وذلك الأمر يتحقق بفضل الفهم الصحيح لتعاليم الدين وجوهر الرسالة السامية التي أتى بها النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم والتي تدعوا إلى السلام والتسامح والإخاء والمحبة. فالسلام يعد من المبادئ التي عمل الدين الإسلامي على تأصيلها في نفوس المسلمين فصارت جزءً من كيان العقيدة الإسلامية.
ما علاقة كلمة الإسلام بكلمة السلام؟إن غاية الدين الإسلامي في الأرض تكمن في إفشاء روح المحبة وتحقيق مبدأ السلامة للجميع. لذلك لو تأملنا سويًا كلمتي الإسلام والسلام لوجدناهما يجتمعان في البنية اللغوية، إذ أن كلمة الإسلام تتضمن معنى السلام وكذلك معنى السلم وفي هذا إشارة إلى مبدأ من أهم مبادئ العقيدة الإسلامية.
ولقد حث الله سبحانه وتعالى على إفشاء السلام بين الناس تحقيقًا للألفة والطمأنينة حيث قال في سورة النور الآية 27: "«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا"، كما ذُكِرَ في السورة نفسها في الآية 61: "فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً". كما أن الله سبحانه وتعالى حث على رد التحية بأحسن منها فقال في سورة النساء الآية 86: "وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا".
ولقد رُوِيَ في صحيح البخاري أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا من شدة محبتهم لله يقولون في صلاتهم: السلام على الله من عباده، السلام على جبريل، السلام على فلان وفلان»، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقولوا: السلام على الله، السلام على عباده، وقال: "إن الله هو السلام يعني: السالم من كل عيب ونقص جل وعلا. ثم قال لهم: "قولوا»: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتم ذلك سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض".
ولقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإفشاء السلام للتأليف بين القلوب فقال: "والله لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أخبركم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
كما قال صلى الله عليه وسلم:" أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصَلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام".
ما القواعد التي وضعها المنهج الإسلامي لتحقيق مبدأ السلام؟لقد وضع الإسلام الحنيف عدة قواعد وأحكام لإرساء مبدأ السلام بين الناس تتمثل في الآتي:
أولًا: المساواة:هذه هي القاعدة الأولى التي يقررها الدستور الإسلامي لإرساء مبدأ السلام. فالإسلام ممثلًا في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة يقر أن الشعوب متساوية بين بعضها البعض، فبغض النظر عن معتقدات البشر وألوانهم المختلفة وكذلك اختلاف الألسن، إلا أن الدين الإسلامي يقر أن الجميع أخوة في الإنسانية وينتمون إلى أصل واحد. من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّكم لآدمَ، وآدم من ترابٍ، لا فضلَ لعربيٍّ على أَعْجَمِيٍّ إلا بالتقوى".
ثانيًا: نبذ العنف:هذه قاعدة أخرى يقررها الدين الإسلامي لإرساء مبدأ السلام. إذ ينهى الإسلام عن الاعتداء على حقوق الآخرين ويهدف إلى استقرار الشعوب من خلال رد الحقوق بالعدل ونبذ العنف.
ثالثًا: دفع الظلم:وهذه قاعدة ذهبية ثالثة يقرها الدين الإسلامي لتحقيق السلام بين الشعوب. فإن دفع الظلم عن المظلومين يعزز من فكرة السلم ويعمل على إشاعة التراحم بين الناس ونبذ التطرف بكل صوره.
هل أمر الإسلام بالقتل؟هذا من الأسئلة المهمة التي يجب وأن يتم مناقشتها وفهمها بشكل صحيح حتى يتبين أن الدين الإسلامي دين يدعوا إلى السلم وليس القتل.
لقد سمح الدين الإسلامي بالقتال وليس بالقتل وذلك في حالات محدودة تتمثل في الدفاع عن النفس أو التصدي لعدوان يمنع المسلمين من إقامة شعائرهم. حيث ذكر الله عز وجل في سورة الممتحنة في الآية 8: "لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِين(٨)إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّـهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ". وقال تعالى في سورة المائدة في الآية 32: "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كثيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ".
ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حِله". كما قال صلى الله عليه وسلم: "أبغض الناس إلى الله ثلاث: مُلْحِدٌ في الحَرَم، ومُبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليريق دمه".
وهذا دليل على أن الشريعة الإسلامية لم تكن أبدًا داعية للقتل والإرهاب، وإنما القتال مشروط بأمور محددة حددها القرآن الكريم والسنة النبوية. فالمسلم لا يقتل إلا دفاعًا عن نفسه أو عرضه أو ماله أو دينه، وفي هذه الأمور اضطرار إلى القتال لا سعي إليه.
أقوال غربية تبين أن الإسلام داعي للسلام:
- تقول الكاتبة الإيطالية الدكتورة لورا فيتشا فاليري: “وحسبُك أن الحروب التي هي أقصى ضرورات الحياة الإنسانية قد صارت بفضل محمد أقلَّ وحشية وقسوة. إذ إنه كان يطلب من جنودِه ألا يقتلوا شيخًا ولا امرأة ولا طفلًا، ولا يهدموا بيوتًا لم تتخذْ كمعاقل حربية، ولا يدمروا ما بها من أسباب الحياة، ولا يَمسوا الأشجارَ المثمرة والنخيل”.
