A a R a M
A a R a M
أكملي فنحن متابعينك الله يجزاك خير
أكملي فنحن متابعينك الله يجزاك خير
فوشياا
فوشياا
يعطيكي العافية
MAY.MAY
MAY.MAY
المشتاقة للجنة الله يجزاك خير ...
بس تكفين لا تتأخرين علينا وطولي الأجزاء ...........ننتظرك على أحر من الجمررررررر...
والله يعطيك العافية...
المشتاقة الى الجنه
الجزء الخامس - هل هذا منزل عبد الرحمن محمد صالح؟ - نعم إنه هو... - هل السيد عبد الرحمن "أبو صالح" موجود؟ - كلا هو في الخارج الآن... هل هناك ما نقوله إذا عاد؟ - نعم ... أنا سالم عبد الله... من قسم شؤون المرضى في مستشفى الصحة النفسية ... أبلغيه يا سيدتي... صمت الصوت لبرهة جمدت فيها الدماء في عروقي... تابع بأسي: - إن ابنته المقيمة لدينا في المستشفى قد انتحرت... ابتلعت ريقي بصعوبة وأنا أجيبه... - وهل ماتت...؟ - يؤسفني إبلاغكم بذلك... إنها موجودة في ثلاجة المستشفى... نرجو سرعة استلام جثمانها... شهقت بجزع وأنا أسأله: - كيف انتحرت ... لماذا؟ أرجوك أجبني بصراحة أنا شقيقتها. - سيدتي نحن لا نعطي معلومات لأحد... إذا حضر والدها إلى المستشفى سيعلم كل شئ... مع السلامة... خفقان عنيف يتسلل إلي قلبي حتى خلت أنه سينفجر داخل ضلوعي... النبضات تتسارع في جسدي كله... يداي... قدماي... أسفل عنقي ورأسي... كأنني قنبلة موقوتة على أهبة الانفجار ... سال العرق البارد على جسدي المرتجف بغزارة ثم بدأت معالم البيت تدور أمامي حتى سمعت صرخة الخادمة: - أحلام... قبل أن أغيب عن الوعي... صحوت في المستشفي ومن حولي شقيقتي بدرية وزوجة أبي وإحدى الممرضات... تناولت بدرية بدرية وهي تهمس: - حمداً لله على سلامتك يا أحلام... هتفت برهبة: - هل ماتت ندى؟ نكست بدرية رأسها وتطوعت زوجة أبي بالإجابة: - نعم يا أحلام... لقد ماتت ندى يرحمه الله... ولا ندري كيف؟ يرجع الأطباء أنها ربما تناولت جرعة دواء زائدة بقصد الانتحار أو إحدى المريضات قد دست لها هذه الجرعة بقصد أو بدون قصد... سألتها... - وهل انتهى الموضوع عند هذا الحد؟ - في هذه الأمور من يحاسب من ؟ أبوك لا يريد الفضائح... فرفض تشريح الجثة أو فتح في الموضوع. - لكن من قتل ندى؟ - ادعي لها بالرحمة والمغفرة... وإذا أردت الحقيقة فإن موتها خير لها من حياة كهذه بلا هدف... امتلأت عيناي بالدموع وأنا أردد داخل نفسي" موتها خير لمن... لك أنت ولأبي... أنتما المستفيدان الوحيدان من موتها... لقد قتلها أبي ألف مرة قبل أن تغتالها جدران المستشفي المخيفة... قتلها أبي قبل أن تموت تلك الميتة البشعة و كأنها قطة مشردة بلا عائل، ربما انتحرت وربما قتلها أحد... كلا... كلا أيها العالم إن أبي هو القاتل الحقيقي وقد قتل أمي قبل أن يقتلها ويشرد أهلها ويضع لنهايتها ألف علامة استفهام..." اهتز جسدي وأنا أنتحب وأبكي بعنف وبدرية شقيقتي تضمني وهي تبكي، وزوجة أبي ترمقنا صامتة حتى دخل أبي الحجرة... لدخوله صمت ورائحة... صمت حبس الدموع داخلي ورائحة أرهبتني، قال بجفاء: - هيا يا أحلام ... كفاك دلالاً وتمارضاً... ثم مخاطباً الجميع: - هيا اخرجن جميعاً... أطفالكن بالانتظار..هيا ... خرجت متحاملة على نفسي وجرح كبير يتوطن أعماقي ليسيل حقداً وكرهاً وصديداً من الأحزان... وندى لحقت بأمي وانتهت كلمة " لا حول ولا قوة إلا بالله" وخمد صوتها إلى الأبد... هل أنت مستريح الضمير يا أبي... هل تنام بعمق دون أن يؤرقك خيالها الحبيب وهي تصرخ وتتوسل إليك أن تبقيها في البيت مع أخوتها ولا تذهب بها إلى المستشفى؟ هل تنام دون أن يقض مضجعك عذاب الضمير ونداء الأبوة الساكن في قلب ك لأب طبيعي يحس ويشعر..؟ تغيبت عن مدرستي عدة أيام فوجئت خلالها بزيارة زميلاتي المعلمات وبرفقتهن وضحى ووالدتها... لم يفاجئني سؤال زميلاتي قدر ذهولي مما وصلت إليه العلاقة بيني وبين وضحى تلميذتي الرقيقة وبيتهم الذي لا يبرح ذاكرتي... قدمت لي والدة وضحة هدية من السمن البلدي المعروف بجودته، وصفيحة معدنية مملوءة عن آخرها بالتمر اللذيذ. شكرتهم وأنا أتصنع الهدوء لكنني انهرت في لحظات وبكيت... بمجامع نفسي وانكسار قلبي... هالني الحنان الذي رأيته في عيون من لا يعرفني... الحنان الذي افتقدته في حياتي منذ ولدت... الحنان الذي بعثرني... شتتني ثم أسال دموعي... أصعب شئ في حياتي الحياة أن تجد ما تبحث عنه بعد أن يئست تماماً من وجوده وانتفت حاجتك إليه، كالفقير الذي يحصل على ثروة بعد أن أصيب بمرض قاتل لا شفاء منه... ضمتني أم وضحى إلى صدرها وهي لا تنفك تواسيني بكلماتها التي تنزل كالبلسم على جراحي. ولكن ندى من منكم يعرفها... أنها لا تشبه أي أحد آخر... إنها بالضبط كقطرات الندى رقيقة لطيفة وعمرها قصير... ودعوني بعد أن أعطتني وضحى كتاباً عن الصبر والإيمان بالله... كتيب صغير لا يزيد عدد صفحاته على العشرين صفحة. شكرتها ودموعي لا تزال عالقة بأهدابي... ابتسمت هامسة: - هل تعرفين من هو مؤلفة؟ قلبته في يدي وأنا أهمس بدوري... - كلا... من ؟ ضحكت بفخر وهي تقول: - إنه أخي سعد... هتفت غير مصدقة... - معقول... أخوك سعد يؤلف كتباً... تابعت ضحكتها قائلة: - نعم ولديه أكثر من خمسة مؤلفات. سألتها وأنا أشير للكتيب: - مثل هذا؟ أجابت: - نعم صغير لكنها مفيدة... ثلاثة مؤلفات في الشعر واثنان في الشؤون العامة كهذا الكتاب وكتاب آخر يتحدث عن التفاؤل والتشاؤم. سألتها بفضول: - أي مادة هو يدرسها للطلاب؟ أجابت: - يدرس مادة الرياضيات... ثم تابعت مبتسمة: - لقد درس في الجامعة في الرياض وسكن في سكنها بعيداً عنا حتى أتم دراسته ثم طلب التعيين في قريتنا ليكون قريباً منا أنا وأمي، فليس لنا أحد غيره... وسأهديك كل كتبه حينما تعودين إن شاء الله إلى المدرسة، فهمي كتب ممتعة خاصة شعره، فهو شاعر رائع يكتب الشعر كأنه يعزف... أعجبني منظر الفتاة وهي تتحدث عن أخيها بانبهار شديد. كانت عيناها تبرقان بأضواء خاطفة ووجهها يتورد وعنقها يرتفع ورأسها يطول ليعلوه الفخر والكبرياء... إنها تحب أخاها وتبجله لدرجة الجنون... تساءلت في سري... ترى هل هو يستحق كل هذا؟ استلقيت على فراشي ضائعة بعد أن ذهب الجميع ومضت لحظات أحاول فيها جمع شتات نفسي فلا أستطيع ... أشعر بأنني أشلاء ممزقة في كل ركن تقبع قطعة مني وجزء من أحاسيسي ومشاعري... رباه... ألهذا الحد تأثرت بانتحار شقيقتي... إن موت أمي لم يشكل لي صدمة كهذه ولا دموعاً حارقة كدموعي عليها... هل كانت أغلى من أمي على نفسي أم أ، حياتها القصيرة والظلم الذي حاق بها زاد من إشفاقي وهلعي عليها؟ هطلت دموعي بغزارة لتبلل وسادتي ... رفعت يدي لأمسح الدموع، ففوجئت بالكتيب الصغير... قرأت عنوانه بشرود " الصبر والإيمان بالله" فتحت أول صفحة بتردد... ذهلت... كان هناك إهداء بخط اليد ، عبارة صغيرة لكنها معبرة... " حين تغيب الشمس وتتكثف الغيوم ويحل الظلام فانظري إلى فوق... إلى السماء... دعاء وابتهال... تسقط نقطة ثم ينهمر المطر بغزارة لتتبدد الغيوم وتشرق الشمس... هكذا هي الحياة ... مصابك تتضاءل أمامه أية كلمة عزاء، لكني آمل أن يخفف هذا الكتاب من بعض أحزانك..." تحياتي .. سعد انهمرت دموعي مجدداً حارقة ... مرة ... معجونة بالعذاب والألم، فهذا غريب يحس بآلامي... بغربتي الداخلية... بشجوني الطاغية فيعزيني ويواسيني... هو يعلم تماماً أن الفقد هو أعظم مصيبة تستحق التكاتف والتعاضد وإلغاء المسافات. فالحزن حق مشاع للكل.. فيه يجتمع الناس من كل بقاع الأرض أقارب وأباعد أحباء وغراء لا فرق، فالكل في المأساة سواء... نحن لا نسأل المعزين لماذا يعزوننا وهم أغراب عنا لكن السؤال المهين نوجهه لأقرب الأقارب... لماذا يا أبي؟ أيضيرك كلمة مواساة أو ضمة حنان...؟ هل تنقص من قدرك دمعة مشتركة أو لمسة عزاء؟ هل ما زلت متحجر القلب فاقد الأحاسيس...؟ فقدنا أسرتنا الواحد تلو الآخر دون أن تدمع عيناك أو يرف لك جفن أو تتغير حياتك و لو قيد أنملة ، بل على العكس ماتت أمي فودعتها غير آسف لتحل محلها زوجتك الجديدة... منعت شقيقتي بدرية من الزواج مرة أخرى وحبستها في بيتها مع أطفالها وأنت تفتتح شركتك غير آبه بالحطام الآدمي الذي يتكسر تحت قدميك ... أودعت ندى مصحة الأمراض العقلية وأنت تستقبل مولودتك الجديدة وكأن هذه بتلك... ويتفرق أهل البيت وأنت سادر في غيك، مستمتعاً بحياتك التي لم ينقصها شئ... والآن ندى تموت... بل تنتحر... هكذا بكل بساطة دون أن تتعذب بموتها أو تذرف دمعة شفقة أو رثاء، بل طويت هذه الصفحة السوداء من حياتك وكأنها لم تكن. واستعجلتني أن أشفى من حزني... أنت مخطئ يا أبي، فالحزن هو المرض الوحيد الذي لا شفاء منه بل أنه يتغلغل في الذاكرة ويتعمق في الوجدان ليتحول إلى بؤرة صديدية تسيل أحزاناً ومرارة وكلما عبرت الذكرى أو لاح وجه المحبوب ولو من وراء الغيوم. وجدت نفسي لا شعورياً أتعاطف مع هذا الشاب سعد... لقد أحس بي كما لم يحس بي أقرب الناس واستشعر حيرتي وعذابي فكتب كلماته تلك مواسياً ومعزياً. إنه شاعر ولا ريب... فلا يكتب كلمات كهذه سوى شاعر من طراز رفيع وإنسان قبل أن يكون شاعراً... قلبت صفحات الكتيب وأنا أقرأه بلهفة ... تدريجياً تخففت من أحزاني ووجدت سلواي... أحسست بأن كلماته الرقيقة موجهة لي فقط، تحثني على الصبر والنسيان. وقصص عديدة لأناس واجهوا مرارة الفقد بشجاعة خارقة... احتفظوا بصور أحبائهم داخلهم كطاقة تدفعهم على الاستمرار والعطاء، وعاشورا حياتهم وكما أراد الله من حياة... غفوت تلك الليلة والكتاب بين ذراعي وكلماته تفترش أرض أحلامي... وللقصة بقية....................
الجزء الخامس - هل هذا منزل عبد الرحمن محمد صالح؟ - نعم إنه هو... - هل السيد عبد الرحمن...
الجزء السادس


