د.مشبب القحطاني

د.مشبب القحطاني @dmshbb_alkhtany

إمام وخطيب مفكرة المجلس عضو في جماعة التوعية الإسلامية

الاحتفال بالمولد النبوي : هل هو سنة أم بدعة؟؟ خطبة الجمعة

الملتقى العام

أما بعد أيها المسلمون :

في كل عام ، وفي اليوم الثاني عشر من ربيع الأول بالتحديد ، يقوم بعض المنتسبين إلى الإسلام بالاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، ويزعمون أنهم يتقربون بذلك إلى الله تعالى ، وأنهم يحيون سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ويؤدون شيئا من حقه عليهم ،
وفي نفس الوقت نراهم ينتقدون علماء أهل السنة والجماعة لعدم تشجيعهم على مثل هذه الاحتفالات ، ويتهمونهم بعدم محبة النبي صلى الله عليه وسلم .

وحول هذا الحدث سيكون مدار خطبتنا لهذا اليوم .. وسنرى باذن الله تعالى من هو علىالحق من الفئتين .

أيها الإخوة :

انه من المسلم به لدى كل مسلم هو أن الدين وممارسة شعائره ، لا يؤخذ إلا من المصدرين الأساسيين ، اللذين لا يأتيهما الباطل من بين يديهما ولا من خلفهما ..( كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم )

ومن أتى بشيء من الدين لا يوجد فيهما ، فأمره مردود عليه ، مهما كانت حجته ومبرراتُه .. هذه قاعدة واضحة ومهمة ..قررها قول النبي صلى الله عليه وسلم ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ) أخرجه البخاري .

وقال رسول الله: ((تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما: كتاب الله وسنة رسوله)).
فدين المسلم يأخذه من كتاب ربه تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، مستعينا على ذلك بما فهمه وطبقه سلف هذه الأمة من الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان . لقوله : ((أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمّر عليكم عبد، وإنه مَن يَعِش بينكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنَّواجِذ، وإيّاكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة)).

ولو طبقنا هذا المبدأ الواضح ، ,القاعدة العظيمة على موضوع المولد النبوي ، وتجردنا من الهوى والتعصب لوجدنا أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من البدع المحدثة في دين الله تعالى ، والتي يجب أن تحارب ويقضى عليها نهائيا ..، وذلك للأسباب التالية :

أولا : أن لم يثب تاريخ محدد لمولد صلى الله عليه وسلم ، وما يظنه البعض أن الثاني عشر من ربيع الأول إنما هو وهم منهم .
لأن كتب السيرة حكت اختلاف المؤرخين في يوم مولده قيل هو يوم 2 أو 8 أو 10 أو 12 أو 17 أو 22 وليس لأحد هذه الآراء ما يرجحه على الآراء الأخرى ، بل الحساب الفلكي الذي يتعصب له هؤلاء المحتفلون بالمولد ويرون أنه قطعي في صيام رمضان، الحساب الفلكي يؤكد أن يوم الاثنين في شهر مولده عام الفيل يوافق 2 أو 9 أو 16 أو 23 وقد ولد قطعاً يوم اثنين فلا يمكن أن يكون ولد يوم 12 ...

وهذا الاختلاف الكبير في تاريخ المولد دليل قطعي على أن النبي وأصحابه لم يعيروا هذه المناسبة أي اهتمام عندما تمر كل سنة. . وان هولاء المحتفلين يقيمون احتفالهم على أوهام. (ومن أراد الاستزادة فبإمكانه الرجوع إلى كتاب الرحيق المختوم )

الأمر الثاني : أن هذا الاحتفال لم يحدث في عصر النبي صلى الله عليه وسلم ولا عصر أصحابه الكرام ولا في عهد التابعين لهم بإحسان ، فلو كان الأمر خير وحق لما تركوه .. ولو كان الأمر مهما لأمر به المصطفى صلى الله عليه وسلم أو أشار إليه ، أو رغب فيه ، أو على الأقل طبقه في حياته ..

