^_^ تومي!
^_^ تومي!
الجزء الثاني

الفصل الأخير


نوف

روان

رناد



ثلاث فتيات سيتقابل معهن قصي في وقت واحد .. قصي ذلك الخبير .. كيف تم الأمر ؟ وكيف استطاع أن يوفق بين هؤلاء الثلاثة .. هل كان الأمر بهذه البساطة .. أم أن الأمر كان معقداً ؟!



كانت الساعة السابعة والنصف حين كان قصي قد انتهى من الصلاة التي يقدسها بالفعل وإن كان يصلي جميع صلواته في المنزل .. ولبس ثيابه .. وخرج ..

أما اليوم فكان أنيقاً .. كما هي عادته .. إنه يعشق كل ما هو فخم .. وكلاسيكي .. ويبتعد إلى حد ما عن الكاجوال ..

كان يرتدي بنطال أسود أنيق فاخر .. وقميص برتقالي طويل الأكمام .. ذو أكمام مفتوحة بفرجة ضيقة .. وأزرار براقة .. تتلألأ مع ابتسامة الأضواء ..وكان هذه المرة حليق الذقن .. ويزين نفسه بشارب عريض على رقم واحد .. محفوف الأطراف .. ربما كان يحب أن يغير من شكله كل مرة .. وكأنما يجعل كل امرأة .. عملية خاصة .. وذكرى لها خصوصيها ..



ركب سيرته الفارهة .. وراحت الموسيقى التي يعشق .. تدب في السيارة .. ومشي بها في شوارع جدة التي تكون في الصيف مزدحمة عادة بالناس .. ولكنه كان في مزاج معتدل .. حتى وصل إلى منتزه الشراع .. الذي كان قريباً من منزله ..

في الثامنة إلا عشر دقائق .. كان داخل الشراع .. رائحة المعسل تعبق في الجو .. والشيشة أيضاً بتلك النكهة الثقيلة على الأنف .. وصوت الموسيقى التي تعرضها قناة روتانا تصدح بما يفترض أن يكون فناً ..

جلس هناك على إحدى الطاولات .. وطلب قهوة .. قهوة تركية .. سكر زيادة ..كان يتوقع أن تتأخر روان .. كثيراً .. بالتأكيد ستعمل المستحيل كي تكون في الموعد المحدد .. ولكنها لن تقدر بالتأكيد .. إنها سوف تحتال حتى تصل إلى هذا المكان .. ولكنه لن يدع أي شيء للفرصة ..

جلس هناك على تلك الطاولة الخشبية .. التي يبدو أن عمرها الافتراضي قد شارف على الرماد .. في قسم الرجال .. ينتظرها .. لتدخل معه من قسم العوائل ..

وبعد قليل .. كانت القهوة في حضرته .. جلس يتأمل القادمين والذاهبين .. وهو يرتشف من القدح .. وأخذته الذكرى مجدداً .. إلى هناك ..

"أريد أن أقابلك ..

ولكني لا أقدر أنا ..

لا بد أن أقابلك .. الأمر ضروري .. "

وراحت حرارة قلب قصي ترتفع رويداً رويداً .. ووصل إلى مرحلة الاحتراق ..وهو يتذكر الفلم المريع الذي يشاهده كل يوم في مخيلته .. الفلم الذي ما فتيء يتركه حتى ساعات النوم .. وفي النهاية .. أخذ يكح في عنف ..

وخرجت من فمه قطرات من الدم على الطاولة ..

التف حوله النادل وكبير المشرفين .. الذي راح يمسك بكتفه بقلق عارم : أنت بخير ؟ تحتاج إلى مساعدة ؟

لكن قصي قال له وهو يمسح قطرات الدم بالمنديل هناك وبد من الواضح أنه يلهث : لا .. أنا بخير ..

إنه مصاب بدوالي شرايين الحنجرة .. كان قصي يعرف هذا جداً .. ويعرف أنه يعاني وقت نوبتها بشدة .. أخبره الطبيب ألا يفكر في أي شيء قد يسبب له العصبية الزائدة .. إنه ليس مرضاً خطيراً .. ولكنه يجعله دائماً يتقيأ دماً من جوفه .. كلما تذكر الموضوع بعنف وحدة .. ويجعل الناس تظن أن به مرضاً قاتلاً .. وعلى أكثر ما يرجحون السل ..

شرب كوباً من الماء .. وبعد دقائق كانت روان تتصل على جواله .. قالت له بصوت خفيض: أنا عند مدخل العوائل ..

قام قصي من هناك بعد أن دفع الحساب .. وحرج ليجدها على باب قسم العوائل تنتظر .. ودخل معها .. إن هذا الفتى قادر على تغيير شخصياته بطريقة غريبة .. فها هو مع روان .. وهو في غاية الارتباك .. وعيناه ترمشان كثيراً .. ويبدو أن روان كان من الواضح أنها المسيطرة على الجلسة .. أو هكذا كان يبدو لها .. وكانت قد اختارت مكاناً عادياً غير منعزل بالمرة .. ولا مكشوف جداً ..

جلسا أمام بعضهما .. ومرة لحظة من الصمت .. أما قصي فكان يحدق فيها طويلاً ثم قال بصوت مختنق :

كيف حالك يا روان ؟

قالت هي وبدت ابتسامتها على وجهها : أنا بخير ..

قال لها بارتباك شخص لا يعرف كيف يفتح موضوعاً : ماذا تطلبين ؟

قالت : أي شيء .. ولكني أفضل عصير الفراولة ..

ابتسم لها وقال : حسنا ..

ثم طلب من النادل عصير الفراولة وآخر ليمون ..

وصمت قليلاً ..

فقالت بقلق وقد أحست أن الجلوس هكذا .. لا يعطي الكثير من المعنى : قصي .. ليس عندي وقت كثير .. لن أستطيع أن أجلس هنا لأكثر من نصف ساعة ..

قال لها : أنا آسف .. ولكن بصراحة ..

ثم نظر لها بابتسامة بريئة .. وقال : طار كل الكلام وأنا أراك ..

ابتسمت روان .. وقالت : يا الله .. ألهذا الحد ..

قال لها وهو مرتبك بتصنع غير ملحوظ ..بصراحة .. أنت ما شاء الله جميلة جداً ..

لم تتمالك روان نفسها من الابتسام .. ولكنها قالت :قصي .. لا أحب هذه النوعية من الكلام .. على الأقل ليس الآن ..

قال لها : أنا آسف ما كنت أقصد ..

ولكنه قال لها : ولكني بصراحة أنا ألاحظ أنك حزينة .. لماذا ؟ما سر تلك النظرة الغريبة في عينيك ؟ لقد قلت لك هذا أكثر من مرة على التلفون .. ولكنك لم ترضي أن تقولي لي .. روان .. إنني قصي .. وأنت تعرفيني جيداً ..

صمتت روان ولم تعرف ما ترد .. ولكنها ابتسمت وقالت : قصي .. ولكن الموضوع الذي جئت لتخبرني به ..

فقاطعها قصي : روان أنا هنا من أجلك .. ألا تثقين في .. أرجوك تكلمي .. أنت تقتلينني قلقاً .. أخبريني .. ثم نرجع لما كنت أريد الكلام عنه ..

فقالت : ولكن يا قصي .. ليس هناك ..

قال لها وعيناه متسعتان على آخرهما : روان .. لا أستطيع أن أفكر وأنا قلق عليك هكذا .. صدقيني لا أستطيع .. لا بد أن تخبريني ..

كان من الظاهر أنه صادق جدا .. وروان قد صدقت .. ولكن هذه الطريقة هي طريقة مميزة للغاية جداً لإيقاع الفتيات .. أن تجعل الفتاة تتكلم عن نفسها .. لا .. بل تتكلم عن مشاكلها .. عن همومها وأحزانها .. عن الثقل الذي يثقل عضلات كتفيها .. وإن الفتاة حين تتكلم عن مشاكلها .. بل أي شخص .. يحس براحة غريبة ..

وقد يخلط ما بين إعجابه بهذا الشخص وإحساسه بالراحة معه .. وما بين حبه لهذا الإنسان .. وهو فرق كبيير جداً .. بل إن هذه الطريقة من أقوى الطرق ..

اجعل الفتاة تتحدث عن مشاكلها .. ودعها تنفعل .. ثم تأتي أنت لتحتويها كلها .. وبذلك تحتوي وتستولي على عقلها وقلبها في آن واحد .. إنه قصي .. إنه الخبير ..



أما روان فجلست تتكلم في البداية بشيء من التحفظ إلا أنها ما لبثت أن انهارت بعض الشيء .. كانت مشكلتها شخصية .. فقد فارقت إحدى أعز صاحباته .. لأسباب تافهة .. وهي تريد أن ترجع علاقتها بها .. ولكن صاحبتها لا تريد .. كانت متأثرة جداً .. لدرجة أن عينيها احمرت .. وكادت الدموع تسقط .. وكان هنا دور قصي .. أن يحتويها .. وبالفعل كان بارعاً في ذلك .. قدم لها كامل إحساسه .. وبقدرة عجيبة تمددت هذه النصف ساعة إلى ساعة وربع .. ولم تشعر روان بالوقت .. وفي النهاية نظرت إلى ساعتها وقالت :

يا إلهي .. لقد تأخرت ..

