tahani-2007
tahani-2007
ذكر ما قيل في تعيين الذبيح


يقول الله تعالى: وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ . إن هناك أموراً لا ينبغي لطالب العلم أن يجهلها، فأهل كل الملل من اليهود والنصارى والمسلمين متفقون على أن إبراهيم الخليل أمر بذبح ابنه، وأن الله جل وعلا فدى ذلك الذبيح، ولكن السؤال من هو الابن الذي أمر إبراهيم بذبحه ثم فداه الله جل وعلا بكبش عظيم. فقول على إنه إسماعيل، وقول على إنه إسحاق. وجمهور العلماء على أنه إسحاق، واختاره ابن جرير الطبري شيخ المفسرين رحمه الله، وهو المروي الثابت عن عبد الله بن مسعود ، والرواية الصحيحة عن عبد الله بن عباس، وهو قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وعن جملة من الصحابة، وروي عن أكثر من عشرة من سادات التابعين. وذهب بعض العلماء -وهي الرواية الثانية عن ابن عباس ، وقول الإمام أحمد -إلى أن الذبيح هو إسماعيل، وكل منهم له أدلة. وقال الزجاج رحمه الله: الله أعلم أيهما هو الذبيح، لكثرة الاختلاف في المسألة. وأما أنا فلا أدري أيهما الذبيح، فكلما ترجح قول صُدم بشيء، وقد يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا ابن الذبيحين) والجواب: أن الحديث رواه الحاكم في المستدرك، وقال عنه الذهبي : إن سنده واهٍ جداً، فلا يقبل في مسألة كهذه. أما اختلاف أقوال العلماء فسنحاول الإجمال فيه لتتبين. فالله تعالى: ذكر أن قوم إبراهيم أرادوا أن يحرقوه، ثم ذكر عنه أنه قال: إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ، ثم دعا ربه: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ، قال الله: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ ، والذي بلغ معه السعي هو، الغلام الذي بشر به، وذلك عند خروجه من أرض العراق، فدعا ربه أن يهب له من الصالحين، ثم قال الله عنه: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ . فالذين قالوا: إنه إسحاق قالوا: ليس في القرآن دليل واحد على أن الله بشر إبراهيم بإسماعيل، بل المبشر به في القرآن هو إسحاق، كقوله تعالى: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا ، فكل القرآن يدل على أن الذي بشر به بشارة هو إسحاق، فقالوا: إن الذبيح هو المبشر به؛ لأن الله قال: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ . فهذا هو الذي دفع العلماء إلى القول بأنه هو إسحاق. ومن أدلتهم أنهم قالوا: إن الله يقول: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ أي أنه كان يعيش في كنف من؟ في كنف أبيه، وإسماعيل لم يعش في كنف أبيه، بل كان مع أمه في مكة، فإسحاق هو الذي كان مع أبيه يخدمه، وأما إسماعيل فكان مع أمه، وإبراهيم قد جاء إلى مكة ثلاث مرات، فمرتان لم يجد فيهما إسماعيل، وفي المرأة الثالثة وجده. وممن قالوا: إنه إسماعيل وانتصروا لهذا الرأي العلامة الشنقيطي رحمه الله تعالى صاحب (أضواء البيان)، فقد قال: إنه لا يسوغ القول بأنه إسحاق، وإن ظاهر القرآن يدل على أنه إسماعيل، واحتج بآيتين: الآية الأولى: قوله تعالى في الصافات: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ وذكر الله قصة الذبح كلها، ثم قال الله بعد أن ذكر الذبح: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ * كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ * وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ . يقول الشنقيطي رحمه الله: إن قواعد القرآن تقتضي أنه لا يمكن أن يعيد الله البشارة مرة ثانية، فالمبشر به الأول غير المبشر به بالثاني؛ لأن الله قال: فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ولم يسمّ، ثم قال بعد الحدث، قال: وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا ، فـ(الواو) واو عطف، والعطف يقتضي المغايرة. ويجاب عنه بأنه لا يلزم أن تكون الواو واو العطف، فيمكن أن تكون الواو واو استئناف، فتكون الآية قد نزلت منفكة عن الأولى وقال رحمه الله تعالى: والدليل الثاني على أن الذبيح هو إسماعيل: أن الله قال: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ووجه الدلالة هو أنه لا يعقل أن يبتلي الله إبراهيم بذبح إسحاق وقد أخبره بأن من ذرية إسحاق يكون يعقوب، فليس هناك معنى للابتلاء؛ لأن إبراهيم يعرف أنه لن يموت؛ لأن الله قال: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ، فلن يأتي يعقوب إلا بحياة إسحاق. ويجاب عن هذا بأن العرب تكرر حرف الجر في نحو قولك: مررت بصالح ثم مررت بعده بخالد، ولا يستقيم أن تقول إذا أردت العطف: مررت بصالح ثم مررت بعده خالد. فالله هنا قال: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ فلو كان المقصود العطف -أي أنها بشارة واحدة -لكان لفظ الآية: (ومن وراء إسحاق بيعقوب)، فلما حذفت الباء دل حذفها على أن الآية منفكة، بمعنى أن البشارة كانت بإسحاق فقط، وأما جملة (ومن وراء إسحاق يعقوب)، فغير داخلة في البشارة. ومن المعلوم أنه لا يتعلق بمعرفة أحد الذبيحين عمل في حياتك اليومية، والذي أردته من إثارة القضية أن تعرف أولاً أنها مسألة خلاف، وأن كثيراً من العلماء قالوا بأنه إسحاق، وكثيراً منهم قالوا بأنه إسماعيل، والمهم أن تعرف أن لكل قوم دليلاً، وأشهر من قال من المفسرين أنه إسحاق ابن جرير أمام المفسرين، وأشهر من قال من المفسرين أنه إسماعيل الحافظ ابن كثير رحمه الله، والعلامة الشنقيطي رحمه الله ورحم الله جميع علماء المسلمين.