بل لو كان الأمر مهما لطبقه الصحابة أو التابعين ، فهم أكثر الناس حبا وأتباعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المتأخرين ..

وحتى نعرف حجم خطر بدعة المولد وضررها على الدين ، فانه من المناسب أن نعرف من الذي ابتدعه ، ونشره بين الناس .

أيها الإخوة : لقد عرف من التاريخ أن أول من أقام الاحتفال بعيد ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم هم الفاطميون في القرن الرابع الهجري ، الذين عرف عنهم أنهم أصحاب عقيدة منحرفة ، والتي تبنى على التشيع لآل البيت ، واتخاذ ذلك وسيلة لهدم الإسلام ، وإضعاف المسلمين ..
ومما يؤكد أيضا خطر هذه الاحتفالات أن الاستعمار في كل البلاد الإسلامية كان يشجع تلك الاحتفالات بقوة ، ويسمح لها ويدعمها ، وربما حضر بعض رموزه في بعض المناسبات ، والتاريخ يشهد بهذا .


الأمر الثالث : الذي يدل على بطلان بدعة المولد : إن في ذلك تشبه بأهل الكتاب خصوصا النصارى ، الذين يحتفلون بميلاد عيسى عليه السلام ، وقد نهينا أن نتشبه بهم خصوصا في عباداتهم ، وقد نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال (لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ) أخرجه البخاري. والإطراء مجاوزة الحد في المدح .
..والذي يحضر تلك الموالد يسمع العجب العجاب من كثر القصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم حتى إن بعضهم يصل إلى درجة الشرك في مدحه صلى الله عليه وسلم ، ومن أكثر القصائد التي تقال في تلك المناسبة قصيدة صاحب البردى .. والتي منها قوله :

إن لم تكن في معادي آخذا بيدي فضلا وإلا فقل يازلة القدم

ويقول

يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللـوح والقلم

اخواني ماذا بقي لله تعالى ؟؟!!

ويقول شاعر آخر في مدح النبي صلى الله عليه وسلم بمناسبة المولد

لولاه ما كان ملك الله منتظما دنيا وأخرى به كل قد افتتحت
إلى أن قال
فالكل من نوره الرحمن أوجده لولاه ما كانت الآفاق قد نظمت
إلى غير ذلك من الشركيات ، نسال الله السلامة والعافية .

ومما يؤسف له أن بعض الجهلة منهم يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم يحضر المولد ، ولهذا يفعلون بعض الحركات التي يعبرون بها عن حبهم لرسوله الله صلى الله عليه وسلم من التمايل أثناء إلقاء القصائد ، وربما التكبير أو قول الله بصوت مرتفع ، ومن القيام له في فترة من الفترات ، ظنا انه دخل عليهم .. إلى غير ذلك من الخزعبلات ، وهذا من أقبح الجهل ..
والصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحضر الموالد ولا يحضر اجتماعاتهم ، بل هو في قبره إلى يوم القيامة وروحه عند ربه في أعلى عليين ..كما قال تعالى ( ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ(15)ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ(16) ويقول صلى الله عليه وسلم (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْقَبْرُ وَأَوَّلُ شَافِعٍ وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ ) مسلم

الأمر الرابع الذي يدل على بطلان بدعة المولد : أن فيه اتهام لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالنقص ولتقصير ، حيث لم يشرع في الكتاب والسنة هذا الاحتفال المهم الذي يجمع الأمة ، ويذكي روح انتمائها لدينها..

هذا هو الذي يفهم من مثل هذه الاحتفالات .. كالاحتفال بليلة الإسراء والمعراج ، والاحتفال بالعام الهجري الجديد ونحو ذلك .

