القــــرآن في قلبي @alkran_fy_klby
عضوة شرف في عالم حواء
أعمال القلوب.....متجدد
ان شاء الله سوف نأخد كل مايتعلق بأعمال القلو ب من طاعات وآفات القلوب كلها في سلسله شامله نحاول فيها جاهدين ان نبلغ اصحاب الهمم العاليه كل ماينفعهم ويعينهم علي طاعه الله ونسأل الله الاخلاص والقبول في العمل .
هـــــــــــــوي النفــــــــــــــــس
قال الامام الحافظ ابن جوزيه رحمه الله :
(الـــهــــوى ميل الطبع الى مايلائمه , وهاذا الميل خلق في الانسان ضروره
لبقائه فانه لولا ميله الى المطعم والمشرب والمنكح .. لاما شرب ولا اكل ولانكح..)
وقال الشعبي :
(سمي الهوى لانه يهوي بصاحبه , ومطلقه يدعوا الى اللذه الحاضره من غير فكر
في العاقبه ,فللدنيا عاقبه قبل عاقبة الاخره , والهوى يُعمي صاحبه من ملاحظتها
والدين والعقل ينهى عن لذه تعقبه الماً وشهوة تورث ندماً..)
في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم
(( لايؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ))
وقــيل ,,, الهوى كمين لايُؤمَن..
إن العبد لم يخلق للهوى وإنما خلق لمهمة كبيرة قد يكون الهوى عائقا وحاجزا بينه وبين ما خلق من أجله ..
والقرآن الكريم فى غير موضع يذم الهوى ( واتبع هواه فمثله كمثل الكلب)
( أفرأيت من إتخذ إلهه هواه)
(أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه)
( ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغى فى بطونكم ومضلات الهوى" .
وقال مالك بن دينار " بئس العبد عبد همه هواه وبطنه"
وكان الصديق رضى الله عنه يردد " إنى بليت بأربع ما سلطوا إلا لجلب مشقتى وعنائى إبليس والدنيا ونفسى والهوى ، كيف الخلاص وكلهم أعدائى.
وقال على بن سهل
العقل والهوى يتنازعان فمعين العقل التوفيق وقرين الهوى الخذلان
ولكن الشرع الحنيف وضع حلولا شافية لهوى النفس فيقول رسولنا الكريم " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله".
والمؤمن الحق قوام على نفسه دائم الحساب ومراجعة النفس حتى يفيق من سكرة الهوى ومما يعالج هوى النفس ليكون موافقا لشرع الله الصبر والتصبر .
ولقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " ما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر" لأن الإنسان اذا ظل متبعا للهوى فيصدأ قلبه .
وكان يحيى بن معاذ يقول " سقم الجسد بالأوجاع وسقم القلوب بالذنوب فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه فكذلك لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب" .
ولذلك كان أمر الرسول صلى الله عليه وسلم لنا بغض البصر ومن قبل القرآن الكريم : (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون )
كى يغلق باب الهوى من البداية فإن النظر سهم من سهام إبليس ، وأفضل ما يضبط أعمال المسلم أن يزن أفكاره وآراءه وأقواله وأفعاله بميزان الكتاب والسنة لا برأيه ولا برأى غيره وقال الشاعر العربى:
عاتبت قلبى لما **** رأيت جسمى نحيلا
فألزم القلب طرفى **** وقال : كنت الرسولا
فقال طرفى لقلبى **** بل أنت كنت الوكيلا
فقلت: كفوا جميعا **** تركتمانى قتيلا
فلو غلب المسلم جانب الشرع على جانب الهوى والطبع سعد دنيا وأخرى وأسعد غيره وإن كانت الأخرى فنسأل الله أن يهدينا سواء السبيل وأن يجنبنا الهوى هو ولى ذلك والقادر عليه.
عجبنى هذا الموضوع فنقلتة لكم ليعم الخير علينا جميعا
تابع
7
1K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
كفـــران النعــــم
هي آفة صعبة وآفة سيئة نود أن تنتهي وأن نتوب منها ونبتعد عنها، أو نكون من غير المتصفين بها. هذه الآفة هي كفران النعم ونكران الجميل، و هذه صفة، وللأسف الشديد، موجودة في صغارنا قبل كبارنا، موجودة في رجالنا ونسائنا، إلا من رحم ربي. وتعني أن الإنسان لا يعترف بلسانه بما قر ّفي قلبه من الخير ومن جميل الصنع، أو من جميل الصنائع التي تسدى إليه سواء هذا الخير من الخالق أو من المخلوق. فالإنسان مغمور في نعم كثيرة، كل واحد فينا مغمور بنعم كثيرة، أول نعمة هي نعمة الإسلام نحمد الله رب العالمين على هذه النعمة، وقد كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول: يا رب رزقتني الإسلام وأنا لم أسألك، فارزقني الجنة وأنا أسألك .
الإنسان يزجي جميلاً إلى الناس، الأب يزجي جميلاً إلى ابنه؛ أنه يسميه اسما حسناً ويختار له أماً صالحة وينفق عليه، ويقوم على تعليمه وتأديبه وتربيته، يمرض لمرضه، ويفرح لفرحه، ويحزن لحزنه، إذا رسب الولد يحزن الأب أكثر من حزن ابنه، إذا نجح وتفوق يفرح الأب أكثر من فرح ابنه، هكذا الأم تصنع، ويأتي الولد بعد ذلك أو البنت وكأن الأب مفروض عليه أن يصنع هذا وكأن الأم مفروض عليها أن تصنع هذا.......
حقيقة الأمر لا شيء يفرض على الأب والأم في مسألة الأبناء إلا الطعام والشراب إلى سن البلوغ ثم التعليم إذا وصل إلى سن البلوغ وكان متفوقا نابها؛ وجب علي كأب أو أم أن أواظب معه على تعليمه إن كان نابغة فيه. أما غير ذلك فهذا تفضل من الأب وتفضل من الأم.
لكن كثيراً من أبنائنا يكفرون النعم وينكرون جميل صنع الآباء والأمهات، وكأنه يقول: ما مهمتك في الحياة أبتي إلا أن تنفق علي، لا مهمة الأب غير ذلك، أنت الذي فهمت المسألة خطأ!! أنت لست أكرم على الله من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يعمل وهو في الثالثة عشرة من عمره، وكان يرعى غنماً على قراريط في مكة، ويعين عمه أبا طالب على تربية أبنائه الكثيرين، ثلاثة عشرة ولداً، إذاً ليس أبناؤنا ولا أبناء المسلمين كلهم أشرف عند الله وأعز عند الله من المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي عمل وهو في هذه السن.
الكارثة الكبرى في مسألة كفران النعم هو نابع من جهل وغفلة الإنسان ونسيان نعم الله سبحانه وتعالى، نعمة الصحة والعافية، نعمة الأمن، نعمة المال، نعمة المسكن، نعمة الملبس، كل هذه نعم. الإنسان عندما يرى أهل الابتلاء، يرى أناساً يبيتون في العراء، ومن يبيت في خيام خارج المدن، هؤلاء اللاجئون في كل مكان، هؤلاء المرضى في كل مكان، وأنت تنعم بنعمة الصحة والعافية، حتى إن مرضت تجد المستشفى التي تطببك، والطبيب الذي يحاول أن يكون وسيلة في شفائك، كل هذه النعم نحن للأسف الشديد، ننساها، لماذا؟! لأننا إذا جهلنا نعم الله سبحانه وتعالى علينا واستقلّ الإنسان نعمة الله سبحانه وتعالى بدأ في نكران الجميل، حتى وإن كان هذا الجميل مسدى إلينا من إنسان؛ فنرى كفران النعم ونكران الجميل، من بعض الأزواج مثلاً، عندما تخدمه المرأة، وتصبر على سوء خلقه، وتصبر على شراسة طبعه، وتصبر على تقطيب جبينه، وتقدم له الطعام في الوقت الذي يطلب، وتعينه على تربية أولاده، وترعى له ماله، وترعى له أبناءه وبيته، وتحفظه في ماله وعرضه، ورغم ذلك يقول هذه إنسانة مقصرة!! هذه إنسانة جاهلة!! هذه إنسانة لم تصنع خيراً قط!! وهذا أيضا موجود عند كثير من الزوجات، إلا من رحم ربي، تقول الزوجة: والله ما رأيت منه خيراً قط!! قد يحسن إليها عشرين سنة وثلاثين سنة كزوج و تأتي بعد ذلك تقول: والله ما رأيت منه خيراً قط لا منه ولا من أهله، وتنكر الجميل وتنكر كفران النعم، حتى إن سألتها وقلت لها أما ابتسم في وجهك مرة؟! تقول لا والله أنا لا أذكر، أما كلمك كلاما طيباً مرة؟! تقول: لا والله، سبحان الله!! و كأن هذه الإنسانة ما رأت خيراً قط!! عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى فمر على النساء، فقال: "يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار " فقلن: وبم يا رسول الله؟ قال:" تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن". قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال:" أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل"؟ قلن: بلى، قال: "فذلك نقصان من عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم" قلن: بلى، قال:" فذلك من نقصان دينها" .
