um Abdul-Aziz
um Abdul-Aziz
الفصل السابع

من ذكاء الأعراب

· روى عمرو بن معديكرب أنه خرج يوما حتى انتهى الى حي, فاذل بفرس مشدود ورمح مركوز, واذا صاحبه في وهدة يقضي حاجته, قال: فقلت له:
خذ حذرك فاني قاتلك.
قال: ومن أنت؟
قلت: عمرو بن معديكرب.
قال: يا أبا ثور ما أنصفتني. أنت على ظهر فرسك وانا في بئرو فأعطني عهدا أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري.
فأعطيته عهدا أن لا أقتله حتى يركب فرسه ويأخذ حذره, فخرج من الموضع الذي كان فيه حتى احتبى بسيفه وجلس.
فقلت له: ما هذا؟
قال: ما أنا براكب فرسي ولا مقاتلك, فان كنت نكثت عهدا فأنت أعلم.
فتركته ومضيت, فهذا أحيل من رأيت.


· قدم أعرابي من أهل البادية على رجل من أهل الحضر, وكان عنده دجاج كثير وله امرأة وابنان وابنتان, قال:
فقلت لامرأتي: اشوي لي دجاجة وقدّميها لنا نتغذى بها.
فلما حضر الغداء جلسنا جميعا, أنا وامرأتي وابناي وابنتاي والأعرابي, فدفعنا اليه الدجاجة, فقلنا: "اقسمها بيننا", نريد بذلك أن نضحك منه.
قال: لا أحسن القسمة, فان رضيتم بقسمي قسمت بينكم. قلنا: فاننا نرضى. فأخذ رأس الدجاجة, فقطعه ثم ناولنيه, وقال: الرأس للرئيس, ثم قطع الجناحين قال: والجناحان للابنان, ثم قطع الساقين فقال: والساقان للابنتين, ثم قطع الزمكي وقال: العجز للعجوز, ثم قال: الزور للزائر, فأخذ الدجاجة بأسرها!
فلما كان من الغد قلت لامرأتي: اشوي لنا خمس دجاجات. فلما حضر الغداء قلنا: اقسم بيننا.
قال: أظنكم وجدتم من قسمتي أمس.
قلنا: لا لم مجد, فاقسم بيننا.
فقال: شفعا أو وترا؟
قلنا: وتر.
قال: نعم. أنت وامرأتك ودجاجة ثلاثة, ورمى بدجاجة, ثم قال: وابناك دجاجة ثلاثة, ورمى الثانية. ثم قال: وابنتاك دجاجة ثلاثة, وركى الثالثة. ثم قال: وأنا ودجاجتان ثلاثة.
فأخذ الدجاجتين, فرآنا ونحن ننظر الى دجاجتيه, فقال: ما تنظرون, لعلكم كرهتك قسمتي؟ الوتر ما تجيء الا هكذا.
قلنا: فاقسمها شفعا.
فقبضهن اليه ثم قال: أنت وابناك دجاجة أربعة, ورمى الينا بدجاجة, والعجوز وابنتاها ودجاجة أربعة, ورمى اليهن بدجاجة. ثم قال: وأنا وثلاث دجاجات أربعة, وضم اليه ثلاث دجاجات. ثم رفعها رأسه الى السماء وقال:
الحمد لله أنت فهمتها لي!


· قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟
قال: أصبحت وأرى كل شيء مني في ادبار, وادباري في اقبال.


· أقبل أعرابي يريد رجلا وبين يدي الرجل طبق تين, فلما أبصر الأعرابي غطى التين بكسائه, والأعرابي يلاحظه, فجلس بين يديه, فقال له الرجل:
هل تحسن من القرآن شيئا؟
قال: فاقرأ.
فقرأ: {والزيتون * وطور سينين}.
قال الرجل: فأين التين؟
قال: التين تحت كسائك.


· حدثنا عيسى بن عمر قال: ولي أعرابي البحرين, فجمع يهودها وقال:
ما تقولون في عيسى ابن مريم؟
قالوا: نحن قتلناه وصلبناه.
فقال الأعرابي: لا جرم, فهل أديتم ديته؟
فقالوا: لا.
فقال: والله لا تخرجون من عندي حتى تؤدّى اليّ ديته.
فما خرجوا حتى دفعوها له.


