صفاء القوارير ورقتها
وبياض الفضة وتألقها
يرى باطنها من ظاهرها..
تلك هي قوارير الجنّة ..!
فواعجباً .. لها تشفّ كالبلور عما يحتويها وهي فضّة ..!!
تلك آية من مسرّات النعيم .. وروعة الوعد ..!
وهكذا يكون خلق المؤمن ..
فباطنه ينطوي على خلقٍ كاللجين نصاعة وجمالاً
وظاهره .. يشفّ عن مكنونه ...
تترجمه أفعاله وأقواله ومواقفه ..!
يقول الله تعالى :
( الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُمْ فِي الاَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ
وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الاُمُورِ ( (الحج/41).
هذا هو القانون الطبيعي الذي به مفتاح التطور البشري على مدى التاريخ ..
هو دعوة لكل مجتمع ولكل أمة للانتظام على أوامر الله ، والانتهاء عن نواهيه..
ونذير لأيّما أمّةٍ انتشر فيها المنكر وتفشى .. وسكتت عليه ولم تمنعه ..
بأنها ستبوء بعقاب ما من الله تعالى .. ولن تكون عاقبة أمرها خيرا..
فقد يتفرق أمرها شيعاً .. ويذوق بعضها بأس بعض ..
قد يذهب بريقها .. ورفاهيتها .. وتعاني من الضيق والضنك والشدّة ..
قد تنتشر فيها الأوبئة .. والأمراض بين أفرادها ..
قد تذهب سيادتها وقوتها بين الأمم ..
إلى غيرها من العقوبات الإلهية التي لايعلمها إلا الله ..
( وما يعلم جنود ربك إلا هو )..
هذا القانون الإلهي يجري على كل أمة إذا سكتت عن المنكر ..
ولم تأمر بالمعروف ..وتركت الفساد ينخر في جسمها ..
فإذا غرقت في مستنقعها ثم جاءت ..وسألت الله أن يرفع العذاب ..
فلن ينفعها ذلك ... فالعقاب أتى نتيجة طبيعية لسوء العمل ..
فلا عجب في أنّ من يزرع المر يجني علقماً ..
ومن يزرع الشوك لايعقل أن يجني ورداً ..!
وهكذا سوء المآل من سوء الأعمال..!
والرسول آعلن هذه الحقيقة ~
الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بيّن في حديثه الشريف :
( والذي نفسي بيده .. لتأمرنّ بالمعروف .. ولتنهون عن المنكر ..
أو ليوشكنّ الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ..
ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ).
في الحديث تحذيرللناس .. وإنذار للأمم المخالفة عن أمر الله ..
من عقاب لابد أنه نازل بهم...
ودعاء لايستجاب لهم .. إذا لم يسارعوا إلى الإصلاح ..
والعودة إلى تنفيذ أوامر الله .. واجتناب معاصيه .. واتقاء غضبه وعقوبته ..
ولكن ماذا على المجتمع والفرد أن يفعل لمواجهة موجات المنكر المغرقة ..؟
يتحتم عليه أن يضرب على يد الأشرار .. إذا لم ينفع النصح ..
وإن لم يفعل ذلك فإن الفساد سيستشري .. ويعجز الإصلاح ..
ويحل بعدها العقاب .. ولا ينفع الدعاء .. وتغرق السفينة ..!
أما المؤمنون .. في زمن الفتن هؤلاء الذين أمروا بالمعروف ،.
ونهوا عن المنكر جهدهم .. فعليهم أن يثبتوا على الحق ..
ويتوجهوا بقلوبهم إلى الله ..
" عليكم أنفسكم " فهذا أقوى أنواع المقاومة التي يمكن أن يفعلها المؤمن ..
في زمن ومكان كان فيه أغلب الناس في الظلمات ..
عليه أن يتجه بقلبه إلى الله .. فإن فعل ذلك لايضره من ضل ..
" لايضركم من ضل إذا اهتديتم "
وقد سئل الرسول الكريم عن المقصود بهذه الآية :
( ياأيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لايضركم من ضل إذا اهتديتم ) فقال :
((.. بل ائتمروا بالمعروف ، وتناهوا عن المنكر..
حتى إذا رأيت شحّاً مطاعاً ، وهوى متبعاً، ودنيا مؤثرة ،
وإعجاب كل ذي رأي برأيه ..
فعليك بخاصة نفسك ودع أمر العامّة ..
فإن من ورائكم أياماً ، الصابر فيها مثل القابض على الجمر ..
للعامل فيهن ، مثل أجر خمسين رجلاًيعملون مثل عملكم )).
ألا ماأشد مايلاقي المؤمن في هذا العصر الذي أصبح الفساد فيه
فنّاً من الفنون المدروسة .. !!
والشر مدرسة يفخر بالانتساب إليها والتخرج منها الملايين من المضللين ..!!
في هذا العصر أجر العامل فيه عظيم ..!
أجر الداعي إلى الإصلاح .. الآمر بالمعروف .. والناهي عن المنكر
دعوة إلى التأمّل ~
إذا نحن تأملنا في حال المسلمين وحال البلاد الإسلامية اليوم ..
لوجدنا ما يؤلم القلب، وتدمع له العين ، ويندى له الجبين ..
من ضعف الدين، وعجز المسلمين ...
أمتنا في هذا الزمان غدت أمة مستضعفة مستهدفة..
تكالبت عليها الأطماع والأمم ..
واللوم ليس على الأعداء وحدهم، بل علينا يقع اللوم أيضاً ..
بما كسبت أيدينا في التقصير في الواجبات، والوقوع في المعاصي
واتباع الأمم الضالة في ذلك ، والاغترار والانخداع بها ..
فلا يقعدنك أختي المؤمنة أن تكوني من هؤلاء الدعاة ماوسعك الجهد
ولا تستسلمي بسرعة إلى دواعي الفشل في الإصلاح ..
فإذا تعذر الإصلاح .. واستحال ..
فحافظي على نور الإيمان المتلألئ في قلبك ..
وابقي في سمائك زاهرة .. وإن حفّ بك الظلام ..
واحفظي شخصك من عوامل الهدم واليأس والإحباط ..
واتجهي بقلبك إلى الله دائماً لترتقي في مقام أنوار الهداية ..
وإن هوى المجتمع إلى أسفل .. تراك أنت تزدادين علوّاً .. وتلألؤاً..
إن المؤمن في أزمنة الفتن.. كبقعة نور في بحر مظلم ..
كنجم متألق في فضاء مدلهم .. لاتأثير للظلام من حوله على تلألئه ..
فعليه أن يلزم التوجه إلى الله .. والثبات على الحق ..
وقد شبه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أصحابه بالنجوم :
(أصحابي كالنجوم ، بأيهم اقتديتم ، اهتديتم ).
كوني قارورة من فضة ..
تشفّ عما بها ...
كقوارير الجنة .. قدروها تقديرا..
وما أعظم تقدير المؤمن عند ربه :
( وكان ربك قديرا ).
وما أجمل أن نطبق ما فيه
جزاك الله خير و نفعنا بك و بارك فيمن خطيتي
يا عطر