أثبـــاج
أثبـــاج
أدلة تغطية الوجه من الكتاب والسنة

كتبها : علي بن عبدالله العماري

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله قيوم السماوات والأرضين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين- صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم ا لد ين. وبعد:

فهذه نبذة يسيرة موجزة في وجوب التحجب والتستر للمرأة المسلمة عن الرجال الأجانب، وتحريم إبداء الزينة لغير المحارم الذين ذكرهم الله بقوله: ((ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن... الآية )) .

وبيان ما في التكشف وإظهار الزينة من المفاسد والأخطار، وفي واجب الأولياء نحو محارمهم، وفي ذكر بعض الأدلة التي توضح وجوب التستر والاحتشام ومنع التبرج والتخلع والسفور .

وفي مناقشة ما يشبه به المتساهلون في هذا الباب، وبيان سؤ أهدافهم وما يرومونه من دعاياتهم إلى الاختلاط وإبداء المحاسن، كتبها الأخ علي بن عبدالله العماري الذي عرف بالعلم، والفهم، والإدراك، والبحث، واستخراج المسائل، وعرف بالعقل والثبات والاتزان، ولم يعرف عنه شيء من التسرع والتهور.

فجدير بالمسلم الذي يريد الحق أن يتقبل ما جاء به الدليل، وأن يتقبل الصواب ممن جاء به بقطع النظر عن قائله، ويرد الباطل على ما جاء به مهما كانت شهرته ومنزلته، فالحق أحق أن يتبع، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم

. كتبه عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين

عضو الإفتاء

مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، أمر نساء المؤمنين بالحشمة والحجاب، وصلى الله على محمد وآله وسائر الأصحاب وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين... أما بعد:

فقد أمر الله تعالى نساء المؤمنين بالتستر وعدم إظهار ا لزينة لغير المحارم خوفا عليهن من الفواحش والآثام كما قال تعالى: (( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء)).

فهؤلاء الأصناف الإثنا عشر يجوز للمرأة المسلمة أن تظهر أمامهم وهي كاشفة عن وجهها وكفيها ونحوهما؟ لأنهم من المحارم، أما غيرهم فلا يجوز لها ذلك.

ثم جاء بعد ذلك من يجادل في أن الوجه والكفين قد استثنيا واستدلوا بهذه الآية (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها )) وبعض الأحاديث كحديث أسماء، وحديث سفعاء الخدين، وقصة الخثعمية، ونهيه - صلى الله عليه وسلم- أن تنتقب المرأة وتلبس القفازين وهي محرمة، وقصة الواهبة وغيرها من ا لروايات.

لذا عزمت وتوكلت على الله في ذكر أدلة المبيحين والرد عليها من الكتاب والسنة وأقوال أئمة السلف والخلف رحمهم الله، ثم أذكر الأدلة الثابتة في وجوب ستر الوجه والكفين عن غير المحارم من ذلك أيضا.

أدلة المبيحين والرد عليها
أولا:

يستدلون بآية سورة النور ((ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)) وأن ابن عباس قد فسرها بأنها الوجه والكفان .

ويرد عليهم أن ابن مسعود قد قال- في تفسير هذه الآية-: ((إلا ما ظهر منها)) بأن المقصود هو الرداء والثياب، وقال بقول ابن مسعود - رضي الله عنه- الحسن، وابن سيرين، وأبو الجوزاء، وإبراهيم النخعي، وغيرهم.

وقال ابن كثير في تفسيرها: أي لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه.

وهذا الذي رجحه الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان حيث قال- رحمه الله-: إن قول من قال في معنى: ((ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)) هو أن المراد بالزينة الوجه والكفان مثلا، !توجد في الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول وهي أن الزينة في لغة العرب هي ما تتزين به المرأة مما هو خارج عن أصل خلقتها: كالحلي والحلل، فتفسير الزينة ببعض بدن المرأة خلاف الظاهر، ولا يجوز الحمل عليه إلا بدليل يجب الرجوع إليه.

ثانيا:

يستدلون بحديث أسماء- رضي الله عنها - فعن عائشة- رضي الله عنها- أن أسماء بشما أبي بكر دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وقال: "يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصح أن يرى منها إلا هذا وأشار إلى وجهه وكفيه "

ويرد عليهم بأن هذا الحديث ضعيف جدا كما قال بذلك أهل العلم، وهو مرسل؟ لأن خالد بن دريك لم يدرك عائشة- رضي الله عنها- فالسند منقطع...

ورد سماحة مفتي الديار السعودية الشيخ عبدالعزيز ابن باز- حفظه الله ورعاه- هذا الحديث بخمسة أوجه حيثما قال سماحته:

1- إن الراوي عن عائشة يسمى خالد بن دريك لم يلق عائشة فالحديث منقطع، والحديث المنقطع لا يحتج به لضعفه.

2- إن في إسناده رجلا يقال له سعيد بن بشير وهو ضعيف لا يحتج بروايته.

3- بالعنعنة وهو مدلس يروي عن المجاهيل ونحوهم ويخفي ذلك فإذا لم يصرح بالسماع صارت - إن قتادة الذي روى عن خالد روى روايته ضعيفة.

4- إن الحديث ليس فيه التصريح أن هذا كان بعد الحجاب، فيحتمل أنه كان قبل الحجاب.

5- إن أسماء هي زوج الزبير بن العوام، وهي أخت عائشة بنت الصديق وامرأة من خيرة النساء دينا وعقلا، فكيف يليف بها أن تدخل على النبي- صلى الله عليه وسلم- وهي امرأة صالحة في ثياب رقاق مكشوفة الوجه والكفين وزيادة على ذلك ثياب رقيقة وهي التي ترى عورتها منها فلا يظن بأسماء أن تدخل على النبي- صلى الله عليه وسلم- بمثل هذه الحال في ثياب رقيقة ترى من ورائها عورتها فيعرض عنها النبي- صلى الله عليه وسلم- ويقول لها عليك أن تستري كل شيء إلا الوجه والكفين.