وهذا خطر عظيم ، واعتراض على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم .
فالمعروف أن الله تعالى قد أكمل هذا الدين بقوله ( اليوم أكملت لكم دينكم ، وأتممت عليكم نعمتي ، ورضيت لكم الإسلام دينا )

والرسول صلى الله عليه وسلم ما توفاه الله إلا وقد بلغ الرسالة وأدى الامانه ونصح الأمة .. وما ترك شيئا يعلمه من الخير إلا وبلغنا به ، وما ترك شيئا في شر إلا حذرنا منه ..وقد صرح بذلك في قوله ( إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ) أخرجه مسلم .

فلو كان الاحتفال بالمولد خير لدلنا عليه صلى الله عليه وسلم ، ولو نسي أو قصر( على سبيل الافتراض وهذا محال ) لو فعل ذلك فان الله تعالى سيأمره ببيانه والعمل به ..
فكأن هولاء المبتدعة يقولون .. بما أن عدم الاحتفال بالمولد نقص في الشريعة فنحن نقوم بسد هذا النقص ، ونقيم تلك الموالد ، حماية للدين ، وتذكيرا بحق رسول الله ، وربطا الناس به ، وتقويةً لشوكة المسلمين ..

أيها الإخوة في الله : هذه بعض أسباب تحريم الاحتفال بما يسمى المولد النبوي ، ذكرتها هذا اليوم استعدادا لما قد يشاهده البعض على شاشات التلفاز ، وماقد يسمعه في الإذاعات وبعض المنتديات .. حتى لا يدخل الشيطان في ذهن البعض صحة ما يقوم به هولاء هداهم الله .
..

نسال الله أن يجعلنا من المتبعين ، وان يجنبنا حال المبتدعين ، وان يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين .إنه هو السميع المجيب .

الخطبة الثانية

الحمد الله ولي الصالحين .. ولا عدوان إلا على الظالمين ..واشهد ألا اله إلا الله وحده لاشريك له ..واشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد

أيها المسلمون

إن الناظر إلى حال أولئك الذين يقيمون تلك الاحتفالات البدعية ويحضرونها خصوصا بدعة المولد يلاحظ عليهم عدة ملاحظات :
ا
لأولى : أنهم من ابعد الناس عن إتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم
فإذا رأيت أشكالهم ، وسمعت حديثهم ، ورأيت سلوكهم ، وجدتها بعيدة عن هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ولا يعرف هذا إلا طلبة العلم ، الذين نور الله بصائرهم بالعقيدة الصافية ، والفهم السليم..

قد يوجد معهم بعض المنتسبين إلى العلم ، ولكن أحوالهم تشهد بعدم تطبيقهم لسنة من يحتفلون بمولده.

وقد ينشط بعضهم ويدافع عن تلك الاحتفالات ، ويأتيك بالأدلة والبراهين على صحة ما يقومون به ، ولكنه في نفس الوقت تراه يتهاون في ترك الجمع والجماعات ، تاركا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مقصرا في تطبيق سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم..

الملاحظة الثانية : هو ما يفعل في تلك الليلة وفي يومها من أفعال يتقرب بها إلى الله تعالى ..لم يأمر بها النبي صلى الله عليه وسلم مثل صيام يوم المولد المزعوم ، وكثرة التصدق والإنفاق ، ولبس الثياب النظيفة ، والتجمل تلك الليلة ، والتوسعة على الأولاد ، وربما الفقراء ..

إضافة إلى المنكرات التي تحصل في تلك الليلة من اختلاط للنساء مع الرجال في بعض البلدان ، وقول القصائد الشركية ، واستعمال آلات الملاهي والمعازف ، والرقص والتمايل على الأنغام ..وربما شربت الخمور ووزع الحشيش والدخان على الحاضرين ، واكبر من هذا الغلو في الأموات ، خصوصا النبي صلى الله عليه وسلم حيث يرفعونه فوق قدره ، فربما دعوه لحاجاتهم ، وطلبوا منه تفريج الكربات وفك الأزمات .. لاعتقادهم بأنه يعلم الغيب ، ويقدر على كل شيء .. إلى غير ذلك من المنكرات المترتبة على تلك المناسبة .

