امتحــــــــــــــــــــان الإنشاء

الأدب النبطي والفصيح



كتب ملقية في فناء المدرسة ، وأخرى متراكمة هناك .. وجوم مسيطر على المكان .. أوراق مبعثرة على الأرض تشكو غدر الزمان .. تجمعات كثيفة لطالبات الثانوية العامة قرب البوابة الرئيسية للمدرسة ..
أصوات تمتمات تدوي في المكان .. فهنا طالبة تلهج بالدعاء وأخرى تبكي لأنها قد أضاعت رقم الجلوس وثالثة تبحث عن كلمة ما أضاعتها في المعجم ولا أظنها قد وجدتها حتى الآن .. والامتحان ببساطة ... مادة الإنشاء ..
تبسمت بسخرية حين رأيت هذا الجو الضبابي يلف المكان وازدادت سخريتي عندما دخلت القاعة .. و يالهول مارأيت ..
أطراف مرتعشة .. ووجوه بلون أوراق الخريف الصفراء .. أما الأقلام فقد بدت لي و كأنها قد فقدت ذاكرتها من كثرة الإرتجاج الناتج عن التوتر في أيدي الطالبات ..
قلت في نفسي .. لم كل هذا التوتر وهذا الجو المشحون ؟؟ فالإمتحان هو لمادة التعبير وهل هناك مادة أسهل منها ؟؟ يال جنون هؤلاء الطالبات ..
لم يتركن مرجعآ لكتب الإنشاء إلا و فتحوه ولا موضوعآ إلا و حفظوه .. كيف لهن نسخ المواضيع داخل عقولهن وبرمجتها على حسب السؤال ثم سطرها على الورقة كآلة طباعة أوتوماتيكية !!
لم أستيقظ من أفكاري إلا و أنا أشعر بوخز خفيف على ظهري .. التفت للوراء فإذا هي زميلتي تهمس لي : غششيني ... أرجوك !!
ابتسمت ثانية و أدرت ظهري وقلت .. ( حتى الأفكار من الممكن أن تغش ) !!! زمن عجيب فعلآ ..
وزعت الأوراق و كم كنت متلهفة لكي أقتحم فراغ ورقتي بتوهج أفكاري ..
كان السؤال إختباري بين موضوعين .. الأول ................
لا كل شيء إلا هذا ... ( الشجرة ) لم أتوقع مواضيعآ كهذه ..
بحثت في مخزوني عن شجرة صغيرة فلم أجد وكأن إعصارآ هب على عقلي فاقتلع منه كل الأشجار و النباتات الكبيرة منها و الصغيرة وحتى نباتات الزينة ....
انتقلت فورآ لملاذي الوحيد .. رائع عن المعلم .. منذ طفولتي و أنا أكتب عنه ..
فباشرت بالكتابة وبذلت في ذلك كل مخزوني الفكري حتى أنهكت قلمي واستهلكت معظم وقتي .. وضعت نقطة في نهاية الموضوع و رغبت في استهلاك الوقت المتبقي .. فخطرت على بالي و صايا والدتي في الصباح فرغبت أن أكون بارة بها و أن أسمع وصاياها ..
كانت الوصية الأولى . تلاوة شيء من القرآن ..وقد فعلت
أما الثانية فقد كانت قراءة السؤال مرتين .. وما إن وقعت عيني للمرة الثانية على الورقة حتى بدأ العرق يتصبب من جبيني والرعشة تسيطر على جسدي وكأن الحمى قد أصابتني ..
كيف لم أنتبه ؟؟
الموضوع هو رسالة .. رسالة للمعلم وليس موضوعآ عنه ..
ماذا سوف أفعل ؟؟ هل أطلب ورقة جديدة ؟؟ هل أنسحب ؟؟
الوقت يتداركني .. سوف أحاول أن أعدل بعض العبارات على هيئة رسالة تبدأ بالبسملة و التحية و الأشواق ............
آه و أية أشواق ‍‍!! لمعلمة اللغة العربية التي لم أجد في حياتي معلمة مهملة بقدرها .. من أين سوف آتي بالعواطف و الأشواق و أي إلهام سوف يأتيني منها .. لا .. و ألف لا .. لن أكتب لها .. سوف أتخيل صديقتي الحبيبة أمامي و أكتب لها ...
وتدفقت الكلمات الدافئة على أسطر و فراغات متبقية في الورقة حتى انتهت الرسالة مع انتهاء الوقت .
سلمت الورقة و معها سلمت أمري لله .. لم أنتظر علامات جيدة من موضوع مرقع كثوب قديم ..ولكن علي أن أنتظر النتيجة بفارغ الصبر ..
لم يمض وقت طويل على الامتحان حتى تسلمت النتيجة .....
كانت العلامات رائعة في كل المواد كما حسبتها و توقعتها بالضبط .. إلا مادة الإنشاء ..فقد غيرت علامتي كل توقعاتي و مفاهيمي في الحياة .. لايمكن .. - علامة كاملة - وفي هذه المادة بالذات .. مستحيل .. ولكنه تحقق ..
لابد و أن المصحح قد سمع أنين قلمي .. وبوح أشواقي
لابد و أنه قد قرأ ارتعاشة يدي وبكاء القلم على الورقة ..
لابد و أنها قد خرقت طبلة أذنه نبضات قلبي المضطربة ..
لذلك لم تطاوعه يده على أن يكتي لي علامة أقل من الكاملة .. على ألا أسخر من أحد ثانية ..
وفي تلك اللحظة .. ارتسمت على وجهي علامات الإنتصار و السعادة الحقيقية .. فقد نجحت .. نعم لقد نجحت في استنباط الأمل من عمق اليأس وسطرته كلمات على ورقة جافة ..
وها أنا ذا أحصد نتيجة وصايا والدتي .. أحصد نتيجة حبي لصديقاتي .. أحصد التفوق و أوزع الأمل .. في مرحلة الخوف و الإحباط ..!!