وأنا أقول دائماً إن كل زوج وزوجة إن لم يتق الله رب العالمين فكأنما يضع في ذاكرته كما نقول كيسين في هذه الذاكرة، كيس مثقوب يضع فيه هذا الإنسان للطرف الآخر حسناته كلها، فالحسنات تنزل من الكيس المثقوب، فلا حسنة لهذا عند ذاك، ويضع في الكيس غير المثقوب أو تضع هي لزوجها في الكيس غير المثقوب كل سيئاته، فبعد سنوات من الزواج هو حاصل على ملايين السيئات عندها، وغير حاصل على ولا حسنة واحدة لأنها تسربت من الكيس المثقوب وهكذا هو!!ولكن الأمور تنضبط عندما يتعلم الإنسان كيف هي النعم، عندما يتخلق الإنسان بخلق الإسلام، عندما يعرف الإنسان أن نعم الله سبحانه وتعالى يجب أن تقيد بقيد الشكر؛ فإذا لم يشكر رب العباد ويستشعرها تزول هذه النعم، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ) (إبراهيم:28) هؤلاء الذين ذكرهم الله عز وجل في سورة النعم، سورة النحل التي يسميها العلماء بسورة النعم، عندما قال سبحانه وتعالى: ( يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ) (النحل:83).
والله سبحانه وتعالى ضرب هذا المثل الواضح في كتابه حينما قال عز وجل: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل:112).إذاً القضية كما أن الفرد قد لا يشكر النعم فتزول، كذلك الأمم أيضاً إذا أنكرت الجميل ولم تشكر زالت عنها النعم وربما لا تعود إليهم مرة أخرى. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "ثلاث من الفواقر: إمام إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر، وجار سوء إن رأى خيرا دفنه وإن رأى شراً أذاعه، وامرأة إن حضرت آذتك وإن غبت عنها خانتك"
والعياذ بالله رب العالمين!! هذه من الفواقر: إمام إن أحسنت لم يشكر وإن أسأت لم يغفر، وجار سوء عندما يرى منك الحسنة ويرى منك الخير يدفنه وكأنه لم ير شيئاً وإن رأى شراً أذاعه لأنه جار وإذا تحدث الجار عن جاره صدقه الناس وقالوا والله هو أعرف وأعلم الناس به.
تعلم أن كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه، فإن أعرب لسانه، يعني لما يتكلم لسانه إما شاكراً وإما كافراً، يقول تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الإنسان:3)، الشاكر هو الذي يعرف النعمة للمنعم، ولا تنسيه النعمة المنعم. الإنسان قد يشتغل بماله عن من رزقه هذا المال، قد يشغل بالصحة ويحافظ على صحته ولكنه ينسى من الذي أعطاه هذه الصحة، قد يرى نعمة الولد وينسى من الذي رزقه نعمة الولد، قد ينعم بالأمن ولكنه ينسى من الذي أعطاه هذه النعمة. وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث جابر، رضي الله عنه، أنه قال: " من أعطي عطاء فوجد فليجز به، ومن لم يجد فليثن، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبي زور"
"من أعطي عطاء" أي نوع من العطاء: ابتسامة، كلمة طيبة، معاملة طيبة، "فليجز به" يعني: يعطي عليه الجزاء الحسن، "ومن لم يجد" يعني: أن يعطي رداً بالجزاء الحسن المقابل للإحسان الذي وصله، "فليثني" يعني: يمدح؛ يقول: جزاك الله خيراً، بارك الله فيك، هكذا يقول الزوج لزوجته، وتقول الزوجة لزوجها، ويقول الابن لأبيه، وتقول البنت لأمها، ويقول الجار لجاره، ويقول الصاحب لصاحبه، ومن قال لأخيه: جزاك الله خيراً فقد أجزل له العطاء، فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر.الإنسان الذي لم يشكر الناس على ما صنعوه من خير معه لم يشكر الله عز وجل لأن هؤلاء العباد خلفاء الله في الأرض وهم عبيد الله، فإذا أحسن إليك إنسان فلتشكره لأنك كأنما شكرت الله سبحانه وتعالى. فمن أعطى عطاء فوجد عنده ما يرد به فليجز به وليعطي، ومن لم يجد فليثني، أي يقول خيراً ويمدح، فإن من أثني فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلّى بما لم يعطه كان كلابس ثوبيّ زور، ومن لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله. فالتحدث بنعمة الله شكر، وترك التحدث بنعمة الله نوع من الكفر، قال تعالى: "إِنَّ الْأِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ" (العاديات:6) الكنود هو الذي يعدد المصائب وينسى نعم الله عليه، هكذا قال الحسن البصري، رضي الله عنه. تجلس مع إنسان كيف الحال يا فلان، والله أنا مريض وصحتي تعبانة وزوجتي متعبة وأبنائي متعبون والظروف صعبة والغلاء مستمر، يعني يأيسك من رحمة الله، يضيق عليك الدنيا، يحول الدنيا إلى صورة قاتمة، يعني يا أخ الإسلام قل: الحمد لله رب العالمين، كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أصابه خير قال: الحمد لله، وإذا أصابه ما يكره قال: الحمد لله على كل حال، يعني كلمة الحمد في لسانه صلى الله عليه وسلم في كل الأحوال. وفي حديث صهيب بن سنان الرومي، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :"عجباً لأمر المؤمن، فأمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا المؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له"
فالله تعالى أعلم بخلقه وبما يصلحهم، وبما يقيمهم على عبادته وطريقه، فهو سبحانه القائل: ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الملك:14). فمن عباد الله الغني لا يصلحه إلا الغنى؛ لو أفقره الله تعالى لفسد حاله، وإن من عباد الله الفقير لا يصلحه إلا الفقر؛ لو أغناه لفسد حاله، وهكذا، إن من عباد الله الصحيح لا تصلحه إلا الصحة؛ لو أسقمه الله تعالى لفسد حاله، وإن من عباد الله تعالى السقيم لا يصلحه إلا السقم؛ لو أصححه لفسد حاله، لأن الله هو الذي يعلم.حتى أنت مع أبناءك في البيت تعرف أن هذا الولد مسرف؛ لو أعطيته المائة أو المائتين أو أكثر ربما أنفقها في لحظة، وأنت تعطيه بقدر لأنك تعلم إسرافه. وهذا إنسان آخر تعلم طريقته في التعامل كذا وكذا فتعطيه بقدر. وأنت إنسان محدود ولأنكَ أب ولأنكِ أم، ولأنك أكبر سناً وأفضل وأكثر علما فتقول أنا أفعل هذا لكذا فما بالك، ولله المثل الأعلى برب العباد سبحانه وتعالى الذي خلق العباد وهو الذي يعلم دخائلهم، وظواهرهم، وبواطنهم.
فالإنسان المسلم الحق هو الذي لا يكفر النعمة ولا ينكر الجميل، بل يشكر الله على كثير الأمر و قليله. قيدوا النعمة بقيد الشكر فأيما نعمة لم تقيد بقيد الشكر هربت، والإنسان إذا رزق بنعمة فليحسن جوارها، فإن من رزق بنعمة العلم؛ يحسن جوار نعمة العلم، ومن رزق بنعمة المال؛ يحسن جوار نعمة المال، ومن رزق بنعمة الصحة؛ يحسن جوار نعمة الصحة. فإن الإنسان إن لم يحسن جوار النعم زالت، وإذا زالت قلما تعود مرة أخرى.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الذين لا ينكرون النعم و لا يجحدون الفضل، وإنما يشكرون الناس على ما يفعلونه معهم. وقبل ذلك وبعد كل ذلك يشكرون رب العباد سبحانه وتعالى على نعمائه صغيرها وكبيرها، القائل: "لئن شكرتم لأزيدنكم" (إبراهيم الآية7).
اللهم اجعلنا من الشاكرين واجعلنا من الذين لا ينكرون الجميل صغيره أو كبيره يا رب العالمين.
التآلي على الله
هذه الآفة، هي: التألي على الله سبحانه وتعالى، ومعنى التألي على الله عز وجل: يعني مثلاً إنسان يجلس هكذا واضعاً قدماً على قدم، ويقول: والله لا يغفر الله لفلان، والله لا يرحم الله فلاناً، والعياذ بالله رب العالمين.
يتألى على الله: يعني يخرج من حدود البشرية ليؤله نفسه فيتألى على الله عز وجل، والعياذ بالله رب العالمين. أما سمع هذا قول الله سبحانه وتعالى : (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الإسراء:36).