بيان بشارة الملائكة لزوج إبراهيم


يقول تعالى: وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ ، فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ . إذا أردت أن تفسر القرآن فاجمع الآيات كاملة، ولا تأخذ القرآن مجزأ، لأنه كله كلام الله، فليس بعضه بأولى من بعض. فـسارة ذكرت سببين لمنع الحمل، وهما أنها عجوز وعقيم و(عجوز) على وزن فعول يجتمع فيها المذكر والمؤنث، فيقال للرجل: عجوز، وللمرأة عجوز، و (عقيم) معناها أنها امرأة لا تأتي بالولد، فهذان سببان، وبقي سبب ثالث ذكره الله جل وعلا في هود، وهو قوله تعالى عنها: وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا ، فالله جل وعلا ذكر هذه الأسباب متفرقة.


بيان حصول الأنس بالمؤاكلة

والعامة تقول (بينك وبين فلان عيش وملح) في التقاليد الموروثة إنسانياً شيء اسمه حرمة المؤاكلة، وهو معنى قول العامة: (عيش وملح)، فالإنسان إذا جلست معه على طعام واحد يصبح بينكما شيء من الحرمة، وليست الحرمة أن ترى زوجته ويرى زوجتك، ليس المقصود هذا، ولكن المقصود أنك تغير تعاملك معه؛ لأن هذا الأمر يغير فيك، وهذه جبلة إنسانية موجودة عبر التاريخ، وإذا أردنا أن نخوض في هذا إنسانياً نقول: إن موسى عليه الصلاة والسلام كان ذكياً في الصغر، فلما أراد فرعون أن يقتله ائتمر بأمر آسية فقدم له جمراً وتمراً، فعمد موسى إلى التمر يريد أن يأكله، فجاء جبريل ووضع يد موسى على الجمر، حتى يفهم فرعون أن موسى لا يفقه، فلا يعمد إلى قتله، ولأن تحرق يد موسى قليلاً خير من أن يقتل ولما أصابت يد موسى الحرق أصبح غير قادر على أن يأكل في الصبا بنفسه، فلا يستطيع أن يأكل مع فرعون، بل يحتاج إلى وقت حتى يأكل معه، فيضطر إلى أن لا يأكل مع فرعون، فحين يضطر موسى إلى أن لا يأكل مع فرعون لا تكون بينه وبين فرعون حرمة مؤاكلة، فإذا قدر الله بعد ذلك أن يزيل ملك فرعون على يد موسى لم تكن لفرعون يد على موسى حتى في باب حرمة المؤاكلة. فحين تريد أن يكون بينك وبين امرئ نوع من الحرمة فتقدم له الطعام يصيبك الخوف، لذا قال إبراهيم عليه السلام: قَوْمٌ مُنكَرُونَ ، بعد أن قال الله: فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ ، وقلنا: إن الملائكة لا تأكل ولا تشرب ولا تتناسل ولا تتناكح، ولا توصف بذكورة ولا بأنوثة، بل هم كما نعتهم ربهم وخالقهم: عِبَادٌ مُكْرَمُونَ .


