

كان لرجل إبنتان تختلفان بالأم , فكل واحدة منهما قد غرزت بابنتها افكارا تشبعتها من مضمون حياتها
فأضحت بنت الزوجة الأولى حكيمة ناضجة رصينة و تدعى راشدة
فقد كانت إسما على مسمى و أما أختها الفتاة المدللة تمتاز بالسذاجة والوقاحة و قلة التفكير
من جراء ما غذَّتها به أمها و التي هي الزوجة الثانية
كان الأب شديد الإعجاب براشدة و يذكرها عند العام والخاص
و بينما هو بمجالسة مع صديق صباه اقترح عليه أن يزوجه إبنته لتدوم صداقتهما و تتوطد أكثر
قال الصديق : بما انك وافقت على طلبي أنا شغوف لمعرفة من تكون
هل هي راشدة أم سامية ؟
قال عبد الله : و الله لا أدري فكلاهما كريمتي و هما غاليتان عندي
و لكن سأعرض الطلب بالبيت و من نتفق عليها ستكون من نصيبك
وافق الصديق و أمهل صديقه بعضا من الزمن لدراسة الموضوع على روية
دخل عبد الله بيته مسرعا فرحا لا تسعه الأرض
و طلب زوجتيه ليخبرهما بالموضوع
قالتا معا : خيرا إن شاء الله ؟ ماذا هناك ؟
قال الزوج : كل الخير ........كل الخير اجلسا لأحدثكما
جاءني اليوم صديقي الوحيد يطلب إحدى ابنتي
و قبل أن يكمل كلامه قاطعته الزوجة الثانية :
طبعا يقصد سامية ؟
عبد الله : لا يقصد لا هذه ولا تلك .....فقط يريد زوجة تناسبه خَلْقا و خُلُقا و حكمة ونضجا
فهمت الزوجة الثانية إلى ما يلمح فثارت غضبا و زمجرت و توعدت به شرا
فكر الزوج أن يجري لهما امتجانا حتى لا يظلم إحداهما و من تنجح يكون الحق لها بالنصيب
اجتمع الرجل بابنتيه و قال لهما :
يا راشدة و يا سامية لقد كبرتما و أصبحتما مثل ربات البيوت و هذه المرة أريدكما
أن تعوضا أميكما بأمور البيت حتى أشعر أنكما بحق تستحقان المدح والثناء
و لعجلة البنت سامية باشرت تقول :
نعم يا أبي هذا هين و دون امتحان منك سأريك أنني أستحق المسؤولية و الإعالة
قال الأب بابتسام مزدوج : سنرى ذلك يا ابنتي خلال شهر إن شاء الله
و سلم كل واحدة منهما كيسا من القمح و قال :
إذا أعددتما خبزا لا تنسيا حق الضيف
و إذا رغبتما بإنهاء أشغال البيت لا تجعلان من الربيع صيف
و انطلق إلى حيث يريد و ترك المهمة تبدأ رحلتها من تلك اللحظة
عاد الاب بعد شهر ينتظر النتاج الفاصل بين راشدة وسامية
و أحضر زوجتيه لتكونا شاهدتين على فرز النتائج
تقدم عبد الله من راشدة و قال : اخبريني مافعلتِ بالكيس ؟ و أين هو حق الضيف ؟
و عما فعلت بالربيع حتى لا يغدو صيف؟
راشدة : نعم يا أبي فأما حق الضيف فهاهو عبارة عن ربع الكيس من الدقيق
فقد كنت في كل مرة أشرع فيها بإعداد الخبز انقص قدر الضيف من الدقيق
و أما عن سؤالك الثاني فإني كنت أنهض باكرا و أسترق النسمات العليلة
حتى أنهي اشغالي بسرعة و قبل بزوغ حر الشمس فيتكاسل جسدي و تخور قواي
ففلاح الأمة في بكورها
انشرح صدر عبد الله و قال : بارك الله بك يا ابنتي هذا فخر لي أمام الناس جميعا
ثم ألحق أختها بالسؤال : ما فعلت بعبير الربيع و حرارة الصيف ؟ قالت :
كنت أنهض متأخرة و أطلب المساعدة من بنات الجيران فأشعر أنني أتعب كثيرا و أعمالي لا تنتهي
و لما همَّت بإحضار كيس الدقيق انطلقت منه رائحة العجين الفاسد
لأنها كانت كلما أعدت خبزا أنقصت كمية من العجين فتراكمه مع بعضه البعض سبب العفونة و التخمر الزائد
فنظر الأب زوجتيه و هو يتأسف و يتحسر على ما رأى
عبد الله لزوجته الثانية : هات ما عندك فصديقي ينتظر ردا
صكت الزوجة وجهها و قالت : فعلا