ما سمع هذا الإنسان حديث جندب بن عبد الله، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث: "أن رجلاً قال: لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي أن لا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك" . هذا يتألى على الله،
ومعنى يتألى على الله، يقول: والله، فلان هذا لا يغفر له. وبالذات إذا كان بينه وبينهم ضغائن أو مكائد أو من هذا القبيل.أخٌ مثلاً استولى على الشركة التي تركها له أبوه مع أخوته، فاستولى عليها أحدهم، نعم هو ظالم لكن لا تقل أنت هذا من أهل النار، أنتَ لست يعني ممن أعطوا مفاتيح الجنة والنار حتى تعلم، ولست من الذين أعطوا علم الغيب، فالغيب لا يعلمه إلا الله ربُ العالمين. لماذا أنتَ تُدخل هذا الجنة وتُدخل هذا النار؟! كيف يعني؟! سبحان الله! كيف تزكي أنتَ نفسك وتتهم الآخرين. روي عن سعد رضي الله عنه أنه قال: ما سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لأحد يمشي على الأرض أنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام .
قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم" لأنه لا يعلم من منا من أهل البرّ، ومن منا من أهل الشّر، ومن منا من أهل الاستقامة. لأن النهايات لا يعلمها إلا الله، قال صلى الله عليه وسلم: "إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وان أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها".
يعني أنا إذا صليت وجلست في آخر ركعة لأقرأ التشهد، وقبل أن أسّلم بلحظات نقض وضوئي، ما الذي حدث في الصلاة ؟ فسدت كلها، الأعمال بخواتيمها يجب أن تعاد مرة أخرى. إذاً الأعمار أيضاً بخواتيمها، فاللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك.
وفي حديث أبى هريرة، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين (يعني في الله) وكان أحدهما مذنباً والآخر مجتهداً في العبادة، وكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول أقصر (يعني: لا داعي للذنب، توقف عنه)، فوجده يوماً على الذنب، فقال له: أقصر فقال: خلني وربي أبُعثت عليّ رقيباً. قال (يعني أخوه الطائع هذا): والله لا يغفر الله لك أو لا يدخلك الله الجنة، فقبض روحهما فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالماً أو كنت على ما في يدي قادراً، فقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار".
قد يتعجب إنسان ويقول ربما قال هذا الكلام غيرةً على رب العباد عز وجل، غيرةً على محارم الله سبحانه وتعالى، لكن نصوب هذا القول، ونقول: لا داعي أبداً أن تقول والله لا يغفر الله لفلان؛ لأنك لا تدري متى يغفر له؟ لا تدري ماذا صنع الله به؟ لا تدري ما سوف يصنع به بعد أن يموت ويوم القيامة؟ لا تدري ما الذي يصنع به في بقية عمره؟ربما ينزع، ربما يتوب، ربما يهتدي، ربما يكثر من الحسنات، ربما يفيق من غفلته، ربما يستيقظ من غفوته، ولعل الله سبحانه وتعالى هو الحنّان المنّان الذي يعطي النوال قبل السؤال، ويتوب على العصاة وعلى المنحرفين والبعيدين إذا سلكوا طريق الله سبحانه وتعالى، فمن ذا الذي يضمن؟، نسأل الله سبحانه وتعالى حسن الخاتمة.
فأنتَ، يا أخ الإسلام، لا تتألى على الله، حتى وإن أبغضت شخصاً، حتى وإن كان هذا الشخص قد سلبك شيئاً من حقك، الإسلام أباح لك أن تأخذ حقك بالطرق المشروعة، وأن تقاضيه في المحكمة، وأن تأتي بعالمٍ ليفتي بينكما، وأن تأتي بأهل الحل والعقل ليقضوا بينكما. كل هذه الأمور تستطيع أن تصنعها، لكن مجرد أنه ظلمك تتألى أنت على الله وتوزع جنةً وناراً، وتقول: هذا من أهل النار وهذا من أهل الجنة!!الجنة والنار لا يعلم داخلها إلا رب العباد سبحانه وتعالى.
فلا تتألى على الله وتقول وتوزع وكأنك معك كشف التوزيع: هذا يدخل الجنة، وذاك يدخل النار، لا المسألة ليست هكذا!كم ودّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يُسلم عمه أبو طالب، وقلنا مراراً إن كلباً صاحب أهل الكهف فذكر في كتاب الله ومُدح، قال تعالى: (وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) (الكهف: من الآية18)، يعني كلب صحب الصالحين فكان معهم وذكر معهم، وأبو طالب صاحب السفلة من القوم، صاحب المنحرفيين من القوم، صاحب أبا جهل وصاحب أبا لهب وعقبة بن أبى معيط وأمية بن خلف، فيجلس الرسول صلى الله عليه وسلم عند رأسه وهو ينازع يقول: "يا عماه قلها أشفع لك بها عند ربي"
(يعني مجرد أن يقول لا إله إلا الله) فيأخذ أبو جهل، عمرو بن هشام، رأس أبي طالب إليه ويقول: يا أبا طالب أنت كبير قريش أنت زعيم قريش أنت كبيرنا، على دين عبد المطلب، يقول له النبي: "يا عماه قلها أشفع لك بها"، يعتدل مرة أخرى وجه أبي طالب عن طريق يد أبي جهل الذي يريد أن يموت أبو طالب على دين عبد المطلب، ومات والعياذ بالله رب العالمين ليس مسلماً وإنما كافراً رغم نصرته للنبي صلى الله عليه وسلم.إذاً صحبة الصالحين هذه يا أخوتاه شيءٌ مهم. قل لي من صاحبك أقل لك من أنتَ؟ والخليل أو الصديق أو الأخ في الله رقعة في الثوب فلينظر أحدكم بما يرقع ثوبه. ولذلك الإنسان سبحان الله العظيم يعني لا داعي أبداً أن يتألى على رب العباد سبحانه وتعالى، فهو لا يملك لنفسه ولا لغيره أن يعرف ما في الغد، الغد هذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فما علينا إلا أن نظن خيراً بالناس، ونظن خيراً ونأمل خيراً في رحمة الله. "أنا عند ظن عبدي بي"
فالإنسان يحسن الظن بالله ثم يحسن الظن بالناس. وإذا رأيت من أخيك مائة أمرٍ، منها تسعة وتسعين أمر واضح الشر وأمر واحد واضح الخير، حمّل الأمر على الخير الذي هو فيه، يعني عدة وجوه في الأمر الذي يصنعه كلها تدل على قبح، تدل على شر، تدل على سوء وباب واحد من هذه الأبواب، باب واحد أمام العشرات من الأبواب من السوء، يدل على خير، خذ جانب الخير هذا "سددوا وقاربوا" .
ولذلك مرّ عيسى عليه السلام بكلبٍ ميت تفوح منه رائحةٌ سيئة ومنظره كريه، قال الحواريون: ما أنتن رائحة هذا الكلب وما أقبح منظره، قال عيسى عليه السلام: ولكن ما أشد بياض أسنانه
إذا نظر عليه السلام إلى النقطة المضيئة في المسألة، نظر إلى الشيء الجميل في المسألة، لماذا؟ لأنه وطن نفسه على الخير. فهلا وطنا نحن أنفسنا على الخير ولم نتألى على الله عز وجل، ولا نقول إن هذا من أهل الجنة وهذا من أهل النار، من الذي يضمن لك؟ أنت أدعو الله عز وجل أن يتوب عليك وعلى الناس، أن يهديك ويهدي الناس، أن يأخذ بيدك ويأخذ بأيدي الناس، أن يقيمك على الطريق أنتَ وأخوتك في الله. أما أن تقول إن هذا رجل لن يذهب إلى الجنة، هذا رجل لن يشمّ رائحة الجنة.يا أخ الإسلام، ما أعطي الغيب لأحد، ما أعطيت مفاتيح الجنة والنار لأحد، لا واسطة بين العبد وبين ربه، يقول سبحانه وتعالى: ( وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) (الانفطار:17-19).فلا يملك يوم الدين أحد شيئاً إلا رب العباد سبحانه وتعالى. نعم يفر الإنسان منا من أبيه ومن أمه ومن زوجه ومن ابنه ومن ابنته ومن أقاربه،. لكل امرئ منهم حتى الملائكة يومها والصالحون والأنبياء والرسل دعوتهم يومئذٍ، يا رب سلم يا رب سلم، إلا سيدنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، الذي سوف يثبته الله، ويثبت قلبه في هذا الموقف العصيب يقول: "يا رب أمتي ، يا رب أمتي" .
أخوة الإسلام، إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أسماء السبعة عشر منافقاً في المدينة، الذين أُمر ألا يصلي على أحد منهم مات أبداً ولا يقم على قبره. ولكن هل فضح أمرهم؟ هل أخبرهم؟ هل قال لهم إنكم من أهل النار، هل قال للناس هؤلاء هم، أبداً، ما أعلم أسماء السبعة عشر إلا لكاتم سره حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، فلما تولى عمر بن الخطاب إمارة المؤمنين ذهب أول ما ذهب لحذيفة ويستحلفه بالله، يا حذيفة أستحلفك بالله هل سمّاني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يعني هل ذكر لك الرسول أن عمر بن الخطاب من ضمن السبعة عشر منافقا! يبكي حذيفة ويتعجب ويقول: إذا كان عمر الذي مات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض، يخاف على نفسه أن يكون منافقاً فكيف بحال حذيفة؟! فيبكي حذيفة، رضي الله عنه، ويقول: لست منهم، ولا أزكي بعدك أحداً أبداً
هكذا ازدادت خشيتهم لله سبحانه وتعالى، لكننا نحن مع قليل العمل نرجو كثير الثواب. ولذلك المؤمن يزرع ويخشى الكساد والمنافق يقلع ويرجو الحصاد، يقول عز وجل: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) (المؤمنون:60).
