أيها المجرم الفاتك الذي يسلب الخزائن نفائسها , والأجسام أرواحها ؛
لست أحمل عليك من العتب فوق ما يحتمله ذنبك , ولا أنظر اٍليك بالعين التي نظر بها اٍليك القاضي الذي قسا في حكمه عليك , لأني أعتقد أن لك شركاء في جريمتك , فلا بد لي من أن أنصفك , واٍن كنت لا أستطيع نفعك !!!
شريكك في الجريمة أبوك , لأنه لم يتعهدك بالتربية في صغرك , ولم يحل بينك وبين مخالطة المجرمين , بل كثيراً ما كان يبخبخ لك اٍذا رآك هجمت على تِربِك وضربته , ويصفق لك اٍذا رأى أنك قد تمكنت من اختلاس درهم من جيب أخيك , أو اختطاف لقمة من يده ...
فهو الذي غرس الجريمة في نفسك , وتعهدها بالسقيا حتى أينعت ونمت وأثمرت لك هذا الحبل الذي أنت معلق به اليوم ...
وها هو ذا يذرف عليك العبرات , ويصعِّد الزفرات ... ولو عرف أنها جريمته , وأنها غرس يمينه لضحك مسروراً بغفلة الشرائع عنه , وسجد لله شكراً على أن لم يكن حبلك في عنقه , وقيدك في يده .
شريكك في الجريمة هذا المجتمع الاٍنساني الفاسد الذي أغراك بها , ومهد لك السبيل اٍليها ...
فقد كان يسميك شجاعاً اٍذا قتلت , وذكياً فطناً اٍذا سرقت , وعالماً اٍذا احتلت , وعاقلاً اٍذا خَدَعت , وكان يهابك هيبة الفاتحين , ويجلك اٍجلاله للفاضلين ...
وكثيراً ما كنت تحب أن ترى وجهك في مرآته , فتراه أبيض ناصعاً , فتتمنى أن لو دام لك هذا الجمال ...
ولو أنه كان يؤثر نصحك ويصدقك الحديث عن نفسك لَمَثّل لك جريمتك بصورتها الشوهاء , وهنالك ربما ودِدتَ بجدع الأنف لو طواك بطن الأرض عنها , وحالت المنية بينك وبينها ...
شريكك في الجريمة حكومتك , لأنها كانت تعلم أن الجريمة هي الحلقة الأخيرة من سلسلةٍ كثيرة الحلقات , وكانت تراك تمسك بها حلقة حلقة , وتعلم ما سينتهي اٍليه أمرك فلا تضرب على يدك , ولا تعترض سبيلك , ولو أنها فعلت لما اجترمتَ , ولا وصلتَ اٍلى ما اٍليه وصلتَ .
كانت حكومتك تستطيع أن تعلمك وتهذب نفسك , وأن تغلق بين يديك أبواب الحانات والمواخير , وأن تحول بينك وبين مخالطة الأشرارباٍبعادهم عنك وتشريدهم في مجاهل الأرض ومخارمها , وأن تنصرك على قتيلك قبل أن يبلغ حقدك عليه مبلغه من نفسك , وأن تحسن تأديبك في الصغيرة قبل أن تصل اٍلى الكبيرة ...
ولكنها أغفلت أمرك فنامت عنك نوماً طويلاً , حتى اٍذا فعلتَ فعلتك استيقظَت على صوت صراخ المقتول , وشمرت عن ساعدها , لتمثل منظراً من مناظر الشجاعة الكاذبة ؛ فاستصرخت جندها , واستنصرت قوّتها , وأعدّت جَذعها وجلادها , وكان كل ما فعَلَت أنها أعدمتك حياتك !!
هؤلاء شركاؤك في الجريمة , وأقسم لو كنتُ قاضياً لأعطيتك من العقوبة على قدر سهمك في الجريمة , ولجعلتُ تلك الجذوع قسمة بينك وبين شركائك, ولكني لا أستطيع أن أنفعك ...
فيا أيها القتيل المظلوم : رحمة الله عليك !!!:(
من كتاب " النظرات " لصاحبه ؛ الأديب الشهير : مصطفى لطفي المنفلوطي .
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الوائلي
•
ولكنها أغفلت أمرك فنامت عنك نوماً طويلاً , حتى اٍذا فعلتَ فعلتك استيقظَت على صوت صراخ المقتول , وشمرت عن ساعدها , لتمثل منظراً من مناظر الشجاعة الكاذبة ؛ فاستصرخت جندها , واستنصرت قوّتها , وأعدّت جَذعها وجلادها , وكان كل ما فعَلَت أنها أعدمتك حياتك .
صدق المنفلوطي
بارك الله فيك .
صدق المنفلوطي
بارك الله فيك .
وجميل مرورك يا ليل
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبارك الله في الأديب
مع استغرابنا تصديقه للأديب المنفلوطي اٍجمالاً دون تفصيل ؟!!
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبارك الله في الأديب
مع استغرابنا تصديقه للأديب المنفلوطي اٍجمالاً دون تفصيل ؟!!
بحور 217
•
اختيار حكيم يا أماني
حقا لكل نصيبه من جرم هذا المجرم المظلوم
{ ليحملوا أوزارهم وأوزارا مع أوزارهم }
حقا لكل نصيبه من جرم هذا المجرم المظلوم
{ ليحملوا أوزارهم وأوزارا مع أوزارهم }
الوائلي
•
أعني أختاه أنه صدق فيما نقلته من كلامه ، بل أنه قصر في الوصف ، فهي أي حكومته لم تنم عنه فقط ، بل هيأت له الشر ، وفسحت له طريق الفساد ، وضيقت عليه طريق العلم والخير والجهاد ، فشب مفتون بين شبهة وشهوة ، يتخبط في دروب مظلمة مدلهمة ، يتبع الهوى والنفس والشيطان ، فوقع فيما وقع فيه من الإجرام .
الصفحة الأخيرة
وقد صدق الرسول الكريم بقوله ( كلكم راع..... وكلكم مسؤل عن رعيته)