· حدثنا ابن قتيبة قال: كان أبو العاج على حوالي البصرة, فأتي برجل من النصارى, فقال: ما اسمك؟
قال: بندار شهر بندار.
فقال: أنتم ثلاثة وجزية واحدة.
لا والله العظيم, فأخذ منه ثلاث جزى.
وولي تبالة: فصعد المنبر فما حمد الله ولا أثنى عليه حتى قال: ان الأمير ولاني بلدكم واني والله ما أعرف من الحق موضع صوتي هذا, ولن أوتى بظالم ولا مظلوم الا أوجعتهما ضربا. فكانوا يتعاطون الحق بينهم ولا يرتفعون اليه.


· أنشد رجل أبا عثمان المازني شعرا له, ثم قال: كيف تراه؟
قال: أراك قد عملت عملا باخراج هذا من جوفك, لأنك لوتركته لأورثك الشك.


· قيل نزل أعرابي في سفينة, فاحتاج الى البزار, فصاح: "الصلاة الصلاة".
فقربوا الى الشط, فخرج فقضى حاجته, ثم رجع فقال:
ادفعوا, فصلاتكم بعد وقت.


· وقف أعرابي على قوم فسألهم عن أسمائهم.
فقال أحدهم: اسمي وثيق.
وقال الآخر: منيع.
وقال الآخر: اسمي ثابت.
فقال الأعرابي: ما أظن الأقفال عملت الا من أسمائكم.


· وقال الأصمعي:
سألت أعرابيّة عن ولدها _ وكنت أعرفه_ فقالت:
مات والله, وقد آمنني الله بفقده المصائب ثم قالت:
وكنت أخاف الدهر ما كان باقيا
فلما تولى مات خوفي من الدهر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
um Abdul-Aziz
um Abdul-Aziz
الفصل الثامن

في ذكر من احتال بذكائه لبلوغ غرض

· قال المغيرة بن شعبة:
ما غدعني قط غير غلام من بني الحرث بن كعب, فاني ذكرت امرأة منهم وعندي شاب من بني الحرث, فقال:
أيها الأمير انه لا خير لك فيها.
فقلت: ولما.
قال: رأيت رجلا يقبلها.
فأقمت أياما, ثم بلغني أن الفتى تزوج بها, فأرسلت اليه فقلت: ألم تعلمني أنك رأيت رجلا يقبلها؟
قال: بلى, رأيت أباها يقبلها.
فاذا ذكرت الفتى وما صنع غمّني ذلك.


· خطب رجل الى قوم, فقالوا: ما تعالج؟
قال: أبيع الدواب.
فزوّجوه, ثم سألوا عنه, فاذا هو يبيع السنانير, فخاصموه الى شريح فقال: السنانير دواب.
وأنفذ تزويجه.


· أخبرنا الأصمعي أن محمد بن الحنفية أراد أن يقدم الكوفة أيام المختار, فقال المختار حين بلغه ذلك: ان في المهدي علامة يضربه رجل في السوق بالسيف فلا يضرّه.
فلما بلغ ذلك محمد أقام ولم يقدم الكوفة.