خطبت بدرية شقيقتي الأرملة أم الأطفال الخمسة... لم يكن في هذا الأمر ما يدهش أو يريب. فبدرية جميلة متألقة لا تبدو عليها سنها التي تربو على تسع وثلاثين سنة بل تبدو أقل من ذلك بكثير رغم جراحها وعذاباتها المتوالية ومشاكل أولادها التي لا تنتهي ... ليست المرة الأولى التي تخطب فيها شقيقتي بل كثير من المعارف تقدموا لخطبتها، فهي بالإضافة لجمالها وأدبها خلوقة وخجولة ترضى بالقليل وتقنع بأي شئ... لكن أبي رفضهم جميعا لا لعيب فيهم، لكن الأرملة والمطلقة في عرف أبي لا تتزوج مطلقا مرة أخري، بل تدفن مع أولادها حتى تموت... لكم شعرت بالمرارة والأسى وأنا أراها تذبل أمام عيني وأبي يخنق أحلامها ويغتال أي أمل لها في حياة سعيدة متكافئة.

همس لي شقيقي صالح وعيناه تتألقان من وراء زجاج نظارته:
- لقد حضر لي اليوم في المدرسة عبد الله شقيق أحمد زوج بدرية الراحل.
بذهول تساءلت:
- وماذا يريد؟

