هاجس الاحزان1
هاجس الاحزان1
تكمله ثم في الصباح قمت لأبنائي لأعدهم للذهاب إلى المدرسة . ثم لما ذهبوا ذهبت إلى غرفتي وأنا أظن زوجي نائماً ففوجئت به مستيقظاً وجالساً بجانب المدفأة ، فتراجعت إلى الخلف وخرجت فلما خرجت سمعت صوته يناديني " يا فلانة " ، فالتفت إليه فإذا بتلك الابتسامة كأنها فلقة قمر ، والتي ما رأيتها على محياه سنة كاملة . وإذا به يقول : " تعالي إلى جانبي " .



لم أصدق ما رأت عيني وما سمعت أذني ، وطرت إليه كعصفورة أطلقت من قفص ، وتهاطلت دموع الفرح مدراراً وحمدت الله تعالى على ما فرج وعافى وأعاد لي زوجي كما كان .
هاجس الاحزان1
هاجس الاحزان1
لنتأمل



1. عزلة الزوج وهجره لزوجته من أقسى وأشد البلاءات : التي تمر على الزوجة ولذلك من شدتها ، جعلها الله أحد أسباب تأديب المرأة الناشز التي وردت في القرآن الكريم . وهجر الزوج وبالذات إذا طال قد يصل بالمرأة إلى حالة نفسية متردية تضطرها إلى العلاج والمستشفيات ... فلله درك .. من يطيق ما تطيقين يا أم عبدالرحمن .




2. المرأة كالوردة : إذا لم يسقها الرجل حباً ودلالاً وتشجيعاً واهتماماً فإنها لا تحيا .. ولكن هذه الزوجة المفجوعة في حبيبها ورغم حالتها النفسية السيئة أحياها الإيمان وحب رضا الرحمن ، وشجعها فعملت دون أن ترى مقابلاً ودفعت السيئة بأحسن منها ، وصبرت حتى فازت وظفرت ، وهذا من أعظم أسرار هذه القصة .. وإلا فمن من تطيق أن تصبر على هجر زوجها وأذيته سنة كاملة وتقابل ذلك بالتلطف والتحبب والتزين والتجمل ، وكأنه أحب حبيب إلى القلب !! .




3. الدعاء والاستغفار : في هذه القصة من أقوى الأسباب في علاجها ، وابن القيم رحمه الله يؤكد ذلك بقوله :"الدعاء والاستغفار من أنفع الأدوية ، وهو عدو البلاء ويدفعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه إذا نزل ، وهو سلاح المؤمن كما روى الحاكم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السموات والأرض )) .




وله مع البلاء ثلاث مقامات : أحدها : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه . والثاني : أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء فيصاب به العبد، ولكن قد يخففه وإن كان ضعيفاً. والثالث : أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه ، وقد روى الحاكم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يغني حذر من قدر ، والدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، وإن البلاء لينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة )) وقد روى الحاكم من حديث ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( قال : (( لا يرد القضاء إلا الدعاء .. ))

) "دش" في منزلي




قبل أن أحكي لكم تجربة أختنا أحب أن ألف انتباهكم إلى أمر مهم :



دخول الدش إلى المنزل ليس سهلاً حتى تتساهل المرأة في السماح لزوجها بإدخاله متى ما رغب في ذلك ، فإذا كان الرجل غير مفتون به ، لا يخرج لأجل مشاهدته كل يوم إلى المقاهي والاستراحات ، ولديك في البيت أبناء مراهقون ،



أو كنت من النوع الذي يفتتن به ولو دخل بيتك لانشغلت به عن بيتك وأطفالك وكان له خطورة على دينك وأخلاقك وقلبك ، فإنه في هذه الحالة عند توفر أحد هذه الأسباب فلابد أن تكوني صارمة وحازمة وتمنعي دخوله إلى بيتك منعاً باتاً .




