
المشتاقة الى الجنه
•
العفووووووو اخواتي وجزاكن الله خيرا على الدعااااااااااااء .


سمر مر
•
المشتاقة الى الجنه :
شفتي كيف يامر مر << اسم الدلع لك . القصه تقطع القلب وتؤلم النفس . ااااااااااه ياقماشه .شفتي كيف يامر مر << اسم الدلع لك . القصه تقطع القلب وتؤلم النفس . ااااااااااه ياقماشه...
ياحبيلك دلعي على كيفك ههههههه بس المشكلة انتي وشلون ادلعك ما تجي !!!
الرواية تقهر بقوه احس اعصابي متوتره مرررررررة:09:
ننتظرك لا تطولين ياعسل
الرواية تقهر بقوه احس اعصابي متوتره مرررررررة:09:
ننتظرك لا تطولين ياعسل


الجزء السادس والعشرون
يا أحبائي
لماذا ترحلون
بين أدغال الليالي القاتمة
أحرق الشوق فؤادي والظنون
أيقظت كل الجراح النائمة
" بشير عباد"
كفراشة... كحمام... كيمام
غادرت عش تلك العاتية... في هدوء في سلام في وئام
امتطت صمتي ذيول الفاجعة
انتهيت... تاه عقلي... هل ألام... ذوب روحي في سماء سابعة
" سعد"
ورقة صفراء ممتقعة تحاكي شحوبي المائل أمامي في المرآة... عينان سوداوان فارغتان، وجه جامد بملامح باردة كئيبة كوجوه الموتى... شفتان ذابلتان بلا روح أو حياة... الورقة مثبتة بإحكام في بطاقة دعوة... دعوة زواج سعد على ابنة عمه... هل تمزقت... تداعيت تبعثرت أجزائي في كل مكان؟ لكن مالي أنا وزواجه؟ فليتزوج أربعاً لو شاء، فقد تحدد مستقبلي وانتهيت ولن يجمعني وإياه طريق واحد إلى الأبد فلماذا تشتعل حرائقي ويمزقني الألم بنصله الحاد لأمضغ في فمي مرارات الدنيا بأسرها وأستعيد ذكريات ذهبت ولن تعود... ذكريات حبي وشجني وقطاري الذي يمضي مسرعاً ملتهماًً أحلامي وآمالي موارياً قلبي التراب... تقوض عالمي الداخلي كزجاج هش، ولم يبق سوى هيكل يتحرك بلا شعور أو تطلعات... سعد حبي الوحيد... حب الماضي والمستقبل، فرحتي اليتيمة وومضة الضوء الوحيدة في حياتي القاتمة... لماذا أصبح لي هاجساً ملحاً؟ لماذا عاد حبة بقوة كاسحة مدمرة وكأنني لم أحبه أبداً سوى الآن...
استسلمت للطوفان داخلي ليندفع محطما كل شراييني وتفيض عيناي بالدمع الغزير...
همست وضحي مشفقة:
- أتبكين يا أبله أحلام؟
وكأنها سكبت نقطاً على نيران جراحي فاندلعت ألسنة اللهب حارقة موجعة تئن هل من مزيد؟ احتضنتها ببؤس العالم كله وبيأسي وانهياري أزلزل دهوراً من الصمت على صدرها المشفق الحاني ونبضات قلبها تضخ الحياة في أوصالي المرتجفة...
قالت وكأنها تحكي لي قصة:
- لقد تعذب سعد... تعذب كثيراً وبقي طريح الفراش أسابيع طويلة لا يري خلالها سواك ولا يهذي سوى باسمك... اغتالته نوبات الحمي التي لا ترحم ولم يجد الطب له شفاء... حتى الشيوخ ومحترفو طب الأعشاب قرأنا في أعينهم ظلال النهاية ولم نملك له سوى الدعاء ثم دخل في نوبة نوم متواصل لمدة أسبوع كامل كان لا يفيق خلالها إلا لماما... وفي نهاية الأسبوع نهض فجأة من فراشه بين ذهولنا وفجيعتنا من أن تكون الصحوة الأخيرة قبل الموت...
