سر استخدام المسلمين التقويم الهجري
أعجبني مقال محب التاريخ حول أسباب استخدام المسلمين للتأريخ الهجري لتعيين الأزمان ، وأحب هنا المشاركة في نفس الموضوع بإضافة جديدة ، وهذا المقال للأستاذ عبد العزيز سالم في كتابه : ( التاريخ والمؤرخون العرب ) ، ص 20 ، حيث يقول :
( كانت فكرة الوقت وتحديده في المجتمع القبلي الجاهلي غير محدودة ومشوشة، فكان العرب يؤخرون بكل عام يكون فيه أمر مشهور ومتعارف عليه ، فأرخ العدنانيون بعام نزول إسماعيل مكة ، وعام تفرق ولد معد ، وعام رئاسة عمرو بن لحي الخز اعي الذي بدل دين إبراهيم بعبادة الأصنام ، وعام وفاة كعب بن لؤي ، وعام الغدر أو حجة الغدر ، كذلك أرخوا بعام الفيل ، وفيه ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان في السنة الثانية والثلاثين من ملك كسرى أنو شروان.
وأرخت قريش أيضاً بوفاة هشام بن المغيرة المخزومي والد أبي جهل لإجلالهم له ، وأرخوا أيضاً ببنيان الكعبة ، وكانت حمير تؤرخ بالتبابعة ، وغسان بالسد ( سد مأرب) ، وأهل صنعاء بظهور الحبشة على اليمن ، ثم بغلبة الفرس. ثم أرخ العرب بالأيام المشهورة كحرب البسوس وداحس ، وبيوم ذي قار ، وبحرب الفجار ، ثم أرخ العرب في خلافة عمر بالتقويم الهجري.
وذكروا في ذلك أنه قال: ( ضعوا للناس تاريخاً يتعاملون عليه، وتصير أوقاتهم مضبوطة فيما يتعاطونه من معاملاتهم ، فقال بعض من حضر من مسلمي يهود : لنا حساب مثله نسنده إلى الإسكندر ، فما ارتضاه الآخرون لما فيه من الطول ، وقال قوم : يكتب على تاريخ الفرس ، فقيل : إن تاريخهم غير مستند إلى مبدأ معين ، بل كلما قام منهم ملك ابتدأوا من لدن قيامه وطرحوا ما قبله ، واتفقوا على أن يجعلوا تاريخ دولة الإسلام من لدن هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ، لأن وقت الهجرة لم يختلف فيه أحد ، وبخلاف وقت مبعثه فإنه يختلف فيه ، وكذا وقت ولادته ليلة وسنة ، وأما وقت وفاته فهو وإن كان معيناً ، فلا يحسن عقلاً أن يجعل الأصل لمبدأ التاريخ ، وأيضاً ، فوقت الهجرة ، ووقت استقامة ملة الإسلام وترادف الوفود ، واستيلاء المسلمين ، فهو مما يترك به ، ويعظم وقعه في النفوس).
وهناك من يجعل أصل التاريخ الإسلامي مأخوذاً من اليمن استناداً إلى الرأي القاتل بأن أول من أرخ التاريخ يعلى بن أمية الذي كتب إلى عمر بن الخطاب كتاباً من اليمن مؤرخاً، فاستحسنه عمر، فشرع في التاريخ ، ومنذ أن وضع عمر بن الخطاب تقويماً ثابتاً يتمثل في التاريخ الهجري ، أصبح هذا التقويم عنصراً أساسياً في نشأة الفكرة التاريخية.
