بنات متى اختباركم قياس قسم عربي الصباح ولا المساء؟؟؟؟
ارجو الافاده عشان ان كان صباح السبت يوم8
تنزلون اسئله جاتكم عشان نراجعها ساعدوووني
هو فيهاختبار بالفتره الصباحيه ولاكلكم مسائيه ؟؟؟ يوم السبت اول يوم اختبار اي وقت تختبرون ؟؟
ردو والله يوفقنا جميعا



الصفحة الأخيرة
الأغراض البلاغية للاستفهام :
النفي :
"هل جزاء الإحسان إلا الإحسان "
" هل يهلك إلا القوم الظالمون"
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ورأي أمير المؤمنين جميل
هل الدهر إلا غمرة وانجلاؤها وشيكا وإلا ضيقة وانفراجها
هل الدهر إلا ساعة ثم تنقضي بما كان فيها من بلاء ومن خفض
ومن لم يعشق الدنيا قديما ولكن لا سبيل إلى الوصال
يفنى الكلام ولا يحيط بفضلكم أيحيط ما يفنى بما لا ينفد
الإنكار : تكذيب الدعوى
أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا"
"فاستفتهم ألربك البنات ولهم البنون "
"أتقولون على الله ما لا تعلمون "
"أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير"
"أغير الله تدعون"
"أغير الله أتخذ وليا "
" أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين"
متى يبلغ البنيان يوما تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم.
أفي الحق أن يعطى ثلاثون شاعرا ويحرم ما دون الرضا شاعر مثلي.
أتلتمس الأعداء بعد الذي رأت قيام دليل أو وضوح بيان.
قال أبو تمام:
أؤلبس هجر القول من لو هجوته إذا لهجاني عنه معروفه عندي.
قول امرئ القيس :
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ومسنونة زرق كأنياب أغوال
فدع الوعيد فما وعيدك ضائري أطنين أجنحة الذباب تضير
التقرير :
" ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا"
"أليس الله بأحكم الحاكمين"
" أليس في جهنم مثوى للكافرين"
"ألم نربك فينا وليدا"
" ألم نشرح لك صدرك "
"ألم يأتكم نذير"
ألستم خير من ركب المطايا وأندى العامين بطون راح
ألست أعمهم جودا وأزكاهم عودا وأمضاهم حساما
التهكم والسخرية والتحقير:
" أهذا الذي بعث الله رسولا"
"قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا"
أهذا الذي مدحته كثيرا
"أهذا الذي يذكر ءالهتكم ".
فدع الوعيد فما وعيدك ضائري أطنين أجنحة الذباب يضير
المتنبي يهجو كافورا:
من أية الطرق يأتي مثلك الكرم أين المحاجم يا كافور والجلم
قال أبو العلاء المعري:
أتظن أنك للمعالي كاسب وخبي أمرك شرة وشنار
التعجب:
ما للخطوب طغت علي كأنها جهلت بأن نداك بالمرصاد
"ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا "
"وتفقد الطير فقال مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين "
"ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق"
فعلام يلتمس العدو مساءتي من بعد ما عرف الخلائق شاني
أبنت الدهر عندي كل بنت فكيف وصلت أنت من الزحام
أنشأ يمزق أثوابي يؤدبني أبعد شيبي يبغي عندي الأدبا
وكيف تعلك الدنيا بشيء وأنت لعلة الدنيا طبيب
وكيف تنوبك الشكوى بداء وأنت المستغاث لما ينوب
ما أنت يا دنيا أرؤيا نائم أم ليل عرس أم بساط سلاف
ألإسرائيل تعلو راية في حمى المهد وظل الحرم.
وما لك تعنى بالأسنة والقنا وجدك طعان بغير سنان
وكيف أخاف الفقر أو أحرم المنى ورأي أمير المؤمنين جميل
قال المتنبي حين صرع بدر بن عمار أسدا :
أمعفر الليث الهزبر بسوطه لمن ادخرت الصارم المسلولا (أي لا لزوم لاستخدام السيف)
التسوية:
" سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفرالله لهم"
"سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين "
ولست أبالي بعد إدراكي العلا أكان تراثا ما تناولت أم كسبا
ولست أبالي بعد إدراكي العلا أكان تراثا ما تناولت أم كسبا
التشويق:
"يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم".
هل أبشرك بما يفرح به قلبك؟
التمني :
" فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا "
أسرب القطا هل من يعير جناحه لعلي إلى من قد هويت أطير.
ياطيور السماء هل من سبيل تصل النفس بالليالي السعيدة
قول أبي العتاهية مخاطبا الأمين:
تذكر أمين الله حقي وحرمتي وما كنت توليني لعلك تذكر
فمن لي بالعين التي كنت مرة إلي بها في سالف الدهر تنظر
الأمر:
"فهل من مدكر"
" فهل أنتم مسلمون"
"وقل للذين أوتوا الكتاب والأمين ءأسلمتم"
"إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون"
التوبيخ:
" إلام الخلف بينكمو إلاما وهذي الضجة الكبرى علاما "
"كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم" إنكاري توبيخي
" وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله"
الحث :
"ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله "
"ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر"
الوعيد:
"ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين "
"ألم تر كيف فعل ربك بعاد "
التحضيض:
"ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة"
العرض:
" ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم "
التهويل :
" القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة"
"الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة"
التحقيق:
"هل أتى على الإنسان حين من لدهر لم يكن شيئا مذكورا "
الاستبطاء:
"متى نصر الله "
حتى متى أنت في لهو وفي لعب والموت نحوك يهوي فاتحا فاه
الاستبعاد:
"أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين"
"أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة"
أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين"
التحسر
مال للمنازل أصبحت لا أهلها أهلي ولا جيرانها جيراني
من للمحافل والجحافل والسر
قال أبو العتاهية في مدح الأمين : فمن لي بالعين التي كنت مرة إلي بها في سالف
الدهر تنظر
أيدري الربع أي دم أراقا وأي قلوب هذا الرعب شاقا
هل بالطلول لسائل رد أم هل لها بتكلم عهد.
التمني:
"فهل من شفعاء فيشفعوا لنا"
التعظيم:
" فبأي آلاء ربكما تكذبان"
أمثلة على النداء فيما جرى على الأصل:
أي بني أعد علي ما سمعت مني: الأداة أي وقد استعملت في نداء القريب جريا على الأصل.
أمحمد لا ترفع صوتك حتى لا يسمع حديثنا أحد:
الأداة الهمزة وقد استعملت في نداء القريب جريا على الأصل
قد تخرج ألفاظا لنداء عن معناها الأصلي وهو طلب الإقبال إلى معان أخرى تستفاد من القرائن:
الزجر:
يا قلب ويحك ما سمعت لناصح لما ارتميت ولا اتقيت ملاما كلاما
بالله قل يا فلان ولي أقول ولي أسائل
أتريد في السبعين ما قد كنت في العشرين فاعل
أفؤادي متى المتاب ألما تصح والشيب فوق رأسي ألما
التحسر والتوجع:
يا شبابي وأين مني شبابي آذنتني حباله بانقضاب"
مثل نداء القبور والموتى والديار والمنازل حيث تكمن آلام الشعراء وأحزانهم وتحسرهم
"يا ليتني كنت ترابا"
" يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله.
أيا قبر معن كيف واريت جوده وقد كان منه البر والبحر مترعا
دعوتك يا بني فلم تجبني فردت دعوتي يأسا عليا
أعداء ما للعيش بعدك لذة ولا لخليل بهجة بخليل
يا دار عاتكة حييت من دار سيرت فيك وفيمن فيك أشعاري
يا درة نزعت من تاج والدها فأصبحت حلية في تاج رضوان
يا لائمي دعني أغالي بقيمتي فقيمة كل الناس ما يحسنونه
يا دار مية بالعلياء فالسند أقوت وطال عليها سالف الأمد
فيا برق ليس الكرخ داري وإنما رماني إليه الدهر منذ ليالي
الإغراء :
كمثل قولك لمن أقبل يتظلم : يا مظلوم تكلم.
يا شجاع أقدم
الاستغاثة:
يالله للمؤمنين
يا للشباب . يا لذوي الغيرة. ياللذابين عن الدين.
الندبة :
فواعجبا كم يدعي الفضل ناقص وواأسفا كم يظهر النقص فاضل
واحر قلباه ممن قلبه شبم ومن بجسمي وحال عنده سقم
التعجب:يالك من قبرة بمعمر خلا لك الجو فبيضي واصفري
فيالك من ليل كأن نجومه بكل مغار الفتل شدت بيذبل
الاختصاص خبر، والنداء *****
رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت
كل الناس أفقه منك يا عمر
أنا أفعل كذا أيها الرجل
إنا بني نهشل لا ندعي لأب
أنا أيها المسكين أطلب المعروف
فالمراد بالاسم الظاهر ليس المخاطب وإنما المتكلم نفسه.
العتاب:
يا أبا القاسم الذي كنت أرجو ه لدهري قطعت متن الرجاء
التنبيه:
"يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما"
يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة.
الدرس الثالث عشر
(الإيجاز.. والإطناب.. والمساواة) تمهيد
(الإيجاز): هو وضع المعاني الكثيرة في ألفاظ أقل، مع وفائها بالغرض المقصود ورعاية الإبانة والإفصاح فيها.
و (الإطناب): زيادة اللفظ على المعنى لفائدة.
و (المساواة): تساوي اللفظ والمعنى، فيما لم يكن داع للإيجاز والإطناب.
كما أنه إذا لم تف العبارة بالغرض سمّي: (إخلالاً).
وإذا زاد على الغرض بدون داع سمّي: (تطويلاً)
فمثال الإيجاز، قوله : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (الأعراف:199)
ومثال الإطناب، قوله : قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (طـه:18)
ومثال المساواة، قوله : وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ (الاسراء: من الآية13).
ومثال الإخلاء، قول اليشكري:
والعيش خير في الــظلا ل النوك ممّـن عـاش كدّاً
أراد: أن العيش الرغد حال الحمق، أفضل من العيش النكد في ظلال العقل، وهذا إخلال.
ومثال التطويل، قول ابن مالك:
كذا إذا عاد عليه مضمر ممـــا به عنه مبيناً يخبر
=============
(1) الإيجاز
الإِيجاز لغة: اختصار الكلام وتقليل ألفاظه مع بلاغته، يقالُ لغة: أوجز الكلامَ إذا جعله قصيراً ينتهي من نطقه بسرعة.