قال لها مرتبكاً : أنا آسف .. لم أنتبه .. فالوقت معك يمر بسرعة ..

ابتسمت له وهي تلم حاجياتها بسرعة وتقول :أكلمك لاحقاً ..

ثم نظرت فيه للحظة وقالت : ولكني لا بد أن أشكرك كثيراً .. فعلاً .. لقد كنت محتاجاً لمن يسمعني .. شكراً لك كثيراً .. لقد أرحت ما بقلبي فعلاً ..

قال لها قصي : أنا دوماً من أجلك في أي وقت تشائين ..

ابتسمت وقالت : إلى اللقاء ..

قال لها : إلى اللقاء ..

انتظرها حتى خرجت

وخرج بعدها مسرعاً ..

واتصل على نوف وقال لها : أين أنت ؟

قالت : أنا في le moal

قال لها : دقائق وأكون عندك .. من معك ؟

قالت له : معي صاحبتي حنين .. ألا نستطيع أن نأخذها معنا

قال لها : نوف .. أتريدين أن تشاركني فيك أنثى أخرى .. أتريدين أن يكون في هذا اللقاء أحد سواي وسواك ؟

ارتبكت نوف وقالت : لا .. ولكن ..

قال لها بصوت حاسم : نوف .. تعالي وحدك .. وإلا سأذهب ..

قالت له وهي تتصنع الضحك : لم أسمع كلامك أنا دائماً ؟

قال لها : هكذا دوماً أحبك .. كم أنت رائعة وأنت مطيعة ..

ابتسمت نوف رغماً عنها .. وبعد دقائق .. كانت نوف مع قصي في السيارة .. كانت تتطلع فيه بهيام .. وهو بكل قوة يتطلع في ملامح وجهها .. دون أن يبدو عليه أنه قد افتتن بها كما يبدو عليها هي ..

إلى ان وصلا إلى الشراع مجدداً .. دخل .. ولم يهتم للحارس الذي رمقه باستغراب ..

وجلس في مكان مختلف .. وتعمد أن يكون هناك نادل مختلف .. وكانت عقرب الدقائق قد اقترب معلنا الساعة العاشرة .. حين اتصلت رناد ..

وقالت : إني أراكما .. أهذه هي روان ..

قال لها قصي بدون أن يبدو على وجهه أي تأثير :نعم ..

وقصي هنا لم يخلط ما بين روان ونوف .. إلا أن نوف كانت فتاة .. وهذا كل ما كان يهم رناد أن تراه ..

قالت وعلى شفتها شبه ابتسامة : حسنا ..

وجلس يتكلم مع نوف .. وهي تضحك .. كان يجيد التنكيت .. خصوصاً لفتاة أكثر بسيطة مثل نوف ..

تلك النوعية من الناس التي إن أحبت .. رأت كل ما يفعله حبيبها مذهلا ورائعاً ومثيراً .. وكان يبتسم بكل سحره وهو يكلمها .. بل إنه زاد في رومانسيته الليلة .. كان هدفه أن تراه رناد وترى كل ما يفعل ..

وبعد ساعة .. اتصلت عليه رناد وقالت :لقد مللت كثيراً وأنا أنظر لكما .. ما رأيك أن أذهب أنا ؟

قال لها : لا .. سوف أكون هناك عما قريب .. إلى اللقاء ..

تطلعت فيه نوف فقال لها : يجب أن أذهب لوالدتي ..

قالت بنظرة طفولية : ولكننا لم نجلس إلا ساعة ..

فقال : حبيبتي .. يجب أن أذهب .. سنجلس مرة أخرى مرة .. أعدك ..

فقالت له بخيبة أمل وبصوت صغير : حسناً ..



ولما كانت في الطريق .. كانت صامتة طوال الوقت .. ولكن قصي لم يكلمها بكلمة حتى .. إنه لا يهتم كثيراً أن غضبت أو لا .. حتى أوصلها إلى لي مول مرة أخرى .. ورجع إلى الشراع مرة ثالثة .. ودخل .. كانت رناد تنتظره .. كعادتها صلبة وقوية .. ابتسمت ابتسامتها القوية المعهودة وقالت : هذه هي روان ؟

فابتسم لها وقال : إنها هي يا سيدتي ..

فقالت له بشيء من الجدية :لقد كنت في قمة السعادة وأنت معها أليس كذلك ؟

قال لها وهو مبتسم : ومن يكون مع روان ولا يحس بالسعادة ؟

قالت له دون أي مشاعر : ربنا يوفقكم ..

ولكنه قال : لا أردي يا رناد .. ولكن هناك بعض الطباع التي لا أحبها في روان ..

قال له بفضول : مثل ماذا ؟

قال لها : لقد تغيرت كثيراً في الفترة الأخيرة .. نفس التفكير البدائي .. الطفولي .. وتلك الحركات الصبيانية لدى الأطفال .. لازالت تؤمن بها ..

كان يلعب على وتر خاص .. على : الشخص المثقف .. المتأنق .. الذي يفهم الجديد من الأمور .. والذي يجد بلده .. لا يستطيع أن يجاري الغرب بهذه العقلية الغبية طالما أنه وضع التقاليد والعادات .. عقبة في طريق وصوله للطموح والإنجازات العظيمة .. وأنه لا بد أن نتغير حتى لو كان على حساب هويتنا الأصلية .. وأخذ يتحدث عن حبيبته التي بدأت في الآونة الأخيرة تتجاهله .. ولا تحب أن تسمع عن مشاريعه .. لأنها شخصية بسيطة زيادة عن اللزوم ..

ثم قال: بصراحة يا رناد .. كم كنت أتمنى ان تكون روان بعقلك ..

ولأول مرة ابتسمت رناد في خجل .. ابتسمت رغماً عنها .. أما هو فلم يعقب على خجلها بشيء .. تعشى معها في الشراع .. ثم ودعها .. وانصرف ..





وهكذا قان قصي بمقابلة ثلاثة من الفتيات في يوم واحد

وفي مكان واحد ..

ألم أقل لكم بأنه خبير ؟!









بعد أسبوع ..

وبينما كان قصي يتكلم مع نوف .. قال في نفسه :إن هذه الفتاة غبية بالفعل ..

وكان قصي قد مل منها جداً .. لا شيء يميزها .. غير قليل من الجمال .. الذي ساعد على تصعيده .. بعض أدوات الزينة ومستحضرات التجميل .. فقرر أن ينهي علاقته بها في المكالمة القادمة .. نعم إنه أمر لديه في غاية البساطة ..إنه ليس على استعداد لأن يكمل مشوار الغباء هذا ..

ولكنه سيكون قاسياً جداً .. كما جرت العادة ..



اتصلت به نوف .. وأخذت تتكلم معه .. فقال لها : أين أنت ؟

قالت : أنا في السوق ..

قال لها بقسوة : نوف .. أكل يوم تذهبين إلى السوق ؟

جمدت الفتاة في محلها لحظة وقالت :قصي .. ما الموضوع ؟

قال لها بعصبية : الموضوع أنك لا تحبينني .. صرت باردة جداً معي .. وكل يوم تخرجين إلى السوق .. لا بد أن هناك شخصاً آخر في حياتك ..

نوف جنت .. لم تعرف ماذا تفعل .. وبدأت تتكلم وتقول : قصي .. لم أنت عصبي هكذا ؟أنا لم أقصد شيئاً .. قصي .. دعنا نتفاهم ..

قال لها : انسي كل شيء يا نوف .. قصي هذا انسيه من حياتك تماماً .. واعتبري كل الذي بيننا انتهى ..

وأقفل الجوال .. هكذا !!!بكل قلب بارد .. وبدون أن يطرف له جفن .. ربما كل هذه القسوة لأنه كان يعزف قبل قليل .. ولازال الخاتم البلاتيني في إصبعه .. ولأنه تذكر ..

أخذ الجوال يرن .. وقصي وكأنما لا يسمع شيئاً .. لقد شطب هذه الفتاة من حياته إلى الأبد .. ولكن هل سينهي موضوع نوف بهذه الطريقة ؟إذا كيف سميناه الخبير ؟لا .. وبالطبع إنها ليست النهاية .. ولكنها بداية النهاية ..





وفي نفس اليوم اتصل رناد .. رد عليها قصي بصوت متعب ..

قالت له : ما بك يا قصي ؟

قال لها : لا شيء ..

قالت له : قصي صوتك غريب .. إنه لا يعجبني .. قل لي ماذا حصل ..

قال لها بصوت متحشرج : لقد ذهبت مني روان ..

صمتت قليلاً رناد .. ثم قالت : ماذا تقول ؟

قال لها : لقد انفصلنا أنا وروان ..

قالت له : ماذا حصل ؟

صمت قصي قليلاً ..

ثم قال : رناد .. هل أستطيع مقابلتك ؟

قالت : حسناً .. نتقابل في الهيلتون كالعادة ..

قال لها بصوت واهن : حسناً ..