وقد حدثتني إحدى الأخوات عن تجربتها في منع إدخال الدش للأسباب السابقة .فقالت : أخبرني زوجي بأنه سيحضر طبق الدش في المنزل فرفضت رفضاً شديداً ولما جاء الغد ، دخل به عليَّ في المنزل فلما رأيته بيده قمت من مكاني غاضبة ، وقلت : ( والله إن دخل بيتي خرجت أنا منه ) وظل طول ذلك اليوم موجوداً لم يخرجه ولم يركبه ، ثم جاء الغد حمله بين يديه وخرج به .




وستحدثنا الآن أم نايف عن تجربتها مع مصيبة "الدش" حين حلت في بيتها فقالت : "كان زوجي من الشباب الذين فتنوا بهذا الجهاز ، لدرجة أنه كان يخرج من عندي كل يوم أربعاء وخميس وجمعة من بعد صلاة العشاء وحتى الفجر ليسهر مع شلة من رفاقه في أحد المقاهي أو الاستراحات .. وكان بعضهم مدخنين ، عدا غيرهم من رواد هذا المقهى والذين لا تؤمن فتنتهم على دينه وخلقه وأفكاره .




لقد طلب مني السماح له بإدخاله في البيت أكثر من مرة ولكني كنت أرفض ... ثم في آخر مرة فكرت بإمعان ما إذا كانت مصلحة إدخاله تترجح على منعها أم لا :




فأولاً : وجدت أبنائي لا زالوا صغاراً جداً وأرجو خروجه قبل أن يكبروا ، وقد لاحظت أن زوجة أخيه ظلت ترفض دخوله منذ كان أبناؤها صغاراً فلما كبروا وأصبحوا في سن المراهقة الخطرة أدخله زوجها دون إذنها ورضاها وهي الآن تكتوي بناره ليل نهار .

هاجس الاحزان1
هاجس الاحزان1
ثانياً : أرجو في إدخاله درء مفسدة أعظم ، وهو السهر في المقاهي مع شلل لا يؤتمنون في دينهم وأخلاقهم وبين أفجر القنوات وأسوأها .



ثالثاً : أنا جربت نفسي مع الدش وأجدني لا أحبه ولا أضعف أمام إغراءاته أبداً في أي مكان أجده ، ولذلك حينما دخل بيتي ما كنت أفتحه في غياب زوجي أبداً ، ولا أتابعه حال حضوره ، بعكس بعض النساء اللاتي لو دخل في بيت إحداهن لفسدت هي قبل زوجها وأبنائها ، وبعد تفكير طويل أخبرت زوجي أني موافقة على إدخاله لبيتي ولكن بشروط :




1. أن يقتصر وجوده على غرفة نومنا فقط ، دون باقي غرف البيت .




2. أن يترك تماماً عادة الخروج إلى المقهى والسهر إلى الفجر في أيام الأربعاء والخميس والجمعة .




3. أن يخرجه من البيت إذا كبر أبنائي .




وافق زوجي على شروطي ونفذها وأصبح لا يسهر مع رفاقه كالسابق أبداً .




وحل الضيف البغيض في بيتي ، وعشت الأيام الأولى معه في حالة نفسية يرثى لها خشية من حلول العقوبة في بيتنا أو خوفاً من تأثيره على سلوك زوجي .




لم يكن إدخاله هو الحل لمشكلة زوجي وإنما الخطوة الأولى في طريق الحل .. إذا الحل الصحيح هو إخراجه تماماً .




كان لديَّ يقين بأن إخراجه من منزلي لن يكون سهلاً – إلا أن يشاء الله غير ذلك – ولذا عاهدت نفسي على الصبر الجميل ، وعدم اليأس ، وإتباع الخطوات الصحيحة لمواجهة هذه المشكلة .




بإدخال الدش عزلته عن رفاقه ورفقة السوء تفسد ولا تصلح ، وهذه خطوة جيدة حتى لا يكون تأثيرهم أقوى من تأثيري عليه ولا يهدموا ما أحاول أن أبنية دائماً .