ويقال: كلامٌ وجيز، أي: خفيفٌ قصير. ويقال: أوْجَزَ في صَلاتِه إذا خفَّفها ولم يُطِلْ فيها.
فالمادّة تدور حول التخفيف والتقصير.
الإِيجاز في اصطلاح البلاغيين: هو التعبير عن المراد بكلامٍ قصير ناقص عن الألفاظ التي يُؤَدَّى بها عادةً في متعارف الناس، مع وفاء بالدّلالة على المقصود.
أو نقول: هو صياغة كلام قصير يدلُّ على معنىً كثير وافٍ بالمقصود.
ويكون ذلك عن طريق اختيار كلمات أو تعبيرات لها دلالات كثيرات: كالأمثال والكليّات من الكلمات.
أو عن طريق استخدام مجاز الحذف، لتقليل الكلمات المنطوقة، وتكون القرينة دالة على الحذف .
أو عن طريق استخدام ما بني على الإِيجاز في كلام العرب: كالحصر، والعطف، والضمير، والتثنية، والجمع، وأدوات الاستفهام، وأدوات الشرط، وألفاظ العموم، وغير ذلك.
فإذا لم يكن الكلام وافياً بالدّلالة على المقصود كان الإِيجاز فيه إيجازاً مُخِلاًّ، وذلك إذا كان الإيجاز فيه تقصير في المعنى.
أقسام الإيجاز
القسم الأول: "إِيجَازُ الْقِصَر" وهو الإِيجاز الذي لاَ يُعْتَمَدُ فيه على استخدام الحذفِ.
القسم الثاني: "إيجازُ الْحَذْف" وهو الإِيجاز الذي يكون قِصَرُ الكلام فيه بسبب حذف بعض الكلام اكتفاءًا بدلالة القرائِن على ما حُذف.
( أ )إيجاز الْقِصَر
هو الذي تكون فيه العبارات ألفاظُها قليلة، ومعانيها غزيرة، دون أن يكون فيها ما يدُلُّ على كلام مطويّ محذوف من اللّفظ، مُشارٍ إليه بقرينة من قرائن المقال، أو قرائن الحال، أو الاقتضاء العقلي..
مثل قوله : وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (البقرة: من الآية179) من أبْدع وأتْقَنِ "إيجَازِ الْقِصَر" الذي لا حَذْف فيه، إنّما فيه حُسْنُ انتقاء الكلمات، مع إتقان الصياغة، فهي على قِصَرِها وقلّةِ ألفاظها تَدُلُّ على معنىً كثيرٍ جِدّاً.
ومثل قوله :خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (الأعراف:199).
( ب ) إيجاز الحذف
سبق بيان أنّ "إيجاز الحذف" هو الإِيجاز الذي كونُ قِصَرُ الكلام فيه بسب استخدام حذف بعضه، اكتفاءً بدلالة القرائن على ما حُذِف.
إنّ من طبيعة البلغاء والمتحدّثين الأذكياء أن يَحْذِفوا من كلامهم ما يَرَوْن المتَلَقِّيَ له قادراً على إدْراكه بيُسْرٍ وسُهُولة، أو بشيء من التفكير والتأمُّل إذا كان أهلاً لذلك.
والسبب في هذا أنّ الإِسراف في الكلام لا يَليق برَزَانَةِ ورَصَانةِ أهل العقل والفكر الحصيف، بل هو من صفات الثرثارين وأهل الطيش والخفّة، وهو في الغالب من طبائع النساء.
فوائد الإيجاز بالحذف:
الفائدة الأولى: الاختصار اقتصاداً في التعبير، وذلك عند تحقق المعنى المراد لدى المتلَقِّي.
ومنه حذف المبتدأ إذا كان الخبر من الصفات التي لا تصلُحُ إلاَّ لله عزّ وجلّ، وككْون المحذوف ذكره وحذفه سواء.
الفائدة الثانية: إذا كان الوقت لا يتسع لذكر النحذوف ، أو أنّ الاشتغال بالتصريح به يُفضي إلى تفويت أمْرٍ مُهِمّ.
وتظهر هذه الفائدة كثيراً في باب "التحذير والإِغراء" ومنه ما في قول الله عزّ وجلّ المشتمل على قول صالح عليه السلام لقومه: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا. (الشمس:11-13)
فحذَّرَّهُمْ أن يَمَسُّوا نَاقَةَ الله، فحذَف فِعْلَ التحذير فقال: "نَاقةَ الله" والتقدير: ذَرُوا نَاقَةَ الله.
وأغراهم بأن يحافظوا على شروط سُقْيَاها، فحذف فِعْلَ الإِغراء فقال: "وسُقْيَاها" والتقدير: الزموا سقياها، أو الزموا شروط سقياها.
الفائدة الثالثة: التفخيم والتعظيم، أو التهويل ونحو ذلك، بسبب ما يُحْدِثُه الحذف في نفس المتلقّي من الإِبهام الذي قد يجعل نَفْسَه تقدّر ما شاءت دون حدود.
كحذف جواب الشرط في قول الله عزّ وجلّ: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى الّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (الزمر:73).
وتقدير الجواب: لَرَأَوْا شيئاً عظيماً جدّاً تعجز عباراتهم عن وصفه.
الفائدة الرابعة: التخفيف على النُّطْق لكثرة دَوَرَانه في الكلام على الألسنة.
وهذه الفائدة تظهر في حذف أداة النداء، وحذف النون من فعل "يكُن" المجزوم، وحذف ياء المتكلم، وحذف مثل ياء "يَسْرِي" كما قال : واللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ وحذف آخر المرخّم في النداء، ونحو ذلك.
الفائدة الخامسة: صيانة المحذوف عن الذكر تشريفاً له.
الفائدة السادسة: صيانة اللّسان عن ذكره فيحذَفُ تحقيراً له وامتهاناً.
الفائدة السابعة: إرادة العموم، مثل قولنا في الفاتحة خطاباً لربِّنا: وَإيَّاكَ نَسْتَعين أي: في أمور دنيانا وأُمور أخرانا.
الفائدة الثامنة: مراعاة التَّناظُر في الفاصلة، مثل قول الله عزّ وجلّ : وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (الضحى:1-3).
أي: وما قَلاَكَ.
الفائدة التاسعة: إرادة تحريك النَّفْس وشَغْلِهَا بالإِبهام الذي يتبعه البيان، حتى يكون البيان أوقع وأثبت في النفس.
مثل قول الله عزّ وجلّ : ...وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ.
أي: ولو شاء هدايتكُمْ لسلبكُمُ الاختيار ولجعلكم مجبورين، وإذن لهداكم أجمعين.
قالوا: إنّ مفعول المشيئة والإِرادة بعد الشرط لا يذكر غالباً إلاَّ إذا كان غريباً أو عظيماً.
شروط الحذف:
ذكروا شروطاً سبعة لجواز الحذف، منها ما هو بلاغيّ، ومنها ما يدور في فَلَكِ الصناعة النحويّة، ولكِنْ لم يتّضِحْ منها بلاغيّاً غير شرطين:
الشرط الأول: أنْ لا يُؤَدّيَ الحذْفُ إلى الجهل بالمقصود، فَيُشْتَرطُ أنْ يُوجَدَ دليلٌ يدلُّ علَى المحذوف، وقد يُعَبَّرُ عنه بالقرائن الدالة.
الشرط الثاني: أنْ لا يَكُونَ المحذوف مُؤكِّداً للمذكُور، إذْ الحذْفُ منافٍ للتأكيد.
والدليل الدّالُّ على المحذوف:
(1) إمَّا أنْ يكون من قرائن المقال الموجودةِ في السِّيَاق.
(2) وإمَّا أن يكون من قرائن الحال.
(3) وإمّا أن يكون من المفاهيم الفكرية والاقتضاءات العقليَّة، واللّوازم الذهنيّة.
أمثلة:
قول الله عزّ وجلّ في عرض لقطة من أحداث يوم الدّين: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً... .
أي: قالوا: أنْزَلَ رَبُّنَا خَيْراً. إنّ إجابتهم تقتصر على ذكر المفعول به فقط، وهو لفظُ "خيراً" وقد دلَّت قرينة المقال في سباقه على المحذوف.
أنواع الحذف:
الحذف ينقسم إلى خمسة أقسام.
القسم الأول: الاقتطاع.
القسم الثاني: الاكتفاء.
القسم الثالث: التضمين.
القسم الرابع: الاحتباك.
القسم الخامس: الاختزال.
أولاً : (الاقتطاع)
الاقتطاع: هو حذف بعض حروف الكلمة أو ما هو بمثابة الكلمة الواحدة وذلك لأغراض هي:
1- تخفيفاً على مخارج الحروف.
2- أو لداعي السرعة.
3- أو لأجل القافية في الشعر، أو الفاصلة في النثر.
4- أو التجبُّبِ في النداء، أو نحو ذلك من دواعي بلاغية.
فمنه حذف نون فعل "يكون" المجزوم، كما جاء في قول الله عزّ : أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (القيامة:39-37).
الأصل: "ألَمْ يَكُنْ" فَحُذِفَت النُّونُ تخفيفاً، وربّما لأغراضٍ أخرى تتصل بأعداد الحروف، أو لغير ذلك.
ومنه حذف إحدى التاءَيْن المتوالِيَتَيْن في الفعل الوارد على وزن "تَتَفعل" كما جاء في قول الله عزّ وجلّ : ذالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( الأنعاه:152).
تَذَكَّرُون: أصلُها تَتَذكَّرون، فَحُذِفْت إحدى التّاءَيْن تخفيفاً.
ومنه حذف التاء من استطاع على غير قياس، كما جاء في قول الله عزّ وجلّ: ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ( الكهف:82).
بعد أن قال له قبل هذا: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً (الكهف: 78).
ولعلّه أشار أخيراً بفعل "تَسْطعْ" إلى طبيعة موسى عليه السلام التي تقلُّ فيها استطاعة الصبر، فناسبها تقليل حروف الكلمة.
ومنه الترخيم في النداء، كما جاء في قول امرئ القيس:
أَفَاطِمُ مَهْلاً بَعْضَ هَذا التَّدَلُّلِ وَإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلي
أي: أَفَاطِمَةُ.
ومنه حذف آخر الكلمة لمراعاة التناسب في الفواصل، كما جاء في قول الله عزّ: وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ( الفجر:1-4).
يَسْرِ: أصْلُها يَسْرِي، فَحُذِفَ آخر حرف فيها لمراعاة الفاصلة.
ومنه حذف ياء المتكلم، كما جاء في قول الله عزّ وجلّ: فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ( القمر:16).
