أمل أمتي
أمل أمتي
*wed* *wed* :
حفظك الله من كل سوء وسامحيني لا اطلع على موضوعي الا على فترات اختي الذي اعلمه وبأذن الله هو الصحيح ان ياجوج وماجوج هم قومان وماداموا بهذا اللفظ قومان اذن هم من البشر وغير انه حين خروجهم يوحي الله لعيسى اني اخرجت عبادا لي لاطاقة لكم عليهم او فيما معنى هذا الحديث اذن من ذلك هم عباد ... من بنو ادم وهم موجودين منذ القدم وكانوا يتعايشون مع القبائل والاقوام الاخرى غير انهم قوما سوء يهلكون الحرث والنسل ويظلمون الناس والله اعلم فاشتكى اهل القرية حينما حلّ عليهم ذي القرنين ... فأعانهم على ماأقالوه له من اقتراح دون مقابل .... ابتغاء الاجر من الله وهم بحول الله وقوته سيظهرون عند قرب الساعة .... وأحب ان اذكر لك نقطة لم اذكرها تفضلي: ما الفرق من الناحية البيانية بين فعل استطاعوا واسطاعوا وفعل تسطع وتستطع في سورة الكهف؟ قال تعالى: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً {97}). زيادة التاء في فعل استطاع تجعل الفعل مناسباً للحث وزيادة المبنى في اللغة تفيد زيادة المعنى. والصعود على السدّ أهون من إحداث نقب فيه لأن السدّ قد صنعه ذو القرنين من زبر الحديد والنحاس المذاب لذا استخدم اسطاعوا مع الصعود على السد واستطاعوا مع النقب. فحذف مع الحدث الخفيف أي الصعود على السد ولم يحذف مع الحدث الشاق الطويل بل أعطاه أطول صيغة له، وكذلك فإن الصعود على السدّ يتطلّب زمناً أقصر من إحداث النقب فيه فحذف من الفعل وقصّر منه ليجانس النطق الزمني الذي يتطلبه كل حدث. أما عدم الحذف في قوله تعالى (قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً {78}) وحذف التاء في الآية (ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً {82}) لأن المقام في الآية الأولى مقام شرح وإيضاح وتبيين فلم يحذف من الفعل أما في الآية الثانية فهي في مقام مفارقة ولم يتكلم بعدها الخضر بكلمة وفارق موسى عليه السلام فاقتضى الحذف من الفعل.
حفظك الله من كل سوء وسامحيني لا اطلع على موضوعي الا على فترات اختي الذي اعلمه وبأذن الله...
بارك الله فيك
ونفع بك الاسلام والمسلمين
ام محمد الغوطي
اختي الغالية wed
شكرا الك لانك جاوبتيني على اسئلتي

وان مستنيه بقية السورة

الله يقدرك على فعل الخير وجعل هذا في موازيين اعمالك
نرمين2006
نرمين2006
اختى فى الله ود لقد دخلت اليوم وقرأت التفسير الجميل والتوضيح المبسط الذى نقلتيه لنا واستنفدت جدا .. جزاك الله خيرا على مجهودك وتعبك وجعله فى ميزان حسناتك يوم موقف عظيم
*wed*
*wed*
اختى فى الله ود لقد دخلت اليوم وقرأت التفسير الجميل والتوضيح المبسط الذى نقلتيه لنا واستنفدت جدا .. جزاك الله خيرا على مجهودك وتعبك وجعله فى ميزان حسناتك يوم موقف عظيم
اختى فى الله ود لقد دخلت اليوم وقرأت التفسير الجميل والتوضيح المبسط الذى نقلتيه لنا واستنفدت جدا...
المقطع الاخير من السورة فيها من الجمال والتشويق الكثير فتابعوا معي وبالاخص (ام محمد ) مع اعتذاري لها








(وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعاً "99")

فإذا كانت القيامة تركناهم يموج بعضهم في بعض، كموج الماء لا تستطيع أن تفرق بعضهم من بعض، كما أنك لا تستطيع فصل ذرات الماء في الأمواج، يختلط فيهم الحابل بالنابل، والقوي بالضعيف، والخائف بالمخيف، فهم الآن في موقف القيامة، وقد انتهت العداوات الدنيوية، وشغل كل إنسان بنفسه.
وقوله تعالى:

{ونفخ في الصور فجمعناهم جمعاً "99"}
(سورة الكهف)

وهذه هي النفخة الثانية؛ لأن الأولى نفخة الصعق، كما قال تعالى:

{ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون "68"}
(سورة الزمر)

فالنفخة الأولى نفخة الصعق ، والثانية نفخة البعث والقيامة ، والصعق قد يكون مميتاً، وقد يكون مغمياً لفترة ثم يفيق صاحبه، فالصعق المميت كما في قوله تعالى:

{وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين "43" فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون "44"}
(سورة الذاريات)

أما الصعقة التي تسبب الإغماء فهي مثل التي حدثت لموسى ـ عليه السلام ـ حينما قال:

{قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين "143"}
(سورة الأعراف)

فالجبل الأشم الراسي الصلب اندك لما تجلى له الله، وخر موسى مصعوقاً مغمى عليه، وإذا كان موسى قد صعق من رؤية المتجلي عليه، فكيف برؤية المتجلي سبحانه؟
وكأن الحق سبحانه أعطى مثلاً لموسى ـ عليه السلام ـ فقال له: ليست ضنيناً عليك بالرؤية، ولكن قبل أن تراني انظر إلى الجبل أولاً ليكون لك مثالاً، إذن: لا يمنع القرآن أن يتجلى الله على الخلق، لكن هل نتحمل نحن تجلي الله؟
فمن رحمة الله بنا ألا يتجلى لنا على الحالة التي نحن عليها في الدنيا. أما في الآخرة، فإن الخالق سبحانه سيعدنا إعداداً آخر، وسيخلقنا خلقة تناسب تجليه سبحانه على المؤمنين في الآخرة؛ لأنه سبحانه القائل:

{وجوه يومئذٍ ناضرة "22" إلى ربها ناظرة "23"}
(سورة القيامة)

وسوف نلحظ هذا الإعداد الجديد في كل أمور الآخرة، ففيها مثلاً تقتاتون ولا تتغوطون؛ لأن طبيعتكم في الآخرة غير طبيعتكم في الدنيا.
لذلك جاء السؤال من موسى ـ عليه السلام ـ سؤالاً علمياً دقيقاً:

{رب أرني أنظر .. "143"}
(سورة الأعراف)

أي: أرني كيفية النظر إليك؛ لأني بطبيعتي وتكويني لا أراك، إنما إن أريتني أنت أرى. وفي ضوء هذه الحادثة لموسى ـ عليه السلام ـ

<نفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة، فأكون أول من تنشق عنه الأرض، فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق، أم حوسب بصعقة الأولى">

قالوا: لأنه صعق مرة في الدنيا، ولا يجمع الله تعالى على عبده صعقتين.



(وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً"100")
أي: تعرض عليهم ليروها ويشاهدوها، وهذا العرض أيضاً للمؤمنين، كما جاء في قوله تعالى:

{وإن منكم إلا واردها .. "71"}
(سورة مريم)

والبعض يظن أن (واردها) يعني: داخلها، لا بل واردها بمعنى: يراها ويمر بها، فقد ترد الماء بمعنى: يراها ويمر بها، فقد ترد الماء بمعنى تصل إليه دون أن تشرب منه؛ ذلك لأن الصراط الذي سيمر على الجميع مضروب على ظهر جهنم ليراها المؤمن والكافر.
أما المؤمن فرؤيته للنار قبل أن يدخل الجنة تريه مدى نعمة الله عليه ورحمته به، حيث نجاه من هذا العذاب، ويعلم فضل الإيمان عليه، وكيف أنه أخذ بيده حتى مر من هذا المكان سالماً. لذلك يذكرنا الحق سبحانه بهذه المسألة فيقول:

{فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز .. "185"}
(سورة آل عمران)

أما الكافر فسيعرض على النار ويراها أولاً، فتكون رؤيته لها قبل أن يدخلها رؤية الحسرة والندامة والفزع؛ لأنه يعلم أنه داخلها، ولن يفلت منها. وقد وردت هذه المسألة في سورة التكاثر حيث يقول تعالى:

{ألهاكم التكاثر "1" حتى زرتم المقابر "2" كلا سوف تعلمون "3" ثم كلا سوف تعلمون "4" كلا لو تعلمون علم اليقين "5" لترون الجحيم "6" ثم لترونها عين اليقين "7" ثم لتسألن يومئذ عن النعيم "8"}
(سورة التكاثر)

والمراد: لو أنكم تأخذون عني العلم اليقيني فيما أخبركم به عن النار وعذابها لكنتم كمن رآها، لأنني أنقل لكم الصورة العلمية الصادقة لها، وهذا ما نسميه علم اليقين، أما في الآخرة فسوف ترون النار عينها. وهذا هو عين اليقين أي: الصورة العينية التي ستتحقق يوم القيامة حين تمرون على الصراط.
وبرحمة الله بالمؤمنين وبفضله وكرمه تنتهي علاقة المؤمن بالنار عند هذا الحد، وتكتب له النجاة؛ لذلك قال تعالى بعدها:

{ثم لتسألن يومئذ عن النعيم "8"}
(سورة التكاثر)

أما الكافر والعياذ بالله فله مع النار مرحلة ثالثة هي حق اليقين، يوم يدخلها ويباشر حرها، كما قال تعالى:

{وأما إن كان من المكذبين الضالين "92" فنزل من حميم "93" وتصلية جحيم "94" إن هذا لهو حق اليقين "95" فسبح باسم ربك العظيم "96"}
(سورة الواقعة)

إذن: عندنا علم اليقين، وهو الصورة العلمية للنار، والتي أخبرنا بها الحق سبحانه وتعالى، وأن من صفات النار كذا وكذا وحذرنا منها، ونحن في بحبوحة الدنيا وسعتها. وعين اليقين: في الآخرة عندما نمر على الصراط، ونرى النار رؤيا العين. ثم حق اليقين: وهذه للكفار حين يلقون فيها ويباشرونها فعلاً.
وقد ضربنا لذلك مثلاً: لو قلت لك: توجد مدينة اسمها نيويورك وبها ناطحات سحاب، وأنها تقع على سبع جزر، ومن صفاتها كذا وكذا فأعطيك عنها صورة علمية صادقة، فإن صدقتني فهذا علم يقين. فإن مررنا عليها بالطائرة ورأيتها رأى العين فهذا عين اليقين، فإن نزلت بها وتجولت خلالها فهذا حق اليقين.
إذن: فقوله تعالى:

{وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً "100"}
(سورة الكهف)

ليس كعرضها على المؤمنين، بل هو عرض يتحقق فيه حق اليقين بدخولها ومباشرتها.




(الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعاً"101")
أي: على أبصارهم غشاوة تمنعهم إدراك الرؤية، ليس هذا وفقط، بل:

{وكانوا لا يستطيعون سمعاً "101"}
(سورة الكهف)

والمراد هنا السمع الذي يستفيد منه السامع، سمع العبرة والعظة، وإلا فآذانهم موجودة وصالحة للسمع، ويسمعون بها، لكنه سماع لا فائدة منه؛ لأنهم ينفرون من سماع الحق ومن سماع الموعظة ويسدون دونها آذانهم، فهم في الخير أذن من طين، وأذن من عجين كما نقول.
أما المؤمنون فيقول الحق تبارك وتعالى فيهم:

{وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق "83"}
(سورة المائدة)

إذن: فكراهية أولئك للمسموع جعلتهم كأنهم لا سمع لهم، كما نقول نحن في لغتنا العامية: (أنت مطنش عني)، يعني لا تريد أن تسمع، ومن أقوال أهل الفكاهة: قال الرجل لصاحبه: فيك من يكتم السر؟ قال: نعم، قال: أعطني مائة جنيه، قال: كأني لم أسمع. ولذلك حكى القرآن عن كفار مكة قولهم:

{لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون "26"}
(سورة فصلت)

يعني: شوشوا عليه، ولا تعطوا الناس فرصة لسماعه، ولو أنهم علموا أن القرآن لا يؤثر في سامعه ما قالوا هذا، لكنهم بأذنهم العربية وملكتهم الفصيحة يعلمون جيداً أن القرآن له تأثير في سامعه تأثيراً يملك جوانب نفسه، ولابد أنه سيعرف أنه معجز، وأنه غير قول البشر، وحتماً سيدعوه هذا إلى الإيمان بأن هذا الكلام كلام الله، وأن محمداً رسول الله؛ لذلك قال بعضهم لبعض محذراً:

{لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه .. "26"}
(سورة فصلت)

وفي آية أخرى يقول الحق تبارك وتعالى:

{ويل لكل أفاك أثيم "7" يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم "8"}
(سورة الجاثية)

وقد يتعدى الأمر مجرد السماع إلى منع الكلام كما جاء في قوله تعالى:

{ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم .. "9"}
(سورة إبراهيم)

فليس الأمر منع الاستماع، بل أيضاً منع الكلام، فربما تصل كلمة إلى آذانهم وهم في حالة انتباه فتؤثر فيهم، أي منعوهم الكلام كما يقال: اسكت، أو أغلق فمك.



(أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلاً"102")
قوله تعالى:

{أفحسب الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء .."102"}
(سورة الكهف)

يعني: أعموا عن الحق فظنوا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء؟ وسبق أن تحدثنا عن كلمة (عبادي) وقلنا: إنهم المؤمنون بي المحبون لي، الذين اختاروا مرادات الله على اختيارات نفوسهم، وفرقنا بين عبيد وعباد.
والكلام هنا عن الذين كفروا الذين اتخذوا عباد الله المقربين إليه المحبين له أولياء من دون الله، كما قال تعالى:

{لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون .."172"}
(سورة النساء)

فكيف تتخذونهم أولياء من دوني وتعاندونني بهم وهم أحبتي؟ يقول تعالى:

{وقالت النصارى المسيح ابن الله .."30"}
(سورة التوبة)

ومنهم من قال: الملائكة بنات الله، فكيف تتخذونهم أولياء من دون الله وهم لا يستنكفون أن يكونوا عباداً لله، ويرون شرفهم وعزتهم في عبوديتهم له سبحانه، فإذا بكم تتخذونهم أولياء من دوني، ويا ليتكم جعلتم ذلك في أعدائي، فهذا منهم تغفيل حتى في اتخاذ الشركاء؛ لذلك كان جزاءهم أن نعد لهم جهنم:

{إنا اعتدنا جهنم للكافرين نزلاً "102"}
(سورة الكهف)

والنزل: ما يعد لإكرام الضيف كالفنادق مثلاً، فهذا من التهكم بهم والسخرية منهم.




(قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً "103")
(قل) أي: يا محمد

{هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً "102"}
(سورة الكهف)

الأخسر: اسم تفضيل من خاسر، فأخسر يعني أكثر خسارة (أعمالاً) أي: خسارتهم بسبب أعمالهم.



(الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً "104")
وقد ضل سعي هؤلاء؛ لأنهم يفعلون الشر، ويظنون أنه خير فهم ضالون من حيث يظنون الهداية. ومن ذلك ما نراه من أعمال الكفار حيث يبنون المستشفيات والمدارس وجمعيات الخير والبر، وينادون بالمساواة وغيرها من القيم الطيبة، ويحسبون بذلك أنهم أحسنوا صنعاً وقدموا خيراً، لكن هل أعمالهم هذه كانت لله؟
الواقع أنهم يعملونها للناس وللشهرة وللتاريخ، فليأخذوا أجورهم من الناس ومن التاريخ تعظيماً وتكريماً وتخليداً لذكراهم.
ومعنى:

{ضل سعيهم .. "104"}
(سورة الكهف)

أي: بطل وذهب وكأنه لا شيء، مثل السراب كما صورهم الحق سبحانه في قوله:

{والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا .. "39"}
(سورة النور)

وهؤلاء لا يبخسهم الله حقوقهم، ولا يمنعهم الأجر؛ لأنهم أحسنوا الأسباب، لكن هذا الجزاء يكون في الدنيا؛ لأنهم لما عملوا وأحسنوا الأسباب عملوا للدنيا، ولا نصيب لهم في جزاء الآخرة. وقد أوضح الحق سبحانه وتعالى هذه المسألة في قوله تعالى:

{من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب "20"}
(سورة الشورى)

ومع ذلك يبقى للكافر حقه، فلا يجوز لأحد من المؤمنين أن يظلمه أو يعتدي عليه، وفي حديث سيدنا جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت أن محدثاً حدث عن رسول الله بحديث أحببت ألا أموت، أو يموت هو حتى أسمعه منه، فسألت عنه فقيل: إنه ذهب إلى الشام، قال: فاشتريت ناقة ورحلتها، وسرت شهراً إلى أن وصلت إلى الشام، فسألت عنه فقيل: إنه عبد الله بن أنيس، فلما ذهبت قال له خادمه: إن جابر بن عبد الله بالباب، قال جابر: فخرج ابن أنيس وقد وطئ ثيابه من سرعته. قال عبد الله: واعتنقا.

<قال جابر: حدثت أنك حدثت حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ينادي يوم القيامة: يا ملائكتي، أنا الملك، أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وله عند أحد من أهل النار حق حتى أقصه منه، حتى اللطمة">

فانظر إلى دقة الميزان وعدالة السماء التي تراعي حق الكافر، فتقتص له قبل أن يدخل النار، حتى ولو كان ظالمه مؤمناً. وفي قوله تعالى:

{ضل سعيهم في الحياة الدنيا .. "104"}
(سورة الكهف)

جاءت كلمة الضلال في القرآن الكريم في عدة استعمالات يحددها السياق الذي وردت فيه. فقد يأتي الضلال بمعنى الكفر، وهو قمة الضلال وقمة المعاصي، كما جاء في قول الحق تبارك وتعالى:

{أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل "108"}
(سورة البقرة)


ويطلق الضلال، ويراد به المعصية حتى من المؤمن، كما جاء في قوله تعالى:

{وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبيناً "36"}
(سورة الأحزاب)

ويطلق الضلال، ويراد به أن يغيب في الأرض، كما في قوله تعالى:

{أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديدٍ .. "10"}
(سورة السجدة)

يعني: غبنا فيها واختفينا. ويطلق الضلال ويراد به النسيان، كما في قوله تعالى:

{أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى .. "282"}
(سورة البقرة)

ويأتي الضلال بمعنى الغفلة التي تصيب الإنسان فيقع في الذنب دون قصد. كما جاء في قصة موسى وفرعون حينما وكز موسى الرجل فقضى عليه، فلما كلمه فرعون قال:

{فعلتها إذاً وأنا من الضالين "20"}
(سورة الشعراء)

أي: قتلته حال غفلة ودون قصد، ومن يعرف أن الوكزة تقتل؟ والحقيقة أن الرجل جاء مع الوكزة لا بها. ويحدث كثيراً أن واحداً تدهسه سيارة وبتشريح الجثة يتبين أنه مات بالسكتة القلبية التي صادفت حادثة السيارة.
ويأتي الضلال بمعنى: ألا تعرف تفصيل الشيء، كما في قوله تعالى:

{ووجدك ضالاً فهدى "7"}
(سورة الضحى)

أي: لا يعرف ما هذا الذي يفعله قومه من الكفر.




(أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً "105")
{كفروا بآيات ربهم .. "105"}
(سورة الكهف)

والآيات تطلق ثلاثة إطلاقات، وقد كفروا بها جميعاً وكذبوا، كفروا بآيات الكون الدالة على قدرة الله، فلم ينظروا فيها ولم يعتبروا بها، وكفروا بآيات الأحكام والقرآن والبلاغ من رسول الله، وكذلك كفروا بآيات المعجزات التي أنزلها الله لتأييد الرسل فلم يصدقوها. إذن: كلمة:

{كفروا بآيات ربهم .. "105"}
(سورة الكهف)

هنا عامة في كل هذه الأنواع. (ولقائه) أي: وكفروا أيضاً بلقاء الله يوم القيامة، وكذبوا به، فمنهم من أنكره كلية فقال:

{أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون "82"}
(سورة المؤمنون)

ومنهم من اعترف ببعث على هواه، فقال:

{ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً "36"}
(سورة الكهف)

ومن من قال: إن البعث بالروح دون الجسد وقالوا في ذلك كلاماً طويلاً، إذن: إما ينكرون البعث، وإما يصورونه بصورة ليست هي الحقيقة. ثم يقول تعالى:

{فحبطت أعمالهم .. "105"}
(سورة الكهف)

أي: بطلت وذهب نفعها

{فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً "105"}
(سورة الكهف)

وقد اعترض المستشرقون على هذه الآية

{فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً "105"}
(سورة الكهف)

وقالوا: كيف نوفق بينها وبين الآيات التي تثبت الميزان، كما في قوله تعالى:

{ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين "47"}
(سورة الأنبياء)

وقوله تعالى:

{فهو في عيشة راضية "7" وأما من خفت موازينه "8" فأمه هاوية "9" وما أدراك ما هيه "10" نار حامية "11"}
(سورة القارعة)

ونقول: إن العلماء في التوفيق بين هذه الآيات قالوا: المراد بقوله تعالى:

{فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً "105"}
(سورة الكهف)

جاءت على سبيل الاحتقار وعدم الاعتبار، فالمراد لا وزن لهم عندنا أي: لا اعتبار لهم، وهذه نستعملها الآن في نفس هذا المعنى نقول: فلان لا وزن له عندي. أي: لا قيمة له.
وبالبحث في هذه الآية وتدبرها تجد أن القرآن الكريم يقول:

{فلا نقيم لهم .. "105"}
(سورة الكهف)

ولم يقل: عليهم، إذن: الميزان موجود، ولكنه ليس في صالحهم، فالمعنى: لا نقيم لهم ميزاناً لهم، بل نقيم لهم ميزاناً عليهم.



(ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزواً "106")
(ذلك) أي: ما كان من إحباط أعمالهم، وعدم إقامتنا لهم وزناً ليس تجنباً منا عليهم أو ظلماً لهم، بل جزاءً لهم على كفرهم فقوله

{بما كفروا .. "106"}
(سورة الكهف)

أي: بسبب كفرهم.

{واتخذا آياتي ورسلي هزواً "106"}
(سورة الكهف)

فقد استهزءوا بآيات الله، وكلما سمعوا آية قالوا: أساطير الأولين:

{إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين "15"}
(سورة القلم)

وكذلك لم يسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سخريتهم واستهزائهم، والقرآن يحكي عنهم قولهم لرسول الله:

{يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون "6"}
(سورة الحجر)

فقولهم

{نزل عليه الذكر .. "6"}
(سورة الحجر)

أي: القرآن وهم لا يؤمنون به سخرية واستهزاءً. وفي سورة "المنافقون" يقول القرآن عنهم:

{هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا .. "7"}
(سورة المنافقون)

فقولهم:

{رسول الله .. "7"}
(سورة المنافقون)

ليس إيماناً به، ولكن إما غفلة منهم عن الكذب الذي يمارسونه، وإما سخرية واستهزاءً كما لو كنت في مجلس، ورأيت أحدهم يدعي العلم ويتظاهر به فتقول: اسألوا هذا العالم.
وفي آية أخرى يقول سبحانه عن استهزائهم برسول الله:

{وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون "51"}
(سورة القلم)




]
*wed*
*wed*



(إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً "107")
قوله:

{إن الذين آمنوا .. "107"}
(سورة الكهف)

سبق أن قلنا: إن الإيمان هو تصحيح الينبوع الوجداني العقدي لتصدر الأفعال مناسبة لإيمانك بمن شرع، ومن هنا كان الإيمان أولاً وشرطاً لقبول العمل، وإلا فهناك من يعمل الخير لا من منطلق إيماني بل لاعتبارات أخرى، والنية شرط لازم في قبول العمل.
لذلك يعاقب الله تعالى من يعمل لغير الله، يعاقبه بأن ينكره صاحبه ويجحده ويكرهه بسببه، بدل أن يعترف له بالجميل. ومن هنا قالوا: (اتق شر من أحسنت إليه)؛ وهذا قول صحيح لأنك حين تحسن إلى شخص تدك كبرياءه، وتكون يدك العليا عليه، فإذا ما أخذ حظاً من الحياة وأصبح ذا مكانة بين الناس فإن كان غير سوي النفس فإنه لا يحب من تفضل عليه في يوم من الأيام ودك كبرياءه؛ لذلك تراه يكره وجوده، ولا يحب أن يراه وربما دبر لك المكائد لتختفي من طريقه، وتخلي له الساحة؛ لأنك الوحيد الذي يحرجه حضورك.
لذلك، من عمل عملاً لغير الله أسلمه الله لمن عمل له، فليأخذ منه الجزاء، وإذا بالجزاء يأتي على خلاف ما تنتظر، فقد فعلت له ليكرمك فإذا به يهينك، فعلت له ليحترمك فإذا به يحقرك، فعلت له ليواليك فإذا به عدو لك؛ لذلك يقولون: العمل لله عاجل الجزاء، أما العمل لغير الله فغير مضمون العواقب، فقد يوفي لك وقد لا يوفي.
ثم أردف الحق ـ سبحانه وتعالى ـ الإيمان بالعمل الصالح؛ لأن العمل الصالح لابد له أن ينطلق من الإيمان ويصدر عنه، فقال تعالى:

{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات .. "107"}
(سورة الكهف)

{وعملوا الصالحات .. "107"}
(سورة الكهف)

يعني: عمل الشيء الصالح، فإن كان الشيء صالحاً بنفسه فليتركه على صلاحه لا يفسده، أو يزيده صلاحاً، كبئر الماء الذي يشرب منه الناس، فإما أن تتركه على حال صلاحه لا تلقي فيه ما يسده أو يفسده فتخرج الصالح عن صلاحه، وإما أن تزيده صلاحاً فتضيف إليه ما يحسن من أدائه ويزيد من كفاءته كأن تبني حوله سوراً يحميه أو غطاءً يحفظه، أو آلة رفع تيسر على الناس استعماله.
والفرد حين يعمل الصالحات تكون حصيلته من صلاح غيره أكثر من حصيلته من عمله هو؛ لأنه فرد واحد، ويستفيد بصلاح المجتمع كله، ومن هنا لا ينبغي أن تستثقل أوامر الشارع تكليفاته؛ لأنه يأخذ منك ليعطيك وليؤمن حياتك وقت الحاجة والعوز، وحينما يتوفر لك هذا التكافل الاجتماعي تستقبل الحياة بنفس راضية حال اليسر مطمئنة حال العسر.
وساعة أن يأمرك الشرع بكافلة اليتيم وإكرامه، فإنه يطمئنك على أولادك من بعدك، فلا تحزن إن أصابك مكروه؛ لأنك في مجتمع متعاون، سيكفل أولادك، بل قد يكون اليتيم في ظل الإسلام وتعاليمه أسعد حظاً من حياته في رعاية أبيه؛ لأنه بموت أبيه يجد المؤمنين جميعاً آباء له، وربما كان أبوه مشغولاً عنه في حياته لا يفيده بشيء، بل ويصد عنه الخير حيث يقول الناس: أبوه موجود وهو يتكفل به.
لذلك يقول احمد شوقي:

ليس اليتيم من انتهى أبواه إن اليتيم هو الذي تلقى له من هم الحياة وخلفاه ذليلا أما تخلت أو أباً مشغولا
وقوله تعالى:

{كانت لهم جنات الفردوس نزلاً "107"}
(سورة الكهف)

الفردوس: هو أعلى الجنة، والنزل: ما يعده الإنسان لإكرام ضيفه من الإقامة ومقومات الحياة وترفها، والإنسان حينما يعد النزل لضيفه يعده على حسب قدراته وإمكانياته وعلمه بالأشياء، فما بالك إن كان المعد للنزل هو الله تبارك وتعالى؟



(خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً"108")
وخلود النعيم في الآخرة يميزه عن نعيم الدنيا مهما سما، كما أن نعيم الدنيا يأتي على قدر تصورنا في النعيم وعلى حسب قدراتنا، وحتى إن بلغنا القمة في التنعم في الدنيا فإننا على خوف دائم من زواله، فإما أن يتركك النعيم، وإما أن تتركه، وأما في الجنة فالنعمة خالدة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وأنت مخلد فيها فلن تتركك النعمة ولن تتركها.
لذلك يقول تعالى بعدها:

{لا يبغون عنها حولاً "108"}
(سورة الكهف)

أي: لا يطلبون تحولهم عنها إلى غيرها، لأنه لا يتصور في النعيم أعلى من ذلك.
ومعلوم أن الإنسان لديه طموحات ترفيهية، فكلما نال خيراً تطلع إلى أعلى منه، وكلما حاز متعة ابتغى أكثر منها، هذا في الدنيا أما في الآخرة فالأمر مختلف، وإلا فكيف يطلب نعيماً أعلى من الجنة الذي قال الله عنه:

{كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً .. "25"}
(سورة البقرة)

أي: كلما رزقهم الله ثمرة أتتهم أخرى فقالوا: لقد رزقنا مثلهم من قبل، وظنوها كسابقتها، لكنها ليست كسابقتها بل بطعم جديد مختلف، وإن كانت نفس الثمرة، ذلك لأن قدرة الأسباب محدودة، أما قدرة المسبب فليست محدودة.
والحق سبحانه وتعالى قادر على أن يخرج لك الفاكهة الواحدة على ألف لون وألف طعم؛ لأن كمالاته تعالى لا تتناهى في قدرتها؛ لذلك يقول تعالى:

{وأتوا به متشابهاً .. "25"}
(سورة البقرة)

فالثمر واحد متشابه، أما الطعم فمختلف.
والإنسان منا ليشق طريقه في الحياة يظل يتعلم، ليأخذ شهادة مثلاً أو يتعلم مهنة، ويظل في تعب ومشقة ما يقرب من خمسة وعشرين عاماً من عمره أملاً في أن يعيش باقي حياته المظنونة مرتاحاً هانئاً، وهب أنك ستعيش باقي حياتك في راحة، فكم سيكون الباقي منها؟
أما الراحة الأبدية في الآخرة فهي زمن لا نهاية له، ونعيم خالد لا ينتهي، ففي أي شيء يطمع الإنسان بعد هذا كله؟ وإلى أي شيء يطمح؟



(قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً "109")
لأن قدرته تعالى لا حدود لها، ومادامت قدرته لا حدود لها فالمقدورات أيضاً لا حدود لها؛ لذلك لو كان البحر مداداً أي: حبراً يكتب به كلمات الله التي هي (كن) التي تبرز المقدورات ما كان كافياً لكلمات الله

{ولو جئنا بمثله مدداً "109"}
(سورة الكهف)

ونحن نقول مثلاً عن السلعة الجيدة: لا يستطيع المصنع أن يخرج أحسن من هذه، أما صنعة الله فلا تقف عند حد؛ لأن المصنع يعالج الأشياء، أما الحق ـ تبارك وتعالى ـ فيصنعها بكلمة كن؛ لذلك نجد في أرقى فنادق الدنيا أقصى ما توصل إليه العلم في خدمة البشر أن تضغط على زر معين، فيخرج لك ما تريد من طعام أو شراب.
وهذه الأشياء بلا شك معدة ومجهزة مسبقاً، فقط يتم استدعاؤها بالضغط على زر خاص بكل نوع، لكن هل يوجد نعيم في الدنيا يحضر لك ما تريد بمجرد أن يخطر على بالك؟ إذن: فنعيم الدنيا له حدود ينتهي عندها. لذلك يقول الحق سبحانه وتعالى:

{حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون "24"}
(سورة يونس)

وكأن الحق سبحانه يقول لنا: لقد استنفدتم وسائلكم في الدنيا وبلغتم أقصى ما يمكن من متعها وزينتها، فتعالوا إلى ما أعددته أنا لكم، اتركوا ما كنتم فيه من أسباب الله، وتعالوا عيشوا بالله، كنتم في عالم الأسباب فتعالوا إلى المسبب.
وإن كان الحق سبحانه قد تكلم في هذه الآية عن المداد الذي تكتب به كلمات الله، فقد تكلم عن الأقلام التي يكتب بها في آية أخرى أكثر تفصيلاً لهذه المسألة، فقال تعالى:

{ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله .. "27"}
(سورة لقمان)

ونقف هنا عند دقة البيان القرآني، فلو تصورنا ما في الأرض من شجر أقلام، مع ما يتميز به الشجر من تجدد مستمر، وتكرر دائم يجعل من الأشجار ثروة لا حصر لها ولا تنتهي، وتصورنا ماء البحر مداداً يكتب به إلا أن ماء البحر منذ خلقه الله تعالى محدود ثابت لا يزيد ولا ينقص.
لذلك لما كان الشجر يتجدد ويتكرر، والبحر ماؤه ثابت لا يزيد. قال سبحانه:

{والبحر يمده من بعده سبعة أبحرٍ.. "27"}
(سورة لقمان)

ليتناسب تزايد الماء مع تزايد الشجر، والمراد سبعة أمثاله، واختار هذا العدد بالذات؛ لأنه منتهى العدد عند العرب.
وقد أوضح لنا العلم دورة الماء في الطبيعة، ومنها نعلم أن كمية الماء في الأرض ثابتة لا تزيد؛ لأن ما يتم استهلاكه من الماء يتبخر ويعود من جديد فالإنسان مثلاً لو شرب طيلة عمره مائة طن من الماء، فاحسب ما يخرج منه من بول وعرق وفضلات في عملية الإخراج تجدها نفس الكمية التي شربها، وقد تبخرت وأخذت دورتها من جديد؛ لذلك يقولون: رب شربة ماء شربها من آدم الملايين.






(قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحداً "110")
(قل) أي: يا محمد، وهذا كلام جديد

{قل إنما أنا بشر مثلكم .. "110"}
(سورة الكهف)

يعني: خذوني أسوة، فأنا لست ملكاً إنما أنا بشر مثلكم، وحملت نفسي على المنهج الذي أطالبكم به، فأنا لا آمركم بشيء وأنا عنه بنجوى. بل بالعكس كان صلى الله عليه وسلم أقل الناس حظاً من متع الحياة وزينتها.
فكان في المؤمنين به الأغنياء الذين يتمتعون بأطايب الطعام ويرتدون أغلى الثياب في حين كان صلى الله عليه وسلم يمر عليه الشهر والشهران دون أن يوقد في بيته نار لطعام، وكان يرتدي المرقع من الثياب، كما أن أولاده لا يرثونه، كما يرث باقي الناس، ولا تحل لهم الزكاة كغيرهم، فحرموا من حق تمتع به الآخرون.
لذلك كان صلى الله عليه وسلم أدنى الأسوات أي: أقل الموجودين في متع الحياة وزخرفها، وهذا يلفتنا إلى أن الرسالة لم تجر لمحمد نفعاً دنيوياً، ولم تميزه عن غيره في زهرة الدنيا الفانية، إنما ميزته في القيم والفضائل.

<ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم يقول: "يرد علي ـ يعني من الأعلى ـ فأقول: أنا لست مثلكم، ويؤخذ مني فأقول: ما أنا إلا بشر مثلكم">

والآية هنا لا تميزه صلى الله عليه وسلم عن البشر إلا في أنه:

{يوحى إلي .. "110"}
(سورة الكهف)

فما زاد محمد عن البشر إلا أنه يوحى إليه. ثم يقول تعالى:

{أنما إلهكم إله واحد .. "110"}
(سورة الكهف)

أنما: أداة قصر

{إلهكم إله واحد .. "110"}
(سورة الكهف)

أي: لا إله غيره، وهذه قمة المسائل، فلا تلتفتوا إلى إله غيره، ومن أعظم نعم الله على الإنسان أن يكون له إله واحد، وقد ضرب لنا الحق سبحانه مثلاً ليوضح لنا هذه المسألة فقال تعالى:

{ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلاً .. "29"}
(سورة الزمر)

فلا يستوي عبد مملوك لعدة أسياد يتجاذبونه؛ لأنهم متشاكسون مختلفون يحار فيما بينهم، إن أرضى هذا سخط ذاك. هل يستوي وعبد مملوك لسيد واحد؟ إذن: فمما يحمد الله عليه أنه إله واحد.

{فمن كان يرجو لقاء ربه .. "110"}
(سورة الكهف)

الناس يعملون الخير لغايات رسمها الله لهم في الجزاء، ومن هذه الغايات الجنة ونعيمها، لكن هذه الآية توضح لنا غاية أسمى من الجنة ونعيمها، هي لقاء الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم، فقوله تعالى:

{يرجو لقاء ربه .. "110"}
(سورة الكهف)

تصرف النظر عن النعمة إلى المنعم تبارك وتعالى. فمن أراد لقاء ربه لا مجرد جزائه في الآخرة:

{فليعمل عملاً صالحاً .. "110"}
(سورة الكهف)

فهذه هي الوسيلة إلى لقاء الله؛ لأن العمل الصالح دليل على أنك احترمت أمر الآخر بالعمل، ووثقت من حكمته ومن حبه لك فارتاحت نفسك في ظل طاعته، فإذا بك إذا أويت إلى فراشك تستعرض شريط أعمالك، فلا تجد إلا خيراً تسعد به نفسك، وينشرح له صدرك، ولا تتوجس شراً من أحد، ولا تخاف عاقبة أمر لا تحمد عقباه، فمن الذي أنعم عليك بكل هذه النعم ووفقك لها؟ ثم:

{ولا يشرك بعبادة ربه أحداً "110"}
(سورة الكهف)

وسبق أن قلنا: إن الجنة أحد، فلا تشرك بعبادة الله شيئاً، ولو كان هذا الشيء هو الجنة، فعليك أن تسمو بغاياتك، لا إلى الجنة بل إلى لقاء ربها وخالقها والمنعم بها عليك.
وقد ضربنا لذلك مثلاً بالرجل الذي أعد وليمة عظيمة فيها أطايب الطعام والشراب، ودعا إليها أحبابه فلما دخلوا شغلهم الطعام إلا وأحداً لم يهتم بالطعام والشراب، وسأل عن صاحب الوليمة ليسلم عليه ويأنس به.
وما أصدق ما قالته رابعة العدوية:

كلهم يعبدون من خوف أو بأن يسكنوا الجنان فيحظوا ليس لي بالجنان والنار حظ نارٍ ويرون النجاة حظاً جزيلاً بقصور ويشربوا سلسبيلا أنا لا ابتغي بحبي بديلا
وهذا يشرح لنا الحديث القدسي: "لو لم أخلق جنة وناراً، أما كنت أهلاً لأن أعبد؟".
فلا ينبغي للعبد أن يكون نفعياً حتى في العبادة، والحق سبحانه وتعالى أهل بذاته أن يعبد، لا خوفاً من ناره، ولا طمعاً في جنته، فاللهم ارزقنا هذه المنزلة، واجعلنا برحمتك من أهلها