- كما قال إدوار مونتيه مدير جامعة جنيف في محاضرة له: “إن الإسلام دين سريع الانتشار، حيث ينتشر من تلقاء نفسه دون أيِّ تشجيع تقدمه له مراكز منظمة، وذلك لأن كل مسلم مبشر بطبيعته، فالمسلم شديد الإيمان، وشدة إيمانه تستولي على قلبه وعقله، وهذه ميزة في الإسلام ليست لدين سواه، ولهذا السبب ترى المسلم الملتهب إيمانًا يبشر بدينه أينما ذهب وأينما حَلّ، وينقل عدوى الإيمان الشديد لكل من يتصل به من الوثنيين. وإضافة إلى الإيمان، فالإسلام تمشى مع الأحوال الاجتماعية والاقتصادية، وله قدرة عجيبة على التكيف بحسب المحيط وعلى تكييف المحيط حسب ما يقتضيه هذا الدين القوي”.
ويصنف الدين الإسلامي غير المسلمين أربعة أصناف على النحو الآتي:
مستأمن:ويُقصد به مَن مُنِح الأمان ممن دخلوا بلاد الإسلام كسائحين أو مقيمين إلى غير ذلك. فلقد قال الله تعالى في سورة التوبة في الآية 6: " وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ". وهذه الآية الكريمة توضح أنه بمجرد سماع غير المسلم الآيات القرآنية التي تُعرفه بوجود خالقه وتدعوه لعبادة هذا الخالق مباشرة بلا وسيط، وأراد غير المسلم البقاء على دينه بعد سماعه الآيات، فيجب على المسلم أن يعطيه الأمان.
معاهَد:ويقصد بهذا الصنف الذين عاهدهم المسلمون على ترك القتال. ويشمل ذلك معظم دول العالم في زماننا الآن وكذلك فيما مضى.
حيث قال الله تعالى في سورة التوبة في الآية 12: " وَإِن نَكَثوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ". وتوضح هذه الآية الكريمة السماح بالقتال في حالة نكث العهد أما ما دون ذلك فمن سمات المسلمين الالتزام بعهودهم إرساءً لمبدأ السلام وحسن الدعوة إلى الدين.
ذِميّ:وهو الصنف الثالث، ويُقصد به: أهل الذمة من غير المسلمين الذين تعاهدوا على إعطاء الجزية والالتزام بشروط معينة، مقابل بقائهم على دينهم وتوفير الأمن والحماية لهم. وهو مبلغ بسيط يُدفع على حسب استطاعتهم، ويُؤخذ من المقاتلين دون غيرهم، وهم الرجال الأحرار البالغين الذين يقاتلون دون النساء والأطفال وغير العاقلين. وهذا المبلغ يدفعه هؤلاء المقاتلون وهم صاغرون بمعنى خاضعون للقانون الإلهي. وهي تشبه الضريبة نوعًا ما إن جاز التعبير، وهي التي يدفعها الملايين في يومنا هذا في جميع أنحاء العالم، لكن الضريبة تشمل جميع الأفراد، وبمبالغ أكبر مقابل رعاية الدولة لشؤونهم، وهم خاضعون لهذا القانون العالمي. مع العلم بأن المسلمين مفروض عليهم الذكاة كركن من أركان الإسلام إرساء لفكرة التكافل الاجتماعي وإحداث التوازن بين طبقات المجتمع المختلفة.
محارب:وهو من أعلن القتال ضد المسلمين، فهذا لا عهد له ولا ذمة ولا أمان. وهم الذين قال الله تعالى فيهم في سورة الأنفال الآية 39: " وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" وفئة المحارِب هي من علينا مقاتلتها فقط، ولم يأمر الله بالقتل، ولكن بالقتال، وهناك فرق كبير بينهما، فالقتال هنا بمعنى المواجهة في الحرب بين مقاتل ومقاتل للدفاع عن النفس، وهذا ما تنص عليه كل القوانين العالمية. حيث قال الله تعالى في سورة البقرة الآية 190: " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ".
خاتمة:إن السلام بمفهومه السلمي هو أمنية ورغبة أكيدة يتمناها كل إنسان يعيش على هذه الأرض، فالسلام يشمل أمور المسلمين في جميع النواحي الحياتية لتشمل الأفراد والمجتمعات والشعوب والقبائل، فإن عم السلام انتفت الحروب والضغائن بين الناس، وعمت الراحة والطمأنينة والحريّة والمحبة والمودة بين الشعوب.
فلقد سعى المنهج الإسلامي إلى إرساء مبدأ السلام في العالم أجمع. وذلك يتجلى في نشر التراحم بين الناس ونبذ العنف والتطرف بكل صوره ومظاهره، وكذلك في نشر ثقافة الحوار الهادف بين أتباع الأديان والثقافات الأخرى لمواجهة المشكلات وحلها لتحقيق السلام بين مكونات المجتمعات الإنسانية وتعزيز جهود المؤسسات الدينية والثقافية.
فالسلام قضية مهمة قد اهتم بها الإسلام منذ بداية نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم إذ هو الأصل الذي يجب وأن يسود العلاقات بين الناس جميعًا.