بنات ودي نتكلم عن الظلم كيف وش عقابة وكيف لواحد يدعي اني ظلمتة مع ان الي صارمال
علاقة ب الظلم ولو هي حاطة في نفسها اني ظلمتها مع اني لم اظلمها هل اذا دعت
على يضرني دعها بنات ابغى تفاعلكم ارجوكم
اميرةالجوري666 @amyralgory666
عضوة نشيطة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
فوضت امري الى الله
•
الله عدل و حق و لا يرضى بالظلم و ان دعى عليك احد ظلما و عدوانا فانا على يقين من عدل الله و انه سبحانه لن يستجيب دعوه الظالم عليك ..
اكثر شي اخافه الظلم ولو انك واثقه ماظلملتيها لاتخافي من دعائهااختي و*****الله مايصيبك الاكل خير وخلي ثقتك بالله قويه الحمدلله اني انادائما مظلومه ولااني ظالمه عزيزتي اتمنالك التوفيق
صديقة الطيف الحالم :اكثر شي اخافه الظلم ولو انك واثقه ماظلملتيها لاتخافي من دعائهااختي و*****الله مايصيبك الاكل خير وخلي ثقتك بالله قويه الحمدلله اني انادائما مظلومه ولااني ظالمه عزيزتي اتمنالك التوفيقاكثر شي اخافه الظلم ولو انك واثقه ماظلملتيها لاتخافي من دعائهااختي و*****الله مايصيبك الاكل خير...
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فإن ظاهرة انتشرت في بعض الناس ذكرها القرآن الكريم والسنة النبوبة المطهرة، إما على سبيل الذم، أو على سبيل بيان سوء عاقبة من فعلها.
إنها ظاهرة الظلم، وما أدراك ما الظلم، الذي حرمه الله سبحانه وتعالى على نفسه وحرمه على الناس، فقال سبحانه وتعالى فيما رواه رسول الله في الحديث القدسي: { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا } .
وعن جابر أن رسول الله قال: { أتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم } .
والظلم: هو وضع الشيء في غير محله باتفاق أئمة اللغة.
وهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ظلم الإنسان لربه، وذلك بكفره بالله تعالى، قال تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ . ويكون بالشرك في عبادته وذلك بصرف بعض عبادته لغيره سبحانه وتعالى، قال عز وجل: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .
النوع الثاني: ظلم الإنسان نفسه، وذلك باتباع الشهوات وإهمال الواجبات، وتلويث نفسه بآثار أنواع الذنوب والجرائم والسيئات، من معاصي لله ورسوله. قال جل شأنه: وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .
النوع الثالث: ظلم الإنسان لغيره من عباد الله ومخلوقاته، وذلك بأكل أموال الناس بالباطل، وظلمهم بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء، والظلم يقع غالباً بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار.
صور من ظلم الإنسان لغيره من عباد الله ومخلوقاته:
غصب الأرض: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: { من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين } .
مماطلة من له عليه حق: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { مطل الغني ظلم } .
منع أجر الأجير: عن أبي هريرة عن النبي قال: { قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة...،...، ورجل أستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره } .
وأذكر هنا قصة ذكرها أحد المشايخ في كلمة له في أحد المساجد بمكة، قال: ( كان رجل يعمل عند كفيله فلم يعطه راتب الشهر الأول والثاني والثالث، وهو يتردد إليه ويلح وأنه في حاجة إلى النقود، وله والدان وزوجة وأبناء في بلده وأنهم في حاجة ماسة، فلم يستجب له وكأن في أذنيه وقر، والعياذ بالله. فقال له المظلوم: حسبي الله؛ بيني وبينك، والله سأدعو عليك، فقال له: أذهب وأدعوعلي عند الكعبة (انظر هذه الجرأة) وشتمه وطرده. وفعلا استجاب لرغبته ودعا عليه عند الكعبة بتحري أوقات الإجابة، على حسب طلبه، وبريد الله عز وجل أن تكون تلك الأيام من أيام رمضان المبارك وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ، ومرت الأيام، فإذا بالكفيل مرض مرضاً شديداً لا يستطيع تحريك جسده وانصب عليه الألم صباً حتى تنوم في إحدى المستشفيات فترة من الزمن. فعلم المظلوم بما حصل له، وذهب يعاوده مع الناس. فلما رآه قال: أدعوت علي؟ قال له: نعم وفي المكان الذي طلبته مني. فنادى على ابنه وقال: أعطه جميع حقوقه، وطلب منه السماح وأن يدعو له بالشفاء ).
الحلف كذباً لإغتصاب حقوق العباد: عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي أن رسول الله قال: { من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة }، فقال رجل: وإن كان شيـئاً يسيراً يا رسول الله؟ فقال: { وإن قضيباً من أراك } .
السحر بجميع أنواعه: وأخص سحر التفريق بين الزوجين، قال تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ . وعن أبي هريرة عن النبي قال: { اجتنبوا السبع الموبقات }، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: { ... والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات } .
عدم العدل بين الأبناء: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال:{ نحلني أبى نحلاً فقالت أمى عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله ، فجاءه ليشهده على صدقتى فقال: "أكل ولدك نحلت مثله" قال: لا، فقال: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم"، وقال: "إني لا أشهد على جور"، قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة } .
حبس الحيوانات والطيور حتى تموت: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: { عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا فدخلت فيها النار} . حبستها: أي بدون طعام.
شهادة الزور: أي الشهادة بالباطل والكذب والبهتان والافتراء، وانتهاز الفرص للإيقاع بالأبرار والانتقام من الخصوم، فعن انس قال: ذكر رسول الله الكبائر فقال: { الشرك بالله، وعقوق الوالدين وقتل النفس، وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور، أو قال: "شهادة الزور" } .
وأكل صداق الزوجة بالقوة ظلم.. والسرقة ظلم.. وأذيه المؤمنين والمؤمنات والجيران ظلم... والغش ظلم... وكتمان الشهادة ظلم... والتعريض للآخرين ظلم، وطمس الحقائق ظلم، والغيبة ظلم، ومس الكرامة ظلم، والنميمة ظلم، وخداع الغافل ظلم، ونقض العهود وعدم الوفاء ظلم، والمعاكسات ظلم، والسكوت عن قول الحق ظلم، وعدم رد الظالم عن ظلمه ظلم... إلى غير ذلك من أنواع الظلم الظاهر والخفيى.
فيا أيها الظالم لغيره:
اعلم أن دعوة المظلوم مستجابة لا ترد مسلماً كان أو كافراً، ففي حديث أنس قال: قال رسول الله : { اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس دونها حجاب }. فالجزاء يأتي عاجلاً من رب العزة تبارك وتعالى، وقد أجاد من قال:
لاتظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
فتذكر أيها الظالم: قول الله عز وجل: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء . وقوله سبحانه: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى . وقوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ . وقوله : { إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته }، ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ، وقوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ .
وتذكر أيها الظالم: الموت وسكرته وشدته، والقبر وظلمته وضيقه، والميزان ودقته، والصراط وزلته، والحشر وأحواله، والنشر وأهواله. تذكر إذا نزل بك ملك الموت ليقبض روحك، وإذا أنزلت في القبر مع عملك وحدك، وإذا استدعاك للحساب ربك، وإذا طال يوم القيامة وقوفك.
وتذكر أيها الظالم: قول الرسول : { لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء } . والاقتصاص يكون يوم القيامة بأخذ حسنات الظالم وطرح سيئات المظلوم، فعن أبي هريرة عن النبي قال: { من كانت عنده مظلمة لأخيه؛ من عرضه أو من شيء، فليتحلله من اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه } . وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: { أتدرون ما المفلس، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار } .
ولكن أبشر أيها الظالم:
فما دمت في وقت المهلة فباب التوبة مفتوح، قال : { إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها } . وفي رواية للترمذي وحسنه: { إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر }. ولكن تقبل التوبة بأربعة شروط:
1- الإقلاع عن الذنب.
2- الندم على ما فات.
3- العزم على أن لا يعود.
4- إرجاع الحقوق إلى أهلها من مال أو غيره.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
فإن ظاهرة انتشرت في بعض الناس ذكرها القرآن الكريم والسنة النبوبة المطهرة، إما على سبيل الذم، أو على سبيل بيان سوء عاقبة من فعلها.
إنها ظاهرة الظلم، وما أدراك ما الظلم، الذي حرمه الله سبحانه وتعالى على نفسه وحرمه على الناس، فقال سبحانه وتعالى فيما رواه رسول الله في الحديث القدسي: { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا } .
وعن جابر أن رسول الله قال: { أتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم } .
والظلم: هو وضع الشيء في غير محله باتفاق أئمة اللغة.
وهو ثلاثة أنواع:
النوع الأول: ظلم الإنسان لربه، وذلك بكفره بالله تعالى، قال تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ . ويكون بالشرك في عبادته وذلك بصرف بعض عبادته لغيره سبحانه وتعالى، قال عز وجل: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ .
النوع الثاني: ظلم الإنسان نفسه، وذلك باتباع الشهوات وإهمال الواجبات، وتلويث نفسه بآثار أنواع الذنوب والجرائم والسيئات، من معاصي لله ورسوله. قال جل شأنه: وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ .
النوع الثالث: ظلم الإنسان لغيره من عباد الله ومخلوقاته، وذلك بأكل أموال الناس بالباطل، وظلمهم بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء، والظلم يقع غالباً بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار.
صور من ظلم الإنسان لغيره من عباد الله ومخلوقاته:
غصب الأرض: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: { من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين } .
مماطلة من له عليه حق: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { مطل الغني ظلم } .
منع أجر الأجير: عن أبي هريرة عن النبي قال: { قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة...،...، ورجل أستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره } .
وأذكر هنا قصة ذكرها أحد المشايخ في كلمة له في أحد المساجد بمكة، قال: ( كان رجل يعمل عند كفيله فلم يعطه راتب الشهر الأول والثاني والثالث، وهو يتردد إليه ويلح وأنه في حاجة إلى النقود، وله والدان وزوجة وأبناء في بلده وأنهم في حاجة ماسة، فلم يستجب له وكأن في أذنيه وقر، والعياذ بالله. فقال له المظلوم: حسبي الله؛ بيني وبينك، والله سأدعو عليك، فقال له: أذهب وأدعوعلي عند الكعبة (انظر هذه الجرأة) وشتمه وطرده. وفعلا استجاب لرغبته ودعا عليه عند الكعبة بتحري أوقات الإجابة، على حسب طلبه، وبريد الله عز وجل أن تكون تلك الأيام من أيام رمضان المبارك وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ، ومرت الأيام، فإذا بالكفيل مرض مرضاً شديداً لا يستطيع تحريك جسده وانصب عليه الألم صباً حتى تنوم في إحدى المستشفيات فترة من الزمن. فعلم المظلوم بما حصل له، وذهب يعاوده مع الناس. فلما رآه قال: أدعوت علي؟ قال له: نعم وفي المكان الذي طلبته مني. فنادى على ابنه وقال: أعطه جميع حقوقه، وطلب منه السماح وأن يدعو له بالشفاء ).
الحلف كذباً لإغتصاب حقوق العباد: عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي أن رسول الله قال: { من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة }، فقال رجل: وإن كان شيـئاً يسيراً يا رسول الله؟ فقال: { وإن قضيباً من أراك } .
السحر بجميع أنواعه: وأخص سحر التفريق بين الزوجين، قال تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ . وعن أبي هريرة عن النبي قال: { اجتنبوا السبع الموبقات }، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: { ... والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات } .
عدم العدل بين الأبناء: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال:{ نحلني أبى نحلاً فقالت أمى عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله ، فجاءه ليشهده على صدقتى فقال: "أكل ولدك نحلت مثله" قال: لا، فقال: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم"، وقال: "إني لا أشهد على جور"، قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة } .
حبس الحيوانات والطيور حتى تموت: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: { عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا فدخلت فيها النار} . حبستها: أي بدون طعام.
شهادة الزور: أي الشهادة بالباطل والكذب والبهتان والافتراء، وانتهاز الفرص للإيقاع بالأبرار والانتقام من الخصوم، فعن انس قال: ذكر رسول الله الكبائر فقال: { الشرك بالله، وعقوق الوالدين وقتل النفس، وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور، أو قال: "شهادة الزور" } .
وأكل صداق الزوجة بالقوة ظلم.. والسرقة ظلم.. وأذيه المؤمنين والمؤمنات والجيران ظلم... والغش ظلم... وكتمان الشهادة ظلم... والتعريض للآخرين ظلم، وطمس الحقائق ظلم، والغيبة ظلم، ومس الكرامة ظلم، والنميمة ظلم، وخداع الغافل ظلم، ونقض العهود وعدم الوفاء ظلم، والمعاكسات ظلم، والسكوت عن قول الحق ظلم، وعدم رد الظالم عن ظلمه ظلم... إلى غير ذلك من أنواع الظلم الظاهر والخفيى.
فيا أيها الظالم لغيره:
اعلم أن دعوة المظلوم مستجابة لا ترد مسلماً كان أو كافراً، ففي حديث أنس قال: قال رسول الله : { اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس دونها حجاب }. فالجزاء يأتي عاجلاً من رب العزة تبارك وتعالى، وقد أجاد من قال:
لاتظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم آخره يأتيك بالندم
نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم
فتذكر أيها الظالم: قول الله عز وجل: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء . وقوله سبحانه: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى . وقوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ . وقوله : { إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته }، ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ، وقوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ .
وتذكر أيها الظالم: الموت وسكرته وشدته، والقبر وظلمته وضيقه، والميزان ودقته، والصراط وزلته، والحشر وأحواله، والنشر وأهواله. تذكر إذا نزل بك ملك الموت ليقبض روحك، وإذا أنزلت في القبر مع عملك وحدك، وإذا استدعاك للحساب ربك، وإذا طال يوم القيامة وقوفك.
وتذكر أيها الظالم: قول الرسول : { لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء } . والاقتصاص يكون يوم القيامة بأخذ حسنات الظالم وطرح سيئات المظلوم، فعن أبي هريرة عن النبي قال: { من كانت عنده مظلمة لأخيه؛ من عرضه أو من شيء، فليتحلله من اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه } . وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: { أتدرون ما المفلس، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار } .
ولكن أبشر أيها الظالم:
فما دمت في وقت المهلة فباب التوبة مفتوح، قال : { إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها } . وفي رواية للترمذي وحسنه: { إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر }. ولكن تقبل التوبة بأربعة شروط:
1- الإقلاع عن الذنب.
2- الندم على ما فات.
3- العزم على أن لا يعود.
4- إرجاع الحقوق إلى أهلها من مال أو غيره.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ام بودى68 :الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد: فإن ظاهرة انتشرت في بعض الناس ذكرها القرآن الكريم والسنة النبوبة المطهرة، إما على سبيل الذم، أو على سبيل بيان سوء عاقبة من فعلها. إنها ظاهرة الظلم، وما أدراك ما الظلم، الذي حرمه الله سبحانه وتعالى على نفسه وحرمه على الناس، فقال سبحانه وتعالى فيما رواه رسول الله في الحديث القدسي: { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً، فلا تظالموا } [رواه مسلم]. وعن جابر أن رسول الله قال: { أتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم } [رواه مسلم]. والظلم: هو وضع الشيء في غير محله باتفاق أئمة اللغة. وهو ثلاثة أنواع: النوع الأول: ظلم الإنسان لربه، وذلك بكفره بالله تعالى، قال تعالى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [البقرة:254]. ويكون بالشرك في عبادته وذلك بصرف بعض عبادته لغيره سبحانه وتعالى، قال عز وجل: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]. النوع الثاني: ظلم الإنسان نفسه، وذلك باتباع الشهوات وإهمال الواجبات، وتلويث نفسه بآثار أنواع الذنوب والجرائم والسيئات، من معاصي لله ورسوله. قال جل شأنه: وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَلـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [النحل:33]. النوع الثالث: ظلم الإنسان لغيره من عباد الله ومخلوقاته، وذلك بأكل أموال الناس بالباطل، وظلمهم بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء، والظلم يقع غالباً بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار. صور من ظلم الإنسان لغيره من عباد الله ومخلوقاته: غصب الأرض: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: { من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين } [متفق عليه]. مماطلة من له عليه حق: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { مطل الغني ظلم } [متفق عليه]. منع أجر الأجير: عن أبي هريرة عن النبي قال: { قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة...،...، ورجل أستأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره } [رواه البخاري]. وأذكر هنا قصة ذكرها أحد المشايخ في كلمة له في أحد المساجد بمكة، قال: ( كان رجل يعمل عند كفيله فلم يعطه راتب الشهر الأول والثاني والثالث، وهو يتردد إليه ويلح وأنه في حاجة إلى النقود، وله والدان وزوجة وأبناء في بلده وأنهم في حاجة ماسة، فلم يستجب له وكأن في أذنيه وقر، والعياذ بالله. فقال له المظلوم: حسبي الله؛ بيني وبينك، والله سأدعو عليك، فقال له: أذهب وأدعوعلي عند الكعبة (انظر هذه الجرأة) وشتمه وطرده. وفعلا استجاب لرغبته ودعا عليه عند الكعبة بتحري أوقات الإجابة، على حسب طلبه، وبريد الله عز وجل أن تكون تلك الأيام من أيام رمضان المبارك وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227]، ومرت الأيام، فإذا بالكفيل مرض مرضاً شديداً لا يستطيع تحريك جسده وانصب عليه الألم صباً حتى تنوم في إحدى المستشفيات فترة من الزمن. فعلم المظلوم بما حصل له، وذهب يعاوده مع الناس. فلما رآه قال: أدعوت علي؟ قال له: نعم وفي المكان الذي طلبته مني. فنادى على ابنه وقال: أعطه جميع حقوقه، وطلب منه السماح وأن يدعو له بالشفاء ). الحلف كذباً لإغتصاب حقوق العباد: عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي أن رسول الله قال: { من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة }، فقال رجل: وإن كان شيـئاً يسيراً يا رسول الله؟ فقال: { وإن قضيباً من أراك } [رداه مسلم]. السحر بجميع أنواعه: وأخص سحر التفريق بين الزوجين، قال تعالى: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ [البقرة:102]. وعن أبي هريرة عن النبي قال: { اجتنبوا السبع الموبقات }، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: { ... والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات } [رواه البخاري ومسلم]. عدم العدل بين الأبناء: عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال:{ نحلني أبى نحلاً فقالت أمى عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله ، فجاءه ليشهده على صدقتى فقال: "أكل ولدك نحلت مثله" قال: لا، فقال: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم"، وقال: "إني لا أشهد على جور"، قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة } [متفق عليه]. حبس الحيوانات والطيور حتى تموت: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال: { عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا فدخلت فيها النار} [رواه البخاري ومسلم]. حبستها: أي بدون طعام. شهادة الزور: أي الشهادة بالباطل والكذب والبهتان والافتراء، وانتهاز الفرص للإيقاع بالأبرار والانتقام من الخصوم، فعن انس قال: ذكر رسول الله الكبائر فقال: { الشرك بالله، وعقوق الوالدين وقتل النفس، وقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قول الزور، أو قال: "شهادة الزور" } [متفق عليه]. وأكل صداق الزوجة بالقوة ظلم.. والسرقة ظلم.. وأذيه المؤمنين والمؤمنات والجيران ظلم... والغش ظلم... وكتمان الشهادة ظلم... والتعريض للآخرين ظلم، وطمس الحقائق ظلم، والغيبة ظلم، ومس الكرامة ظلم، والنميمة ظلم، وخداع الغافل ظلم، ونقض العهود وعدم الوفاء ظلم، والمعاكسات ظلم، والسكوت عن قول الحق ظلم، وعدم رد الظالم عن ظلمه ظلم... إلى غير ذلك من أنواع الظلم الظاهر والخفيى. فيا أيها الظالم لغيره: اعلم أن دعوة المظلوم مستجابة لا ترد مسلماً كان أو كافراً، ففي حديث أنس قال: قال رسول الله : { اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً؛ فإنه ليس دونها حجاب }. فالجزاء يأتي عاجلاً من رب العزة تبارك وتعالى، وقد أجاد من قال: لاتظلمن إذا ما كنت مقتدراً *** فالظلم آخره يأتيك بالندم نامت عيونك والمظلوم منتبه *** يدعو عليك وعين الله لم تنم فتذكر أيها الظالم: قول الله عز وجل: وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [ابراهيم:43،42]. وقوله سبحانه: أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36]. وقوله تعالى: سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [القلم:45،44]. وقوله : { إن الله ليملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته }، ثم قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود:102]، وقوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227]. وتذكر أيها الظالم: الموت وسكرته وشدته، والقبر وظلمته وضيقه، والميزان ودقته، والصراط وزلته، والحشر وأحواله، والنشر وأهواله. تذكر إذا نزل بك ملك الموت ليقبض روحك، وإذا أنزلت في القبر مع عملك وحدك، وإذا استدعاك للحساب ربك، وإذا طال يوم القيامة وقوفك. وتذكر أيها الظالم: قول الرسول : { لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء } [رواه مسلم]. والاقتصاص يكون يوم القيامة بأخذ حسنات الظالم وطرح سيئات المظلوم، فعن أبي هريرة عن النبي قال: { من كانت عنده مظلمة لأخيه؛ من عرضه أو من شيء، فليتحلله من اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه } [رواه البخاري]. وعن أبي هريرة أن رسول الله قال: { أتدرون ما المفلس، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم وطرحت عليه، ثم طرح في النار } [رواه مسلم]. ولكن أبشر أيها الظالم: فما دمت في وقت المهلة فباب التوبة مفتوح، قال : { إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها } [رواه مسلم]. وفي رواية للترمذي وحسنه: { إن الله عز وجل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر }. ولكن تقبل التوبة بأربعة شروط: 1- الإقلاع عن الذنب. 2- الندم على ما فات. 3- العزم على أن لا يعود. 4- إرجاع الحقوق إلى أهلها من مال أو غيره. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:...
الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو أيضًا عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل وفيه نوع من الجور؛ إذ هو انحراف عن العدل.
أنـواع الظـلم:
قال البعض: الظلم ثلاثة:
الأول ـ أن يظلم الناسُ فيما بينهم وبين الله تعالى:
وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، ولذلك قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} (سورة لقمان:13)، وإياه قصد بقوله: {ألا لعنة الله على الظالمين} (سورة هود:18).
الثاني ـ ظلم بينه وبين الناس:
وإياه قصد بقوله: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (سورة الشورى:40) ، وبقوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة الشورى 42) .
الثالث ـ ظلم بين العبد وبين نفسه:
وإياه قصد بقوله: {فمنهم ظالم لنفسه} (سورة فاطر:32)، وقوله على لسان نبيه موسى: {رب إني ظلمت نفسي} (سورة القصص:16)، وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه.
قال الذهبي: «الظلم يكون بأكل أموال الناس وأخذها ظلمـًا، وظلم الناس بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء»، وقد عده من الكبائر، وبعد أن ذكر الآيات والأحاديث التي تتوعد الظالمين، نقل عن بعض السلف قوله: «لا تظلم الضعفاء فتكون من شرار الأقوياء»، ثم عدد صورًا من الظلم منها: أخذ مال اليتيم ـ المماطلة بحق الإنسان مع القدرة على الوفاء ـ ظلم المرأة حقها من صداق ونفقة وكسوة ـ ظلم الأجير بعدم إعطائه الأجر. ومن الظلم البيِّن الجور في القسمة أو تقويم الأشياء، وقد عدها ابن حجر ضمن الكبائر.
وقد وردت النصوص تذم الظلم:
قال تعالى: {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا} (سورة الكهف:59)، وقال سبحانه: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} (سورة الزخرف:76)، وقال: {والله لا يحب الظالمين} (سورة آل عمران:57)، وقال: {ولا يظلم ربُك أحدًا} (سورة الكهف:49)، وقال: {وما ربك بظلام للعبيد} (سورة فصلت:46)، وقال: {ألا إن الظالمين في عذاب مقيم} (سورة الشورى:45)، والآيات كثيرة في القرآن الكريم تبين ظلم العبد لنفسه، وأن هذا الظلم على نوعين: الشرك، وهو أعظم الظلم كما بينا، والمعاصي، قال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير} (سورة فاطر:32)، أما ظلم العبد لغيره بالعدوان على المال والنفس وغيرها، فهو المذكور في مثل قوله تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون فى الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} (سورة الشورى:42).
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} » (رواه البخاري ومسلم).
وفي الحديث: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة» (رواه مسلم).
وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لأبي سلمة بن عبد الرحمن، وكان بينه وبين الناس خصومة: يا أبا سلمة اجتنب الأرض ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين» (رواه البخاري ومسلم).
وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا» (رواه الترمذي).
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم كفل ـ نصيب ـ من دمها، لأنه كان أول من سنَّ القتل» (رواه البخاري ومسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» (رواه مسلم).
وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم»، وكان معاوية رضي الله عنه يقول: «إني لأستحي أن أظلم من لا يجد علي ناصرًا إلا الله»، وقال أبو العيناء: «كان لي خصوم ظلمة، فشكوتهم إلى أحمد بن أبي داود، وقلت: قد تضافروا عليَّ وصاروا يدًا واحدة، فقال: يد الله فوق أيديهم، فقلت له: إن لهم مكرًا، فقال: ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، قلت: هم من فئة كثيرة، فقال: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله».
وقال يوسف بن أسباط: «من دعا لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يُعْصَى الله في أرضه».
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «لما كشف العذاب عن قوم يونس عليه السلام ترادوا المظالم بينهم، حتى كان الرجل ليقلع الحجر من أساسه فيرده إلى صاحبه».
وقال أبو ثور بن يزيد: «الحجر في البنيان من غير حله عربون على خرابه».
وقال غيره: لو أن الجنة وهي دار البقاء أسست على حجر من الظلم، لأوشك أن تخرب».
وقال بعض الحكماء: «اذكر عند الظلم عدل الله فيك، وعند القدرة قدرة الله عليك، لا يعجبك رَحْبُ الذراعين سفَّاكُ الدماء، فإن له قاتلاً لا يموت».
وكان يزيد بن حاتم يقول: «ما هِبْتُ شيئًا قط هيبتي من رجل ظلمته، وأنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله، فيقول: حسبي الله، الله بيني وبينك».
وبكى عليٌّ بن الفضيل يومًا، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي على من ظلمني إذا وقف غدًا بين يدي الله تعالى ولم تكن له حجة.
ونادى رجل سليمان بن عبد الملك ـ وهو على المنبر ـ: يا سليمان اذكر يوم الأذان، فنزل سليمان من على المنبر، ودعا بالرجل، فقال له: ما يوم الأذان؟ فقال: قال الله تعالى: {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} (سورة الأعراف:44).
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: «إياك ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام».
وقيل: إن الظلم ثلاثة: فظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، نعوذ بالله تعالى من الشرك، قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (سورة النساء:48)، وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد بعضهم بعضًا، وأما الظلم المغفور الذي لا يطلب، فظلم العبد نفسه.
ومر رجل برجل قد صلبه الحجاج، فقال: يا رب إن حلمك على الظالمين قد أضر بالمظلومين، فنام تلك الليلة، فرأى في منامه أن القيامة قد قامت، وكأنه قد دخل الجنة، فرأى ذلك المصلوب في أعلى عليين، وإذا منادٍ ينادي، حلمي على الظالمين أحلَّ المظلومين في أعلى عليين.
وقيل: «من سَلَبَ نعمةَ غيرِه سَلَبَ نعمتَه غيرُه»، ويقال: «من طال عدوانه زال سلطانه».
قال عمر رضي الله عنه: «واتقِ دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة».
وقال عليٌّ رضي الله عنه: «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى استشرى، وبسطوا الجور حتى افتدى»، وقيل: «أظلم الناس من ظلم لغيره»؛ أي لمصلحة غيره.
وقال ابن الجوزي: «الظلم يشتمل على معصيتين: أخذ مال الغير، ومبارزة الرب بالمخالفة، والمعصية فيه أشد من غيرها، لأنه لا يقع غالبًا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب، ولو استنار بنور الهدى لاعتبر».
وقال ابن تيمية: «إن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة»، ويروى: «إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة».
من أسـبـاب الظـلم:
( أ ) الشيطان: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} (سورة البقرة:208)، وقال: {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} (سورة المجادلة:19).
(ب) النفس الأمارة بالسوء: قال تعالى: { إن النفس لأمارة بالسوء} (سورة يوسف:53).
(جـ) الهوى: قال تعالى: {فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا} (سورة النساء:135)، وقال سبحانه: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} (سورة النازعات:40-41)، وقال جلَّ وعلا: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه} (سورة الكهف:28)، والآيات كثيرة في هذا الباب.
أسباب تعين على ترك الظلم وتعالجه:
1 ـ تذكر تنزهه عزَّ وجلَّ عن الظلم: قال تعالى: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} (سورة فصلت:46)، وقال سبحانه: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} (سورة النساء:40)، وقال: {وما الله يريد ظلما للعالمين} (سورة آل عمران:108).
2 ـ النظر في سوء عاقبة الظالمين: قال تعالى: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} (سورة مريم:71-72)، وقال سبحانه: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} (سورة هود:117)، وقال: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون} (سورة الأنعام:47).
3 ـ عدم اليأس من رحمة الله: قال تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (سورة يوسف:87، وعن صفوان بن محرز قال: قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجوى؟ قال: سمعته يقول: «يدنو المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله» (رواه مسلم).
وحديث الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، والذي قال: «لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين» (رواه البخاري ومسلم)، وغيره شاهد على هذا المعنى.
4 ـ استحضار مشهد فصل القضاء يوم القيامة، قال تعالى: {وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون} (سورة الزمر:68-70).
5 ـ الذكر والاستغفار: قال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} (سورة آل عمران:135).
6 ـ كف النفس عن الظلم ورد الحقوق لأصحابها: فالتوبة النصوح أن يندم الإنسان بالقلب ويقلع بالجوارح، وأن يستغفر باللسان، ويسعى في إعطاء كل ذي حق حقه، فمن كانت لأخيه عنده مظلمة، من مال أو عرض، فليتحلل منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات، كما صح بذلك الخبر.
بعض آثار الظلم ومضاره:
الظلم يجلب غضب الرب سبحانه، ويتسلط على الظالم بشتى أنواع العذاب، وهو يخرب الديار، وبسببه تنهار الدول، والظالم يُحْرَمُ شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع أنواعها، وعدم الأخذ على يده يفسد الأمة، والظلم دليل على ظلمة القلب وقسوته، ويؤدي إلى صغار الظالم عند الله وذلته، وما ضاعت نعمة صاحب الجنتين إلا بظلمه، {ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا} (سورة الكهف:35-36)، وما دمرت الممالك إلا بسبب الظلم، قال تعالى: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} (سورة الأنعام:45)، وقال تعالى عن فرعون: {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} (سورة القصص:40)، وقال عن قوم لوط: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد} (سورة هود:82-83).
وأهلك سبحانه قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الأيكة، وقال: {فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (سورة العنكبوت:40)، وندم الظالم وتحسره بعد فوات الأوان لا ينفع، قال تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا} (سورة الفرقان:27).
والظلم من المعاصي التي تعجل عقوبتها في الدنيا، فهو متعدٍ للغير وكيف تقوم للظالم قائمة إذا ارتفعت أكف الضراعة من المظلوم، فقال الله عزَّ وجلَّ: «وعزَّتي وجلالي لأنصُرنَّكِ ولو بعد حين».
فاتق الله وأنصف من نفسك، وسارع برد المظالم لأصحابها، من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله.
قال أبو العتاهية:
أمــا والله إن الظلـم لـؤم ومازال المسيئ هو الظلوم
إلى ديـان يـوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصـوم
ستعلم في الحساب إذا التقينا غـداً عند الإله من الملـوم
ام بودى68 :الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو أيضًا عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل وفيه نوع من الجور؛ إذ هو انحراف عن العدل. أنـواع الظـلم: قال البعض: الظلم ثلاثة: الأول ـ أن يظلم الناسُ فيما بينهم وبين الله تعالى: وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، ولذلك قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} (سورة لقمان:13)، وإياه قصد بقوله: {ألا لعنة الله على الظالمين} (سورة هود:18). الثاني ـ ظلم بينه وبين الناس: وإياه قصد بقوله: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (سورة الشورى:40) ، وبقوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة الشورى 42) . الثالث ـ ظلم بين العبد وبين نفسه: وإياه قصد بقوله: {فمنهم ظالم لنفسه} (سورة فاطر:32)، وقوله على لسان نبيه موسى: {رب إني ظلمت نفسي} (سورة القصص:16)، وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه. قال الذهبي: «الظلم يكون بأكل أموال الناس وأخذها ظلمـًا، وظلم الناس بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء»، وقد عده من الكبائر، وبعد أن ذكر الآيات والأحاديث التي تتوعد الظالمين، نقل عن بعض السلف قوله: «لا تظلم الضعفاء فتكون من شرار الأقوياء»، ثم عدد صورًا من الظلم منها: أخذ مال اليتيم ـ المماطلة بحق الإنسان مع القدرة على الوفاء ـ ظلم المرأة حقها من صداق ونفقة وكسوة ـ ظلم الأجير بعدم إعطائه الأجر. ومن الظلم البيِّن الجور في القسمة أو تقويم الأشياء، وقد عدها ابن حجر ضمن الكبائر. وقد وردت النصوص تذم الظلم: قال تعالى: {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا} (سورة الكهف:59)، وقال سبحانه: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} (سورة الزخرف:76)، وقال: {والله لا يحب الظالمين} (سورة آل عمران:57)، وقال: {ولا يظلم ربُك أحدًا} (سورة الكهف:49)، وقال: {وما ربك بظلام للعبيد} (سورة فصلت:46)، وقال: {ألا إن الظالمين في عذاب مقيم} (سورة الشورى:45)، والآيات كثيرة في القرآن الكريم تبين ظلم العبد لنفسه، وأن هذا الظلم على نوعين: الشرك، وهو أعظم الظلم كما بينا، والمعاصي، قال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير} (سورة فاطر:32)، أما ظلم العبد لغيره بالعدوان على المال والنفس وغيرها، فهو المذكور في مثل قوله تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون فى الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} (سورة الشورى:42). وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} » (رواه البخاري ومسلم). وفي الحديث: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة» (رواه مسلم). وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لأبي سلمة بن عبد الرحمن، وكان بينه وبين الناس خصومة: يا أبا سلمة اجتنب الأرض ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين» (رواه البخاري ومسلم). وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا» (رواه الترمذي). وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم كفل ـ نصيب ـ من دمها، لأنه كان أول من سنَّ القتل» (رواه البخاري ومسلم). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» (رواه مسلم). وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم»، وكان معاوية رضي الله عنه يقول: «إني لأستحي أن أظلم من لا يجد علي ناصرًا إلا الله»، وقال أبو العيناء: «كان لي خصوم ظلمة، فشكوتهم إلى أحمد بن أبي داود، وقلت: قد تضافروا عليَّ وصاروا يدًا واحدة، فقال: يد الله فوق أيديهم، فقلت له: إن لهم مكرًا، فقال: ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، قلت: هم من فئة كثيرة، فقال: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله». وقال يوسف بن أسباط: «من دعا لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يُعْصَى الله في أرضه». وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «لما كشف العذاب عن قوم يونس عليه السلام ترادوا المظالم بينهم، حتى كان الرجل ليقلع الحجر من أساسه فيرده إلى صاحبه». وقال أبو ثور بن يزيد: «الحجر في البنيان من غير حله عربون على خرابه». وقال غيره: لو أن الجنة وهي دار البقاء أسست على حجر من الظلم، لأوشك أن تخرب». وقال بعض الحكماء: «اذكر عند الظلم عدل الله فيك، وعند القدرة قدرة الله عليك، لا يعجبك رَحْبُ الذراعين سفَّاكُ الدماء، فإن له قاتلاً لا يموت». وكان يزيد بن حاتم يقول: «ما هِبْتُ شيئًا قط هيبتي من رجل ظلمته، وأنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله، فيقول: حسبي الله، الله بيني وبينك». وبكى عليٌّ بن الفضيل يومًا، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي على من ظلمني إذا وقف غدًا بين يدي الله تعالى ولم تكن له حجة. ونادى رجل سليمان بن عبد الملك ـ وهو على المنبر ـ: يا سليمان اذكر يوم الأذان، فنزل سليمان من على المنبر، ودعا بالرجل، فقال له: ما يوم الأذان؟ فقال: قال الله تعالى: {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} (سورة الأعراف:44). وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: «إياك ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام». وقيل: إن الظلم ثلاثة: فظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، نعوذ بالله تعالى من الشرك، قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (سورة النساء:48)، وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد بعضهم بعضًا، وأما الظلم المغفور الذي لا يطلب، فظلم العبد نفسه. ومر رجل برجل قد صلبه الحجاج، فقال: يا رب إن حلمك على الظالمين قد أضر بالمظلومين، فنام تلك الليلة، فرأى في منامه أن القيامة قد قامت، وكأنه قد دخل الجنة، فرأى ذلك المصلوب في أعلى عليين، وإذا منادٍ ينادي، حلمي على الظالمين أحلَّ المظلومين في أعلى عليين. وقيل: «من سَلَبَ نعمةَ غيرِه سَلَبَ نعمتَه غيرُه»، ويقال: «من طال عدوانه زال سلطانه». قال عمر رضي الله عنه: «واتقِ دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة». وقال عليٌّ رضي الله عنه: «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى استشرى، وبسطوا الجور حتى افتدى»، وقيل: «أظلم الناس من ظلم لغيره»؛ أي لمصلحة غيره. وقال ابن الجوزي: «الظلم يشتمل على معصيتين: أخذ مال الغير، ومبارزة الرب بالمخالفة، والمعصية فيه أشد من غيرها، لأنه لا يقع غالبًا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب، ولو استنار بنور الهدى لاعتبر». وقال ابن تيمية: «إن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة»، ويروى: «إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة». من أسـبـاب الظـلم: ( أ ) الشيطان: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} (سورة البقرة:208)، وقال: {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} (سورة المجادلة:19). (ب) النفس الأمارة بالسوء: قال تعالى: { إن النفس لأمارة بالسوء} (سورة يوسف:53). (جـ) الهوى: قال تعالى: {فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا} (سورة النساء:135)، وقال سبحانه: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} (سورة النازعات:40-41)، وقال جلَّ وعلا: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه} (سورة الكهف:28)، والآيات كثيرة في هذا الباب. أسباب تعين على ترك الظلم وتعالجه: 1 ـ تذكر تنزهه عزَّ وجلَّ عن الظلم: قال تعالى: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} (سورة فصلت:46)، وقال سبحانه: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} (سورة النساء:40)، وقال: {وما الله يريد ظلما للعالمين} (سورة آل عمران:108). 2 ـ النظر في سوء عاقبة الظالمين: قال تعالى: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} (سورة مريم:71-72)، وقال سبحانه: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} (سورة هود:117)، وقال: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون} (سورة الأنعام:47). 3 ـ عدم اليأس من رحمة الله: قال تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (سورة يوسف:87، وعن صفوان بن محرز قال: قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجوى؟ قال: سمعته يقول: «يدنو المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله» (رواه مسلم). وحديث الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، والذي قال: «لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين» (رواه البخاري ومسلم)، وغيره شاهد على هذا المعنى. 4 ـ استحضار مشهد فصل القضاء يوم القيامة، قال تعالى: {وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون} (سورة الزمر:68-70). 5 ـ الذكر والاستغفار: قال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} (سورة آل عمران:135). 6 ـ كف النفس عن الظلم ورد الحقوق لأصحابها: فالتوبة النصوح أن يندم الإنسان بالقلب ويقلع بالجوارح، وأن يستغفر باللسان، ويسعى في إعطاء كل ذي حق حقه، فمن كانت لأخيه عنده مظلمة، من مال أو عرض، فليتحلل منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات، كما صح بذلك الخبر. بعض آثار الظلم ومضاره: الظلم يجلب غضب الرب سبحانه، ويتسلط على الظالم بشتى أنواع العذاب، وهو يخرب الديار، وبسببه تنهار الدول، والظالم يُحْرَمُ شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع أنواعها، وعدم الأخذ على يده يفسد الأمة، والظلم دليل على ظلمة القلب وقسوته، ويؤدي إلى صغار الظالم عند الله وذلته، وما ضاعت نعمة صاحب الجنتين إلا بظلمه، {ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا} (سورة الكهف:35-36)، وما دمرت الممالك إلا بسبب الظلم، قال تعالى: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} (سورة الأنعام:45)، وقال تعالى عن فرعون: {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} (سورة القصص:40)، وقال عن قوم لوط: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد} (سورة هود:82-83). وأهلك سبحانه قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الأيكة، وقال: {فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (سورة العنكبوت:40)، وندم الظالم وتحسره بعد فوات الأوان لا ينفع، قال تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا} (سورة الفرقان:27). والظلم من المعاصي التي تعجل عقوبتها في الدنيا، فهو متعدٍ للغير وكيف تقوم للظالم قائمة إذا ارتفعت أكف الضراعة من المظلوم، فقال الله عزَّ وجلَّ: «وعزَّتي وجلالي لأنصُرنَّكِ ولو بعد حين». فاتق الله وأنصف من نفسك، وسارع برد المظالم لأصحابها، من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله. قال أبو العتاهية: أمــا والله إن الظلـم لـؤم ومازال المسيئ هو الظلوم إلى ديـان يـوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصـوم ستعلم في الحساب إذا التقينا غـداً عند الإله من الملـومالظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو أيضًا عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل وفيه نوع من الجور؛...
احذروا البلايا والرزايا، واجتنبوا الكوارث والمصائب، فإنه لا تحل عقوبة إلا بذنب، ولا يقع بلاء إلا بمعصية، وإن أنواع المصائب كثيرة، فلئن نظرت إلى موت القلب وضعف الإيمان، لوجدته أشد الرزايا وأعظم البلايا، إذ به يقع ما يقع من تجاوز الحد وارتكاب الإثم والوقوع في الفواحش وغير ذلك، أتحدث إليكم في أمر ربما لا يكاد يبرأ منه أحد منا، إذ يقع من هذا وذاك كل بحسبه وكل في دائرته، إنه الظلم و(الظلم ظلمات يوم القيامة) (1) كما قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم.
الظلم وضع الشيء في غير موضعه، أخذ غير الحق والعدوان على الآخرين، كم هي صوره في واقعنا، لا تنظروا إلى ما تكررونه ونكرره دائما على المستوى العام، فننظر إلى ظلم الكفرة والفجرة من أعداء الإسلام، وذلك مظنون ومتوقع، ولا تتعلقوا كذلك بظلم الكفرة المعتدين على المسلمين هنا وهناك، بل ولا حتى ظلم المعتدين والمتجاوزين للحد من أصحاب السلطة والقوة هنا وهناك، بل انظروا أكثر وأكثر إلى الظلم الذي يقع مني ومنك، ظلم تتنوع صوره، ألسنا نسمع ونعرف وكل منا عنده من بعض الوقائع والشواهد ما يعرفه من أنواع الظلم المختلفة، ظلم يقع على المستخدمين من العمال والخدم وغيرهم، فلا يعطون أجورهم، ولا يوفون حقوقهم، وهذا يتسلط بالنظام والكفالة، وذاك يعتدي بالقوة والجبروت في إساءة للمعاملة واعتداء بالظلم وغير ذلك من صور كثيرة تعرفونها وتجدون آثارها في الشكاوى والقضايا والمظالم التي تملأ أروقة الجهات الرسمية والقضائية.
ألسنا تحدثنا في الجمعة التي خلت عن أنواع من الظلم تقع في داخل البيوت يتقوى بها رجل يظن نفسه صاحب سلطان قاهر على زوجة ضعيفة أو على أبناء لا حول لهم ولا قوة من سياط القول الظالم أو الاعتداء المباشر أو الإهمال التام، أو تضييع الحقوق وإمساك النفقة أو غير ذلك من صور كثيرة هنا وهناك، وإذا نظرنا إلى دائرة أوسع فكم هي الحقوق المستلبة؟ والمظالم المنتهبة فيما بين الناس؟ وليس فيما بين السلاطين والحكام والرعية فحسب، كم من هؤلاء الناس اليوم قد أخذ شيئا من حق غيره؟ وقد غمط غيره ما له من الحق؟ سواء كان حقا ماليا أو معنويا، أظن أنني لست محتاجا إلى إثبات البراهين، ولم يكن ذلك كذلك لما رأينا الشكوى العظيمة المتنامية التي نسمعها وتصم آذاننا في كل حال وآن، امرأة تشكو زوجها، ومكفول يشكو كفيله، وضعيف يشكو القوي الذي اعتدى على حقه، وجار يشكو من بغي جاره، وصور كثيرة أحداث عجيبة، حتى كأن العدل والإنصاف أصبح كما يقولون في خبر كان، أو أصبح من الندرة ما يصدق فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم في باب آخر في حديث حذيفة في الصحيح: (وترفع الأمانة حتى يقال في بني فلان رجل أمين) (2) حتى يكون في القوم والقبيلة واحد يوصف بالأمانة وبقيتهم نسأل الله السلامة.
واليوم من يعدل وينصف من نفسه، ويعطي الحق كما أعطى سيد الخلق صلى الله عليه سلم، يوم كان ينادي في الناس ويدعوهم، ويقول من كان له حق فليطلب حقه مني، وهو بأبي وأمي عليه الصلاة والسلام لم يأخذ حق أحد مطلقا، أما رأيتم وقرأتم تلك القصة في يوم بدر، يوم قال: (استوي يا سواد) وطعنه بعصا في بطنه ليسوي الصف، فقال: "أوجعتني يا رسول الله" فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم لتوه وفوراً ومباشرة وفي اللحظة ذاتها، كاشفا عن بطنه: (اقتص لنفسك يا سواد) فيهوي سواد إلى بطن النبي صلى الله عليه وسلم ويقبله (ما حملك على هذا) قال رأيت ما قد حضرنا فيه فأردت أن يكون آخر العهد أن يمس جسدي جسدك.
ألسنا نعرف كيف عهد النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع النهي التام عن الظلم والبغي، وأنه يضع كل ظلم تحت قدميه، وأنه يبدأ بنفسه وآل بيته عليه الصلاة والسلام.
لو فكر كل واحد منا الآن واستعاد في ذهنه معاملاته مع الغير أحسب أنه سيستطيع تسجيل قائمة غير قليلة من مواطن ظلمه وعدوانه على غيره.
ولعلي هنا أنتقل بكم إلى العلة التي تدفع الظالم إلى ظلمه، لما يظلم الناس؟ أول هذه الأسباب:
وجود القدرة والقوة مع استضعاف الطرف المقابل، ألست ترى الزوج والرجل يظلك زوج أو يعتدي عليها ضربا بغير حق؟ لما؟ لأن عنده قوة ويستضعف الطرف الآخر.
أمر ثاني وهو مهم: الأمن من العقوبة، لو علم أنه سيجد المظلوم من ينصره وسيقام على الظالم ما يردعه فإن الأمر سيكون على غير ذلك، "من أمن العقوبة أساء الأدب" وهذا الذي تطال به الأيدي في كل جانب من الجوانب.
وأمر ثالث وهو الأخطر والأدهى والأمر: نسيان العقوبة الأخروية، نسيان أن بعد الدنيا آخرة، وأن الدواوين الثلاثة سوف تكشف ومنها الديوان الذي لا يترك الله منه شيء أبداً، وهو ديوان ما بينك وبين الناس، ومالهم من حقوق عندك، والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا ويبين لنا وينبهنا عندما يستعيذ في دعائه صلى الله عليه وسلم فيكون مما يستعيذ منه دعوة المظلوم (3) كما ورد في سنن الترمذي بسند حسن.
لعلنا نقف مع هذا الظلم لننظر إلى جوانب كثيرة نحتاج أن نتدبرها ونتأملها، ما هي صفة الظلم؟ وماذا سيلحق بك إن كنت ظالما ولو بشيء قليل أو يسير؟
أول شيء أن الظلم تعدٍ على حدود الله عز وجل { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } فما من صورة ظلم إلا وهي تعد على حدود الله، فانظر وارقب نفسك.
والظلم صفة الكافرين { وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } فكل ظالم فيه شبه من أهل الكفر بقدر ظلمه نسأل الله السلامة.
والظلم سمة الجاحدين { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ } فهل تريد لنفسك هذه الأوصاف متعديا على حدود الله؟ أو كافراً بنعمة الله؟ أو جاحداً لآيات الله أو قدرة الله؟
ثم انظروا إلى ما ينتظر كل ظالم في دنياه قبل أخراه، عقوبات شتى، هي المصائب التي بدأت القول بأن نحذر منها، وأن نسعى إلى اجتنابها، فإن الظلم مرتعه وخيم، وعاقبته عظيمة وأليمة، فالله جل وعلا يبين لنا صورة الظالمين وما يحل بهم من كرب وهوان عند سكرات الموت: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } هذه صورة تلحق بكل ظالم وإن كان الظلم هو الكفر في أصل معناه.
وانظر كذلك إلى حرمان الفلاح { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } ، والآية مطلقة في معناها، وكل ظلم بحسبه وبحسب مقداره وبحسب الضرر الذي يتولد عنه في دنيا الناس.
وانظر كذلك إلى حرمان النعم فإن من أعظم أسبابها وقوع الظلم والله جل وعلا قال: { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } .
وبقدر ظلمك تحرم من النعم، وليس بالضرورة نعم المال والجاه، فقد تحرم نعمة الطمأنينة فتضل خائفاً، أو نعمة الصحة فتبقى مريضاً، أو نعمة الراحة فتبقى قلقاً، صوراً كثيرة نراها في أعين وسير الظلمة مما يدلنا على حرمانهم من نعم الله عز وجل العظيمة التي يحتاجون إليها.
وانظر كذلك إلى صورة أخرى فيها عبرة لكل معتبر وهي أن الظلم عاقبته منتهية وحبله قصير، ويده منكسرة، لأنه لا يبلغ شأوه إلا وعليه ما عليه من العقوبات، { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } هل رأيتم أظلم من فرعون وأطغى منه؟ أين حاله وكيف انتهى مصيره؟ وهكذا غيره وغيره.
ومن ذلك استحقاق العقوبة العاجلة { أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } الذين ظلموا هم الذين تعجل لهم العقوبة، وقصص القرآن في ذلك كثيرة، ففي قصة نوح { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ } سيحيق بهم العذاب، سيحل بهم البلاء {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } كل أحد يظلم سيلحقه وستلحقه عقوبة عاجلة غير آجلة في جملة الأحوال في صور مختلفة.
وأما الأخروية وما أدراك ما الأخروية، ومن ذا الذي يستطيع أن يفكر مجرد التفكير في القدرة على تحمل أو تقبل العقوبة الأخروية بين يدي الله جل وعلا العذاب الأليم الشديد، اقتطاع حق المظلوم من الظالم كما قال صلى الله عليه وسلم: (حتى تقاد الشاة الجماء من الشاة القرناء) (4) الشاة التي ليس لها قرون يؤخذ لها حقها من الشاة ذات القرون التي نطحتها وظلمتها، فكيف بنا معاشر بني آدم ومعاشر المسلمين المكلفين بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واستمع إلى التهديد والوعيد العظيم المهول الذي تنخلع له القلوب المؤمنة وترتعد منه الفرائص المسلمة { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء } من شدة الخوف والهلع والجزع، من الذي يجزي هذا التهديد والوعيد، رب الأرباب ملك الملوك، جبار السماوات والأرض.
واستمع إلى قوله سبحانه وتعالى في مثل هذا الأمر { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ظالم يظلم ليأخذ حق هذا وهذا، ويملأ خزائنه من حقوق الناس، يوم القيامة لو أن له الدنيا وما فيها ومثلها معها لافتدى به من عذابه يوم القيامة، فلما لا تفتدي نفسك اليوم قبل الغد؟ ولما لا تسمع ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له عند أخيه مظلمة فليتحلل منه قبل أن لا يكون تحلل، وإنما يؤخذ من حسناته فإذا فنيت أخذ من سيئاته فطرحت عليه) (5) .
وهكذا نجد الصور الكثيرة، والمعاني العظيمة الخطيرة التي ينبغي لنا أن نقرأها بقلوبنا، أن نتمعنها ونتدبر في معانيها بعقولنا، أن ننظر إلى مواضع العبرة في واقعنا، أما رأينا ظلمة كيف انتهت بهم حالهم إلى انقلاب السحر على الساحر فصاروا مسجونين أو مقتولين أو غير ذلك، أما رأينا أصحاب سلطان وقهر وقوة وجبروت وقد صارت حالهم إلى ذلة وضعف وهوان، أما في هذا عبرة لمعتبر، أما في هذا ردع لمتذكر حتى نجنب أنفسنا ذلك، نداء لكل من وقع في الظلم أو مارسه، { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } اليوم قبل الغد، الحياة قبل الموت، القوة والقدرة قبل الضعف والعجز، احذر فإن الأمر جد خطير، وإن البلاء يوشك أن يحل وأن يحيط، والعقوبة لن تكون خاصة {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } كثيرة هي البلايا التي حلت بنا بسبب الظلم الذي فشا فيما بيننا، والسكوت عن هذا الظلم وعدم نصرة المظلوم {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ } عندما خرست الألسن، عندما لم يؤخذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرها البراء بن عازب في الصحيح (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع -وذكر منها- نصرة المظلوم) (6) وعندما تحدثوا في الجلوس في الطرقات قال: (وإن من حقها إعانة المظلوم) (7) وعندما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم إلينا قال: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قيل يا رسول الله عرفنا نصرته مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تردعه عن ظلمه فتلك نصرته) (8) .
أين الذين يردعون عن الظلم، سواء كانوا من أصحاب السلطان أو من أصحاب العلم أو حتى من الأصدقاء والأحباء، فكم نعرف من صديق نرى منه ظلما لأهله أو لجاره أو لغير ذلك، ثم نغض الطرف ونمسك اللسان ولا نقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى فشت المظالم وكثرت وظهرت صورها وارتفعت أصواتها وضج المجتمع من كثرة الشكوى منها.
وليست مرة أخرى تعني أحدا غيرنا، فنحن جميعا بقدر أو بآخر، بصورة أو بأخرى بكثير أو بقليل قد نمارس شيئا من الظلم على غيرنا، أو من نتسلط عليه ونقدر على ظلمه. { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } ارجع أيها الظالم إلى ربك واستغفر لذنبك، واندم على عدوانك علّ الله عز وجل أن يمحو ذنبك، وانتبه إلى النداء الذي يعم كل أحد ويخصك أيها الظالم، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } وتأملوا قوله جل وعلا {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ } كل الذي نراه في دنيانا يظهر لنا آثار من ظلموا من قبلنا {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا } أي بسبب ظلمهم أفلا نراها فنعتبر؟ أفلا نقرأ عنها فندكر؟ أفلا يمنعنا ذلك مع ما جاء في آيات الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننتهي عن الظلم فلا يكون في البيوت ولا يكون في الأسواق ولا يكون بين الأصحاب فضلا عن أن يكون من الحكام أو غيرهم من أصحاب السلطة والقوة والقهر، وذلك صوره كثيرة وهو الظلم العام الأشد خطراً والأوسع ضرراً والأكثر فيما تترتب عليه العقوبة الدنيوية قبل الأخروية، { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ } وكم نركن إلى ظالمين وكم نجد الظالم وعنده أعوان يعينونه على ظلمه وينتفعون منه ويركنون إليه ويعتمدون عليه، فهل ترون ظالما واحدا يستطيع أن يصنع كل ذلك البغي والقهر والظلم؟ كلا، لولا أن له أعوان.
ومما يذكر في ذلك عن الإمام أحمد عندما كان في سجنه أو كان يسجن، وكان سجانه يخشى أن يكون من أولئك - أي من الذين ركنوا إلى الظلمة- قال: لا أنت من الظلمة، لست من الذين ركنوا إلى الظلمة أنت من الظلمة أنفسهم.
وهذه دوائر كثيرة ينبغي أن ننتبه لها ونحذر منها { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } وهكذا ينبغي أن ننتبه وأن نحذر فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في وصيته: (واتقي دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب) (9)
تنام عيناك والمظلوم منتبه == يدعو عليك وعين الله لم تنم
سهام الليل لا تخطئ أبواب السماء لها تفتح، والله ينتصر لها ولو بعد حين، فاحذر كما قال الله جل وعلا: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } وكما قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) (10)
اللهم أعذنا من الظلم وأهله واجعلنا من العادلين المقسطين، أقول هذا القول واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
وإن أعظم التقوى الترفع والتورع عن حقوق الناس، والعدل والإنصاف معهم، وعدم ظلمهم والاعتداء عليهم، فإن ذلك مغبته عاجلة وآجلة، وإن الإنسان لينظر إلى صور ظلم عام فيجد فيها ما يجد من الآثار التي لا بد من ذكرها والتنبيه عليها والتنبيه على خطرها، فإن من أنواع الظلم ما يعم الناس وذلك مما يكون بيدي أهل السلطة أو أهل العلم أو أهل القضاء، لأن أولئك ينفذ أمرهم في الناس ويشيع بينهم، ومن هنا نرى ذلك كما قال الله عز وجل: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا } وهذه صور لبعض من يمنعون الخير ويظلمون الناس ويعتدون على شرائع وشعائر الإسلام، كما نعلم ونعرف عن سن قوانين تمنع المرأة المسلمة أن تتحجب، ليس في بلاد الكافرين بل في بلاد المسلمين، وكما نعرف صوراً من القوانين التي تخالف شرع الله عز وجل ويتسلط بها على رقاب الخلق والرعية، فلئن كان ظلمي قد يخص زوجتي أو ابن من أبنائي أو قلة ممن يعملون معي فإن ظلم هذا يعم، ومن هنا كان قول النبي صلى الله عليه وسلم دائماً، يركز على الإمام العادل، لأنه صاحب قوة وقدرة، يستطيع أن ينفذ ظلمه في الناس، ولكنه ينسى قدرة الله عز وجل عليه، ولو أردنا الأمثلة لفاض بنا الحديث والمقام، وحسبنا أن نذكر أنفسنا بالفاروق العادل رضي الله عنه، كيف أقام العدل في نفسه وكيف كان دقيقاً حتى قال: "لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها لما لم أسوي لها الطريق؟" أين حكام المسلمين وسلاطينهم من هذا؟ أين هم قبل ذلك من قدوتهم العظمى رسولنا صلى الله عليه وسلم؟ ولو أفضنا في ذلك لرأينا صورا كثيرة { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ } يتحول بها الحكم القضائي بشهادة باطلة وظلم وتآمر من حق إلى باطل، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنكم لتختصمون إلي وإن أحدكم يكون ألحن بحجته من صاحبه فأقضي له بنحو مما أسمع فمن قضيت له بغير حقه فإنما أقتطع له قطعة من النار فليأخذ أو ليدع) (11) (من ظلم قيد شبر -أي بغير حق- من الأرض طوقه من سبع أرضين) (12) (الذي يأخذ بعيرا يأتي وهو يحمله وله رغاء، والذي يأخذ بقرة أو ثور يأتي وهو يحمله وله خوار، والذي..) (13) هكذا كل أحد بظلمه، (والغادر يرفع له لواء يوم القيامة يفضح على رؤوس الأشهاد بين الخلائق) (14) ، وذلك كله نعرفه وثابت عندنا بآيات مقروءة وأحاديث مروية، فأين القلوب الحية؟ وأين الذي يعتبر بالواقع المشهود الذي يراه بأم عينه فضلا عما يكون في هذه الآيات { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } وذلك متوجه إلى أهل العلم عندما يظلمون الناس فلا يبنون لهم الحق، إما بكتمانه وإما بتغييره وتزييفه، وإما بتبديله وتغييره، فيقع الناس في ظلام عظيم وفتنة عمياء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (فيتخذ الناس رؤساء جهالا فيستفتوا فيفتوا بغير علم فيضلوا ويُضلوا) (15) .
وصور ذلك كثيرة غير أني أعيدكم أخيرا إلى الصور التي تخصني وتخصكم، إلى ممارساتنا اليومية إلى معاملاتنا الدائمة في بيوتنا وفي أعمالنا، ابرؤوا من الظلم وامتنعوا عنه، علّ الله عز وجل أن ينجينا من كل هذه البلايا والرزايا وأن يصرف عنا الكوارث والمصائب، فإن الله سبحانه وتعالى قال: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } والظلم من أعظم ما يقع به البلاء وتحل به الرزايا.
فنسأل الله عز وجل أن يجعل في قلوبنا خشيته وتمنعنا عن الظلم ونسأله سبحانه وتعالى أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً
الظلم وضع الشيء في غير موضعه، أخذ غير الحق والعدوان على الآخرين، كم هي صوره في واقعنا، لا تنظروا إلى ما تكررونه ونكرره دائما على المستوى العام، فننظر إلى ظلم الكفرة والفجرة من أعداء الإسلام، وذلك مظنون ومتوقع، ولا تتعلقوا كذلك بظلم الكفرة المعتدين على المسلمين هنا وهناك، بل ولا حتى ظلم المعتدين والمتجاوزين للحد من أصحاب السلطة والقوة هنا وهناك، بل انظروا أكثر وأكثر إلى الظلم الذي يقع مني ومنك، ظلم تتنوع صوره، ألسنا نسمع ونعرف وكل منا عنده من بعض الوقائع والشواهد ما يعرفه من أنواع الظلم المختلفة، ظلم يقع على المستخدمين من العمال والخدم وغيرهم، فلا يعطون أجورهم، ولا يوفون حقوقهم، وهذا يتسلط بالنظام والكفالة، وذاك يعتدي بالقوة والجبروت في إساءة للمعاملة واعتداء بالظلم وغير ذلك من صور كثيرة تعرفونها وتجدون آثارها في الشكاوى والقضايا والمظالم التي تملأ أروقة الجهات الرسمية والقضائية.
ألسنا تحدثنا في الجمعة التي خلت عن أنواع من الظلم تقع في داخل البيوت يتقوى بها رجل يظن نفسه صاحب سلطان قاهر على زوجة ضعيفة أو على أبناء لا حول لهم ولا قوة من سياط القول الظالم أو الاعتداء المباشر أو الإهمال التام، أو تضييع الحقوق وإمساك النفقة أو غير ذلك من صور كثيرة هنا وهناك، وإذا نظرنا إلى دائرة أوسع فكم هي الحقوق المستلبة؟ والمظالم المنتهبة فيما بين الناس؟ وليس فيما بين السلاطين والحكام والرعية فحسب، كم من هؤلاء الناس اليوم قد أخذ شيئا من حق غيره؟ وقد غمط غيره ما له من الحق؟ سواء كان حقا ماليا أو معنويا، أظن أنني لست محتاجا إلى إثبات البراهين، ولم يكن ذلك كذلك لما رأينا الشكوى العظيمة المتنامية التي نسمعها وتصم آذاننا في كل حال وآن، امرأة تشكو زوجها، ومكفول يشكو كفيله، وضعيف يشكو القوي الذي اعتدى على حقه، وجار يشكو من بغي جاره، وصور كثيرة أحداث عجيبة، حتى كأن العدل والإنصاف أصبح كما يقولون في خبر كان، أو أصبح من الندرة ما يصدق فيه حديث النبي صلى الله عليه وسلم في باب آخر في حديث حذيفة في الصحيح: (وترفع الأمانة حتى يقال في بني فلان رجل أمين) (2) حتى يكون في القوم والقبيلة واحد يوصف بالأمانة وبقيتهم نسأل الله السلامة.
واليوم من يعدل وينصف من نفسه، ويعطي الحق كما أعطى سيد الخلق صلى الله عليه سلم، يوم كان ينادي في الناس ويدعوهم، ويقول من كان له حق فليطلب حقه مني، وهو بأبي وأمي عليه الصلاة والسلام لم يأخذ حق أحد مطلقا، أما رأيتم وقرأتم تلك القصة في يوم بدر، يوم قال: (استوي يا سواد) وطعنه بعصا في بطنه ليسوي الصف، فقال: "أوجعتني يا رسول الله" فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم لتوه وفوراً ومباشرة وفي اللحظة ذاتها، كاشفا عن بطنه: (اقتص لنفسك يا سواد) فيهوي سواد إلى بطن النبي صلى الله عليه وسلم ويقبله (ما حملك على هذا) قال رأيت ما قد حضرنا فيه فأردت أن يكون آخر العهد أن يمس جسدي جسدك.
ألسنا نعرف كيف عهد النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع النهي التام عن الظلم والبغي، وأنه يضع كل ظلم تحت قدميه، وأنه يبدأ بنفسه وآل بيته عليه الصلاة والسلام.
لو فكر كل واحد منا الآن واستعاد في ذهنه معاملاته مع الغير أحسب أنه سيستطيع تسجيل قائمة غير قليلة من مواطن ظلمه وعدوانه على غيره.
ولعلي هنا أنتقل بكم إلى العلة التي تدفع الظالم إلى ظلمه، لما يظلم الناس؟ أول هذه الأسباب:
وجود القدرة والقوة مع استضعاف الطرف المقابل، ألست ترى الزوج والرجل يظلك زوج أو يعتدي عليها ضربا بغير حق؟ لما؟ لأن عنده قوة ويستضعف الطرف الآخر.
أمر ثاني وهو مهم: الأمن من العقوبة، لو علم أنه سيجد المظلوم من ينصره وسيقام على الظالم ما يردعه فإن الأمر سيكون على غير ذلك، "من أمن العقوبة أساء الأدب" وهذا الذي تطال به الأيدي في كل جانب من الجوانب.
وأمر ثالث وهو الأخطر والأدهى والأمر: نسيان العقوبة الأخروية، نسيان أن بعد الدنيا آخرة، وأن الدواوين الثلاثة سوف تكشف ومنها الديوان الذي لا يترك الله منه شيء أبداً، وهو ديوان ما بينك وبين الناس، ومالهم من حقوق عندك، والنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا ويبين لنا وينبهنا عندما يستعيذ في دعائه صلى الله عليه وسلم فيكون مما يستعيذ منه دعوة المظلوم (3) كما ورد في سنن الترمذي بسند حسن.
لعلنا نقف مع هذا الظلم لننظر إلى جوانب كثيرة نحتاج أن نتدبرها ونتأملها، ما هي صفة الظلم؟ وماذا سيلحق بك إن كنت ظالما ولو بشيء قليل أو يسير؟
أول شيء أن الظلم تعدٍ على حدود الله عز وجل { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } فما من صورة ظلم إلا وهي تعد على حدود الله، فانظر وارقب نفسك.
والظلم صفة الكافرين { وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ } فكل ظالم فيه شبه من أهل الكفر بقدر ظلمه نسأل الله السلامة.
والظلم سمة الجاحدين { وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ } فهل تريد لنفسك هذه الأوصاف متعديا على حدود الله؟ أو كافراً بنعمة الله؟ أو جاحداً لآيات الله أو قدرة الله؟
ثم انظروا إلى ما ينتظر كل ظالم في دنياه قبل أخراه، عقوبات شتى، هي المصائب التي بدأت القول بأن نحذر منها، وأن نسعى إلى اجتنابها، فإن الظلم مرتعه وخيم، وعاقبته عظيمة وأليمة، فالله جل وعلا يبين لنا صورة الظالمين وما يحل بهم من كرب وهوان عند سكرات الموت: { وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } هذه صورة تلحق بكل ظالم وإن كان الظلم هو الكفر في أصل معناه.
وانظر كذلك إلى حرمان الفلاح { إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ } ، والآية مطلقة في معناها، وكل ظلم بحسبه وبحسب مقداره وبحسب الضرر الذي يتولد عنه في دنيا الناس.
وانظر كذلك إلى حرمان النعم فإن من أعظم أسبابها وقوع الظلم والله جل وعلا قال: { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } .
وبقدر ظلمك تحرم من النعم، وليس بالضرورة نعم المال والجاه، فقد تحرم نعمة الطمأنينة فتضل خائفاً، أو نعمة الصحة فتبقى مريضاً، أو نعمة الراحة فتبقى قلقاً، صوراً كثيرة نراها في أعين وسير الظلمة مما يدلنا على حرمانهم من نعم الله عز وجل العظيمة التي يحتاجون إليها.
وانظر كذلك إلى صورة أخرى فيها عبرة لكل معتبر وهي أن الظلم عاقبته منتهية وحبله قصير، ويده منكسرة، لأنه لا يبلغ شأوه إلا وعليه ما عليه من العقوبات، { فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } هل رأيتم أظلم من فرعون وأطغى منه؟ أين حاله وكيف انتهى مصيره؟ وهكذا غيره وغيره.
ومن ذلك استحقاق العقوبة العاجلة { أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } الذين ظلموا هم الذين تعجل لهم العقوبة، وقصص القرآن في ذلك كثيرة، ففي قصة نوح { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ } سيحيق بهم العذاب، سيحل بهم البلاء {فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ } كل أحد يظلم سيلحقه وستلحقه عقوبة عاجلة غير آجلة في جملة الأحوال في صور مختلفة.
وأما الأخروية وما أدراك ما الأخروية، ومن ذا الذي يستطيع أن يفكر مجرد التفكير في القدرة على تحمل أو تقبل العقوبة الأخروية بين يدي الله جل وعلا العذاب الأليم الشديد، اقتطاع حق المظلوم من الظالم كما قال صلى الله عليه وسلم: (حتى تقاد الشاة الجماء من الشاة القرناء) (4) الشاة التي ليس لها قرون يؤخذ لها حقها من الشاة ذات القرون التي نطحتها وظلمتها، فكيف بنا معاشر بني آدم ومعاشر المسلمين المكلفين بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
واستمع إلى التهديد والوعيد العظيم المهول الذي تنخلع له القلوب المؤمنة وترتعد منه الفرائص المسلمة { وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ، مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء } من شدة الخوف والهلع والجزع، من الذي يجزي هذا التهديد والوعيد، رب الأرباب ملك الملوك، جبار السماوات والأرض.
واستمع إلى قوله سبحانه وتعالى في مثل هذا الأمر { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } ظالم يظلم ليأخذ حق هذا وهذا، ويملأ خزائنه من حقوق الناس، يوم القيامة لو أن له الدنيا وما فيها ومثلها معها لافتدى به من عذابه يوم القيامة، فلما لا تفتدي نفسك اليوم قبل الغد؟ ولما لا تسمع ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له عند أخيه مظلمة فليتحلل منه قبل أن لا يكون تحلل، وإنما يؤخذ من حسناته فإذا فنيت أخذ من سيئاته فطرحت عليه) (5) .
وهكذا نجد الصور الكثيرة، والمعاني العظيمة الخطيرة التي ينبغي لنا أن نقرأها بقلوبنا، أن نتمعنها ونتدبر في معانيها بعقولنا، أن ننظر إلى مواضع العبرة في واقعنا، أما رأينا ظلمة كيف انتهت بهم حالهم إلى انقلاب السحر على الساحر فصاروا مسجونين أو مقتولين أو غير ذلك، أما رأينا أصحاب سلطان وقهر وقوة وجبروت وقد صارت حالهم إلى ذلة وضعف وهوان، أما في هذا عبرة لمعتبر، أما في هذا ردع لمتذكر حتى نجنب أنفسنا ذلك، نداء لكل من وقع في الظلم أو مارسه، { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } اليوم قبل الغد، الحياة قبل الموت، القوة والقدرة قبل الضعف والعجز، احذر فإن الأمر جد خطير، وإن البلاء يوشك أن يحل وأن يحيط، والعقوبة لن تكون خاصة {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } كثيرة هي البلايا التي حلت بنا بسبب الظلم الذي فشا فيما بيننا، والسكوت عن هذا الظلم وعدم نصرة المظلوم {فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ } عندما خرست الألسن، عندما لم يؤخذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي ذكرها البراء بن عازب في الصحيح (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع -وذكر منها- نصرة المظلوم) (6) وعندما تحدثوا في الجلوس في الطرقات قال: (وإن من حقها إعانة المظلوم) (7) وعندما تحدث النبي صلى الله عليه وسلم إلينا قال: (انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قيل يا رسول الله عرفنا نصرته مظلوما فكيف ننصره ظالما قال تردعه عن ظلمه فتلك نصرته) (8) .
أين الذين يردعون عن الظلم، سواء كانوا من أصحاب السلطان أو من أصحاب العلم أو حتى من الأصدقاء والأحباء، فكم نعرف من صديق نرى منه ظلما لأهله أو لجاره أو لغير ذلك، ثم نغض الطرف ونمسك اللسان ولا نقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى فشت المظالم وكثرت وظهرت صورها وارتفعت أصواتها وضج المجتمع من كثرة الشكوى منها.
وليست مرة أخرى تعني أحدا غيرنا، فنحن جميعا بقدر أو بآخر، بصورة أو بأخرى بكثير أو بقليل قد نمارس شيئا من الظلم على غيرنا، أو من نتسلط عليه ونقدر على ظلمه. { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } ارجع أيها الظالم إلى ربك واستغفر لذنبك، واندم على عدوانك علّ الله عز وجل أن يمحو ذنبك، وانتبه إلى النداء الذي يعم كل أحد ويخصك أيها الظالم، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ } وتأملوا قوله جل وعلا {وَسَكَنتُمْ فِي مَسَـاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ } كل الذي نراه في دنيانا يظهر لنا آثار من ظلموا من قبلنا {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا } أي بسبب ظلمهم أفلا نراها فنعتبر؟ أفلا نقرأ عنها فندكر؟ أفلا يمنعنا ذلك مع ما جاء في آيات الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننتهي عن الظلم فلا يكون في البيوت ولا يكون في الأسواق ولا يكون بين الأصحاب فضلا عن أن يكون من الحكام أو غيرهم من أصحاب السلطة والقوة والقهر، وذلك صوره كثيرة وهو الظلم العام الأشد خطراً والأوسع ضرراً والأكثر فيما تترتب عليه العقوبة الدنيوية قبل الأخروية، { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ } وكم نركن إلى ظالمين وكم نجد الظالم وعنده أعوان يعينونه على ظلمه وينتفعون منه ويركنون إليه ويعتمدون عليه، فهل ترون ظالما واحدا يستطيع أن يصنع كل ذلك البغي والقهر والظلم؟ كلا، لولا أن له أعوان.
ومما يذكر في ذلك عن الإمام أحمد عندما كان في سجنه أو كان يسجن، وكان سجانه يخشى أن يكون من أولئك - أي من الذين ركنوا إلى الظلمة- قال: لا أنت من الظلمة، لست من الذين ركنوا إلى الظلمة أنت من الظلمة أنفسهم.
وهذه دوائر كثيرة ينبغي أن ننتبه لها ونحذر منها { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } وهكذا ينبغي أن ننتبه وأن نحذر فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في وصيته: (واتقي دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب) (9)
تنام عيناك والمظلوم منتبه == يدعو عليك وعين الله لم تنم
سهام الليل لا تخطئ أبواب السماء لها تفتح، والله ينتصر لها ولو بعد حين، فاحذر كما قال الله جل وعلا: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } وكما قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم: (إن الله ليمهل للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته) (10)
اللهم أعذنا من الظلم وأهله واجعلنا من العادلين المقسطين، أقول هذا القول واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
وإن أعظم التقوى الترفع والتورع عن حقوق الناس، والعدل والإنصاف معهم، وعدم ظلمهم والاعتداء عليهم، فإن ذلك مغبته عاجلة وآجلة، وإن الإنسان لينظر إلى صور ظلم عام فيجد فيها ما يجد من الآثار التي لا بد من ذكرها والتنبيه عليها والتنبيه على خطرها، فإن من أنواع الظلم ما يعم الناس وذلك مما يكون بيدي أهل السلطة أو أهل العلم أو أهل القضاء، لأن أولئك ينفذ أمرهم في الناس ويشيع بينهم، ومن هنا نرى ذلك كما قال الله عز وجل: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا } وهذه صور لبعض من يمنعون الخير ويظلمون الناس ويعتدون على شرائع وشعائر الإسلام، كما نعلم ونعرف عن سن قوانين تمنع المرأة المسلمة أن تتحجب، ليس في بلاد الكافرين بل في بلاد المسلمين، وكما نعرف صوراً من القوانين التي تخالف شرع الله عز وجل ويتسلط بها على رقاب الخلق والرعية، فلئن كان ظلمي قد يخص زوجتي أو ابن من أبنائي أو قلة ممن يعملون معي فإن ظلم هذا يعم، ومن هنا كان قول النبي صلى الله عليه وسلم دائماً، يركز على الإمام العادل، لأنه صاحب قوة وقدرة، يستطيع أن ينفذ ظلمه في الناس، ولكنه ينسى قدرة الله عز وجل عليه، ولو أردنا الأمثلة لفاض بنا الحديث والمقام، وحسبنا أن نذكر أنفسنا بالفاروق العادل رضي الله عنه، كيف أقام العدل في نفسه وكيف كان دقيقاً حتى قال: "لو عثرت بغلة في العراق لخشيت أن يسألني الله عنها لما لم أسوي لها الطريق؟" أين حكام المسلمين وسلاطينهم من هذا؟ أين هم قبل ذلك من قدوتهم العظمى رسولنا صلى الله عليه وسلم؟ ولو أفضنا في ذلك لرأينا صورا كثيرة { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ } يتحول بها الحكم القضائي بشهادة باطلة وظلم وتآمر من حق إلى باطل، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنكم لتختصمون إلي وإن أحدكم يكون ألحن بحجته من صاحبه فأقضي له بنحو مما أسمع فمن قضيت له بغير حقه فإنما أقتطع له قطعة من النار فليأخذ أو ليدع) (11) (من ظلم قيد شبر -أي بغير حق- من الأرض طوقه من سبع أرضين) (12) (الذي يأخذ بعيرا يأتي وهو يحمله وله رغاء، والذي يأخذ بقرة أو ثور يأتي وهو يحمله وله خوار، والذي..) (13) هكذا كل أحد بظلمه، (والغادر يرفع له لواء يوم القيامة يفضح على رؤوس الأشهاد بين الخلائق) (14) ، وذلك كله نعرفه وثابت عندنا بآيات مقروءة وأحاديث مروية، فأين القلوب الحية؟ وأين الذي يعتبر بالواقع المشهود الذي يراه بأم عينه فضلا عما يكون في هذه الآيات { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } وذلك متوجه إلى أهل العلم عندما يظلمون الناس فلا يبنون لهم الحق، إما بكتمانه وإما بتغييره وتزييفه، وإما بتبديله وتغييره، فيقع الناس في ظلام عظيم وفتنة عمياء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم (فيتخذ الناس رؤساء جهالا فيستفتوا فيفتوا بغير علم فيضلوا ويُضلوا) (15) .
وصور ذلك كثيرة غير أني أعيدكم أخيرا إلى الصور التي تخصني وتخصكم، إلى ممارساتنا اليومية إلى معاملاتنا الدائمة في بيوتنا وفي أعمالنا، ابرؤوا من الظلم وامتنعوا عنه، علّ الله عز وجل أن ينجينا من كل هذه البلايا والرزايا وأن يصرف عنا الكوارث والمصائب، فإن الله سبحانه وتعالى قال: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ } والظلم من أعظم ما يقع به البلاء وتحل به الرزايا.
فنسأل الله عز وجل أن يجعل في قلوبنا خشيته وتمنعنا عن الظلم ونسأله سبحانه وتعالى أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً
الصفحة الأخيرة