كنت اعرف تماما أنه لا أملاك لزوج شقيقتي الراحل لينازعها أشقاؤه عليها... أيضا هو لا يريد أطفال شقيقه ليربيهم، لأنه متزوج كما اعلم ولديه أطفال... إذن... تكلم شقيقي صالح:
- قد لا تصدقين ما أقول... لقد حضر ليخطب بدرية مني... أبلغني أن زوجته قد توفيت منذ شهور طويلة، ولن يجد أما لأطفاله خيراً من بدرية، أيضاً هو سيكون أباً وعماً لأطفالها في الوقت نفسه... ما رأيك؟
خفضت رأسي فتابع قائلاً:
- إنه أنسب رجل لها... فهو ليس عربيداً كشقيقه الراحل بل موظف بوظيفة مرموقة ورجل محترم ويقدر الحياة الزوجية... وبدرية لن تعيش طوال حياتها وحيدة...
قاطعته قائلة:
- وأبي...
تنهد وهو يقول:
- نعم إنه يعرف رأي أبي ففي الموضوع وأنه رفض زواجها أكثر من مرة لذلك لجأ لي في البداية لأمهد له الطريق فهو ليس كأي رجل يتقدم لبدرية إن له ظروفه الخاصة... ما رأيك؟

كادت الابتسامة الساخرة تشق طريقها إلى وجهي لولا أني خفت أن أجرحه وأعذبه باختيار أبي لحياته فكيف بمن لم يستطيع الصمود في وجه أبي حين اختار له مصيره وفرض عليه زوجته بالقوة، أن يقنعه بزواج بدرية مرة أخرى... إن الرجل موقف، ومن لم يستطع الصمود مرة لن يستطيعه أبداً. هل بإمكانك يا صالح الوقوف أمام أبي وإعلانه رأيك بكل صراحة في زواج بدرية أم أنك ستخنع وتخضع أمام نظراته اللاهبة وقبضته الأسطورية فتتراجع حينها وتنسي كل شئ حتى نفسك؟ إن حياتك التي صنعتها لك أبي تبدو كالثوب الواسع الفضفاض الذي لا يليق بك فلا هو ضاق ليحتويك ولا أنت تمددت ليتواءم معك فعشت كالضائع الحائر في حياة ليست لك ولست لها... كنت تريد أن تعمل طياراً فاختار لك المهنة الأسلم التدريس، كنت تريد سلمى ابنة الحيران الحلوة التي أحببتها بمجامع قلبك كزوجة لك، لكن أبي اختار لك هدى ابنة عمك الصامتة الكئيبة، فتزوجتها رغماً عنك وعشت معها وحب الأخرى يحول بينكما... وأنجبت منها وما زلت. ومضيت في حياة بلا طعم ولا زوج لمجرد رضا الأب الذي لا يرضي ولن يرضي... أخي الحبيب إذا استطعت أن تغير حياتك ولو بمقدار ذرة فتقدم بشجاعة لتدافع عن حق بدرية في الزواج والحياة مرة أخرى... أعلم حزنك الدامي، أعلم انكسارات قلبك الخفية، أعلم صراعاتك الداخلية ، أفهم مشاعرك تماماً لكن عفواً أخي، فلن تستطيع حيال بدرية شيئاً... أتذكر ليلة زواج سلمى حبيبتك السابقة بعد زواجك بشهور ... أتذكر دموعك التي مزقتك قبل أن تهطل على خديك بغزارة... هل تذكر تلك الليلة الكئيبة التي قضيتها في حجرتي باكياً منتحباً تنقلب على جمر لا ينطفئ أبداً... ثم أردت تسمية طفلتك الأولى باسمها، فرفض أبي وأسماها هو على اسم أمه... ثم عندما طلقت سلمى من زوجها بعد أن عجزت عن التواؤم معه ربما لحبها الكبير الذي عجزت أن تنساه، ناقشت أبي في الزواج للمرة الثانية منها فرفض أ[ي وشتمك ثم طردك من البيت لتأتي في الغداة تقبل رأسه وتطلب منه السماح رغم أن كل شئ من حقك ولست مطالباً بالرضوخ لأي كان ولو لأبيك... لكنك رضخت وأحنيت رأسك للعاصفة مرات ومرات حتى أضحي انحناؤك عادة ورضوخك واجباً وصمتك دائماً فتلاشت شخصيتك حتى اختفت ... فكيف يا أخي الحبيب ستطلب من أبي أن يوافق على زواج بدرية وهو الرافض له دوماً... وممن ... منك أنت العاجز حتى عن المطالبة بحقوقك... العاجز عن النطق... العاجز حتى عن البكاء قهراً وألماً... دعك من هذا أخي ودع بدرية تواجه مصيرها بمفردها، فأن شاءت صمتت وتركته يخطط لها مصيرها كما أراد ويريد دائماً...

