الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم
فقد روى الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري في صحيحه :
عن عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلام اشْتَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ الرَّحَى مِمَّا تَطْحَنُ فَبَلَغَهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِسَبْيٍ فَأَتَتْهُ تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَلَمْ تُوَافِقْهُ فَذَكَرَتْ لِعَائِشَةَ فـ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ لَهُ فَأَتَانَا وَقَدْ دَخَلْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْنَا لِنَقُومَ فَقَالَ عَلَى مَكَانِكُمَا ( أي استمرا على ما أنتما عليه ) حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي فَقَالَ أَلا أَدُلُّكُمَا عَلَى خَيْرٍ مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَكَبِّرَا اللَّهَ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ وَاحْمَدَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ وَسَبِّحَا ثَلاثًا وَثَلاثِينَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلْتُمَاهُ صحيح مسلم 4906
- جواز شكوى البنت المتزوّجة إلى أبيها .
كما في رواية : " وأرته أثرا في يدها من الرحى " وفي أخرى : " اشتكت فاطمة مجل يدها " وهو بفتح الميم وسكون الجيم بعدها لام معناه التقطيع , وقال الطبري : المراد به غلظ اليد ، وكل من عمل عملا بكفه فغلظ جلدها قيل مجلت كفه .
- الزوج العطوف إذا لم يقدر على توفير خادم لزوجته وقد رأى المشقة عليها فإنه على الأقلّ يقترح عليها اقتراحا يُفيدها فقد جاء في بعض روايات الحديث عن علي " قلت لفاطمة لو أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسألتيه خادما ، فقد أجهدك الطحن والعمل "
وفي رواية السائب " وقد جاء الله أباك بسبي , فاذهبي إليه فاستخدميه " أي اسأليه خادما .
وفي رواية أنّ عليا قال لفاطمة ذات يوم : والله لقد سنوت حتى اشتكيت صدري ، فقالت : وأنا والله لقد طحنت حتى مجلت يداي " وقوله " سنوت " بفتح المهملة والنون أي استقيت من البئر فكنت مكان السانية وهي الناقة .
وعند أبي داود .. عن علي قال " كانت عندي فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم ، فجرّت بالرحى حتى أثّرت بيدها ، واستقت بالقربة حتى أثرت في عنقها ، وقامت البيت حتى اغبرت ثيابها " .. " وخبزت حتى تغير وجهها " .
قوله ( فأتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما ) أي جارية تخدمها .
الأب العطوف يترك انطباعا دائما عند أولاده أنّه يستقبلهم ويسمع شكواهم ولو كانت فاطمة تعلم أنّ أباها لا يستجيب لشكواها ما أتته .
ومن الناس اليوم من يتعامل مع ابنته التي تزوّجت وكأنّما هي همّ انزاح عن صدره ورمى به ولا يُريد أن يعود إلى تذكرّه فضلا عن أن يُساهم بأيّ شيء في إصلاح لحالها أو حال زوجها أو لحال بيتهما وأولادهما ، لقد بلغني أنّ رجلا يريد أن يزوّج ابنته بأيّ طريقة ولأول خاطب بلا سؤال عنه ولا توثّق من حاله بل لما تقدّم إليه شخص قال خذها بخمسة آلاف ، وبالتقسيط ما عندي مانع !! سبحان الله هل هو في حراج أو سوق النّخاسة ليقول خذ شيل عبّي ، ألا يحسّ بأنّه يسلّم رجلا قطعة من لحمه ودمه ، وعلى النّقيض من ذلك يوجد آباء كرام يتعبون لاستكشاف حال الخاطب ثمّ لا يتوانون في تقديم المساعدة للبنت وزوجها فلو زوّج ابنته من طالب قليل الدّخْل أو من موظّف حاله ضعيفة فإنّه لا يزال يتعهّد ابنته وزوجها في العيد وكسوة الشتاء وهدايا لأولادهما من لباس وغيره وإعانة في ولائمهما ولا تزال الأم الحنون تأخذ أولاد ابنتها إليها في حال مرض البنت وتقوم عليها عند ولادتها وتطبخ لبيت ابنتها وترسل الطّعام .
قوله ( فلم تجده ) في رواية القطان " فلم تصادفه " وفي رواية بدل فلم توافقه وهي بمعنى تصادفه ، وفي رواية أبي الورد " فأتته فوجدت عنده حداثا " بضم المهملة وتشديد الدال وبعد الألف مثلثة أي جماعة يتحدثون " فاستحيت فرجعت " فيحمل على أن المراد أنها لم تجده في المنزل بل في مكان آخر كالمسجد وعنده من يتحدث معه .
إنّ النبي صلى الله عليه وسلم لما لم يكن قادرا على تلبية طلب ابنته بيّن السبب ولم يردّها خائبة بل جاء يعلّمها بديلا من الذّكر الذي يقوّي بدنها ويُفيدها في الدّنيا والآخرة .
جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة " أن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تسأله خادما وشكت العمل فقال : ما ألفيته عندنا " وهو بالفاء أي ما وجدته ، ويحمل على أن المراد ما وجدته عندنا فاضلا عن حاجتنا إليه لما ذكر من إنفاق أثمان السبي على أهل الصفة .
إنّ النبي صلى الله عليه وسلم لم تأخذه العاطفة فينسى من هو أحوج ولم يحاب أقرب النّاس إليه على حساب فقراء المسلمين ولم يستغلّ المال العام الموجود لديه في إعطاء أقربائه بل قالها صريحة وواضحة كما جاء في رواية : والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة تُطوى بطونهم لا أجد ما أنفق عليهم ، ولكني أبيعهم ( أي الرقيق ) وأنفق عليهم أثمانهم . وفي رواية : فقال : سبقكن يتامى بدر .
- لقد صبر عليّ رضي الله عنه وزوجته على شظف العيش وشدّة الحال وكان أمرهما على ما قال بعض السَّلف : وجدنا أطيب عيشنا بالصَّبر . إنّ الحالة الماديّة للزوجين كانت صعبة فعلا فقد جاء في إحدى روايات هذا الحديث عن علي رضي الله عنه قولُه : " فأتانا ( أي النبي صلى الله عليه وسلم ) وعلينا قطيفة إذا لبسناها طولا خرجت منها جُنوبنا ، وإذا لبسناها عَرْضا خرجت منها رءوسنا وأقدامنا " وفي رواية السائب " فرجعا فأتاهما النبي صلى الله عليه وسلم وقد دخلا في قطيفة لهما إذا غطيا رءوسَهما تكشفت أقدامُهما ، وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رءوسهما " . لقد صبرا في أول زواجهما مدّة حتى جاء الله بالفرج وأغنى المسلمين بما فتح عليهم من الفتوحات وغنائم الأمصار ، إنّ بعض الزوجات المُترفات لا يصْبرن على قلّة ذات يد الزّوج في أول أمره فتطلب الطلاق لأنّه لم يوفّر لها مطالبها ولو أنّها صبرت لربما جاء الغنى من الله فيتوظّف الطّالب أو ينتقل الموظّف البسيط إلى عمل أحسن أو يفتح الله بتجارة ونحوها ، وهناك في الجانب المقابل من تصبر مع زوجها على الحُلْوة والمُرّة وتُراعي حاله ولا تكلّفه ما لا يُطيق ولا تنظر إلى ما عند الأُخْريات ممن حالهنّ مختلف فتطلب من زوجها مثلما رأت عندهنّ فلا يهمها تقليد الأخْريات ولا أن يحصل لها ما حصل لهنّ بل تتصرّف بحكمة وفْقا لحال زوجها وهي تعلم أنّ في صبرها عليه أجرا وأنّ عليه في إيذاء زوجها إثما فيرغّبها ذاك ويمنعها هذا من الإلحاح وطلب ما لا يتيسّر .