وبعد نصف ساعة كانا في الهيلتون .. وكان قصي قد أجاد التمثيل .. جلس يحكي لها .. كيف أن روان تخلت عنه بمنتهى البساطة .. إن قصي شخصية معقدة بالفعل .. استطاع أن يمزج في نفسيته .. كيف أنه أنهى علاقته بنوف .. ووضع عليها الكثير من الأكاذيب .. ليجعلها هي المذنبة .. وبعد هذا .. يضع كل الكلام على أن حبيبته روان !شخصية في قمة التعقيد ..

وجلس يتكلم مع رناد .. على أن روان كانت لا تحبه .. فقط كانت تمضي وقتها معه .. وأن الكلام الذي كان يقوله لا .. لم يكن يعني لها شيئاً على الإطلاق .. وجلس يتكلم .. ورناد .. لا تعرف ما تفعل .. لقد فقدت قوة شخصيتها .. وحل محلها تعاطف كبير .. استعادت هذه الفتاة أنوثتها الضائعة .. وأحست أنها تود أن تعطي صديقها بعض الحنان .. بل كثيراً من الحنان .. كيف لا وقصي هو الشخص الوحيد الآن في حياتها .. إنها بلا أصدقاء .. وبلا حبيب .. إن حياتها كلها فارغة .. من إنسان يكون له معنى .. ويُحفظ له الود .. وقصي يمثل فيها شيئاً كبيراً .. لا تستطيع أن تتجاهله بسرعة .. وفي النهاية .. قال لها :رناد .. لا أعرف ماذا كنت لأفعل من دونك .. رناد أنت إنسانة رائعة .. جمال .. ما شاء الله .. وعائلة كبيرة .. وفكر .. وعقلية تجارية .. انت يا رناد فيك كل المواصفات التي يتمناها أي إنسان ..

لم تتمالك رناد نفسها من الزهو .. ولكنها قالت بثبات : أنت تبالغ ..

فقال لها : لا أنا لا أبالغ .. أنت تعني لي كثيراً يا رناد ..

وتطلع في عينيها .. تلك النظرات على الرغم من أنها بعيدة عن تصريح بالحب .. ولكنها جعلت رناد تحس بشيء غريب جداً .. بشيء من الأنوثة في نفسها .. وبعد نصف ساعة كان كل منهما قد ذهب إلى بيته .. وفي الطريق ..

وصلت رسالة إلى رناد .. من قصي .. رسالة ملئى بكلام حب .. ولكنه متوارٍ خلف ستار من الكلمات اللطيفة .. ابتسمت رناد .. وأحست أن قصي هذا أكثر من مجرد صديق .. وهنا كانت براعة قصي ..



وأستطيع الآن أن أفسر بجلاء ما كانت خطة قصي من المقابلة الثلاثية .. وما الفكرة التي بزغت في رأسه وقرر أن ينفذها على رناد .. كان قصي يريد أن يري رناد .. الرومانسية كاملة .. وكيف أنه إنسان عاطفي جداً .. ويجب بكل كيانه .. ليجعلها تتمنى ولو في نفسها أن تحظى يوماً بهذا الحب .. إنه نفس الشعور الذي ينتابنا ونحن نرى فلماً عاطفياً لقصة حب .. يضحي أحد الأطراف في هذه القصة من اجل الطرف الآخر .. نفس الأمنية أن يحبنا شخص بهذه الطريقة .. فماذا لو كان هذا الإنسان أمامك .. بكل هذا الشغف .. بكل هذه الأحاسيس .. وأنت تعرف أين يمكن أن يصل بحبه لك ؟كان يريد أن يغرقها في بحر رومانسياته ليريها شيئاً من حاجياتها الفطرية .. ورغباتها كإنسانة .. حتى تعرف .. أنه إن أحب فتاة أعطى بلا حدود .. انه إن أحب .. أحبها بالكامل .. أحبها بغير وعي .. أحبها بلا حدود .. أحبها ولم يرضى أن يتركها لنهاية العمر .. ببساطة إنها سياسة تجويع عاطفي ..



ولم تمضي فترة طويلة .. حتى وقعت رناد في غرامه .. إلا أن قصي لم يخبرها أبداً بأنه يحبها .. مثلما فعل تماماً مع روان .. كلاهما قال لهما أنه معجب بهما .. ولم يقل أبداً أنه يحبهما .. إلا أنهما فهما أنه يحبهما .. وكانت تلك مشكلة لم يحسبا لها حساباً ..







بعد أسبوعكان الموعد لينهي كل علاقاته ..

نوف .. ما زالت تتصل كل يوم باستمرار ..

روان .. تعلقت به كثيراً .. وأحبته ..

رناد .. تطورت العلاقة .. وأصبحت تحبه بحق .. بكل عقلها ..

وكان عليه أن ينهي هذه العلاقات .. فسوف يسافر إلى فرنسا ليمضي فيها أسبوعين .. قبل بداية الدراسة التي كانت على وشك البدء .. وحينها سيكون مشغولاً .. ثم إنه مل .. فوقته كله يضيع بينهن .. وبدأ الواحدة تلو الأخرى ..



اتصل على نوف .. لم تصدق هذه الفتاة .. أن قصي أخيراً رد عليها .. قال لها : نوف ..

قالت له : قصي .. يجب أن نتحدث ..

قال لها بنعومة وبصوت دافيء : نوف أنا آسف .. ما كنت أقصد يا نوف ..

صمتت نوف .. ثم قالت : قصي .. من ذلك اليوم لم أخرج إلى السوق مرة أخر .. أقسم لك ..

قال لها بعد صمت : نوف .. يجب أن أخبرك الحقيقة ..

قالت نوف باستغراب : أي حقيقة ؟

قال لها : نوف لن تصدقي ..

قالت له : قصي .. أقلقتني ما الأمر ؟

قال لها : نوف .. لقد أنهيت العلاقة بك .. لسبب خارج عن إرادتي .. ولكني ما كنت أريد أن أظلمك وأنهي العلاقة بهذه الطريقة البشعة .. ما كنت أقصد يا نوف صدقيني ..

قالت له وهي منفعلة : ما الأمر ؟

قال لها : نوف .. أنا .. مريض ..

نوف توقفت .. ولم تعرف ما تتكلم ..

قال لها : أنا مصاب بمرض خطير يا نوف .. سأسافر .. إلى فرنسا .. لأجري عملية خطيرة .. في الحبل الشوكي .. وقد لا أعيش .. لذلك أريد أن أنهي هذه العلاقة .. لا أريدك أن تتعذبي بعد موتي ..

صمتت نوف .. ثم قالت : قصي .. هل تمزح ..

فقال لها : وهل اعتدت أن أمزح معك يا نوف .. في مثل هذه الأمور ؟أنت أكثر إنسانة تعرفني حقاً .. هل تشكين مرة بأني قد كذبت عليك ؟قولي لي مرة واحدة ؟نوف .. هل آتي لك بالتقارير كي تصدقيني .. حرام عليك يا نوف حرام ..

وهنا لم تستطع نوف أن تستحمل .. فقالت وهي تبكي : أصدقك يا قصي .. والله أصدقك .. ولكن .. كيف يحصل هذا .. هذا غير ممكن يا قصي .. مستحيل أن ننهي قصة حبنا بهذه النهاية .. لا بد أن نقانل حتى النهاية .. لا أستطيع .. لن أستطيع أن أنسى كل الذي بيننا بمكالمة تلفون واحدة ..

ولكن قصي لم يدع لها فرصة لإكمال ما تقول فرح يقول لها : إنه الوداع .. يا أجمل من عرفت في حياتي ..

قال له وهي تبكي : ولكن يا قصي .. حسناً .. ماذا لو نجحت العميلة ..

قال لها : إن نجحت العملية .. فقد أكون مشلولاً رباعياً .. أو أكون قد فقدت بصري وسمعي ..

نوف لم تعرف ما تقول ظلت تبكي .. وتبكي .. وهي تقول كلاماً غير مفهوم .. أما هو فقال مكملاً بنفس التراجيديا : سأمسح جوالي هذا .. ولكن تذكريني يا نوف .. أني أحببتك من كل قلبي ..

ولكن نوف تقول له : أرجوك يا قصي .. اسمعني ..

فقال لها وكأنه لا يسمع : الوداع يا قلبي .. الوداع ..

وأقفل سماعة الهاتف ..





وقد يقول أحد ما أن أهذه الفتاة غبية لهذه الدرجة ؟لا إنها ليست غبية ولكنها عمياء .. عمياء الحب .. ومن يكون في موقف نوف .. ويسمع الكلام ممن أحبته بأذنيه .. سيعذر بالتأكيد نوف .. سيعذر هبل الحب الذي أصاب نوف .. وعلى كل .. فعلى الرغم من بساطة الطريقة .. إلا أن إقفال هذا الجوال .. بل وحذفه من الخدمة واستبداله بجوال آخر .. أمر في غاية السهولة .. سينهي أمر نوف من حياته .. إنها فتاة عادية .. ولا تستحق أكثر من أسلوب عادي لإنهاء العلاقة .. ولكن بعد أن ينتهي من الأخريين ..



ولكنه بعد أن أنهى المكالمة .. جلس قليلاً ثم أحس بآلام لا حصر لها في صدره كلها .. وأحس أنه يختنق .. ودخل الحمام .. وفتح الماء البارد على رأسه .. وأخذ يكح ..

