ام نايف م
ام نايف م
]



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق محمد صل الله عليه وسلم





سورة البروج














{والسماء ذات البروج}:
الواو هذه حرف قسم يعني يقسم تعالى بالسماء
{ذات البروج}:
أي صاحبة البروج، والبروج جمع برج،
وهو المجموعة العظيمة من النجوم
وسميت بروجاً لعلوها وارتفاعها وظهورها وبيانها .


{واليوم الموعود}:
اليوم الموعود هو يوم القيامة،
وعد الله تعالى به وبينه في كتابه،
ونصب عليه الأدلة العقلية التي تدل على أنه واقع حتماً .




{وشاهد ومشهود}:
ذكر علماء التفسير في الشاهد والمشهود عدة أقوال يجمعها
أن الله أقسم بكل شاهد وبكل مشهود، والشهود كثيرون منهم
- محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم شهيداً علينا .
- ومنهم هذه الأمة شهداء على الناس .
- وأعضاء الإنسان يوم القيامة تشهد عليه بما عمل من خير وشر .
-ومنهم الملائكة يشهدون يوم القيامة ،


= فكل من شهد بحق فهو داخل في قوله {وشاهد}



{المشهود}:
فهو يوم القيامة وما يعرض فيه من الأهوال العظيمة .




{قتل أصحاب الأخدود}:
هذه الجملة جواب القسم
{قتل}:
يعني أهلك،
وقيل:القتل هنا بمعنى اللعن:
وهو الطرد والإبعاد عن رحمة الله .



{أصحاب الأخدود}:
هم قوم كفار أحرقوا المؤمنين بالنار،
وقد وردت قصص متعددة في هؤلاء القوم منها شيء في الشام،
ومنها شيء في اليمن،
والمقصود أن هؤلاء الكفار حاولوا بالمؤمنين أن يرتدوا عن دينهم،
ولكنهم عجزوا فحفروا أخدوداً حُفراً ممدودة في الأرض كالنهر
وجمعوا الحطب الكثير وأحرقوا المؤمنين بها ـ والعياذ بالله ـ






ولهذا قال: {النار ذات الوقود} :
يعني أن الأخدود هي أخدود النار.
{ذات الوقود} :
أي الحطب الكثير المتأجج.




{إذ هم عليها قعود}:
يعني أن هؤلاء الذين حفروا الأخاديد وألقوا فيها المؤمنين
كانوا ـ والعياذ بالله ـ عندهم قوة وجبروت يرون النار تلتهم هؤلاء البشر
وهم قعود عليها على الأسرة، فكهون كأن شيئاً لم يكن،
وهذا من الجبروت أن يرى الإنسان البشر تلتهمه النار
وهو جالس على سريره يتفكه بالحديث ولا يبالي.





{وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود}:
يعني هم شهود على ما يفعلون بالمؤمنين
أي حضور لا يغيب عنهم ما فعلوه بالمؤمنين،
ولذلك استحقوا هذا الوعيد، بل استحقوا هذه العقوبة
أن الله أهلكهم ولعنهم وطردهم وأبعدهم عن رحمته.






{وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد} :
أي ما أنكر هؤلاء الذين سعروا النار بأجساد هؤلاء المؤمنين إلا هذا،
أي: إلا أنهم آمنوا بالله عز وجل .


{إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد}:
العزيز:
هو الغالب الذي لا يغلبه شيء، فهو سبحانه وتعالى
له الغلبة والعزة على كل أحدوالقهر



{الحميد}:
بمعنى المحمود فالله سبحانه وتعالى محمود على كل حال
وكان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا جاءه ما يُسر به
قال: «الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات»،
وإذا جاءه خلاف ذلك قال: «الحمد لله على كل حال»،
وهذا هو الذي ينبغي للإنسان أن يقول عند المكروه:
«الحمد لله على كل حال»


