الضمير الحي (خطوة على طريق الحرية)
بقلم: د.باسم عبد الله عالِم
محامِ ومستشار قانوني
تتوالى الأحداث من حولنا ويستمر الحصار ويجوع الإنسان لأنه أستقل بإيمانه ولم ينضو تحت جناح الإرادة الغربية التي تسمى اليوم (مجازا) الإرادة الدولية أو الشرعية الدولية. إنه حصار الشعب الذي ينبغي أن يوازيه في النشأة والكينونة نشوء ضمير حي كان تائها في صخب الشبهات حتى قدر الله له أن يحوّل الغرب، بتماديه وبصلفه وكبره، هذه الشبهات إلى حقيقة واضحة لا لبس فيها، أزالت الشبهة وكشفت الغمة. إنها إنتباهة وصحوة وإدراك وإعادة تقييم للحال وتقويم للمسار.
وليس في مقدور أحدنا أن ينكر على عدوه حجب المعونة. فهو العدو، ولا ينتظر من العدو القاتل أن يرأف بحالنا وحال إخواننا في فلسطين وهو من يعين على ذبحهم من خلال دعمه المطلق وتقنيته المبذولة لبني إسرائيل. ولكن الإنكار كل الإنكار على حال أمة تخشى الحق قولا وفعلا، فكيف بنا والأمة تمالئ وتعاضد منهجية الحصار الجائر وتشارك في إحكام حلقاته ضد إخوة لنا في فلسطين هم شركاؤنا في المصير الواحد شاء من شاء وأبى من أبى. والعجيب أن في موازاة هذا التخبط والتشرذم والخوف الذي يخلع فؤاد المتشبثين بمصالحهم التي يدثرونها بدثار مصنوع من مسميات كاذبة، نجد أن في طرف العالم بدأت تظهر قوى جديدة أدركت قبلنا أن العبودية للغرب لا تولد إلا المزيد من الذل. والسلامة المنشودة في الطاعة العمياء لن يتحقق مهما بذل في سبيل إرضاء السيد الغربي الذي لا تنتهي شروطه. لقد أنتفضت شعوب أمريكا الجنوبية بعد أن كان يضرب بها المثل بكونها الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية. لقد تلفتت من حولها ونظرت إلى حالها فلم تجد أن قرون الإنصياع المطلق جاءتها بالنماء والإزدهار الموعود. لقد أفاقت دول أمريكا الجنوبية على واقع أليم أصبحت فيه ليس أكثر من مزرعة للمخدرات و خزان وقود مسخر للآلة الإستهلاكية في الولايات المتحدة الأمريكية دون أي مردود حضاري يذكر. وهكذا بدأت الدول في أمريكا الجنوبية بالإفتكاك تباعا من ربقة التبعية المهينة والهيمنة الإستعبادية للولايات المتحدة الأمريكية. وتلى ذلك، إعادة إكتشاف لمواطن القوة لدى كل دولة والتكامل الطبيعي فيما بينها والذي لا يؤدي إلى الإستقلال فحسب ولكنه يتجاوز ذلك إلى تحقيق الإستقلال الآمن إقتصاديا وسياسيا وإجتماعيا من خلال نمو وإستقرار وترشيد جهات الإستفادة كل حسب حاجته وبقدر ما يحقق المصلحة العامة دون إفراط في الشمولية أو تفريط في إتجاه الذاتية الأنانية.
وإننا إذ نرى في ما ذهب إليه أهل أمريكا الجنوبية من إفتكاك وإستقلالية، إنما نرى مضرب مثل رباني لأمة المليار للإقتداء بالأحرار في هذا العالم عمليا ونحن الأقدر والأمكن سياسيا وجغرافيا وإقتصاديا. وليس الحصار أو التهديد به بالأمر الذي يستحق أن يكون عائقا أمام الضمائر الحية التي أستفاقت وقد أنقشع عن أعينها ضباب الشبهات جراء المواقف الغربية الصارخة والواضحة في ظلمها وخرقها لأبسط قيم الإنسانية والرافضة للتفكير والقرار والرأي الحر مالم ينضو تحت جناحها أو يصب في مصلحتها. ماذا يعني أن يكون لنا ضمير حي وماذا يعني أن تتضح المسألة ويقطع الشك باليقين؟ أليس يعني أن نرفض الإستمرار في واقعنا الذليل ونقاوم الهيمنة التي فرضها علينا خوفنا و أنانيتنا ومصالحنا الشخصية التي قدمناها على مصلحة الدين والأمة فضاعت المصلحتان وفات الأمران.
لقد حانت اللحظة التاريخية التي يهب فيها الجميع وهم على قلب رجل واحد ليعلنوا للكون أجمع رفض الحصار و خيار الخوف المتدثر بدثار الحكمة والسياسة الواقعية التي لم تفلح في إكسابنا سوي الويلات والثبور تلو الثبور. وحان الوقت الذي تحاسب الأمة قادتها ومؤسساتها على التقصير والتقاعس والخذلان الذي لا يزال العامل والسمة الأظهر على الساحة العربية والإسلامية. أن أول خطوة هو أن تعلن الدول فتح باب التبرعات لمن شاء وتقبل دون قيد أو شرط تسليم الأموال للحكومة الفلسطينية دون قيود أو شروط تفرض من الغرب الصليبي والصليبية المتهودة. ولعلنا، من خلال الحاجة التي تفرض علينا الحلول، نبدأ في الضغط على المصارف العربية والإسلامية من أجل إتباع سياسة مستقلة عن الإرادة الأمريكية وتعزيز ذلك من خلال التخلص من التبعية النقدية وتبعية الإيداع لدي المصارف الأمريكية أو الغربية التي تأتمر بأمر الغرب وتتبع سياساته تجاه الآخرين. يجب أن نكون أصحاب سيادة وقرار مستقل في أنفسنا وأموالنا وإلا أصبح الأجير المؤتمن على المال هو الذي يملي شروطه لتمكين صاحب المال من ماله وهذا لعمري هو الذل في أقبح صوره.
والأصل أن تكسر طليعة مباركة حاجز الخوف وتهب لتصحيح الخطأ وتقويم المعوج. وإنني من خلال هذه الصفحة وهذه النافذة التي سخرها لي ربي، أدعو كل من الأمين العام لجامعة الدول العربية والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أن يتحالفا لتبني مشروع قافلة برية محملة بالمؤن وبكل ما يحتاجه إخوتنا المرابطين في ثغر فلسطين وأن يتبع القافلة حشود بشرية تقف شاهدة عيان على أي خذلان من أي جهة كانت تحاول أن تعيق إرادة الأمة أو تكبح من جماح صحوتها. وإنني إذ أقول ما أقول لأضع نفسي وجهدي بحق في تصرف الأمينين فيما أقترحته لعل الله يلقي في قلبيهما قبول ما ذهبت إليه ويكون ذلك فاتحة خير لكسر طوق الحصار وتبديد غيوم الرعب والخوف التي طالما حجبت عنا شمس الحقيقة. وللحديث بقية إن شاء الله.
والله من وراء القصد،،،
نشرت بالعدد ( 15724) جريدة المدينة الجمعة 14 ربيع الثاني 1427ﻫ الموافق 12 مايو 2006م بصفحة الرأي.
omamoory @omamoory
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
طف طف
•
جزاك الله خير على نشر الخير ان شاء الله
الصفحة الأخيرة