بيد أن قلقنا تلاشى حينما رمقناه يصلي... يصلي صلاة طويلة، يبكي بحرقة وهو يدعو ثم يسجد مرة أخري... ومضى ليلة بطولها على هذه الحال... وفي الغداة استحال إلى كائن آخر ليس هو سعد المريض ولا الشاعر المرهف قبل أزمته بل رجل لا نعرفه... هادئ الطباع متزن تملؤه السكينة والثقة... عرف وقتها أن سعد أخي الذي كان قد انتهي، سحقته الأحزان، وقتله اليأس، وتوارى في رمال الاستحالة، وأن رجلاً جديداً بطباع جديدة قد سكن جلده وتقمص روحه وسرق دوره... سعد الجديد إنسان ساخر يحتقر الحياة بماديتها وجمودها ويشكك في كل القيم النبيلة على وجه الأرض... إنه لا يعرف سوى أن الدنيا قد سرقت منه روحه فليسرق هو من الدنيا روحها... أذهلني قبل أيام حينما عرض عليه والدي الزواج من ابنة عمي... وافق سعد بسرعة دون مماطلة أو نقاش كعادته دائماً... ومضى يستعد لشيء لا أدري كنهه لكنني أخافه. حينما ناقشته بضرورة إبلاغك بالأمر استلهمني قليلا ليعطيك هذه الورقة ملصقة ببطاقة الدعوة، فعرفت أنك مازلت تحتلين أعماقه وتتنفسين خلاياه...
همست لها وصدري يعلو ويهبط:
- أريد أن أراه...
انتزعت نفسها من بين أحضاني هاتفة بجزع:
- هل... أقصد... يمكن... أن يحدث... هذا؟
ابتلعت دموعي الكثيرة وأنا أقول بثقة:
- وضحى... يجب أن أرى " سعد" وبأسرع وقت ممكن...
اقتحمت بدرية جلستنا المنفردة وهتفت بصوت جزع:
- أحلام... لم تبكين؟
ثم قالت لوضحي مؤنبة:
- ألم أقل لك يا وضحى أنه من الأفضل ألا تلتقيها... لقد تحملت الصعاب من أجل لقائكما في بيتي، لكنني لم أتوقع أن يحدث هذا... هيا يا أحلام أزيلي آثار الدموع وأعيدي تجميل وجهك فزوجك ينتظرك في الخارج...
مضيت معه منقبضة النفس مكلومة الفؤاد بيد أن أحلاماً غافية نبضت في قلبي وأملا ساطعا كسهم مضيء ومض في طريقي المعتم بأنني سائرة إلى لقاء سعد شئت هذا أم أبيت فهو قدري الذي أتطلع إليه...
كان لقاؤنا قويا عاصفا محطما لكل السدود والعراقيل والحواجز... لقاء اختصر الزمان بلحظة واعتصر المكان بخطوة وألغى كل المسافات... التقت عينان ظامئتان، عينان محترقتان، عينان أضناهما البعد واللوعة والاشتياق... فتفجرت البراكين من حلولنا لتطلق حممها وشظاياها النارية تحت أقدامنا لنتوغل بخطوط زلزالية فنسقط في فوهة البركان... مرت شهور زواجي سريعة أمام ناظري لأنسي أنني زوجة موصومة بعار العبودية الأبدي، ونسي سعد أنه عريس في ليلة زفافه... جرفنا تيار الشوق حتى الثمالة لأفيق في اللحظة الأخيرة:
- كلا... إنني عذراء!!
التهمتني نظراته المتسائلة وملامحه التي استفاقت تواً على كابوس خيالي لا يصدق... طفقت أروي له كل شيء وكأنني أزيح أكواما من الجبال على عاتقي. قال بصدق وحبات من العرق تلتصق بجبينه:
- أحلام... أريد أن أتزوجك...
