
صحابية جليلة ، وفوق ذلك هي عمة الرسول صلى الله عليه وسلم
وأخت الشهيد ( أسد الله ) حمزة بن عبدالمُطلب
وأم حواري رسول الله ( الزبير بن العوام ) ، فنعم القرابة قرابتها
ونعم النسب نسبها ،ونعم المرأة الجليلة هي
كان أول من تزوجها ( الحارث بن حرب ) وبعد أن مات تزوجها
( العوام بن خويلد بن أسد ) فأنجبت له ( الزبير والسائب )
وما أن لاح فجر الإسلام وأضاء نوره حتى شهدت بشهادة
التوحيد فكانت من الرعيل الأول ،
لقد أصغت إلى رسول الله وهو ينادي أهله وعشيرته متمثلا" بقوله
تعالى
*{ و أنذر عشيرتك الأقربين * واخفض جناحك لمن تبعك من
المؤمنين }*
( الشعراء : 214 ـ 215 )
فقام رسول الله ينذرهم ويقول :
يا معشر قريش : أنقذوا أنفسكم من النار
يا معشر بني هاشم : أنقذوا أنفسكم من النار
يا معشر بني عبد المطلب : أنقذوا أنفسكم من النار
يا فاطمة بنت محمد : أنقذي نفسك من النار
يا صفية بنت عبد المطلب : أنقذي نفسك من النار
لا أملك لكم من الله شيئا"
لقد سمعت ( صــفـيــة ) نداء رسول الله وهو يخصها باسمها
أيـاك ياصــفـية أن تغتري بالحياة الدنيا ، هبي نفسك لله ، واهربي
بنفسك من نار جهنم ،
فينشرح صدرها للإسلام وتقف سندا" وعضدا" لرسول الله ،
بجوار أخيها حمزة الذي أعز الله به الدين ،
وهاهو ابنها الزبير يعلن إسلامه وانضمامه إلى هذا الركب
المبارك وتهاجر مع ابنها الزبير إلى المدينة وتقف هناك مع
المؤمنين المهاجرين وإخوتهم الأنصار يبنون صرح دولة ما عرف
التاريخ لها مثيلا" من قبل
أمة : الله ربها
أمة : محمد رسول الله قائدها
أمة : كتاب الله دستورها وقانونها
كانوا ثلاثة من أقرباء رسول الله حمزة والزبير وصــفـيــة ، مثالا"
للدعاة المخلصين المجاهدين لرفع راية الإسلام
ويأتي يوم أحد ، وتمتد يدٌ كافرةٌ آثمة لتنال من حمزة ( أسد الله )
غيلة في أرض القتال ، وهاهي هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان
تُقبل على الأسد الضرغام وقد خرَ صريعا" لتنال ثأرها ممن قتل
أباها وعمها فتعمل على التمثيل بجثته رضي الله عنه ،
وتنجلي المعركة ، ويقف رسول الله على جثمان عمه يرى ما فعله
المشركون فيه ، وتتأجج نيران الغضب في قلبه ، وتدمع عينيه
على حمزة ، وإذ بصــفـيــة أخت الشهيد تقبل وتُلوحّ لرسول الله ،
فيشفق رسول الله عليها ويخاف أن ترى شقيقها وهو بتلك الحال ،
فقد بُقر بطنه و أُخرجت أحشاؤه ، وشوّه وجهه ،
فقال لابنها الزبير : " أرجعها حتى لا ترى ما بأخيها "
فذهب الزبير إليها ، وقال لها بصوت أقرب للبكاء :
" يا أماه ، ارجعي ، فإن رسول الله يأمرك بأن ترجعي
فقالت صــفـيــة بكل صبر وتجلد وهدوء :
" ولِمَ ... لقد بلغني أنه قد مُثّل بأخي "
" وذلك في الله ، فما أرضانا بما كان من ذلك ، ولأصبرن صبرا"
جميلا" ، ولأحسّبن إن شاء الله "
فعاد الزبير إلى رسول الله يخبره بما قالت :
فقال رسول الله : " خل سبيلها "