تمت

اعذروني إن كان هنالك أخطاء
فقد كتبتها و أنا مستجلة

لكم مني كل المحبة و التقدير
19
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

صباح الضامن
صباح الضامن
رائع يا نور الشمس



أصفق الآن ولي عودة لأشدو معك في كلمات أنت صنعتها هنا

انتظريني
القلم النابض
القلم النابض
أختي الغالية نور الشمس
اسمحي لي أن أمد كلتا يدي لأصافح الإبداع وأي إبداع .
كل مواضيعك يا نور أروع من بعض , لك مني كل التحية والتقدير
ولكن أسألك :
هل القصة حقيقية ؟؟ وهل أنت تلك الطالبة ؟؟
وتسلمي أختي .
أنهار الجنة
أنهار الجنة
ما شاء الله ..!

قصتك في غاية الروعة أختي نور الشمس!!!

بارك الله بك وزادك علما ونفعا
نــــور
نــــور
صباح الضامن

أشكر لك تصفيقك و أنتظر عودتك بفارغ الصبر

القلم النابض

يسعدني بل يشرفني مصافحة كلتا يديك و سعيدة برأيك في موضوعاتي

أما القصة فهي حقيقية والطالبة هي أنا ..

أنهار الجنة

يسعدني أن القصة أعجبتك

أشكر لك مرورك

وجزاك الله كل خير
بحور 217
بحور 217
جميل جدا يا نور ..

كم تمدنا ذكريات الماضي بمداد فكري وروحي مستمر ..

القصة رغم بساطة فكرتها ذات أبعاد عميقة ..

وقد نجحت في تصوير مشاعر تلك الطالبة ( وجه يغمز ) والانتقال بحالتها النفسية من طور إلى طور .

كان بودي أن لاتستنتجي فوائد القصة في نهايتها وتتركيها للقاريء ليفهمها بنفسه ..