تنبيه :
أما ما يقوله بعض الناس (الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه)
فهذا خلاف ما جاءت به السنة به،
قل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «الحمد لله على كل حال»
أما أن تقول: (الذي لا يحمد على مكروه سواه)
فكأنك الان تعلن أنك كاره ما قدر الله عليك،
وهذا لا ينبغي، بل الواجب أن يصبر الإنسان على ما قدر الله عليه
مما يسوؤه أو يُسره، لأن الذي قدره الله عز وجل هو ربك وأنت عبده،
هو مالكك وأنت مملوك له، فإذا كان الله هو الذي قدر عليك ما تكره فلا تجزع،
يجب عليك الصبر وألا تتسخط لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك،
اصبر وتحمل والأمر سيزول ودوام الحال من المحال،
قال النبي عليه الصلاة والسلام:
«واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب،
وأن مع العسر يسراً»،



فالله عز وجل محمود على كل حال من السراء أو الضراء؛
لأنه إن قدر السراء فهو ابتلاء وامتحان،
قال الله تعالى: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} .
ولما رأى سليمان عرش بلقيس بين يديه قال:
{هذا من فضل ربي ليبلوني ءأشكر} .



فإذا أصبت بالنعمة لا تأخذها على أنها نعمة فتمرح وتفرح،
هي نعمة لا شك
لكن اعلم أنك ممتحن بها هل تؤدي شكرها أو لا تؤدي،
إن أصابتك ضراء فاصبر فإن ذلك أيضاً ابتلاء وامتحان من الله عز وجل
ليبلوك هل تصبر أو لا تصبر،
وإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله فإن الله يقول:
{إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} .




-ويجوز أن يكون معنى قوله:
{الحميد}:
أنه هو الحامد، فإنه سبحانه وتعالى يحمد من يستحق الحمد،
يثني على عباده من المرسلين والأنبياء والصالحين،
والثناء عليهم حمدٌ لهم، فهو جل وعلا حامد، وهو كذلك محمود،
وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام
أن الله يرضى عن العبد
يأكل الأكلة فيحمده عليها
ويشرب الشربة فيحمده عليها،
لأنه لولا أن الله يسر لك هذه الأكلة والشربة ما حصلت عليها .




{الذي له ملك السماوات والأرض}:
أي الذي بملك السماوات والأرض،

وهذه الملكية شاملة لملك الأعيان والتدبير وما فيها ،
فهو يملك السماوات ومن فيها، والأراضين ومن فيها، وما بينهما،
وما فيها كل شيء ملك لله ولا يشاركه أحد في ملكه،


(لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (المائدة:120)




{والله على كل شيء شهيد} أي:
مطلع عز وجل على كل شيء، ومن جملته
ما يفعله هؤلاء الكفار بالمؤمنين من الإحراق بالنار،



وسوف يجازيهم، ولكن مع ذلك ومع فعلهم هذه الفعلة الشنيعة

{إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا
فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} :
قال بعض السلف:
انظر إلى حلم الله عز وجل يحرقون أولياءه،
ثم يعرض عليهم التوبة يقول: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا}.

{فتنوا} :
بمعنى أحرقوا
فهؤلاء أحرقوا المؤمنين وأحرقوا المؤمنات في النار.
وقيل: فتنوهم أي صدوهم عن دينهم.

والصحيح:
أن الآية شاملة للمعنيين جميعاً، لأنه ينبغي أن
نعلم أن القرآن الكريم معانيه أوسع من أفهامنا،
وأنه مهما بلغنا من الذكاء والفطنة فلن نحيط به علماً، والقاعدة في علم التفسير
أنه إذا كانت الآية تحتمل معنيين لا مرجح لأحدهما عن الآخر
ولا يتضادان فإنها تحمل عليهما جميعاً، فنقول:
هم فتوا المؤمنين بصدهم عن سبيل الله،
وفتنوهم بالإحراق أيضاً.


{ثم لم يتوبوا}:
أي يرجعوا إلى الله من معصيته إلى طاعته .


{فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق} :
لأنهم أحرقوا أولياء الله فكان جزاؤهم مثل عملهم جزاء وفاقاً.
وشتان بين نار الدنيا ونار الآخرة فقد فضلت على الأولى
بتسعة وتسعين جزءاً .