فتأتي صــفـيــة ، وتقف على رأس أخيها المشوهة حمزة وهي
صابرة ٌ محتسبةٌ وتقول له : " عليك صلاة الله يا أبا عمارة وغفر
لك ، نحن قوم عادتنا القتل والشهادة ، لا حول ولا قوة إلا بالله ،
إنا لله و إنا إليه راجعون ،غفر الله لك ولي ، وجزاك جزاء عباده
المخلصين "
وتودع صــفـيــة شقيقها وهو يُوارى مع شهداء أحد إلى مثواهم
الأخير وتمضي مع ابنها مجاهدين في سبيل الحق والدين ،
وما أسرع ما أتى يوم الخندق ، فإذا بالمسلمين يقفون خلف الخندق
يقاتلون الأحزاب وقد زحفوا يريدون إطفاء نور الله ،
وتمكث صـفـيــة مع النساء والصبيان في حصن بحراسة ( حسان
بن ثابت )
لقد اجتمع الأعداء حول المسلمين ، والمدينة محاصرة من كل
جانب ، ففي خارجها وقف الأحزاب ، وفي داخلها نقض بنو
قريظة العهد وخانوا الميثاق
وهنا ترى صــفـيـة يهوديا" يحوم حول الحصن ، يستكشف ما فيه وما حوله ،
فقالت لحسان بن ثابت : " يا حسانُ : هذا اليهودي يطوف
بالحصن ، والله لا آمنه أن يدُل اليهود الذين من ورائنا على
عورتنا "
فقال حسان : وهو لا يستطيع الخروج لكبر سنه
" ما ذاك فيّ ، وما أنا بصاحب هذا الأمر وإلا لكنت مع رسول الله "
وهنا ترى صـفـيـة الخطر يحيق بنساء المسلمين وأطفالهم فلا
تستطيع أن تسكت ، فتحتمل عمودا" من أعمدة الخيام ، وتخرج
من الحصن وقد نوت قتل اليهودي ، فما أن رأته حتى هجمت عليه
، وضربته بالعمود ضربة خرَ لها صريعا" لا حراك فيه ،
واحتزت رأسه وقامت إلى ( حسان ) وقالت : " خذ بإذنه وأرم به
عليهم "
فما أن رأى اليهود رأس صاحبهم حتى قالوا : " لقد ظننا أن
محمدا" لم يكن ليترك أهله خلوفا" لا رجال معهم "
وهكذا كانت صـفـيــة رضي الله عنها أول من قتلت رجلا" من
المشركين
ويسجل لها التاريخ هذه البطولة العظيمة وهي تجاهد في سبيل الله
وتحفظ المسلمين في نسائهم و أولادهم ،
ولما توفي رسول الله خرجت صـفـيــة ترثيه وتقول :
ألا يا رسول الله كنت رجاءنا ... وكنت بنا بَرَّا ولم تك جافيا
وكنت رحيما هاديا معلما ... ليبك عليك اليوم من كان باكيا
لعمرك ما أبكى النبي لفقده ... ولكن لما أخشى من الهرج آتيا
كأن على قلبي لذكر محمد ... وما خفت من بعد النبي البواكيا
أفاطم صلى الله رب محمد ... على جدث أمسى بيثرب ثاويا
فدى لرسول الله أمي وخالتي ... وعمي وآبائي ونفسي وماليا
صدقت وبلغت الرسالة صادقا ... ومت صليب العود أبلج صافيا
فلو أن رب الناس أبقى نبينا ... سعدنا ولكن أمره كان ماضيا
عليك من الله السلام تحية ... وأدخلت جنات من العدن راضيا
أرى حسنا أيتمته وتركته ... يبكي ويدعو جده اليوم نائيا
وفـــــاتـــهـــا
توفت صـفــيـة بنت عبد المطلب في خلافة أمير المؤمنين عمر،
عن عمر يناهز ال73 ودفنت في البقيع
رضي الله عنها فقد كانت امرأة من المجاهدات في سبيل الله
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك و أتوب
إليك
& أم أنـوسـي &