معنى هذا أنها دخلت على النبي- صلى الله عليه وسلم- وهي مكشوفة أشياء أخرى من الرأس أو الصدر أو الساقين أو ما شابه ذلك، وهذا الوجه الخامس يظهر من تأمل المتن فيكون المتن بهذا المعنى منكر لا يليق أن يقع في أسماء- رضي الله عنها-.
ثالثا:
يستدلون بحديث سفعاء الخدين الذي رواه جابر بن عبدالله عن النبي- صلى الله عليه وسلم- عندما قال: "تصدقن فإن أكثركن حطب ج!نم " فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقال لم يا رسول الله؟ قال: "لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرون العشير" إلخ. الحديث، والحديث صحيح أخرجه النسائي.
ويرد عليهم بما ذكره الشيخ المحدث مصطفى العدوي- حفظه الله- في كتابه (الحجاب أدلة الموجبين وشبه المخالفين) في ص (40): والصواب أنها (امرأة من سفلة النساء) كما روى ذلك ابن أبي شيبة والنسائي، وفي رواية لابن أبي شيبة (امرأة ليست من علية النساء) ثم ذكر ثمانية أوجه كلها تدل على أن الرواية الصحيحة هي (امرأة من سفلة النساء) .
ثم قال وفقه الله في ص (41): فعلى هذا فقوله: (امرأة من سفلة النساء سفعاء الخدين) أي ليست من علية النساء بل من سفلتهم، وهي سوداء، هذا القول يشعر ويشير إشارة قوية إلى أن المرأة كانت من الإماء وليست من الحرائر .
وعليه فلا دليل في هذا لمن استدل به على جواز كشف المرأة، إذ أنه يغتفر في حق الإماء ما لا يغتفر في حق الحرائر... وقد فسر سفعاء الخدين بأنها جريئة ذات جسارة ورعونة وقلة احتشام.
رابعا:
يستدلون بقصة الخثعمية التي جاءت تستفتي النبي- صلى الله عليه وسلم- فطفق الفضيل ينظر إليها وأعجبه حسنها فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم- والفضل ينظر إليها فأخلف بيده فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظير إليها... إلخ .
فقالوا: لو كان كشف الوجه محرما لأمر النبي- صلى الله عليه وسلم- المرأة أن تغطي وجهها.
ويرد عليهم أن المرأة كانت محرمة، والمحرمة لا يجب عليها أن تغطي وجهها إلا إذا احتاجت عند مرور الرجال .
مثلا كما جاء عن عائشة - رضي الله عنها- في حجة الوداع (كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول- صلى الله عليه وسلم- فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزناه كشفناه) .
ويرد عليهم أيضا بما قاله الشيخ حمود التويجري- رحمه الله وأسكنه فسيح جناته- في كتابه "الصارم المشهور على أهل التبرك والسفور". ص (232): وأما حديث ابن عباس- رضي الله عنهما- أن ابن عباس- رضي الله عنه- لم يصرح في حديثه بأن المرأة كانت سافرة بوجهها. إلى أن قال- رحمه الله تعالى- وغاية ما فيه ذكر أن المرأة كانت وضيئة؟ وفي الرواية الأخرى حسناء فيحتمل أنه أراد حسن قوامها وقدها ووضاءة ما ظهر في أطرافها.
خامسا:
يستدلون بنهي النبي- صلى الله عليه وسلم- أن تنتقب المرأة وأن تلبس القفازين في الإحرام .
ويرد عليهم أن نهي النبي- صلى الله عليه وسلم- في الإحرام فقط، فدل ذلك على أن النساء كن في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- يسترن وجوههن وأيديهن عن الرجال الأجانب بعد نزول آيات الحجاب .
ومع هذا كله فالواجب على المرأة أن تستر وجهها إذا حاذاها الرجال كما كانت تفعل عائشة وأمهات المؤمنين عندما كانت إحداهن تغطي وجهها وهي محرمة عند المرور بين الرجال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-: هذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن وذلك بمقتضى ستر وجوههن وأيديهن.
سادسا:
يستدلون بقصة الواهبة التي جاءت إلى النبي- صلى الله عليه وسلم- لتهب نفسها فنظر إليها الرسول- صلى الله عليه وسلم- فصعد النظر إليها... إلخ .
ويرد عليهم أن هذه المرأة جاءت تعرض نفسها ليتزوجها النبي- صلى الله محليه وسلم- ولذلك كشفت وجهها ليراها النبي- صلى الله عليه وسلم- لأنه أمر الخاطب أن ينظر إلى مخطوبته، بل هذا دليل عليهم .
كما قال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: وفيه جواز تأمل محاسن المرأة لإرادة تزويجها. أي أنه يجوز للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته بقدر ما يسمح له من الوجه والكفين أما غيره فلا يجوز.
والصحيح أنها كانت محجبة، وإنما نظر إلى حسن قوامها وقدها وبدنها وطولها أو قعرها مع تسترها.
وقبل أن أشرع في ذكر الأدلة التي تأمر المرأة المسلمة بستر جميع بدنها بما فيه الوجه والكفان أود أن أذكر القارئ الحبيب أن النساء كن على عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- يكشفن وجوههن حتى نزلت آيات الحجاب التي تأمرهن بتغطية سائر "الجسد لقول عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها في قصة الإفك إن صفوان بن المعطل السلمي عرفني حين رآني، وكان قد رآني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي .
فلا يستبعد أن تكون جميع الأحاديث التي استدل بها أولئك قبل نزول آيات الحجاب منسوخة بالآيات والأحاديث التي سنذكرها إن شاء الله .
خاصة أن آيات الحجاب قد نزلت في السنة الخامسة للهجرة، كما قال ابن كثير- رحمه الله-.
الأدلة التي تأمر المرأة المسلمة

بتغطية سائر جسدها
الأدلة من الكتاب:

أولا: قوله تعالى: ((وإذا سألتموهن متاعا فسألوهن من وراء حجاب ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن )) .

قال! ابن كثير- رحمه الله-: أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن فلا ينظر إليهن ولا يسألهن إلا من وراء حجاب.

وقال الشوكاني- رحمه الله-: أي من ستر بينكم وبينهن.

وقال الطبري- رحمه الله-: إذا سألتم أزواج رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونسا 1ء المؤمنين متاعا فاسألوهن من وراء ستر بينكم وبينهن، ولا تدخلوا عليهن بيوتهن. والسؤال من وراء حجاب أطهر لقلوب الرجال والنساء من عوارض العين التي تعرض في صدور الرجال والنساء وأحرى أن لا يكون للشيطان عليكم وعليهن سبيل. فهذه الآية الكريمة تبين وجوب الستر عن الرجال الأجانب.

قال سماحة المفتي الشيخ عبدالعزيز ابن باز- حفظه الله- في هذه الآية: ولم يستثن شيئا، وهي آية محكمة فوجب الأخذ بها والتعويل عليها وحمل ما سواها عليها. ثم قال- جزاه الله خيرا-: والآية المذكورة حجة ظاهرة وبرهان قاطع على تحريم سفور النساء وتبرجهن بالزينة.

ثانيا :

قوله تعالى: ويا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما .

قال الشيخ حمود التويجري- رحمه الله- في الصارم المشهور (187) روى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس- رضي الله عنهما- في هذه الآية قال: أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عينا واحدة.

وقال سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز- حفظه الله- في هذه الآية: إن محمد بن سرين قال: سألت عبيدة السلماني عن قول الله عز وجل: !!يدنين عليهن من جلابيبهن ! فغطى وجهه ورأسه وأبرز عينه اليسرى.

ثالثا:

قول الله تعالى: (( ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها)) قال عبدالله بن مسعود- رضي الله عنه- الثياب.

رابعا:

قول، الله تعالى: (( وليضربن بخمرهن على جيوبهن )) .

قال الطبري- رحمه الله- في تفسير هذه الآية وليلقين خمرهن على جيوبهن ليسترن بذلك شعورهن وأعناقهن. وفي هذه الآية دليل على تغطية الوجه لأن الخمار. هو الذي تغطى به المرأة رأسها فإذا أنزلته على صدرها غطت ما بينهما وهو الوجه.

الشيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في هذه الآية: فلما نزل ذلك عمد نساء المؤمنين إلى خمرهن فشققنها وأخرجنها على أعناقهن، والجيب هو شق في طول القميص فإذا ضربت المرأة بالخمار على الجيب سترت عنقها.

انظر أخي القارئ هل يكون ستر العنق إلا بعد ستر الوجه!!.

الأدلة من السنة:

أولا:

قوله- صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الترمذي، وقال عنه حسن غريب "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان " .

ففي هذا الحديث العظيم لم يستثن- صلى الله عليه وسلم- منها شيئا بل قال: إنها عورة.

ثانيا:

فعل عائشة- رضي الله عنها- في قصة الإفك، والحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم

"قالت عائشة وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فأتاني فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني فخمرت وجهي بجلبابي.

ثالثا:

عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع الرسول - صلى الله عليه وسلم- فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جوزنا كشفنا" رواه أحمد وأبو داود وبان ماجة .

رابعا:

حديث عائشة- رضي الله عنها- قالت: "رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد" متفق عليه.

خامسا:

عن ابن عمر- رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين " رواه الإمام أحمد والبخاري وأهل السنن .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- هذا مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللاتي لم يحرمن، وذلك يقتضي ستر وجوههن وأيديهن.

سادسا:

عن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "إذا خطب أحدكم المرأة فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل " فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت ما دعاني إلى نكاحها وتزوجها. رواه الإمام أحمد والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم .

سابعا:

عن المغيرة بن شعبة- رضي الله عنه- قال: أتيت النبي- صلى الله عليه وسلم- فذكرت له امرأة أخطبها فقال: "اذهب فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما" فأتيت امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها وأخبرتهما بقول النبي- صلى الله عليه وسلم- فكأنهما كرها ذلك، قال: فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها فقالت: إن كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أمرك أن تنظر فانظر وإلا فأنشدك- كأنها أعظمت ذلك - قال: فنظرت إليها فتزوجتها فذكر من موافقتها" رواه الإمام أحمد وأهل السنن إلا أبو داود وقال الترمذي هذا حديث حسن وصححه ابن حبان .

ثامنا:

أخرج الإمام البخاري عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: "خرجت سودة بعدما ضرب الحجاب لحاجتها وكانت امرأة جسيمة لا تخفى على من يعرفها فرآها عمر بن الخطاب فقال: يا سودة أما والله ما تخفين علينا فانظري كيف تخرجين " وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أن وجهها كان مستورا وأنه- رضي الله عنه - لم يعرفها إلا بجسمها .

وبعد أخي المسلم أختي المسلمة: هل يشك عاقل في تحريم كشف الوجه والكفين لغير المحارم لوضوح الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة علما أن كثير من أهل العلم ساق أكثر من عشرين دليلا من السنة في تحريم كشف الوجه ولكن اقتصرت على هذه الأدلة حتى لا أطيل .

ومن أراد التفصيل في هذه المسألة فليرجع إلى مجموعة الرسائل/ في الحجاب والسفور لشيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله-

وللشيخ عبدالعزيز ابن باز، وللشيخ محمد العثيمين- حفظهما الله- وكتاب الشيخ حمود التويجري- رحمه الله- "الصارم المسلول على أهل التبرج والسفور" وكتاب "يا فتاة الإسلام اقرئي حتى لا تخدعي " للشيخ صالح البليهي- رحمه الله- و"الحجاب أدلة الموجبين وشبه المخالفين " للشيخ مصطفى العدوي- حفظه الله- وغيرها من الكتب .

خاصة أن نساء المؤمنين قد اعتدن هذه العبادة الطيبة الحميدة. أما في هذا الزمان الذي كثر فيه التبرج والسفور والانحلال الخلقي من قبل الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية، والتشبه بالكافرات في الزينة وما يسمونها بالموضة، وانتشرت الأصباغ التي توضع على الوجه فهل يرضى رجل في قلبه غيرة على محارمه أن تكشف زوجته أو أخته أو قريبته أمام الأجانب .

وقد قال- صلى الله عليه وسلم-: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"، وهل يختلف اثنان في أن الوجه هو محط الأنظار من قبل الرجال لأنه هو المكان الذي تعرف به المرأة هل هي جميلة أم لا.

وقبل أن أختم هذه الرسالة أذكر إخواني المسلمين بحديث المصطفى. صلى الله عليه وسلم- الذي رواه مسلم في صحيحه "إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" وهذا الحديث يبين عظم وخطورة النساء إذا خرجن وهن نازعات للحجاب .

والله نسأل أن يحفظ أعراضنا ونساءنا من كيد الكائدين، وأن يجنبهن التبرج والسفور وأن يجعلهن صالحات مصلحات وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
Aileen
Aileen
عزيزتي اثير
اولا شكرا لك على ردك
ولكن اريد ان اذكر لك اية " وليضربن بخمورهن على جيوبهن "
والخمار هو غطاء الراس وما ينزل منه نغطي به منطقة الصدر والعنق
ولو امرنا الله تعالى بتغطية الوجه لقال تعالى ليضربن بنقابهن على وجوههن
لكن الله تعالى حدد الخمار
كما اننا حين نقف بين يدي الله لتادية الصلاة فاننا نغطي كامل الجسد ما عدا الوجه والكفين.. اذا هذا هو المظهر الذي يرضى الله ان نظهر به
لاننا حين نقف للصلاة نستر العورة.. اذا الوجه والكفين ليسا بعورة ويمكننا كشفهما
والله اعلم
أثبـــاج
أثبـــاج
عزيزتي Aileen
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما نزلت : ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) شققن مروطهن، فاخـتمرن بها.
رواه البخاري، وأبو داود، وابن جرير في التفسير، والحاكم، والبيهقي، وغيرهم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في : (( قوله: فاختمرن أي: غطين وجوههن )) انتهى .