وهذه حال البدع تنشا صغيرة ثم تتدرج حتى يصل بعضها إلى الكفر والعياذ بالله

إخوة الإيمان : إن محبة الله تعالى ، ومحبة رسول صلى الله عليه وسلم ليس بالكلام ، ولا بالقصائد ، ولا بالاحتفالات .. إن التعبير عن محبته هو بإتباع سنته ..هذا هو الحق الذي لا مرية فيه .

ومن التناقض الواضح القول بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ، والسلوك والمظهر والكلام يخالف ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، هذا كذب وزور ، وخداع للناس ، وتدليس على الأمة ، بل خداع لله ولرسوله .. وهذا ما يفعله كثير من دعاة الصوفية والمبتدعة وبعض السياسيين المنتسبين للإسلام.

يتباكون على دين الله ، ويظهرون حرصهم على نصرته والذب عنه ،وهم ابعد الناس عن ذلك .. وهذا التصرف إذا انطلى على بعض السذج من الناس فانه لا ينطلي على العقلاء ، بل لا ينفعهم أمام الله تعالى .. حتى ولو ادعوا محبة الله ورسوله ..

يقول تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم مبينا الطريق الصحيح لمحبته (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي ، يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) فأتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو المقياس الحقيقي للمحبة .. فبقدر الإتباع تكون المحبة ..

ثم هناك أمر يدعو للدهشة والاستغراب بشكل عام ،

أما يستحي أناس يزعمون حب الله ورسوله ، وربما برهنوا على ذلك ببعض الصدقات والركعات أمام الناس ، وهم في نفس الوقت لا يطبقون إلا ما وافق أهواءهم ، أو رغبات الآخرين ..

أما يخجلون على أنفسهم أما يشعرون بواقعهم المر .. الآيات تتلى عليهم ، والأحاديث يسمعونها ليل نهار ، ومع ذلك لا تحرك فيهم ساكنا ..شئ

يالله ..ألهذا الحد تبلد إحساس المسلمين .. يدعون إلى الصلوات جماعة فلا يأتون ، إلا في بعضها .. يبين لهم حال النبي صلى الله عليه وسلم في سلوكه وأخلاقه وشكله وملبسه وكلامه .,مع ذلك لايطبقون ،

يدعون إلى مراقبة الله في السر والعلن ، فلا يمتثلون ..فمنهم من يجاهر بالمعصية ، ومنهم من إذا خلا بمحارم الله انتهكها ..

يدعون إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله في الحكم وفي العلاقات مع الآخرين ، بينما هم يحكمون بغير شرع الله ، ويوالون الكفار ، يحاربون الأبرار.

إنها والله مصيبة ياعباد الله .. مسلم بالكلام ، أ ما الواقع فهو قد سلم قياده لهواه وشهواته وزوجته وأولاده ، بل وللمجتمع من حوله ..فإلى الله المشتكى وهو المستعان

فعودة عباد الله إلى المعين الذي ينضب ـ النبع الصافي .. والى الهدي الكامل ، والى الحق الواضح ..إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهدي السلف الصالح رضي الله عنهم ، لعل الله تعالى أن يقبلنا ، وان يحبنا ، وان يجعلنا من عباده الصالحين .
14
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

كلام الحب
كلام الحب
بارك الله فيك على الموضوع الحلو

جزاك الله خير بصراحه الكلام درر
saleha2003
saleha2003
والله كلام رائع جدا
جزاك الله خيرا ووفقك

وشكرا لك
سحابة الجود
سحابة الجود
جــــــــــــزأك ألله خـــــــــــير كلامك يأتــــــي من مانراه من حــــــولنا

وما يفعله ألبعض منا حكم الاحتفال بالمولد النبوي )






الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.