فأنت، أخ الإسلام، حاذر من أن توزع جنةً أو ناراً، لأن هذا التألي على الله، وهذا من أسوأ الآفات التي يبتلى بها عبد مؤمن.يعني يُسيء إلى هذا ويغتاب هذا وينم في حق هذا ويسفك دم هذا، ثم إذا قلت له أين النهاية يا عبد الله يقول الجنة إن شاء الله، الرحمة بإذن الله، سبحان الله! وكأنه للأسف الشديد نسي أن الله سبحانه وتعالى هو المطلع الوحيد على مآل العباد وخواتيم الأعمال.
أخوة الإسلام: حقيقة الأمر أن الإنسان لا يتعدى حدوده، لا بد أن يعرف أنه بشرٌ لا يعرف ما في غد، لا يعرف كيف تكون نهايات الناس، كيف تكون نهايته هو، وليكل علم الغيب للذي يعلمه، سبحانه وتعالى.يعني كان الصحابة كلما عادوا من غزوة كان مسحة حزنٍ تظهر عليهم، فلما يسألهم النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون له ما ظفرنا بخالد بن الوليد، ما قتلنا عمرو بن العاص، ما ظفرنا بعكرمة بن أبي جهل، ما ظفرنا بأبي سفيان بن حرب. فلما استبانت الأمور بعد ذلك ودخل هؤلاء جميعاً إلى الإسلام، وجاءوا الواحد تلو الأخر وهم الذين كانوا قواداً عظاماً في الإسلام نصروا دين الله ونشروا دين الله في أرجاء المعمورة. أيقن الصحابة أن الغيب لا يعلمه إلا الله وهم كانوا موقنين، لكن ازدادوا يقينا وازداد علمهم علماً، أن الذي يعرف الخواتيم إنما هو رب العباد سبحانه وتعالى.
فاللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها يا رب العالمين، اجعل اللهم خير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم أن نلقاك.
الـمــــــــــــدح
هذه آفه لايخلو لسان منها، إلا من رحم ربي، لأنها آفة قد تكون عند البعض طيبة، وليس فيها قبيح، لأن بعض الناس يراها ظاهرياً صفة جميلة، ألا وهي صفة المدح، المدح الذي ينهى الإنسان لسانه عنها، المدح المنهي عنه.
لأن هناك مدحاً نحن مأمورون بفعله وإتيانه، ولكن في إطار حدده الشرع، وهناك مدح منهي عنه.المدح المنهي عنه له محاذير، لماذا نهى الشرع الحنيف عن هذا النوع من المدح؟ .......
آفات المدح:
لأن المدح فيه آفات ست، يعني ست آفات موجودة في المدح هذا الذي ينهى الشرع عنه. أربع آفات في المادح، وآفتان في الممدوح، فالمجموع ست آفات تدخل في قضية المدح المنهي عنه .
الآفة الأولى في المادح: الإفراط في المدح، فإذا أفرط المادح في مدحه صار كاذباً؛ لأن الأمور لها قدر وحجم، وهذا الإنسان يطلق لسانه في مدح الآخرين، فبذلك ينتهي به الأمر للأسف إلى أن يكون كاذباً فيما يقول.قال أحد الصالحين: من مدح إماماً، أو أحداً بما ليس فيه على رؤوس الأشهاد، بعثه الله يوم القيامة يتعثر بلسانه، هذه كارثة كبيرة .
الآفة الثانية: في المدح المنهي عنه فيما يخص المادح: أن المادح قد يدخل في إطار الرياء؛ لأنه عندما يمدح يظهر الحب، وربما يكون هو لا يضمر للآخر إلا ما لا ينم عن الحب، فبالتالي يصبح المادح مرائياً، ويصبح منافقاً، والعياذ بالله رب العالمين. انظر إلى المدح المنهي عنه يدخلنا في مسائل خطيرة وبالذات إذا كان الذي يمتدح يعني له مكانة، وجاهة أو مكانة اجتماعية، أو يتبوأ مقعداً معيناً في المؤسسة أو في المصلحة أو في الدولة، عندئذ، للأسف الشديد، يدخل هنا الرياء ويدخل النفاق وهذه مصيبة كبيرة، والمؤمن نقيّ السريرة؛ لا يعرف لا الرياء ولا النفاق.
الآفة الثالثة بالنسبة للذي يمدح: أنه ربما يقول الأشياء التي لا تتحقق، ولا سبيل للإنسان أن يطلع عليها، لأن الرجل الذي مدح إنساناً عند النبي صلى الله عليه وسلم، قال له عليه الصلاة والسلام: "ويلك قطعت عنق صاحبك، قطعت عنق صاحبك" مراراً ثم قال: "من كان منكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه"
فالشرع حدد المسألة، وقال: إن كان لابد للإنسان أن يمدح، فليقل: أحسب فلاناً كذا، لا أزكيه على الله، لا أزكي على الله أحداً، حسيبه الله، يعني: إن كان يرى أنه أهل للمدح.
الآفة الرابعة في مسألة المادح: أنه يدخل بما يقول الفرحة على الممدوح، وقد يكون هذا الذي يُمدح ظالم أو فاسق، وهنا تقع المشكلة.وقال الحسن البصري، رحمه الله: من دعا لظالم بطول البقاء فقد أحب أن يعصى الله تعالى في أرضه .
فهنا تكمن المشكلة؛ لأن الظالم الفاسق يجب أن يُذم حتى يغتم، ولا يمدح ليفرح؛ لأن إذا مدح الظالم والفاسق فكيف يعرف أنه ظالم؟! وكيف يعرف أنه صار فاسقاً؟! هنا يجب أن يتقي المسلم ربه.
أما الآفتان اللتان تضر كلاهما بالممدوح:
الأولى: أن الممدوح إذا مدح؛ يحدث فيه الكبر والإعجاب، وإذا أصيب الإنسان بالكبر والإعجاب، هلك وضاع. ومن الخطورة بمكان: أن أمدح إنساناً فيظن أنه على خير وعلى صلاح وعلى تقوى، وأنه كما يقول هذا المادح، وربما هو ينافقه، ربما هو يرائيه، ربما لأنه يعمل عنده، وربما يأخذ راتبه منه، ربما هو الذي له يد عليه في كونه عينه في هذه الوظيفة أو في هذا المكان، أو أنه يرجو منه خيراً ونوالاً. كما كان الشعراء يمتدحون بعض الناس بما ليس فيهم، ويأخذوا على هذا أموالاً طائلة. وذَمَّهم رب العباد سبحانه وتعالى في كتابه قال: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ ) (الشعراء 224-226) واستثنى رب العباد منهم المؤمنين الصالحين الذين يعملون الصالحات.
الآفة الثانية: إذا مُدح إنسان بالخير تراه يفرح ثم تفتر به العبادة ويرضى عن نفسه، ويدخل العجب إلى نفسه بعد ذلك فيقل تشمره إلى العبادة، ويرى أنه طالما انطلقت الألسنة بالثناء عليه، فقد وصل إلى ما لم يصل إليه آخر، فبالتالي يتكاسل ربما عن العبادة، وهذه مشكلة, بل انظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال عن نفسه: "أنا سيد ولد آدم ولا فخر" .
أي: لست أقول هذا تفاخراً، كما يقصد الناس بالثناء على أنفسهم؛ لأن افتخاره صلى الله عليه وسلم كان بالله وبالقرب من الله، لا بولد آدم وتقدمه عليهم أبدا.وكارثة الممدوح أنه يكون قريباً من آفة العجب، وقريباً أيضا من آفة الفتور عن العبادة، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قال لنا: "أحثوا التراب في وجوه المداحين" .
وكان إذا مدح أبو بكر يقول: اللهم اغفر لي مالا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون واجعلني خيرا مما يظنون" .
المدح مصيبة وفتنة للمادح وفتنة للممدوح، فتنة للمادح يدخله، كما قلنا، إما في كذب أو في رياء أو نفاق، أو فيما لا يجب أن يدخل فيه، أو يكون مبالغاً فيما يقول، والهوى يدخل هنا، والشيطان يدخل لكي يقول الإنسان في غيره ما ينكره قلبه، هنا تكمن آفات شتى، طبعاً بلا شك، عندما يعيش الممدوح طوال حياته لا يسمع إلا مدحاً، قال إبراهيم بن أدهم: رحم الله امرءً أهدى إلينا عيوبنا.انظر إلى الناس إذا جادل أحدٌ أحداً فمدح طرف دون الآخر، فانظر إلى التيه والخيلاء الذي يشعر بها من مدح، وانظر إلى الحسرة والأسى التي دخلت على قلب من لم يمتدح، كما قال تعالى: ( لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (آل عمران:188).
