خلق الإنسان في كبد .. حقيقة أقرها القرآن الكريم
خلق الإنسان ليمتحن .. ليقتحم عقبات الحياة ويتجاوزها
ليرتقي سلم الإيمان درجةً .. درجة ....
وذلك بمجاهدة النفس الأمارة بالسوء..
ليصل إلى منزلة النفس اللوامة ..
فالنفس المطمئنة ..
وتلك هي المكانة السامية التي يسكن بها المؤمن في ظل الرحمن
يكلؤه بعنايته .. ويغمر روحه بالرضا والطمأنينة ..
وحين يستقر على ذلك ..
يكون قد قطع الطريق على عدوه الشيطان الرجيم،
الذي أخرج أبويه من الجنة..
ليعود إليها بعد أن يستوفي أجله ..
رافلاً بالتكريم الإلهي العظيم ..
جزاء طاعته وثباته على الصراط المستقيم الذي لاعوج فه .
الصراط المستقيم .. ماهو ..؟
هو طريق الحق .. وهو أوضح السبل الموصل إلى النعيم لمن اتبعه ..
هو أقصر الطرق الواصلة بين نقطتين ..
هناك .. عند هذا الطريق ..
يكمن الشيطان لابن آدم ويتربص به ، ليوقعه في المعصية ..
( قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) الأعراف .
....
ولذا يتكرر التحذير في القرآن الكريم ..
من هذا العدو المتربص ، ويهيب بالناس أن يأخذوا حذرهم..
من مصائد الشيطان..
فهو يزرعها دائماً في كل السبل الموصلة لابن آدم ..
ثم يقعد على الطريق منتظراً ضحيته ..
قد يوسوس له ..في الصلاة .. في الدعاء ..
وعند كل أبواب الطاعة ..
يكون متواجداً دائماً للتخريب ، وكسر عزيمة الفرد ، ونشاطه
ويرسل إليه تيار الهواجس .. ويتسلل للأفكار .. ويزين المعاصي
ويعمل كل مافي وسعه، فهذه مهمته التي كرس نفسه لها ..
ليجر ابن آدم معه إلى النار .. التي لامفر له منها .
:
إذن الشيطان يتربص بالمؤمنين الدوائر ..
أما أولئك الضالين ..فقد جرفهم تياره، فتركهم الشيطان
مع شهواتهم وهواهم ..
إلا من أدركته رحمة الله فاستفاق من غفلته قبل فوات الأوان .
والسؤال المطروح :
هل يستطيع الشيطان أن يغوي الناس جميعاً ؟
الجواب : طبعاً لا ..!
فهو يعرف حجمه ويدرك مقدار استطاعته ...
ويعلم أن هناك من الناس من رسخ الإيمان في قلوبهم ..
وعصمهم من الغواية ..
وابليس .. يعترف بعجزه في ضلالتهم ..وجاء ذلك في القرآن :
( ... إلا عبادك منهم المخلصين ) الحجر
وأكّد الله تعالى هذا الاستثناء قائلاً :
( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) الحجر
....
وهنا يؤكد الله تعالى علينا ضرورة اللجوء إليه والاستعاذة
به من الشيطان .. فيقول تعالى :
( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم
إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا
فإذا هم مبصرون ) الأعراف ٢٠٠/ ٢٠١
نعم المؤمن القوي الذي رسخت جذورإيمانه في الأعماق ..
لن تزعزعه الرياح ..
ولن يعمى عن مكائد الشيطان
ولن يهوى في مزالقه ..
فهو متمسك بحبل النجاة ... بحبل الله..
وهو على يقظة وبصيرة وحذر .. مستعيناً بالله في كل حالاته .
ويأتي من الله التنبيه محذراً من غاية الشيطان
ومن طبيعة جبلته التي تمكن له الغلبة :
( يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ
يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ
إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ
ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ 27) الأعراف.
....
ويبين الله تعالى أن الهدف من وراء لهاث الشيطان خلف ابن آدم
ينحصر في الانتقام منه ، وجره معه إلى مهاوي الجحيم :
( إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا
ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ (6) الآعراف
:
إن غواية الشيطان لا تأتي إلا من خلال مايجذب الإنسان ..
وذلك عن طريق ممهد بالزينة والمغريات ، والزخرف والجمال..