وقال شيخنا محمد الأمين رحمه الله تعالى في : (( وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالى: ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) يقتضي ستر وجوههن، وأنهن شققن أزرهن، فاختمرن أي سترن وجوههن بها امتثالاً لأمر الله في قوله تعالى: ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) المقتضي ستر وجوههن، وبهذا يتحقق المنصف: أن احتجاب المرأة عن الرجال وسترها وجهها عنهم ثابت في السنة الصحيحة المفسرة لكتاب الله تعالى، وقد أثنت عائشة رضي الله عنها على تلك النساء بمسارعتهن لامتثال أوامر الله في كتابه، ومعلوم أنهن ما فهمن ستر الوجوه من قوله: ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) إلا من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنه موجود وهن يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في دينهن، والله جل وعلا يقول: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم )فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن، وقال ابن حجر في فتح الباري: ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم عن صفية ما يوضح ذلك، ولفظه: (( ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن، فقالت: إن نساء قريش لفضلاء، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشد تصديقاً بكتاب الله ولا إيماناً بالتنـزيل، لقد أنزلت سورة النور: ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها، فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رءوسهن الغربان )) كما جاء موضحاً في رواية البخاري المذكورة آنفاً، فترى عائشة رضي الله عنها مع علمها وفهمها وتقاها، أثنت عليهن هذا الثناء العظيم، وصرحت بأنها ما رأت أشد منهن تصديقاً بكتاب الله، ولا إيماناً بالتنزيل، وهو دليل واضح على أن فهمهن لزوم ستر الوجوه من قوله تعالى: ( وليضربن بخمرهن على جيوبهن ) من تصديقهن بكتاب الله وإيمانهن بتنـزيله، وهو صريح في أن احتجاب النساء عن الرجال وسترهن وجوههن تصديق بكتاب الله وإيمان بتـنـزيله كما ترى، فالعجب كل العجب ممن يدّعي من المنتسبين للعلم أنه لم يرد في الكتاب ولا السنة، ما يدل على ستر المرأة وجهها عن الأجانب، مع أن الصحابيات فعلن ذلك ممتثلات أمر الله في كتابه إيماناً بتنزيله، ومعنى هذا ثابت في الصحيح كما تقدّم عن البخاري، وهذا من أعظم الأدلة وأصرحها في لزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين كما
ترى )) انتهى .
Aileen
Aileen
ادلة على عدم وجوب ستر الوجه:
أمر الرجال بغض الأبصار:.
أمر الرجال بغض أبصارهم في القرآن والسنة، كما قي قوله تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون). (النور: 30).
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "اضمنوا لي ستًا أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأدوا إذا ائتمنتم، وغضوا أبصاركم.." الحديث. (رواه أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي في الشعب عن عبادة، وحسنه في صحيح الجامع الصغير 1018).
وقوله لعلي: "لا تتبع النظرة النظرة، فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة". (رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن بريدة، وحسنه في صحيح الجامع الصغير 7953).
وقوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج..." رواه الجماعة عن ابن مسعود.
فلو كانت الوجوه كلها مستورة، وكان كل النساء منقبات، فما وجه الحث على الغض من الأبصار؟ وماذا عسى أن تراه الأبصار إذا لم تكن الوجوه سافرة يمكن أن تجذب وتفتن؟ وما معنى أن الزواج أغض للبصر إذا كان البصر لا يرى شيئًا من النساء؟.
آية: (ولو أعجبك حُسْنُهن):.
يؤكد ذلك قوله تعالى لرسوله: (لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن من أزواج ولو أعجبك حسنهن). (الأحزاب: 52).
فمن أين يعجبه حسنهن، إذا لم يكن هناك مجال لرؤية الوجه الذي هو مجمع المحاسن للمرأة باتفاق؟.
حديث: "إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته":.
تدل النصوص والوقائع الكثيرة على أن عامة النساء في عصر النبوة لم يكن منقبات إلا ما ندر، بل كن سافرات الوجوه.
من ذلك: ما رواه أحمد ومسلم وأبو داود، عن جابر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة فأعجبته، فأتى زينب - زوجه - وهي تمعس منيئة - أي تدبغ أديمًا - فقضى حاجته، وقال:.
"إن المرأة تقبل في صورة شيطان، وتدبر في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأت أهله، فإن ذاك يرد ما في نفسه". (رواه مسلم في "النكاح" برقم 1403).
ورواه الدارمي عن ابن مسعود، وجعل الزوجة "سَوْدَة" وفيه قال: "أيما رجل رأى امرأة تعجبه، فليقم إلى أهله، فإن معها مثل الذي معها".
وروى أحمد القصة من حديث أبي كبشة الأنماري، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "مرت بي فلانة، فوقع في قلبي شهوة النساء، فأتيت بعض أزواجي فأصبتها. فكذلك فافعلوا، فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال". (ذكره الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 235).
فسبب الحديث يدل على أن الرسول الكريم رأى امرأة معينة، فوقع في قلبه شهوة النساء، بحكم بشريته ورجولته، ولا يمكن أن يكون هذا إلا إذا رأى وجهها الذي به تعرف فلانة من غيرها، ورؤيته هي التي تحرك الشهوة البشرية، كما أن قوله: "إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته" إلخ.. يدل على أن هذا أمر ميسور ومعتاد. .
حديث الخثعمية والفضل بن عباس:.
ما رواه النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، والفضل بن عباس رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وذكر الحديث وفيه "فأخذ الفضل يلتفت وكانت امرأة حسناء، وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحول وجه الفضل من الشق الآخر". (لفظ النسائي "وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفضل فحول وجهه من الشق الآخر").
قال ابن حزم:.
فلو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها -عليه السلام- على كشفه بحضرة الناس، ولأمرها أن تسبل عليه من فوق، ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء؟ فصح كل ما قلنا يقينا! والحمد لله كثيرًا.
وروى الترمذي هذه القصة من حديث علي رضي الله عنه، وفيه: ولوي - أي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنق الفضل، فقال العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك؟ قال: "رأيت شابًا وشابة، فلم آمن الشيطان عليهما8ـ أحاديث أخرى:.
ومن الأحاديث التي لها دلالتها هنا ما جاء في الصحيح عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة.. إلى أن قال: ثم مضى حتى أتى النساء، فوعظهن وذكرهن، فقال: "تصدقن، فإن أكثركن حطب جهنم"! فقامت امرأة من سطة (من سطة النساء: أي من خيارهن، والوسط: العدل والخيار). النساء سفعاء (السفعة - وزن غرفة - سواد مشرب بحمرة). الخدين، فقالت: لم يا رسول الله؟ قال: "لأنكن تكثرن الشكاة - الشكوى - وتكفرن العشير - أي الزوج- ". قال: فجعلن يتصدقن من حليهن، يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن.