إذا الإنسان لا يجب أن ينسب إلى نفسه ما لم يفعل، ولا ينسب إلى نفسه ما لم يقم به.فأخوة الإسلام؛ حاذروا من المدح المنهي عنه؛ أن أطلق ألفاظي في توسيع أو في تكبير أفعال الآخرين أمامهم، وبين أعينهم وفي وجوههم حتى أنال حظوة عندهم، وحتى يرى هذا الممدوح نفسه أنه فوق الناس وهنا كارثة كبيرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ويقول له: "قطعت عنق أخيك" ، يعني إذا بالذي صنعته هذا أثرت فيه تأثيرا سلبياً. ليس معنى هذا أن الإنسان لا يمتدح زوجته في البيت، أو ابنه إذا تفوق، أو زوجته إذا قدمت له طعاماً شهياً، أو خدمة معينة، أو أمراً معيناً؛ لا بل يجب هنا، هذه كلمات لترقيق الحياة في البيوت: جزاك الله خيرًا، بورك لنا فيك، قواك الله وأعانك علينا، رزقك الله الصحة حتى تستطيع أن تواصلي، هكذا يقول الزوج لزوجته، وتقول الزوجة: بورك لنا فيك.الدعاء والثناء هذا في البيوت ليس من باب هذا المدح المنهي عنه، خشية أن يظن الناس أنه يجب أن لا يقول إنسان كلمةً طيبةً في وجوه الناس، بل نشكر الناس. أي إنسان يفعل فينا خيرًا نقول له: جزاك الله خيرًا، ومن قال لأخيه: جزاك الله خيرًا فقد أجزل له العطاء.
اللهم لا تجعلنا من المادحين مدحا منهياً عنه يا رب العالمين، وإنما اجعلنا من الشاكرين لك ولمن جعلتهم سببا في جريان نعمك علينا إنك نعم المولى ونعم القدير.
التوجه بالدعاء لغير الله
التوجه بالدعاء لغير الله سبحانه وتعالى آفة خطيرة ابتلينا بها في الأزمنة الأخيرة، وهي أن أناساً يشركون من حيث لا يشعرون، والعياذ بالله رب العالمين.
ومع أنهم يقرؤون في كتاب الله عز وجل:( وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ)(يونس:106).
ويقرأ أيضاً هذا الذي يتوجه لغير الله بالدعاء قول الله عز وجل: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)(الأحقاف:5).
ويقرأ أيضاً قوله تعالى:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(غافر من الآية:60)، وقوله عز وجل:)وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ)(الأنعام: من الآية17)
وكلنا يحفظ منذ الصغر حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، عندما قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام و جفت الصحف" .
إن الإنسان الذي ينسى في غمرات الحياة، ويغيب اليقين في قلبه ويتبخر التوحيد الخالص من قلبه؛ يتوجه لغير الله تعالى بالدعاء، فكيف تجعل عبادتك لغير الله عز وجل؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدعاء هو العبادة".
ثم لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عدة أسئلة من الصحابة، كان الله تعالى يجيب في القرآن عن هذه الأسئلة بقوله سبحانه :" قل"، كما في قوله تعالى:
- (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ )(البقرة من الآية:219).
- (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) (البقرة من الآية:220).
- ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ )(البقرة من الآية:189).
- (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ) (النساء:176).
فكل الأسئلة التي يسأل فيها النبي صلى الله عليه وسلم يقول له رب العباد: "قل"، إلا سؤالاً واحداً عندما سألوه، وقالوا: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟
يعني هل رب العباد سبحانه وتعالى قريب فننادي عليه بصوت منخفض أم بعيد فنرفع صوتنا في النداء عليه؟ قال سبحانه وتعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(البقرة:186).
" فَإِنِّي قَرِيبٌ " ما قالت الآية:" قل" أو" فقل"، لا؛ لأنه لا واسطة بين العبد و بين ربه. فكيف أدعو أنا إنساناً أو بشراً، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشورا؟! كيف يذهب الإنسان إلى ضريح من الأضرحة؛ ليتوسل إلى الله عز وجل بهذا أو بذاك؟ أو يسأل المتوفى المدفون داخل هذا الضريح شيئاً، وهو بشر مثله لا يملك لنفسه شيئاً؟
والإنسان يجب أن يكون توحيده خالصاً لله سبحانه وتعالى،
ولذلك بعض العلماء وضحوا لنا مسألة العقيدة السليمة عندما ضربوا لنا بعض الأمثلة، فقالوا مثلاً (كقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، في كتاب التوحيد): من قال لولا الكلاب لسرقتنا اللصوص لكان في قلبه شرك والعياذ بالله، كذلك من قال لولا الطبيب لمات الغلام، ولولا فلان لما اشتغل أو عمل فلان، قل: لولا فضل الله على يد فلان، ولولا تيسير الله عز وجل عن طريق فلان، ولولا كرم الله عز وجل على تسهيل وتذليل العقبة من فلان أو فلان وهكذا.
ولذلك لما قال الأعرابي يا رسول الله: ما شاء الله وشئت، قال: "أجعلتني لله ندا؟! قل: "ما شاء الله ثم شئت" .
فالإنسان يجب أن يكون توحيده خالصاً لله سبحانه وتعالى "فإذا سألت فأسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله" .
فالقضية أن الإنسان يتوجه إلى الله بالدعاء، وتوجهك إلى رب العالمين بالدعاء يجب أن تكون مخبتاً منيباً ذليلاً إلى رب العباد، تطرق باب الله عز وجل بذلةٍ وبمسكنة.
إن لله عباداً إذا أرادوا أراد، منهم البراء بن عازم رضي الله عنه، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك"، ثم إن البراء لقي زحفاً من المشركين، وقد أوجع المشركون في المسلمين، فقالوا له يا براء إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أقسمت على ربك لأبرك فأقسم على ربك فقال أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم فمنحوا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا أقسم يا براء على ربك عز وجل قال أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك صلى الله عليه وسلم فمنحوا أكتافهم وقتل البراء. سبحان الله! فكانت الإجابة كما طلب رضي الله عنه.
إذاً هؤلاء عباد لهم دلال على رب العباد سبحانه وتعالى، هؤلاء عباد اتقوا رب العباد عز وجل فذلل الله لهم المسألة لأنهم وحدوا الله حق التوحيد.
أما نحن فعندما مثلاً يأتي الإنسان في قضية ما، في الدنيا ويقول لزوجته أو لابنه: أنا ذهبت إلى المحامي الفلاني وهذا محامي شهير وهذا محامي لا يخسر قضية أبداً وهذا محامي إذا دخل فإن القضاء يهتز والقاضي يعني سبحان الله! يخاف منه أو يعمل له ألف حساب وقد أخذ مبلغاً كبيراً ولذلك أنا واثق من أن أكسب القضية، ولذلك أعطيته توكيلاُ عاماً في المسألة وينام هذا الموكل قرير العين هانئاً، لماذا؟! لأنه جاء بهذا المحامي الحذق الفطن الذكي اللماح الألمعي، وربما ينسى الموكل القضية برمتها بعد مدة ويذهب للمحامي ليترافع هنا وهناك وربما لا يعلم صاحب القضية بالمسألة، وربما قد نسي صاحب القضية قضيته لأنه وكل هذا المحامي الماهر الذي له هذه الخبرة الطويلة. هذا في بشر ولله المثل الأعلى. فما بالك بمن يوكل في كل أموره رب العباد سبحانه وتعالى؟ يتخذ الله وكيلاً، ومن يتخذ الله وكيلاً تكون النتيجة في صالحه، ومن يتخذ الله وكيلاً يكون النصر حليفه، وتكون النهايات السعيدة دائماً بجواره، ويكون في قلبه من اليقين ما يستطيع أن يعيش به، وهو رضي الحال هانئ البال، كما قال أحد الصالحين: في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة، قيل: وما هي قال: الرضى عن الله عز وجل وبالله.
فالإنسان المسلم الملتزم، راض بقليل الأمر وكثيره، إن رزق قليلاً حمد الله، وإن رزق كثيراً شكر الله، وإن مرض، قال: والله أنا من أهل الابتلاء، والابتلاء ميراث النبوة، ومن قل حظه من الابتلاء فقد قل حظه من ميراث النبوة.
وإن جاءته الصحة حمد الله رب العالمين، واستخدمها في طاعة الله سبحانه تعالى، إن جاءه المال تصدق،إن لم يأته المال استرجع ورمى الأمر برمته عند رب العباد سبحانه وتعالى، ثم توكل على الله حق التوكل.
هكذا العبد كي لا يدعو غير الله يجب أن يكون عنده هذا اليقين. هذا اليقين الذي كان عند الصحابة، رضوان الله عليهم، كان الواحد منهم، عنده يقين يساوي الجبال الرواسي.