نظرت في عينيه وأنا ألهث:
- وزوجي... وعروستك التي تنتظرك...
اغرورقت عيناه بالدموع ليقول بثقة:
- لا مستقبل لك مع زوجك... يجب أن تنفصلي عنه بأسرع وقت ممكن أفهمت وبأية طريقة ممكنة، وأنا لن أتزوج... لن أعقد القران الليلة ولن أدخل على عروسي وليقولوا جن سعد أو فقد عقله فلا يهمني في الدنيا سواك...
رافقتني وضحى حتى باب قاعة الزفاف الرئيسية لأغادر المكان مع زوجي وكياني كله يرتجف... ترى ماذا سيحدث الليلة؟
لقد كان لقاؤنا من الصعوبة بمكان بحيث لم يكن هناك أكثر أماناً من قاعة الزفاف المحجوزة لسعد... وفي ليلة زفافه بالتحديد... قبل موعد الزفاف بساعتين على وجه الدقة... أقنعت زوجي بأنه زفاف صديقتي المقربة. رفض، وإمعانا في إذلالي أغلق باب حجرتي من الخارج لأبقي محبوسة فترات طويلة. انتظرت حتى عاد... ألقيت بنفسي تحت قدميه باكية وأنا أعده أنه هذه آخر مرة أطلب منه هذا الطلب، وأنني لن أخرج من البيت مطلقاً... حدجني بنظرة متفحصة ثم وافق على مضض بشروط غير مكتوبة ولا تقرأ سوى في الأعين الصدئة المغلفة بغبار الشيخوخة... أرهبني الفارق الشايع بين حنان سعد وعاطفته المتدفقة المشبوبة وبين الجيف المتعفنة التي تمزقني ليلا ونهارا بمخالبها النتنة وتلون أمسياتي بلون الحداد، أذهلني الفارق بين الحياة والموت، الحيوية المتقدة سحراً وجمالاً... والعجز المتفتق عن برودة وخواء، الاحتواء الرقيق المباغت وعنف الانكسار وفقدان الرجولة... تساءلت بكل مرارة الدنيا كيف أعود إلى الصقيع البائت بعد أن عرفت نفسي حرائق العشق ومتعه البوح... كيف أستسلم وأنسي كعادتي... كيف أنظر إلى السقف أرقب عش العنكبوت الذي اكتمل وأعدو خلف الثواني البطيئة لتسير بسرعة:
سألني بصوت أجش بارد:
- لماذا هاتفتني بسرعة لتعودي باكرة... الزفاف لم يبدأ بعد؟
قلت بمرارة:
- ربما لن يحدث زفاف أبداً... صديقتي قد تغير رأيها...
ضحك بصوت محشرج مختلط بالسعال ليبدو فمه الخالي من الأسنان ثم قال:
- ربما هي خائفة من ليلة الزفاف...
استمر يضحك وكأنه يسخر مني ومن جمودي وصمتي الغبي... نز جسدي عرقاً غزيراً حتى كدت أغرق... يا إلهي ألهذا الحد يستضعفني وينكر وجودي ويسخر من عجزه وصمتي، انعدام رجولته وفقدان أهليتي، ظلمه وذهولي، وغربان سوداء تنعق فوق عشنا المتهالك آذنة بالخراب... ويحي، خاضعة ذليلة، ويحي خائفة متهاوية لا أملك جرأة سجين ثار على سبحانه ، ولا أتمسك بذرة كرامة تعينني على الهروب... أبي هل هو كلمة السر أم كلمة الظلم والأنانية والجبروت والقسوة؟ ماذا يفيدني أبي عندما أموت مظلومة مسحوقة كنخلة سامقة يقطع عنها إمدادات المياه... لن يقلدني نيشان الشجاعة أو وسام البطولة المستحقة بل سيركلني بعيداً عنه في قبر بالكاد يحتويني ثم يعود إلى بيته متنهداً في راحة " لقد سترنا البنت" هكذا أنا في عقيدته شئت أم أبيت... ولادتي عار وزواجي خلاص وموتي سترة، أقفز على الحدود الموجعة وأستخلص حياة رفضتني في البدء وكرهتني في المنتهي... أعيش في مثلث خطر يهون أمامه مثلث برمودا الشهير وينحني له إجلالا وهيبة، ليس هناك حدود متعارف عليها للممنوع والمباح... كل شئ ممنوع ولا شئ مباح... أشعر بأيد خفية تتسلل إلى عنقي لتخنقني... أجاهد لأتنفس... أجاهد لأستجلب نسمة هواء لرئتي المنهكتين، وتبدت لي الحرية فجأة غامضة مغرية... لماذا لا أعود حرة أبية من جديد؟ لم لا أتخلص من هذا القيد الذي يخنقني ويسرق الهواء من محيطي؟ لم لا أهرب بعيداً حتى لو ذهبت إلي الجحيم... لماذا أسلم نفسي وشبابي وحياتي مطية لمن لا يرحم ولا يقدر ولا يفهم؟ وحتى متى... حتى أصحو ذات يوم وقد فقدت كل شئ وأعود بيدين خاويتين ونفس ممزقة وجسد متهاو ولن يرحمني أحد...