ونُذُرِ: أي: ونُذُرِي، فَحُذِفَتْ ياء المتكلم لمراعاة التناظر في الفواصل.
ثانيا : (الاكتفاء)
الاكتفاء: هو أن يقتضي المقام ذِكْرَ شيئَيْنِ بَيْنَهُمَا تَلازُمٌ وارتباط، فَيُكْتَفَى بأَحَدِهما عن الآخر لنكتةٍ بلاغيّة.
ويختصُّ غالباً بالارتباط العطفي.
أمثلة:
قول الله عزَّ وجلَّ : وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ( النحل:81).
ففي قوله تَعَالَى: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ إيجازٌ بالحذف، على سبيل الاكتفاء، إذِ التَّقْدير: تقيكُمُ الْحَرَّ والْبَرْدَ.
قالوا: وخُصَّ الحرُّ بالذكْرِ لأَنَّ المخاطَبين الأَوَّلِينَ كانوا عَرباً، وبلادُهُمْ حارَّة، والوقاية من الحرّ هي الأهم لدى معظمهم.
أقول: إنَّ من أساليب القرآن تَجْزِئَةَ العناصر الفكريّة على النصوص، وقد جاء فيه الامتنان بالدفء في قوله في سورة (النحل) أيضاً:
وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ.
فتكامل النصّان في الدَّلاَلة على الوقاية من الحرّ والبرد.
ثالثاً: ( التضمين )
التّضمين: هو تضمين كلمة معنى كلمة أُخْرى، وجَعْلُ الكلام بعدها مَبْنيّاً على الكلمة غير المذكورة، كالتعدية بالحرف المناسب لمعناها، فتكون الجملة بهذا التضمين بقوّة جملتين، دلَّ على إحداهما الكلمة المذكورة التي حُذِف ما يَتَعلَّقُ بها، ويُقَدَّرُ معناه ذهْناً، ودَلَّ على الأَخْرَى الكلمةُ التي جاءتْ بعدها المتعلّقةُ بالكلمةِ المحذوفةِ الْمُلاحَظِ مَعْنَاها ذهْناً.
ولدى تَحْلِيل التضمين يظهر لنا أنّه صنف من أصناف الحذفِ الّذِي يُتْرَكُ في اللَّفظ ما يَدُلُّ عليه.
فالفعلُ المذكور يَدُلُّ بحسب تَعْدِيَتِهِ العربيَّةِ على معموله المحذوف، والمعمول المذكور مع قرائن النصّ يدُلُّ على عامِلِه المحذوف، ويَنْتُجُ عن ذلك أداءٌ مُوجَزٌ بليغ، اعتمد على أسلوبٍ بيانِيٍّ ذكيّ.
ولا بُدّ أن نُدْرِك أنَّ مثل هذا الإِجراء البيانيّ لا يستقيم بين كلِّ فعلَيْنِ أو ما يَعْمَلُ عمَلَهُما، حتَّى يُطَبَّقَ بغباء، سواءٌ استقام الآداءُ البيانيّ أمْ لم يستَقِم، بل يحتاج من البليغ رؤيَةً فَنّيَّةً بَيَانيَّة، يَصِلُ بها إلَى أنَّهُ لو استخدم هذا الأسلوب في جُمْلَتِه لأدركه الْبُلَغَاءُ والأَذكياء، دون إعنات ذهْنِيّ، ويُدْرِكُه الآخَرُون بالتَّدَبُّر والتأمُّل.
فمثلاً: أُرِيدُ أنْ أقولَ: جَلَسْتُ عَلى فِراشي، وأَمَلْتُ جِسْمِيَ إلى مُتَّكَئِي، فأخْتَصرُ الكلام فأقُولُ: جَلَسْتُ إلى مُتَّكَئِي.
ومثل هذا الإِيجاز القائم على الحذف والإِيصال، أُسْلوبٌ ينهجُه بُلَغاءُ الْعَرب، وتقدير الكلام: جَلَسْتُ مائلاً إلى مُتَّكَئِي.
أمثلة:
قول الله عزَّ وجلَّ : إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً(الإِنسان:5-6).
إنّ فعل: "يَشْرَبُ" يُعَدَّى لغةً بحرف "مِنْ" لكنّه جاء في النّصّ هنا متعدّياً بحرف "الباء" فَلِماذا؟
بالتأمُّل يظهر لنا أنّ فِعْلَ "يشرب" ضُمِّنَ معنَى فِعْلِ: "يتلَذّذ" أو "يَرْتَوِي" الذي يُعَدَّى بحرف "الباء" فَعُدّي تعديته، والتقدير:
عيناً يَشْرَبُ منها مُتَلذّذاً بها عبادُ الله، فأغنى "يَشْرَبُ بها" عن عبارة: يشربُ منها ويتلّذذ بما يشرب عباد الله.
الفعلُ المذكور دلَّ على معناه بصريح العبارة، وحرف الجرّ "الباء" دلَّ على الفعل المحذوف الذي ضُمِّنَ الْفِعْلُ المذكور معناه، فأغنت جُمْلةٌ عن جُمْلَتَيْن، وعبارةٌ عن عبارتين، وهذا من روائع الإِيجار في القرآن المجيد.
رابعاً : ( الاحتباك )
الاحتباك: هو أن يُحْذَفَ من الأوائل ما جاء نظيره أو مقابلة في الأواخر، ويُحْذَفَ من الأواخر ما جاء نظيره أو مقابلة في الأوائل.
ومأخذ هذه التسمية من الْحَبْك، وهو الشدّ والإِحكام، وتحسين أثر الصنعة في الثوب، فَحَبْكُ الثوب هو سَدُّ ما بين خيوطه من الْفُرَج وشَدُّهُ وإحكامه إحكاماً يمنع عنه الْخَلَل، مع الْحُسْنِ والرونق.
وبيان أخذ هذه التسمية من حَبْكِ الثوب أنّ مواضع الحذف من الكلام شُبِّهَتْ بالْفُرَجِ بين الخيوط، فلمّا أدْركها المتدبر البصير بصياغة الكلام، الماهر بإحكام روابطه، وأدْرك مقابلاتها، تنبّه إلى ملء الفُرَج بأمثال مقابلاتها، كما يفعل الحائل حينما يُجْري حبكاً مُحْكماً في الثوب الذي ينسجه.
يقال لغة: حبَكَ الثوبَ، وحَبّكَه، واحْتَبَكَهُ إذا أجاد نسجه وأتقنه، وحَبكَ الحبْلَ، إذا شدَّ فتله. وحبَكَ الثوب، إذا ثنَى طرفَه وخاطه.
أمثلة:
قول الله عزَّ وجلَّ :
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذالِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ (آل عمران:13).
نُلاحظ في هذه الآية حَذْفاً مِنَ الأَوَائل لدلالة ما في الأواخر، وحذْفاً من الأواخِرِ لِدَلاَلَةِ مَا فِي الأوائل، وهذا من بدائع القرآن وإيجازه الرائع.
إنّ إبراز المحاذيف يتطلّب منا أن نقول:
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ فئة وَأُخْرَى كَافِرَةٌتُقَاتِلُ فِي سبيل الطّاغوت يَرَوْنَهُمْ... إلى آخره.
فتحقّق "الاحتباك" بدلالة ما في الأوائل على المحذوف من الأواخر، ودلالة ما في الأواخر على المحذوف من الأوائل.
خامسا: ( الاختزال )
الاختزال: هو كلُّ حذف في الكلام لا يدخل في واحد من الأقسام الأربعة السابقة "الاقتطاع - الاكتفاء - التضمين - الاحتباك".
وقد تتبّع البلاغيون والنحويّون والمفسّرون هذا الحذف المسمّى بالاختزال فوجدوا أنَّهُ يَشْمَلُ حذف الاسم، والفعل، والحرف، وحذف جملةٍ، أو عدّةِ جملٍ، وحذفَ كلام طويل في قصّةٍ ذات أحداث كثيرة.
وتتبعوا الأمثلة بالتفصيل فوجدوا أمثلةً من كلّ ما يلي:
(1) حذف المضاف، وهو كثير جدّاً في القرآن، حتّى عَدَّ "ابن جنّي" منه زُهاءَ ألف موضع.
(2) حذف المضاف إليه.
(3) حذف المبتدأ.
(4) حذف الخبر.
(5) حذف الموصوف.
(6) حذف الصفة.
(7) حذف المعطوف عليه.
(8) حذف المعطوف مع العاطف.
(9) حذف المبدَلِ منه.
(10) حذف الفاعل.
(11) حذف المفعول به.
(12) حذف الحال.
(13) حذف المنَادى.
(14) حذف العائد.
(15) حذف الموصول.
(16) حذف الفعل.
(17) حذف الحرف.
(18) حذف أكثر من كلمة، وقد تَبْلغ جملاً كثيرة، وأحداثاً طويلةً من قصة.
يقول الشيخ عبد الرحمن الميداني : " وإذْ يطول بي هنا ذكر الأمثلة مع شرحها وتحليلها، فإني اقتصر الآن على طائفة يسيرة منها، وأُحِيلُ القارئ على ما فَصَّلْتُ في القاعدة الرابعة عشرة، من كتاب: "قواعد التدبُّر الأمثل لكتاب الله عزَّ وجلَّ" وعلى كتاب "الإِشارة إلى الإِيجاز في بعض أنواع المجاز" للشيخ "عزّ الدين بن عبد السلام" وعلى ما جاء في كتاب "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" لابن هشام، في الباب الخامس منه، فقد فصل في أواخره القول في الحذف".
أقول: إنّ المهمّ في الدراسة البلاغيّة لظاهرة "الحذف" اكتشاف الداعي البلاغي له في الكلام، والتنبيهُ عليه.
أمثلة:
(1)قول الله عزَّ وجلَّ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ... (المائدة:3).
أي: حُرِّمَ عليكم أَكْلُ هذِهِ المذكورات، وهذا من حذف الاسم المضاف.
(2) وقول الله عزَّ وجلَّ بشأن الروم إذْ غُلِبوا من قبل الفرس وبيان أنهم سَيَغْلِبُون:
لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ... (الروم:4).
أي: للَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلِ الْغَلَبِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَلَبِ، وهذا من حذف المضاف إليه.
==============
(2) الإطناب
قبل الحديث عن الإطناب نتحدث أولاً عن أقسام الزيادة في الكلام :
ينقسم الزائد على أصل المراد إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ الإطناب، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر منه لغرض مّا.