هذا اليقين الكبير، جعل رجلاً كأبي الدحداح يقرض البستان الذي عنده لله رب العالمين، هذا اليقين هو الذي جعل عثمان بن عفان يجهز جيش العسرة. هذا اليقين الذي جعل أنس بن النضر يشم رائحة الجنة خلف أُحد.
هذا اليقين هو الذي جعل مصعب بن عمير، رضي الله عنه، الفتى الحريري لما كان في مكة؛ أول سفير في الإسلام، وأدخل الإسلام، بفضل الله، في المدينة المنورة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها كل بيت من بيوت المدينة، بإسلام واحد من أهل هذا البيت، أو أكثر أو الأسرة كلها.
هذا مصعب الذي عندما مات ما وجدوا له كفناً، إذا غطوا وجهه ظهرت قدماه، وإن غطوا قدميه ظهر وجهه، فغطوا وجهه بثوبه القصير، وغطوا قدميه بشيء من نبات الإذخر.
هذا اليقين الكبير الذي كان عندهم هو الذي جعلهم يحيون في هذه الحياة ملوكاً، قالها ربعي بن عامر، رضي الله عنه، عندما دخل على رستم وقال له: ما الذي جاء بكم أيها البدو من صحرائكم؟! إذا ربعي ينطق له وللبشرية كلها على مر الزمن: إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
هذا هو اليقين الذي جعل هؤلاء المؤمنين موصولين بالله سبحانه وتعالى, فكان توكلهم على الله صادقاً، فجاءهم هذا اليقين الذي جعل الواحد منهم لا يدعو إلا رب العباد سبحانه وتعالى.
هذا أبو حازم لما رآه هارون الرشيد عند الحرم قال يا أبا حازم: سلنا حاجتك قال: أستحي من ربي وأنا في بيته أن أسأل أحداً غيره، فانتظر أمير المؤمنين حتى خرج وخرج عن حدود الحرم في طريقه إلى المدينة اقترب أمير المؤمنين منه وقال: يا أبا حازم سلنا حاجتك، قال يا أمير المؤمنين: حاجة من حوائج الدنيا أم حاجة من حوائج الآخرة؟! قال: أما الآخرة فلا أملكها (يعني الآخرة لا أستطيع أن أعطيك شئ فيها) ولكن أقصد حاجة في حوائج الدنيا، قال أبو حازم: إذا كنت ما طلبتها (في الدنيا يعني) ممن يملكها فكيف أطلبها ممن لا يملكها. يعني سبحان الله هذا إنسان قوي يقينه بالله سبحانه تعالى وصدق توكله على رب العباد سبحانه عز وجل عندئذٍ جاءه هذا اليقين برداً وسلاماً على قلبه لا يطلب شيئاً من أحد إلا الله رب العالمين لا يطلب و لا يدعو ولا يتوكل إلا على رب العباد.
فإذاً أن أتوجه بالدعاء لغير الله هذه مصيبة كبيرة وهذا يعني شيء يجب أن يتقي العبد ربه ويصحح نيته ويخلص توحيده وعقيدته لله رب العالمين.
أحبتي في الله، إن التوجه بالدعاء لغير الله عز وجل لون من ألوان الشرك، والعياذ بالله رب العالمين، يجب أن يكون توجهك لرب العباد سبحانه، وأن تدعوا بإخلاص في النية، وأن لا تقول: إنه لم يستجب لي في كذا وكذا ولكن عليك بالدعاء ولا تستعجل،"سوف يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل" قالوا: كيف الاستعجال يا رسول الله قال: "يقول دعوت ودعوت فلم يستجب لي"
فعندئذٍ يترك الدعاء والله لا يمل حتى يمل العبد؛ فإن الله سبحانه وتعالى هو الصبور، الذي يصبر على عباده، والذي لا يعاجلهم بالعقوبة رغم ذنوبهم، والذي يستجيب لهم.
اللهم أجعل دعاءنا لك وحدك يا رب العباد وأغننا بفضلك عمن سواك وأغننا بحلالك عن حرامك وأقمنا على طريقك،
يا رب العباد لك غيرنا كثير ولا رب لنا سواك فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واجعل عقيدتنا خالصة لوجهك الكريم واجعل توحيدنا خالصاً في الأعمال كلها واليقين كله
إنك على ما تشاء قدير.
التوجه بالدعاء لغير الله سبحانه وتعالى آفة خطيرة ابتلينا بها في الأزمنة الأخيرة، وهي أن أناساً يشركون من حيث لا يشعرون، والعياذ بالله رب العالمين.
ومع أنهم يقرؤون في كتاب الله عز وجل:( وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ)(يونس:106).
ويقرأ أيضاً هذا الذي يتوجه لغير الله بالدعاء قول الله عز وجل: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ)(الأحقاف:5).
ويقرأ أيضاً قوله تعالى:(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)(غافر من الآية:60)، وقوله عز وجل:)وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ)(الأنعام: من الآية17)
وكلنا يحفظ منذ الصغر حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، عندما قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يا غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام و جفت الصحف" .
إن الإنسان الذي ينسى في غمرات الحياة، ويغيب اليقين في قلبه ويتبخر التوحيد الخالص من قلبه؛ يتوجه لغير الله تعالى بالدعاء، فكيف تجعل عبادتك لغير الله عز وجل؟ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدعاء هو العبادة".
ثم لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عدة أسئلة من الصحابة، كان الله تعالى يجيب في القرآن عن هذه الأسئلة بقوله سبحانه :" قل"، كما في قوله تعالى:
- (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ )(البقرة من الآية:219).
- (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ) (البقرة من الآية:220).
- ( يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ )(البقرة من الآية:189).
- (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ) (النساء:176).
فكل الأسئلة التي يسأل فيها النبي صلى الله عليه وسلم يقول له رب العباد: "قل"، إلا سؤالاً واحداً عندما سألوه، وقالوا: يا رسول الله، أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟
يعني هل رب العباد سبحانه وتعالى قريب فننادي عليه بصوت منخفض أم بعيد فنرفع صوتنا في النداء عليه؟ قال سبحانه وتعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(البقرة:186).
" فَإِنِّي قَرِيبٌ " ما قالت الآية:" قل" أو" فقل"، لا؛ لأنه لا واسطة بين العبد و بين ربه. فكيف أدعو أنا إنساناً أو بشراً، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشورا؟! كيف يذهب الإنسان إلى ضريح من الأضرحة؛ ليتوسل إلى الله عز وجل بهذا أو بذاك؟ أو يسأل المتوفى المدفون داخل هذا الضريح شيئاً، وهو بشر مثله لا يملك لنفسه شيئاً؟
والإنسان يجب أن يكون توحيده خالصاً لله سبحانه وتعالى،
ولذلك بعض العلماء وضحوا لنا مسألة العقيدة السليمة عندما ضربوا لنا بعض الأمثلة، فقالوا مثلاً (كقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، في كتاب التوحيد): من قال لولا الكلاب لسرقتنا اللصوص لكان في قلبه شرك والعياذ بالله، كذلك من قال لولا الطبيب لمات الغلام، ولولا فلان لما اشتغل أو عمل فلان، قل: لولا فضل الله على يد فلان، ولولا تيسير الله عز وجل عن طريق فلان، ولولا كرم الله عز وجل على تسهيل وتذليل العقبة من فلان أو فلان وهكذا.
ولذلك لما قال الأعرابي يا رسول الله: ما شاء الله وشئت، قال: "أجعلتني لله ندا؟! قل: "ما شاء الله ثم شئت" .
فالإنسان يجب أن يكون توحيده خالصاً لله سبحانه وتعالى "فإذا سألت فأسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله" .
فالقضية أن الإنسان يتوجه إلى الله بالدعاء، وتوجهك إلى رب العالمين بالدعاء يجب أن تكون مخبتاً منيباً ذليلاً إلى رب العباد، تطرق باب الله عز وجل بذلةٍ وبمسكنة.
إن لله عباداً إذا أرادوا أراد، منهم البراء بن عازم رضي الله عنه، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "كم من ضعيف متضعف ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك"، ثم إن البراء لقي زحفاً من المشركين، وقد أوجع المشركون في المسلمين، فقالوا له يا براء إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أقسمت على ربك لأبرك فأقسم على ربك فقال أقسمت عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم فمنحوا أكتافهم ثم التقوا على قنطرة السوس فأوجعوا في المسلمين فقالوا أقسم يا براء على ربك عز وجل قال أقسم عليك يا رب لما منحتنا أكتافهم وألحقتني بنبيك صلى الله عليه وسلم فمنحوا أكتافهم وقتل البراء. سبحان الله! فكانت الإجابة كما طلب رضي الله عنه.
إذاً هؤلاء عباد لهم دلال على رب العباد سبحانه وتعالى، هؤلاء عباد اتقوا رب العباد عز وجل فذلل الله لهم المسألة لأنهم وحدوا الله حق التوحيد.