في هذه الآيات من العبر:
أن الله سبحانه وتعالى قد يسلط أعداءه على أوليائه،
فلا تستغرب إذا سلط الله عز وجل الكفار على المؤمنين وقتلوهم وحرقوهم،
وانتهكوا أعراضهم، لا تستغرب فلله تعالى في هذا حكمة،
المصابون من المؤمنين أجرهم عند الله عظيم، وهؤلاء الكفار المعتدون
أملى لهم الله سبحانه وتعالى ويستدرجهم من حيث لا يعلمون،
والمسلمون الباقون لهم عبرة وعظة فيما حصل لإخوانهم،
فمثلاً نحن نسمع ما يحصل من الانتهاكات العظيمة، انتهاك الأعراض،
وإتلاف الأموال، وتجويع الصغار والعجائز، نسمع أشياء تبكي، فنقول:
سبحان الله ما هذا التسليط الذي سلطه الله على هؤلاء المؤمنين؟
نقول يا أخي لا تستغرب فالله سبحانه وتعالى ضرب لنا
أمثالاً فيمن سبق
يحرقون المؤمنين بالنار، فهؤلاء الذين سلطوا على إخواننا في بلاد المسلمين
هذا رفعة درجات للمصابين، وتكفير السيئات، وهو عبرة للباقين،
وهو أيضاً إغراء لهؤلاء الكافرين حتى يتسلطوا فيأخذهم الله عز وجل أخذ عزيز مقتدر.


وفي هذه الايات من العبر:
أن هؤلاء الكفار لم يأخذوا على المسلمين بذنب إلا شيئاً واحداً وهو:
أنهم يؤمنون بالله العزيز الحميد، وهذا ليس بذنب، بل هذا هو الحق،
ومن أنكره فهو الذي ينكر عليه، نسأل الله سبحانه وتعالى
أن ينصر المسلمين في كل مكان، وأن يقينا شر أعدائنا،
وأن يجعل كيدهم في نحورهم إنه على كل شيء قدير.
وفي الآية إشارة إلى أن التوبة تهدم ما قبلها، ولكن التوبة
لا تكون توبة نصوحاً مقبولة عند الله إلا إذا اشتملت على شروط خمسة:


شروط التوبة :

الأول: الإخلاص لله عز وجل
بأن يكون الحامل للإنسان على التوبة
خوف الله عز وجل ورجاء ثوابه .

الثاني :الندم على ما حصل من الذنب .
بمعنى ألا يكون الإنسان كأنه لم يذنب، لا يتحسر ولا يحزن،
لابد أن يندم، إذا ذكر عظمة الله ندم،
كيف أعصي ربي وهو الذي خلقني ورزقني وهداني، فيندم.


الثالث: أن يقلع عن الذنب
فلا تصح التوبة مع الإصرار على الذنب .



الرابع: أن يعزم عزماً تاماً ألا يعود إلى الذنب،
فإن تاب وهو في نفسه لو حصل له فرصة لعاد إلى الذنب فإن توبته لا تقبل،
بل لابد أن يعزم عزماً أكيداً على ألا يعود.


الخامس: أن تكون التوبة في وقت تقبل فيه التوبة،
لأنه يأتي أوقات لا تقبل فيها التوبة، وذلك في حالين:

الحال الأولى: إذا حضره الموت فإن توبته لا تقبل .
الحال الثانية : إذا طلعت الشمس من مغربها .

ثم لما ذكر عقاب المجرمين ذكر ثواب المؤمنين،
وهذه هي طريقة القرآن في عرض الترغيب والترهيب .


{إن الذين آمنوا} :
هم الذين آمنوا بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر،
والقدر خيره وشره فإن هذا هو الإيمان
كما فسره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
حين سأله جبريل عن الإيمان .



{وعملوا الصالحات}:
فالمراد عملوا الأعمال الصالحة،
والأعمال الصالحة هي التي بنيت على الإخلاص لله،
واتباع شريعة الله .