بيان كرامة الملائكة

يقول الرب جل وعلا: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ، هذا يسمى أسلوب تفخيم، حتى يتهيأ النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع الخطاب. وكلمة (ضيف) تطلق على المذكر وعلى المؤنث، وعلى المفرد وعلى المثنى وعلى الجمع، وقوله تعالى: (المكرمين) معناه أنهم مكرمون أصلاً، ومكرمون عارضاً. فهم مكرمون أصلاً؛ لأنهم ملائكة، والدليل قوله تعالى: كِرَامًا كَاتِبِينَ وأوضح منها قوله تعالى: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ ، فهذا نعت للملائكة بأنهم مكرمون أصلاً. وهم مكرمون عارضاً لأنهم ضيوف، ومن شدة كرمه عليه السلام باشر بإكرامهم بنفسه، فهو الذي قدم الطعام، وهو الذي أدخلهم، وهو الذي دعاهم فقال: (ألا تأكلون) ومن عناية الرجل بضيفه أن يباشر هو بنفسه إكرام الضيف، فهذا معنى قول ربنا: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ .

ذكر خبر عاد

وقد ذكر الله بعد ذلك أخبار الأمم والرسل، ونقف إجمالاً مع قول الله تعالى: وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ والريح العقيم هي التي لا تلقح شجراً ولا تثير سحاباً. قال تعالى: مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ، وهذا لا يعني العموم، فليس كل شيء أتت عليه جعلته كالرميم؛ لأن الله قال: فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ، فأثبت وجود المساكن. ......


تفسير قوله تعالى: (فتول عنهم فما أنت بملوم)

ثم قال تعالى لنبيه: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ ، فقول الله جل وعلا لنبيه: فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ يشعر بأن الله أعذر نبيه في عدوة أولئك الناس. فهو لفظ يشعر بأن الأمور انتهت، فقد فعلت ما عليك، ودعوت وأنذرت وبلغت، (فتولّ عنهم) أي: اتركهم، فالمؤمنون الذين كانوا آنذاك أحياء، ونزلت هذه الآية وهم موجودون أخذوا ينتظرون العذاب على الكفار وانقطع الوحي؛ لأن الله أعذر نبيه وأمره أن يتولى فقال: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ ، فلما أصابهم هذا الخوف أخبر الله أن الوحي ما زال مستمراً، فقال بعدها: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ يعني: لا تترك البلاغ، واستمر في تذكيرك، فهذا يدل على أن الوحي آنذاك غير منقطع، فأصبحت هذه الآية -كما قال علي رضي الله عنه وغيره- نوعاً من البشارة للمؤمنين. هذا ما تهيأ إيراده، وتيسر قوله حول هذه السورة، وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكم. ...

انتهى...
tahani-2007
tahani-2007
حبيباتي هل تودون ارفع لكم الجداول منفصله بدون الخلفيه اسهل عليكم في حفظها على الجهاز
UmEyad
UmEyad
تمت مراجعة الذاريات
التاملات اسلوبها رائع ولكن اول مرة اعرف ان كثير من العلماء يؤيدوا قول اليهود ان الذبيح اسحاق تعلمنا في المدارس وباقرا التفسير طول عمري الكل يقول ان الذبيح اسماعيل وابن كثير ياخذ من ابن جرير في تفسيره ويرجح اقواله دائما
وبعدين ابراهيم واسماعيل رفعوا البيت الحرام والسعي المقصود كنت اظنه السعي بين الصفا والمروة واسحاق لم يذهب الى مكة ليسعى والقصة كلها صارت في مكة وليس في فلسطين
tahani-2007
tahani-2007
نعم مثلما ان كثير من العلماء يؤيدوا ان الذبيح اسحاق فعلى نفس الكفه رجح كثير منهم ان الذبيح اسماعيل كأبن كثير والشنقيطي
هذا الاختلاف ومعرفة من هو الذبيح مما هو ليس بعمل ذو فائدة في امور دينك و حياتك كما بينه الشيخ وفقه الله و قرأت بالامس كلاماً لابن كثير في مقدمته ,في مسائل الاختلاف على نفس ماذكره الشيخ وان كان قد خصصه ,فإن مجمل المقصود وارد في المسائل التي ليست ذات نفع واهمية لعلمها
زهرة الالماس
زهرة الالماس
السلام عليكم كيف حالكم اخواتى
الحمد لله انهيت مراجعة سورة الذاريات والنصف الثانى من الحزب الاول تبقى لى سورة الصف وهى بسيطه لاتحتاج وقت فى المراجعه
جزاك الله خير اختى تهانى على المحاضره ان شاء الله بكره استمع لها لان اليوم لم اقدر