أفقت على صوت شقيقي يسألني:
- أحلام ... لم تردي ... ما رأيك؟
نظرت إليه بإشفاق وأنا أهمس:
- رأيي أن تبتعد أنت ولا تتدخل... دعه هو يطلبها رسمياً من أبي ويقنعه بظروفه لو شاء...

زوبعة كبيرة كادت تطيح برؤوسنا جميعا حينما تقدم عبد الله رسميا للزواج من بدرية... صرخ أبي وشتم ثم هدد وتوعد ثم هدأ قليلاً، فأرسل في طلب بدرية... جاءت المسكينة ترتعش من رأسها حتى أخمص قدميها... سألتها قبل أن يراها أبي:
- هل تعرفين أن عبد الله شقيق زوجك المرحوم أحمد قد تقدم لخطبتك؟
فتحت عينيها بدهشة حقيقة ثم تألق وجهها بسرور لم تستطع إخفاءه... أشفقت عليها من قسوة الأب ومرارة الأيام... سألتها بحنان عجزت عن إخفائه:
- هل ستقبلين به يا بدرية؟
أشاحت بوجهها خجلاً ثم رفعت شعرها إلى الوراء بحركة لا شعورية... ابتسمت ثم أجابت بخفر لا يتناسب مع وضعها كأرملة وأم لعدد من الأطفال...
- الرأي لأبي فإن وافق فأنا موافقة...
ويحي...إنها تريد الزواج... إنها ترغب في حياة جديدة تذوق فيها طعم السعادة المفقودة ... تود أن تحس ولو لأيام بأنها أنثى لها رجل مثل بقية النساء لا آلة تعمل بالضخ تطبخ وتغسل وتربي وتنام على دموع تبلل وسادتها كل ليلة... أبي لا تحطم أحلامها... أبي أتوسل إليك أن تراعي الله في حقها بالحياة كبقية البشر... أبي يكفيك جرائمك الماضية فلا تضف لها جريمة بشعة كهذه، أن تذبح روحها التواقة للسعادة والحياة، أبي أبتهل إليك أن تمنحها فرصة جديدة هي تواقة إليها... فرصة تثبت لك فيها جدارتها بالحياة خارج أسوار الألم ولو لسنوات... فرصة تحلم فيها أنها امرأة كأية امرأة أخرى من حقها أن يكون لها مشاعر وأحاسيس وظل رجل تتكئ عليه في عراكها مع الحياة لا كأنثي العنكبوت هي وصغارها والعالم... أبي أعطيها الحلم ... الحلم فقط... وصدقني فلن تخسر شيئاً، بل على العكس ربما يكون ما تفعله تكفيراً عن السنوات التي دفنتها فيها حية في قبر هو بيتها الصغير ودوداً ينهشها همّ أطفالها وطلباتهم التي تنتهي ولن تنتهي... أبي ارحم شبابها وضعفها وامنحها حلما لن تندم عليه... لن تندم عليه أبداً.