2 ـ التطويل، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر بلا فائدة، مع كون الزيادة في الكلام غير متعيّنة نحو قول العبادي:
وقدّدت الأديم لراهِشيه وألفى قولها كذباً ومَينا
فإن (الكذب) و(المين) يمعنى واحد، ولا يتعيّن الزائد منها، لصلاحية كل منهما لذلك.
3 - الحشو، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر بلا فائدة، مع كون الزيادة متعيّنة في الكلام غير مفسدة للمعنى نحو قول الشاعر:
واعلم علم الــيوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غدٍ عمي
فإنّ كلمة (قبله) زائدة لوضوح أن الأمس قبل اليوم.
تقسم الإِطناب:
ينقسم الإِطناب إلى قسمين: إطناب بالبسط، وإطناب بالزيادة:
أمّا القسم الأول: وهو "الإِطناب بالْبَسْط" فيكون بتكثير الجمل وبسط المعاني، واستعمالِ كلامٍ طويل يُغْنِي عنه كَلامٌ قصير، دون أنْ تكون فيه ألفاظ زائدة.
أمثلة:
قول الله عزّ وجلّ :
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (البقرة:164).
في هذه الآية إطنابٌ بالبسط، لتوجيه الأنظار لآيات كونيَّة دالاَّتٍ على طائفةٍ من صفات الله عزّ وجلّ، منها شمول علمه، وعظيم قدرته، وكمالُ إرادته، وجليلُ حكمته وإتقانه وإبداعه لمخلوقاته، وعنايته بعباده.
وهذا البسط آتٍ من ذكر طائفة مفصّلة من آياته في كونه، كلُّ واحدة منها تدلُّ على كلٍّ هذه الصفات، فذكرها هو من البسط في إقامة الأدلّة دون زيادةٍ في الألفاظ لدى ذكر كلّ آية منها.
مثل قول الله عزّ وجلّ :
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ (غافر: من الآية7).
إنّ عبارة وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَصْفاً للملائكةِ الذين يَحْمِلُون العرش، وللملائكة الذينَ من حول العرش من الإِطناب بالبسط، وذلك لأنَّ إيمانهم معلوم من نصوص سابقة التنزيل، ومن كونهم يُسبّحون بحَمْدِ رَبِّهم.
والغرض البلاغيّ من هذا الإِطناب إظهار شرف الإِيمان، والترغيبُ فيه، والإِشارة إلى أنّ تسبيحهم بحمد ربِّهم ثمرةٌ من ثمراتِ إيمانهم، وليس تسبيحاً جَبْرِياً كتسبيح السماوات والأرض والشجر والجماد، إذن فهم يملكون جهازاً يُفَكّر، وجهازاً يؤمن بالإِرادة.
وأمّا القسم الثاني: وهو "الإِطناب بالزيادة" فيكون بزيادةٍ في الألفاظ على أصل المعنى الذي يُرادُ بيانه لتحقيق فائدةٍ ما.
فمنه قول الله عزّ وجلّ : تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ(القدر:4).
إنّ عبارَة: والرُّوح وهو جبريل عليه السلام من الإِطناب بالزيادة، لأنّ جبريل داخلٌ في عموم الملائكة، ولكنّها زيادة ذاتُ فائدة، إذ الغرضُ من تخصيصه بالذكر بعد دخوله في عموم الملائكة الإِشعارُ بتكريمِهِ وتعظيمِ شأنه، حتَّى كأنَّهُ جنْسٌ خاصٌّ يُعْطَفُ على الملائكة.
أقسام الإطناب:
1 ـ ذكر الخاص بعد العام، قال : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ(البقرة:238)
2 ـ ذكر العام بعد الخاص، قال : ربَّ اغفر لي ولوالديَّ ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات(نوح:28).
3 ـ توضيح الكلام المبهم بما يفسِّره، قال : وقضينا إليه ذلك الأمر أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين(الحجر:66).
4 ـ التوشيع، وهو أن يؤتى بمثنى يفسّره مفردان، كقوله (عليه السلام): العلم علمان: (علم الأديان وعلم الأبدان).
5 ـ التكرير وهو ذكر الجملة أو الكلمة مرّتين أو ثلاث مرّات فصاعداً، لأغراض:
أ - للتأكيد، كقوله : كلاّ سوف تعلمون ثمّ كلاّ سوف تعلمون(التكاثر:3-4).
ب - لتناسق الـــكلام، فـــلا يضره طــــول الفصل، قـــال : إنّي رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين(يوسف:4) بتكرير (رأيت) لئلا يضرّه طول الفصل.
ج - للاستيعاب، كقوله: (ألا فادخلوا رجلاً رجلاً...).
د - لزيادة الترغيب في شيء، كالعفو في قوله : إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وأن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنّ الله غفور رحيم (التغابن:14).
هـ - لاستمالة المخاطب في قبول العظة، كقوله : وقال الذي آمن يا قوم اتّبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وأنّ الآخرة هي دار القرار)(غافر:38-39) بتكرير (يا قوم).
و - للتنويه بشأن المخاطب، كقوله: (علي رجل رجل رجل...).
ز - للترديد حثاً على شيء، كالسخاء في قوله:
قريب مـن الله السخيّ وأنـه قريب من الخير الكثير قريبّ
ح - للتلذّذ بذكره مكرّراً، كقوله:
علي وصي عليّ رضي عليّ تقـي عليّ نقـيّ
ط - للحث على الإجتناب، كقوله: (الحية الحية أهل الدار...).
ي - لإثارة الحزن في نفسه أو المخاطب، كقوله: (أيا مقتول ماذا كان جرمك أيا مقتول...).
ك - للإرشاد إلى الخير، كقوله : أولى لك فأولى ثمَّ أولى لك فأولى ( القيامة: 34-35).
ل - للتهويل بالتكرير، كقوله : الحاقّة ما الحاقّة وما أدراك ما الحاقة (الحاقة:1-3).
6 - الاعتراض، بأن يؤتى في أثناء الكلام بجملة لبيان غرض من الأغراض، منها:
أ ـ الدعاء، كقوله:
أن الثمانين وبُلّغتهـا قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
ب - النداء، كقوله:
كان بـرذون أبـا عصـام زيــد حمـار دق بـاللجـام
ج - التنبيه على شيء، كفضيلة العلم، في قوله:
واعلم ـ فعلم المرء ينفعه أن سوف يأتي كل ما قُدرا
د - التنزيه، قال : ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون (النحل:57).
هـ ـ المبالغة في التأكيد، قال : ووصَيّنا الإنسان بوالديه حملته أمّه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلىَّ المصير (لقمان :14).
و - الاستعطاف، كقوله:
ووجيب قلب لو رأيت لهيبه ياجـــنّتي لرأيت فيه جهنّما
ز - التهويل، قال : وانّه لقسم لو تعلمون عظيم (الواقعة:76).
7 - الإيغال، بأن يختم الكلام بما يفيد نكتة يتم بدونها المعنى، قال : ولله يرزق من يشاء بغير حساب(النور:38).
8 ـ التذييل، وهو أن يأتي بعد الجملة الأولى بجملة اُخرى تشتمل على معناها وذلك لأحد أمرين:
الأول: التأكيد: وهو إما تأكيد المنطوق، قال : وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً(الإسراء:81) وإما تأكيد المفهوم، كقوله:
ولست بمستبق أخـاً لاتلمـــــّه على شعث أيّ الرجال المهذب؟
فقد دلت الجملة الأولى بعدم وجود الرجل الكامل فأكّدها بالجملة الثانية: أي الرجال المهذّب؟
الثاني: التذييل، وهو إما يستقل بمعناه لجريانه مجرى المثل، كقوله:
كـلّكم أروغ مـــن ثــعلب مـا أشبه الليلة بــالبارحـة
أو لا يستقل، لعدم جريانه مجرى المثل، كقوله:
لم يبق جودك لي شيئاً اُؤمّله تركتَني أصحب الدينا بــلا أمل
9- الاحتراس، وهو أن يأتي بكلام يوهم خلاف المقصود فيأتي بما يدفع الوهم، وهو على نحوين:
( أ ) أنه قد يأتي به وسط الكلام، كقوله:
فسقى دياركِ غير مفسده صوبُ الربيع وديمة تهمي
فقد قال: (غيرمفسده) دفعاً لتوهّم الدعاء للمطر عامة حتى المفسد منه.
( ب) وقد يأتي به آخر الكلام، كقوله:
حــليم إذا مــا الحكم زيّن أهله مع الحلم فــي عين العدو مَهيبُ
10 ـ التتميم، وهو زيادة مفعول أو حال أو نحوهما، ليزيد حسن الكلام، كقوله:
دعونا عليهم مــكرهين وإنـما دعاء الفتى المختار للحق أقرب
فـ (مكرهين) يزيد حسن الكلام كما لا يخفى.
11 - تقريب الشيء المستبعد وتأكيده لدى السامع نحو قوله: (رأيته بعيني يفعل كذا) و(سمعته بأذني يقول كذا).
12 - الدلالة على الشمول والإحاطة، قال : فخرّ عليهم السقف من فوقهم(النحل:26) فإنّ السقف لا يخرّ إلاّ من فوق، لكن بذكره (من فوقهم) دلّ على الشمول والإحاطة.
موارد الإطناب:
وهناك موارد يستحسن فيها الإطناب، منها:
1 ـ الصلح بين الأفراد، أو الجماعات، أو العشائر.
2 ـ التهنئة بالشيء.
3 ـ المدح والثناء على أحد.
4 ـ الذمّ والهجاء لاحد.
5 ـ الوعظ والإرشاد.
6 ـ الخطابة في أمر من الامور العامّة.
7 ـ رسائل الولاة إلى الرؤساء والملوك.
8 ـ منشورات الرؤساء إلى الشعب.
=============
( 3) المساواة
المساواة: هي التطابق التام بين المنطوق من الكلام وبين المراد منه دون زيادة ولا نقصان.
أقسام المساواة
(المساواة) هي الأصل في تأدية المعنى المراد، فلا تحتاج إلى علّة، واللازم الإتيان بها حيث لا توجد دواعي الايجاز والإطناب، وهي على قسمين:
1 ـ المساواة مع رعاية الاختصار، وذلك بتأدية المراد في ألفاظ قليلة الأحرف كثيرة المعنى، نحو قوله : هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (الرحمن:60)
2 ـ المساواة من دون اختصار، وذلك بتأدية المعنى المراد بلا رعاية الإختصار، نحو قوله : كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (الطور: من الآية21).
وقوله سبحانه: وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله(البقرة:110).
ونحو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّما الأعمال بالنيّات ولكلّ امرىء ما نوى).
فإن الكلام في هذه الأمثلة لا يستغنى عن لفظ منه، ولو حذفنا منه ولو لفظاً واحداً لاختلّ معناه، وذلك لأنّ اللّفظ فيه على قدر المعنى لا ينقص عنه ولا يزيد عليه.
==========
المصدر:
كتاب البلاغة : المعاني . البيان . البديع . محمّد بن المهدي الحسيني الشيرازي.
كتاب البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها / عبد الرحمن الميداني.
الدرس الثالث عشر
(الإيجاز.. والإطناب.. والمساواة) تمهيد
(الإيجاز): هو وضع المعاني الكثيرة في ألفاظ أقل، مع وفائها بالغرض المقصود ورعاية الإبانة والإفصاح فيها.
و (الإطناب): زيادة اللفظ على المعنى لفائدة.
و (المساواة): تساوي اللفظ والمعنى، فيما لم يكن داع للإيجاز والإطناب.
كما أنه إذا لم تف العبارة بالغرض سمّي: (إخلالاً).
وإذا زاد على الغرض بدون داع سمّي: (تطويلاً)
فمثال الإيجاز، قوله : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (الأعراف:199)
ومثال الإطناب، قوله : قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (طـه:18)
ومثال المساواة، قوله : وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ (الاسراء: من الآية13).
ومثال الإخلاء، قول اليشكري:
والعيش خير في الــظلا ل النوك ممّـن عـاش كدّاً
أراد: أن العيش الرغد حال الحمق، أفضل من العيش النكد في ظلال العقل، وهذا إخلال.
ومثال التطويل، قول ابن مالك:
كذا إذا عاد عليه مضمر ممـــا به عنه مبيناً يخبر
=============
(1) الإيجاز
الإِيجاز لغة: اختصار الكلام وتقليل ألفاظه مع بلاغته، يقالُ لغة: أوجز الكلامَ إذا جعله قصيراً ينتهي من نطقه بسرعة.
ويقال: كلامٌ وجيز، أي: خفيفٌ قصير. ويقال: أوْجَزَ في صَلاتِه إذا خفَّفها ولم يُطِلْ فيها.
فالمادّة تدور حول التخفيف والتقصير.
الإِيجاز في اصطلاح البلاغيين: هو التعبير عن المراد بكلامٍ قصير ناقص عن الألفاظ التي يُؤَدَّى بها عادةً في متعارف الناس، مع وفاء بالدّلالة على المقصود.
أو نقول: هو صياغة كلام قصير يدلُّ على معنىً كثير وافٍ بالمقصود.
ويكون ذلك عن طريق اختيار كلمات أو تعبيرات لها دلالات كثيرات: كالأمثال والكليّات من الكلمات.
أو عن طريق استخدام مجاز الحذف، لتقليل الكلمات المنطوقة، وتكون القرينة دالة على الحذف .
أو عن طريق استخدام ما بني على الإِيجاز في كلام العرب: كالحصر، والعطف، والضمير، والتثنية، والجمع، وأدوات الاستفهام، وأدوات الشرط، وألفاظ العموم، وغير ذلك.
فإذا لم يكن الكلام وافياً بالدّلالة على المقصود كان الإِيجاز فيه إيجازاً مُخِلاًّ، وذلك إذا كان الإيجاز فيه تقصير في المعنى.
أقسام الإيجاز
القسم الأول: "إِيجَازُ الْقِصَر" وهو الإِيجاز الذي لاَ يُعْتَمَدُ فيه على استخدام الحذفِ.
القسم الثاني: "إيجازُ الْحَذْف" وهو الإِيجاز الذي يكون قِصَرُ الكلام فيه بسبب حذف بعض الكلام اكتفاءًا بدلالة القرائِن على ما حُذف.
( أ )إيجاز الْقِصَر
هو الذي تكون فيه العبارات ألفاظُها قليلة، ومعانيها غزيرة، دون أن يكون فيها ما يدُلُّ على كلام مطويّ محذوف من اللّفظ، مُشارٍ إليه بقرينة من قرائن المقال، أو قرائن الحال، أو الاقتضاء العقلي..
مثل قوله : وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (البقرة: من الآية179) من أبْدع وأتْقَنِ "إيجَازِ الْقِصَر" الذي لا حَذْف فيه، إنّما فيه حُسْنُ انتقاء الكلمات، مع إتقان الصياغة، فهي على قِصَرِها وقلّةِ ألفاظها تَدُلُّ على معنىً كثيرٍ جِدّاً.
ومثل قوله :خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (الأعراف:199).
( ب ) إيجاز الحذف
سبق بيان أنّ "إيجاز الحذف" هو الإِيجاز الذي كونُ قِصَرُ الكلام فيه بسب استخدام حذف بعضه، اكتفاءً بدلالة القرائن على ما حُذِف.
إنّ من طبيعة البلغاء والمتحدّثين الأذكياء أن يَحْذِفوا من كلامهم ما يَرَوْن المتَلَقِّيَ له قادراً على إدْراكه بيُسْرٍ وسُهُولة، أو بشيء من التفكير والتأمُّل إذا كان أهلاً لذلك.
والسبب في هذا أنّ الإِسراف في الكلام لا يَليق برَزَانَةِ ورَصَانةِ أهل العقل والفكر الحصيف، بل هو من صفات الثرثارين وأهل الطيش والخفّة، وهو في الغالب من طبائع النساء.
فوائد الإيجاز بالحذف:
الفائدة الأولى: الاختصار اقتصاداً في التعبير، وذلك عند تحقق المعنى المراد لدى المتلَقِّي.
ومنه حذف المبتدأ إذا كان الخبر من الصفات التي لا تصلُحُ إلاَّ لله عزّ وجلّ، وككْون المحذوف ذكره وحذفه سواء.
الفائدة الثانية: إذا كان الوقت لا يتسع لذكر النحذوف ، أو أنّ الاشتغال بالتصريح به يُفضي إلى تفويت أمْرٍ مُهِمّ.
وتظهر هذه الفائدة كثيراً في باب "التحذير والإِغراء" ومنه ما في قول الله عزّ وجلّ المشتمل على قول صالح عليه السلام لقومه: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا. (الشمس:11-13)
فحذَّرَّهُمْ أن يَمَسُّوا نَاقَةَ الله، فحذَف فِعْلَ التحذير فقال: "نَاقةَ الله" والتقدير: ذَرُوا نَاقَةَ الله.
وأغراهم بأن يحافظوا على شروط سُقْيَاها، فحذف فِعْلَ الإِغراء فقال: "وسُقْيَاها" والتقدير: الزموا سقياها، أو الزموا شروط سقياها.
الفائدة الثالثة: التفخيم والتعظيم، أو التهويل ونحو ذلك، بسبب ما يُحْدِثُه الحذف في نفس المتلقّي من الإِبهام الذي قد يجعل نَفْسَه تقدّر ما شاءت دون حدود.
كحذف جواب الشرط في قول الله عزّ وجلّ: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْاْ رَبَّهُمْ إِلَى الّجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (الزمر:73).
وتقدير الجواب: لَرَأَوْا شيئاً عظيماً جدّاً تعجز عباراتهم عن وصفه.
الفائدة الرابعة: التخفيف على النُّطْق لكثرة دَوَرَانه في الكلام على الألسنة.
وهذه الفائدة تظهر في حذف أداة النداء، وحذف النون من فعل "يكُن" المجزوم، وحذف ياء المتكلم، وحذف مثل ياء "يَسْرِي" كما قال : واللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ وحذف آخر المرخّم في النداء، ونحو ذلك.
الفائدة الخامسة: صيانة المحذوف عن الذكر تشريفاً له.
الفائدة السادسة: صيانة اللّسان عن ذكره فيحذَفُ تحقيراً له وامتهاناً.
الفائدة السابعة: إرادة العموم، مثل قولنا في الفاتحة خطاباً لربِّنا: وَإيَّاكَ نَسْتَعين أي: في أمور دنيانا وأُمور أخرانا.
الفائدة الثامنة: مراعاة التَّناظُر في الفاصلة، مثل قول الله عزّ وجلّ : وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (الضحى:1-3).
أي: وما قَلاَكَ.
الفائدة التاسعة: إرادة تحريك النَّفْس وشَغْلِهَا بالإِبهام الذي يتبعه البيان، حتى يكون البيان أوقع وأثبت في النفس.
مثل قول الله عزّ وجلّ : ...وَلَوْ شَآءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ.
أي: ولو شاء هدايتكُمْ لسلبكُمُ الاختيار ولجعلكم مجبورين، وإذن لهداكم أجمعين.
قالوا: إنّ مفعول المشيئة والإِرادة بعد الشرط لا يذكر غالباً إلاَّ إذا كان غريباً أو عظيماً.
شروط الحذف:
ذكروا شروطاً سبعة لجواز الحذف، منها ما هو بلاغيّ، ومنها ما يدور في فَلَكِ الصناعة النحويّة، ولكِنْ لم يتّضِحْ منها بلاغيّاً غير شرطين:
الشرط الأول: أنْ لا يُؤَدّيَ الحذْفُ إلى الجهل بالمقصود، فَيُشْتَرطُ أنْ يُوجَدَ دليلٌ يدلُّ علَى المحذوف، وقد يُعَبَّرُ عنه بالقرائن الدالة.
الشرط الثاني: أنْ لا يَكُونَ المحذوف مُؤكِّداً للمذكُور، إذْ الحذْفُ منافٍ للتأكيد.
والدليل الدّالُّ على المحذوف:
(1) إمَّا أنْ يكون من قرائن المقال الموجودةِ في السِّيَاق.
(2) وإمَّا أن يكون من قرائن الحال.
(3) وإمّا أن يكون من المفاهيم الفكرية والاقتضاءات العقليَّة، واللّوازم الذهنيّة.
أمثلة:
قول الله عزّ وجلّ في عرض لقطة من أحداث يوم الدّين: وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً... .
أي: قالوا: أنْزَلَ رَبُّنَا خَيْراً. إنّ إجابتهم تقتصر على ذكر المفعول به فقط، وهو لفظُ "خيراً" وقد دلَّت قرينة المقال في سباقه على المحذوف.
أنواع الحذف:
الحذف ينقسم إلى خمسة أقسام.
القسم الأول: الاقتطاع.
القسم الثاني: الاكتفاء.
القسم الثالث: التضمين.
القسم الرابع: الاحتباك.
القسم الخامس: الاختزال.
أولاً : (الاقتطاع)
الاقتطاع: هو حذف بعض حروف الكلمة أو ما هو بمثابة الكلمة الواحدة وذلك لأغراض هي:
1- تخفيفاً على مخارج الحروف.