· أخبرنا داود بن الرشيد قال: قلت للهيثم بن عديّ: أي شيء استحق سعيد بن عثمان أن ولاه المهدي القضاء, وأنزله منه تلك المنزلة الرفيعة؟
قال: ان خبره في اتصاله بالمهدي ظريف, فان أحببت شرحته لك.
قال: قلت: والله ما أحببت ذلك.
قال: اعلم أنه وافى الربيع الحاجب حين أفضت الخلافة الى المهدي, فقال: استأذن على أمير المؤمنين.
فقال له الربيع: من أنت وما حاجتك؟
قال: أنا رجل قد رأيت لأمير المؤمنين رؤيا صالحة, وقد أحببت أن تذكروني له.
فقال له الربيع: يا هذا ان القوم لا يصدقون ما رأونه لأنفسهم, فكيف ما يراه لهم غيرهم؟
فقال له: ان لم تخبره بمكاني سألت من يوصلني اليه, فأخبرته أني سألتك الاذن عليه, فلم تفعل.
فدخل الربيع على المهدي فقال له: يا أمير المؤمنين, انكم قد أطعمتم الناس في أنفسكم, فقد احتالوا لكم بكل ضرب.
قال له: هكذا صنع المملوك, فما ذاك؟
قال: رجل بالباب يزعم أنه قد رأى لأمير المؤمنين رؤيا حسنة, وقد أحبّ أن يقصها عليه.
فقال له المهدي: ويحك يا ربيع, اني والله أرى الرؤيا لنفسي, فلا تصح لي, فكيف اذا دعاها من لعله قد افتعلها؟
قال: والله قلت له مثل هذا, فلم يقبل.
قال: هات الرجل.
فأدخل اليه سعيد بن عبد الرحمن وكان له رؤية وجمال ومروءة ظاهرة ولحية عظيمة ولسان, فقال له المهدي: هات بارك الله عليك, فماذا رأيت؟
قال: رأيت أمير المؤمنين آتيا أتاني في منامي, فقال لي: أخبر أمير المؤمنين المهدي أنه يعيش ثلاثين سنة في الخلافة, وآية ذلك أنه يرى في ليلته هذه في منامه كأنه يقلّب يواقيت, ثم يعدها, فيجدها ثلاثين ياقوتة, كأنها قد وهبت له.
فقال المهدي: ما أحسن ما رأيت, ونحن نمتحن رؤياك في ليلتك المقبلة على ما أخبرتنا به, فان كان الأمر على ما ذكرته أعطيناك ما تريد, وان كان الأمر بخلاف ذلك, لعلمنا أن الرؤيا ربما صدقت وربما اختلفت.
فقال له سعيد: يا أمير المؤمنين, فما أنا أصنع الساعة اذا صرت الى منزلي وعيالي, فأخبرتهم أني كنت عند أمير المؤمنين ثم رجعت صفرا؟
قال له المهدي: فكيف نعمل؟
قال: يعجّل لي أمير المؤمنين ما أحب وأحلف له بالطلاق أني قد صدقت.
فأمر له بعشرة آلاف درهم, وأمر أ، يؤخذ منه كفيل ليحضره من غد ذلك اليوم, فقبض المال, وقيل من يكفل بك؟
فمدّ عينيه الى خادم فرآه حسن الوجه والزي, فقال: هذا يكفل بي.
فقال له المهدي: أتكفل به؟
فاحمرّ وخجل وقال: نعم. وكفله, وانصرف.
فلما كان في تلك الليلة رأى المهدي ما ذكره له سعيد حرفا حرفا وأصبح سعيد في الباب واستأذن فأذن له, فلما وقعت عين المهدي عليه قال: أين مصداق ما قلت لنا؟
فقال سعيد: امرأتي طالق ان لم تكن رأيت شيئا.
قال له المهدي: ويحك, ما أجرأك على الحلف بالطلاق.
قال: لأنني أحلف على صدق.
قال له المهدي: فقد والله رأيت ذلك مبينا.
فقال له سعيد: الله أكبر! فأنجز يا أمير المؤمنين ما وعدتني.
قال له: حبّا وكرامة. ثم أمر له بثلاثة آلاف دينار, وعشرة تخوت ثياب من كل صنف, وثلاثة مراكب من أنفس دوابه محلاة.
فأخذ ذلك وانصرف, فلحق به الخادم الذي كان كفل به, وقال له: سألتك بالله هل كان لهذه الرؤيا التي ذكرتها من أصل؟
قال له سعيد: لا والله.
قال الخادم: كيف وقد رأى أمير المؤمنين ما ذكرته له؟
قال: هذه من المخاريق الكبار التي لا يأبه لها أمثالكم, وذلك أني لما ألقيت اليه هذا الكلام خطر بباله, وحدّث به نفسه, وأسرّ به قلبه, وشغل به فكره, فساعة نام خيّل له ما حلّ في قلبه, وما كان شغل به فكره في المنام.
قال له الخادم: قد حلفت بالطلاق!
قال: طلقت واحدة, وبقيت معي ثننتين فأرد في مهر عشرة دراهم, وأتخلّص وأتحصّل على عشرة آلاف درهم, وثلاثة آلاف دينار, وعشرة تخوت من أصناف الثياب, وثلاثة مراكب.
فبهت الخادم في وجهه وتعجّب من ذلك, فقال له سعيد: قد صدقتك وجعلت صدقي لك فكافأتك على كفالتك بي, فاستر عليّ ذلك.
ففعل ذلك, فطلبه المهدي لمنادمته, فنادمه وحظي عنده وقلّده القضاء على عسكر المهدي, فلم يزل كذلك حتى مات المهدي.


