هنا سأنقل لكم مقالات رائعه عن تغير النفس للدكتور /العربي عطاء الله
بسم الله الرحمن الرحيم
.
.
حتى نغير ما بأنفسنا
1- معرفة الإنسان لنفسه

كثير من الناس يسيرون في هذه الحياة الدنيا على وتيرة واحدة ، وأعمال ثابتة متكررة فاقدة للحياة ، ليس الخطأ في تكرارها أو ثباتها ولكن الخطأ هو عدم امتدادها إلى ميادين واجبة أخرى ، ميادين الحياة الحقيقية ، ميادين الإيمان و العمل به .
النوم والاستيقاظ والطعام والذهاب إلى العمل والعودة ولقاء الأهل وزيارة الأرحام وغير ذلك من متطلبات الحياة كله ضروري ويجب أن يهتم به الإنسان لأنها سنة من سنن الله في الحياة الدنيا ، فليس تكرارها يفقدها الحيوية والنشاط ولكن انعزالها على نفسها هو الذي يفقدها حيويتها ونشاطها والمهمة الأساسية لها فتتحول إلى صورة من صور الخدر أو تنغمس في ميدان اللهو والعبث تقتل به الوقت والحياة .
هذا الإنسان الذي انقطع عن جوهر الحياة وحقيقتها ليته سأل نفسه سؤالا محددا لماذا خلقه الله سبحانه وتعالى ؟ هل خلقه ليأكل ويشرب ، ويتمتع وينام كما تأكل الأنعام وتعيش ؟! لا يعقل ذلك ، إن حياة مثل هذه الحياة تحول كل نشاط الإنسان إلى مصلحته المادية وأطماعه وأهوائه ، يقول الله تعالى : ( إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم ) محمد 12 .
فالإنسان وهبه الله القدرة على التفكير ، فلما لا يفكر ؟ لما لا يسأل نفسه لماذا خلقت في هذه الحياة الدنيا ؟ ، لقد كرم الله الإنسان بما وهبه من قلب يعقل ويؤمن ويخشع ، وما هبه من لسان ذاكر ، وسائر ما وهبه من نعم لا تحصى حتى يكون قادرا على الوفاء بالأمانة والعهد مع الله ، والمهمة التي خلق من أجلها ، ولقد ميز الله الإنسان بخصائص بارزة ، وكرمه ورزقه وفضّله على كثير من خلقه تفضيلا ، قال تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) الإسراء 70 .
لقد أنعم الله على الإنسان بنعم لا تعد ولا تحصى وفضله تفضيلا كبيرا على كثير ممن خلق ، لقد جعل له السمع والبصر ليتلقلى الرسالة من العالم الخارجي صورة وصوتا ، يستقبل ما يراه من آيات الله المبثوثة في الكون أو ما يسمعه أو ما يحس به ، فيدخل إلى فؤاده يحلله فيدركه ، وكأن هذا السمع والبصر والفؤاد جهاز استقبال لا يستقبل إلا إذا كان سليما ( قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون ، قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ) الملك 23 ، 24 .
وهذا الجهاز بكامله هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، وأودع فيها القوى والميول والرغبات ، وأهم ما أودع فيها الإيمان ليكون نبعا يروي جميع القوى والميول ريا عادلا متوازنا لا خلل فيه ، ولترتبط جميع القوى به ، حتى تقوم كل قوة بالمهمة التي خلقت لها ، قال تعالى : ( فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) الروم 30 .
هذه الفطرة هي من نعم الله على الإنسان تحل أعظم النعم وأجلها ، إنها نعمة الإيمان التي غرسها الله سبحانه وتعالى في هذه الفطرة ، وجعل معها قوة العاطفة من ناحية وقوة التفكير من ناحية أخرى .