وامتلأ البانيو بالدم .. بلون أحمر .. وراحت أنهار وردية تمشي في بطء بعد أن اختلط بالمياه .. هكذا هي عادته .. بعد نهاية كل علاقة ينهيها .. كثير من الألم .. كثير من الدماء ..

وأقفل جواله لمدة يومين .. لم يستطع فيها حتى أن يرد على روان .. أو حتى رناد .. وكان الدور آتياً على رناد ..

وكان لا بد له أن ينهيها .. اتصل على رناد التي قالت له : قصي .. أين كنت ؟لقد قلقت عليك جداً ..

قال لها بصوت مليء بالسعادة : رناد .. أنا أسعد إنسان على وجه الأرض .. أنا جداً سعيد ..

فرحت رناد وقالت : أفرحني معك .. وقل لي ماذا حصل ؟

قال لها : أخيراً .. رجعت روان لي .. أخيراً يا رناد ..

أما رناد فصعقت .. ولم تعرف بم ترد .. أصابتها خيبة أمل بلا حدود .. وأحست أنها تتلاشى في هذا العالم .. ولكنها تماسكت وقالت ببرود : جيد .. الحمد لله أنكما عدتما لبعض ..

كانت تعلم أن قصي لم يقل لها أبداً أنه يحبها .. وأنه في كل مرة يتكلم عن روان ثم يقول .. يجب أن أنساها ..

وأعيش حياتي الآن .. ولكنها ما توقعت أن العلاقة ستعود .. حتى إنه قال لها كلاماً كثيراً .. لم تسمع منه حرفاً واحداً .. ثم قال لها : سأسافر إلى فرنسا قريباً لأشتري لها من هناك فستان زفاف ..

لم تعرف رناد بم ترد .. كانت تحاول أن تستعيد قوتها التي خانتها أخيراً .. وذكاؤها التي طالما فرحت به .. وعقلها الذي اعتقدت أنه يوزن بالذهب .. ولم تعرف أن واحداً مثل قصي سيكسر شوكتها القاسية ..

وكلنها قالت : الله يسعدكم ..

فقال لها قصي : أراك على خير يا أعز صديقاتي .. ولكن اعذريني فبعد زواجي .. لن أستطيع أن أتحدث معك ..

لأني سأكون مشغولا بالتأكيد بزوجتي الحبيبية .. وأنا فقط جلت لأشكرك على كل شيء .. سأذكرك إلى آخر يوم من حياتي .. أروع إنسانة يا رناد ..

أما هي فتمسكت بآخر ما لديها من قوة وهي تقول :لا عليك .. لم أفعل شيئاً يذكر .. أراك على خير ..

ثم عمدت إلى إنهاء المكالمة بهدوء .. حتى لا يظهر ما كان يخبئ قلبها .. ثم وراحت دموعها تناسب من فوق خديها .. بكل الألم .. ولكن بدون صوت ..



أما قصي .. فلا داعي أن نصف المشهد البشع الذي تنتهي به كل علاقة .. ومضي يومان آخران .. وهما جاء دور روان فكر قصي كثيراً .. كانت روان وحدها دون غيرها مختلفة عن الباقين .. ربما لو كان قصي منذ زمن .. كان سيكون كل شيء مختلفاً .. ربما لأحبها بالفعل .. إنها إنسانة طيبة وعادية .. ولكن العادة .. والشهوة السادية التي كانت لديه .. تطغى على صوت العقل .. كانت رغبة فيه .. لم تستطع توسلات قلبه .. أن تسيطر عليها .. بل إن هذه الرغبة الشيطانية الدفينة فيه .. تحولت إلى مارد عملاق .. أخرج كل طاقاته .. حتى لم يستطع قصي أن يقاوم ما سيفعل ..

كان قد تركها بدون اتصال لمدة 4 أيام .. بعد أن كانت تسمع منه في اليوم على الأقل مكالمة أو حتى رسالة بالجوال .. اتصل بها أخيراً .. وهذه المحادثة بحق .. تعتبر أفضل نهاية أنهى بها قصي علاقته مع فتاة .. انسى نوف .. وكذلك رناد .. واستمع ..



قال لها : روان .. كيف حالك ؟

قالت وهي مهللة الأسارير : قصي .. أهلاً .. لقد قلقت عليك .. أين كنت ؟

قال لها : روان .. أعلم أنك غاضبة مني .. ولكن بصراحة .. أريد أن أتحدث معك في موضوع مهم ..

قالت روان بتساؤل : قصي ما الموضوع ؟أربعة أيام .. لم أسمع منك شيئاً .. قلي أرجوك ..

قال لها : روان .. وقبل كل شيء أريدك أن تسمعيني إلى النهاية .. وأرجو منك ألا تقاطعيني .. فستسمعين مني كلاماً لأول مرة قد تسمعينه .. وأنا أعي كل كلمة قلتها .. لقد جلست هذه الأيام الأربعة .. فقد لأقول لك ما أود قوله الآن ..

قالت روان وهي تحس بالخوف : أنا أسمعك ..

قال لها : روان .. ذلك اليوم .. لم أعرف لمَ لم أقل لك كل هذا الكلام .. كنت أريد أن أوضح لك .. ولكن الكلمات انعقدت بلساني .. روان .. أنا .. أنا إنسان وحيد جداً .. على الرغم من أصدقائي الكثر .. وعلى الرغم من أني أخرج باستمرار .. وعلى الرغم من حياتي المشغولة .. إلا أني أحس بوحدة غير عادية .. وإن كنت تريدين الصراحة .. كنت وحيداً منذ زمن ليس باليسير .. في وسط أهلي .. هل تعين ما أقول ؟أنا يا روان .. إن مت فلن يبكي علي أحد .. أو يطرف له جفن ..

قالت روان بألم : لم تقول هذا يا قصي ؟

قال لها : روان .. أنت لا تعلمين .. عشت في حياتي أياماً عصيبة .. حتى قابلتك يا روان .. وتغيرت حياتي بأكملها .. روان سأخبرك .. لأنك فتاة غير عادية بكل المقاييس .. سأخبرك لأنك الأنثى الوحيدة التي أظنها قادرة على فهم ما أقول .. لأنها الأنثى الوحيدة التي ستفكر بقلبها وعقلها معاً .. سأخبرك لأنك الوحيدة التي من الممكن أن تفهمني جيداً .. لأنك الوحيدة التي يمكن أن أأتمنها على ما لا آمن عليه أحداً في العادة .. روان .. أنت إنسانة غير عادية .. تكفيني طيبتك .. ورقتك .. وخفة دمك .. روان .. صحيح أنك لست أجمل فتاة رأيتها في حياتي .. ففي التلفاز فتيات كثار .. لا تستخفي بعقلي وكلامي .. فانا أحب الصدق .. ولكنك في عيني ملاك بأجنحة وردية .. يطير في دنياي .. ويجعلها نسائماً .. وينثر عليها وروداً .. روان هل تسمعينني ؟

أما روان فقد كانت قد ذابت في سحر كلماته .. فقالت : نعم أسمعك ..

قال لها : روان .. بعد أن تعرفت عليك .. أصبحت حياتي مختلفة .. أصبح لي طموح أعيش من اجله .. صار لي وقت أكافئ به نفسي .. حين أتحدث إليك .. هل أخبرك بأمر على ألا تسخري مني فيه ؟

قالت : ما هو ؟

قال: كثيراً .. وبينما أنا أجلس مع نفسي .. أقول .. روان .. روان .. أنت لا تعلمين كم اسمك ساحر ولطيف ورقيق .. به شيء لا أستطيع وصفه بالتحديد .. ولكنه بالفعل يجلب لي سعادة كبيرة وأنا أقوله .. أحس أني حين أتحدث إليك .. أنك تفهمينني قبل أن أتكلم .. يكفيني .. أنك أكثر إنسانة طيبة في حياتي .. يكفيني أك لم تكلمي أحداً غيري قبلاً .. " وعند هذه أحس قصي بنار تخترق ضلوعه .. أحس أنه يكاد يتقطع من الوجع .. أحس أن جلده يكاد يتساقط عنه .. ولكنه أغمض عينيه .. وراح يكمل .."

: روان .. أنت ملاك ..

قالت روان وهل تحس أن الدنيا بها تدور : أنت لأول مرة تقول هذا الكلام .. ثم إن الموضـ .. .

قاطعها وقال : روان .. ليس هذا كل ما أود قوله .. هناك أشياء أخرى .. لا بد لي أن أوضحها .. يجب أن أخبرك بموضوع هام .. والفرصة لا تأتي كثيراً .. وشجاعتي تخونني دوماً .. كنت أريد أن أقول لك هذا في الشراع .. ولكني لم أستطع ..ولكن إما الآن .. وإلا فسوف أصمت إلى الأبد .. وأنا لا بد أن أخبرك ..

