الحسد ولعياذ بالله و بيان حقيقة

ملتقى الإيمان

<center>تعريف الحسد و بيان حقيقته </center>

تعريف الحسد:

الحسد لغة: قال في لسان العرب: الحسد معروف، حسده يَحْسِدُه و يَحْسُدُه حسداً و حسَّده إذا تمنى أن تتحول إليه نعمته و فضيلته أو يسلبهما هو، و قال: الحسد أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنى أن تزول عنه و تكون له دونه.

و الغَبْطُ: أن يتمنى أن يكون له مثلها و لا يتمنى زوالها عنه (لسان العرب لابن منظور 3/148-149).

و اصطلاحاً: هو تمني زوال نعمة المحسود و إن لم يَصِرْ للحاسد مثلها. أو تمني عدم حصول النعمة للغير.

حقيقة الحسد:

و حقيقة الحسد أنه ناتج عن الحقد الذي هو من نتائج الغضب0
=============================================

<center>أدلة إثبات الحسد من القرآن و السنة </center>

أولاً: الأدلة من القرآن:

· قال الله تعالى: ((ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم))(البقرة:109)، و هذا تحذير للمؤمنين عن طريق اليهود الذين يحاولون رد المؤمنين إلى الكفر، يحملهم على ذلك الحسد الدفين في أنفسهم لما جاء هذا النبي من غيرهم، فحسدوا العرب على إيمانهم، و حاولوا أن يردوهم كفاراً و لكن الحق واضح فتمسكوا به.

· و قال تعالى: ((أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله))(النساء:54). و ذلك هو حسدهم النبي صلى الله عليه و سلم على ما رزقه الله من النبوة العظيمة، و منعهم الناس من تصديقهم له حسداً له لكونه من العرب، روى الطبراني عن ابن عباس في قوله ((أم يحسدون الناس))، قال: نحن الناس دون الناس. يعني: إننا معشر العرب أو معشر قريش نحن الناس المذكورون في هذه الآية، و لا شك أن هذا ذم لهم على هذه الخصلة، و هي الحسد الذي حملهم على إعمال الحيلة في صد الناس عن الحق المبين.

· و قال تعالى: ((و من شر حاسد إذا حسد))(الفلق:5)، فالحاسد هو الذي يتمنى زوال النعمة عن أخيه المحسود، و لابد أنه سوف يبذل جهده في إزالتها إن قدر، فهو ذو شر و ضرر بمحاولته و سعيه في إيصال الضرر، و منع الخير.

· و قد حكى الله تعالى أمثلة من الحسد كقصة ابني آدم فإن أحدهما قتل أخاه حسداً لما تقبل قربانه، فأوقعه الحسد في قتل أخيه بغير حق، و كقصة إخوة يوسف في قولهم: ((ليوسف و أخوه أحب إلى أبينا منا))(يوسف:8). ثم عملوا على التفريق بينه و بين أبيه بما فعلوا.

· و كقصة المنافقين في قوله تعالى: ((إن تمسسكم حسنة تسؤهم))(آل عمران:120). و ذلك مما يحملهم على إعمال الحيل في إبعاد المؤمنين عن الخيرات.

· و قد قال تعالى: ((و لا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض))(النساء:32). فهذا التمني المنهي عنه قد يكون الدافع له الحسد من المفضول للفاضل، مع أن الفضل بيد الله، يؤتيه من يشاء، و الله ذو الفضل العظيم، فعلى المفضول أن يطلب الفضل من الله تعالى، و لا ينافس أخاه و يضايقه فيما أعطاه الله و تفضل به عليه.


<center>ثانياً: الأدلة من السنة: </center>


ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه و سلم: "إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث، و لا تحسسوا، و لا تجسسوا، و لا تنافسوا، و لا تحاسدوا" الحديث، و هذا النهي للتحريم بلا شك، لما في التحاسد من الأضرار و المفاسد، و قطع الصلات بين المسلمين.

· و روى ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "لا يجتمع في قلب بعد الإيمان و الحسد".