2- أو لداعي السرعة.
3- أو لأجل القافية في الشعر، أو الفاصلة في النثر.
4- أو التجبُّبِ في النداء، أو نحو ذلك من دواعي بلاغية.
فمنه حذف نون فعل "يكون" المجزوم، كما جاء في قول الله عزّ : أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى (القيامة:39-37).
الأصل: "ألَمْ يَكُنْ" فَحُذِفَت النُّونُ تخفيفاً، وربّما لأغراضٍ أخرى تتصل بأعداد الحروف، أو لغير ذلك.
ومنه حذف إحدى التاءَيْن المتوالِيَتَيْن في الفعل الوارد على وزن "تَتَفعل" كما جاء في قول الله عزّ وجلّ : ذالِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ( الأنعاه:152).
تَذَكَّرُون: أصلُها تَتَذكَّرون، فَحُذِفْت إحدى التّاءَيْن تخفيفاً.
ومنه حذف التاء من استطاع على غير قياس، كما جاء في قول الله عزّ وجلّ: ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ( الكهف:82).
بعد أن قال له قبل هذا: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً (الكهف: 78).
ولعلّه أشار أخيراً بفعل "تَسْطعْ" إلى طبيعة موسى عليه السلام التي تقلُّ فيها استطاعة الصبر، فناسبها تقليل حروف الكلمة.
ومنه الترخيم في النداء، كما جاء في قول امرئ القيس:
أَفَاطِمُ مَهْلاً بَعْضَ هَذا التَّدَلُّلِ وَإِنْ كُنْتِ قَدْ أَزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلي
أي: أَفَاطِمَةُ.
ومنه حذف آخر الكلمة لمراعاة التناسب في الفواصل، كما جاء في قول الله عزّ: وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ ( الفجر:1-4).
يَسْرِ: أصْلُها يَسْرِي، فَحُذِفَ آخر حرف فيها لمراعاة الفاصلة.
ومنه حذف ياء المتكلم، كما جاء في قول الله عزّ وجلّ: فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ ( القمر:16).
ونُذُرِ: أي: ونُذُرِي، فَحُذِفَتْ ياء المتكلم لمراعاة التناظر في الفواصل.
ثانيا : (الاكتفاء)
الاكتفاء: هو أن يقتضي المقام ذِكْرَ شيئَيْنِ بَيْنَهُمَا تَلازُمٌ وارتباط، فَيُكْتَفَى بأَحَدِهما عن الآخر لنكتةٍ بلاغيّة.
ويختصُّ غالباً بالارتباط العطفي.
أمثلة:
قول الله عزَّ وجلَّ : وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ ( النحل:81).
ففي قوله تَعَالَى: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ إيجازٌ بالحذف، على سبيل الاكتفاء، إذِ التَّقْدير: تقيكُمُ الْحَرَّ والْبَرْدَ.
قالوا: وخُصَّ الحرُّ بالذكْرِ لأَنَّ المخاطَبين الأَوَّلِينَ كانوا عَرباً، وبلادُهُمْ حارَّة، والوقاية من الحرّ هي الأهم لدى معظمهم.
أقول: إنَّ من أساليب القرآن تَجْزِئَةَ العناصر الفكريّة على النصوص، وقد جاء فيه الامتنان بالدفء في قوله في سورة (النحل) أيضاً:
وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ.
فتكامل النصّان في الدَّلاَلة على الوقاية من الحرّ والبرد.
ثالثاً: ( التضمين )
التّضمين: هو تضمين كلمة معنى كلمة أُخْرى، وجَعْلُ الكلام بعدها مَبْنيّاً على الكلمة غير المذكورة، كالتعدية بالحرف المناسب لمعناها، فتكون الجملة بهذا التضمين بقوّة جملتين، دلَّ على إحداهما الكلمة المذكورة التي حُذِف ما يَتَعلَّقُ بها، ويُقَدَّرُ معناه ذهْناً، ودَلَّ على الأَخْرَى الكلمةُ التي جاءتْ بعدها المتعلّقةُ بالكلمةِ المحذوفةِ الْمُلاحَظِ مَعْنَاها ذهْناً.
ولدى تَحْلِيل التضمين يظهر لنا أنّه صنف من أصناف الحذفِ الّذِي يُتْرَكُ في اللَّفظ ما يَدُلُّ عليه.
فالفعلُ المذكور يَدُلُّ بحسب تَعْدِيَتِهِ العربيَّةِ على معموله المحذوف، والمعمول المذكور مع قرائن النصّ يدُلُّ على عامِلِه المحذوف، ويَنْتُجُ عن ذلك أداءٌ مُوجَزٌ بليغ، اعتمد على أسلوبٍ بيانِيٍّ ذكيّ.
ولا بُدّ أن نُدْرِك أنَّ مثل هذا الإِجراء البيانيّ لا يستقيم بين كلِّ فعلَيْنِ أو ما يَعْمَلُ عمَلَهُما، حتَّى يُطَبَّقَ بغباء، سواءٌ استقام الآداءُ البيانيّ أمْ لم يستَقِم، بل يحتاج من البليغ رؤيَةً فَنّيَّةً بَيَانيَّة، يَصِلُ بها إلَى أنَّهُ لو استخدم هذا الأسلوب في جُمْلَتِه لأدركه الْبُلَغَاءُ والأَذكياء، دون إعنات ذهْنِيّ، ويُدْرِكُه الآخَرُون بالتَّدَبُّر والتأمُّل.
فمثلاً: أُرِيدُ أنْ أقولَ: جَلَسْتُ عَلى فِراشي، وأَمَلْتُ جِسْمِيَ إلى مُتَّكَئِي، فأخْتَصرُ الكلام فأقُولُ: جَلَسْتُ إلى مُتَّكَئِي.
ومثل هذا الإِيجاز القائم على الحذف والإِيصال، أُسْلوبٌ ينهجُه بُلَغاءُ الْعَرب، وتقدير الكلام: جَلَسْتُ مائلاً إلى مُتَّكَئِي.
أمثلة:
قول الله عزَّ وجلَّ : إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً(الإِنسان:5-6).
إنّ فعل: "يَشْرَبُ" يُعَدَّى لغةً بحرف "مِنْ" لكنّه جاء في النّصّ هنا متعدّياً بحرف "الباء" فَلِماذا؟
بالتأمُّل يظهر لنا أنّ فِعْلَ "يشرب" ضُمِّنَ معنَى فِعْلِ: "يتلَذّذ" أو "يَرْتَوِي" الذي يُعَدَّى بحرف "الباء" فَعُدّي تعديته، والتقدير:
عيناً يَشْرَبُ منها مُتَلذّذاً بها عبادُ الله، فأغنى "يَشْرَبُ بها" عن عبارة: يشربُ منها ويتلّذذ بما يشرب عباد الله.
الفعلُ المذكور دلَّ على معناه بصريح العبارة، وحرف الجرّ "الباء" دلَّ على الفعل المحذوف الذي ضُمِّنَ الْفِعْلُ المذكور معناه، فأغنت جُمْلةٌ عن جُمْلَتَيْن، وعبارةٌ عن عبارتين، وهذا من روائع الإِيجار في القرآن المجيد.
رابعاً : ( الاحتباك )
الاحتباك: هو أن يُحْذَفَ من الأوائل ما جاء نظيره أو مقابلة في الأواخر، ويُحْذَفَ من الأواخر ما جاء نظيره أو مقابلة في الأوائل.
ومأخذ هذه التسمية من الْحَبْك، وهو الشدّ والإِحكام، وتحسين أثر الصنعة في الثوب، فَحَبْكُ الثوب هو سَدُّ ما بين خيوطه من الْفُرَج وشَدُّهُ وإحكامه إحكاماً يمنع عنه الْخَلَل، مع الْحُسْنِ والرونق.
وبيان أخذ هذه التسمية من حَبْكِ الثوب أنّ مواضع الحذف من الكلام شُبِّهَتْ بالْفُرَجِ بين الخيوط، فلمّا أدْركها المتدبر البصير بصياغة الكلام، الماهر بإحكام روابطه، وأدْرك مقابلاتها، تنبّه إلى ملء الفُرَج بأمثال مقابلاتها، كما يفعل الحائل حينما يُجْري حبكاً مُحْكماً في الثوب الذي ينسجه.
يقال لغة: حبَكَ الثوبَ، وحَبّكَه، واحْتَبَكَهُ إذا أجاد نسجه وأتقنه، وحَبكَ الحبْلَ، إذا شدَّ فتله. وحبَكَ الثوب، إذا ثنَى طرفَه وخاطه.
أمثلة:
قول الله عزَّ وجلَّ :
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذالِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ (آل عمران:13).
نُلاحظ في هذه الآية حَذْفاً مِنَ الأَوَائل لدلالة ما في الأواخر، وحذْفاً من الأواخِرِ لِدَلاَلَةِ مَا فِي الأوائل، وهذا من بدائع القرآن وإيجازه الرائع.
إنّ إبراز المحاذيف يتطلّب منا أن نقول:
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ فئة وَأُخْرَى كَافِرَةٌتُقَاتِلُ فِي سبيل الطّاغوت يَرَوْنَهُمْ... إلى آخره.
فتحقّق "الاحتباك" بدلالة ما في الأوائل على المحذوف من الأواخر، ودلالة ما في الأواخر على المحذوف من الأوائل.
خامسا: ( الاختزال )
الاختزال: هو كلُّ حذف في الكلام لا يدخل في واحد من الأقسام الأربعة السابقة "الاقتطاع - الاكتفاء - التضمين - الاحتباك".
وقد تتبّع البلاغيون والنحويّون والمفسّرون هذا الحذف المسمّى بالاختزال فوجدوا أنَّهُ يَشْمَلُ حذف الاسم، والفعل، والحرف، وحذف جملةٍ، أو عدّةِ جملٍ، وحذفَ كلام طويل في قصّةٍ ذات أحداث كثيرة.
وتتبعوا الأمثلة بالتفصيل فوجدوا أمثلةً من كلّ ما يلي:
(1) حذف المضاف، وهو كثير جدّاً في القرآن، حتّى عَدَّ "ابن جنّي" منه زُهاءَ ألف موضع.
(2) حذف المضاف إليه.
(3) حذف المبتدأ.
(4) حذف الخبر.
(5) حذف الموصوف.
(6) حذف الصفة.
(7) حذف المعطوف عليه.
(8) حذف المعطوف مع العاطف.
(9) حذف المبدَلِ منه.
(10) حذف الفاعل.
(11) حذف المفعول به.
(12) حذف الحال.
(13) حذف المنَادى.
