النساء كريمات مع من يكرهن!

الملتقى العام




إنها حقيقة.. فالمرأة تكون أكرم مع من تكره بينما لا تكون كذلك مع من تحب، كرم من نوع خاص ليس بالمال ولا حتى بالروح، يتخطى حدود الدنيا ويصل بعطائه وبذله إلى موازين الآخرة، نعم إنه كرم، وأي كرم يفوق من تغدق بحسناتها على من تكره!..

ولكن كيف ومتى يحصل ذلك؟

إنها الغيبة، صديقة حميمة لكثير من النساء، ومن يعتقد أن الغيبة مقتصرة على النساء العوام يكون مخطئا، إذ إن كثيرا من المثقفات واللواتي وصلن إلى مستوى عال من التعليم - للأسف - وقعن في براثنها، وغدت الغيبة فاكهة مجالسهن وداء قل البرء منه.

وتعتقد الكثير من النسوة أن الغيبة أمر هين، رغم اعتراف بعضهن أنها خطأ، حيث إنهن يستغفرن الله بعد وقوعهن فيها، إلا أنهن لا يلبثن أن يعدن إلى ذلك.. وربما لو استشعرن خطورة الغيبة وعقابها لجاهدن أنفسهن على تجنبها؛ لأن إحدانا لا تتمنى أن تُسلب منها حسناتها أو تحرم من الجنة.

ذلك أن من يغتاب الناس يفقد حسناته التي حرص على جمعها أملاً في نيل رضا الله ودخوله الجنة.. ولو تعلم المرأة بأنها إن اغتابت من تكره فإنها تسدي لها جميلاً لا يمكن أن تحصل عليه من أحب الناس إليها، ذلك أنه لا أحد يمنح حسناته لأي كان ـ ولو أن ذلك يحصل دون رغبة منا - فكيف تتخلى المرأة عن حسناتها بهذه السهولة، وبهذا الكم الذي تفرقه في كل مجلس وكل مناسبة..

تقول إحدى الداعيات ـ على سبيل الدعابة ـ: إن كانت إحداكن لا تريد حسناتها فلما لا تبر أمها باغتيابها؛ فهي أولى يتلك الحسنات من الأخريات؟

وقال ابن المبارك ـ رحمه الله ـ: لو كنت مغتاباً أحد لاغتبت والديّ لأنهما أحق بحسناتي.

و كان الحسن البصري ـ رحمه الله ـ إذا بلغه أن أحد اغتابه يرسل إليه بهدية ويقول له على لسان الرسول: بلغني يا أخي أنك أهديت إلي حسناتك.

وقال رجل للحسن البصري: إنك تغتابني؟ فقال: ما بلغ قدرك عندي أن أحكمك في حسناتي.

ينما نكرم نحن بحسناتنا كما لا نكرم بأموالنا وأرواحنا لنأتي يوم القيامة لا نملك منها إلا اليسير فينتفع بحسناتنا من اغتبنا، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"أتدرون من المفلس؟ إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار".

ربما لا يعلم من اغتبنا أننا اغتبناهم، لكنهم حتماً سيعلمون يوم الحساب، وسيكونون مسرورين بذلك، إذ تؤخذ من حسناتنا وتضاف إليهم، وأي حق سينالونه منا أفضل من ذلك؟ قال أبو أمامة: إن العبد ليعطى كتابه يوم القيامة فيرى فيه حسنات لم يعلمها، فيقول: يا رب، أنى لي بهذا؟ فيقول: هذا بما اغتابك الناس وأنت لا تشعر.

وقال عبد الله ابن المبارك ـ رحمه الله ـ: إن العبد ليعمل الحسنات الكثيرة فلا يراها في صحائفه، فيقول: يا رب، أين حسناتي؟ فيقال له: ذهبت باغتيابك الناس وهم لا يعلمون.

وقد نهى الله سبحانه وتعالى على أن يغتب الناس بعضهم بعضا، قال الله تعالى: (وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ..).

والغيبة عرفها أهل العلم بأنها: ذكر العيب بظهر الغيب. وتكون الغيبة أيضاً بالفعل والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة، وكل ما يفهم منه تنقص مسلم.