كلا... دبت بي قوة مفاجئة وعاصفة من الرفض لم أعرفها قبلا تدوي داخل أعماقي ورنين كلماته الأخيرة يبتر أي موجة استسلام تخضع لها نفسي من جديد. سأكون كما كنت دائماً حرة أبية ولن أستجدي تراثي من أحد فجداتي كن دوما نساء عظيمات لا يخضعن لأحد ولا يسمحن لكائن من كان أن يسيطر أمجاده المقدسة على حساب ضعفهن واحتياجهن... سواك يا أمي... واعذريني يا أماه، فضعفك كان يسري في شراييني ورئتي كما أورثته أخواتي من قبلي رجالاً أم فتيات، أورثتنا ربما رغما عنك... الذل والاستجداء ونكس بيتنا من زجاج يرانا الناس ونحن لا نراهم لذلك نعمل لهم حساباً في كل ما نقوم به ضاربين باحتياجاتنا عرض الحائط... لقد تركتنا يا أمي ضعافا كقش تذروه الرياح.... أدوات... لعب في يد أبي يحركها كيفما يشاء وأينما حطت مصالحه ونزواته. تركتنا نتخبط دون أن نعرف خيوط اللعبة... دون أن نعرف أن لنا حقوقا كما أن علينا واجبات وأن لنا لسانا يجب أن نستخدمه وأيديا لم تخلق عبثاً... وأقداماً لن تعرف سوى الهروب... سامحك الله يا أمي وغفر لك فما أورثتنا إياه لم يكن سوى إرثك الذي حصلت عليه من أجدادك وسنورثه نحن أيضا لأحفادنا إذا لم أقم بثورة ضد سجاني وجلادي...
احتوتنا حجرتنا الكئيبة وأجوائي تضطرم بنيران صاخبة تعكس لهيبها على وجهي الصامت... اقترب مني ملاطفا لم أر منه سوى حيوان متوحش بأنياب بارزة ومخالب حادة توشك تمزيقي... طفحت رائحته الكريهة لتزيد من لهيب النار التي تفوح داخلي وتوشك على الانفجار... انقلبت أمعائي وأنا أسعر بغثيان شديد... دفعته بيدي وأنا أهتف لا... برزت عيناه من محجريهما وكأنني قد كفرت بالله وأعلنت إلحادي.... صرخ قائلاً بصوت جريح:
- هل جننت يا امرأة؟
أعاد الكرة فدفعته بشدة أكبر وبحقد أعظم وبكراهية أشد... أشهر سلاح الضعيف سلاحه الذي لا يملك غيره... انهال علي بالصفعات والركلات والضرب المبرح... وغلياني يزداد والحرارة اللافحة في جوفي تطلق حممها حتى نسيت نفسي وخرج المارد الحبيس داخلي ليعلن عن انتهاء فترة صمته... دفعته بكلتا يديّ... ازداد جنونه وهو يرى تمردي وجسارتي، فأمعن في ضربي، ولم أشعر إلا ويداي تمتدان إلى عصاه الغليظة الملقاة على الأرض وأهوي بها بكل قواي على رأسه الفارغة فأحطهما بضربة واحدة... ليتهاوى إلى جواري فاقداً الوعي... وفاقداً الحياة كذلك...