{لهم جنات تجري من تحتها الأنهار}:
{لهم} يعني عند الله.

{جنات تجري من تحتها الأنهار} :
وذلك بعد البعث فإنهم يدخلون هذه الجنات التي فيها ما لا عين رأت،
ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر،
ولهذا قال الله تعالى:
{فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين
جزاء بما كانوا يعملون} .

وقال الله في الحديث القدسي:
«أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت،
ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر».

لأن فيها من النعيم ما لا يتصوره الإنسان والله تعالى يذكر في الجنات:
نخلاً، ورماناً، وفاكهةً، ولحمَ طير، وعسلاً، ولباًن، وماءً، وخمراً،
لكن حقائق هذه الأشياء ليست كحقائق ما في الدنيا أبداً،
قال ابن عباس رضي الله عنهما:
(ليس في الدنيا شيء مما في الجنة إلا الأسماء فقط
أما الحقائق فهي غير معلومة.



{تجري من تحتها الأنهار}:
قال العلماء: {من تحتها}:
أي من تحت أشجارها وقصورها وإلا فهي على السطح فوق،
ثم هذه الأنهار جاء في الأحاديث أنها
لا تحتاج إلى حفر ولا تحتاج إلى بناء أخدود .

والأنهار في هذه الآية وفي آيات كثيرة
مجملة لكنه فصلت في سورة القتال ـ سورة محمد ـ
قال: {مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن
وأنهار من لبن لم يتغير طعمه
وأنهار من خمر لذة للشاربين
وأنهار من عسل مصفى}



{ذلك الفوز الكبير}:
{ذلك} :
المشار إليه الجنات وما فيها من النعيم .


{الفوز الكبير} :
يعني الذي به النجاة من كل مرهوب وحصول كل مطلوب؛
لأن الفوز هو عبارة عن حصول المطلوب وزوال المكروه .



{إن بطش ربك لشديد}:
{بطش}:
يعني أخذه بالعقاب .
{لشديد } :
القوي.
فبطش الله يعني أنتقامه وأخذه شديد عظيم ولكنه
لمن يستحق ذلك أما من لا يستحق ذلك فإن رحمة الله تعالى أوسع ،
ما أكثر ما يعفو الله عن الذنوب وما أكثر ما يستر من العيوب،
ما أكثر ما يدفع من النقم، وما أكثر ما يجري من النعم،
لكن إذا أخذ الظالم لم يفلته .




{إنه هو يبدىء ويعيد} :
يعني أن الأمر إليه ابتداء وإعادة .
فهو الذي بدأ الأشياء، وإليه تنتهي الأشياء،
الأشياء منه وإليه في كل شيء،
الخلق من الله وإليه، الشرائع من الله وإليه،
كل الأمور من الله وإليه، ولهذا قال
{يبدأ} ولم يذكر ما الذي يبدؤه،
فمعناه {يبدأ}:
كل شيء، ويعيد كل شيء، فكل الأمر بيده عز وجل،
فاعرف أيها العبد من أين أنت، وأنك ابتدأت من عدم،
واعرف منتهاك وغايتك، وأن غايتك إلى الله عز وجل .

{وهو الغفور الودود}:
{الغفور}:
يعني ذو المغفرة، والمغفرة ستر الذنب والعفو عنه
فليست المغفرة ستر الذنب فقط بل ستره وعدم المؤاخذة
عليه كما جاء في الحديث الصحيح:
«إن الله يخلو بعبده المؤمن يوم القيامة ويقرره بذنوبه
حتى يقربها ويعترف فيقول الله عز وجل:
قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم»،

ويُذكر أن بني إسرائيل كانوا إذا أذنب الواحد منهم ذنباً
وجده مكتوباً على باب بيته فضيحة وعاراً،
لكننا نحن ولله الحمد قد ستر الله علينا،
فعلينا أن نتوب إلى الله ونستغفره من الذنب فتمحى آثاره .