ومن أخبث أنواع الغيبة غيبة المرائين، فيظهر أحدهم الغيبة في صورة توهم النصح للمغتاب والإشفاق عليه، ويحرص هذا المرائي أن يظهر نفسه بالتعفف.

ولا تقف عقوبة من يغتاب على ذهاب حسناته فقط لمن يغتابه، ولو أنها ليست بالقليلة، إذ إن الرابح من كثرت حسناته، والخاسر من قلت. كما يعاقب المغتاب بأشياء أخرى، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها إلى النار أبعد مما بين المشرق والمغرب".

وقد توعد النبي عليه الصلاة والسلام أصحابها (الغيبة) بالفضيحة في الدنيا قبل الآخرة، إذ قال "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم اتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته".

وبينما نحن لا نفكر حتى في الابتعاد عن الغيبة، بل ونقع فيها في كثير من الأحيان دون تأنيب الضمير، كان السلف يسعون إلى ذلك ويبذلون قصارى جهدهم للابتعاد عنها، كان وهيب بن الورد يقول: والله لترك الغيبة عندي أحب إلي من التصدق بجبل من ذهب.

وكم من نساء يبخرن مجالسهن ويتعطرن قبل اجتماعهن لا يشممن ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه جابر: كنا مع النبي فارتفعت ريح منتنة، قال أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين.

فكم من ريح نتنة تنبعث من حجراتنا ونحن لا نشم إلا رائحة العطر التي نضعها..!

وربما ظن البعض أن ذلك مذموم إذا كان عن طريق الكذب أو الافتراء، أما إذا ذكر أخاه في غيبته بما فيه فليس من الغيبة. وهذا غير صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الغيبة قيل له: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بهته".

ولا يقع اللوم فقط على من ينطق بالغيبة، بل أيضاً لمن يسمعها ويشجع المتحدث على الخوض فيها، كأن يشير له صراحة بمتابعة الحديث أو الإصغاء إلى الغيبةعلى سبيل التعجب؛ فأنه إنما يظهر التعجب ليزيد نشاط المغتاب في الغيبة فيندفع فيه،والأجدر أن نحتذي بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان ينهى عليه الصلاة والسلام أن يبلغه أحد من أصحابه شيئاً مكروهاً؛ لأنه يحب أن يخرج إليهم وهو سليم الصدر.

لذلك على كل منا:
- أن تبتعد عن مجالس الغيبة؛ لأن حضور مثل تلك المجالس يعد من باب التعاون على الإثم والعدوان، والمشاركة في الباطل، فالغيبة محرمة وسماعها محرم.

- إذا حضرت إحدانا مجلساً اغتيب فيه أحد من المسلمين، فالواجب عليها رد غيبته، وزجر المغتابة وتخويفها بالله تعالى وتحذيرها من أليم عقابه، وليس عليها أن تلزم الصمت، فتحسب بذلك أنها تفعل خيراً، بل ترد الغيبة كما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة".

- الواجب عدم مجالسة من تغتاب المسلمين أو المسلمات، مع نصحها والإنكار عليها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". فإن لم تمتثل فاتركي مجالستها؛ لأن ذلك من تمام الإنكار عليها.

قال الله تعالى: }وإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.

ومن آفات اللسان التي تقع فيها المرأة: النميمة. والنميمة هي: نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم.

والنميمة مذمومة وعقابها شديد، وأدلة تحريمها كثيرة من الكتاب والسنة، منها قوله تعالى:{ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم{، وقوله تعالى:} وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ{. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة نمام".

والنميمة من الأسباب التي توجب عذاب القبر؛ لما روى ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: "إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير" ثم قال: "بلى، كان أحدهما لا يستتر من بوله، وكان الآخر يمشي بالنميمة".

فكيف تحسب بعض النساء أن النميمة لا تتعارض مع ما يوجد في قلوبهن من إيمان، بينما يقول الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: ما حفظ دينه من لم يحفظ لسانه.