وللقصة بقية:
يا أحبائي
لماذا ترحلون
بين أدغال الليالي القاتمة
أحرق الشوق فؤادي والظنون
أيقظت كل الجراح النائمة
" بشير عباد"
كفراشة... كحمام... كيمام
غادرت عش تلك العاتية... في هدوء في سلام في وئام
امتطت صمتي ذيول الفاجعة
انتهيت... تاه عقلي... هل ألام... ذوب روحي في سماء سابعة
" سعد"
ورقة صفراء ممتقعة تحاكي شحوبي المائل أمامي في المرآة... عينان سوداوان فارغتان، وجه جامد بملامح باردة كئيبة كوجوه الموتى... شفتان ذابلتان بلا روح أو حياة... الورقة مثبتة بإحكام في بطاقة دعوة... دعوة زواج سعد على ابنة عمه... هل تمزقت... تداعيت تبعثرت أجزائي في كل مكان؟ لكن مالي أنا وزواجه؟ فليتزوج أربعاً لو شاء، فقد تحدد مستقبلي وانتهيت ولن يجمعني وإياه طريق واحد إلى الأبد فلماذا تشتعل حرائقي ويمزقني الألم بنصله الحاد لأمضغ في فمي مرارات الدنيا بأسرها وأستعيد ذكريات ذهبت ولن تعود... ذكريات حبي وشجني وقطاري الذي يمضي مسرعاً ملتهماًً أحلامي وآمالي موارياً قلبي التراب... تقوض عالمي الداخلي كزجاج هش، ولم يبق سوى هيكل يتحرك بلا شعور أو تطلعات... سعد حبي الوحيد... حب الماضي والمستقبل، فرحتي اليتيمة وومضة الضوء الوحيدة في حياتي القاتمة... لماذا أصبح لي هاجساً ملحاً؟ لماذا عاد حبة بقوة كاسحة مدمرة وكأنني لم أحبه أبداً سوى الآن...
استسلمت للطوفان داخلي ليندفع محطما كل شراييني وتفيض عيناي بالدمع الغزير...
همست وضحي مشفقة:
- أتبكين يا أبله أحلام؟
وكأنها سكبت نقطاً على نيران جراحي فاندلعت ألسنة اللهب حارقة موجعة تئن هل من مزيد؟ احتضنتها ببؤس العالم كله وبيأسي وانهياري أزلزل دهوراً من الصمت على صدرها المشفق الحاني ونبضات قلبها تضخ الحياة في أوصالي المرتجفة...
قالت وكأنها تحكي لي قصة:
- لقد تعذب سعد... تعذب كثيراً وبقي طريح الفراش أسابيع طويلة لا يري خلالها سواك ولا يهذي سوى باسمك... اغتالته نوبات الحمي التي لا ترحم ولم يجد الطب له شفاء... حتى الشيوخ ومحترفو طب الأعشاب قرأنا في أعينهم ظلال النهاية ولم نملك له سوى الدعاء ثم دخل في نوبة نوم متواصل لمدة أسبوع كامل كان لا يفيق خلالها إلا لماما... وفي نهاية الأسبوع نهض فجأة من فراشه بين ذهولنا وفجيعتنا من أن تكون الصحوة الأخيرة قبل الموت...