فمن أين لجابر - رضي الله عنه - أن يعرف أنها سفعاء الخدين إذا كان وجهها مغطى بالنقاب؟.
وروى البخاري قصة صلاة العيد عن ابن عباس أيضًا: أنه شهد العيد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه -عليه السلام- خطب بعد أن صلى، ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن، وأمرهن أن يتصدقن، قال: "فرأيتهن يهوين بأيديهن يقذفنه في ثوب بلال".
قال ابن حزم: (فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى أيديهن فصح أن اليد من المرأة، والوجه، ليسا عورة). (المحلى 3/280).
وروى الحديث مسلم وأبو داود - واللفظ له - عن جابر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام يوم الفطر، فصلى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم خطب الناس، فلما فرغ نبي الله -صلى الله عليه وسلم- نزل، فأتى النساء فذكرهن، وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه تلقي فيه النساء الصدقة، قال: تلقي المرأة فتخها، ويلقين ويلقين. (الحديث (1141) من سنن أبي داود، وأخرجه النسائي أيضًا).
قال أبو محمد بن حزم: (الفتخ خواتيم كبار كُنَّ يلبسنها في أصابعهن، فلولا ظهور أكفهن ما أمكنهن إلقاء الفتخ). (المحلى 11/221 مسألة رقم 1881).
ومنها ما جاء في الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كن نساء مؤمنات يشهدن مع النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الفجر، متلحفات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يُعرفن من الغَلَس".
وهو يدل بمفهومه على أنه يعرفن في غير حالة الغلس، وإنما يعرفن إذا كن سافرات الوجوه.
وعن عمار بن ياسر رضي الله عنهما: أن رجلاً مرت به امرأة فأحدق بصره إليها. فمر بجدار، فمرس وجهه، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ووجهه يسيل دمًا. فقال: يا رسول الله إني فعلت كذا وكذا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله بعبد خيرًا عجل عقوبة ذنبه في الدنيا، وإذا أراد به غير ذلك أمهل عليه بذنوبه، حتى يوافي بها يوم القيامة، كأنه عَيْر". (أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 10/192، وقال: رواه الطبراني وإسناده جيد. والعير: الحمار. وقد ذكر قبله عدة أحاديث بمعناه).
فدل هذا على أن النساء كن سافرات الوجوه، وكان منهن من تلفت بحسنها أنظار الرجال. إلى حد الاصطدام بالجدار، وحتى يسيل وجهه دمًا.
الصحابة يستغربون لبس النقاب:.
بل ثبت في السنة ما يدل على أن لبس المرأة للنقاب إذا وقع في بعض الأحيان، كان أمرًا غريبًا يلفت النظر، ويوجب السؤال والاستفهام.
روى أبو داود عن قيس بن شماس، رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، يقال لها: أم خلاد، وهي منتقبة (في بعض النسخ "متنقبة" والمعنى: أنها تلبس النقاب تغطي به وجهها).، تسأل عن ابنها، وهو مقتول، فقال لها بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-: جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟! فقالت: إن أُرْزَأَ ابني فلن أُرْزَأَ حيائي!.. الحديث. (رواه أبو داود في كتاب الجهاد من سننه برقم 2488).
ولو كان النقاب أمرًا معتادًا للنساء في ذلك الوقت ما كان هناك وجه لقول الراوي: أنها جاءت وهي منتقبة، وما كان ثمت معنى لاستغراب الصحابة وقولهم لها: "جئت تسألين عن ابنك وأنت منتقبة؟".
ورد المرأة يدل على أن حياءها هو الذي دفعها إلى الانتقاب، وليس أمر الله ورسوله، ولو كان النقاب واجبًا شرعيًا، لأجابت بغير هذا الجواب، بل ما صدر السؤال أصلاً، فالمسلم لا يسأل: لماذا أقام الصلاة، أو آتي الزكاة، وفي القواعد المقررة: ما جاء على الأصل لا يسأل عن علته.
ضرورة التعامل توجب معرفة الشخصية:.
إن ضرورة تعامل المرأة مع الناس في أمور معاشها يوجب أن تكون شخصيتها معروفة للمتعاملين معها، بائعة أو مشترية، أو موكلة، أو وكيلة، أو شاهدة أو مشهودًا لها أو عليها، ومن ثم نجد أن الفقهاء مُجْمِعون على أن المرأة أن تكشف عن وجهها إذا مثلت أمام القضاء، حتى يتعرف القاضي والشهود والخصوم على شخصيتها. ولا يمكن التعرف على شخصيتها والحكم بأنها فلانة بنت فلان، ما لم يكن وجهها معروفًا للناس من قبل، وإلا فإن كشف وجهها في مجلس القضاء لا يفيد شيئًا.
وأما استدلال بعضهم بنفس قوله تعالى: (فاسألوهن من وراء حجاب) فلا وجه له لأنه خاص بنساء النبي كما هو واضح، وقول بعضهم: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب - لا يرد هنا؛ إذ اللفظ في الآية ليس عامًا. وقياس بعضهم سائر النساء على نساء النبي مردود، لأنه قياس مع الفارق، فإن عليهن من التغليظ ما ليس على غيرهن، ولهذا قال تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد د ما رواه أحمد والبخاري عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين" مما يدل على أن النقاب والقفازين كانا معروفين في النساء اللواتي لم يحرمن.
ونحن لا نعارض أن يكون بعض النساء في غير حالة الإحرام، يلبسن النقاب والقفازين اختيارًا منهن، ولكن أين في هذا الدليل على أن هذا كان واجبًا؟؟ بل لو استدل بهذا على العكس لكان معقولاً، فإن محظورات الإحرام أشياء كانت في الأصل مباحة، مثل لبس المخيط والطيب والصيد ونحوها، وليس منها شيء كان واجبًا ثم صار بالإحرام محظورًا.
ولهذا استدل كثير من الفقهاء - كما ذكرنا من قبل - بهذا الحديث نفسه: أن الوجه واليدين ليسا عورة، وإلا لما أوجب كشفهما.
هـ ما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والبيهقي عن عائشة قالت: "كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه".
والحديث لا حجة فيه لوجوه:.
1ـ أن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده يزيد بن أبي زياد، وفيه مقال. ولا يحتج في الأحكام بضعيف.
2ـ أن هذا الفعل من عائشة رضي الله عنها لا يدل على والوجوب، فإن فعل الرسول نفسه لا يدل على الوجوب، فكيف بفعل غيره؟.
3ـ ما عرف في الأصول: أن وقائع الأحوال، إذا تطرق إليها الاحتمال، كساها ثوب الإجمال، فسقط بها الاستدلال.
والاحتمال يتطرق هنا بأن يكون ذلك حكمًا خاصًا بأمهات المؤمنين من جملة أحكام خاصة بهن، كحرمة نكاحهن بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما إلى ذلك. (مواهب الجليل من أدلة خليل 1/185).
وـ ما رواه الترمذي مرفوعًا: "المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان" قال الترمذي: حسن صحيح. وأخذ منه بعض الشافعية والحنابلة: أن المرأة كلها عورة ولم يستثنوا منها وجهًا ولا كفًا ولا قدمًا.
والصحيح أن الحديث لا يفيد هذه "الكلية" التي ذكروها، بل يدل على أن الأصل في المرأة هو التصون والستر، لا التكشف والابتذال، ويكفي لإثبات هذا أن يكون معظم بدنها عورة، ولو أخذ الحديث على ظاهره ما جاز كشف شيء منها في الصلاة، ولا في الحج، وهو خلاف الثابت بيقين.
وكيف يتصور أن يكون الوجه والكفان عورة، مع الاتفاق على كشفهما في الصلاة ووجوب كشفهما في الإحرام؟ وهل يعقل أن يأتي الشرع بتجويز كشف العورة في الصلاة، ووجوب كشفها في الإحرام؟

