*wed*
*wed*
اختي الفاضلة جزاك الله كل خير بصراحة موضوع متعوب علية ومميز كتير وانا في انتظار ان تكملي لنا بقية السورة وفعلا ان نحفظ ونحن فاهمين معاني الايات يزيد من رسوخ الايات في قلوبنا وقصة سيدنا موسى مع الخضر لها فوائد كثيرة حتى في وقتنا الحالي ونتعلم ان نصبر وان لا نتسرع في ابداء ارائنا او الحكم على شئ بدون ان نفهم معناة وان نتعلم ممن هم اكثر خبرة منا في الحياة وان ناخذ بنصائح من هم اخبر منا واعلم انا بستناكي بفارغ الصبر السلام عليكم
اختي الفاضلة جزاك الله كل خير بصراحة موضوع متعوب علية ومميز كتير وانا في انتظار ان تكملي...
نكمل بأذن الله



قصة ذو القرنين



(ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً "83")

ذو القرنين: هذا لقبه؛ لأنه ربما كان في تكوينه ذا قرنين، أو يلبس تاجاً له اتجاهان؛ أو لأنه بلغ قرني الشمس في المشرق وفي المغرب.
وقد بحث العلماء في: من هو ذو القرنين؟ فمنهم من قال: هو الإسكندر الأكبر المقدوني الطواف في البلاد، لكن الإسكندر الأكبر كان في مقدونيا في الغرب، وذو القرنين جاب المشرق والمغرب مما دعا عالماً محققاً من علماء الهند هو: أبو الكلام آزاد ـ وزير المعارف الهندي ـ إلى القول بأنه ليس هو الإسكندر الأكبر، بل هو قورش الصالح، وهذه رحلته في الشرق والغرب وبين السدين، كما أن الإسكندر كان وثنياً، وكان تلميذاً لأرسطو، وذو القرنين رجل مؤمن كما سنعرف من قصته.
وعلى العموم، ليس من صالح القصة حصرها في شخص بعينه؛ لأن تشخيص حادثة القصة يضعف من تأثيرها، ويصبغها بصبغة شخصية لا تتعدى إلى الغير فنرى من يقول بأنها مسألة شخصية لا تتكرر.
إذن: لو جاء العلم في ذاته سنقول: هذه الحادثة أو هذا العمل خاص بهذا الشخص، والحق ـ سبحانه وتعالى ـ يريد أن يضرب لنا مثلاً يعم أي شخص، ماذا سيكون مسلكه وتصرفه إن مكن الله له ومنحه الله قوة وسلطة؟
ولو حدد القرآن هذه الشخصية في الإسكندر أو قورش أو غيرهما لقلنا: إنه حدث فردي لا يتعدى هذا الشخص، وتنصرف النفس عن الأسوة به، وتفقد القصة مغزاها وتأثيرها. ولو كان في تعيينه فائدة لعينه الله لنا.
وسبق أن أوضحنا أن الحق ـ سبحانه ـ عندما ضرب مثلاً للذين كفروا، قال:

{امرأة نوحٍ وامرأة لوط .. "10"}
(سورة التحريم)

ولم يعينهما على التحديد؛ لأن الهدف من ضرب المثل هنا بيان الرسول المرسل من الله لهداية الناس لم يتمكن من هداية زوجته وأقرب الناس إليه؛ لأن الإيمان مسألة شخصية، لا سيطرة فيها لأحد على أحد. وكذلك لما ضرب الله مثلاً للذين آمنوا قال:

{امرأة فرعون .. "11"}
(سورة التحريم)

ففرعون الذي أضل الناس وادعى الألوهية زوجته مؤمنة، وكأن الحق سبحانه يلمح للناس جميعاً أن رأيك في الدين وفي العقائد رأي ذاتي، لا يتأثر بأحد أياً كان، لا في الهداية بنبي، ولا في الغواية بأضل الضالين الذي ادعى الألوهية.
وهكذا يحفظ الإسلام للمرأة دورها وطاقتها ويحترم رأيها.
إذن: الحق سبحانه وتعالى أتى بهذه القصة غير مشخصة لتكون نموذجاً وأسوة يحتذي بها كل أحد، وإلا لو شخصت لارتبطت بهذا الشخص دون غيره، أما حينما تكلم الحق سبحانه عن مريم فنراه يحددها باسمها، بل واسم أبيها؛ ذلك لأن ما سيحدث لمريم مسألة خاصة بها، ولن تحدث بعدها أبداً في بنات آدم، لذلك عينها وشخصها؛ لأن التشخيص ضروري في مثل هذا الموقف.
أما حين يترك المثل أو القصة دون تشخيص، فهذا يعني أنها صالحة لأن تتكرر في أي زمان أو في أي مكان، كما رأينا في قصة أهل الكهف، وكيف أن الحق سبحانه أبهمهم أسماءً، وأبهمهم مكاناً وأبهمهم زماناً، وأبهمهم عدداً، ليكونوا أسوة وقدوة للفتيان المؤمنين في أي زمان، وفي أي مكان، وبأي عدد.
وقوله:

{ويسألونك عن ذي القرنين .. "83"}
نلاحظ أن مادة السؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن أخذت حيزاً كبيراً فيه، فقد ورد السؤال للنبي من القوم ست عشرة مرة، إحداها بصيغة الماضي في قوله تعالى:

{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب .. "186"}
(سورة البقرة)

وخمس عشرة مرة بصيغة المضارع، كما في:

{يسألونك عن الأهلة .. "189"}
(سورة البقرة)

وقوله:
{يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين .. "215"}
(سورة البقرة)

{يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه .. "217"}
(سورة البقرة)

{يسألونك عن الخمر والميسر .. "219"}
(سورة البقرة)

{ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو .. "219"}
(سورة البقرة)

{ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير .. "220"}
(سورة البقرة)

{ويسألونك عن المحيض .. "222"}
(سورة البقرة)

{يسألونك ماذا أحل لهم .. "4"}
(سورة المائدة)

{يسألونك عن الساعة .. "187"}
(سورة الأعراف)

{يسألونك عن الأنفال .. "1"}
(سورة الأنفال)

{ويسألونك عن الروح .. "85"}
(سورة الإسراء)

{ويسألونك عن ذي القرنين .. "83" }
(سورة الكهف)

{ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً .. "105"}
(سورة طه)


خمسة عشر سؤالاً بالمضارع، إلا أن الجواب عليها مختلف، وكلها صادرة عن الله الحكيم، فلابد أن يكون اختلاف الجواب في كل سؤال له ملحظ، ومن هذه الأسئلة ما جاء من الخصوم، ومنها ما سأله المؤمنون، السؤال من المؤمنين لرسول الله ـ وقد نهاهم أن يسألوه حتى يهدأوا ـ إلحاح منهم في معرفة تصرفاتهم وإن كانت في الجاهلية، إلا أنهم يريدون أن يعرفوا رأي الإسلام فيها، فكأنهم نسوا عادات الجاهلية ويرغبون في أن تشرع كل أمورهم على وفق الإسلام.
وبتأمل الإجابة على هذه الأسئلة تجد منها واحدة يأتي الجواب مباشرة دون (قل) وهي في قوله تعالى:

{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب .. "186"}
(سورة البقرة)

وواحدة وردت مقرونة بالفاء (فقل) وهي قوله تعالى:

{ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً .. "105"}
(سورة طه)

وباقي الأسئلة وردت الإجابة عليها بالفعل (قل)، فما الحكمة في اقتران الفعل بالفاء في هذه الآية دون غيرها؟

قالوا: حين يقول الحق سبحانه في الجواب (قل) فهذه إجابة على سؤال سأله رسول الله بالفعل، أي: حدث فعلاً منهم، أما الفاء فقد أتت في الجواب على سؤال لم يسأله، ولكنه سيسأله مستقبلاً.
فقوله تعالى:

{ويسألونك عن الجبال .. "105"}
(سورة طه)

سؤال لم يحدث بعد، فالمعنى: إذا سألوك فقل، وكأنه احتياط لجواب عن سؤال سيقع. فإذا قلت: فما الحكمة في أن يأتي الجواب في قوله تعالى:

{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب .. "186"}
(سورة البقرة)

خالياً من: قل أو فقل: مع أن (إذا) تقتضي الفاء في جوابها؟
نقول: لأن السؤال هنا عن الله تعالى، ويريد سبحانه وتعالى أن يجيبهم عليه بانتفاء الواسطة من أحد؛ لذلك تأتي الإجابة مباشرة دون واسطة:

{وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع .. "186"}
(سورة البقرة)

قوله تعالى:

{ويسألونك عن ذي القرنين .. "83"}
(سورة الكهف)

أي: عن تاريخه وعن خبره والمهمة التي قام بها:

{قل سأتلو عليكم منه ذكراً "83"}
(سورة الكهف)


نعود مرة اخرى للأية :

(ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً "83")
وأي شرف بعد هذا الشرف، إن الحق تبارك وتعالى يتولى التأريخ لهذا الرجل، ويؤرخ له في قرآنه الكريم الذي يتلى ويتعبد به إلى يوم القيامة والذي يتحدى به، ليظل ذكره باقياً بقاء القرآن، خالداً بخلوده، يظل أثره فيما عمل أسوة وقدوة لمن يعمل مثله. إن دل على شيء فإنما يدل على أن العمل الصالح مذكور عند الله قبل أن يذكر عند الخلق.
فأي ذكر أبقى من ذكر الله لخبر ذي القرنين وتاريخه؟
و(منه) أي: بعضاً من ذكره وتاريخه، لا تاريخه كله.
وكلمة (ذكر) وردت في القرآن الكريم بمعان متعددة، تلتقي جميعها في الشرف والرفعة، وفي التذكر والاعتبار. وإن كانت إذا أطلقت تنصرف انصرافاً أولياً إلى القرآن، كما في قوله تعالى:

{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9"}
(سورة الحجر)

وبعد ذلك تستعمل في أي كتاب أنزله الله تعالى من الكتب السابقة، كما جاء في قوله تعالى:

{وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "43"}
(سورة النحل)

ويطلق الذكر على ما يتبع هذا من الصيت والشرف والرفعة وتخليد الاسم، كما في قوله تعالى:

{لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم .. "10"}
(سورة الأنبياء)

وقوله تعالى:

{وإنه لذكر لك ولقومك .. "44"}
(سورة الزخرف)

أي: صيت حسن وشرف ورفعة كون القرآن يذكر هذا الاسم؛ لأن الاسم إذا ذكر في القرآن ذاع صيته ودوي الآفاق.

إذن: فذكر ذي القرنين في كتاب الله شرف كبير، وفي إشارة إلى أن فاعل الخير له مكانته ومنزلته عند الله، ومجازى بأن يخلد ذكره ويبقى صيته بين الناس في الدنيا.



(إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً "84") التمكين: أي أننا أعطيناه إمكانات يستطيع بها أن يصرف كل أموره التي يريدها؛ لأنه مأمون على تصريف الأمور على حسب منهج الله، كما قال تعالى في آية أخرى عن يوسف عليه السلام:

{وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء .. "56"}
(سورة يوسف)

فالتمكين يعني إعطاءه إمكانات لكل غرض يريده فيصرف به الأمور، لكن لماذا مكناه؟ مكناه لأنه مأمون على تصريف الأمور وفق منهج الله، ومأمون على ما أعطاه الله من إمكانات. وقوله:

{وآتيناه من كل شيء سبباً "84"}
(سورة الكهف)

أي: أعطيناه أسباباً يصل بها إلى ما يريد، فما من شيء يريده إلا ويجعل الله له وسيلة موصلة إليه. فماذا صنع هو؟




(فأتبع سبباً "85")

أتبع السبب، أي: لا يذهب لغاية إلا بالوسيلة التي جعلها الله له، فلقدمكن الحق لذي القرنين في الأرض، وأعطاه من كل شيء سبباً، ومع ذلك لم يركن ذو القرنين إلى ما أعطى، فلم يتقاعس، ولم يكسل، بل أخذ من عطاء الله له بشيء من كل سبب.



(حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً"86")

وبلوغه مغرب الشمس دليل على أنه لم يكن بهذا المكان، بل كان قادماً إليه من المشرق. ومعنى (مغرب الشمس) هل الشمس تغرب؟
هي تغرب في عين الرائي في مكان واحد، فلو لاحظت الشمس ساعة الغروب لوجدتها تغرب
إذن: غروبها بمعنى غيابها من مرأى عينك أنت؛ لأن الشمس لا تغيب أبداً، فهي دائماً شارقة غاربة، بمعنى أنها حين تغرب على قوم تشرق على آخرين؛ لذلك تتعدد المشارق والمغارب.
وهذه أعطتنا دوام ذكر الله ودورانه على الألسنة في كل الأوقات، فحين نصلي نحن الظهر مثلاً يصلي غيرنا العصر، ويصلي غيرهم المغرب، وهكذا فالحق سبحانه مذكور في كل وقت بكل وقت، فلا ينتهي الظهر لله، ولا ينتهي العصر لله، ولا ينتهي المغرب لله، بل لا ينتهي الإعلام بواحدة منها طوال الوقت، وعلى مر الزمن.
ثم يقول تعالى:

{وجدها تغرب في عينٍ حمئةٍ .. "86"}
(سورة الكهف)

أي: في عين فيها ماء. وقلنا: إن الحمأ المسنون هو الطين الذي اسود لكثرة وجوده في الماء. وفي تحقيق هذه المسألة قال عالم الهند أبو الكلام آزاد، ووافقه فضيلة المرحوم الشيخ عبد الجليل عيسى، قال: عند موضع يسمى (أزمير).
وقوله:

{ووجدها عندها قوماً .. "86"}
(سورة الكهف)

أي: عند هذه العين.

{قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً "86"}
(سورة الكهف)

إذن: فهذا تفويض له من الله، ولا يفوض إلا المأمون على التصرف

{إما أن تعذب .. "86"}
(سورة الكهف)

ولابد أنهم كانوا كفرة أو وثنيين لا يؤمنون بإله، فإما أن تأخذهم بكفرهم، وإما أن تتخذ فيهم حسناً.
لكن ما وجه الحسن الذي يريد الله أن يتخذه؟ يعني أنهم قد يكونون من أهل الغفلة الذين لم تصلهم الدعوة، فبين لهم وجه الصواب ودلهم على دين الله، فمن آمن منهم فأحسن إليه، ومن أصر على كفره فعذبه، إذن: عليك أن تأخذهم أولاً بالعظة الحسنة والبيان الواضح، ثم تحكم بعد ذلك على تصرفاتهم.



(قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكراً "87")
قوله:

{فسوف نعذبه .. "87"}
يعطينا إشارة إلى المهلة التي سيعطيها لهؤلاء، مهلة تمكنه أن يعظهم ويذكرهم ويفهمهم مطلوبات دين الله. وسبق أن قلنا: إن الظلم أنواع، أفظعها وأعلاها الشرك بالله، كما قال تعالى:

{إن الشرك لظلم عظيم "13"}
(سورة لقمان)

ثم يقول تعالى:

{ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً "87"}
فلن نعذبه على قدر ما فعل، بل نعذبه عقوبة دنيوية فقط؛ لأن العقوبات الدنيوية شرعت لحفظ توازن المجتمع، وردع من لا يرتدع بالموعظة، وإلا فما فائدة الموعظة في غير المؤمن؟ لذلك نرى الأمم التي لا تؤمن بإله، ولا بالقيامة والآخرة تشرع هذه العقوبات الدنيوية لتستقيم أوضاعها.
وبعد عذاب الدنيا عقوبتها هنا عذاب أشد في الآخرة

{عذاباً نكراً "87"}
والشيء النكر: هو الذي لا نعرفه، ولا عهد لنا به أو ألفة؛ لأننا حينما نعذب في الدنيا نعذب بفطرتنا وطاقتنا، أما عذاب الله في الآخرة فهو شيء لا نعرفه، وفوق مداركنا وإمكاناتنا.



(وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً "88")
قوله:

{فله جزاء الحسنى .. "88"}
(سورة الكهف)

أي: نعطيه الجزاء الحسن

{وسنقول له من أمرنا يسراً "88"}
(سورة الكهف)

نقول له الكلام الطيب الذي يشجعه ويحفزه، وإن كلفناه كلفناه بالأمر اليسير غير الشاق. وهذه الآية تضع لنا أساس عملية الجزاء التي هي ميزان المجتمع وسبب نهضته، فمجتمع بلا جزاءات تثيب المجد وتعاقب المقصر مجتمع ينتهي إلى الفوضى والتسيب، فإن أمن الناس العقاب تكاسلوا، وربما ما تعانيه مصر الآن من سوء الإدارة راجع إلى ما في المجتمع من أشخاص فوق القانون لا نستطيع معاقبتهم فيتسيب الآخرون.
وكذلك نرى المراتب والجوائز يظفر بها من لا يعمل، ويظفر بها من يتقرب ويتودد ويتملق وينافق، ولهؤلاء أساليبهم الملتوية التي يجيدونها، أما الذي يجد ويعمل ويخلص فهو منهك القوى مشغول بإجادة عمله وإتقانه، لا وقت لديه لهذه الأساليب الملتوية، فهو يتقرب بعمله وإتقانه، وهذا الذي يستحق التكريم ويستحق الجائزة. ولك أن تتصور مدى الفساد والتسيب الذي تسببه هذه الصورة المقلوبة المعوجة. إذن: فميزان المجتمع وأساس نهضته:

{أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكراً "87" وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً "88"}
(سورة الكهف)

فما أجمل أن نرصد المكافآت التشجيعية والجوائز، ونقيم حفلات التكريم للمتميزين والمثاليين، شريطة أن يقوم ميزان الاختيار على الحق والعدل.
والحسنى: أفعل التفضيل المؤنث لحسن، فإذا أعطيناه الحسنى فالحسن من باب أولى، ومن هذا قوله تعالى:

{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة .. "26"}
(سورة يونس)




(ثم أتبع سبباً"89")
أي: ذهب إلى مكان آخر.





>>>>>>>>>>>>>>
*wed*
*wed*
*wed* *wed* :
نكمل بأذن الله قصة ذو القرنين (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً "83") ذو القرنين: هذا لقبه؛ لأنه ربما كان في تكوينه ذا قرنين، أو يلبس تاجاً له اتجاهان؛ أو لأنه بلغ قرني الشمس في المشرق وفي المغرب. وقد بحث العلماء في: من هو ذو القرنين؟ فمنهم من قال: هو الإسكندر الأكبر المقدوني الطواف في البلاد، لكن الإسكندر الأكبر كان في مقدونيا في الغرب، وذو القرنين جاب المشرق والمغرب مما دعا عالماً محققاً من علماء الهند هو: أبو الكلام آزاد ـ وزير المعارف الهندي ـ إلى القول بأنه ليس هو الإسكندر الأكبر، بل هو قورش الصالح، وهذه رحلته في الشرق والغرب وبين السدين، كما أن الإسكندر كان وثنياً، وكان تلميذاً لأرسطو، وذو القرنين رجل مؤمن كما سنعرف من قصته. وعلى العموم، ليس من صالح القصة حصرها في شخص بعينه؛ لأن تشخيص حادثة القصة يضعف من تأثيرها، ويصبغها بصبغة شخصية لا تتعدى إلى الغير فنرى من يقول بأنها مسألة شخصية لا تتكرر. إذن: لو جاء العلم في ذاته سنقول: هذه الحادثة أو هذا العمل خاص بهذا الشخص، والحق ـ سبحانه وتعالى ـ يريد أن يضرب لنا مثلاً يعم أي شخص، ماذا سيكون مسلكه وتصرفه إن مكن الله له ومنحه الله قوة وسلطة؟ ولو حدد القرآن هذه الشخصية في الإسكندر أو قورش أو غيرهما لقلنا: إنه حدث فردي لا يتعدى هذا الشخص، وتنصرف النفس عن الأسوة به، وتفقد القصة مغزاها وتأثيرها. ولو كان في تعيينه فائدة لعينه الله لنا. وسبق أن أوضحنا أن الحق ـ سبحانه ـ عندما ضرب مثلاً للذين كفروا، قال: {امرأة نوحٍ وامرأة لوط .. "10"} (سورة التحريم) ولم يعينهما على التحديد؛ لأن الهدف من ضرب المثل هنا بيان الرسول المرسل من الله لهداية الناس لم يتمكن من هداية زوجته وأقرب الناس إليه؛ لأن الإيمان مسألة شخصية، لا سيطرة فيها لأحد على أحد. وكذلك لما ضرب الله مثلاً للذين آمنوا قال: {امرأة فرعون .. "11"} (سورة التحريم) ففرعون الذي أضل الناس وادعى الألوهية زوجته مؤمنة، وكأن الحق سبحانه يلمح للناس جميعاً أن رأيك في الدين وفي العقائد رأي ذاتي، لا يتأثر بأحد أياً كان، لا في الهداية بنبي، ولا في الغواية بأضل الضالين الذي ادعى الألوهية. وهكذا يحفظ الإسلام للمرأة دورها وطاقتها ويحترم رأيها. إذن: الحق سبحانه وتعالى أتى بهذه القصة غير مشخصة لتكون نموذجاً وأسوة يحتذي بها كل أحد، وإلا لو شخصت لارتبطت بهذا الشخص دون غيره، أما حينما تكلم الحق سبحانه عن مريم فنراه يحددها باسمها، بل واسم أبيها؛ ذلك لأن ما سيحدث لمريم مسألة خاصة بها، ولن تحدث بعدها أبداً في بنات آدم، لذلك عينها وشخصها؛ لأن التشخيص ضروري في مثل هذا الموقف. أما حين يترك المثل أو القصة دون تشخيص، فهذا يعني أنها صالحة لأن تتكرر في أي زمان أو في أي مكان، كما رأينا في قصة أهل الكهف، وكيف أن الحق سبحانه أبهمهم أسماءً، وأبهمهم مكاناً وأبهمهم زماناً، وأبهمهم عدداً، ليكونوا أسوة وقدوة للفتيان المؤمنين في أي زمان، وفي أي مكان، وبأي عدد. وقوله: {ويسألونك عن ذي القرنين .. "83"} نلاحظ أن مادة السؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن أخذت حيزاً كبيراً فيه، فقد ورد السؤال للنبي من القوم ست عشرة مرة، إحداها بصيغة الماضي في قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب .. "186"} (سورة البقرة) وخمس عشرة مرة بصيغة المضارع، كما في: {يسألونك عن الأهلة .. "189"} (سورة البقرة) وقوله: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين .. "215"} (سورة البقرة) {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه .. "217"} (سورة البقرة) {يسألونك عن الخمر والميسر .. "219"} (سورة البقرة) {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو .. "219"} (سورة البقرة) {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير .. "220"} (سورة البقرة) {ويسألونك عن المحيض .. "222"} (سورة البقرة) {يسألونك ماذا أحل لهم .. "4"} (سورة المائدة) {يسألونك عن الساعة .. "187"} (سورة الأعراف) {يسألونك عن الأنفال .. "1"} (سورة الأنفال) {ويسألونك عن الروح .. "85"} (سورة الإسراء) {ويسألونك عن ذي القرنين .. "83" } (سورة الكهف) {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً .. "105"} (سورة طه) خمسة عشر سؤالاً بالمضارع، إلا أن الجواب عليها مختلف، وكلها صادرة عن الله الحكيم، فلابد أن يكون اختلاف الجواب في كل سؤال له ملحظ، ومن هذه الأسئلة ما جاء من الخصوم، ومنها ما سأله المؤمنون، السؤال من المؤمنين لرسول الله ـ وقد نهاهم أن يسألوه حتى يهدأوا ـ إلحاح منهم في معرفة تصرفاتهم وإن كانت في الجاهلية، إلا أنهم يريدون أن يعرفوا رأي الإسلام فيها، فكأنهم نسوا عادات الجاهلية ويرغبون في أن تشرع كل أمورهم على وفق الإسلام. وبتأمل الإجابة على هذه الأسئلة تجد منها واحدة يأتي الجواب مباشرة دون (قل) وهي في قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب .. "186"} (سورة البقرة) وواحدة وردت مقرونة بالفاء (فقل) وهي قوله تعالى: {ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفاً .. "105"} (سورة طه) وباقي الأسئلة وردت الإجابة عليها بالفعل (قل)، فما الحكمة في اقتران الفعل بالفاء في هذه الآية دون غيرها؟ قالوا: حين يقول الحق سبحانه في الجواب (قل) فهذه إجابة على سؤال سأله رسول الله بالفعل، أي: حدث فعلاً منهم، أما الفاء فقد أتت في الجواب على سؤال لم يسأله، ولكنه سيسأله مستقبلاً. فقوله تعالى: {ويسألونك عن الجبال .. "105"} (سورة طه) سؤال لم يحدث بعد، فالمعنى: إذا سألوك فقل، وكأنه احتياط لجواب عن سؤال سيقع. فإذا قلت: فما الحكمة في أن يأتي الجواب في قوله تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب .. "186"} (سورة البقرة) خالياً من: قل أو فقل: مع أن (إذا) تقتضي الفاء في جوابها؟ نقول: لأن السؤال هنا عن الله تعالى، ويريد سبحانه وتعالى أن يجيبهم عليه بانتفاء الواسطة من أحد؛ لذلك تأتي الإجابة مباشرة دون واسطة: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع .. "186"} (سورة البقرة) قوله تعالى: {ويسألونك عن ذي القرنين .. "83"} (سورة الكهف) أي: عن تاريخه وعن خبره والمهمة التي قام بها: {قل سأتلو عليكم منه ذكراً "83"} (سورة الكهف) نعود مرة اخرى للأية : (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً "83") وأي شرف بعد هذا الشرف، إن الحق تبارك وتعالى يتولى التأريخ لهذا الرجل، ويؤرخ له في قرآنه الكريم الذي يتلى ويتعبد به إلى يوم القيامة والذي يتحدى به، ليظل ذكره باقياً بقاء القرآن، خالداً بخلوده، يظل أثره فيما عمل أسوة وقدوة لمن يعمل مثله. إن دل على شيء فإنما يدل على أن العمل الصالح مذكور عند الله قبل أن يذكر عند الخلق. فأي ذكر أبقى من ذكر الله لخبر ذي القرنين وتاريخه؟ و(منه) أي: بعضاً من ذكره وتاريخه، لا تاريخه كله. وكلمة (ذكر) وردت في القرآن الكريم بمعان متعددة، تلتقي جميعها في الشرف والرفعة، وفي التذكر والاعتبار. وإن كانت إذا أطلقت تنصرف انصرافاً أولياً إلى القرآن، كما في قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون "9"} (سورة الحجر) وبعد ذلك تستعمل في أي كتاب أنزله الله تعالى من الكتب السابقة، كما جاء في قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون "43"} (سورة النحل) ويطلق الذكر على ما يتبع هذا من الصيت والشرف والرفعة وتخليد الاسم، كما في قوله تعالى: {لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم .. "10"} (سورة الأنبياء) وقوله تعالى: {وإنه لذكر لك ولقومك .. "44"} (سورة الزخرف) أي: صيت حسن وشرف ورفعة كون القرآن يذكر هذا الاسم؛ لأن الاسم إذا ذكر في القرآن ذاع صيته ودوي الآفاق. إذن: فذكر ذي القرنين في كتاب الله شرف كبير، وفي إشارة إلى أن فاعل الخير له مكانته ومنزلته عند الله، ومجازى بأن يخلد ذكره ويبقى صيته بين الناس في الدنيا. (إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سبباً "84") التمكين: أي أننا أعطيناه إمكانات يستطيع بها أن يصرف كل أموره التي يريدها؛ لأنه مأمون على تصريف الأمور على حسب منهج الله، كما قال تعالى في آية أخرى عن يوسف عليه السلام: {وكذلك مكنا ليوسف في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء .. "56"} (سورة يوسف) فالتمكين يعني إعطاءه إمكانات لكل غرض يريده فيصرف به الأمور، لكن لماذا مكناه؟ مكناه لأنه مأمون على تصريف الأمور وفق منهج الله، ومأمون على ما أعطاه الله من إمكانات. وقوله: {وآتيناه من كل شيء سبباً "84"} (سورة الكهف) أي: أعطيناه أسباباً يصل بها إلى ما يريد، فما من شيء يريده إلا ويجعل الله له وسيلة موصلة إليه. فماذا صنع هو؟ (فأتبع سبباً "85") أتبع السبب، أي: لا يذهب لغاية إلا بالوسيلة التي جعلها الله له، فلقدمكن الحق لذي القرنين في الأرض، وأعطاه من كل شيء سبباً، ومع ذلك لم يركن ذو القرنين إلى ما أعطى، فلم يتقاعس، ولم يكسل، بل أخذ من عطاء الله له بشيء من كل سبب. (حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً"86") وبلوغه مغرب الشمس دليل على أنه لم يكن بهذا المكان، بل كان قادماً إليه من المشرق. ومعنى (مغرب الشمس) هل الشمس تغرب؟ هي تغرب في عين الرائي في مكان واحد، فلو لاحظت الشمس ساعة الغروب لوجدتها تغرب إذن: غروبها بمعنى غيابها من مرأى عينك أنت؛ لأن الشمس لا تغيب أبداً، فهي دائماً شارقة غاربة، بمعنى أنها حين تغرب على قوم تشرق على آخرين؛ لذلك تتعدد المشارق والمغارب. وهذه أعطتنا دوام ذكر الله ودورانه على الألسنة في كل الأوقات، فحين نصلي نحن الظهر مثلاً يصلي غيرنا العصر، ويصلي غيرهم المغرب، وهكذا فالحق سبحانه مذكور في كل وقت بكل وقت، فلا ينتهي الظهر لله، ولا ينتهي العصر لله، ولا ينتهي المغرب لله، بل لا ينتهي الإعلام بواحدة منها طوال الوقت، وعلى مر الزمن. ثم يقول تعالى: {وجدها تغرب في عينٍ حمئةٍ .. "86"} (سورة الكهف) أي: في عين فيها ماء. وقلنا: إن الحمأ المسنون هو الطين الذي اسود لكثرة وجوده في الماء. وفي تحقيق هذه المسألة قال عالم الهند أبو الكلام آزاد، ووافقه فضيلة المرحوم الشيخ عبد الجليل عيسى، قال: عند موضع يسمى (أزمير). وقوله: {ووجدها عندها قوماً .. "86"} (سورة الكهف) أي: عند هذه العين. {قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسناً "86"} (سورة الكهف) إذن: فهذا تفويض له من الله، ولا يفوض إلا المأمون على التصرف {إما أن تعذب .. "86"} (سورة الكهف) ولابد أنهم كانوا كفرة أو وثنيين لا يؤمنون بإله، فإما أن تأخذهم بكفرهم، وإما أن تتخذ فيهم حسناً. لكن ما وجه الحسن الذي يريد الله أن يتخذه؟ يعني أنهم قد يكونون من أهل الغفلة الذين لم تصلهم الدعوة، فبين لهم وجه الصواب ودلهم على دين الله، فمن آمن منهم فأحسن إليه، ومن أصر على كفره فعذبه، إذن: عليك أن تأخذهم أولاً بالعظة الحسنة والبيان الواضح، ثم تحكم بعد ذلك على تصرفاتهم. (قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكراً "87") قوله: {فسوف نعذبه .. "87"} يعطينا إشارة إلى المهلة التي سيعطيها لهؤلاء، مهلة تمكنه أن يعظهم ويذكرهم ويفهمهم مطلوبات دين الله. وسبق أن قلنا: إن الظلم أنواع، أفظعها وأعلاها الشرك بالله، كما قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم "13"} (سورة لقمان) ثم يقول تعالى: {ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذاباً نكراً "87"} فلن نعذبه على قدر ما فعل، بل نعذبه عقوبة دنيوية فقط؛ لأن العقوبات الدنيوية شرعت لحفظ توازن المجتمع، وردع من لا يرتدع بالموعظة، وإلا فما فائدة الموعظة في غير المؤمن؟ لذلك نرى الأمم التي لا تؤمن بإله، ولا بالقيامة والآخرة تشرع هذه العقوبات الدنيوية لتستقيم أوضاعها. وبعد عذاب الدنيا عقوبتها هنا عذاب أشد في الآخرة {عذاباً نكراً "87"} والشيء النكر: هو الذي لا نعرفه، ولا عهد لنا به أو ألفة؛ لأننا حينما نعذب في الدنيا نعذب بفطرتنا وطاقتنا، أما عذاب الله في الآخرة فهو شيء لا نعرفه، وفوق مداركنا وإمكاناتنا. (وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً "88") قوله: {فله جزاء الحسنى .. "88"} (سورة الكهف) أي: نعطيه الجزاء الحسن {وسنقول له من أمرنا يسراً "88"} (سورة الكهف) نقول له الكلام الطيب الذي يشجعه ويحفزه، وإن كلفناه كلفناه بالأمر اليسير غير الشاق. وهذه الآية تضع لنا أساس عملية الجزاء التي هي ميزان المجتمع وسبب نهضته، فمجتمع بلا جزاءات تثيب المجد وتعاقب المقصر مجتمع ينتهي إلى الفوضى والتسيب، فإن أمن الناس العقاب تكاسلوا، وربما ما تعانيه مصر الآن من سوء الإدارة راجع إلى ما في المجتمع من أشخاص فوق القانون لا نستطيع معاقبتهم فيتسيب الآخرون. وكذلك نرى المراتب والجوائز يظفر بها من لا يعمل، ويظفر بها من يتقرب ويتودد ويتملق وينافق، ولهؤلاء أساليبهم الملتوية التي يجيدونها، أما الذي يجد ويعمل ويخلص فهو منهك القوى مشغول بإجادة عمله وإتقانه، لا وقت لديه لهذه الأساليب الملتوية، فهو يتقرب بعمله وإتقانه، وهذا الذي يستحق التكريم ويستحق الجائزة. ولك أن تتصور مدى الفساد والتسيب الذي تسببه هذه الصورة المقلوبة المعوجة. إذن: فميزان المجتمع وأساس نهضته: {أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكراً "87" وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسراً "88"} (سورة الكهف) فما أجمل أن نرصد المكافآت التشجيعية والجوائز، ونقيم حفلات التكريم للمتميزين والمثاليين، شريطة أن يقوم ميزان الاختيار على الحق والعدل. والحسنى: أفعل التفضيل المؤنث لحسن، فإذا أعطيناه الحسنى فالحسن من باب أولى، ومن هذا قوله تعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة .. "26"} (سورة يونس) (ثم أتبع سبباً"89") أي: ذهب إلى مكان آخر. >>>>>>>>>>>>>>
نكمل بأذن الله قصة ذو القرنين (ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً...



(حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً"90")

قوله تعالى:

{مطلع الشمس .. "90"}
(سورة الكهف)

كما قلنا في مغربها، فهي دائماً طالعة؛ لأنها لا تطلع من مكان واحد، بل كل واحد له مطلع، وكل واحد له مغرب حسب اتساع الأفق.
ثم يقول تعالى:

{وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً "90"}
(سورة الكهف)

الستر: هو الحاجز بين شيئين، وهو إما ليقيني الحر أو ليقيني البرد، فقد ذهب ذو القرنين إلى قوم من المتبدين الذين يعيشون عراة كبعض القبائل في وسط أفريقيا مثلاً، أو ليس عندهم ما يسترهم من الشمس مثل البيوت يسكنونها، أو الأشجار يستظلون بها.
وهؤلاء قوم نسميهم "ضاحون" أي: ليس لهم ما يأويهم من حر الصيف أو برد الشتاء، وهم أناس متأخرون بدائيون غير متحضرين. ومثل هؤلاء يعطيهم الله تعالى في جلودهم ما يعوضهم عن هذه الأشياء التي يفتقدونها، فترى في جلودهم ما يمنحهم الدفء في الشتاء والبرودة في الصيف.
وهذا نلاحظه في البيئات العادية، حيث وجه الإنسان وهو مكشوف للحر وللبرد، ولتقلبات الجو، لذلك جعله الله على طبيعة معينة تتحمل هذه التقلبات، على خلاف باقي الجسم المستور بالملابس، فإذا انكشف منه جزء كان شديد الحساسية للحر أو للبرد، وكذلك من الحيوانات ما منحها اله خاصية في جلودها تستطيع أن تعيش في القطب المتجمد دون أن تتأثر ببرودته.
وهؤلاء البدائيون يعيشون هكذا، ويتكيفون مع بيئتهم، ولا تشغلهم مسألة الملابس هذه، ولا يفكرون فيها، حتى يذهب إليهم المتحضرون ويرون الملابس، وكيف أنها زينة وستر للعورة فيستخدمونها.
ونلاحظ هنا أن القرآن لم يذكر لنا عن هؤلاء القوم شيئاً وماذا فعل ذو القرنين معهم، وإن قسنا الأمر على القوم السابقين الذين قابلهم عند مغرب الشمس نقول: ربما حضرهم ووفر لهم أسباب الرقي.
وبعض المفسرين يرون أن ذا القرنين ذهب إلى موضع يومه ثلاثة أشهر، أو نهاره ستة أشهر، فصادف وصوله وجود الشمس فلم ير لها غروباً في هذا المكان طيلة وجوده به، ولم ير لها ستراً يسترها عنهم، ويبدو أنه ذهب في أقصى الشمال.



(كذلك وقد أحطنا بما لديه خبراً "91")

كذلك: يعني ذهب كذلك، كما ذهب للمغرب ذهب للمشرق



(ثم أتبع سبباً "92") ذهب إلى مكان آخر




(حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولاً "93")

السد: هو الحاجز بين شيئين، والحاجز قد يكون أمراً معنوياً، وقد يكون طبيعياً محسوساً كالجبال، فالمراد بالسدين هنا جبلان بينهما فجوة، ومادام قد قال: (بين السدين) فالبين هنا يقتضي وجود فجوة بين السدين يأتي منها العدو.

{وجد من دونهما .. "93"}
(سورة الكهف)

أي: تحتهما.

{قوماً لا يكادون يفقهون قولاً "93"}
(سورة الكهف)

أي: لا يعرفون الكلام، ولا يفقهون القول؛ لأن الذي يقدر أن يفهم يقدر أن يتكلم، وهؤلاء لا يقولون كلاماً، ولا يفهمون ما يقال لهم، ومعنى:

{لا يكادون .. "93"}
(سورة الكهف)

لا يقربون من أن يفهموا، فلا ينفي عنهم الفهم، بل مجرد القرب من الفهم، وكأنه لا أمل في أن يفهمهم. لكن، يكف نفى عنهم الكلام، ثم قال بعدها مباشرة:

{قالوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض. فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا "94"}
(سورة الكهف)

فأثبت لهم القول؟
يبدو أنه خاطبهم بلغة الإشارة، واحتال على أن يجعل من حركاتهم كلاماً يفهمه وينفذ لهم ما يريدون، ولاشك أن هذه العملية احتاجت منه جهداً وصبراً حتى يفهمهم ويفهم منهم، وإلا فقد كان في وسعه أن ينصرف عنهم بحجة أنهم لا يتكلمون ولا يتفاهمون. فهو مثال للرجل المؤمن الحريص على عمل الخير، والذي لا يألو جهداً في نفع القوم وهدايتهم.
والإشارة أصبحت الآن لغة مشهورة ومعروفة، ولها قواعد ودارسون يتفاهمون بها، كما نتفاهم نحن الآن مع الأخرس.


( إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض. فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا )
..فاشتكوا عليه من الضرر الذي يلحق بهم من يأجوج ومأجوج وطلبوا منه ان يقيم بينهم

سدا يمنعهم عنهم وعرضوا عليه مالا كثيرا يجمعونه له ...فاستجاب لطلبهم رافضا اموالهم ومتعففا عنها



(قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً "95")

والقول هنا أيضاً قول دلالة وإشارة تفهمهم أنه في غنى عن الأجر، فعنده الكثير من الخير الذي أعطاه الله، إنما هو في حاجة إلى قوة بشرية عاملة تعينه، وتقوم معه بتنفيذ هذا العمل.
ونفهم من الآية أن المعونة من الممكن في الأرض المالك للشيء يجب أن تكون حسبة لله، وأن تعين معونة لا تحوج الذي تعينه إلى أن تعينه كل وقت، بل أعنه إعانة تغنيه أن يحتاج إلى المعونة فيما بعد، كأن تعلمه أن يعمل بنفسه بدل أن تعطيه مثلاً مالاً ينفقه في يومه وساعته ثم يعود محتاجاً؛ لذلك يقولون: لا تعطني سمكة، ولكن علمني كيف أصطاد، وهكذا تكون الإعانة مستمرة دائمة، لها نفس، ولها عمر.
ولما كان ذو القرنين ممكناً في الأرض، وفي يده الكثير من الخيرات والأموال، فهوليس في حاجة إلى مال بل إلى الطاقة البشرية العاملة، فقال:

{فأعينوني بقوةٍ .. "95"}
(سورة الكهف)

أي: قوة وطاقة بشرية قوية مخلصة

{أجعل بينكم وبينهم ردماً "95"}
(سورة الكهف)

ولم يقل: سداً؛ لأن السد الأصم يعيبه أنه إذا حصلت رجة مثلاً في ناحية منه ترج الناحية الأخرى؛ لذلك أقام لهم ردماً أي: يبني حائطاً من الأمام وآخر من الخلف، ثم يجعل بينهما ردماً من التراب ليكون السد مرناً لا يتأثر إذا ما طرأت عليه هزة أرضية مثلاً، فيكون به التراب مثل "السوست" التي تمتص الصدمات.
والردم أن تضع طبقات التراب فوق بعضها، حتى تردم حفرة مثلاً وتسويها بالأرض، ومن ذلك ما نسمعه عندما يعاتب أحدهم صاحبه، وهو لا يريد أن يسمع، فيقول له: اردم على هذا الموضوع



(آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطراً "96")

لم يكن ذو القرنين رجلاً رحالة، يسير هكذا بمفرده، بل مكنه الله من أسباب كل شيء، ومعنى ذلك أنه لم يكن وحده، بل معه جيش وقوة وعدد وآلات، معه رجال وعمال، معه القوت ولوازم الرحلة، وكان بمقدوره أن يأمر رجاله بعمل هذا السد، لكنه أمر القوم وأشركهم معه في العمل ليدربهم ويعلمهم ماداموا قادرين، ولديهم الطاقة البشرية اللازمة لهذا العمل.
والحق ـ تبارك وتعالى ـ يقول:

{لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها .. "7"}
(سورة الطلاق)

فمادام ربك قد أعطاك القوة فاعمل، ولا تعتمد على الآخرين؛ لذلك تجد هنا أوامر ثلاثة: أعينوني بقوة، آتوني زبر الحديد، آتوني أفرغ عليه قطراً.
زبر الحديد: أي قطع الحديد الكبيرة ومفردها زبرة، والقطر: هو النحاس المذاب، لكن، كيف بنى ذو القرنين هذا السد من الحديد والنحاس؟
هذا البناء يشبه ما يفعله الآن المهندسون في المعمار بالحديد والخرسانة؛ لكنه استخدم الحديد، وسد ما بينه من فجوات بالنحاس المذاب ليكون أكثر صلابة، فلا يتمكن الأعداء من خرقه، وليكون أملس ناعماً فلا يتسلقونه، ويعلون عليه. فقوله:

{حتى إذا ساوى بين الصدفين .. "96"}
(سورة الكهف)

الصدف: الجانب، ومنه قوله تعالى:

{فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها .. "157"}
(سورة الأنعام)

أي: مال عنها جانباً. فمعنى: ساوى بين الصدفين. أي: ساوى الحائطين الأمامي والخلفي بالجبلين:

{قال انفخوا .. "96"}
(سورة الكهف)

أي: في الحديد الذي أشعل فيه، حتى إذا التهب الحديد نادى بالنحاس المذاب:

{قال آتوني أفرغ عليه قطراً "96"}
(سورة الكهف)

وهكذا أنسبك الحديد الملتهب مع النحاس المذاب، فأصبح لدينا حائط صلب عالٍ أملس.



(فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً"97")
(أن يظهروه) أي: ما استطاعت يأجوج ومأجوج أن يعلوا السد أو يتسلقوه وينفذوا من أعلاه؛ لأنه ناعم أملس، ليس به ما يمكن الإمساك به:

{وما استطاعوا له نقباً "97"}
(سورة الكهف)

لأنه صلب.




(قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقاً"98")
لم يفت ذا القرنين ـ وهو الرجل الصالح ـ أن يسند النعمة إلى المنعم الأول، وأن يعترف بأنه مجرد واسطة وأداة لتنفيذ أمر الله:

{قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دعاء وكان وعد ربي حقاً "98"}
(سورة الكهف)

لأنني أخذت المقومات التي منحني الله إياها، واستعملتها في خدمة عباده. الفكر مخلوق لله، والطاقة والقوة مخلوقة لله، المواد والعناصر في الطبيعة مخلوقة لله، إذن: فما لي أن أقول: أنا عملت كذا وكذا؟
ثم يقول تعالى:

{فإذا جاء وعد ربي .. "98"}
(سورة الكهف)

أي: الآخرة.

{جعله دكاء .. "98"}
(سورة الكهف)

فإياكم أن تظنوا أن صلابة هذا السد ومتانته باقية خالدة، إنما هذا عمل للدنيا فحسب، فإذا أتى وعد اله بالآخرة والقيامة جعله الله دكاً وسواه بالأرض، ذلك لكي لا يغترون به ولا يتمردون على غيرهم بعد أن كانوا مستذلين مستضعفين ليأجوج ومأجوج. وكأنه يعطيهم رصيداً ومناعة تقيهم الطغيان بعد الاستغناء.

{وكان وعد ربي حقاً "98"}
(سورة الكهف)

واقعاً لاشك فيه. والتحقيق الأخير في مسألة ذي القرنين وبناء السد أنه واقع بمكان يسمى الآن (بلخ) والجبلان من جبال القوقاز، وهما موجودان فعلاً، وبينهما فجوة مبني فيها، ويقولون: إن صاحب هذا البناء هو قورش، وهذا المكان الآن بين بحر قزوين والبحر الأسود.


*wed*
*wed*
*wed* *wed* :
(حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً"90") قوله تعالى: {مطلع الشمس .. "90"} (سورة الكهف) كما قلنا في مغربها، فهي دائماً طالعة؛ لأنها لا تطلع من مكان واحد، بل كل واحد له مطلع، وكل واحد له مغرب حسب اتساع الأفق. ثم يقول تعالى: {وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً "90"} (سورة الكهف) الستر: هو الحاجز بين شيئين، وهو إما ليقيني الحر أو ليقيني البرد، فقد ذهب ذو القرنين إلى قوم من المتبدين الذين يعيشون عراة كبعض القبائل في وسط أفريقيا مثلاً، أو ليس عندهم ما يسترهم من الشمس مثل البيوت يسكنونها، أو الأشجار يستظلون بها. وهؤلاء قوم نسميهم "ضاحون" أي: ليس لهم ما يأويهم من حر الصيف أو برد الشتاء، وهم أناس متأخرون بدائيون غير متحضرين. ومثل هؤلاء يعطيهم الله تعالى في جلودهم ما يعوضهم عن هذه الأشياء التي يفتقدونها، فترى في جلودهم ما يمنحهم الدفء في الشتاء والبرودة في الصيف. وهذا نلاحظه في البيئات العادية، حيث وجه الإنسان وهو مكشوف للحر وللبرد، ولتقلبات الجو، لذلك جعله الله على طبيعة معينة تتحمل هذه التقلبات، على خلاف باقي الجسم المستور بالملابس، فإذا انكشف منه جزء كان شديد الحساسية للحر أو للبرد، وكذلك من الحيوانات ما منحها اله خاصية في جلودها تستطيع أن تعيش في القطب المتجمد دون أن تتأثر ببرودته. وهؤلاء البدائيون يعيشون هكذا، ويتكيفون مع بيئتهم، ولا تشغلهم مسألة الملابس هذه، ولا يفكرون فيها، حتى يذهب إليهم المتحضرون ويرون الملابس، وكيف أنها زينة وستر للعورة فيستخدمونها. ونلاحظ هنا أن القرآن لم يذكر لنا عن هؤلاء القوم شيئاً وماذا فعل ذو القرنين معهم، وإن قسنا الأمر على القوم السابقين الذين قابلهم عند مغرب الشمس نقول: ربما حضرهم ووفر لهم أسباب الرقي. وبعض المفسرين يرون أن ذا القرنين ذهب إلى موضع يومه ثلاثة أشهر، أو نهاره ستة أشهر، فصادف وصوله وجود الشمس فلم ير لها غروباً في هذا المكان طيلة وجوده به، ولم ير لها ستراً يسترها عنهم، ويبدو أنه ذهب في أقصى الشمال. (كذلك وقد أحطنا بما لديه خبراً "91") كذلك: يعني ذهب كذلك، كما ذهب للمغرب ذهب للمشرق (ثم أتبع سبباً "92") ذهب إلى مكان آخر (حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون قولاً "93") السد: هو الحاجز بين شيئين، والحاجز قد يكون أمراً معنوياً، وقد يكون طبيعياً محسوساً كالجبال، فالمراد بالسدين هنا جبلان بينهما فجوة، ومادام قد قال: (بين السدين) فالبين هنا يقتضي وجود فجوة بين السدين يأتي منها العدو. {وجد من دونهما .. "93"} (سورة الكهف) أي: تحتهما. {قوماً لا يكادون يفقهون قولاً "93"} (سورة الكهف) أي: لا يعرفون الكلام، ولا يفقهون القول؛ لأن الذي يقدر أن يفهم يقدر أن يتكلم، وهؤلاء لا يقولون كلاماً، ولا يفهمون ما يقال لهم، ومعنى: {لا يكادون .. "93"} (سورة الكهف) لا يقربون من أن يفهموا، فلا ينفي عنهم الفهم، بل مجرد القرب من الفهم، وكأنه لا أمل في أن يفهمهم. لكن، يكف نفى عنهم الكلام، ثم قال بعدها مباشرة: {قالوا يا ذا القرنين ان يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض. فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا "94"} (سورة الكهف) فأثبت لهم القول؟ يبدو أنه خاطبهم بلغة الإشارة، واحتال على أن يجعل من حركاتهم كلاماً يفهمه وينفذ لهم ما يريدون، ولاشك أن هذه العملية احتاجت منه جهداً وصبراً حتى يفهمهم ويفهم منهم، وإلا فقد كان في وسعه أن ينصرف عنهم بحجة أنهم لا يتكلمون ولا يتفاهمون. فهو مثال للرجل المؤمن الحريص على عمل الخير، والذي لا يألو جهداً في نفع القوم وهدايتهم. والإشارة أصبحت الآن لغة مشهورة ومعروفة، ولها قواعد ودارسون يتفاهمون بها، كما نتفاهم نحن الآن مع الأخرس. ( إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض. فهل نجعل لك خرجا على ان تجعل بيننا وبينهم سدا ) ..فاشتكوا عليه من الضرر الذي يلحق بهم من يأجوج ومأجوج وطلبوا منه ان يقيم بينهم سدا يمنعهم عنهم وعرضوا عليه مالا كثيرا يجمعونه له ...فاستجاب لطلبهم رافضا اموالهم ومتعففا عنها (قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً "95") والقول هنا أيضاً قول دلالة وإشارة تفهمهم أنه في غنى عن الأجر، فعنده الكثير من الخير الذي أعطاه الله، إنما هو في حاجة إلى قوة بشرية عاملة تعينه، وتقوم معه بتنفيذ هذا العمل. ونفهم من الآية أن المعونة من الممكن في الأرض المالك للشيء يجب أن تكون حسبة لله، وأن تعين معونة لا تحوج الذي تعينه إلى أن تعينه كل وقت، بل أعنه إعانة تغنيه أن يحتاج إلى المعونة فيما بعد، كأن تعلمه أن يعمل بنفسه بدل أن تعطيه مثلاً مالاً ينفقه في يومه وساعته ثم يعود محتاجاً؛ لذلك يقولون: لا تعطني سمكة، ولكن علمني كيف أصطاد، وهكذا تكون الإعانة مستمرة دائمة، لها نفس، ولها عمر. ولما كان ذو القرنين ممكناً في الأرض، وفي يده الكثير من الخيرات والأموال، فهوليس في حاجة إلى مال بل إلى الطاقة البشرية العاملة، فقال: {فأعينوني بقوةٍ .. "95"} (سورة الكهف) أي: قوة وطاقة بشرية قوية مخلصة {أجعل بينكم وبينهم ردماً "95"} (سورة الكهف) ولم يقل: سداً؛ لأن السد الأصم يعيبه أنه إذا حصلت رجة مثلاً في ناحية منه ترج الناحية الأخرى؛ لذلك أقام لهم ردماً أي: يبني حائطاً من الأمام وآخر من الخلف، ثم يجعل بينهما ردماً من التراب ليكون السد مرناً لا يتأثر إذا ما طرأت عليه هزة أرضية مثلاً، فيكون به التراب مثل "السوست" التي تمتص الصدمات. والردم أن تضع طبقات التراب فوق بعضها، حتى تردم حفرة مثلاً وتسويها بالأرض، ومن ذلك ما نسمعه عندما يعاتب أحدهم صاحبه، وهو لا يريد أن يسمع، فيقول له: اردم على هذا الموضوع (آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله نارا قال آتوني أفرغ عليه قطراً "96") لم يكن ذو القرنين رجلاً رحالة، يسير هكذا بمفرده، بل مكنه الله من أسباب كل شيء، ومعنى ذلك أنه لم يكن وحده، بل معه جيش وقوة وعدد وآلات، معه رجال وعمال، معه القوت ولوازم الرحلة، وكان بمقدوره أن يأمر رجاله بعمل هذا السد، لكنه أمر القوم وأشركهم معه في العمل ليدربهم ويعلمهم ماداموا قادرين، ولديهم الطاقة البشرية اللازمة لهذا العمل. والحق ـ تبارك وتعالى ـ يقول: {لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها .. "7"} (سورة الطلاق) فمادام ربك قد أعطاك القوة فاعمل، ولا تعتمد على الآخرين؛ لذلك تجد هنا أوامر ثلاثة: أعينوني بقوة، آتوني زبر الحديد، آتوني أفرغ عليه قطراً. زبر الحديد: أي قطع الحديد الكبيرة ومفردها زبرة، والقطر: هو النحاس المذاب، لكن، كيف بنى ذو القرنين هذا السد من الحديد والنحاس؟ هذا البناء يشبه ما يفعله الآن المهندسون في المعمار بالحديد والخرسانة؛ لكنه استخدم الحديد، وسد ما بينه من فجوات بالنحاس المذاب ليكون أكثر صلابة، فلا يتمكن الأعداء من خرقه، وليكون أملس ناعماً فلا يتسلقونه، ويعلون عليه. فقوله: {حتى إذا ساوى بين الصدفين .. "96"} (سورة الكهف) الصدف: الجانب، ومنه قوله تعالى: {فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها .. "157"} (سورة الأنعام) أي: مال عنها جانباً. فمعنى: ساوى بين الصدفين. أي: ساوى الحائطين الأمامي والخلفي بالجبلين: {قال انفخوا .. "96"} (سورة الكهف) أي: في الحديد الذي أشعل فيه، حتى إذا التهب الحديد نادى بالنحاس المذاب: {قال آتوني أفرغ عليه قطراً "96"} (سورة الكهف) وهكذا أنسبك الحديد الملتهب مع النحاس المذاب، فأصبح لدينا حائط صلب عالٍ أملس. (فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً"97") (أن يظهروه) أي: ما استطاعت يأجوج ومأجوج أن يعلوا السد أو يتسلقوه وينفذوا من أعلاه؛ لأنه ناعم أملس، ليس به ما يمكن الإمساك به: {وما استطاعوا له نقباً "97"} (سورة الكهف) لأنه صلب. (قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقاً"98") لم يفت ذا القرنين ـ وهو الرجل الصالح ـ أن يسند النعمة إلى المنعم الأول، وأن يعترف بأنه مجرد واسطة وأداة لتنفيذ أمر الله: {قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دعاء وكان وعد ربي حقاً "98"} (سورة الكهف) لأنني أخذت المقومات التي منحني الله إياها، واستعملتها في خدمة عباده. الفكر مخلوق لله، والطاقة والقوة مخلوقة لله، المواد والعناصر في الطبيعة مخلوقة لله، إذن: فما لي أن أقول: أنا عملت كذا وكذا؟ ثم يقول تعالى: {فإذا جاء وعد ربي .. "98"} (سورة الكهف) أي: الآخرة. {جعله دكاء .. "98"} (سورة الكهف) فإياكم أن تظنوا أن صلابة هذا السد ومتانته باقية خالدة، إنما هذا عمل للدنيا فحسب، فإذا أتى وعد اله بالآخرة والقيامة جعله الله دكاً وسواه بالأرض، ذلك لكي لا يغترون به ولا يتمردون على غيرهم بعد أن كانوا مستذلين مستضعفين ليأجوج ومأجوج. وكأنه يعطيهم رصيداً ومناعة تقيهم الطغيان بعد الاستغناء. {وكان وعد ربي حقاً "98"} (سورة الكهف) واقعاً لاشك فيه. والتحقيق الأخير في مسألة ذي القرنين وبناء السد أنه واقع بمكان يسمى الآن (بلخ) والجبلان من جبال القوقاز، وهما موجودان فعلاً، وبينهما فجوة مبني فيها، ويقولون: إن صاحب هذا البناء هو قورش، وهذا المكان الآن بين بحر قزوين والبحر الأسود.
(حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً"90") قوله تعالى:...
يأجوج ومأجوج





ياجوج وماجوج اسمان لمنطقتين وشعبيهما ذكرا بالقرآن الكريم.وقد ورد اسم ماجوج بالتوراة

وقد يدل الاسمان (يأجوج ومأجوج) على بوادي وسهول قارة آسيه برمتها

وقد تبدو كلمة مغول قريبة لفظياً من الصيغة القرآنية ماجوج ،التي قد تكون متعلّقة بالماء (موج ) وبالقاموس ،لعله نسبة لسكنهم الشمال والشرق عند الثلوج والجليد بسيبيريه ومنشوريه وشمال غرب الصين،أو نحو المحيطين الهادي والقطبي

فماجوج قد تكون بادية الصين الشمالية وشمالها الغربي ووسط وشرق سيبريه
وياجوج قد تكون بادية الصين الغربية وأواسط آسيه ووسط وغرب سيبريه والسهول الشمالية خاصة لبحر قزوين والبحر الأسود حتى جنوب وشرق روسيه


وقد استعان بذي القرنين شعب يقطن منطقة ما بين السدين .



وجاء في حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه وفيه ( إذا أوحى الله على عيسى أني قد أخرجت عبادا لي لا يدان لأحد بقتالهم ، فحرز عبادي إلى الطور ، ويبعث الله يأجوج ومأجوج ، وهم من كل حدب ينسلون ، فيمر أولئك على بحيرة طبرية ، فيشربون ما فيها ، ويمر آخرهم فيقولون : لقد كان بهذه مرة ماء ، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرا من مئة دينار لأحدكم اليوم ، فيرغب إلى الله عيسى وأصحابه ، فيرسل الله عليهم النغف( دود يكون في أنوف الإبل والغنم ) في رقابهم فيصبحون فرسى ( أي قتلى ) كموت نفس واحدة ، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض فلا يجدون موضع شبر إلا ملأه زهمهم ونتنهم فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله ، فيرسل الله طيرا كأعناق البخت ، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله ) رواه مسلم وزاد في رواية – بعد قوله ( لقد كان بهذه مرة ماء ) – ( ثم يسيرون حتى ينتهوا إلى جبل الخمر ، وهو جبل بيت المقدس فيقولون : لقد قتلنا من في الأرض ، هلم فلنقتل من في السماء ، فيرمون بنشابهم إلى السماء فيرد الله عليهم نشابهم مخضوبة دما )ه

وجاء في حديث حذيفة رضي الله عنه في ذكر أشراط الساعة فذكر منها ( يأجوج ومأجوج ) رواه مسلم


ام محمد الغوطي
اختي العزيزة

بارك الله فيك على هذا الاجتهاد وانا متابعة معك

بس معلش عندي سؤال

ما فهمت بالضبط ما كتبته عن ياجوج وماجوج هل هم اقوام كانوا في السابق ام انهم سياتون بعد ذلك عند بعث سيدنا عيسى لم افهم هذة النقطة؟

وانا قرات مرة ان ياجوج وماجوج ليسوا عبارة عن اقوام بل هم النار والماء ويقال ان القوم استغاثوا بذي القرنين لان منطقتهم عبارة عن مسطح مائي وتحتة بركان وعند التقائهم فسينتهي الكون ولذلك بنى ذي القرنين السد الذي فصل بين الماء والبركان

انا بصراحة لا اعرف صحة هذا القول ولذلك اسالك لانك مطلعة على الموضوع ارجو ان تفيديني

الله يجزيك الخير وانا متابعة معك للنهاية باذن الله
*wed*
*wed*
حفظك الله من كل سوء

وسامحيني لا اطلع على موضوعي الا على فترات

اختي الذي اعلمه وبأذن الله هو الصحيح ان ياجوج وماجوج هم قومان وماداموا بهذا اللفظ قومان اذن هم من البشر وغير انه حين خروجهم يوحي الله لعيسى اني اخرجت عبادا لي لاطاقة لكم عليهم او فيما معنى هذا الحديث

اذن من ذلك هم عباد ... من بنو ادم

وهم موجودين منذ القدم وكانوا يتعايشون مع القبائل والاقوام الاخرى غير انهم قوما سوء يهلكون الحرث والنسل ويظلمون الناس والله اعلم

فاشتكى اهل القرية حينما حلّ عليهم ذي القرنين ... فأعانهم على ماأقالوه له من اقتراح دون مقابل .... ابتغاء الاجر من الله

وهم بحول الله وقوته سيظهرون عند قرب الساعة ....

وأحب ان اذكر لك نقطة لم اذكرها تفضلي:

ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل استطاعوا واسطاعوا وفعل تسطع وتستطع في سورة الكهف؟

قال تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً {97}). زيادة التاء في فعل استطاع تجعل الفعل مناسباً للحث وزيادة المبنى في اللغة تفيد زيادة المعنى. والصعود على السدّ أهون من إحداث نقب فيه لأن السدّ قد صنعه ذو القرنين من زبر الحديد والنحاس المذاب لذا استخدم اسطاعوا مع الصعود على السد واستطاعوا مع النقب. فحذف مع الحدث الخفيف أي الصعود على السد ولم يحذف مع الحدث الشاق الطويل بل أعطاه أطول صيغة له، وكذلك فإن الصعود على السدّ يتطلّب زمناً أقصر من إحداث النقب فيه فحذف من الفعل وقصّر منه ليجانس النطق الزمني الذي يتطلبه كل حدث.

أما عدم الحذف في قوله تعالى (قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً {78}) وحذف التاء في الآية (ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً {82}) لأن المقام في الآية الأولى مقام شرح وإيضاح وتبيين فلم يحذف من الفعل أما في الآية الثانية فهي في مقام مفارقة ولم يتكلم بعدها الخضر بكلمة وفارق موسى عليه السلام فاقتضى الحذف من الفعل.