فلا بد للإنسان أن يعرف نفسه ، من هو ؟ وما هدف خلقه في هذه الحياة ؟ لا بد للإنسان أن يعرف قدره ، ولا بد أن يعرف مسؤولياته ، وإذا عرفت هدف خلقك ستعرف مهمتك وتنهض لها ، ولا بد من معرفة نفسك حتى تغييرها إلى الأفضل وتجاهدها وتنهض للوفاء بالأمانة التي كلفت بها والخلافة التي أنيطت بك والعمارة التي أمرت بها ، وهذه المعرفة لن تأتي إلا إذا غيّرت ما بنفسك ، ولن تستطيع أن توفي بالأمانة والعهد حتى تغيّر ما بنفسك .

2- الإيمان أولا ، فلنبدأ به
.
لقد كان الرسل جميعا يركزون في دعوتهم للناس على إشعارهم بحاجتهم إلى الله سبحانه وتعالى فيذكرونهم بحجم النعم التي أنعمها عليهم ويخوفونهم من سوء مآلهم إن هم عصوه وخالفوا أمره .
وبما أن الأعمال تنطلق من إيمان صاحبها بجدواها ، ومدى حاجته إليها يصبح التركيز على فضل العمل والآثار المترتبة على القيام بفعله من الأهمية بمكان ل***** الحاجة وتوليد الرغبة داخل النفس .
إن تعدد مظاهر ضعف الإيمان يدل دلالة قاطعة على قلة مساحته في القلوب ، حينئذ لا يمكن العلاج في مواجهة المخطئ بخطئه أو الكشف عن ضعفه ، والعمل على تخطئته ولا يجدي نفعا إلزامه بإنتهاج السلوك المضاد لأن الحالة التي وصل إليها تعكس أول ما تعكس ضعفا إيمانيا في قلبه ينتج عنه تغيير في فكره وقناعاته فانعكس ذلك على سلوكه ، فإذا ما ألزمته بتغيير سلوكه دون أن تبدأ بإيقاظ الإيمان في قلبه فكأنما تحرث في الماء فهو في واد وأنت في واد آخر ، وذلك لأنه ليس لديه دافع ذاتي يقوده إلى مثل هذا التغيير .
من هنا فإن بداية الخروج من هذا الواقع وعلاج مثل هذه الظاهرة ليست في تكليفات جديدة يتثاقل عن آدائها القلب الضعيف ، وإنما يكون بالإيمان ، إذا فالإيمان قبل التكليفات ، فهذا جندب بن عبد الله رضي الله عنه يقول كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاير ( وهو الشاب الممتلئ نشاطا وقوة وجلدا ) ، فتعلمنا الإيمان قبل القرآن ثم تعلمنا القرآن فإزددنا إيمانا . رواه ابن ماجة .
ويؤكد على هذا المعنى عبد الله بن عمر رضي الله عنه بقوله :
لقد عشنا برهة من دهرنا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن ، فتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وأمرها وزجرها وما ينبغي أن يقف عليه منها ، ثم رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري أمره ولا ما ينبغي أن يقف عنده فينثره نثر الدقل . أخرجه الحاكم .
فإذا ما اتصلت القلوب بالله وذاقت حلاوة معرفته ، فإن التغيير الظاهر يتم بعد ذلك بالإشارة وبأقل مجهود ، وبداية الإصلاح إذن تكون بربط القلوب بالله وغرس الإيمان فيها ليصبح هو الدافع لجميع الأعمال .
لذا فإن من الواجب علينا أن نعيد ترتيب أولوياتنا ، وتشكيل عقولنا مرة أخرى ، وأن يحتل فيها الإيمان المساحة العظمى ليصبح أساس التفكير ومنطلق الأعمال ، وليس معنى هذا أن نهمل الجوانب الأخرى ، ولكن المطلوب هو التركيز على الجانب الإيماني فبه ستحل البركة على جميع الأعمال ، وسيسهل على الواحد منا القيام بجميع الواجبات والابتعاد عن المنهيات .