{الودود}:
مأخوذة من الود، والود هو خالص المحبة فهو جل وعلا ودود،
ومعنى ودود أنه محبوب وأنه حاب، فهو يشمل الوجهين جميعاً،
فكلما كان الإنسان أتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلّم كان أحب إلى الله،
فهو جل وعلا وادٌ وهو أيضاً مودود،
أي أنه يُحِب ويُحَب،
يِحب سبحانه وتعالى الأعمال ويحب العاملين،
ويحب الأشخاص يعني أن محبة الله قد تتعلق بشخص معين
مثل قول الرسول عليه الصلاة والسلام في يوم خيبر:
«لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»
فبات الناس ثم غدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم
كلهم يرجوا أن يُعطاها فقال: «أين علي بن أبي طالب»؟
قالوا: يشتكي عينيه فدعا به فأتى فبصق في عينه
فبرأ كأن لم يكن به وجع في الحال، ثم أعطاه الراية وقال:
«انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام».
الشاهد قوله: (يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله)
فهنا أثبت أن الله يحب هذا الرجل بعينه علي بن أبي طالب .

( ذو العرش ):
أي صاحب العرش، والعرش هو الذي استوى عليه الله عز وجل،
وهو أعظم المخلوقات وأكبرها وأوسعها،
وقد جاء في الأثر أن السماوات السبع والأراضين السبع بالنسبة إلى الكرسي
كحلقة ألقيت في فلاة في الأرض،
وأن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة .

( المجيد ):
فيها قراءتان (المجيدِ)
و(المجيدُ)
فعلى القراءة الأولى تكون وصفاً للعرش،
وعلى الثانية تكون وصفًّا للرب عز وجل،
= وكلاهما صحيح فالعرش مجيد، وكذلك الرب عز وجل مجيد .


( فعال لما يريد ):
أي مهما أراد فعله لا معقب لحكمه
ولا يسأل عما يفعل لعظمته وقهره وحكمته وعدله.



(هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ):
والخطاب هنا موجه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو
لكل من يصح أن يتوجه إليه بالخطاب ،
والاستفهام للتنبيه.
لأن الشيء إذا جاء بالاستفهام انتبه له الإنسان أكثر .



(الجنود):
جمع جند وهو هنا مبهم
لكنه فسره بقوله :
(فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ):
يعني هل أتاك خبرهم ؟
والجواب نعم ، أتانا خبرهم فقد قص الله سبحانه وتعالى
علينا من نبأ فرعون ونبا ثمود
ما فيه العبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
فقصة فرعون ذكرها الله تعالى في آيات كثيرة وفي سور متعددة
كمقدمة بين يدي سلف موسى عليه السلام وكما هو معروف
أن موسى مبعوث لبني اسرائيل ، وقص الله سبحانه
على رسول الله صلى الله عيله وسلم
من نبأ موسى عليه السلام مالم يقصه من نبأ غيره،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم سوف يكون مهاجره إلى المدينة
التي بها ثلاث قبائل من اليهود ،
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم من نبأهم الشيء الكثير
من أجل أن يكون على استعداد لمناظرتهم ومجادلتهم بالحق
حتى لا يخفى عليه من أمرهم شيء .


قصة فرعون :
كان جباراً عنيداً متكبراً يدعي أنه الرب كما قال :
( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)(النازعـات: من الآية24).
وأدعى أيضاً الألوهية حينما قال :
( مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)(القصص: من الآية38) .

وكان يستهزئ بموسى عليه السلام وبما جاء به من الآيات ويتحداه ،
ويقول له صراحةً وجهاً لوجه ( إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُوراً)(الاسراء: من الآية101) .
ويفتخر على موسى وعلى قومه فيقول :
(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ
وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ*
أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ *
فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) (الزخرف: 51- 53 ) .