أما نحن فعندما مثلاً يأتي الإنسان في قضية ما، في الدنيا ويقول لزوجته أو لابنه: أنا ذهبت إلى المحامي الفلاني وهذا محامي شهير وهذا محامي لا يخسر قضية أبداً وهذا محامي إذا دخل فإن القضاء يهتز والقاضي يعني سبحان الله! يخاف منه أو يعمل له ألف حساب وقد أخذ مبلغاً كبيراً ولذلك أنا واثق من أن أكسب القضية، ولذلك أعطيته توكيلاُ عاماً في المسألة وينام هذا الموكل قرير العين هانئاً، لماذا؟! لأنه جاء بهذا المحامي الحذق الفطن الذكي اللماح الألمعي، وربما ينسى الموكل القضية برمتها بعد مدة ويذهب للمحامي ليترافع هنا وهناك وربما لا يعلم صاحب القضية بالمسألة، وربما قد نسي صاحب القضية قضيته لأنه وكل هذا المحامي الماهر الذي له هذه الخبرة الطويلة. هذا في بشر ولله المثل الأعلى. فما بالك بمن يوكل في كل أموره رب العباد سبحانه وتعالى؟ يتخذ الله وكيلاً، ومن يتخذ الله وكيلاً تكون النتيجة في صالحه، ومن يتخذ الله وكيلاً يكون النصر حليفه، وتكون النهايات السعيدة دائماً بجواره، ويكون في قلبه من اليقين ما يستطيع أن يعيش به، وهو رضي الحال هانئ البال، كما قال أحد الصالحين: في الدنيا جنة من لم يدخلها لن يدخل جنة الآخرة، قيل: وما هي قال: الرضى عن الله عز وجل وبالله.
فالإنسان المسلم الملتزم، راض بقليل الأمر وكثيره، إن رزق قليلاً حمد الله، وإن رزق كثيراً شكر الله، وإن مرض، قال: والله أنا من أهل الابتلاء، والابتلاء ميراث النبوة، ومن قل حظه من الابتلاء فقد قل حظه من ميراث النبوة.
وإن جاءته الصحة حمد الله رب العالمين، واستخدمها في طاعة الله سبحانه تعالى، إن جاءه المال تصدق،إن لم يأته المال استرجع ورمى الأمر برمته عند رب العباد سبحانه وتعالى، ثم توكل على الله حق التوكل.
هكذا العبد كي لا يدعو غير الله يجب أن يكون عنده هذا اليقين. هذا اليقين الذي كان عند الصحابة، رضوان الله عليهم، كان الواحد منهم، عنده يقين يساوي الجبال الرواسي.
هذا اليقين الكبير، جعل رجلاً كأبي الدحداح يقرض البستان الذي عنده لله رب العالمين، هذا اليقين هو الذي جعل عثمان بن عفان يجهز جيش العسرة. هذا اليقين الذي جعل أنس بن النضر يشم رائحة الجنة خلف أُحد.
هذا اليقين هو الذي جعل مصعب بن عمير، رضي الله عنه، الفتى الحريري لما كان في مكة؛ أول سفير في الإسلام، وأدخل الإسلام، بفضل الله، في المدينة المنورة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليها كل بيت من بيوت المدينة، بإسلام واحد من أهل هذا البيت، أو أكثر أو الأسرة كلها.
هذا مصعب الذي عندما مات ما وجدوا له كفناً، إذا غطوا وجهه ظهرت قدماه، وإن غطوا قدميه ظهر وجهه، فغطوا وجهه بثوبه القصير، وغطوا قدميه بشيء من نبات الإذخر.
هذا اليقين الكبير الذي كان عندهم هو الذي جعلهم يحيون في هذه الحياة ملوكاً، قالها ربعي بن عامر، رضي الله عنه، عندما دخل على رستم وقال له: ما الذي جاء بكم أيها البدو من صحرائكم؟! إذا ربعي ينطق له وللبشرية كلها على مر الزمن: إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة.
هذا هو اليقين الذي جعل هؤلاء المؤمنين موصولين بالله سبحانه وتعالى, فكان توكلهم على الله صادقاً، فجاءهم هذا اليقين الذي جعل الواحد منهم لا يدعو إلا رب العباد سبحانه وتعالى.
هذا أبو حازم لما رآه هارون الرشيد عند الحرم قال يا أبا حازم: سلنا حاجتك قال: أستحي من ربي وأنا في بيته أن أسأل أحداً غيره، فانتظر أمير المؤمنين حتى خرج وخرج عن حدود الحرم في طريقه إلى المدينة اقترب أمير المؤمنين منه وقال: يا أبا حازم سلنا حاجتك، قال يا أمير المؤمنين: حاجة من حوائج الدنيا أم حاجة من حوائج الآخرة؟! قال: أما الآخرة فلا أملكها (يعني الآخرة لا أستطيع أن أعطيك شئ فيها) ولكن أقصد حاجة في حوائج الدنيا، قال أبو حازم: إذا كنت ما طلبتها (في الدنيا يعني) ممن يملكها فكيف أطلبها ممن لا يملكها. يعني سبحان الله هذا إنسان قوي يقينه بالله سبحانه تعالى وصدق توكله على رب العباد سبحانه عز وجل عندئذٍ جاءه هذا اليقين برداً وسلاماً على قلبه لا يطلب شيئاً من أحد إلا الله رب العالمين لا يطلب و لا يدعو ولا يتوكل إلا على رب العباد.
فإذاً أن أتوجه بالدعاء لغير الله هذه مصيبة كبيرة وهذا يعني شيء يجب أن يتقي العبد ربه ويصحح نيته ويخلص توحيده وعقيدته لله رب العالمين.
أحبتي في الله، إن التوجه بالدعاء لغير الله عز وجل لون من ألوان الشرك، والعياذ بالله رب العالمين، يجب أن يكون توجهك لرب العباد سبحانه، وأن تدعوا بإخلاص في النية، وأن لا تقول: إنه لم يستجب لي في كذا وكذا ولكن عليك بالدعاء ولا تستعجل،"سوف يستجاب لأحدكم ما لم يستعجل" قالوا: كيف الاستعجال يا رسول الله قال: "يقول دعوت ودعوت فلم يستجب لي"
فعندئذٍ يترك الدعاء والله لا يمل حتى يمل العبد؛ فإن الله سبحانه وتعالى هو الصبور، الذي يصبر على عباده، والذي لا يعاجلهم بالعقوبة رغم ذنوبهم، والذي يستجيب لهم.
اللهم أجعل دعاءنا لك وحدك يا رب العباد وأغننا بفضلك عمن سواك وأغننا بحلالك عن حرامك وأقمنا على طريقك،
يا رب العباد لك غيرنا كثير ولا رب لنا سواك فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين واجعل عقيدتنا خالصة لوجهك الكريم واجعل توحيدنا خالصاً في الأعمال كلها واليقين كله
إنك على ما تشاء قدير.
الصفحة الأخيرة
إنَّ الحمد لله نحمَدُه ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهدِ اللهُ فلا مُضِلّ له ومن يُضلِلْ فلا هادي له وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه من بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمين هادياً ومبشراً ونذيراً بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمّة فجزاه اللهُ عنّا خيرَ ما جزى نبياً من أنبيائه صلواتُ الله وسلامه عليه وعلى كلِّ رسول أرسله.
أما بعدُ عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليّ العظيم.
الريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاء
يقول الله تبارك وتعالى في سورة البقرة ءاية 264 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ} ويقول تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.
عباد الله إن المُراد بالشرك في هذه الآية هو الشركُ الأصغر وهو الرياء فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتّقوا الرياء فإنه الشِركُ الأصغر"، فقد سمّى الرسول الرياء الشرك الأصغر لأن الذي يعمل رياءً كأنه أشرك بالله تعالى.
ففي ذلك دلالة على عُظم ذنب المرائي.
واعلموا يا عبادَ الله أنَّ الرياء خطرُه عظيم وأنَّ النجاة منه تحتاج لجهد كبير ومراقبة للنفس شديدة لأنَّ القلب سريع التقلّب جداً فهو أسرعُ تقلّباً من القدْر إذا استجمعت غَلَيَاناً، أسرع تقلّباً من الماء الذي يغلي في القِدْر والرياء يا عبادَ الله من معاصي القلب، والرياءُ بأعمال البر هو العَمَلُ لأجلِ الناس أي ليمدحوهُ ويُحبطُ ثوابَ العمل فمن صلّى أو صام أو حجّ أو قرأ القرءان أو تصدق أو أحسن إلى الناس بقصد أن يمدحه الناس وبقصد إجلال الناسِ له فلا ثواب له بل عليه إثمٌ كبير بمراءاته.
