
إنها دعـــــــــوة مظلــــــــــــوم
آذنت الشمس بمغيب ، وتجمعت الأسر حول مائــدة الإفطار ،
ينتظرون الأذان ،
وفي زاويـــــــــة من زوايا القرية الجاثمة قرب الترعة
بيت يدلك مظره على مايعانيه أهله من بؤس وضيق ،
ولو اطلعت على الطعام الجاف القاسي الذي استقر
أمام تلك الأسرة لرثيت لحالهم ،
ومع ذلك فقد كان الكل يقــــــول :
الحمدلله ، الحمدلله.
إلا أن رب الأسرة البائسة كان شارد الفكر ،
يستعيد في قلبه الحديث الذي دار بينه وبين ذلك
الطاغية الجبار ،
لقد تهدده وتوعده إن لم يرجع له المبلغ الذي استلفه منه
اليوم قبل الغد فانه سيناله بعذاب شديد ،
وأنى له أن يعيد له تلك الجنيهات القليلة وهو لا يملك
أن يطعم الأفواه الجائعة ،
ولا أن يكسو الأجسام العارية ،
ولكن كيف يواجه ذلك الطاغية ،
الذي اعطى بسطـــة في الجسم ، وقلة في العلم ،
رافقها قساوة في القلب ، وفظاظة في القول !
وأفاق من تأملاته على صوت أجش خارج المنزل يرغي ويزبد ،
واقترب الصوت ، وفتح الباب بعنف ،
وإذ بالشقي الجبار يقف كالمارد أمام الأب المسكين
الذي تحيط به أسرته البائسة ،
ومن غير كلام ولا مقدمات ، تناول الطاغية ذلك المسكين ،
يوسعه ضرباً بيده ، وركلاً برجله ، وسبابا وشتما ،
وارتفعت الأصوات الصغيرة تستغيث ،
ودوى صوت الأم يعبر عن ألم وهول ،
وتقاطر الجيران ، وبعد التي واللتيا ،
ترك ذلك المارد فريسته بعد أن اشبع نهمه ،
وأرضى نفسه ، وبعد أن أصبح الأب المسكين شبيها بالأموات ،
وارتفع صوت المؤذن الله أكبر ، الله أكبر ،
ومع الأذن نظر ذلك المسكين إلى الطاغية ثم نظر إلى السماء يردد :
الله ينتقم منك ، الله ينتقم منك .
ومرت أيام عشرة لا تزيد ، فإذا بذلك الطاغية يشكو ألم في ساقه ،
وحار أطباء بلده في ألمه ، ولما لم يجد عندهم ما يخفف
ألمه غادر القرية إلى المدينة ،
وهناك دخل المستشفى بساقين وخرج
بســـــــــــــــاق واحــــــــــــــدة .
لقد كان مرضا خبيثا إنه سرطـــــــان ،
ولم يمض وقت طويل حتى أصاب الساق الثانية
ما أصاب الأولى ،
وخرج ذلك الطاغية من المستشفى لا يستطيع أن يسير ،
بل يحتاج إلى من يحمله ،
ثم من يخدمه ويطعمه ، ويقضي له التافه من الأمور .
لقد أصابته دعوة مظلوم في ساعة استجابة ،
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( اتقوا دعــــــوة المظلــــوم فــانــه ليـــــس بينهـــا وبيــــن
الله حجــــــــــــــــــــاب ).
وأصبحت قصته حكاية تروى ، ممثلة عاقبة الظلم ،
ومصير الظلمــــة ( فإن الله يمهــــــــــل ولا يهمـــــــــل ).
( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ).
د/ عمر سليمان الأشقر
جزيتي خيرا أخية