اليوم لاضرورة تُلْزِم، بل لاحاجة تقود وتسوق وإنما هي الرغبة في التوسع، وإنما هي الرغبة في الحياة الرغيدة ذات الرفاهية، من أجل هذا تُصَنّع الفتاوى المختلفة التي تُسْتَبْدَل فيها أحكام الله سبحانه وتعالى، ويتم فيها التلاعب بشرعة الله عز وجل. قارنوا أيها الإخوة بين النقيض والنقيض. إذا قارنتم أدركتم سبب ذُلِّ العالم الإسلامي اليوم، أدركتم سبب المهانة التي ضربت بجرانها الأمم الإسلامية والمسلمين في مشارقهم ومغاربهم التي يعيشون فيها.
كثيرون هم الذين يقرؤون آيات في كتاب الله فيرون أنها ينبغي أن تنطبق عليهم ولكنهم يجدون أنها لاتنطبق فيتساءلون وربما دخل في أفئدتهم الريْب، يقف أحدهم أمام قول الله عز وجل:
<FONT color="#006AFF">{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} </FONT>
يقول قائلهم: هاهم الكفرة ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله لكنهم لم يُغلبوا ولم يُقهروا، هاهم ينتصرون. أين هو وعد الله سبحانه وتعالى؟ قولوا أيها الإخوة لهؤلاء المستشكلين الجواب في الآية التي تليها مباشرة:
<FONT color="#0233FF">{لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ} {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ} </FONT>
أرني الطيب لأريك كيف ينتصر الطيب على الخبيث. أين هو الطيب؟ أين هو الطيب في المجتمع الإسلامي الذي تحولت صلته بالإسلام إلى انتماء مجرد؟ أين هو الطيب في عالمنا العربي والإسلامي الذي يتبرم جُلّه من الإسلام قواعده أحكامه شرعته، بل في كثير من الأحيان عقائده أيضاً؟ لاتحدثني عن القلة، لاتحدثني عن النزر اليسير، بل حدثني عن الجمهرة الكبرى والكثرة الكاثرة، أجل. ربنا عز وجل وعد أن يُغْلَب الذين ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله، لأن أمامهم طيباً يقابل خبيثاً، ولابد أن ينتصر الله عز وجل للطيب ضد الخبيث، ولكن لقد تداخلت الأمور في عصرنا اليوم، تداخل الخبيث مع الطيب ولم تعد تستطيع أن تتبين أين يكمن الخبيث وأين يكمن الطيب، وما هو الفرق الباقي بين الخبيث والطيب اليوم.
إذا كان هنالك الذين يقودون عالمنا العربي والإسلامي من خلال العلم ومن خلال الدعوة ومن خلال الإرشاد والتوجيه، هؤلاء الذين كنا بالأمس القريب نظن أنهم هم الذين ينتشلون هذه الأمة من الضياع، هم الذين يعيدونها بالإرشاد والتوجيه إلى النهج القويم وإلى صراط الله المستقيم، وإذا بهم يعكفون على اصطناع فتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، وإذا بهم يعكفون على اصطناع اللغو وعلى التشويه وعلى (استبدال دين الله عز وجل) الاستبدال بدين الله سبحانه وتعالى.
إذا كان رب البيت بالطبل ضارباً
فلا تَلُم الصبيان يوماً على الرقص
هذا هو الواقع أيها الإخوة. وإنني لأنظر يميناً وشمالاً فأحار. أين هو مكمن الأمل في حياة هذه الأمة؟ علماؤها؟ وهذه هي قصة نموذج من هؤلاء العلماء، الذين لاتسقط الأقلام أقلام الفتيا من أيديهم، والفتيا على قدر الطلب وعلى قدر الحاجة وعلى قدر - في بعض الأحيان - على قدر الفائدة التي تكمن وراءها. أم أنتجع الأمل من الشباب المتحرق على دين الله والتائه بين الفئات والجماعات المتناقضة المتصارعة؟ أم أعقد الأمل على القادة الذين يغرقون اليوم في المشكلات السياسية، وفي المد والجزر التائه ما بين شرق وغرب؟ المستعان هو الله، والملجأ هو الله سبحانه وتعالى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
---------------------------------
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي

شام
•

fahad
•
وعليكم السلام
-<FONT color="#FF0704">جزاك الله خيرا أخت عزيزة </FONT>
ورزقكي الله الاخلاص في القول والعمل .....آمين
- <FONT color="#FF0141">جزاك الله خيرا أخي الحبيب أبو الحسن</FONT>
نعم اخي كما قلت ( ولا شك أننا سنجد أنفسنا مقصرين ) والله المستعان
- <FONT color="#0201FF">جزاك الله خيرا اخت sham ومشكوره الف شكر على الاضافه القيمه وجعلها الله في موازين حسناتك وجعلنا الله ممن يستمع القول ويتبع احسنه ...آمين</FONT>
-<FONT color="#FF0704">جزاك الله خيرا أخت عزيزة </FONT>
ورزقكي الله الاخلاص في القول والعمل .....آمين
- <FONT color="#FF0141">جزاك الله خيرا أخي الحبيب أبو الحسن</FONT>
نعم اخي كما قلت ( ولا شك أننا سنجد أنفسنا مقصرين ) والله المستعان
- <FONT color="#0201FF">جزاك الله خيرا اخت sham ومشكوره الف شكر على الاضافه القيمه وجعلها الله في موازين حسناتك وجعلنا الله ممن يستمع القول ويتبع احسنه ...آمين</FONT>


الصفحة الأخيرة
لاحظوا النقيض القائم اليوم لما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما هاجر وعندما علّمنا الهجرة. رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى أن نهاجر المناخ الذي لايصلح فيه الإسلام للتطبيق إلى مناخ آخر وإن كلفنا ذلك شططاً. يعلمنا ذلك بسلوكه وبقوله، ويعلمنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أيضاً بتطبيقاتهم وسيرهم وراء تعاليم رسولهم صلى الله عليه وآله وسلم. أما نحن فنسلك طريقاً آخر، لا، ما ينبغي أن نغادر المناخ السيئ، وما ينبغي أن نسعى لمقاومته أيضاً بل الحل أن نغيّر من دين الله وأن نذيب أحكام الله سبحانه وتعالى. كما قلت لكم وكما ضربت الأمثلة وإنها لأمثلة قليلة من وقائع كثيرة.
ما المعذرة؟ ما المعذرة التي يعتذر بها أصحاب هذه الفتاوى المصطنعة المختلقَة؟ المعذرة هي الضرورة. لا مجال لعيش كريم باذخ في تلك المجتمعات إلا بتغيير أحكام الله عز وجل. ونظراً إلى أن العيش الباذخ ينبغي أن يبقى على حاله، ونظراً إلى أن الهجرة في سبيل الله قد أوصدت أبوابها، قد أوصدت أبوابها باختلاق مبْتَدَع قذر، نظراً إلى ذلك فإن الضرورات تبيح المحظورات. والضرورة ما هي؟ هي أن تبقى تلك الأسرة التي تعيش في رحاب الغرب تتمتع بحياة متألقة، تتمتع بحياة آمنة فارهة، تلك هي الضرورة.
فانظروا إلى هذا النهج الذي يسلكه هؤلاء الناس، لا بل انظروا إلى الفتاوى التي تصدر بهذا المعنى، وانظروا إلى عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان رسول الله وأصحابه أولى بالبقاء في مكة وأن لايهاجروا لأن ضرورتهم كانت أعتى من ضرورة هؤلاء الذين يتقلبون في حياة فارهة في مجتمعات أوروبا وأمريكا.هجرة المسلمين آنذاك كلفتهم أن يشردوا عن بيوتهم وأوطانهم، كلفتهم أن يغامروا بحياتهم، كلفتهم تمزق الأُسر: زوجة تبقى في مكان وزوج يرحل إلى الله سبحانه وتعالى، تلك هي الضرورة لو أننا تحدثنا عن الضرورة، ومع ذلك هل قال قائلهم بمثل ما يفتي به الدجالون اليوم؟ أنه لامناص من البقاء في دار الكفر، ولاحرج في التقلب في المجتمعات المظلمة البعيدة عن أوامر الله وشرعته بسبب هذه الحاجات أو الضرورات. هل فعل رسول الله هذا؟ هل قال لهم بل ابقوا في مكانكم ذلك لأنكم مضطرون، ولا عليكم أن تعيشوا غرباء عن دين الله سبحانه وتعالى لأنكم بحاجة إلى بيوتكم، بحاجة إلى أوطانكم، بحاجة إلى أُسَرِكم. إلى وحدة الحياة الاجتماعية والاقتصادية في مناخكم، هل قال هذا؟ بل أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلعوا ربقة الدنيا كلها من أنفسهم، وأن يرحلوا إلى الله سبحانه وتعالى عرايا عن المال عن الدار عن العقار وفي بعض الأحيان عن الزوجة والأولاد أيضاً. أجل، هذه هي الضرورة ومع ذلك فقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نركل هذه الضرورة بأقدامنا لنرحل إلى الله كما قد أمر الله سبحانه وتعالى. يرحل أحدنا إلى الله وهو يقول: (وعجلت إليك رب لترضى).