صمتت روان وهي تسمع .. فتابع : روان .. أنا لازلت طالباً في كلية الصيدلة .. وبقي أمامي حوالي أربع سنوات .. وربما أكثر حتى آخذ الماجستير الذي لن أرضى بديلاً عنه .. وأنت فتاة جميلة .. مليئة بالفتنة والحيوية .. في عمر الزهور .. بل أنت كل الزهور .. أجد نفسي مذنباً أن أتركك هذه السنوات وأن أربطك معي .. روان .. إني أتكلم معك حديثاً .. لا يمكن أن أقوله لأي بنت لأنها لن تفهمه أبداً .. أما أنت .. فأعلم أنك على الأقل تفهمين ..

روان .. في الحقيقة هناك شيء لم تعرفيه عني قبلاً .. وبصراحة .. لن أستطيع أن أخبرك به أبداً .. فهذا الموضوع سر كبير في حياتي ..

"لا أدري لم يحب البنات الشخص الغامض المليء بالأسرار .. قصي هنا لم يقصد أن يتكلم عن سره .. ولكن مجرد سر .. أي سر "

قالت : ألا تستطيع أن تخبرني به ؟

قال لها : إن أخبرتك به .. لن فسوف تنتهي حياتي كلها .. حينها يجب أن لا أذكرك حتى في خيالي .. بل لن أبالغ إن قلت لك بأني سأترك كليتي لأذهب إلى أي مكان .. إن قلت لك السر .. فسأحرق كتاباً رودياً .. كتاب لا أمل منه أبداً .. كتب على غلافه بأحرف من ذهب .. روان ..

قالت روان .. وهي مختنقة : وتنساني ..

قال لها : روان .. لا أستطيع أن أخدعك .. أنت أروع فتاة .. يمكن أن يعرفها إنسان .. ولكنك على الأرجح ستقابلين شخصاً أفضل مني بكثير .. أنت عرفت كثيراً من الأشياء عني .. ولكني أخفيت عنك أشياء أخرى كثيرة .. كنت أخفي الجانب الذي لا أحب أن يراه أحد .. لذلك مهما قلت لك .. فهناك شخص أفضل مني .. وليس هذا بمعنى أني شخص سيء .. ولكني حقاً أريد سعادتك .. روان .. إن تزوجت شخصاً ما .. سأكون حزيناً جداً .. ولكني راض .. على الأقل .. سأعلم حينها .. أن هذا الشخص سيعطيك أكثر مما أستطيع أنا .. لأنه سيكون أفضل مني بالتأكيد .. وحينها سأكون سعيداً لأنك سعيدة ..

قالت وصوتها مختنق بالدموع : قصي .. ولكني مستعدة لأن أنتظرك ..

قال لها بجزم : لا يا روان .. لا أستطيع أن أعيش سنتان من تأنيب الضمير .. وأنا أرى زهرة شبابك تذبل .. وأنت تنتظرين في النهاية شخصاً مثلي .. أنت .. أنت لا يستحقك إلا أمير أو فارس مغوار .. لا شخصاً مثلي .. صدقيني أنت تستحقين شاباً أفضل مني ..

قالت وصوتها مليء بالبكاء : ولكني أحبك يا قصي ..

قال لها بصوت كأنه كان ينتظر كلماته ا:وأنا ..

" ومرت أخرى .. أحس قصي بقلبه يكاد يخرج من صدره .. وراحت ضرباته تزداد بعنف لم يألفه قبلاً .. أحس أنه يتعذب .. أحس أن أحداً يهوي عليه بمطارق فولاذية .. على رأسه ويهشمها .. ولكن كأنما إحساسه وقلبه .. كيانان منفصلان تماماً .. فتابع كما كان مخططاً له ..

بتر كلامه وقال بعد ثواني بشيء من العصبية : لا .. لا .. لست أجروء على أن أقول كلمة كهذه .. لست أجروء أن أتفوه بما لا أستحقه أساساً .. ولن أقولها أبداً .. ليس لأني لست كذلك يا روان .. ليس إلا أني بذلك أكون قد فعلت الصواب الذي لا يعذبك .. فعلتها .. وأنا أموت من الألم ..

ولكنها قالت ببكاء : ولكني يا قصي أحبك .. ولن أحب أحداً سواك ..

قال لها : روان .. أرجوك لا تكملي .. روان أنا لا أستحق هذه الكلمة .. وحاولي أن تفكري أن كل ما تكنينه لي ,,

كان مجرد استلطاف .. مجرد تقدير . مجرد معزة .. فأنت أميرة هذا الزمان .. روان ..

وهنا وصل قصي ذروة الألم .. ثم أخذ قصي يكح في عنف بالغ .. وتناثر الدم على الأرضية الرخامية في الصالة ..

وكانت روان تهتف هناك : قصي ما بك ؟

ومضت لحظات من الصمت .. كان قصي خلالها يلهث من التعب .. وقطرات العرق تنحدر من جبينه ..

ثم رجع للهاتف وقال وهو مرهق بالفعل :روان .. أنا أستطيع أن أقبل أن أكون صفحة صغيرة من حياتك .. رغم أنك أضخم مجلد في حياتي أنا .. أرجوك لا تقولي شيئاً .. فقط إن كنت أشفقت علي .. أريد أن اطلب شيئاً واحداً ..

كانت روان تسمع وهي تبكي ..

قال لها : أريد فقط أن تذكري أن هناك إنساناً .. تهمينه كثيراً في هذه الدنيا .. وأنا أتمنى لك السعادة الأبدية مع زوجك .. وصدقيني سأكون أسعد شخص في الدنيا .. إن تزوجت من يحبك بحق .. ويعرف قدرك مثلما أنا أعرفه على الأقل ..

أما روان فكانت لا تتوقف عن البكاء .. فقال لها : سأمسح رقمي هذا يا روان إلى الأبد .. إلى اللقاء يا روان .. إلى اللقاء يا من أحببت ..



وأقفل قصي الجوال .. ثم راح يستند بالنافورة الرخامية .. وأخذ يكح .. وقطرات الدم تتناثر هنا وهناك .. لقد قال اليوم أشياءً كثيرة .. وكان من ضمنها ما هو صحيح .. وحدته المميته .. وحتى أمنيته أن تجد روان من يحبها بحق .. كان يقول هذه الكلمات بصدق .. من كل قلبه ..

وبأصابع مرتجفة .. وأنفاس لا تكاد تسمع ..اتصل على هاتف منزله .. ردت عليه والدته .. فقال لها : أمي .. أنا .. أنا .. مرهق جداً ..

وغامت الدنيا من بين عينيه .. وسقط على الأرض .. وسط قطرات الدم الامعة ..
^_^ تومي!
^_^ تومي!
نهاية الجزء الثاني ..





كالملاك هي .. وقعتها على الأرض .. نسيم الورد .. وقسماتها .. تحاكي .. أروع مناظر الطبيعة جمالاً ورقة وأنوثة .. طاهرة كينبوع من النور .. رقيقة .. كسحابة بيضاء ..

إنها "فرح العسل" ..

بطلة الجزء الجديد .. وهو الجزء الذي لم يكن موجوداً في الرواية الأصلية ..



ترى أين سيكون موقعها من قصة الخبير ..



إنها ...........................


الجزء الثالث

الفصل الأول

"فرح العسل"


فرح ..
طالبة في الصف الثالث الثانوي ..
إنها ليست فاتنة في شكلها .. ولكنك تحس بأشياء كثيرة جداً للوهلة الأولى التي تراها فيها .. تحس براحة غريبة تتسرب إلى نفسك في لطافة .. تدهشك حقاً براءتها المتناهية .. التي تلوح في عينيها السوداء صفاء بلا حدود .. وعندما تضحك .. تصغر عيناها في جمال ممتع ساحر .. يجعل النظر فيها .. فرصة نادرة .. تستحق إسعادها بأي شكل كان .. وجهها المستدير الوضاء يناسب تسريحة شعرها الأسود القصير .. الذي يرقص كما ترقص السيدات الراقيات .. بكل هدوء وكثافة .. ينساب من بين كتفيها في نعومة فائقة .. ونغزة صغيرة في ذقنها .. تجعلها أكثر طفولة وبراءة ..
وإذ ما دققت النظر في شفتيها .. أحسست بأن الكرز قد نبت من شفتيها لامعاً .. تخلبك ابتسامتها الطيبة .. وكأنها ملاك وردي .. منزهة من الآثام والأخطاء .. حتى أخطاؤها .. تريد أن تبحث لها عن أي عذر .. إنها ناعمة .. وتستحق لقب أنثى عن جدارة واستحقاق ..
صوتها .. صدق .. أنك ستتمكن من سماعه من جسدك كله .. حتى إنه يعبر الجدران والحدود كلها كأنها عزف لوتر قيثارة سحرية ..
وجسدها مثالي في درجة ما بين النحول والامتلاء ..
ورغم ذلك تدهشك الهالات السوداء التي تبدو جلية في كثير من الأحيان عندما تنزع تلك النظارة الرقيقة .. التي لا يحدها برواز ما .. تكسو محياها كلما رأيتها وحدها سمات الحزن الشفاف .. مع أنها تبتسم كلما طالعتها ..
تحادثها .. فتجدها مهذبة بعفوية .. تنقصها الخبرة في تعاملاتها .. بل ينقصها فعلاً .. سوء الظن .. والنظرة السلبية .. والواقعية التي تمكنها من العيش في زمننا .. ولكنها ليست غبية .. يمكنها أن تفهم وتتعلم .. ولكن الأذكياء الذين عاشروا الحياة .. يلقبون هذا النوع من الناس بـ ساذجة .. كم هو عجيب منطق البشر .. منطق يحاول أن يقلل من شأن الآخرين دوماً .. إذ ما كان متفوقاً عليهم .. وصدقوا أننا لو فتحنا قلوب الناس .. لرأينا بجلاء .. كم الحسد يملأ النفوس .. وكم احتقار النفس يكاد يخنقها ..