أما بعد:
فقد تكرر السؤال من كثير عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، والقيام له في أثناء ذلك، وإلقاء السلام عليه، وغير ذلك مما يفعل في الموالد.

والجواب أن يقال:
لا يجوز الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا غيره؛ لأن ذلك من البدع المحدثة في الدين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله على الجميع، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضّلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومتابعة لشرعه ممن بعدهم.

وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد »، أي: مردود عليه، وقال في حديث آخر : « عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ».

ففي هذين الحديثين تحذير شديد من إحداث البدع والعمل بها.

وقد قال الله سبحانه في كتابه المبين:{ وَمَآ آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُواْ } ، وقال عز وجل:{ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ، وقال سبحانه: { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } ، وقال تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } ، وقال تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلاَمَ دِيناً } .
والآيات في هذا المعنى كثيرة.

وإحداث مثل هذه الموالد يُفهم منه: أن الله سبحانه لم يكمل الدين لهذه الأمة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلّغ ما ينبغي للأمة أن تعمل به، حتى جاء هؤلاء المتأخرون فأحدثوا في شرع الله ما لم يأذن به، زاعمين: أن ذلك مما يقربهم إلى الله، وهذا بلا شك فيه خطر عظيم، واعتراض على الله سبحانه، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه قد أكمل لعباده الدين، وأتمّ عليهم النعمة.

والرسول صلى الله عليه وسلم قد بلّغ البلاغ المبين، ولم يترك طريقاً يوصل إلى الجنة ويباعد من النار إلا بيّنه للأمة، كما ثبت في الحديث الصحيح، عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم » رواه مسلم في صحيحه.

ومعلوم أن نبينا صلى الله عليه وسلم هو أفضل الأنبياء وخاتمهم، وأكملهم بلاغاً ونصحاً، فلو كان الاحتفال بالموالد من الدين الذي يرضاه الله سبحانه لبيَّنه الرسول صلى الله عليه وسلم للأمة، أو فعله في حياته، أو فعله أصحابه رضي الله عنهم، فلما لم يقع شيء من ذلك علم أنه ليس من الإسلام في شيء، بل هو من المحدثات التي حذّر الرسول صلى الله عليه وسلم منها أمته، كما تقدّم ذكر ذلك في الحديثين السابقين.

وقد جاء في معناهما أحاديث أُُخر، مثل قوله صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة : « أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة » رواه الإمام مسلم في صحيحه.
والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة.

وقد صرّح جماعة من العلماء بإنكار الموالد والتحذير منها؛ عملاً بالأدلة المذكورة وغيرها.

وخالف بعض المتأخرين فأجازها إذا لم تشتمل على شيء من المنكرات؛ كالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكاختلاط النساء بالرجال، واستعمال آلات الملاهي، وغير ذلك مما ينكره الشرع المطهر، وظنّوا أنها من البدع الحسنة.

والقاعدة الشرعية: ردُّ ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله، وسنّة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.

كما قال الله عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } ، وقال تعالى: { وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ } .

وقد رددنا هذه المسألة -وهي الاحتفال بالموالد- إلى كتاب الله سبحانه، فوجدنا يأمرنا باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ويحذرنا عما نهى عنه، ويخبرنا بأن الله سبحانه قد أكمل لهذه الأمة دينها، وليس هذا الاحتفال مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فيكون ليس من الدين الذي أكمله الله لنا وأمرنا باتباع الرسول فيه، وقد رددنا ذلك -أيضاً- إلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم فلم نجد فيها أنه فعله، ولا أمر به ولا فعله أصحابه رضي الله عنهم، فعلمنا بذلك أنه ليس من الدين، بل هو من البدع المحدثة، ومن التشبّه بأهل الكتاب من اليهود والنصارى في أعيادهم.

وبذلك يتضح لكل من له أدنى بصيرة ورغبة في الحق وإنصاف في طلبه أن الاحتفال بالموالد ليس من دين الإسلام، بل هو من البدع المحدثات التي أمر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم بتركها والحذر منها.