بيد أن قلقنا تلاشى حينما رمقناه يصلي... يصلي صلاة طويلة، يبكي بحرقة وهو يدعو ثم يسجد مرة أخري... ومضى ليلة بطولها على هذه الحال... وفي الغداة استحال إلى كائن آخر ليس هو سعد المريض ولا الشاعر المرهف قبل أزمته بل رجل لا نعرفه... هادئ الطباع متزن تملؤه السكينة والثقة... عرف وقتها أن سعد أخي الذي كان قد انتهي، سحقته الأحزان، وقتله اليأس، وتوارى في رمال الاستحالة، وأن رجلاً جديداً بطباع جديدة قد سكن جلده وتقمص روحه وسرق دوره... سعد الجديد إنسان ساخر يحتقر الحياة بماديتها وجمودها ويشكك في كل القيم النبيلة على وجه الأرض... إنه لا يعرف سوى أن الدنيا قد سرقت منه روحه فليسرق هو من الدنيا روحها... أذهلني قبل أيام حينما عرض عليه والدي الزواج من ابنة عمي... وافق سعد بسرعة دون مماطلة أو نقاش كعادته دائماً... ومضى يستعد لشيء لا أدري كنهه لكنني أخافه. حينما ناقشته بضرورة إبلاغك بالأمر استلهمني قليلا ليعطيك هذه الورقة ملصقة ببطاقة الدعوة، فعرفت أنك مازلت تحتلين أعماقه وتتنفسين خلاياه...
همست لها وصدري يعلو ويهبط:
- أريد أن أراه...
انتزعت نفسها من بين أحضاني هاتفة بجزع:
- هل... أقصد... يمكن... أن يحدث... هذا؟
ابتلعت دموعي الكثيرة وأنا أقول بثقة:
- وضحى... يجب أن أرى " سعد" وبأسرع وقت ممكن...
اقتحمت بدرية جلستنا المنفردة وهتفت بصوت جزع:
- أحلام... لم تبكين؟
ثم قالت لوضحي مؤنبة:
- ألم أقل لك يا وضحى أنه من الأفضل ألا تلتقيها... لقد تحملت الصعاب من أجل لقائكما في بيتي، لكنني لم أتوقع أن يحدث هذا... هيا يا أحلام أزيلي آثار الدموع وأعيدي تجميل وجهك فزوجك ينتظرك في الخارج...
مضيت معه منقبضة النفس مكلومة الفؤاد بيد أن أحلاماً غافية نبضت في قلبي وأملا ساطعا كسهم مضيء ومض في طريقي المعتم بأنني سائرة إلى لقاء سعد شئت هذا أم أبيت فهو قدري الذي أتطلع إليه...
كان لقاؤنا قويا عاصفا محطما لكل السدود والعراقيل والحواجز... لقاء اختصر الزمان بلحظة واعتصر المكان بخطوة وألغى كل المسافات... التقت عينان ظامئتان، عينان محترقتان، عينان أضناهما البعد واللوعة والاشتياق... فتفجرت البراكين من حلولنا لتطلق حممها وشظاياها النارية تحت أقدامنا لنتوغل بخطوط زلزالية فنسقط في فوهة البركان... مرت شهور زواجي سريعة أمام ناظري لأنسي أنني زوجة موصومة بعار العبودية الأبدي، ونسي سعد أنه عريس في ليلة زفافه... جرفنا تيار الشوق حتى الثمالة لأفيق في اللحظة الأخيرة:
- كلا... إنني عذراء!!
التهمتني نظراته المتسائلة وملامحه التي استفاقت تواً على كابوس خيالي لا يصدق... طفقت أروي له كل شيء وكأنني أزيح أكواما من الجبال على عاتقي. قال بصدق وحبات من العرق تلتصق بجبينه:
- أحلام... أريد أن أتزوجك...
نظرت في عينيه وأنا ألهث:
- وزوجي... وعروستك التي تنتظرك...
اغرورقت عيناه بالدموع ليقول بثقة:
- لا مستقبل لك مع زوجك... يجب أن تنفصلي عنه بأسرع وقت ممكن أفهمت وبأية طريقة ممكنة، وأنا لن أتزوج... لن أعقد القران الليلة ولن أدخل على عروسي وليقولوا جن سعد أو فقد عقله فلا يهمني في الدنيا سواك...