فهذه أسلحة الفتنة ..
( ... وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ
فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) النمل
حبَّب إليهم المعصية ، ومنعهم بتزيينها لهم ..
أن يتبعوا الطريق المستقيم..
فهي جميلة في قلوب من وقعوا في الغواية ...
يستسيغونها .. بل يفتتنون بها ..
(قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39)الحجر
....
إذن تجميل السيئات وظيفة إبليس ..
يزينها حتى تبدو حسنات في نظر الغير ..
وفي غياب الإيمان ، وضعف النفس وانخداعها بالمغريات
يحدث السقوط في مكائد الشيطان ..
يقول تعالى :
( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ۖ ... ٨) فاطر
....
أما عباد الله الذين استضاؤوا بنور الإيمان ،
واعتصموا بالله ،
فهم في حصن حصين ..
لايستطيع الشيطان أن يخترقه ..
( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا
فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ٢٠١) الأعراف.
أختي المؤمنة :
من كتاب ابن القيم ( بدائع الفوائد )..
يستعرض بالتفصيل ( الأحراز ) التي بها نتقي شر الشيطان الرجيم
وأحببت أن أورد لك هنا بإيجاز :
...
الحرز الأول :
الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم :
{ وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله
إنه هو السميع العليم }فصلت 36
والسمع المراد به هاهنا سمع الإجابة لا مجرد السمع التام.
....
الحرز الثاني:
قراءة المعوذتين ، و إن من قرأهما مع سورة الإخلاص ثلاثا
حين يمسي وثلاثا حين يصبح كفته من كل شيء
....
الحرز الثالث :
قراءة أية الكرسي.
....
الحرز الرابع :
قراءة سورة البقرة .
....
الحرز الخامس:
قراءة خاتمة سورة البقرة فقد ثبت في الصحيح
من حديث أبي موسى الأنصاري قال
قال رسول الله: ( من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه).
....
الحرز السادس :
أول سورة حم المؤمن إلى قوله تعالى إليه المصير مع آية الكرسي.
....
الحرز السابع : ترديد ذكر :
(لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
....
الحرز الثامن :
كثرة ذكر الله وهو من أنفع الحروز من الشيطان .
....
الحرز التاسع :
الوضوء والصلاة وهذا من أعظم ما يتحرز به من الشيطان
ولا سيما عند توارد قوة الغضب والشهوة فإنها نار
وما أطفأ العبد جمرة الغضب والشهوة بمثل الوضوء
والإقبال على الصلاة بخشوع ، فبهما يذهب أثر ذلك كله .
....
الحرز العاشر:
إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس
فإن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم وينال منه غرضه
من هذه الأبواب الأربعة ..
خاتمة المطاف ~
الدنيا أصبحت مليئة بالمغريات ..
لكنها غدت أيضاً سريعة الإيقاع ..
تمر أيامها مر البرق ،و تسابق وتيرتها الزمن
والكثير منا يحس أن سنوات العمر باتت تنقضي كالشهور ..
وأننا في سباقنا الدائم مع الحياة ومتطلباتها ..
لا نكاد نحس بمباهجها ، ولا نرتوي من سقياها ،
والمؤمن كغيره يشعر بانفلات قبضة الأيام منه بسرعة تتنامى
ولكنه يدرك تماماً أن هذه الرحلة قصيرة ..
وأن الدنيا ظل زائل و خيال..
لذا فهو يأخذ منها مايسع الحلال ..
ويترك الجري وراء المغريات والخداع الذي يوسوس به الشيطان
...
فلنأخذ من الفانية ..ما ينفعنا للباقية ..
ولنعطي فيها .. مايعود علينا بالربح في الآخرة
....
ولا تذهب نفوسنا حسرات على ما فقد منا ، أو حرمنا منه ..
فكل شيء مقدر لحكمة وهدف ..
و لانترك للشيطان ثغرة ليبث في قلوبنا الحزن .
....
ومهما كانت درجة معاناتنا وشقاءنا في الحياة فهي لن تدوم ..
ولنتذكر أن كل يوم يمر ينقص من عناء الدنيا شيئا..
ويقربنا إلى الله حيث النعيم المقيم .
::
بارك الله فيك يافيض وجزاك بكل خير ....