حِكاياتُ الـدُّمـوْعِ
~ باغتني ذات مساءٍ قريبٍ .. زائرٌ..!!
كان منذ عهدٍ بعيدٍ قد استحبّ المقام عندي حتى ألفته سنيني ..
وحين آلف الشيء يمتزج في كياني امتزاج الطين بالماء
حتى كان ذات فجرٍمستكينٍ ..استيقظت على فقده
فكنت - وفاءً وحنيناً - أسترجعه مع كل موجة مشاعر تغزو شواطئ الذكرى
وأشيعه حتى آخر أنفاس موجة تقضي على الساحل
ويهزّ في قلبيَ الشاعر الأنين
فأحوله إلى حروف ..
..............................
وحين ابيضت وسادتي عادني الزائر ..
ليرشها بالماء والملح المعطر بضباب الهموم
أتاني ليشد على يديّ .. ويؤازرني ..
لينزف جراحي ويطهرني ..
وليرجوني بعد ذا أن أدوّن حكاياته على ورق الجفون ..
بلغتي الفرح والشجون ..
فاستجبت لزائر المساء القريب ..
وغزلت على ( نول) قلبي.. حكايات الدموع.
تسألني : وهل للدموع حكايات ؟
وأجيب : وهل الحكايات إلا دموع ؟
دموعٌ خَرساء~
آليت أن أكتب الدموع
فتحجر دمع قلمي وأبى الانسكاب
وددت أن أحيل الدموع حروفاً مكتوبة
فبقي الدمع مواراً في القلب واستعصت الحروف ..
هكذا حينما يدركنا العجز عن ترجمة الدموع
تنهال علينا سياط الحروف الخرساء وجعاً حتى النخاع
فما أقسى احتضار الدموع على مذبح الألم ..!
دموع الوسادة ~
دموعٌ .. دموعٌ.. دموع ..
كتابها يظلّ مغلقاً دفتيه.. متشبثاً بكبريائه لائذاً بالصمت ..
يفيض في دهاليز النفس ..ويستعصي عليه الانفلات..
أمن عجز هذا ؟؟ أم أنّ الدموع آثرت أن تنتحر على مذبح الكبرياء؛
خشية الرقباء..؟
حتى إذا خلت لوحدتها في نأمة الليل
تكوّرَ حزنها ..في المآقي
فتراها تطلق شأبيب وجدها
في مفازة البكاء ؟ !
كل نفس تحمل عناقيد دموع .. تتدلى من كروم الألم
بعضها ينضج فيقطر من الآماق
وبعضها يجف على الغصون..!
تأبطت دمعتي وسرنا معاً في مدينة الدموع
لنقرأ دواخلها ، ونتعرف لغاتها ، ونلمس أنسجة ألوانها ..
دُموعُ الخَشْيَة~
( والذين هم من خشية ربهم مشفقون )
في ركنٍ قصيٍ فريد تجود تلك العيون بالسكب من الأعماق ..
إلى الآماق ..
مطر خير يكتسح الأدران .. ويجلو الران ..
يندى .. وقد جفت المآقي .. يذرف الدموع من خشية الله ..
دموعاً لايحسنها إلا المؤمنون ..
ماأن خلت النفس للنفسِ .. في محراب العبادة
في جلسة حساب .. تجمع أشتات خلجاتها
وتتلمس مواضع تقصيرها .. فتراها في غفلتها سادرة
تسبح في لجةٍ من العطايا الربانية، والآلاء السماوية،وهي مقصرة
تستمتع بالنعمة وتنسى المنعم .
كيف لا تذرف الدموعَ وهي تخشى في مآلها :
( أنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ...)
اهطلي ياعين ! واجلي أوهاق الصدر ..وأزيلي رماد القلب
لعل هذه الدموع .. تطفئ نارًا تلظَّى تتربص بنا..!
.......................
دمعةٌ حيرى~
سأدع دمعتي تترجم صمت حيرتي ..
وإنه لصمت قاتم الأعماق تارة ..
ومخضوضر بالأمل تارة أخرى ..
فهو بين اليأس والرجاء مبهم مستغلق .. وقريب أليف
إنه ليس معي ماأتشبث به إلا الظلال الحيّة .. ظلالهم ،
كائن لايفنى أراه حيثما أُجيل أنظاري
سابحاًبين تموجات أفكاري يرسب حيناً ويطفو أحياناً
ومعه دمعتي تومض وتنطفيء
أفقدهم فيستبدني اليأس ، وتنصهر لآلئ الدموع على وجنتيّ ..
وأجدهم فيغنى طائر القلب فتمطر سماء عيني رذاذاً منعشاً
وأحتفل بعودة الروح ..!
سأدع الأيام تحدد هويتي ..
أنا الدمعة الحائرة ..!
دموع الصبر ~
بات واكف الدمع ..