· قال المحسن بن عليّ التنوخي, عن أبيه قال:
حججت في موسم اثنتين وأربعين, فرأيت مالا عظيما وثيابا كثيرة تفرّق في المسجد الحرام, فقلت: ما هذا؟
فقالوا: بخراسان رجل صالح عظيم النعمة والمال يقال له:"عليّ الزرّاد", أنفذ عام أول مالا وثيابا الى ههنا مع ثقة له, وأمره أن يعتبر قريشا, فمن وجده منها حافظا للقرآن دفع اليه كذا وكذا ثوبا.
قال: فحضر الرجل عام أول, فلم يجد في قريش ألبتة فلم يجد في قريش ألبتة أحدا يحفظ القرآن الا رجلا واحدا من بني هاشم, فأعطاه قسطه, وتحدّث الناس بالحديث, وردّ باقي المال الى صاحبه.
فلما كان في هذه السنة عاد بالمال والثياب, فوجد خلقا عظيما من جميع بطون قريش قد حفظوا القرآن, وتسابقوا الى تلاوته بحضرته, وأخذوا الثياب والدراهم, فقد فنيت وبقي منهم من لم يأخذ, وهم يطالبونه.
قال: فقلت: لقد توصل هذا الرجل الى رد فضائل قريش عليها بما يشكره الله سبحانه له.


· أخبرنا علي بن المحسن, عن أبيه قال:
أخبرني جماعة من شيوخ بغداد أنه كان بها في طرف الجسر سائلان أعميان, أحدهما يتوسّل بأمير المؤمنين عليّ, والآخر بمعاوية, ويتعصّب لهما الناس, ويجمعان القطع, فاذا انصرفا فيقتسمان القطع, وكانا يحتالان بذلك على الناس.
um Abdul-Aziz
um Abdul-Aziz
· حدثنا عبد الواحد بن محمد الموصلي, حدثنا بعض فتيان الموصلي قال:
لما قتل ناصر الدولة أبا بكر بن رايق الموصلي نهب الناس داره بالموصل, فدخلت لأنهب, فوجدت كيسا فيه أكثر من ألف دينار, فأخذته وخفت أن أخرج وهو معي كذلك, فيبصرني بعض الجند, فيأخذه مني, فطفت الدار, فوقعت على المطبخ, فعمدت الى قدرة كبيرة فيها سكباج, فطرحت الكيس فيها, وحملتها على يدي, فكل من استقبلني نظر أني ضعيف قد حملني الجوع على أخذ تلك القدرة التي سلمت الى منزلي.


· وحدثني أبو حسن بن عباس القاضي قال:
رأيت صديقا على بعض زوارق الجسر ببغداد جالسا في يوم شديد الريح وهويكتب رقعة, فقلت:
ويحك, في هذا الموضع وهذا الوقت؟!.
قال: أريد أن أزوّر على رجل مرتعش ويدي لا تساعدني, فتعمّدت الجلوس ههنا لتحرك الزورق بالموج في هذه الريح فيجيء خطي مرتعشا فيشبه خطّه.