فماذا كانت النتيجة ؟
أن كفر به أخص الناس بكيده وهم السحره ،
فإن السحرة لما جمعوا كل من عندهم من السحر ،
وجاءوا لمقابلة موسى عليه السلام حيث إن موسى عليه السلام أتى بآية تشبه السحر ،
ولكنها ليست بسحر ، بل آية من آيات الله عز وجل ،
وهي أن يضع العصى التي معه على الأرض فتنقلب حية تسعى ،
وجمع السحرة كلهم في مكان حدد ,يعني مكاناً مستوياً منبسطاً حتى يشاهد الناس
ما يشاهدون من السحر وأعمال السحرة ,
ويوم الزينة هو يوم عيدهم ، وهو يوم تكثر فيه الجموع لتهنئة بعضهم بعضاً ،
واجتمعوا في الموعد المحدد والمكان المعين ،
وحشر الناس ضحى في رابعة النهار وألقى السحرة ما بأيديهم من الحبال والعصى ،
وخيل إلى الحاضرين من سحرهم أنها تسعى ، فأوجس في نفسه خيفة موسى ،
لأنه شاهد أمراً عظيماً وكيداً كبيراً ، فأوحى الله عز وجل إليه أن يلقي عصاه ،
فإذا هي تلقف ما يأفكون ، وحينئذٍ علم السحرة أن موسى صادق وليس بساحر ،
لأنه لو كان ساحراً ما استطاع أن يغلبهم بسحره، فآمن السحرة بموسى عليه السلام ،
وكفروا بفرعون الطاغية
وقالوا( قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (الشعراء:47)
ووقفوا في وجه فرعون وتحدوه وانقلبوا عليه ،
وفي النهاية أغرق الله فرعون في الماء الذي كان يفتخر به بالأمس .


- قصة ثمود :
فإن الله أعطاهم قدرة وقوة حتى كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين ،
ويتخذوا من القصور سهولاً ،
وعندما كذبوا رسولهم صالح عليه السلام أهلكهم الله برجفة وصيحة ،
فهلكوا عن بكرة أبيهم ، فأصبحوا فب ديارهم جاثمين .


* الفائدة في ذكر نبأ فرعون و ثمود ؟
وكان من نبأ فرعون وثمود فائدتان :
الأولى : تسلية النبي صلى الله عليه وسلم وتقويته ،
وأن الذي نصر رسله من قبل سوف يؤيده وينصره ويعززه ،
وهذا لا شك أنه يقوي العزيمة ، ويشحذ الهمم في الدعوة إلى الله وتبليغ رسالاته .
والفائدة الثانية : تهديد ووعيد شديد لقريش
الذين كذبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ووقفوا له بالمرصاد ، وأنهم ليسوا أشد قوة من فرعون وثمود ،
ومع ذلك أصابهم الدمار والهلاك ووقع عليهم كلمة العذاب .



(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ):
اي إن الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم تكذيب ،
وكأنهم منغمسون في التكذيب ، والتكذيب محيط بهم من كل جانب ..


{بل الذين كفروا}:
يشمل كل من كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم حتى من اليهود والنصارى،
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام:
«والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي من هذه الأمة
يعني أمة الدعوة يهودي ولا نصراني
ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار»،.




{والله من ورائهم محيط} :
يعني أن الله تعالى محيط بهم من كل جانب لا يشذون عنه
ولا عن علمه ولا عن سلطانه ولا عن عقابه،
ولكنه عز وجل قد يملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.


{بل هو قرآن مجيد }
{بل هو}:
أي ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام
{قرآن مجيد}:
أي ذو عظمة ومجد، ووصف القرآن بأنه مجيد
لا يعني أن المجد وصف للقرآن نفسه فقط،
بل هو وصف للقرآن، ولمن تحمل هذا القرآن
فحمله وقام بواجبه من تلاوته حق تلاوته،
فإنه سيكون لهم المجد والعزة والرفعة.



{في لوح محفوظ}:
يعني بذلك اللوح المحفوظ عند الله عز وجل الذي هو أم الكتاب ,
{يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب} .
وهذا اللوح كتب الله به مقادير كل شيء،
ومن جملة ما كتب به أن هذا القرآن
سينزل على محمد صلى الله عليه وسلّم فهو في لوح محفوظ،
قال العلماء {محفوظ} لا يناله أحد، محفوظ عن التغيير والتبديل، والتبديل والتغيير
إنما يكون في الكتب الأخرى؛


* الكتابة من الله عز وجل أنواع:
النوع الأول:
الكتابة في اللوح المحفوظ وهذه الكتابة لا تبدل ولا تغير،
ولهذا سماه الله لوحاً محفوظاً، لا يمكن أن يبدل أو يغير ما فيه.