رافقتني وضحى حتى باب قاعة الزفاف الرئيسية لأغادر المكان مع زوجي وكياني كله يرتجف... ترى ماذا سيحدث الليلة؟
لقد كان لقاؤنا من الصعوبة بمكان بحيث لم يكن هناك أكثر أماناً من قاعة الزفاف المحجوزة لسعد... وفي ليلة زفافه بالتحديد... قبل موعد الزفاف بساعتين على وجه الدقة... أقنعت زوجي بأنه زفاف صديقتي المقربة. رفض، وإمعانا في إذلالي أغلق باب حجرتي من الخارج لأبقي محبوسة فترات طويلة. انتظرت حتى عاد... ألقيت بنفسي تحت قدميه باكية وأنا أعده أنه هذه آخر مرة أطلب منه هذا الطلب، وأنني لن أخرج من البيت مطلقاً... حدجني بنظرة متفحصة ثم وافق على مضض بشروط غير مكتوبة ولا تقرأ سوى في الأعين الصدئة المغلفة بغبار الشيخوخة... أرهبني الفارق الشايع بين حنان سعد وعاطفته المتدفقة المشبوبة وبين الجيف المتعفنة التي تمزقني ليلا ونهارا بمخالبها النتنة وتلون أمسياتي بلون الحداد، أذهلني الفارق بين الحياة والموت، الحيوية المتقدة سحراً وجمالاً... والعجز المتفتق عن برودة وخواء، الاحتواء الرقيق المباغت وعنف الانكسار وفقدان الرجولة... تساءلت بكل مرارة الدنيا كيف أعود إلى الصقيع البائت بعد أن عرفت نفسي حرائق العشق ومتعه البوح... كيف أستسلم وأنسي كعادتي... كيف أنظر إلى السقف أرقب عش العنكبوت الذي اكتمل وأعدو خلف الثواني البطيئة لتسير بسرعة:
سألني بصوت أجش بارد:
- لماذا هاتفتني بسرعة لتعودي باكرة... الزفاف لم يبدأ بعد؟
قلت بمرارة:
- ربما لن يحدث زفاف أبداً... صديقتي قد تغير رأيها...
ضحك بصوت محشرج مختلط بالسعال ليبدو فمه الخالي من الأسنان ثم قال:
- ربما هي خائفة من ليلة الزفاف...
استمر يضحك وكأنه يسخر مني ومن جمودي وصمتي الغبي... نز جسدي عرقاً غزيراً حتى كدت أغرق... يا إلهي ألهذا الحد يستضعفني وينكر وجودي ويسخر من عجزه وصمتي، انعدام رجولته وفقدان أهليتي، ظلمه وذهولي، وغربان سوداء تنعق فوق عشنا المتهالك آذنة بالخراب... ويحي، خاضعة ذليلة، ويحي خائفة متهاوية لا أملك جرأة سجين ثار على سبحانه ، ولا أتمسك بذرة كرامة تعينني على الهروب... أبي هل هو كلمة السر أم كلمة الظلم والأنانية والجبروت والقسوة؟ ماذا يفيدني أبي عندما أموت مظلومة مسحوقة كنخلة سامقة يقطع عنها إمدادات المياه... لن يقلدني نيشان الشجاعة أو وسام البطولة المستحقة بل سيركلني بعيداً عنه في قبر بالكاد يحتويني ثم يعود إلى بيته متنهداً في راحة " لقد سترنا البنت" هكذا أنا في عقيدته شئت أم أبيت... ولادتي عار وزواجي خلاص وموتي سترة، أقفز على الحدود الموجعة وأستخلص حياة رفضتني في البدء وكرهتني في المنتهي... أعيش في مثلث خطر يهون أمامه مثلث برمودا الشهير وينحني له إجلالا وهيبة، ليس هناك حدود متعارف عليها للممنوع والمباح... كل شئ ممنوع ولا شئ مباح... أشعر بأيد خفية تتسلل إلى عنقي لتخنقني... أجاهد لأتنفس... أجاهد لأستجلب نسمة هواء لرئتي المنهكتين، وتبدت لي الحرية فجأة غامضة مغرية... لماذا لا أعود حرة أبية من جديد؟ لم لا أتخلص من هذا القيد الذي يخنقني ويسرق الهواء من محيطي؟ لم لا أهرب بعيداً حتى لو ذهبت إلي الجحيم... لماذا أسلم نفسي وشبابي وحياتي مطية لمن لا يرحم ولا يقدر ولا يفهم؟ وحتى متى... حتى أصحو ذات يوم وقد فقدت كل شئ وأعود بيدين خاويتين ونفس ممزقة وجسد متهاو ولن يرحمني أحد...