· دخل أبو دلامة على المهدي, فأنشده قصيدة فقال له: سلني حاجتك.
فقال: يا أمير المؤمنين, تهب لي كلبا.
فغضب وقال: أقول لك, سلني حاجتك فتقول:" هب لي كلبا"؟
فقال: يا أمير المؤمنين, الحاجة لي أم لك.
قال: لا, بل لك.
قال: فاني أسألك أن تهب لي كلب صيد.
فأمر له بكلب, فقال:
يا أمير المؤمنين, هبني خرجت الى الصيد, أأعدو على رجلي؟
فأمر له بدابة.
فقال: يا أمير المؤمنين, فمن يقوم عليها؟
فأمر له بغلام.
فقال: يا أمير المؤمنين, فهبني قصدت صيدا وأتيت به المنزل, فمن يطبخه؟
فأمر له بجارية.
فقال: يا أمير المؤمنين, هؤلاء أين يبيتون؟
فأمر له بدار.
فقال: يا أمير المؤمنين, قد صيّرت في عنقي كفا (أي جمعا من عيال) , فمن أين ما يتقوّت به هؤلاء؟
قال: فان أمير المؤمنين قد أقطعك ألف جريب عامرا وألف جريب غامرا.
فقال: أما العامر فقد عرفته, فما الغامر؟
قال: الخراب الذي لا شيء فيه.
قال: ولكنني أسأل أمير المؤمنين من ألفي جريب جريبا واحدا عامرا.
قال: من أين؟
قال: من بيت المال.
فقال المهدي: حوّلوا المال وأعطوه جريبا.
فقال: يا أمير المؤمنين! اذا حوّلوا منه المال صار غامرا.
فضحك منه وأرضاه.


· كان نصراني يختلف الى الضحاك بن مزاحم, فقال له يوما:
لم لا تسلم؟
قال: لأني أحب الخمر ولا أصبر عليها.
قال: فأسلم واشربها.
فأسلم, فقال له الضحاك:
انك قد أسلمت الآن, فان شربت حددناك, وان رجعت عن الاسلام قتلناك.


· وروي عن ضمرة بن شوذب قال: كان لرجل جارية فوطئها سرا, ثم قال لأهله: ان مريم كانت تغتسل في هذه الليلة, فاغتسلوا, فاغتسل هو واغتسل أهله.


· قال الجاحظ: كان رجل يرقي الضرس يسخر بالناس ليأخذ مه شيئا, وكان يقول للذي يرقيه:
ايّاك أن يخطر على قلبك الليلة ذكر القرد.
فيبيت وجعا فيبكّر اليه, فيقول: لعلك ذكرت القرد؟
فيقول نعم.
فيقول: ثم لم تنفع الرقيّة.


· وقف بعض الحاكّة على طبيب, فرآه يصف لهذا النقوع ولهذا التمر هندي, فقال: من لا يحسن مثل هذا؟
فرجع الى زوجته فقال: اجعلي عمامتي كبيرة.
فقالت: ويحك أي شيء قد طرأ لك؟
قال: أريد أن أكون طبيبا.
قالت: لا تفعل, فانك تقتل الناس فيقتلوك.
قال: لا بد.
فخرج أول يوم فقعد يصف الناس, قحصّل قراريط, فجاء فقال لزوجته: أنا كنت أعمل كل يوم بحبة, فانظري ايش يحصل؟
فقالت: لا تفعل.
قال: لا بد.
فلما كان في اليوم الثاني اجتازت جارية, فرأته فقالت لسيدتها, وكانت شديدة المرض: اشتهيت هذا الطبيب الجديد يداويك, فقالت: ابعثي اليه. فجاء, وكانت المريضة قد انتهى مرضها ومعها ضعف, فقال:
عليّ بدجاجة مطبوخة, فجيء بها, فأكلت, فقويت ثم استقامت.
فبلغ هذا الى السلطان, فجاء به فشكا اليه مرضا يشتكيه, فاتفق أنه وصف له شيئا أصلح به, فاجتمع الى السلطان جماعة يعرفون ذلك الحائك, فقالوا له:
هذا رجل حائك لا يدري شيئا.
فقال السلطان: هذا قد صلحت على يديه وصلحت الجارية على يديه, فلا أقبل قولكم.
قالوا: فنجرّبه بمسائل.
قال: فافعلوا.
فوضعوا له مسائل وسألوه عنها, فقال: ان أجبتكم عن هذه المسائل لم تعلموا جوابها, لأن الجواب لهذه المسائل لا يعرفه الا طبيب, ولكن أليس عندكم مارستان (مستشفى) ؟
قالوا بلى.
قال: أليس فيه مرضى لهم مد ة.
قالوا بلى.
قال: فأنا أداويهم حتى ينهض الكل في عافية في ساعة واحدة, فهل يكون دليل على علمي أقوى من ذلك؟
قالوا: لا.
فجاء الى باب المارستان وقال: ادخلوا لا يأتي معي أحد.
ثم دخل وحده وليس معه الا قيّم المارستان, فقال للقيّم: انك والله ان تحدثت بما أعمل صلبتك, وان سكتّ أغنيتك.
قال: ما أنطق.
فأحلفه بالطلاق, ثم قال: عندك في هذا المارستان زيت؟
قال: نعم.
قال: هاته.
فجاء منه بشيء كثير, فصبّه في قدر كبير, ثم أوقد تحته, فلما اشتد غليانه صاح بجماعة المرضى, فقال لأحدهم:
انه لا يصلح لمرضك الا أن تنزل هذا القدر, فتقعد في هذا الزيت.
فقال المريض: الله الله في أمري!
قال: لا بد.
قال: أنا شفيت, وانما كان بي قليل من صداع.
قال: ايش يقعدك في المارستان وأنت معافى؟
قال: لا شيء.
قال: فاخرج وأخبرهم.
فخرج وأخبرهم, فخرج يعدو ويقول: شفيت باقبال هذا الحكيم.
ثم جاء الى آخر فقال: لا يصلح لمرضك الا أن تقعد في هذا الزيت.
فقال: الله الله, أنا في عافية.
قال: لا بد.
قال: لا تفعل, فاني من أمس أرددت أن أخرج.
قال: قان كنت في عافية فاخرج, وأخبر الناس أنك في عافية.
فخرج يعدو ويقول: شفيت ببركة الحكيم.
وما زال على هذا الوصف حتى أخرج الكل شاكرين له, والله الموفق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
um Abdul-Aziz
um Abdul-Aziz
الفصل التاسع