الثاني:
الكتابة على بني آدم وهم في بطون أمهاتهم،
لأن الإنسان في بطن أمه إذا تم له أربعة أشهر،
بعث الله إليه ملكاً موكلاً بالأرحام، فينفخ فيه الروح بإذن الله،
لأن الجسد عبارة عن قطعة من لحم إذا نفخت فيه الروح صار إنسانًا،
ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد.


النوع الثالث:
كتابة حولية كل سنة، وهي الكتابة التي تكون في ليلة القدر،
فإن الله سبحانه وتعالى يقدر في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة،
قال الله تبارك وتعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} .
فيكتب في هذه الليلة ما يكون في تلك السنة.


النوع الرابع:
كتابة يومية وهي التي تقوم بها الملائكة
حيث يكتبون كل ما يعمله الإنسان في ذلك اليوم ،
سواء كان قولاً بلسانه أو عملاً بجوارحه ، أو اعتقاداً بقلبه وذلك في الصحف
التي بأيدي الملائكة وهذه الكتابة تكون بعد العمل ،
والكتابات الثلاث السابقة كلها قبل العمل، لكن الكتابة الأخيرة هذه تكون بعد العمل،
يكتب على الإنسان ما يعمل من قول بلسانه، أو فعل بجوارحه، أو اعتقاد بقلبه،
فإن الملائكة الموكلين بحفظ بني آدم أي بحفظ أعمالهم يكتبون قال الله تعالى:
{كلا بل تكذبون بالدين. وإن عليكم لحافظين.
كراماً كاتبين. يعلمون ما تفعلون} .

فإذا كان يوم القيامة فإنه يعطى هذا الكتاب كما قال تعالى:
{وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً.
اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً}.
يعني تعطى الكتاب ويقال لك أنت: اقرأ وحاسب نفسك،
قال بعض السلف: لقد أنصفك من جعلك حسيباً على نفسك،
وهذا صحيح أي إنصاف أبلغ من أن يقال للشخص
تفضل هذا ما عملت حاسب نفسك، أليس هذا هو الإنصاف؟!
بل أكبر إنصاف هو هذا، فيوم القيامة تعطى
هذا الكتاب منشوراً مفتوحًا أمامك ليس مغلقاً،
تقرأ ويتبين لك أنك عملت في يوم كذا، في مكان كذا،
كذا وكذا، فهو شيء مضبوط لا يتغير،
وإذا أنكرت فهناك من يشهد عليك :

{يوم تشهد عليهم ألسنتهم} يقول اللسان .

نطقت بكذا {وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} {النور :24}
تقول اليد: بطشت، تقول الرجل: مشيت، بل يقول الجلد أيضاً،
الجلود تشهد بما لمست
{وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله
الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون}


فالأمر ليس بالأمر الهين ـ نسأل الله تعالى أن يتولانا وإياكم بعفوه ومغفرته ـ
وإلى هنا ينتهي الكلام على هذه السورة العظيمة
والله أعلم .



روابط انصح أحبتي بها :


..معنى | الله | مؤثر جدا للشيخ محمد حسان


برنامج هو الله للشيخ صالح المغامسي | الغفور والغفار

برنامج هو الله للشيخ صالح المغامسي | الودود
درة 14
درة 14
قرات التفسير وراجعت سورة البروج الحمد لله

:)

جزاك الله خيراً
غيودي 000Ghiode
غيودي 000Ghiode
غيودي 000Ghiode
غيودي 000Ghiode
اتممت راجعة سورة البروج مع قراءة التفسير ولله الحمد

وجزاك الله الجنة ام نايف
so simple
so simple
خلصت البروج

تم بحمد الله ~