لا فائدة ...رددتها في يأس يكاد يقتلها..نهضت متثاقلة تبحث هنا وهناك عن شئ يخلصها من هذا الطوق اللعين...جالت في أرجاء الغرفة الباردة...
نقبت في الأدراج...الدواليب..تحت السرير...دون فائدة...كل شئ منظم ومصقول..تماما مثل هذا الطوق المحيط برقبتها..عبثت فيه بيديها مرة أخرى..
رغم معرفتها عدم جدوى المحاولة...نظرت في أسى إلى صورتها المنعكسة في المرآة..لم تجد أثرا لتلك الصورة المرحة التي كانت تعرفها في نفسها..
تلك الطفلة التي تلعب وتلهو وتعبث مع من تشاء...لقد تلاشت تلك الصورة البريئة منذ وضعوا حول عنقها هذا الطوق المتصلب...
لم تعد ترى سوى هذه الصورة القاتمة... التي تنشر ظلالها المخيفة في الغرفة الموحشة...سرت رعدة مفاجئة في عروقها…
حين خيل لها أن شيئا ما تحرك في هذا السكون...لم تكن ظلالا من النافذة.. فالنافذة مغلقة ولم تعتد فتحها…
نظرت إلى أصابعها الدامية من الفشل المتكرر لمحاولات التخلص من الطوق.. أسبلت جفنيها متظاهرة بالسكينة لكن صوتا هامسا انتزعها من تلك السكينة الزائفة..
فتحت عينيها في فزع..لا أحد.. لكنها لا تزال تسمع الصوت يهمس بها: لا تيأسي.. حاولي فربما تنجحين… لا بد أن الجنون أصابها.. أهذه صورتها تكلمها؟!….
اقتربت منها في بطء وحذر.. اجل إنها صورتها تتكلم.. ليست في حلم.. لقد تغيرت صورتها في المرآة.. لم تعد تلك الصورة القاتمة.. بل صارت تشع ببريق غريب..
يطل من نظراتها تحد صارخ.. والطوق! ...اختفى الطوق من رقبتها.. ولا إراديا امتدت يدها إلى عنقها فاصطدمت بذلك الشيء البارد الثقيل…
آه إنها تحلم.. لا يزال الطوق في مكانه… وما هذا الذي تراه سوى خيال تائه.. لكن.. لكن هذه الصورة.. إنها تشير إليها بغضب..
تهتف بها: أنت لا تحلمين.. بل هي الحقيقة.. لقد حطمت طوقي.. ويجب أن تحطمي طوقك أنت أيضا… لن تحتمليه أكثر من هذا.. لقد أصبح يضايقك.. يجب أن تحطميه..
سيطر عليها الذهول لفترة… وبصعوبة فتحت فمها: ولكني لا أستطيع.. لقد حاولت… ولم أنجح.. قالت كلماتها هذه بصوت واهن.. كأنه آت من أغوار سحيقة..
لم تعد تفهم ما يجري.. لابد أنه الجنون.. لم يكفه أنه يخنقها ويضيق على أنفاسها.. لن تصاب بالجنون.. فلتمت … لكنها لن تجن…
وهذه الصورة التي ترمقها بنظرة نارية… سوف تحطمها… فليست سوى وهم يعكس عجزها…
اقتربت ببطء نحو المرآة… أمسكت بزجاجة عطر عتيقة… وبكل اليأس المتفجر في أعماقها… قذفت بالزجاجة نحو ذلك الوجه الساخر المحدق بها…
ودوى صوت الارتطام قويا.. أصاب أعماقها بهزة عنيفة.. تناثرت أجزاء المرآة المحطمة حولها… نظرت إليها ساهمة..
وفي دهشة رأت في كل جزء منها صورة مصغرة لتلك الصورة الساخرة.. وجميعها تحدق بها في اتهام وغضب..
لم تعد تقوى على الاحتمال.. أمسكت بالطوق بقوة… جذبته في عنف… حتى انغرز في مؤخرة عنقها…
سالت الدماء قاتمة، أحست بدفئها على أصابعها المتورمة… وفي صمت أطلقت لدموعها العنان .....
judi

judi @judi
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.




الصفحة الأخيرة
خاطرة رائعه كوجودك ...
اختك