والباعث على النميمة إما إرادة السوء للمحكي عنه، أو إظهار الحب للمحكي له، أو الاستمتاع بالحديث والخوض في الفضول والباطل، وكل هذا حرام..

ولكن كيف يمكن التغلب على هذه العادة السيئة التي تفشت بين الكثير من الناس، خاصة أن تقويم اللسان على شرع الله عسير؛ ذلك أن أعصى الأعضاء على الإنسان اللسان، فإنه لا صعوبة في إطلاقه أو تحريكه.. حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء تكفر اللسان تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا". وقال محمد بن واسع ـ رحمه الله ـ: حفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم.

والنجاة من ضرر اللسان لا تكون إلا بالعمل بتوجيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت".

وإذا كان عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: "والله الذيلا إله إلا هو ما على الأرض من شيء أحوج إلى طول سجن من لسان".. فكيف يكون حالنا نحن؟!


ماذا تفعل الغيبة والنميمة؟ ولماذا حرما؟
حرمت الغيبة والنميمة؛ لما فيهما من السعي بالإفساد بين الناس وإيجاد الشقاق والفوضى، وإيقاد نار العداوة والغل والحسد والنفاق، وإزالة كل مودة، وإماتة كل محبة بالتفريق والخصام والتنافر بين الإخوة المتصافين، ولما فيهما أيضا من الكذب والغدر والخيانة والخديعة وكيل التهم جزافا للأبرياء، وإرخاء العنان للسب والشتائم وذكر القبائح. وأصحابهما يتحملون ذنوبا كثيرة تجر إلى غضب الله وسخطه وأليم عقابه.

قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم: "أَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشِرَارِكُم"ْ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله، قَالَ: "الْمَشَّاؤونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأحِبَّةِ الْبَاغُونَ لِلْبُرَآءِ الْمَعَايِبَ".

الغيبة والنميمة من الكبائر، وليس لها كفارة إلا التوبة النصوح، فالتوبة من الغيبة والنميمة واجبة؛ لأنهما من كبائر الذنوب، وهي من حقوق الآدميين فلا تصح التوبة منها إلا بأربعة شروط:

- الإقلاع عنها في الحال.

- الندم على ما مضى.

- العزم على عدم العودة.

- نكثر لمن اغتبناه الدعاء. يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ: وهل يكفي في التوبة من الغيبة الاستغفار للمغتاب أم لابد منإعلامه وتحلله؟ قال: الصحيح أنه لا يحتاج إلى إعلامه، بل يكفيه الاستغفار له وذكرهمحاسن ما فيه في المواطن التي اغتابه فيها؛ وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره؛ فإنه ـ أي أعلامه ـ يوغر صدره ويؤذيه ولعله يُهيج عداوته.

لها اون لاين .....سلام نجم الدين الشرابي


رغم اني لااحب النقل كثيرا لكني وجدت أن هذا الداء قد استشرى بين كل الناس حتى الصالحين منهم .. لذلك نقلتة للفائدة بعدما بحثت ولم أجد مثلة كما اني انصح بسماع شريط صيام قلب للدكتور خالد الجبير.. وشكرا لتواجدكم .,,
34
3K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

بقايا دموع
بقايا دموع
موضوع رائع جدا اختي

جزاكي الله الف خير :26:
سكارلت
سكارلت
بارك الله فيك أختي القلم الوردي

من يتعمق في الموضوع يدرك خطورة هذه الافة على نفسه وغيره

كان الحسن البصري ـ رحمه الله ـ إذا بلغه أن أحد اغتابه يرسل إليه بهدية ويقول له على لسان الرسول: بلغني يا أخي أنك أهديت إلي حسناتك.

فكرة رااااائعة حقا

جزاك الله كل خير
القلمُ الورديُّ
بقايا دموع ....... يسلم لي مرورك الرائع وشكرا لكِ


سكارلت... شكرا لمرورك واضافتك العطرة ..الله يعطر ايامك بذكره
وحدة كووول
وحدة كووول
بارك الله فيك

وجزا كاتب الموضوع وناقله الخير إنشاء الله

:26:
القلمُ الورديُّ
وحدة كووول

شكرا لمرورك الزاهي ياكووول :27: