بين العام والخاص

الملتقى العام

العام والخاص اصطلاحان يطلقان على المجالين الاجتماعي المشترك والأسري الشخصي بالتوالي ، وهما مصطلحان ينتميان للنظرية الليبرالية التي تجعل العام مساحة للفعل الاجتماعي والسياسي والعلاقات التعاقدية والخاص مساحة حميمة للعلاقات الإنسانية والعاطفية.
وعبر قرون طويلة كان الدين يسود مساحة " العام " ويحكمها بمنظومة قيمية وأخلاقية ، ويتداخل مع الخاص عبر وحدة الأسرة التي هي وحدة دينية تقوم على معاني الوفاء والإخلاص والمودة والإيثار والتضحية من أطرافها كلهم تجاه بعضهم البعض ، وما بين العام والخاص كانت دوائر الأسرة الممتدة والجيرة تمثل مناطق عازلة وحامية للفرد وداعمة له مع قيامها في الوقت ذاته بوظيفة الضبط الاجتماعي أي ضبط سلوكه وتقويمه لينضبط مع " النظام العام " خاصة سلوكه الجنسي.
كل نقطة من هذه النقاط السالفة يمكن الكتابة فيها بالتفصيل فلسفة وتاريخاً وتطوراً ونظريات ومفاهيم، ولكن الذي نركز عليه هنا - لأنه صارله دلالة خطيرة في واقعنا العربي الذي تسير أنظمته على خطي العلمانية والعولمة الأمريكية -هو تبادل الدين والجنس مواقعهما في هذا التقسيم إذ بعد أن كان الجنس شأناً خاصاً له بعده العام من خلال الضبط القانوني والرقابة الاجتماعية عليه ليظل في إطار الزواج والأسرة ، وكان الدين ممارسات وشعائر وقيماً تنظم حياة المجتمع في كيانه العام المشترك وفعالياته الاجتماعية المختلفة ، أدت مسيرة العلمنة الغربية إلى فصل الدين عن الحياة العامة والاجتماعية بعد أن تم طرده من مساحة السياسة (لأسباب وجيهة في التاريخ الغربي).
وهكذا دخل الدين إلى الخاص وتم حبسه فيه ليصبح الالتزام الديني وما يرتبط به من أخلاق شأنا فردياً لا يتدخل فيه المجتمع بالتربية أو التوجيه ، وبقي المجال العام يحمل بقايا قيم وأخلاق ظن الناس أنها " مثُل " وغفلوا عن أن أصلها الدين ، وأنها بغيره تذبل وتموت ، وهذا هو عين ما حدث بعد عقود قليلة ، إذ سرعان ما غلبت المادية النسبية الأخلاقية في الاجتماع بعد أن سادت النفعية وقوانين الربح في الاقتصاد ، وتلاشت بقايا القيم الأخلاقية وزالت رائحة الدين منها ، لكن القصة لم تقف عند هذا الحد ، بل بدأ بالجنس الذي كان في المجال الخاص يخرج للمجال العام ممارسة وتجارة وإعلاناً وفنوناً ، وهكذا تم تبادل المواقع بين الدين والجنس ، ليصبح الدين شأناً خاصاً وفردياً ، والجنس مسألة حرية تمارس علانية وأجساداً تدخل سوق رأس المال لتصبح وسيلة كسب مربحة . تصبح قضايا " الهوية الجنسية " موضوعاً للحركات النسوية والشواذ ، والمعاشرة الجنسية موضوعاً لأفلام البورنو ومواقع الإنترنت ، والمغامرة الجنسية موضوعاً لنشاط الشباب الذهني والحياتي ، وتوارى الدين ليمارس في بيوت العبادة شبه المهجورة وخلف الأبواب المغلقة في حين يمارس الجنس في الحدائق وعلى قارعة الطريق ، وتبقى السياسة حرفة النخبة وصيغة القوة على جثة صناديق الإنجاب.
إن ما نشهده الآن في مجتمعاتنا العربية هو سيناريو مشابه وما لم يدافع الناس عن دينهم في الشارع وفي المدرسة وفي كل المجال البصري فيوشك الآذان أن يكون خلفية صوتية غريبة لمشهد بالغ التحلل والشهوانية.

د.هبةرؤوف عزت
3
676

هذا الموضوع مغلق.

نسيم الجنوب
نسيم الجنوب
جزاك الله خيرا اخي .. اختيار موفق ...
فعلا ما قالته الدكتورة هبة حاصل فعلا في بعض مجتمعاتنا العربية .. وللا سف بدا في الظهور ولو على استحياء في مجتمعنا السعودي .. ولا حول ولا قوة الا بالله .............
الاصيله
الاصيله
فعلاً هذا هو ما يحدث الآن للأسف ...



شكرا لك الأخ أبو الحسن نقل طيب ..وجزاك الله خير ...


وجزى صاحبة المقال الدكتورة هبة رؤوف عزت كل خير...

ومثل هذه الكتابات تبشر بوجود الخير دائماً ...الله رد كيد أعداء الدين إلى نحورهم وأعزنا بالاسلام اللهم آمين ...


إنا لله وإنا إليه راجعون ...
سارة جعفر
سارة جعفر
شكرا للاخ ابو الحسن

واقول ان ما يحدث الان هو نتيجة التقليد الاعمى وكذلك نتيجة

اعتقاد زرعه الغرب فى النفوس الضعيفة اعتقاد اننا شعوب متخلفة

او كما يقولون العالم الثالث ويرجعون تاخرنا الى تمسكنا بالدين

ومن هنا استطاعوا الدخول الى نفوس شبابناالضائعون .