبيلا وسنة. {دعاؤكم} إيمانكم، لقوله عز وجل: {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم} /الفرقان: 77/. ومعنى الدعاء في اللغة الإيمان.

8 - حدثنا عبيد الله بن موسى قال: اخبرنا حنظلة بن أبي سفيان: عن عكرمة بن خالد، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان).


الشـــــرح :


قوله على خمس أي دعائم .


تنبيهات:


أحدهما لم يذكر الجهاد لأنه فرض كفاية ولا يتعين الا في بعض الأحوال .


قوله شهادة أن لا إله إلا الله وما بعدها المراد بالشهاده تصديق الرسول فيما جاء به فيستلزم جميع ما ذكر من المعتقدات .


المراد باقام الصلاة المداومه عليها أو مطلق الإتيان بها والمراد بايتاء الزكاة إخراج جزء من المال على وجه مخصوص .


سادسها وقع هنا تقديم الحج على الصوم وعليه بني البخاري ترتيبه لكن وقع في مسلم من رواية سعد بن عبيدة عن بن عمر بتقديم الصوم على الحج قال فقال رجل والحج وصيام رمضان فقال بن عمر لا صيام رمضان والحج هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى
%بريق الذهب%
%بريق الذهب%
بسم الله الرحمن الرحيم


2 - باب: أمور الإيمان

وقول الله تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في الباسأء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} /البقرة: 177/.
{قد أفلح المؤمنون} /المؤمنون: 1/ الآية.
9 - حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا أبو عامر العقدي قال: حدثنا سليمان بن بلال، عن عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان).


الشـــــــــــــــــــــرح :
أن الآية حصرت التقوى على أصحاب هذه الصفات والمراد المتقون من الشرك والأعمال السيئه فإذا فعلوا وتركوا فهم المؤمنون الكاملون والجامع بين الآية والحديث أن الأعمال مع انضمامها إلى التصديق داخلة في مسمى البر كما هي داخلة في مسمى الإيمان .
قوله قد أفلح المؤمنون ذكره بلا أداة عطف والحذف جائز والتقدير وقول الله قد أفلح المؤمنون وكان المؤلف أشار إلى إمكان عد الشعب من هاتين الآيتين وشبههما ومن ثم ذكر بن حيان أنه عد كل طاعة عدها الله تعالى في كتابه من الإيمان وكل طاعة عدها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الإيمان وحذف المكرر فبلغت سبعا وسبعين.



البضعمقيد بما بين الثلاث إلى التسع وقيل من واحد إلى تسعة وقيل من أربعة إلى تسعة وعن الخليل البضع السبع ويرجح ما قاله القزاز ما اتفق عليه المفسرون في قوله تعالى فلبث في السجن بضع سنين وقال الفراء وهو خاص بالعشرات إلى التسعين ولا يقال بضع ومائة ولا بضع وألف .
قوله شعبة بالضم أي قطعة والمراد الخصلة أو الجزء .
قوله والحياء هو بالمد وهو في اللغة تغير وانكسار يعترى الإنسان من خوف ما يعاب به

وفي الشرع خلق يبعث على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق .

ولهذا جاء في الحديث الآخر الحياء خير كله.

فإن قيل الحياء من الغرائز فكيف جعل شعبة من الإيمان

أجيب بأنه قد يكون غريزة وقد يكون تخلقا ولكن استعماله على وفق الشرع يحتاج إلى اكتساب وعلم ونية فهو من الإيمان لهذا ولكونه باعثا على فعل الطاعة وحاجزا عن فعل المعصية ولا يقال رب حياء يمنع عن قول الحق أو فعل الخير لأن ذاك ليس شرعيا فإن قيل لم أفرده بالذكر هنا أجيب بأنه كالداعي إلى باقي الشعب إذ الحي يخاف فضيحة الدنيا والآخرة فيأتمر وينزجر والله الموفق .


%بريق الذهب%
%بريق الذهب%
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شرح الحديث العاشر من صحيح البخاري




3 - باب: المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

10- حدثنا آدم بن أبي أياس قال: حدثنا شعبة، عن عبد الله بن أبي السفر وإسماعيل، عن الشعبي، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه).


الشرح :
قوله المسلم قيل الألف واللام فيه للكمال نحو زيد الرجل أي الكامل في الرجولية قال الخطابي المراد أفضل المسلمين من جمع إلى أداء حقوق الله تعالى أداء حقوق المسلمين انتهى ويحتمل أن يكون المراد بذلك أن يبين علامة المسلم التي يستدل بها على إسلامه وهي سلامة المسلمين من لسانه ويده كما ذكر مثله في علامة المنافق ويحتمل أن يكون المراد بذلك الإشارة إلى الحث على حسن معاملة العبد مع ربه لأنه إذا أحسن معاملة إخوانه فاولى أن يحسن معاملة ربه من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى تنبيه ذكر المسلمين هنا خرج مخرج الغالب لأن محافظة المسلم على كف الأذى عن أخيه المسلم أشد تاكيدا ولان الكفار بصدد أن يقاتلوا وأن كان فيهم من يجب الكف عنه والاتيان بجمع التذكير للتغليب فإن المسلمات يدخلن في ذلك وخص اللسان بالذكر لأنه المعبر عما في النفس وهكذا اليد لأن أكثر الأفعال بها والحديث عام بالنسبة إلى اللسان دون اليد لأن اللسان يمكنه القول في الماضين والموجودين والحادثين بعد بخلاف اليد نعم يمكن أن تشارك اللسان في ذلك بالكتابة وأن أثرها في ذلك لعظيم ويستثنى من ذلك شرعا تعاطي الضرب باليد في إقامة الحدود والتعازير على المسلم المستحق لذلك .
وفي التعبير باللسان دون القول نكتة فيدخل فيه من أخرج لسانه على سبيل الاستهزاء وفي ذكر اليد دون غيرها من الجوارح نكتة فيدخل فيها اليد المعنوية كالاستيلاء على حق الغير بغير حق .
قوله والمهاجر هو بمعنى الهاجر وأن كان لفظ المفاعل يقتضي وقوع فعل من اثنين ولكنه هنا للواحد كالمسافر وهذه الهجرة ضربان ظاهرة وباطنه فالباطنة ترك ما تدعو إليه النفس الامارة بالسوء والشيطان والظاهرة الفرار بالدين من الفتن وكأن المهاجرين خوطبوا بذلك لئلا يتكلوا على مجرد التحول من دارهم حتى يمتثلوا أوامر الشرع ونواهيه ويحتمل أن يكون ذلك قيل بعد انقطاع الهجرة لما فتحت مكة تطييبا لقلوب من لم يدرك ذلك بل حقيقة الهجرة تحصل لمن هجر ما نهى الله عنه فاشتملت هاتان الجملتان على جوامع من معاني الحكم والأحكام .
تنبيه هذا الحديث من افراد البخاري عن مسلم بخلاف جميع ما تقدم من الأحاديث المرفوعه على أن مسلما أخرج معناه من وجه آخر






المصدر : من فتح الباري شرح صحيح البخاري باختصار