- لقد كان علي رضي الله عنه حريصا هو وزوجته على الأفضل وعلى تعلّم الفائدة واكتسابها فقد جاء في رواية من روايات هذا الحديث أنّ النبي صلى الله عليه وسلم خرج حتى أتى منزل فاطمة وقد دخلت هي وعليٌّ في اللحاف فلما استأذن همّا أن يلبسا فقال : كما أنتما ، إني أخبرت أنك جئت تطلبين ، فما حاجتك ؟ قالت : بلغني أنه قدم عليك خدم ، فأحببت أن تعطيني خادما يكفيني الخبز والعجن فإنه قد شق علي ، قال : فما جئت تطلبين أحب إليك أو ما هو خير منه ؟ قال علي : فغمزتها فقلت قولي ما هو خير منه أحب إلي ، قال : فإذا كنتما على مثل حالكما الذي أنتما عليه فذكر التسبيح .
وفي رواية علي بن أعبد " فجلس عند رأسها فأدخلت رأسها في اللفاع حياء من أبيها " ويحمل على أنه فعل ذلك أولا ، فلما تآنست به دخل معهما في الفراش مبالغة منه في التأنيس .
- إن الأب وهو النبي صلى الله عليه وسلم لم يَنْس أن يوصي ابنته بالصّبر على ما هي فيه من الشدّة فقد وقع في تهذيب الطبري من طريق أبي أمامة عن علي في قصة فاطمة من الزيادة " فقال اصبري يا فاطمة ، إن خير النساء التي نفعت أهلها " .
وتذكير البنت بالأجر الذي لها من وراء قيامها بمباشرة الخدمة بنفسها يصبّرها وهذا ما فعله الأب الحكيم ، إنّ عددا من النّاس اليوم لا يجلبون خادمات لزوجاتهم إما لضيق ذات اليد أو لخوف الفتنة على نفسه ونحو ذلك وقد يتدخّل بعض أقارب الزوجة تدخّلا مؤذيا في هذا فإذا كان الزوج مقتدرا وليس ثمّ مانع شرعي من فتنة أو خلوة أو استخدام كافرة أو متهتكة فاسقة أو ساحرة مشركة فليفعل الزوج ما يُريح زوجته وإذا وُجدت موانع ماديّة أو شرعية فعلى الزّوجة أن تصبر وعلى أهلها أن يصبّروها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ولا يُفاقموا الأمور ويزيدوا الطّين بِلَّة والحال سوءا ويصبوا الزّيْت على النّار وليكن لهم فيما فعله صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة .
- وقال في الجميع " ثلاثا وثلاثين " ثم قال في آخره قال سفيان رواية إحداهن أربع " وفي رواية النسائي عن قتيبة عن سفيان " لا أدري أيها أربع وثلاثون " وفي رواية الطبري من طريق أبي أمامة الباهلي عن علي في الجميع " ثلاثا وثلاثين . واختماها بلا إله إلا الله " وله من طريق محمد بن الحنفية عن علي " وكبراه وهللاه أربعا وثلاثين " وله من طريق أبي مريم عن علي " احمدا أربعا وثلاثين " وكذا له في حديث أم سلمة , وله من طريق هبيرة أن التهليل أربع وثلاثون ولم يذكر التحميد ، وقد أخرجه أحمد من طريق هبيرة كالجماعة وما عدا ذلك شاذ
- الاستمرار في ذكر الله وحفظ وصية رسول الله حتى في أوقات الشدّة التي تطيش فيها العقول فإن عليا رضي الله عنه لما قال عن الأذكار السابقة : فما تركتها بعدُ ، قالوا له : ولا ليلة صفين ؟ فقال : ولا ليلة صفين "
- وللبزار عن عطاء بن السائب " فقال له عبد الله بن الكَوّاء " وكان من أصحاب علي لكنه كان كثير التعنّت في السؤال . .. " فقال ابن الكواء : ولا ليلة صفين ؟ فقال : ويحك ما أكثر ما تُعْنِتني , لقد أدركتها من السَّحَر " .. " ذكرتها من آخر الليل فقلتها "
وصفين , وهي بلد معروف بين العراق والشام ، جرت فيها معركة لعلي رضي الله عنه .
- في الحديث بيان لنوع من الذكر عند النوم .
- واتفاق الرواة على أن الأربع للتكبير أرجح .
- قال عياض رحمه الله : جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أذكار عند النوم مختلفة بحسب الأحوال والأشخاص والأوقات ، وفي كل فضل .