ابتلعت لساني خوفاً واستسلاماً ولم أنطق بحرف واحد حينما طلب أبي من بدرية الذهاب إليه في المكتب...

مضت نصف ساعة وضعت يدي فيها على قلبي حتى خرجت بدرية... بدرية التي دخلت غير تلك التي خرجت... دخلت وعاصفة من المشاعر السعيدة تصطخب في أعماقها... دخلت والأمل يخالط بريق عينيها والحلم يلون خطواتها الراقصة بألوان المستقبل، وآمال لا يحدها المستحيل... بيد أنها تبدلت خلال نصف ساعة فقط لا غير ... خرجت وقد كبرت عشرة أعوام على الأقل ... بادية الشحوب والاضطراب... اختفى من عينيها البريق ومعه الأمل، وبقيت نظراتها منطفئة كامدة كعيني لعبة في محل ألعاب خاسر... لا روح ... لا وجود... لقد حطمها أبي...

أسرعت إليها لأضمها إلي صدري... بادرتني قائلة وشفتها السفلي ترتجف بشدة:
- لقد رفض أبي... رفض أبي زواجي...
انقبض قلبي وأنا أسألها بهمس:
- وهل سترضخين له... هل سترفضين الزواج من عبد الله؟
اغرورقت عيناها بالدموع وهي تحاول منعها بقوة جبارة كيلا تبدو ضعيفة أمامي ثم قالت بصوت متهدج:
- أنني أم يا أحلام وأولادي لهم الأولوية في حياتي دائماً وهم رسالتي الأولى والأخيرة فلن أتخلى عنهم من أجل أي رجل كان.
قاطعتها مشفقة:
- إنه ليس أي رجل... إنه عمهم وسيرعاهم كأبيهم الراحل تماماً فلن تتخلي عنهم مطلقاً... أهذا رأيك حقا يا بدرية أم هو رأي أبي؟

أجهشت بدرية بالبكاء رغماً عنها فأخذتها بين ذراعي وأنا أشاركها البكاء بمرارة... إنه ليس ظلماً فقط يا أبي... كلا ... بل أفظع ... إنه إعدام حلم... قتل حياة... بعثرة وجدان وسحق كرامة... امتلأت رغماً عني رغبة في التحدي والجموح... إنها معركة وجود أو عدم وجود... انتصار للإنسانية قبل أي شئ ... همست لها برقة:
- بدرية إذا أردت رأيي الحقيقي فيجب أن تصمدي وتحاربي للنهاية، فهذا الأمر ليس جريمة أو عيباً نحاول إخفاءه... إنه حق ولن يضيع حق وراءه مطالب...
تنهدت بدرية وصدرها يضج بالنحيب المكتوم:
- أنا لا أريد شيئاً يا أحلام غير أولادي والصحة والستر فإذا رفض والدي أي شئ فلن أجرؤ على معارضته لأن الأمر برمته لا يستحق...
هتفت حانقة:
- بلى يستحق...و يستحق... ويستحق...
ثم نهضت واقفة وأنا أقول:
- أنا سأناقشه في هذا الأمر.
قبل أن تمتد يد بدرية لمنعي من الذهاب... سمعت صوت أبي الجمهوري وهو يقول:
- في أي شئ ستناقشينني يا أحلام؟
فتحت فاهي لأتكلم... لكنني عجزت عن النطق... كرهت ضعفي وخنوعي... حاولت استجماع شتات نفسي وأنا أقول:
- أبي .. إن من حق بدرية أن تتزوج ... لتجد رجلاً إلي جوارها يساعدها في الحياة ويساندها... ويربي أطفالها... ثم إنه عم أطفالها وليش غريباً...
بدأ أبي متمالكاً نفسه وهو يقول:
- إن الأرملة تبقى لتربي أطفالها بعد وفاة زوجها وتكرس حياتها لهم...
صرخت بحدة وقد تخلى عنى حذري:
- لكن هذا ظلم يا أبي... إنك تدفنها وهي على قيد الحياة...
ثم أحسست بصفعة قوية على صدغي أطاشت صوابي... وصفعة أخري وأخري سقطت على أثرها غير قادرة على الكلام ولا الصراخ ولا حتى البكاء...



وللقصة بقية:
سمر مر
سمر مر
ياااالله وش هالأب حسبي الله عليه
اكملي نحن بانتظارك يالغلا