(14) حذف العائد.
(15) حذف الموصول.
(16) حذف الفعل.
(17) حذف الحرف.
(18) حذف أكثر من كلمة، وقد تَبْلغ جملاً كثيرة، وأحداثاً طويلةً من قصة.
يقول الشيخ عبد الرحمن الميداني : " وإذْ يطول بي هنا ذكر الأمثلة مع شرحها وتحليلها، فإني اقتصر الآن على طائفة يسيرة منها، وأُحِيلُ القارئ على ما فَصَّلْتُ في القاعدة الرابعة عشرة، من كتاب: "قواعد التدبُّر الأمثل لكتاب الله عزَّ وجلَّ" وعلى كتاب "الإِشارة إلى الإِيجاز في بعض أنواع المجاز" للشيخ "عزّ الدين بن عبد السلام" وعلى ما جاء في كتاب "مغني اللبيب عن كتب الأعاريب" لابن هشام، في الباب الخامس منه، فقد فصل في أواخره القول في الحذف".
أقول: إنّ المهمّ في الدراسة البلاغيّة لظاهرة "الحذف" اكتشاف الداعي البلاغي له في الكلام، والتنبيهُ عليه.
أمثلة:
(1)قول الله عزَّ وجلَّ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ... (المائدة:3).
أي: حُرِّمَ عليكم أَكْلُ هذِهِ المذكورات، وهذا من حذف الاسم المضاف.
(2) وقول الله عزَّ وجلَّ بشأن الروم إذْ غُلِبوا من قبل الفرس وبيان أنهم سَيَغْلِبُون:
لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ... (الروم:4).
أي: للَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلِ الْغَلَبِ وَمِنْ بَعْدِ الْغَلَبِ، وهذا من حذف المضاف إليه.
==============
(2) الإطناب
قبل الحديث عن الإطناب نتحدث أولاً عن أقسام الزيادة في الكلام :
ينقسم الزائد على أصل المراد إلى ثلاثة أقسام:
1 ـ الإطناب، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر منه لغرض مّا.
2 ـ التطويل، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر بلا فائدة، مع كون الزيادة في الكلام غير متعيّنة نحو قول العبادي:
وقدّدت الأديم لراهِشيه وألفى قولها كذباً ومَينا
فإن (الكذب) و(المين) يمعنى واحد، ولا يتعيّن الزائد منها، لصلاحية كل منهما لذلك.
3 - الحشو، وهو تأدية المعنى بعبارة أكثر بلا فائدة، مع كون الزيادة متعيّنة في الكلام غير مفسدة للمعنى نحو قول الشاعر:
واعلم علم الــيوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غدٍ عمي
فإنّ كلمة (قبله) زائدة لوضوح أن الأمس قبل اليوم.
تقسم الإِطناب:
ينقسم الإِطناب إلى قسمين: إطناب بالبسط، وإطناب بالزيادة:
أمّا القسم الأول: وهو "الإِطناب بالْبَسْط" فيكون بتكثير الجمل وبسط المعاني، واستعمالِ كلامٍ طويل يُغْنِي عنه كَلامٌ قصير، دون أنْ تكون فيه ألفاظ زائدة.
أمثلة:
قول الله عزّ وجلّ :
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَآ أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن مَّآءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (البقرة:164).
في هذه الآية إطنابٌ بالبسط، لتوجيه الأنظار لآيات كونيَّة دالاَّتٍ على طائفةٍ من صفات الله عزّ وجلّ، منها شمول علمه، وعظيم قدرته، وكمالُ إرادته، وجليلُ حكمته وإتقانه وإبداعه لمخلوقاته، وعنايته بعباده.
وهذا البسط آتٍ من ذكر طائفة مفصّلة من آياته في كونه، كلُّ واحدة منها تدلُّ على كلٍّ هذه الصفات، فذكرها هو من البسط في إقامة الأدلّة دون زيادةٍ في الألفاظ لدى ذكر كلّ آية منها.
مثل قول الله عزّ وجلّ :
الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ (غافر: من الآية7).
إنّ عبارة وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَصْفاً للملائكةِ الذين يَحْمِلُون العرش، وللملائكة الذينَ من حول العرش من الإِطناب بالبسط، وذلك لأنَّ إيمانهم معلوم من نصوص سابقة التنزيل، ومن كونهم يُسبّحون بحَمْدِ رَبِّهم.
والغرض البلاغيّ من هذا الإِطناب إظهار شرف الإِيمان، والترغيبُ فيه، والإِشارة إلى أنّ تسبيحهم بحمد ربِّهم ثمرةٌ من ثمراتِ إيمانهم، وليس تسبيحاً جَبْرِياً كتسبيح السماوات والأرض والشجر والجماد، إذن فهم يملكون جهازاً يُفَكّر، وجهازاً يؤمن بالإِرادة.
وأمّا القسم الثاني: وهو "الإِطناب بالزيادة" فيكون بزيادةٍ في الألفاظ على أصل المعنى الذي يُرادُ بيانه لتحقيق فائدةٍ ما.
فمنه قول الله عزّ وجلّ : تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ(القدر:4).
إنّ عبارَة: والرُّوح وهو جبريل عليه السلام من الإِطناب بالزيادة، لأنّ جبريل داخلٌ في عموم الملائكة، ولكنّها زيادة ذاتُ فائدة، إذ الغرضُ من تخصيصه بالذكر بعد دخوله في عموم الملائكة الإِشعارُ بتكريمِهِ وتعظيمِ شأنه، حتَّى كأنَّهُ جنْسٌ خاصٌّ يُعْطَفُ على الملائكة.
أقسام الإطناب:
1 ـ ذكر الخاص بعد العام، قال : حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ(البقرة:238)
2 ـ ذكر العام بعد الخاص، قال : ربَّ اغفر لي ولوالديَّ ولمن دخل بيتي مؤمناً وللمؤمنين والمؤمنات(نوح:28).
3 ـ توضيح الكلام المبهم بما يفسِّره، قال : وقضينا إليه ذلك الأمر أنّ دابر هؤلاء مقطوع مصبحين(الحجر:66).
4 ـ التوشيع، وهو أن يؤتى بمثنى يفسّره مفردان، كقوله (عليه السلام): العلم علمان: (علم الأديان وعلم الأبدان).
5 ـ التكرير وهو ذكر الجملة أو الكلمة مرّتين أو ثلاث مرّات فصاعداً، لأغراض:
أ - للتأكيد، كقوله : كلاّ سوف تعلمون ثمّ كلاّ سوف تعلمون(التكاثر:3-4).
ب - لتناسق الـــكلام، فـــلا يضره طــــول الفصل، قـــال : إنّي رأيت أحد عشر كوكباً والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين(يوسف:4) بتكرير (رأيت) لئلا يضرّه طول الفصل.
ج - للاستيعاب، كقوله: (ألا فادخلوا رجلاً رجلاً...).
د - لزيادة الترغيب في شيء، كالعفو في قوله : إنَّ من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وأن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإنّ الله غفور رحيم (التغابن:14).
هـ - لاستمالة المخاطب في قبول العظة، كقوله : وقال الذي آمن يا قوم اتّبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وأنّ الآخرة هي دار القرار)(غافر:38-39) بتكرير (يا قوم).
و - للتنويه بشأن المخاطب، كقوله: (علي رجل رجل رجل...).
ز - للترديد حثاً على شيء، كالسخاء في قوله:
قريب مـن الله السخيّ وأنـه قريب من الخير الكثير قريبّ
ح - للتلذّذ بذكره مكرّراً، كقوله:
علي وصي عليّ رضي عليّ تقـي عليّ نقـيّ
ط - للحث على الإجتناب، كقوله: (الحية الحية أهل الدار...).
ي - لإثارة الحزن في نفسه أو المخاطب، كقوله: (أيا مقتول ماذا كان جرمك أيا مقتول...).
ك - للإرشاد إلى الخير، كقوله : أولى لك فأولى ثمَّ أولى لك فأولى ( القيامة: 34-35).
ل - للتهويل بالتكرير، كقوله : الحاقّة ما الحاقّة وما أدراك ما الحاقة (الحاقة:1-3).
6 - الاعتراض، بأن يؤتى في أثناء الكلام بجملة لبيان غرض من الأغراض، منها:
أ ـ الدعاء، كقوله:
أن الثمانين وبُلّغتهـا قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
ب - النداء، كقوله:
كان بـرذون أبـا عصـام زيــد حمـار دق بـاللجـام
ج - التنبيه على شيء، كفضيلة العلم، في قوله:
واعلم ـ فعلم المرء ينفعه أن سوف يأتي كل ما قُدرا
د - التنزيه، قال : ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون (النحل:57).
هـ ـ المبالغة في التأكيد، قال : ووصَيّنا الإنسان بوالديه حملته أمّه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلىَّ المصير (لقمان :14).
و - الاستعطاف، كقوله:
ووجيب قلب لو رأيت لهيبه ياجـــنّتي لرأيت فيه جهنّما
ز - التهويل، قال : وانّه لقسم لو تعلمون عظيم (الواقعة:76).
7 - الإيغال، بأن يختم الكلام بما يفيد نكتة يتم بدونها المعنى، قال : ولله يرزق من يشاء بغير حساب(النور:38).
8 ـ التذييل، وهو أن يأتي بعد الجملة الأولى بجملة اُخرى تشتمل على معناها وذلك لأحد أمرين:
الأول: التأكيد: وهو إما تأكيد المنطوق، قال : وقل جاء الحقّ وزهق الباطل إنّ الباطل كان زهوقاً(الإسراء:81) وإما تأكيد المفهوم، كقوله:
ولست بمستبق أخـاً لاتلمـــــّه على شعث أيّ الرجال المهذب؟
فقد دلت الجملة الأولى بعدم وجود الرجل الكامل فأكّدها بالجملة الثانية: أي الرجال المهذّب؟
الثاني: التذييل، وهو إما يستقل بمعناه لجريانه مجرى المثل، كقوله:
كـلّكم أروغ مـــن ثــعلب مـا أشبه الليلة بــالبارحـة
أو لا يستقل، لعدم جريانه مجرى المثل، كقوله:
لم يبق جودك لي شيئاً اُؤمّله تركتَني أصحب الدينا بــلا أمل
9- الاحتراس، وهو أن يأتي بكلام يوهم خلاف المقصود فيأتي بما يدفع الوهم، وهو على نحوين:
( أ ) أنه قد يأتي به وسط الكلام، كقوله:
فسقى دياركِ غير مفسده صوبُ الربيع وديمة تهمي
فقد قال: (غيرمفسده) دفعاً لتوهّم الدعاء للمطر عامة حتى المفسد منه.