كلا... دبت بي قوة مفاجئة وعاصفة من الرفض لم أعرفها قبلا تدوي داخل أعماقي ورنين كلماته الأخيرة يبتر أي موجة استسلام تخضع لها نفسي من جديد. سأكون كما كنت دائماً حرة أبية ولن أستجدي تراثي من أحد فجداتي كن دوما نساء عظيمات لا يخضعن لأحد ولا يسمحن لكائن من كان أن يسيطر أمجاده المقدسة على حساب ضعفهن واحتياجهن... سواك يا أمي... واعذريني يا أماه، فضعفك كان يسري في شراييني ورئتي كما أورثته أخواتي من قبلي رجالاً أم فتيات، أورثتنا ربما رغما عنك... الذل والاستجداء ونكس بيتنا من زجاج يرانا الناس ونحن لا نراهم لذلك نعمل لهم حساباً في كل ما نقوم به ضاربين باحتياجاتنا عرض الحائط... لقد تركتنا يا أمي ضعافا كقش تذروه الرياح.... أدوات... لعب في يد أبي يحركها كيفما يشاء وأينما حطت مصالحه ونزواته. تركتنا نتخبط دون أن نعرف خيوط اللعبة... دون أن نعرف أن لنا حقوقا كما أن علينا واجبات وأن لنا لسانا يجب أن نستخدمه وأيديا لم تخلق عبثاً... وأقداماً لن تعرف سوى الهروب... سامحك الله يا أمي وغفر لك فما أورثتنا إياه لم يكن سوى إرثك الذي حصلت عليه من أجدادك وسنورثه نحن أيضا لأحفادنا إذا لم أقم بثورة ضد سجاني وجلادي...
احتوتنا حجرتنا الكئيبة وأجوائي تضطرم بنيران صاخبة تعكس لهيبها على وجهي الصامت... اقترب مني ملاطفا لم أر منه سوى حيوان متوحش بأنياب بارزة ومخالب حادة توشك تمزيقي... طفحت رائحته الكريهة لتزيد من لهيب النار التي تفوح داخلي وتوشك على الانفجار... انقلبت أمعائي وأنا أسعر بغثيان شديد... دفعته بيدي وأنا أهتف لا... برزت عيناه من محجريهما وكأنني قد كفرت بالله وأعلنت إلحادي.... صرخ قائلاً بصوت جريح:
- هل جننت يا امرأة؟
أعاد الكرة فدفعته بشدة أكبر وبحقد أعظم وبكراهية أشد... أشهر سلاح الضعيف سلاحه الذي لا يملك غيره... انهال علي بالصفعات والركلات والضرب المبرح... وغلياني يزداد والحرارة اللافحة في جوفي تطلق حممها حتى نسيت نفسي وخرج المارد الحبيس داخلي ليعلن عن انتهاء فترة صمته... دفعته بكلتا يديّ... ازداد جنونه وهو يرى تمردي وجسارتي، فأمعن في ضربي، ولم أشعر إلا ويداي تمتدان إلى عصاه الغليظة الملقاة على الأرض وأهوي بها بكل قواي على رأسه الفارغة فأحطهما بضربة واحدة... ليتهاوى إلى جواري فاقداً الوعي... وفاقداً الحياة كذلك...
وللقصة بقية:
الصفحة الأخيرة