فرح
تعيش في بيت والدها .. الأستاذ : "أيمن العسل" .. رجل بسيط من عامة الناس .. حقق حلمه في الحياة .. بتوفير الحياة الكريمة لأبناءه .. وبالمستوى المعيشي المناسب .. لتربية أسرة لا ينقصها إلا ما يزيد عن حاجتها ..

أختها الكبيرة .. "منى" .. تزوجت بعد الثانوية العامة .. وسافرت مع زوجها إلى الرياض .. ليعمل في إحدى أهم شركات الإلكترونيات هناك ..
أما أخوها الكبير "محمد" .. فيعمل في شركة الهاتف .. بعد أن تخرج من كلية الاتصالات .. وله صفقاته الصغيرة من عالم العقارات التي أقحم نفسه فيه .. يعيش معهم في ذات المنزل .. ولازالت والدة فرح حتى الآن .. تحاول أن تبحث له عن عروس مناسبة .. ولكن يبدو أنه يريد أن يكون أرضية صلبة .. وأن يكون عصامياً مثل والده .. ليبني حياته ومستقبله .. متناسياً .. أن الوقت الآن غير الوقت زمن والده .. وأنه لو حفر في الصخر .. لا بد أن يبدأ صغيراً في وسط عمالقة المستثمرين الذين يأكلون الأخضر واليابس .. ويكنزون المال .. ليساهموا في تسريع عجلة التضخم التي طالت السعودية في السنوات العشر الأخيرة ..
وبقي أن نتحدث أخيراً عن أختها الصغيرة ريم .. التي مازالت تدرس في المرحلة المتوسطة .. في بداية المرحلة لتكوين الشخصية .. واتخاذ قراراتها المتفردة .. لتثبت .. أن لها كياناً مستقلاً وشخصية حقيقية ..



ذلك هو ملخص مختصر .. لفرح العسل .. يحكي مجتمع حياتها في أسطر قلائل ..











رن جرس الحصة الأخيرة من هذا اليوم الدراسي .. جمعت فرح كل كتبها .. ورتبتها في حقيبتها القماشية البيضاء .. ذات الأحرف اليابانية المزخرفة .. ثم طالعت فيها "عبير" وقالت لها : هيا أيتها السمينة سوف نتأخر ..

نظرت لها فرح بتعب .. وقالت وهي ترفع حاجبها متصنعة قوة لا تليق بها : أنا السمينة .. أم أنت ؟

ضحكت عبير .. وهي تلكزها في وسطها وتجري مسرعة قائلة : بل أنت يا أرز أبو سيوف ..



ولكن فرح لحقتها بسرعة .. لتمزح معها .. وكيف لا تلحق بها .. وعبير فتاة مكتنزة؟! بل إنها تحتاج الكثير من الوقت .. والكثير من الجهد .. حتى تستطيع أن تنزل وزنها .. لتكون مؤهلة .. لكي يُنظر في أمرها كزوجة .. ولكن المحاولات التي قامت بها باءت بالفشل .. إنها تلك النوعية من البشر .. التي من السهل عليها أن تكتسب وزناً في مدة قياسية .. وتستغرق الكثير .. والكثير جداً من الوقت .. حتى تخسره ..

تتحلى بخفة دم كبيرة .. ولسان لا يعرف الهدوء .. ولطالما عاقبتها المعلمة على حديثها في الفصل .. بل إنها في أحيان تتكلم وهي نائمة ..

ولو كانت عدسة تلتقط صورتها لكانت ركزت كثيراً على عينيها الفاتنة الكحيلة .. ورموشها الطويلة .. ربما .. تلك كانت الحسنة الوحيدة .. ولفتة الجمال الوحيدة التي في هذه الفتاة .. فوجهها الكبير .. وشفاهها المنتفخة .. وأنفها المفلطح .. لم يكونوا في يوم من الأيام مصدر إثارة مشاعر .. لأي شاب تعرفت عليه .. وربما لذلك كانت تفضل اللثمة .. حتى تبرز أجمل ما فيها ..

إنها تعرف شباباً ؟ نعم .. إنها تعرف بعضاً منهم .. ولم يكن هذا إلا لظرافتها .. وفكاهة الحس الذي تملكه ..



وكانت عبير .. صديقة تعرفت على فرح منذ سنتين .. حين اكتشفت والدة فرح أن ابنة الجيران والتي هي عبير .. تدرس في نفس مدرسة فرح الثانوية .. ومن هنا كان التعارف .. وخصوصاً أن فرح وعبير في فصل واحد .. ساهم فيه تقارب الأحرف في الترتيب الأبجدي .. ثم اتفق الأهل على أن يوصلهما سائق واحد .. فأم فرح كانت لا ترضى .. أن تذهب ابنتها مع سائق وحدها .. وكان أبوها يوصلها كل صباح .. ويأتي ليأخذها في الظهر .. وأحيانا أخوها محمد .. في حين كان أنه كان أمراً مقبولاً لدى عائلة عبير ..



خرجت عبير من المدرسة كعادتها سافرة الوجه .. ولكن فرح .. كانت قد لبست "الغطوة" التي صارت معروفة لدى الكثير من البنات المحافظات .. وعبير تقول لها : ألا تكفين عن ارتداءك للبس النينجا .. يا بنتي لقد قلت لك .. لن ينظر لك شاب وأنت هكذا .. لا تكوني عقدة ..

ولكن فرح لم ترد عليها .. لقد اعتادت منها هذا الجدال الذي لا يقتنع فيه أي الطرفين ..

ولكن عبير لم تسكت وقالت : فرح .. فقط هذه المرة .. فقط هذه المرة اكشفي عن وجهك ..

ولكن فرح طالعت فيها من خلال نظارتها وقالت : لا تفكري حتى بالأمر ..

وراحت على ملامح عبير تبدو خيبات الأمل وهي تقول : تلك كانت الفرصة الأخيرة ..

فقالت فرح : الفرصة الأخيرة لماذا ؟

فقالت عبير وهي محبطة وراحت ترفع صوتها : لا يهم ..

وما هي إلا دقائق .. وكان السائق الماليزي يوقف سيارة كبيرة من نوع هوندا ..أمام باب المدرسة ليصعد البنات .. وقبل أن يدخلن في السيارة .. أصدر جوال عبير رنيناً لأغنية أليسا الأخيرة .. فردت بسرعة وقالت : "سعود" ..

تغير وجه ملامح فرح .. وهي تنظر لها .. ثم أشاحت بوجهها .. وركبت السيارة .. أما عبير فكانت لا تزال تتكلم : أسرع .. أنا في السيارة الفضية .. بلى .. إنها هوندا أيها المحتال ..

وركبت السيارة .. ومن خلفهم كنت أصوات المنبهات تصرخ فيهم .. فصف السيارات طويل .. وما هي إلا ثواني .. وكانت فرح مع عبير .. والسيارة بهم تسير .. وعندما وصلت السيارة إلى الإشارة .. وتوقفت .. كان هناك بي إم من الفئة السابعة .. توقفت بجوار سيارة الفتيات .. من جهة فرح .. وكانت عبير قد وضعت اللثمة لتبدو أكثر جمالاً .. إنها المرة الأولى التي يرى فيها سعود عبير ..

لم تتحرك من مكانها .. وبقيت كأنها ثلج يأبى الذوبان رغم حرارة الجو .. ومدت عبير يدها بسرعة نحو زر النافذة لتفتحها ولكن فرح أبعدت يدها وقالت لعبير بحدة : ماذا تفعلين ؟

ولكن عبير لم تهتم لها .. وهي تتجاوز فرح وتفتح النافذة وقالت : يا الله .. اصمتي الآن ..

نظر لها سعود من سيارته .. شاب ممتلئ الجسد أيضاً .. بسكسوكة عريضة .. ووجه محمر قليلاً .. ربما كان من الشمس .. وعلى ظهره راح يبدو الصلع قليلاً .. كان يلبس ثوباً أبيضاً .. مفتوح الياقة .. وابتسامة تعبث فيها الشياطين .. ثم قال لها : أخيراً .. رأيتك ..

ولكن من يدقق في ملامح سعود قليلاً .. يرى خيبة الأمل .. ويفهم .. أنها ربما المرة الأولى والأخيرة التي سيقابل فيها عبير السمينة .. يبدو أنه شاب يبحث عن أنثى جميلة .. تفيض جمالاً .. أو حتى تفيض مالاً .. كلاهما وجهان لعملة واحدة ..

ضحكت عبير .. ثم قال لها : وما بها صديقتك ؟ لم تبدو غاضبة ؟

ضحكت عبير مرة أخرى وقالت : إنها "أم الهول" ..