( ب) وقد يأتي به آخر الكلام، كقوله:
حــليم إذا مــا الحكم زيّن أهله مع الحلم فــي عين العدو مَهيبُ
10 ـ التتميم، وهو زيادة مفعول أو حال أو نحوهما، ليزيد حسن الكلام، كقوله:
دعونا عليهم مــكرهين وإنـما دعاء الفتى المختار للحق أقرب
فـ (مكرهين) يزيد حسن الكلام كما لا يخفى.
11 - تقريب الشيء المستبعد وتأكيده لدى السامع نحو قوله: (رأيته بعيني يفعل كذا) و(سمعته بأذني يقول كذا).
12 - الدلالة على الشمول والإحاطة، قال : فخرّ عليهم السقف من فوقهم(النحل:26) فإنّ السقف لا يخرّ إلاّ من فوق، لكن بذكره (من فوقهم) دلّ على الشمول والإحاطة.
موارد الإطناب:
وهناك موارد يستحسن فيها الإطناب، منها:
1 ـ الصلح بين الأفراد، أو الجماعات، أو العشائر.
2 ـ التهنئة بالشيء.
3 ـ المدح والثناء على أحد.
4 ـ الذمّ والهجاء لاحد.
5 ـ الوعظ والإرشاد.
6 ـ الخطابة في أمر من الامور العامّة.
7 ـ رسائل الولاة إلى الرؤساء والملوك.
8 ـ منشورات الرؤساء إلى الشعب.
=============
( 3) المساواة
المساواة: هي التطابق التام بين المنطوق من الكلام وبين المراد منه دون زيادة ولا نقصان.
أقسام المساواة
(المساواة) هي الأصل في تأدية المعنى المراد، فلا تحتاج إلى علّة، واللازم الإتيان بها حيث لا توجد دواعي الايجاز والإطناب، وهي على قسمين:
1 ـ المساواة مع رعاية الاختصار، وذلك بتأدية المراد في ألفاظ قليلة الأحرف كثيرة المعنى، نحو قوله : هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (الرحمن:60)
2 ـ المساواة من دون اختصار، وذلك بتأدية المعنى المراد بلا رعاية الإختصار، نحو قوله : كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (الطور: من الآية21).
وقوله سبحانه: وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله(البقرة:110).
ونحو قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (إنّما الأعمال بالنيّات ولكلّ امرىء ما نوى).
فإن الكلام في هذه الأمثلة لا يستغنى عن لفظ منه، ولو حذفنا منه ولو لفظاً واحداً لاختلّ معناه، وذلك لأنّ اللّفظ فيه على قدر المعنى لا ينقص عنه ولا يزيد عليه.
==========
المصدر:
كتاب البلاغة : المعاني . البيان . البديع . محمّد بن المهدي الحسيني الشيرازي.
كتاب البلاغة العربية أسسها وعلومها وفنونها / عبد الرحمن الميداني.
الدرس الرابع عشر
الفصل والوصل بين عناصر الجملة الواحدة
الوصل الربط بين أجزاء الكلام بحرف عطف
والفصل عدمُ الربط بين أجزاء الكلام بحرف عطف.
وأجزاء الكلام قسمان:
القسم الأوّل: "المفرد" ويراد به هنا ما يُقَابل الجملة، وهو الذي لا تتحقّق به وحْدَهُ الفائدة من عناصر الجملة.
القسم الثاني: "الجملة" وهي القول المفيد معنىً تامّاً مُكْتَفِياً بنفسه.
ملاحظة هامة
بلاغة الوصل لا تتحقق إلا بالواو العاطفة فقط، دون بقية حروف العطف، لأن الواو هي الأداة التي تخفى الحاجة إليها، ويحتاج العطف بها إلى لطف في الفهم، ودقة في الإدراك، إذ لا تفيد إلا مجرد الربط، وتشريك ما بعدها لما قبلها في الحكم، نحو: مضى وقت الكسل، وجاء زمن العمل، وقم واسع في الخير.
والجامع يجب أن يكون باعتبار المسند إليه والمسند جميعا.
فلا يقال: خليل قادم والبعير ذاهب،( مو معقولة تجمع بين الرجل والبعير )،كما لا يقال: سعيد عالم، وخليل قصير، ( مو معقولة تجمع بين العالم والرجل العادي )وفي هذا الباب مبحثان.
================
مواضع الوصل
الوصل: عطف جملة على أخرى (بالواو) ، ويقع في ثلاثة مواضع :
الأول - إذا اتحدت الجملتان في الخبرية وال****ئية لفظا ومعنى، أو معنى فقط ، ولم يكن هناك سبب يقتضي الفصل بينهما، وكانت بينهما مناسبة تامة في المعنى.
فمثال الخبريتين قوله تعالى : (إن الأبرار لفي نعيم (13) وإن الفجار لفي جحيم ) ومثال ال****ئيتين قوله تعالى : (فادع واستقم كما أمرت ) ، وقوله تعالى : (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا )
وصل جملة« ولا تشركوا» بجملة « واعبدوا» لاتحادهما في ال*****، ولأن المطلوب بهما مما يجب على الإنسان أن يؤديه لخالقه، ويختصه به، ومن هذا النوع قول أحمد شوقي
عالجوا الحكمة واستشفوا بها وأنشدوا ما حل منها في السير
فقد وصل بين ثلاث جمل، تتناسب في أنها مما يتعلق بأمر (الحكمة) وبواجب (الشباب) في طلبها، والانتفاع بها.
ومثال المختلفين، قوله تعالى : (إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون ) ، أي: إني أشهد الله وأشهدوا ، فتكون الجملة الثانية في هذه الآية: ****ئية لفظا، ولكنها خبرية في المعنى .
الثاني - دفع توهم غير المراد، وذلك إذا اختلفت الجملتان في الخبرية وال****ئية، وكان الفصل يوهم خلاف المقصود ، كما تقول مجيبا لشخص بالنفي : «لا - وشفاه الله » لمن يسألك: هل برئ علي من المرض ؟
« فترك الواو يوهم السامع الدعاء عليه( يعني لو قلت لا - شفاه الله فكأنك تدعوا عليه ولو كانت نيتك بخلاف ذلك فلو وضعت الواو هذا هو الأصح ) وهو خلاف المقصود، لأن الغرض الدعاء له» ،ولهذا وجب أيضا الوصل ،
وعطف الجملة الثانية الدعائية ال****ئية على الجملة الأولى الخبرية المصورة بلفظ «لا» لدفع الإيهام، وكل من الجملتين لا محل له من الإعراب .
و كقولك في جواب من قال: (هل جاء زيد): (لا، وأصلحك الله) فإنك لو قلت: (لا أصلحك الله) توهم الدعاء عليه، والحال أنك تريد الدعاء له.
الثالث - إذا كان للجملة الأولى محل من الإعراب، وقصد تشريك الجملة الثانية لها في الإعراب، حيث لا مانع، قال تعالى: {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ..} (25) سورة الحج ،حيث قصد اشتراك (يصدون) لـ (كفروا) في جعله صلة،و نحو: محمود يقول، ويفعل .
الدرس الخامس عشر
القصر ... أ- طرق القصر وطرفاه
1- المقصور : شهداء الحرب
المقصور عليه : عمادها
طريقة القصر : النفي والاستثناء
2- المقصور : التاء اسم (لست)
المقصور عليه : رقيب
طريقة القصر : النفي والاستثناء
----------------------------------------------
المقصور : رقيب
المقصور عليه : علي
طريقة القصر : تقديم ما حقه التأخير
3-المقصور : يدرك المجد
المقصور عليه : سيد فطن
طريقة القصر : النفي والاستثناء
4- المقصور : أنت
المقصور عليه : والد
طريقة القصر : إنما
5- المقصور : الحياة
المقصور عليه : عذاب
طريقة القصر : النفي والاستثناء
6- المقصور : هي
المقصور عليه : الدهر
طريقة القصر : النفي والاستثناء
7- المقصور : لمح الصفاء
المقصور عليه : عليه
طريقة القصر : إنما
8- المقصور : أصداف ورمل
المقصور عليه : فيك
طريقة القصر : تقديم ما حقه التأخير
------------------------------------------------
المقصور : أنت
المقصور عليه : بلا ظل
طريقة القصر : إنما
------------------------------------------------
المقصور : ظلّ ( في آخر البيت الثاني )
المقصور عليه : لي
طريقة القصر : تقديم ما حقه التأخير
------------------------------------------------
المقصور : أنت
المقصور عليه : بلا عقل
طريقة القصر : إنما
------------------------------------------------
المقصور : عقل (في آخر البيت الثالث)
المقصور عليه : لي
طريقة القصر : تقديم ما حقه التأخير
9- المقصور : أشكو
المقصور عليه : إلى الله
طريقة القصر : تقديم ما حقه التأخير
10- المقصور : السبيل
المقصور عليه : الذين يستأذنونك
طريقة القصر : إنما
11- المقصور : دينكم
المقصور عليه : لكم
طريقة القصر : تقديم ما حقه التأخير
----------------------------------------
المقصور : دين
المقصور عليه : لي
طريقة القصر : تقديم ما حقه التأخير
12- المقصور : توفيقي
المقصور عليه : بالله
طريقة القصر : النفي والاستثناء
----------------------------------------
المقصور : توكلت
المقصور عليه : عليه
طريقة القصر : تقديم ما حقه التأخير
-----------------------------------------
المقصور : أنيب
المقصور عليه : إليه
طريقة القصر : تقديم ما حقه التأخير
13- المقصور : للإنسان
المقصور عليه : ما سعى
طريقة القصر : النفي والاستثناء
14- المقصور : عليك
المقصور عليه : البلاغ
طريقة القصر : إنما ، تقديم ما حقه التأخير
------------------------------------------
المقصور : الحساب
المقصور عليه : علينا
طريقة القصر : تقديم ما حقه تقديمه
تبقى اشهر الكتب في البلاغه
اسرار البلاغه و دلائل الإعجاز للجر جاني
أساس البلاغه للزمخشري
كتاب الصناعتين لابي هلال العسكري
كتاب مفتاح العلوم لابي يعقوب السكا ني
البلاغه تطور وتاريخ لشوقي ضيف
انتهى
أرجو منكم دعوه في ظهر الغيب
وأدعو أتوفق في قياس
تقدرون تلخصونها أكثر
أدعو للأستاذ محمد سعيد لاجتهاده
اللهم وفقنا جميعا واجعل هذا العمل خالص لوجهك الكريم.
وما توفيقي إلا بالله