· و ثبت في السنن عن أبي هريرة و أنس قول النبي صلى الله عليه و سلم: "إياكم و الحسد، فإن الحسد يأكل الحسنات، كما تأكل النار الحطب".

· و عن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا" رواه الطبراني و رواته ثقات.

· و عن الزبير رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: "دب إليكم داء الأمم قبلكم الحسد و البغضاء، و البغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، و لكن تحلق الدين" رواه البزار و البيهقي بإسناد جيد.

· و عن أنس قال: قال لي النبي صلى الله عليه و سلم: "يا بني إن قدرت على أن تصبح و تمسي و ليس في قلبك غش لأحد فافعل" رواه الترمذي و حسنه.

· و عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: قيل يا رسول الله: أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قيل فما المخموم؟ قال: هو التقي النقي لا إثم فيه و لا بغي، و لا غل و لا حسد" رواه ابن ماجه بإسناد صحيح.

· و روي أنه صلى الله عليه و سلم قال: "إن لنعم الله أعداء، الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله".

· و في حديث مرفوع: "ستة يدخلون النار قبل الحساب، ذكر منهم: العلماء بالحسد".

· و قال ابن الزبير: ما حسدت أحداً على شيء من أمر الدنيا، إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على الدنيا و هي حقيرة في الجنة؟! و إن كان من أهل النار فكيف أحسده على أمر الدنيا و هو يصير إلى النار؟!

· و روي عن الأصمعي أنه قال: الحسد داء منصف، يعمل في الحاسد أكثر مما يعمل في المحسود. يعني: أن الحاسد إذا رأى أخاه في نعمة و صحة و رفاهية حسده و قام بقلبه حقد و بغض له، فهو كلما رآه في هذه النعمة اغتاظ لذلك، فيبقى دائماً مهموم القلب حزيناً، يتمنى ما لا يقدر عليه من إزالة تلك النعم، فهو يتقلب على فراشه من الغيظ، مع أن المحسود لا يشعر بألم، بل هو قرير العين مسرور لم يصل إليه في الغالب شيء من الضرر الذي في قلب الحاسد، و إن وصل إليه فإنه لا يتأثر به إلا قليلاً، و الله أعلم.


<center>الفرق بين العين و الحسد </center>

العين هي: النظر إلى الشيء على وجه الإعجاب و الإضرار به، و إنما تأثيرها بواسطة النفس الخبيثة، و هي في ذلك بمنزلة الحية التي إنما يؤثر سمها إذا عضت و احتدت، فإنها تتكيف بكيفية الغضب و الخبث، فتحدث فيها تلك الكيفية السم، فتؤثر في الملسوع، و ربما قويت تلك الكيفية و اتقدت في نوع منها، حتى تؤثر بمجرد نظرة، فتطمس البصر، و تسقط الحبل، فإذا كان هذا في الحيات، فما الظن في النفوس الشريرة الغضبية الحاسدة، إذا تكيفت بكيفيتها الغضبية، و توجهت إلى المحسود، فكم من قتيل! و كم من معافى عاد مضني البدن على فراشه! يتحير فيه الأطباء الذين لا يعرفون إلا أمراض الطبائع، فإن هذا المرض من علم الأرواح، فلا نسبة لعالم الأجسام إلى عالم الأرواح، بل هو أعظم و أوسع و عجائبه أبهر، و آياته أعجب، فإن هذا الهيكل الإنساني إذا فارقته الروح أصبح كالخشبة، أو القطعة من اللحم، فالعين هي هذه الروح التي هي من أمر الله تعالى، و لا يدرك كيفية اتصالها بالمعين، و تأثيرها فيه إلا رب العالمين.