منقول
أثبـــاج
أثبـــاج
غاليتي Aileen إستمعي الى داعي الله وقولي سمعنا واطعنا غفرانك ربنا واليك المصير كما كان سلفنا الصالح ولا تتعلقي بنصوص الرجاء وتعتمدين عليها وتجعلينها سلماً لتبرير المخالفات وهذا لايمكن ان يسلم لك لانه ليس هناك نص يأمر بالمعصيه ويقول : أعصو ربكم واتكلو على العفو والمغفرة ..
فلا تنصتي للشبهات وضرب نصوص الكتاب والسنة بعضها ببعض ..حتى لانقع والعياذ بالله في الجهل ..


بسم الله الرحمن الرحيم

تغطية المرأة وجهها - في زمن الفتنة - واجب بإجماع العلماء


قبل أن أورد الكلام عن حكم تغطية الوجه، أردت أن أشير إلى مسألة الإجماع بما يلي:
الأمة منذ القديم مجمعة على أن الفتنة داعية للتغطية، ذهب إلى ذلك الحنفية الحنابلة والمالكية والشافعية ( سأورد إن شاء الله أقوالهم )، بل ذهب بعض العلماء إلى إيجاب التغطية حتى على الأمة، إذا صارت فاتنة، وكل ذلك مفهوم في ظل حرص العلماء على عفاف وستر نساء المؤمنين.. وتأمل في قول عائشة رضي الله عنها:
( لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء، لمنعهن المسجد، كما منعه نساء بني إسرائيل)..
تدرك هذا، حيث رأت منع النساء من الخروج من البيت، إذا تغير الحال، والقرار في البيت أكبر من تغطية الوجه..
والشيء بالشيء يذكر.. فهذا الشيخ الألباني رحمه الله تعالى ـ وهو من القائلين بجواز الكشف ـ يقول:
" ولو أنهم قالوا: يجب على المرأة المتسترة بالجلباب الواجب عليه إذا خشيت أن تصاب بأذى من الفساق لإسفارها عن وجهها: أنه يجب عليها في هذه الحالة أن تستره دفعا للأذى والفتنة، لكان له وجه في فقه الكتاب والسنة..
بل قد يقال: إن يجب عليها أن لا تخرج من دارها إذا خشيت أن يخلع من الجلباب من رأسها من قبل بعض المتسلطين الأشرار المدعمين من رئيس لا يحكم بما أنزل الله، كما وقع في بعض البلاد العربية منذ بضع سنين مع الأسف الشديد.. أما أن يجعل هذا الواجب شرعا لازما على النساء في كل زمان ومكان، وإن لم يكن هناك من يؤذي المتجلببات فكلا ثم كلا.. " جلباب المرأة المسلمة ص17
فهو بالرغم من قوله بجواز كشف الوجه على وجه الإباحة ـ مع كونه يرى الأفضل هو التغطية ـ إلا أنه يرى، لا أقول وجوب التغطية فحسب، بل وجوب القرار في البيت، ألا تخرج أصلا، إذا صار الزمان زمان فتنة، يتعرض فيه السفهاء للصبايا واليافعات..
هذا واضح من كلامه..
ونحن نقول:
ألا ترون قدر الفتنة التي تكون اليوم جراء خروج الفتاة من بيتها؟.. الخروج لوحده يستفز السفهاء ليحوموا حول الحمى، من أجل التحرش والأذى، فما بالكم ـ ولا شك رأيتم ـ حينما تكشف عن وجهها، وكلكم سمع ورأى من مثل هذا، ما صار معلوما مشهورا.. بالإضافة إلى الكيد الكبير الذي يخطط له أعداء الحجاب، وهو معلوم لا يخفى..

إذن، نحن نعيش حالة حرب حقيقة مع أعداء الحجاب، وكل متبصر، أو لديه نصف تبصر يدرك هذا، وعلى هذا ألا تتفقون معي أن:
ـ كل العلماء يجمعون أنه في زمان كهذا يجب التغطية، حتى من أجاز، حتى الشيخ الألباني نفسه في كلامه السابق يقرر هذا؟...
ـ وأن الحكمة والعقل يأمران بالحجاب والتغطية، وأن ندعوا إلى هذه الفضيلة درءا لهذه الفتنة العمياء؟.
لو كان هناك من يرى جواز الكشف مطلقا، حتى في حال الفتنة، فإنهم بالنسبة لعموم الأمة شيء لا يذكر، وقولهم لا يقبل في محكم العقول..
وقد ذكر أهل العلم، وقد نقلت كلامهم في حوار سابق، أن مخالفة بعض الأفراد لا ينقض الإجماع، وهو مروي عن الإمام أحمد وابن جرير، في مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص153:
" فصل لا ينعقد الاجماع بقول الأكثرين من أهل العصر في قول الجمهور، وقال ابن جرير الطبري و ابو بكر الرازي لا عبرة بمخالفة الواحد و الاثنين فلا تقدح مخالفتهما في الاجماع وقد أومأ إليه أحمد رحمه الله .
وحجة الجمهور أن العبرة بقول جميع الأمة، لأن العصمة انما هي للكل لا البعض، و حجة الاخر اعتبار الأكثر وإلغاء الاقل،
قال في المراقي:
والكل واجب و قيل لا يضر ......... لاثنان دون من عليهما كثر" اهـ
فالإجماع لا يشترط فيه ألا يكون فيه مخالف، هذا لو كان المخالف مخالفا بدليل صحيح، فكيف إذا كان دليله غير صحيح، ولا يصح الاحتجاج به؟..
حينذاك فلا حجة في خلافه، ومن ثم لا ينقض الإجماع بحال أبدا، فإن قول العالم معتبر إذا سانده الدليل، أما إذا لم يسانده فقوله غير معتبر، ولا ينقض به قول بقية العلماء، ولا ينقض به إجماعهم..
وفي مثل من يقول بجواز كشف الوجه حتى حال الفتنة، فهذا بالإضافة إلى مخالفته للقول الصحيح الراجح في أصل الكشف، كذلك هو قول يخالف الدليل الشرعي والعقلي الآمر بالبعد عن مواطن الفتن والريب.. وعلى ذلك فهو قول غير معتبر، ومن ثم إذا قلنا:

إن العلماء أجمعوا على المنع من كشف الوجه حال الفتنة..
هو قول صحيح، لا غبار عليه، من حيث:
ـ إن الإجماع لا يشترط فيه عدم المخالفة من أحد، بل يصح حصول الإجماع، ولو خالف بعض الأفراد..
ـ ومن حيث إن الإجماع لا ينقض بقول يخالف الدليل الشرعي..
وقد ذهب إلى مثل هذا جمع من العلماء، قال الشيخ بكر أبو زيد:
"هذا مع العلم أنه لم يقل أحد من أهل الإسلام بجواز كشف الوجه واليدين عند وجود الفتنة ورقة الدين، وفساد الزمان، بل هم مجمعون على سترهما، كما نقله غير واحد من العلماء" حراسة الفضيلة 82

بعد هذه المقدمة عن قضية الإجماع، ألج إلى تفصيل الحكم في تغطية الوجه:

يقولون: "اختلف العلماء في الوجه واليدين بالنسبة للمرأة، فمنهم من أجاز لها كشفها، ومنهم من منع".. لكن الذي نعتقد أن كثيرا من الناس لم يفهم حقيقة هذا الخلاف بين أهل العلم..

والحقيقة تبرز إذا عرفنا أن الكلام عن عورة المرأة إنما يذكر دائما في " باب شروط صحة الصلاة"، فيقول العلماء: " وكل المرأة عورة إلا وجهها وكفيها"..
وهم إنما يقصدون عورتها في الصلاة، لا عورتها في النظر..

وعورة الصلاة ليست مرتبطة بعورة النظر لا طردا ولا عكسا، فما يجوز كشفه في الصلاة بالنسبة للمرأة هو الوجه بالإجماع، واليدين عند جمهور العلماء، والقدمين عند أبي حنيفة وهو الأقوى..
أما خارج الصلاة فلا يجوز كشف ذلك أبدا، فإذا قيل: " إن وجه المرأة وكفيها ليستا بعورة"..
فهذا المذهب إنما هو في الصلاة إذا لم تكن بحضرة الرجال..
وأما بالنسبة لنظر الأجنبي إليها فجميع بدنها عورة لابد من ستره عن الأجنبي لقوله عليه الصلاة والسلام: ( المرأة عورة) ..
قال موفق الدين ابن قدامة:
" وقال مالك والأوزاعي والشافعي: جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها، وما سوى ذلك يجب ستره في الصلاة" .
وقال ابن القيم:
" العورة عورتان: عورة في الصلاة، وعورة في النظر، فالحرة لها أن تصلي مكشوفة الوجه والكفين، وليس لها أن تخرج في الأسواق ومجامع الناس كذلك" .

وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: {ولايبدين زينتهن إلا ماظهر منها}:
"والمستثنى هو الوجه والكفان لأنهما ليستا من العورة، والأظهر أن هذا في الصلاة لا في النظر، فإن كل بدن الحرة عورة، لا يحل لغير الزوج والمحرم النظر إلى شيء منها إلا لضرورة" .
وقال الصنعاني:
"ويباح كشف وجهها حيث لم يأت دليل بتغطيته، والمراد كشفه عند صلاتها بحيث لا يراها أجنبي، فهذه عورتها في الصلاة، وأما عورتها بالنظر إلى نظر الأجنبي إليها فكلها عورة كما يأتي تحقيقه" .
فهذه النقول عن أهل العلم كافية لإثبات الفرق بين حدود العورة وحدود الحجاب..
وعليه فلا يصح أبدا ما قد يذكره بعض الناس من إجماع العلماء على جواز كشف الوجه واليدين، فبالإضافة إلى كونه جهلا بمواقف العلماء هو كذلك جهل بحقيقة الخلاف بينهم.
فمن ورد عنهم جواز كشف الوجه واليدين على قسمين:
قسم لا يجيز ذلك بإطلاق، بل يخصه في الصلاة فقط، ويحرمه عند وجود الرجال الأجانب، وهذا القسم لم يفهم بعض الناس قوله، فلما سمعه يقول: " والمرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها" أي في الصلاة..
ظن أن ذلك بالعموم حتى في النظر، فحمل قوله على جواز الكشف مطلقا، وهذا خطأ، فإنهم لم يقصدوا ذلك، فهذا سبب من أسباب الاختلاف في المسألة.
القسم الآخر أجاز الكشف بإطلاق..
والذي دعاه إلى ذلك قول منسوب لابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، قال: " الكحل والخاتم"، لكن هذا الأثر إسناده ضعيف للغاية، فيه مسلم الملائي قال فيه النسائي: " متروك الحديث" ..
وهناك رواية أخرى قال فيها: "ما في الكف والوجه"، وهي كذلك ضعيفة، في إسنادها أحمد العطاردي قال ابن عدي: " رأيتهم مجمعين على ضعفه" ..
فالنسبة إذاً إلى ابن عباس غير صحيحة بحسب الإسنادين السابقين ، بل جاء عنه عكس ذلك، ففي تفسير آية الحجاب: {يدنين عليهن من جلابيبهن} قال ابن عباس:" أمر الله نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهن في حاجة أن يغطين وجههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب، ويبدين عينا واحدة" .
لكن لو افترضنا صحة القول المنسوب إلى ابن عباس من طرق أخرى فكيف نفسر هذا التعارض بين قوليه:
مرة يجيز كشف الوجه واليدين، ومرة أخرى يحرم ذلك كله؟..
فالجواب: أنه أجاز أولاً، ثم لما نزلت آية الحجاب منع من ذلك، قال ابن تيمية:
"والسلف تنازعوا في الزينة الظاهرة على قولين، فقال ابن مسعود: هي الثياب، وقال ابن عباس ومن وافقه: هي ما في الوجه واليدين، مثل الكحل والخاتم...
وقبل أن تنزل آية الحجاب كان النساء يخرجن بلا جلباب، يرى الرجال وجهها ويديها، وكان إذ ذاك يجوز لها أن تظهر الوجه والكفين، وكان حينئذ يجوز النظر إليها لأنه يجوز إظهاره، ثم لما أنزل الله عز وجل آية الحجاب بقوله: { يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن}.
حجب النساء عن الرجال، وكان ذلك لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش فأرخى النبي الستر ومنع أنسا أن ينظر، ولما اصطفى صفية بنت حيي بعد ذلك عام خيبر قالوا: إن حجبها فهي من أمهات المؤمنين، وإلا فهي مما ملكت يمينه، فحجبها...