فقال سعود : لقد ظننت أن النينجا اختفوا من السعودية .. ولكن يبدو أنهم عاودوا الظهور ..

كانت فرح .. تكاد تنفجر من الغيظ .. ولكنها ليست تلك الشخصية القوية التي تستطيع أن توقف عبير .. ليست بتلك القوة التي تستطيع أن ترد بها على شاب مثل سعود .. وليست لها حيلة إلا الصمت .. حتى لا تدع مجالاً للكلام .. وإنها طريقة فعالة وناجحة للغاية في صد الشباب خصوصاً اللحوحين منهم ..

ولكن عبير شجعتها كلمات سعود .. وتسلطها على شخصية فرح .. وراحت تقول لها : هكذا .. أتيت لنا بالكلام ..

ومدت يدها لتسحب غطوة فرح .. وهي تظن الأمر مزحة .. ولكن فرح ردتها في قوة .. وكانت الإشارة قد فتحت .. وما بين صراع ما بين البنتين .. كانت السيارة تتحرك .. وسعود ينظر في استخفاف على عقول البنات الصغيرة .. وسقطت غطوة فرح .. ولكن الجيد وربما المصيبة .. أن سعود لم يلمح سوى جزء بسيط من فرح ..

وللحظة .. انبهر .. وللحظة .. ومضت في عقله مشاعل نارية .. وفي لحظة راحت رغبة التملك تنمو لدية كشجرة زقوم .. تنمو بسرعة خرافية .. لا .. إنها فتاة .. لا بد أن أحصل عليها .. إنها نسخة لم أرى مثلها قبلاً ..

وراحت ابتسامة أفعوانية ترتسم على شفتي سعود .. وراحت في عقله تسير الأفكار والخيالات لتكون أبعد ما يكون عن النبل والطهر .. وأقرب ما يكون إلى الدناءة والحقارة ..



ترى متى يفهم جنس البنات .. أن من يرقم .. ومن يغازل .. ومن يلعب بقلوب الفتيات .. لا يريد إلا أن يلهو .. وبأنه لن يفكر في الحب أبداً .. متى يفهمن .. أن جنس الرجال .. ليسوا كجنس البنات اللواتي قد يقتنعن بحب صادق فقط .. متى يدركن أن الرجال .. لا يملأ أعينهم إلا التراب .. متى يدركن .. أن المبتذلة .. السهلة .. الرخيصة .. ستكون علكة يلوكها الواحد تلو الآخر .. حتى يمتص ما بها من سكر .. ثم يبصقها دون أن يهتم في أي حذاء آخر تلتصق ؟

متى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟





أما في سيارة البنات ..

كانت فرح قد انكفأت على ركبتيها تبكي بحرقة .. وعبير قد توقفت ولا تعرف ماذا تفعل .. أحست بالذنب .. وأحست أنها فعلت ما لا يغتفر .. وراحت تقترب من فرح المسكينة التي أحست وكأن عبير قد هتكت عرضها بأكمله .. إن حجابها أغلى عليها من حياتها .. إنه ما تربت عليه منذ أن كانت صغيرة .. منذ أن كانت طفلة .. راحت عبير .. تعتذر منها وتقول : فرح .. والله كنت أمزح .. فرح .. والله .. سامحيني أرجوك .. ..........

ولكن فرح لم ترد عليها .. وراحت تبكي .. ابتعدت عنها عبير .. وأسندت رأسها إلى زجاج السيارة .. وراحت تبكي هي الأخرى .. وهي تقول في نفسها : ما كان ينبغي أن أفعل هذا ..

وراحت تطالع إلى الخطوط البيضاء في الطريق وهي تعبر واحدة تلو الأخرى .. ورأسها يبدوا فارغاً إلا من الهم ..

ثم التفتت إلى فرح وهي تمسح دموعها وتقول : فرح .. لن أكلم سعود مرة ثانية .. أهذا حل يرضيك ؟ فرح .. الله يخليك ردي علي .. لن أحتمل أكثر .. وراحت تبكي بصوت يقطع كلماتها ..

توقفت فرح عن الكلام .. وهي ترفع رأسها .. بعد أن تأكدت من أن غطوتها على رأسها .. وراحت تطالع الطريق وهي تقول : لم يكن ....

قاطعتها عبير وقالت : والله أعرف .. والله أعرف .. لم أكن أقصد يا فرح .. كنت أمزح والله امزح .. لم أكن أتوقع أنها سوف تخرج من مكانها ..

ولكن فرح قالت لها : تعلمين يا عبير .. أني لا أحب أن أمزح في هذا الموضوع .. تعلمين ..

اقتربت منها عبير .. واحتضنتها وقالت : سامحيني يا فرح .. ليس قصدي والله .. ليس قصدي ..

حزنت فرح لعبير .. وقالت : أتعديني ..

ابتعدت عبير عن فرح قليلاً وقالت : بماذا ؟

فردت فرح : بأنك لن تتحدثي مع سعود هذا مرة أخرى ؟

فقالت عبير بسرعة : نعم أعدك ..

فقالت لها فرح : فليكن ..





وانتهى طريق الاثنين دون أي كلمة من الطرفين .. وتوقفت سيارة السائق .. ونزلت منه البنتين .. وكل منهما تحمل في قلبها وجعاً باسم مختلف .. تلك بندم الخطيئة .. والأخرى بوجهها الذي لا حق لأحد أن ينظر فيه إلا أهلها .. صحيح .. أنها تكشف أمام أبناء عمومتها وأزواج عماتها في المناسبات العائلية .. ولكنهم يظلون من العائلة .. وليسوا من الشارع ..



ولما دخلت عبير غرفتها .. وبدلت ثيابها .. رجعت إلى جوالها .. ونظرت فيه .. كانت فيه 9 مكالمات لم يرد عليها .. وتفاجأت أنها كلها من سعود .. وبينما كانت تمسك الجوال .. أصدر نغمة أليسا مرة أخرى .. وراح اسم سعود يتوهج .. وراح كلمة "أعدك" ترن في أذن عبير لثواني .. وراح منظر سعود يعبر في عينيها .. ولحظة مرة عليها .. بسرعة خاطفة .. ليعلو صوت أليسا مزمار الشيطان .. أغمضت عبير عينيها وهي تضغط على الزر الأخضر .. وكأنما لا تريد أن تشهد بعينيها عزيمة نفسها تتهالك ..وانتصار فضولها .. وكأنها تعلن انهزامها .. وكأنها لا تريد أن ترى أنها قد أخلفت الوعد ..

عجيب أمر الناس .. عجيب .. أنهم في لحظة .. يقسمون بأغلظ الأيمان .. أنهم سيفعلون أمراً ما .. ولكن في ساعة الحسم .. تراهم يتخاذلون .. وينتصر في النهاية احتقارهم لأنفسهم .. ويسود ضعف النفس .. ورغبات النفس الخسيسة .. فوق الوعود والعهود .. وذلك الذي لم تحسب فرح حسابه .. ذلك الذي كان له قصة لن تنساها فرح ما حييت ..













ماذا سيحدث بعد ذلك ..

فرح ..

عبير ..

سعود ..



ثلاث أسماء جديدة لروايتنا .. ولكن السؤال المهم : ما هو دور الخبير .. وأين موقعه من القصة حتى الآن ؟
^_^ تومي!
^_^ تومي!
الجزء الثالث





وقبل أن أبدأ في أي شيء .. أريد أن أقول كلمة لتبقى هنا ومع الزمن ..

أريدها أن تبقى محفورة .. حتى لا تستطيع الذاكرة التي تنسى أجمل الذكريات التي لم تصور .. أو حتى تلك التي لم نلتقط لها صوراً ..

فقط أريد أن أقول : رأيت بداية حلمي الذي كنت أرقبه مذ أكثر من عشر سنوات يصبح حقيقة ..

وشممت رائحته الزكية .. وبقي لي أن يتحول الحلم حقيقية .. وألا يكون وهم سراب ..

ولكن إن كان وهم سراب .. فسوف يكون أجمل وهم مر في حياتي ..







الجزء الثالث

الفصل الثاني





كان سعود يجلس مع أحد أصدقائه في السيارة .. وفي يده جواله وهو يتكلم في صوت ناعم .. في صوت رقيق : عبير ، أعرف هذا .. ولكن لم يكن عليك أن ترفعي العباءة عنها .. كان لابد لك أن تحترميها ..

ردت عبير : أعرف هذا .. والله لم أكن أقصد يا سعود ..

وبصوت تستطيع أن تميز فيه النبرة المتصنعة والمتكلفة رد سعود : يعجبني فيها أن لديها مبدأً في الحياة .. ولكن سيكون من الرائع يا عبير أن نخرج سوية .. ونتحدث سوية .. أحب أن أتحدث إلى أصحاب الأفكار الرائعة ..

توقفت عبير ثم قالت : لا يا سعود .. إنها ليست من هذا النوع أبداً ..

فقال سعود : عبير .. سأخبرك بشيء جدي .. ولكن عديني ألا تخبريها بشيء .. إنه سر ..

وليس هناك أروع من الأسرار عند البنات .. وصدق إن قلت لهم أن ما سأقوله لكم سر .. فإنهن سيصغين .. ويستمعن .. فضول يقتل صاحبه في أحيان كثيرة .. لمجرد إرضاء شهوة فكرية ..