والرياءُ يا عباد الله بابه واسع فقد يكون بإظهار نُحُول وصُفرةٍ وتشعُّث وخفض صوتٍ ليُظَنَّ أنه شديد الاجتهاد في العبادة، وقد يكون بتقليل الأكل وعدم المبالاة بلبسه ليُظنَّ أنه مشتغل عن لُبْسه بما هو أهم أو بإكثار الذّكر وملازمة المساجد ليُظنَّ أنّه صوفي مع أنه مفلس من حقيقة التصوّف وما أكثر هؤلاء في أيّامنا فإذا زاد على ذلك قصدَ مبرَّة الناس له بالهدايا والعطايا كان أسوأ حالاً لأنَّ ذلك من أكل أموالِ الناسِ بالباطل. وقد يكون الرياء يا عباد الله بطلب كَثْرةِ الزُوّار له كأن يطلبَ من نحو عالِم أو ذي جاه أن يزوره ويأتي إليه إيهاماً لرفعته وتبَرُّكِ غيره به، وقد يكون الرياء بذكر أنه لقي كثيراً من أهل الفضل افتخاراً بهم وترفّعاً على غيره.
وقد روى مسلم من حديث أبي هُريْرة قال سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنَّ أوّلَ الناس يُقضى يوم القيامة عليه رجُلٌ استُشهِدَ (أي مات وهو يقاتل في المعركة) فأتي به فعرَّفه نِعَمَهُ فعرفَها قال: فما عمِلتَ فيها؟ قال: قاتلت فيكَ حتى استُشهِدْتُ.
قال: كذبْتَ ولكنك قاتلت لأن يقال جرىء (أي شجاع بطل) فقد قيل (أي أخذت جزاءك في الدنيا) ثم أُمِرَ به فَسُحبَ على وجهه حتى ألقي في النار. ورجُلٌ تعلَّم العلم وعلَّمه وقرأ القرءان فأُتي به فعرَّفه نِعمه فعرفها قال فما عملت فيها؟ قال: تعلَّمْتُ العِلْمَ وعلَّمتُه وقرأتُ فيكَ القُرءانَ.
قال: كذبْتَ ولكنك تعلَّمت العلم ليقال عالمٌ، وقرأتَ القرءانَ ليُقالَ هو قارىءٌ فقد قيل (أي أخذت جزاءك في الدنيا) ثم أُمِرَ به فسُحِبَ على وجهه حتى أُلقِيَ في النار، ورجل وسَّع اللهُ عليه وأعطاهُ من أصناف المال كله فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرفها، قال: فما عمِلْتَ فيها؟ قال: ما تركتُ من سبيلٍ تُحبُّ أن يُنفَقَ فيه إلاّ أنفقتُ فيه لكَ قال: كذَبْتَ ولكنك فعلتَ ليُقال هو جَوَاد (كريم) فقد قيل (أي أخذت جزاءك في الدنيا) ثم أمر به فسُحِبَ على وجهه ثم أُلقي في النار".
عباد الله إن الرياء يُحبط ثواب العمل الذي قارنه فإن رجع الشخص عن ريائه وتاب أثناء العمل فما فعله بعد التوبة منه له ثوابُه، وأيُّ عمل من أعمالِ البرِّ دخله الرياءُ فلا ثواب فيه سواء كان جرَّد قصده للرياء أو قرن به قصد طلب الأجر من الله تعالى.
واعلموا يا عباد الله أنَّ الثواب والرياء لا يجتمعان وذلك لحديث أبي داود والنسائي بالإسناد الى أبي أُمامة قال: جاء رجل فقال: يا رسول الله أرأيت رجُلاً غزا يلتمِسُ الأجْر والذِكْرَ ما لَهُ؟ قال: "لا شىء له"، فأعادها ثلاثاً كل ذلك يقول: "لا شىء له" ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الله لا يَقبَلُ من العمل إلا ما كان خالصاً له وما ابتُغِيَ وجْهُه".
فيعلم من هذا الحديث أن الذي قصد بجهاده الحصول على مال من طريق الغنيمة لا أجْر له وكذلك من كانت نبيته أن يحمَده الناس وكذلك من كانت نيتُه السُّمعَة. وهذا الحكمُ يا عبادَ الله يشمَل المؤذن والذي يتولّى الإمامة والتدريس بالعلم، علم الدين.
فمن كانت نيتُه الحصول على عرض الدنيا، أي المال فإنه لا ثواب له في أذانه وإمامته وتدريسه. لكن هؤلاء الذين يعملون عمل الآخرة للدنيا يحرمون الثواب بخلاف من يعمل رياء وسمعة فإنه يُحرم الثواب ويكتب عليه ذنب.
عباد الله، إنَّ الرياء ليس شركاً أكبر لأنَّ الشرك الأكبر هو عبادة غير الله وإنما سُمّي الرياء بالشرك الأصغر لأنّه يشبه العبادة لغير الله فهو من كبائر الذنوب وليس مما يخرج من الإسلام.
فاجتهدوا يا عباد الله في العبادة مع إخلاص النية لله ونقُّوا قلوبكم من الرّياء المفسد للأعمال وراقبوا جوارحكم وخصوصاً قلوبكم التي هي سريعة التقلُّب جداً واذكروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الجسد مضغة إذا صَلَحت صَلَح الجسد كلُّه وإذا فَسدت فَسَد الجسد كلُّه ألا وهي القلب".
الأمر الثاني : أن يطمئنَّ إلى هذا الرياء ولا يدافعه : فحينئذٍ تبطل جميع العبادة ؛ لأن أولها مرتبط بآخرها .
مثال ذلك : أن يبتدئ الصلاة مخلصاً بها لله تعالى ، ثم يطرأ عليها الرياء في الركعة الثانية ، فتبطل الصلاة كلها لارتباط أولها بآخرها .
الوجه الثالث : أن يطرأ الرياء بعد انتهاء العبادة : فإنه لا يؤثر عليها ولا يبطلها ؛ لأنها تمَّت صحيحة فلا تفسد بحدوث الرياء بعد ذلك .
وليس مِن الرياء أن يفرح الإنسان بعلم الناس بعبادته ؛ لأن هذا إنما طرأ بعد الفراغ من العبادة .
وليس مِن الرياء أن يُسرَّ الإنسان بفعل الطاعة ؛ لأن ذلك دليل إيمانه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " مَن سرَّته حسنته وساءته سيئته فذلك المؤمن " .
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : " تلك عاجل بشرى المؤمن " .
علاج الريــــــــــاء:
1. استحضار مراقبة الله تعالى للعبد .
وهي منزلة " الإحسان " التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل ، وهي " أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه ، فإنه يراك " . رواه مسلم ( 97 ) .
فمن استشعر رقابة الله له في أعماله يهون في نظره كل أحد ، ويوجب له ذلك التعظيم والمهابة لله تعالى . .
2- الاستعانة بالله تعالى على التخلص من الرياء
قال الله تعالى عن المؤمنين { إياك نعبد وإياك نستعين } ، ومن الأشياء التي تنفع في هذا الباب الاستعانة بالله في دعائه ، قال صلى الله عليه وسلم : "أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل فقال له من شاء الله أن يقول :وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم " . رواه أحمد (4/403) ، وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " ( 3731 ) .
3. معرفة آثار الرياء وأحكامه الأخروية .
حيث أن الجهل بذلك يؤدي إلى الوقوع أو التمادي فيه ، فليعلم أن الرياء مُحبط للأعمال ، وموجب لسخط الله ، والعاقل لا يتعب نفسه بأعمال لا يكون له أجر عليها ، فكيف إذا كانت توجب سخط الله وغضبه .
4. النظر في عقوبة الرياء الدنيوية .
وكما أن للرياء عقوبة أخروية ، فكذلك له عقوبة دنيوية ، وهي أن يفضحه الله تعالى ، ويظهر للناس قصده السيّئ ، وهو أحد الأقوال في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم " من سمَّع : سمَّع الله به ، ومَن راءى : راءى الله به " رواه البخاري ( 6134 ) ومسلم ( 2986 ) . قال ابن حجر : قال الخطابي معناه : من عمل عملا على غير إخلاص وإنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره الله ويفضحه ويظهر ما كان يبطنه .
وقيل : من قصد بعمله الجاه والمنزلة عند الناس ولم يرد به وجه الله فإن الله يجعله حديثا سيئا عند الناس الذين أراد نيل المنزلة عندهم ولا ثواب له في الآخرة . أ.هـ " فتح الباري " ( 11 / 336 ) . 5
5. إخفاء العبادة وعدم إظهارها . وكلما ابتعد الإنسان عن مواطن إظهار العبادة : كلما سَلِم عمله من الرياء ، ومن قصد مواطن اجتماع الناس : حرص الشيطان عليه أن يظهر العبادة لأجل أن يمدحوه ويُثنوا عليه .
والعبادة التي ينبغي إخفاؤها هنا هي ما لا يجب أو يُسنُّ الجهر به كقيام الليل والصدقة وما أشبههما ، وليس المقصود الأذان وصلاة الجماعة وما أشبههما مما لا يُمكن ولا يُشرع إخفاؤه .
حفظنا الله جميعاً من الرياء وما يفسد القلوب.
" allowfullscreen>