و أما الحسد: فهو خلق ذميم، و معناه تمني زوال النعمة عن المحسود، و السعي في إضراره حسب الإمكان و هو الخلق الذي ذم الله به اليهود بقوله تعالى: ((ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم))(البقرة:109). أي أنهم يسعون في التشكيك و إيقاع الريب، و إلقاء الشبهات حتى يحصلوا على ما يريدونه من صد المسلمين عن الإسلام، و لا شك أن الحسد داء دفين في النفس، و تأثيره على الحاسد أبلغ من تأثيره على المحسود، حيث إن الحاسد دائماً معذب القلب، كلما رأى المحسود و ما هو فيه من النعمة و الرفاهية تألم لها، فلذلك يقال:

أصبر على كيد الحسود إن صبرك قاتلــه

النار تأكل نفسهـــا إن لم تجد ما تأكله

و قال بعض السلف: الحسد داء منصف، يعمل في الحاسد أكثر مما يعمل في المحسود.

<center>الفرق بين العائن و الحاسد </center>


قال ابن القيم في بدائع الفوائد: العائن والحاسد يشتركان في شيء، و يفترقان في شيء، فيشتركان في أن كلاً منهما تتكيف نفسه، و تتوجه نحو من يريد أذاه، فالعائن، تتكيف نفسه عند مقابلة المعين و معاينته، و الحاسد: يحصل له ذلك عند غيبة المحسود و حضوره، و يفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده: من جماد، أو حيوان، أو زرع أو مال، و إن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه، و ربما أصابت عينه نفسه، فإن رؤيته للشيء رؤية تعجب و تحديق، فمع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر في المعين. ا.هـ.

فالحاصل أن الحاسد هو: الذي يهمه ما يرى في إخوانه المسلمين من النعمة و الخير، و الصحة و المنزلة الراقية فيحقد عليهم، و يغتم لذلك، ثم يسعى في زوالها، و يبذل ما في وسعه من وشاية و كذب، و افتراء عليه، و يؤلب عليه من له سلطة أو ولاية، حتى تزول تلك النعمة التي يتمتع بها أخوه، و ليس هناك دافع له على إزالتها سوى الحقد و البغض، فلا يقر قراره حتى يتلف المال، أو يفتقر الرجل، أو يمرض، أو يحرم من حرفته أو عمله.

أما العائن فهو: إنسان قد تكيفت نفسه بالخبث و الشر، فأصبحت تمتد إلى ما يلفت النظر، و ترسل إليها ما يحطمها و يغيرها، فيسقط الطائرة من الهواء، و يعطب الوحش البري، بمجرد كلمته و نظرته السامة، فقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن منهم من تمر به الناقة أو البقرة السمينة فيعينها، ثم يقول لخادمه: خذ المكتل و الدرهم، و آتنا بشيء من لحمها، فما تبرح حتى تقع فتنحر.

و قال الكلبي: كان رجل من العرب يمكث يومين أو ثلاثة، لا يأكل ثم يرفع جانب خبائه فتمر به الإبل فيقول: لم أر كاليوم إبلاً و لا غنماً أحسن من هذه. فما تذهب إلا قليلاً حتى يسقط منها طائفة.

و قد حكى بعض الإخوان أن منهم من يريد السفر على الطائرة أو الحافلة فيعينها، فتتوقف حتى يتفرغ فيأتي و يتكلم بما يبطل ما بها فتصلح مع بذل العمال ما يستطيعون في إصلاحها، و الحكايات عن أهل العين كثيرة مشهورة.

و مع ذلك قد أنكرها بعض المشايخ الكبار بسبب أنهم لا يعلمون لها سبباً مباشراً، و ذلك لجهلهم بتأثير الأرواح و ما تختلف به عن الأجساد، كما أشار إلى ذلك ابن القيم رحمه الله تعالى في البدائع و غيره.
=============================================
الشيخ/عبدالله ابن جبرين حفظه الله



------------------
ربِ اشرحلي صدري ويسرلي أمري وأحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي .
2
785

هذا الموضوع مغلق.

الوائلي.
الوائلي.
جزاك الله خيرا وبارك فيك .. هذا ما نستطيع قوله ولا نستطيع أن نجاريك فيما تكتب .


الوائلي

وللمعارك أبطال لها خلقوا ... وللدواوين كتاب وحساب
fahad
fahad
السلام عليكم

جزاك الله خيرا أخي الفاضل/ الجواب الكافي .

------------------
poor