وذكر آخرون أن السبب الذي دفع عمر بن الخطاب إلى اتخاذ الهجرة النبوية أساساً للتاريخ العربي والإسلام أن أبا موسى الأشعري كتب إلى الخليفة عمر بن الخطاب يقول: ( إنه يأتينا من قبل أمير المؤمنين كتب ليس لها تاريخ، فلا ندري على أيها نعمل) ، وكان عمر قد دون الدواوين ، ووضع الأخرجة ، وسن القوانين ، واحتاج إلى تاريخ ، فجمع الناس ، وعرض عليهم مشكلة اختيار حادثة معروفة تكون أساساً للتاريخ الإسلامي ، فذكر له بعضهم التاريخ بمبعث النبي ، وأشار عليه بعضهم ، ومنهم سعد بن أبي وقاص ، التاريخ بوفاته ، ورأى آخرون أن يكون ذلك المولد ، وأبدى البعض أن يكون مبدأ الهجرة الأساس في ذلك ، لأن المبعث والمولد فيهما اختلاف ، فيستبعد لذلك ، ولأن الوفاة لا يحسن أخذها أساساً للتاريخ ، فإن من يفعل ذلك لا بد أن يكون عدواً يستبشر بموته ويستحب أن يكون موته عيداً ، فرجح لديهم جعله من الهجرة ، وهي حادث ثابت محدد التاريخ ، وأجمع المسلمون على ذلك ، فأرخوا بالهجرة ، وتم ذلك في العام الرابع من خلافة عمر بن الخطاب ، أي في العام السابع عشر بعد الهجرة.
وهناك من يجعل أصلاً التاريخ الإسلامي مأخوذاً عن الفرس اعتماداً على رواية ميمون بن مهران التي أوردها البيروني، وجاء فيها أن عمر بن الخطاب لما رفع إليه صك محله في شعبان، فقال عمر: أي شعبان ، الذي نحن فيه أو الذي هو آت ؟ ثم جمع أصحاب رسول الله وآله فاستشارهم فيما دهمه من الحيرة في أمر الأوقات، فقالوا: يجب أن نتعرف الحيلة في ذلك من رسوم الفرس ، فاستحضروا الهرمزان واستعلموه ذلك ، فقال : إن لنا حساباً نسميه ماه روز أي حساب الشهور والأيام. فعربوا (ماه روز) فقال (ورخ) وجعلوا مصدره التاريخ ، وشرح لهم الهرمزان كيفية استعمالهم ذلك ، وما عليه الروم من مثله ، فتم اتخاذ الهجرة بعد ذلك أساسا للتاريخ الإسلامي.
ونعتقد أن المسلمين أخذوا فكرة التاريخ عن عرب الجنوب ، فما لا شك فيه أن عرب الجنوب اهتموا بأمر التوقيت لعوامل عديدة منها الزراعة التي تخضع لتقلبات الجو وتبدل المواسم ، ومنها الأعياد والشعائر الدينية التي لها ارتباط وثيق بضبط الأوقات ، ومنها التجارة في البر والبحر ، وقد ورد لفظ (ورخ) في نقوش العربية الجنوبية ، وجمعها أورخم بمعنى الشهر القمري.
وما إن اتفق المسلمون على اعتبار هجرة الرسول إلى يثرب أساساً للتقويم الإسلامي حتى اختلفوا في الشهر ، فرأى بعضهم أن يبدأوا برمضان ، ورأى آخرون وعلى رأسهم عبد الرحمن بن عوف ، أن يبدأوا التاريخ برجب باعتباره أول الأشهر الحرم ، ولكن عثمان وعلي اقترحا أن يكون مبدأ التاريخ الهجري في المحرم ، لأنه شهر حرام ، فأخذ عمر برأيهما لاعتبارات منها أن المحرم شهر حرام والعرب تعظمه ، ومنها أنه آخر الأشهر الحرم ومنصرف الناس من الحج ، ومنها أن البيعة التي بمقتضاها اتفق الرسول مع الأوس والخزرج على الهجرة إلى يثرب حدثت في ذي الحجة ، ثم عزم الرسول على الهجرة في المحرم ، فكان أول هلال استهل بعد البيعة والعزم على الهجرة هو هلال المحرم ) .
:39:
همسات القلوب @hmsat_alklob
عضوة نشيطة
هذا الموضوع مغلق.
همسات القلوب
•
وش فيكم ماحد رد ماعجبكم الموضوع
الموضوع رائع وفيه معلومات جديدة علي
تسلمييين وتسلم يمينك اللي كتبت
مشكـــــــــــــــورة
تسلمييين وتسلم يمينك اللي كتبت
مشكـــــــــــــــورة
الصفحة الأخيرة