في ذكر من احتال فانعكس عليه مقصوده

· روي أن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري كان في حبس الحجاج, وكان يعذبه, وكان كل من مات من الحبس رفع خبره الى الحجاج, فيأمر باخراجه وتسليمه الى أهله, فقال بلال للسجان:
خذ مني عشرة آلاف درهم وأخرج اسمي الى الحجاج في الموتى, فاذا أمرك بتسليمي الى أهلي هربت في الأرض, فلم يعرف الحجاج خبري, وان شئت أن تهرب معي فافعل وعليّ غناك أبدا.
فأخذ السجان المال ورفع اسمه في الموتى.
فقال الحجاج: مثل هذا لا يجوز أن يخرج الى أهله حتى أراه, هاته.
فعاد الى بلال فقال: اعهد.
قال: وما الخبر؟
قال: ان الحجاج قال كيت وكيت, فان لم أحضرك اليه ميتا قتلني, وعلم أني أردت الحيلة عليه, ولا بد أن أقتلك خنقا.
فبكى بلال وسأله أن لا يفعل, فلم يكن الى ذلك طريق. فأوصى وصلّى, فأخذه السجان وخنقه, وأخرجه الى الحجاج فلما رآه ميتا قال:
سلّمه الى أهله.
فأخذوه, وقد اشترى الموت لنفسه بعشرة آلاف درهم, ورجعت الحيلة عليه.


· روي أن عضد الدولة بعث القاضي أبا بكر الباقلاني في رسالة الى ملك الروم, فلما ورد مدينته عرف الملك خبره ومحلّه من العلم, ففكر الملك في أمره, وعلم أنه لا يفكر له اذا دخل عليه كما جرى رسم الرعيّة أن يقبّل الأرض بين يدي الملك, فتجنبت له الفكرة أن يضع سريره الذي يجلس عليه وراء باب لطيف لا يمكن أن يدخل أحد منه الا راكعا ليدخل القاضي منه على تلك الحال.
فلما وصل القاضي الى المكان فطن بالقصّة, فأدار ظهره وحنى رأسه, ودخل من الباب وهو يمشي الى خلفه, وقد استقبل الملك بدبره حتى صار بين يديه, ثم رفع رأسه وأدار وجهه حينئذ الى الملك, فعلم الملك من فطنته وهابه.