اعتصر الحزن قلبه اعتصاراً .. وفار إلى مقلتيه
حتى تضمّر وجهه..وأطفأت عيناه غواشي الأسى
فابيضتا من الحزن .. وهو كظيم ..!
لم ينقطع قط .. ذلك الصوت الذي يهيب به أن يوسف حي
ولكن في أي أرضٍ هو ؟ ومتى سيقدر له اللقاء به ؟
روحه لم تزل معلقة بهذا الأمل البعيد ؛ كالنجوم المرتعشة في مناطها
فمتى سترقأ الدموع ؟
دموع البشارة ~
وفي ذات يوم وقد مدّ أوّل شعاعٍ ريّق نوره ..
اختلج في صدر يعقوب هاتفٌ بشير ..
فإذا الحياة .. يدبّ فيها عرق الأمل ..
وإذا الصبر يطلق تنهيدة تفلته من عقاله ..
صبر قيّده الحزن وأطلقه الفرح ..
فأفلت كالطير المأسور إذ عانق جنحاه أجواز الفضاء :
( إنّي لأجد ريح يوسف )..
قلبي تلقى بشارته .. وعيناي ترتقبان .. فلاتفندون !
يوسف ! ياقرة العين !
أي ريح حملتك إليّ
في أنفاس قميصك..؟
ذاك الشراعٌ التائه في بحر سنيني
خذيني ياموجة الضوء إليه ..!
فلكم تقطعت حبال صبري ورفوتها مراراً شوقاً إليه
حتى ماعاد فيها موضع يُرتق ..!
قُرّةٌ العَيْنِ~
ودبت الحياة في خلايا يعقوب المترعة بالحزن والانتظار
وسرت في مفاصل الصبر الجميل
فإذا حدائق الروح تنبثق زهراً ..
وبريق الشمس يضيء..
وإذا بطيور الغمام البيضاء تنجلي عن سماء عينيه
ودموع المطر تهطل سعادة وبشراً ..
فتنكشف المرائي..!!
كَيْ تقَرّ عَيْنُها ~
( فرددناه إلى أمه كي تقرّ عينها ولا تحزن )
هاهنا انتظار لدموع لاتضئ النور في العيون فقط ..
ولكن ترسله إلى القلوب..
دموع طلّ يتقاطر على زهره .. كحبّات الجمان ..
هذا وعد الله تعالى لأمّ موسى ( إنّا رادوه إليك )
ونعمة موعودة أكبر ( وجاعلوه من المرسلين )
فتقاطري يادموع الطلّ الباردة
لتزهر بساتين الفرح ..
في عين أم موسى ..!
دموع الحب ~
الحب في الله ...أسمى صور الحب ..
هو الحبّ النقي الشفيف الذي لاتشوبه شائبة ،
ولايخالطه هوى .. يعكّر صفو جدوله النّمير ..
إنّه الحبّ المهيأُ للنور في الكائن الروحي
دموعه تعلق بأطراف العين كما تعلق قطرة الندى في ذوائب الشجر
دموع تتلألأ تلألؤ الشعاع في مولد الشروق الضاحك
هي أشبه بالغبطة .. وأنطق بالابتهال .. وألصق بالغفران
تتماهى في كل صلاة مع الدعاء وترجو لقاء من تحب
في روضات الجنة ..!
فيالسمو هذا الحب .. ويالجمال دمعة الرجاء..!!
ومن الدمع ماقتل ~
يتألّق في الأحداق .. جذلاً وطربا..
حين يسكن القلب الوله عند مرفأ هواه
ويغرد طائر السعادة على أيك مناه
حين يطأ أرض المسك ويهب عليه عبير من شذى الخلد
فيخال أنها الجنة ... وأنها منتهاه !
وما هي إلا غمضة وانتباهةٍ
فإذا بالريح تهوي به من حالق.. إلى سحيق
ليصحو على وقع تهشيم الأمنيات
فإذا الأحلام المدوزنة نوتات متناثرة
وإذا إيقاعات الفرح النّاعمة .. عاصفة أحزان
هناك تنهمر أشد الدموع حرقة ، وأكثرها إيلاماً
دموعاً يحركها الحيّز الباطن وراء الشعور
دموع تترجم صوت قلوبٍ موجوعة ..
ترثي الحبّ الذي خرَّ ميّتا في ريعانه..
هي ليست كسائر الدموع ..
ولكنها تلتقط طرفاً من كل أسباب الدموع
فتحولها إلى باقة مرّة من ألوان الصّبر ..
إنها دموعٌ ليس شيمتها الصبر
وللهوى عليها ... ألفَ نهيٍ .. وأمرُ..
هي دموعٌ .. .. .. مهلكة ..!!
وللدموع حكاياتٌ تُروى
ولحكايا دموعك هنا عِبر
يعجز الكلم أمام عِبراته
بارك الله فيك يافيض
وجعل مآقيك ملئى بدموع الفرح