فإذا كن مأمورات بالجلباب وهو ستر الوجه أو ستر الوجه بالنقاب، كان حينئذ الوجه واليدان من الزينة التي أمرت ألا تظهرها للأجانب، فما بقي يحل للأجانب النظر إلا إلى الثياب الظاهرة، فابن مسعود ذكر آخر الآمرين، وابن عباس ذكر أول الأمرين" .
إذاً لو صح قول ابن عباس في إباحة كشف الوجه واليدين فإنما ذلك كان قبل النسخ، ثم لما نزلت آية الحجاب أوجب الله عليهن ستر جميع ذلك، هذا وابن مسعود يذكر في معنى الزينة الظاهرة أنها الثياب والرداء، فهو يخالف ابن عباس في قوله الأول لو صح عنه.
نخلص مما سبق أن سبب الخلاف في هذه المسألة ثلاثة أمور:
أولا: عدم التفريق بين حدود الحجاب وحدود العورة، فبعض المخالفين في هذه المسألة ظن أن ما يجب ستره في الصلاة هو الذي يجب ستره عن أعين الناس فحسب، وهو سائر البدن إلا الوجه والكفين..
وهذا فهم خاطيء فليست عورة الصلاة هي عورة النظر، بل عورة النظر أعم في حق المرأة من عورة الصلاة، فالمرأة لها أن تبدي وجهها وكفيها وقدميها في الصلاة، لكن ليس لها ذلك في محضر الأجانب أو إذا خرجت من بيتها.
ثانيا: عدم التحقيق في قول ابن عباس، فالأثر الذي ورد عنه في إباحة كشف الوجه ضعيف الإسناد بحسب الأسانيد السابقة، ثم إنه قد صرح في آية الحجاب بأن المرأة لا تظهر إلا عينا واحدة، فكان ينبغي أن يجمع قوله، ويؤخذ بما هو أصح وأصرح..
وكل الآثار التي يحتج بها من قال بالجواز كحديث أسماء ضعيفة لاينهض الاحتجاج بها، وكذا حديث الخثعمية بالرغم من صحته إلا أنه ليست فيه دلالة على جواز كشف الوجه.
ثالثا: عدم التفطن إلى إن الحكم فيه نسخ، أو فيه أول وآخر، فأما آية الزينة: { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها}، فقد كان أولاً، وكان النساء إذ ذاك يخرجن كاشفات الوجه واليدين، ثم لما نزلت آية الحجاب أمرن بالستر.
وعلى هذا الوجه يحمل قول ابن عباس، إن ثبت من طرق أخرى.
على أن ابن مسعود يفسر آية الزينة بتفسير يخالف تفسير ابن عباس الأول فيجعل الزينة الظاهرة هي الثياب أو الرداء، أو ما نسميه بالعباءة، وإسناده صحيح، وعلى ذلك فلا حجة في هذه الآية لمن احتج بها على جواز الكشف.
ومما يؤكد هذا الحكم قوله تعالى: { وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} ، وإذا سأل الرجل المرأة وهي كاشفة عن وجهها لم يكن سألها من وراء حجاب، وتلك مخالفة صريحة لأمر الله..
ثم إن هذا الخلاف بين الفقهاء بقي خلافا نظريا إلى حد بعيد، حيث ظل احتجاب النساء هو الأصل في جميع مراحل التاريخ الإسلامي، فقد كان ولا زال أحد معالم الأمة المؤمنة، قال الغزالي: " لم يزل الرجال على ممر الزمان مكشوفي الوجوه، والنساء يخرجن منتقبات" ..
وقال ابن حجر: " العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال" .
وهنا مسألة لابد من التنبه لها، وهي: أنك لو سألت هؤلاء المجيزين: "هل تجوزون كشف الوجه في زمن الفتنة أو إذا كانت المرأة فاتنة"؟.
لقالوا: "لا، بل يحرم الكشف في زمن الفتنة، أو إذا كانت المرأة شابة أو فاتنة"..
بل ذهبوا إلى أكبر من ذلك فقالوا:
"يجب على الأمة إذا كانت فاتنة تغطية وجهها" ..
مع أن الأمة غير مأمورة بتغطية الوجه.
إذن، فجميع العلماء متفقون من غير استثناء على:
وجوب تغطية الوجه في زمن الفتنة، أو إذا كانت المرأة فاتنة، أو شابة..
ونحن نسأل:
أليس اليوم زمن فتنة؟..
وإذا كان العلماء جميعهم حرموا الكشف إذا كان ثمة فتنة، فكيف سيكون قولهم إذا علموا أن الكشف بداية سقوط الحجاب؟..
فلم تعد القضية قضية فقهية تبحث في كتب الفقه فحسب، بل القضية أكبر من ذلك إنها قضية مصير لأمة محافظة على أخلاقها، يراد هتك حجابها، وكشف الوجه هو البداية، قد اتخذ من اختلاف العلماء فيه وسيلة لتدنيس طهارة الأمة المتمثلة في الحجاب، ويعظم الخطر في ظل اتساع نطاق عمل المرأة وازدياد خروجها من البيت، مع نظرة بعض الناس للحجاب على أنه إلف وعادة لادين وعبادة.
فهي مؤامرة على المرأة المسلمة..
ومما يبين هذا:
تلك الصور والإعلانات التي تصور المرأة لابسة عباءة سوداء، كاشفة عن وجهها، لإقناع الناس بأن تغطية الوجه ليس من الحجاب، وترسيخ هذا المفهوم فيهم.
ومما يبين أن القضية ليست قضية اختلاف بين العلماء أن كثيرا من هؤلاء النساء اللاتي يكشفن الوجه لايكشفنه لترجح أدلة الكشف عندهن، بل هن متبعات للهوى، قد وجدن الفرصة اليوم سانحة لكشف الوجه، ولو سنحت في الغد فرصة أخرى أكبر لما ترددن في اغتنامها، والدليل على هذا:
أنهن إذا سافرن إلى الخارج نزعن الحجاب بالكلية وصرن متبرجات لا فرق بينهن وبين الكافرات..
ولو كان كشفهن عن قناعة بالأدلة المجيزة للكشف للزمن ستر جميع الجسد بالعباءة إلا الوجه في كل مكان سواء في المقام أو في السفر إلا البلاد الأخرى..
ولو كان هذا الكشف ناتجا عن اتباع أقوال العلماء المجيزين لغطين وجوههن، لأن العلماء المجيزين يحرمون الكشف في زمن الفتنة، والزمان زمان فتنة ومع ذلك هن يكشفن وجوههن، والعلماء المجيزون حرموا الكشف على الفاتنة والشابة، وهن يكشفن بغير فرق بين الفاتنة وغير الفاتنة..
فالحقيقة أن هذا الفعل من هؤلاء النساء لم يكن عن اتباع لكلام أهل العلم، بل هو اتباع للهوى وتقليد للسافرات من الكافرات والمتبرجات، وتبرم وضجر من الانصياع لأمر الله تعالى في قوله:
{ يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن}..
{ولايبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن}..
{وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن}.
وإذا سألنا المجيزين سؤالا آخر فقلنا لهم: " أيهما أفضل التغطية أو الكشف"؟..
لقالوا بلا تردد: " التغطية أفضل من كشف الوجه، اقتداء بأمهات المؤمنين"..
ونحن نعلم أن استبدال الأدنى بالذي هو خير فساد في الرأي وحرمان من التوفيق، فإذا كانت التغطية هي الفضلى فلا معنى لترك هذا الأفضل إلى الأدنى إلا الجهل بحقيقة الخير والشر والربح والخسارة، والغفلة عن مكيدة الشيطان..
فإن الشيطان لا يزال بالأمة الصالحة يرغبها في الأدنى ويزهدها في الأعلى حتى تستجيب له، فما يزال بها حتى يوقعها في الشر والوبال، كما فعل بالرهبان والعباد، وكما فعل ببني إسرائيل حتى استحقوا سخط الجبار وانتقامه..
أنزل الله لهم المن والسلوى يأكلون منهما، فأبوا إلا الأدنى وسألوا موسى عليه السلام البصل والعدس والقثاء والفوم، فأنكر عليهم هذا الرأي الفاسد، كيف تستبدلون الذي هو أدنى باللذي هو خير؟، قال تعالى: {وإذ قلتم ياموسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مماتنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}.
فما مثلنا ونحن نفضل كشف الوجه الذي هو أدنى على غطائه الذي هو خير إلا كمثل بني إسرائيل، وقد علمنا ما أصابهم من الخزي والذلة والمسكنة لأمم الأرض جميعها، فكانوا منبوذين مكروهين، ونخشى أن يصيبنا ما أصابهم..

هذا إذا فرضنا جدلا أن كشف الوجه جائز والأفضل تغطيته، أما الذي ندين الله به لا بسواه، أنا نرى حرمة كشف الوجه من حيث الأصل، وكل من كشفت وجهها بغير إذن الشارع فهي آثمة عليها التوبة إلى الله، وإذن الشارع إنما يكون في أحوال معينة كإذنه بالكشف للقواعد من النساء والمراد خطبتها ونحوها..
إذن بالرغم من هذا الخلاف إلا أنه لم يوجد في تاريخ الأمة من العلماء من يدعوا إلى كشف النساء وجوههن، فمن لم يقل منهم بوجوب التغطية جعل ذلك هو الأفضل..
وعلى ذلك فلا يدعوا إلى السفور إلا أحد رجلين، إما أنه غير مطلع على مذاهب العلماء، فاهم لمقاصدهم، وإما أنه مفسد يتخذ من اختلاف العلماء ذريعة لتحقيق مآرب خبيثة في نفسه.
أخيرا نقول لمن أجاز كشف الوجه:
إن كنت قد اقتنعت بهذا الرأي تماما عن دين ويقين دون اتباع لهوى، فيجب عليك إذا أفتيت بهذا القول أن تقيده بما قيده العلماء المجيزون من قبلك، بأن تجعل كشف الوجه مشروطا بما يلي:
1- ألا يكون في زمن فتنة، يكثر فيه الفساق.
2- ألا تكون المرأة شابة.
3- ألا تكون المرأة فاتنة جميلة.
فهذه الشروط واجبة، لا بد من ذكرها، إذا ما أفتيت بجواز الكشف..

أما أن تقول بكشف الوجه، هكذا بإطلاق، وتنسب ذلك لأهل العلم القائلين بكشف الوجه، فهذا تدليس، فإنهم ما قالوا بجواز الكشف، هكذا بإطلاق، كما يفعل من يفتي هذا اليوم، بل قيدوه بالشروط السابقة..
ثم كذلك يجب عليك أن تدل الناس إلى الأفضل، وهو التغطية بإجماع العلماء..
حينذاك تكون معذورا مجتهدا، لك أجر اجتهادك..
أما أن تخفي عن الناس حقيقة قول العلماء المجيزين، بعدم ذكر الشروط والأفضل، فإني أخاف عليك الإثم..

أبو سارة