· وقد روينا أن مزينة أسرت ثابتا أبا حسان الأنصاري, وقالوا: لا نأخذ فداءه الا تيسا.
فغضب قومه وقالوا: لا نفعل هذا.
فأرسل اليهم أن أعطوهم ما طلبوا. فلما جاؤوا بالتيس قال:
أعطوهم أخاهم وخذوا أخاكم.
فسموا مزينة التيس, فصار لهم لقبا وعبثا.


· حدثني أبو بكر الخطاط قال:
كان رجل فقيه خطه في غاية الرداءة, فكان الفقهاء يعيبونه بخطه, ويقولون: لا يكون خط أردأ من خطّك.
فيضجر من عيبهم اياه, فمرّ! يوما بمجلّد يباع فيه خط أردأ من خطه, فبالغ في ثمنه, فاشتراه بدينار وقيراط, وجاء به ليحتج عليهم اذا قؤوه.
فلما حضر معهم أخذوا يذكرون قبح خطه, فقال لهم: قد وجدت أقبح من خطي وبالغت في ثمنه, حتى أتخلّص من عيبكم.
فأخرجه فتصفحوه, واذا في آخره اسمه وأنه كتبه في شبابه, فخجل من ذلك.
um Abdul-Aziz
um Abdul-Aziz
الفصل العاشر

في ذكر من وقع في آفة فتخلص منها بالحيلة
ومن استخدم بذكائه المعاريض

· وعن الأصمعي عن أبيه قال: أتي عبد الملك بن مروان برجل كان مع بعض من خرج عليه, فقال: اضربوا عنقه.
فقال: يا أمير المؤمنين, ما كان هذا جزائي منك.
قال: وما جزاؤك؟
قال: والله ما خرجت مع فلان الا بالنظر لك, وذلك أني رجل مشؤوم, ما كنت مع رجل قط الا غلب وهزم, وقد بان لك صحة ما ادّعيت, وكنت لك خيرا من مئة ألف معك.
فضحك وخلّى سبيله.


*حدّث القاضي أبو الحسين بن عتبة قال:
كانت لي ابنة عم موسرة تزوّجتها, فلم أوثرها لشيء من جمالها, ولكني كنت أستعين بمالها وأتزوّج سرّا, فاذا فطنت بذلك هجرتني وطرحتني وضيّقت عليّ الى أن أطلّق من تزوجتها, ثم تعود اليّ.
فطال ذلك علي, وتزوجت صبيّة حسناء موافقة لطباعي مساعدة على اختياري, فمكثت معي مدة يسيرة, وسعي بها الى ابنة عمي, فأخذت في المناكدة والتضييق عليّ, فلم يسهل عليّ فراق تلك الصبيّة فقلت لها:
استعيري من كل جارة قطعة من أفخر ثيابها, حتى يتكامل لك خلعة تامّة الجمال, وتبخري بالعنبر, واذهبي الى ابنة عمي فابكي بين يديها, وأكثري من الدعاء لها والتضرّع اليها الى أن تضجريها, فاذا سألتك عن حالك, فقولي لها: "ان ابن عمي قد تزوّجني, وفي كل وقت يتزوّج عليّ واحدة, وينفق مالي عليها, وأريد أن تسألي القاضي معونتي وانصافي منه", فانها سترفعك اليّ.
ففعلت, فلما دخلت عليها واتصل بكاؤها رحمتها, وقالت لها: فالقاضي شرّ من زوجك, وهكذا يفعل بي.
وقامت فدخلت عليّ, وأنا في مجلس لي, وهي غضبى ويد الصبيّة في يدها, فقالت:
هذه المشؤومة حالها مثل حالي, فاسمع مقالها واعتمد انصافها.
فقلت: ادخلا.
فدخلتا جميعا, فقلت لها: ما شأنك؟
فذكرت ما وافقتها عليه, فقلت لها: هل اعترف ابن عمّك بأنه قد تزوّج عليك؟
فقالت: لا, والله, وكيف يعترف بما يعلم لا أني لا أقاره عليه؟
قلت: فشاهدت أنت هذه المرأة ووقفت على مكانها وصورتها؟
فقالت: لا والله.
فقلت: يا هذه اتقي الله ولا تقبلي شيئا سمعته, فان الحسّاد كثير والطلاب كثير لافساد النساء كثيرو الحيل والتكذيب, فهذه زوجتي قد ذكر لها أني قد تزوجت عليها, وكل زوجة لي وراء هذا الباب طالق ثلاثا.
فقامت ابنة عمي فقبّلت رأسي وقالت: قد علمت أنه مكذوب عليك أيها القاضي.
ولم يلزمني حنث لاجتماعها بحضرتي.