بإدخال الدش عزلته عن كثير من قنوات الفجور التي تسمح بها المقاهي لأني لم أسمح بدخولها بيتي ، وقلصت عدد الأوقات التي يجلس فيها عند المشاهد المخلة للحياء لأنني لم أتركه وحده مع هذا الشيطان ليفترسه ، وإنما كنت أجلس معه إذا فتحه وكلما جاء مشهد تخجل منه جدران غرفتي غيرّ القناة احتراماً لرغبتي ، وإن كنت أراه يستمتع بها حين أكون خارج الغرفة .. لكن لا يهم نصلح القليل إن عجزنا عن الكثير .




إدخال الدش أعطاه إحساساً بأنه تملك ما كان ممنوعاً ، ولم يحرم مما يتمتع به الآخرون ، والمثل يقول : " كل ممنوع مرغوب" ، والإنسان إذا حاز على ما كان ممنوعاً منه خف شغفه به وتفكيره فيه ، وبالتالي يترك مساحة للعقل لكي يعمل فيبدأ يمحص ويقلب ويفكر بعقلانية ويميز بين الصواب والخطأ ، ويقارن بين الأولويات في الحياء .. وأيضاً تملكه يعطيه إحساساً بالتشبع منه ، فلا يبالي به إذا أراد أن يخرجه فيما بعد .




كانت هذه هي رؤيتي لهذه المشكلة ، ولا أدري أن كانت صحيحة أم لا ، لكنها أجدت مع زوجي نفعاً ، فلعل الله ينفع بها من كان على شاكلته .. والرجال بلا شك يختلفون .
هاجس الاحزان1
هاجس الاحزان1
أما خطواتي التياتبعتها حتى انجلت هذه الغمة فهي :


- الدعاء : وهو أهم وأقوى الأسبابالتي أعانتني في محنتي هذه فالإنسان بلا دعاء كاللوح بلا مسامير سرعان ما يهتزويسقط ، فهو المثبت لك مهما طال الطريق وهو سبب الفرج – بإذن الله – ولأن هذاالخبيث كان هماً جثم على قلبي ما استطاع لساني أن يفتر عن الدعاء والإلحاح أبداًوكيف ينسى مهموم همه ؟!! .


- أصحبت أُكثر من الصدقة : وتقديم النفعللمسلمين لأن الصدقة تدفع البلاء – بإذن الله – وهل من بلاء أعظم من أن يكون صندوقشياطين الإنس والجن في بيتي !! .


- حرصت حرصاً مضاعفاً على أن أكوندائماً في لباسي وشكلي وتسريحة شعري بل وحتى لونه ، وفي تنظيم غرفتي وسريري ، وأهيءأجواء الغرفة كل ليلة – استطعت – بما أجدده من أفكار لتكون محضناً لليلة رومانسيةتجذبه عن هذا الجهاز .


وكنت دائماً بجانبه في الغرفة ، أعطي التلفازظهري ، وأقبل عليه بوجهي وأحدثه بأحاديث أعلم أنه يحبها – وبالطبع ليس فيها أحضرطماطماً ، ولا حُلَّ مشكلة – حتى أجده ينجذب إليَّ كما ينجذب الفراش إلى العورد .


قد تعتقدين أن هذا السبب ليس له أهمية كبرى لكن من تجربتي أقول إنه منأقوى الأسباب لمواجهة هذا البلاء ، فهذا الجهاز ينافسك في حياتك ويسلب منك زوجكوقرة عينك فلابد أن تكوني في قوة المنافسة من حيث أسلوب في الحديث معه وذكائك فيجذبه إليك واهتمامك الشديد به وبأوقات تواجده ، فتفرغي نفسك من كل شاغل لتجلسي معهوتنافسي هذا الجهاز عليه ، واهتمامك الكبير بزينتك ولباسك والحرص على التجديد حتىلا يتفوق هذا الجهاز عليك فيأخذ زوجك منك ثم لا تجدينه في أي ساعة من ليل أو نهارويفسد دينه وخلقه ويميت قلبه ، وهذا يحصل كثيراً في البيوت . وسمعنا وقرأنا عنشكاوي النساء من أزواجهن حين أدمنوا الجلوس عند هذا الجهاز بل وكان سبباً في كثيرمن المشكلات بين الزوجين وربما وصل إلى حد الطلاق .