ولا ينبغي للعاقل أن يغتر بكثرة من يفعله من الناس في سائر الأقطار، فإن الحق لا يعرف بكثرة الفاعلين، وإنما يعرف بالأدلة الشرعية، كما قال تعالى عن اليهود والنصارى: { وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ، وقال تعالى: { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } .

ثم إن غالب هذه الاحتفالات بالموالد مع كونها بدعة لا تخلو من اشتمالها على منكرات أخرى؛ كاختلاط النساء بالرجال، واستعمال الأغاني والمعازف، وشرب المسكرات والمخدرات، وغير ذلك من الشرور، وقد يقع فيها ما هو أعظم من ذلك وهو الشرك الأكبر، وذلك بالغلو في رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو غيره من الأولياء، ودعائه والاستغاثة به وطلبه المدد، واعتقاد أنه يعلم الغيب، ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطاها الكثير من الناس حين احتفالهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وغيره ممن يسمونهم بالأولياء.

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين » ، وقال صلى الله عليه وسلم: « لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله » أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عمر رضي الله عنه.

ومن العجائب والغرائب: أن الكثير من الناس ينشط ويجتهد في حضور هذه الاحتفالات المبتدعة، ويدافع عنها، ويتخلّف عما أوجب الله عليه من حضور الجمع والجماعات، ولا يرفع بذلك رأساً، ولا يرى أنه أتى منكراً عظيماً، ولا شك أن ذلك من ضعف الإيمان وقلة البصيرة، وكثرة ما ران على القلوب من صنوف الذنوب والمعاصي، نسأل الله العافية لنا ولسائر المسلمين.

ومن ذلك: أن بعضهم يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحضر المولد؛ ولهذا يقومون له محيين ومرحبين، وهذا من أعظم الباطل وأقبح الجهل، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة، ولا يتصل بأحد من الناس، ولا يحضر اجتماعاتهم، بل هو مقيم في قبره إلى يوم القيامة، وروحه في أعلى عليين عند ربه في دار الكرامة، كما قال الله تعالى في سورة المؤمنون : { ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ.ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ }.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة، وأنا أول شافع، وأول مُشَفَّعٍ » عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.

فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف وما جاء في معناهما من الآيات والأحاديث، كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من الأموات إنما يخرجون من قبورهم يوم القيامة، وهذا أمر مجمع عليه بين علماء المسلمين ليس فيه نزاع بينهم، فينبغي لكل مسلم التنبه لهذه الأمور، والحذر مما أحدثه الجهال وأشباههم من البدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان.
والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به.

أما الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي من أفضل القربات، ومن الأعمال الصالحات، كما قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه بها عشراً »، وهي مشروعة في جميع الأوقات، ومتأكدة في آخر كل صلاة، بل واجبة عند جمع من أهل العلم في التشهد الأخير من كل صلاة، وسنة مؤكدة في مواضع كثيرة، منها بعد الأذان، وعند ذكره عليه الصلاة والسلام، وفي يوم الجمعة وليلتها، كما دلت على ذلك أحاديث كثيرة.

والله المسؤول أن يوفّقنا وسائر المسلمين للفقه في دينه والثبات عليه، وأن يمنّ على الجميع بلزوم السنة والحذر من البدعة، إنه جواد كريم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه.
noua
noua
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد ان الاحتفال بالمولد النبوي صار في امة العرب واجبا مثلا في المغرب العربي

اذا كانت ليلة المولد ذبحت شاة ياكل منها اهل البيت والضيوف

اما الفقراء يكتفون بديك او دجاجة توضع الموائد ويقام السهر الى
طلوع الفجر




والاحرى بنا ان نتذكر الرسول عليه الصلاة والسلام بتلاوة القران اوبكثرة
الاسغفار
القلب الطيب
القلب الطيب
جزاك الله خيرا على التذكرة ..