· حدثنا الأصمعي قال: أتي المنصور برجل ليعاقبه على شيء بلغه عنه, فقال له:
يا أمير المؤمنين, الانتقام عدل, والتجاوز فضل, ونحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين.
فعفا عنه.


· أخذ زياد رجلا من الخوارج, فأفلت منه, فأخذ أخا له فقال:
ان جئت بأخيك والا ضربت عنقك.
قال: أرأيت ان جئت بكتاب من أمير المؤمنين, تخلي سبيلي؟
قال: نعم.
قال: فأنا آتيك بكتاب من العزيز الرحيم, وأقيم عليه شاهدين: ابراهيم وموسى عليهما السلام:{ أم لم ينبّأ بما في صحف موسى * وابراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى }.
قال زياد: خلوا سبيله, هذا رجل لقن حجته.


· أتى الحجاج برجل ليقتله وبيده لقمة, فقال: والله لا أكلتها حتى أقتلك.
قال: أو خير من ذلك, تطعمنيها ولا تقتلني, فتكون قد بررت في يمينك ومننت علي.
فقال: ادن مني. فأطعمه اياه وخلاه.


· وأتي الحجاج برجل من الخوارج, فأمر بضرب عنقه, فاستنظره يوما, فقال: ما تريد بذلك؟
قال: أؤمل عفو الأمير مع ما تجري به المقادير.
فاستحسن قوله وخلاه.


· خرج واصل بن عطاء يريد سفرا في رهط, فاعترضهم جيش من الخوارج, فقال واصل:
لا ينطقن أحد ودعوني معهم.
فقصدهم واصل, فلما قربوا بدأ الخوارج ليوقعوا, فقال:
كيف تستحلون هذا وما تدرون من نحن ولا لأي شيء جئنا؟
فقالوا: نعم. فما أنتم؟
قال: قوم من المشركين جئناكم لنسمع كلام الله.
فكفوا عنهم, وبدأ رجل منهم يقرأ عليهم القرآ،, فلما أمسك قال واصل:
قد سمعنا كلام الله, فأبلغنا مأمننا حتى ننظر فيه, وكيف ندخل في الدين؟
فقال: هذا واجب. سيروا.
فسرنا والخوارج والله معنا يحموننا فراسخ, حتى قربنا الى بلد لا سلطان لهم عليه, فانصرفوا.


· روي أن الحجاج قال لغلام له: تعال نتنكّر وننظر ما لنا عند الناس.
فتنكّرا وخرجا, فمرّا على المطلب غلام أبي لهب, فقالا:
يا هذا, أي شيء على الحجاج؟
قال: على الحجاج لعنة الله.
قالا: فمتى يخرج؟
قال: أخرج الله روحه من بين جنبيه, ما يدريني؟
قال: أتعرفني؟
قال: لا.
قال: أنا الحجاج بن يوسف.
قال المطلب: أتعرفني أنت.
قال: لا.
قال: أنا المطلب غلام أبي لهب, أصرع في كل شهر ثلاثة أيام أولها اليوم, فتركه ومضى.


· وبلغنا أن الحجاج انفرد يوما عن عسكره, فلقي أعرابيا فقال:
يا وجه العرب, كيف الحجاج؟
قال: ظالم غاشم.
قال: فهلا شكوته الى عبد الملك؟
فقال: لعنه الله, وهو أظلم منه وأغشم.
فأحاط به العسكر, فقال: أركبوا البدوي.
فأركبوه, فسأل عنه, فقالوا: هو الحجاج, فركض من الفرس خلفه, وقال: يا حجاج !
قال: ما لك؟
قال: السر الذي بيني وبينك لا يطلع عليه أحد.
فضحك وخلاه.


·