ولا أجدني أقولحينما أسمع مثل هذه المآسي إلا أن الزوج ما وجد امرأة بارعة تأخذه من بين هذا الطبقالمجرم بحسن خلقها معه ، وتحببها الدائم إليه وحرصها الشديد على إسعاده وإشاعةالبهجة في حياته بخفة دمها وسعة صدرها وطول بالها عليه ، وصبرها وحلمها وتهيؤهاالدائم له في نفسها وزينتها وبالذات في الليل .
هاجس الاحزان1
هاجس الاحزان1
من الخطوات المهمةأيضاً في علاج هذه المشكلة تقوية الوازع الديني في قلب الزوج لأن ضعف الوازع الدينيفي قلبه هو أكبر سبب لإصراره على اقتناء هذا الجهاز ، وتقوية الوازع الديني لديه لايكون بإعطائه دروساً ومحاضرات تنفر أكثر مما تنفع ، وإنما بإعطائه شيئاً من الجرعات، بطريق غير مباشر ، كنت حريصة جداً على إحضار كل ما يخص هذا الموضوع من فتاوىونشرات وكتيبات ، فأضعها قريبة من متناول يده إما قريبة من مكان جلوسه أو قرب سريرهولا أطلب منه إطلاقاً قراءتها ، وقد تجلس أياماً دون أن يقرأها ، وربما قرأها فوررؤيته لها وربما لا يقرؤها أبداً .


ومع ذلك أجعل مهمتي مقتصرة علىجعلها قريبة منه فقط ، وأحياناً كثيرة قد آخذها وأقرؤها وكأنني لم أقرأها من قبل ،ثم أعلق على بعض ما اقرأه سواء قصة أو فتوى ، دون أن أوجه أي تهمة إليه أو أشعرهبأني أقصده هو ، وكأنني أوجه الحديث إلى أبنائي وأيضاً الأشرطة أحاول أن أسمعهإياها في السيارة وكأنني أرغب في سماعها وأذكره بالأجر الذي نأخذه حين يكون وقتنافي سماع محاضرة أو كلمة تذكرنا بالله .


- وينبغي العناية باختيارالشريط المؤثر الذي يحبب الزوج في متابعة الاستماع وبرغبة في سماع أشرطة جديدة غيره . ومن تجربتي أطمئن أخواتي إلى أن الزوج بمجرد أن يسمع شريطاً أو شريطين حتى يحبهاولا يمانع من سماع أي شريط آخر تحضرينه ، المهم هو أن ترغميه على سماعها ... فإذالم يوافق المرة الأولى فاتركيه دون ممانعة وتحيني الفرصة في وقت لاحق .


لكن أهم شيء على أن تنتبه إليه هو أسلوبها في النصح فلا تلجأ إلى أيأسلوب يشعره بأنها أفضل منه أو أنه سيء ومقصر ، بل تتحدث معه بكل رقة ولطف وأدبوتحاول أن تجعل حديثها معه من باب الاستشارة وأخذ رأيه ، وكذلك ضرب الأمثلة وتركهيتفاعل في الحديث ويستنتج بنفسه دون إملاءات وذلك حتى يشعر بالثقة في نفسه وبالتاليحين يترك أي شيء يتركه عن قناعة وعزة نفس ، لأنه لو شعر بأنه سيترك شيئاً خوفاً منأو بتأثيرها فلن يتركه لأن الرجل لا يحب بفطرته إملاءات عليه ولا تفوقها عليه ولوفي الدين.


فمثلاً بدلاً من أن تقولي : متى تُخرج هذا الجهاز الذي أخذقلبك ودينك ، قولي : "أنا متأكدة بأن مكثه عندنا لن يطول لأن الإيمان في قلبك عظيموسينتصر إيمانك على الشيطان " . هذه خطوات لكنها ثقيلة ومضنية مع ثقلها كان الطريقطويلاً إلا أني وصلت إلى آخره بعد أربع سنوات مؤرقات حين دخل عليَّ في إحدى اللياليوبشرني بأنه قرر إخراجه من المنزل .
"هذه التجربة الحكيمة لا تحتاج إلى أي تعليق"