- وقال المهلب : علم صلى الله عليه وسلم ابنته من الذكر ما هو أكثر نفعا لها في الآخرة ، وآثر أهل الصفة لأنهم كانوا وقفوا أنفسهم لسماع العلم وضبط السنة على شبع بطونهم لا يرغبون في كسب مال ولا في عيال ، ولكنهم اشتروا أنفسهم من الله بالقوت . ويؤخذ منه تقديم طلبة العلم على غيرهم في الخمس . وفيه ما كان عليه السلف الصالح من شظف العيش وقلة الشيء وشدة الحال . وأن الله حماهم الدنيا مع إمكان ذلك صيانة لهم من تبعاتها ، وتلك سنة أكثر الأنبياء والأولياء .
- وقال المهلب : فيه حمل الإنسان أهله على ما يحمل عليه نفسه من إيثار الآخرة على الدنيا إذا كانت لهم قدرة على ذلك .
- لا يُمكن أن يُفهم من الحديث جواز اطّلاع الأب على خصوصيات الاستمتاع بين الزوجين ولا على جواز النّظر إلى ابنته متعريّة فإنّ عليا وفاطمة رضي الله عنهما كانا متسترين وجلوس النبي صلى الله عليه وسلم إليهما لم يحصل به إلا دخول قدم النبي صلى الله عليه وسلم بينهما ومباشرة قدميه صدر فاطمة رضي الله عنها وذلك جائز شرعا وقد ثبت في بعض طرق الحديث أنه صلى الله عليه وسلم استأذن قبل أن يدخل " فأتانا وقد دخلنا فراشنا فلما استأذن علينا تخششنا لنلبس علينا ثيابنا .. الحديث . وعلى أيّة حال فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم معصوم فلا يُلحق به غيرُه ممن ليس بمعصوم .
وفي الحديث منقبة ظاهرة لعلي وفاطمة عليهما السلام . وفيه بيان إظهار غاية التعطف والشفقة على البنت والصهر ورفع الحشمة والحجاب حيث لم يزعجهما عن مكانهما فتركهما على حالة اضطجاعهما ، وبالغ حتى أدخل رجله بينهما ومكث بينهما حتى علمهما ما هو الأولى بحالهما من الذكر عوضا عما طلباه من الخادم ، فهو من باب تلقي المخاطب بغير ما يطلب إيذانا بأن الأهم من المطلوب هو التزود للمعاد والصبر على مشاق الدنيا والتجافي عن دار الغرور . وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم ابنته وأعز الناس عليه من أقاربيه وصرفه إلى غيرهم ، ويستفاد من الحديث حمل الإنسان أهله على ما يحمل عليه نفسه من التقلل والزهد في الدنيا والقنوع بما أعد الله لأوليائه الصابرين في الآخرة .
- وفيه أن من واظب على هذا الذكر عند النوم لم يصبه إعياء لأن فاطمة شكت التعب من العمل فأحالها صلى الله عليه وسلم على ذلك ، كما أفاده شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
ويستفاد من قوله " ألا أدلكما على خير مما سألتما " أن الذي يلازم ذكر الله يُعطى قوة أعظم من القوة التي يعملها له الخادم , أو تسهل الأمور عليه بحيث يكون تعاطيه أموره أسهل من تعاطي الخادم لها ، وعلى فرْض أنّ نفع التسبيح مختص بالدار الآخرة ونفع الخادم مختص بالدار الدنيا فإنّ الآخرة خير وأبقى .
---------------------------------------------
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال:
" أوصاني حبيبي صلى الله عليه وسلم بثلاث لن أدعهن ما عشت - بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى، وأن لا أنام حتى أوتر ".
هذا لمن لا يغلب على ظنه أنه سيقوم آخر الليل لأن الوتر آخر الليل أفضل. قال صلى الله عليه وسلم : الوتر ركعة من آخر الليل ".
<font face="MS Dialog">تم تعديل الموضوع بواسطة الجواب الكافي (بتاريخ 04-01-2001) </font>
هذا الموضوع مغلق.
الفتاة الشامية
•
جزاك الله خيرا
الصفحة الأخيرة