أنصتت عبير .. فقال سعود: اسمعي يا عبير .. لقد كان والدي يتحدث إلي .. وكان يخبرني أنه يبحث عن عروس مناسبة لي .. ولا أدري ولكني أحسست أن هناك شيئاً يربطني بتلك الفتاة يا عبير .. لا أعرف ما هو .. ولكني أحسست به قوياً ..

على الرغم من خيبة الأمل البسيطة على ملامح عبير التي ارتسمت .. إلا أنها كانت تدرك جيداً .. أن سعود ما كان يفكر فيها كزوجة .. وربما أنها سلمت أنه من المستحيل أن يكون هناك من يريد الزواج بها .. وأن كل الشباب الذين تعرفهم .. لا يريدون إلا التسلية وتمضية الوقت .. وهي قد فهمت هذا الأمر .. وصارت تحاول بقدر ما تستطيع أن تستمع به ..

غباء أن يقحم الفراش نفسه في النار ليصطلي من البرد .. أو حتى ليلهو .. غباء .. أن يوجد بنات يفكرن بهذه العقلية .. غير مكترثين لما يمكن أن يصيبهم .. غباء .. أن تحرق البنت سمعتها الذي لا غنى له عنها .. بيديها .. وبقرارها بهدف التسلية .. وتمضية الوقت .. غباء ترى متى ينتهي ؟

تابع سعود : المشكلة يا عبير .. أنا لا أعرفها كثيراً .. وبصراحة لا أستطيع أن أتزوج فتاة لا أعرف عنها أي شيء .. إنني حتى لم أرها .. لا أستطيع أن أقترن بمن لا أفهمها تفكيراً .. ربما لسنا soul mate .. رغم أني أحس أننا كذلك .. عبير هل تسمعينني ؟

ردت عبير بسرعة : طبعاً يا سعود .. أسمعك ..

وهنا رمى سعود بالمشكلة على عبير وقال : هل أستطيع أن أعتمد عليك في هذا الأمر .. لو استطعت إقناعها بالكلام معي على الأقل .. فقط لأرى عقليتها .. ربما ستكونين سبب سعادة أسرة ..

ثم ضحك سعود بنعومة لا تكون على طباع الرجال وقال : وسوف يناديك أولادنا بعمة عبير .. وسأقول لهم : هل ترون عمتكم عبير .. إنها التي جمعت بيني وبين والدتكم ..

ابتسمت عبير لهذه الصورة المشرقة عن المستقبل .. وازدادت ابتسامتها أكبر .. وهي تحس أنها تستطيع أن تقدم لصديقتها شيئاً رائعاً في الحياة .. وهي في الحقيقة .. ترضي رومانسية لم تستطع أن تعش دور البطولة فيها .. أحياناً نتحمس أن نكون طرفاً في قصة تكون نهايتها تلك النهاية التي حلمنا بها .. وتمنينا أن نكون نحن أبطالها .. ولكننا ولسبب أو للآخر لا نستطيع ..

قالت عبير : سأحاول ..

فقال لها سعود : سأنتظر منك رداً يا عبير .. وأنا متأكد من أنك ستقنعينها بطريقتك الخاصة ..



وبعد دقائق .. كان سعود قد أنهى مكالمته .. ثم التفت إلى صديقه .. الذي كان يقود السيارة .. غير مهتم كثيراً لسماع ما يقوله سعود إلى البنت .. فقال سعود .. وكأن ما يفعله مفاخرة .. ولكن بنوع من الاحتقار لجنس البنات .. تلك هي الأحاديث التي لا يعلم عنها الكثير من البنات شيئاً .. وربما يعلمون ولكنهم لا يصدقون .. وربما يصدقون .. ولكن لا يدركون : لن أرتاح حتى أتعرف على هذه البنت ..

ثم أمسك رأسه وفي تأثر واضح قال : والله قمر ..

التفت إليه صديقه بعد أن أشعل سيجارة رفيعة : أعجبتني حكاية السر هذه .. ضحك سعود دون أن ينظر إلى صديقه وقال : ليس هناك من أسرار عند البنات .. ستحاول أن تخفي الأمر .. وتظهره بطريقة أخرى .. تلك عادة أستطيع دوماً أن أستفيد منها ..

فقال صديقه : كيف ستتوقع أنها ستقنعها بعد أن أخبرتها أنها لن تحادثك مرة أخرى ؟

نظر إليه سعود بملل وقال : لا يهم .. ليس عندي الصبر وطول البال حتى أبدأ معها خطوة بخطوة .. ذلك زمن قد ولى ..

ثم نظر إليه وقال في لهجة العارف : لا شيء يؤثر في البنات بقدر صديقاتهن .. مفتاح البنات عند صديقاتهن .. أعرف الكثير من البنات اللواتي كنت أول رجل في حياتهن .. ولم يكن ذلك إلا عن طريق صديقاتهن .. لو أن لي بنتاً .. فإنني سوف أحرمها من الأصدقاء ..

نظر له صديقه بنظرة ساخرة .. ولم يعقب .. ومضت السيارة بهما تجوب الشوارع من الملل ..



وهناك كانت عبير تجلس في غرفتها الصغيرة التي تشاركها فيها أختها الصغيرة .. لتفكر كيف سوف تكون واسطة الحب بين سعود وفرح .. كيف ستكون حلقة الوصل .. وكيف ستجعل هذا اللقاء ممكناً .. ولم تدرك أنها تحضر لانتهاك الفضيلة .. لم تكن تدرك أنها سوف تكون بداية النهاية لامرأة .. لم تكن تعرف أنها سوف تبدأ بتمريغ الشرف في الرمل ..

إن أكثر ما يشعر النفس بالدونية والاحتقار .. أن يتنازل الإنسان عن قيمه وأخلاقه .. وليس مهما أن تكون في عرف المجتمع قيماً .. يكفي أن يشعر بها كقيمة ومبدأ في الحياة .. فقد تكون الشجاعة أحد هذه القيم التي تجعله يكون متهوراً ويلقي بنفسه في أحضان الموت حتى لا يفقد هذا المبدأ في حياته .. ويفقد احترامه لذاته ..

ولم تدرك عبير أنها تريد من فرح أن تفعل ذلك .. والأدهى والأمر أنها تظن أنها تفعل ما هو في صالحها ..



وراحت عبير تفكر فيما يمكن أن تفعل .. وراحت أفكارها بعيداً .. وذهبت إلى أفكار لا يفكر الشيطان بها .. لإيقاعها .. لمصلحة تظن عبير أنها سوف تكسبها فرح .. حتى لم تجد في النهاية من المحاولة طويلة الأمد .. ويبدو أنها كانت بارعة فيه جداً ..



بعد أيام .. وبعد أن صفت الأجواء أكثر ما بين فرح وعبير .. كانت الفتاتان في السيارة وكان الجو ساخناً إلى حد ما .. وهواء المكيف يصل إليهما إلا أن العرق يتساقط من وجوههن .. ثم بدأت عبير الكلام وقالت : فرح .. لماذا تظني يا فرح الشباب يتعرفون على البنات ؟ نظرت فيها عبير وقالت بتلقائية يبدو أنها حفظتها منذ زمن : للتسلية .. فنظرت فيها عبير نظرة ساخرة وقالت : من قال لك هذا الكلام الفارغ ..

اهتزت السيارة من مطب خفيف .. وراحت أشعة الشمس تمر على وجه عبير متقطعة بعد أن تقف أعمدة الإنارة في لتحول دون مرور الأشعة .. ورائحة الغبار المكتوم تهبط ثقيلة على النفس ..

لم ترد فرح وكأنها حشرت في زاوية .. فقالت : كل الناس تعرف هذا ..

فقالت عبير : ولكن يا فرح .. أنا أعرف الكثير من صديقاتي .. تزوجن بهذه الطريقة .. وهن في قمة السعادة .. وفي حالة من الحب الذي لا ينتهي ..

وراحت عبير .. تسرد القصص .. واحدة تلو الأخرى .. والحقيقة أن عبير .. سمعت أن فتاتين تزوجتا بهذه الطريقة منذ زمن بعيد .. وراحت تضخم الحدث بطريقة جميلة .. حتى تبدو براقة حلوة المذاق .. متجاهلة آلاف القصص .. وآلاف الضحايا .. والحكايات التي تخرج منها الدموع كالخناجر لتمزق القلوب .. غير مبالية بأصدقائها الحقيقيين الذين لم يتزوج منهم أحد بهذه الطريقة .. إنها حتى لا تعرف إن كانت هذه الزيجتين مستمرة حتى الآن أو لا .. وربما هذه هي الكذبة التي يكذبها الناس على أنفسهم ويريدون أن يصدقوها .. أن الزواج عن طريق التعارف .. أمر ناجح .. في حين أنه فاشل لأقصى حد ..



وبعد أن انتهت عبير من سرد الحكايات .. قالت فرح : ولكن لا .. يظل هناك الكثير ممن غدرن ..

واستمر الكلام بينهم في سجال .. حتى وصلا البيت .. ولم تتعمد عبير أن تفرط في الجدال .. لأنها تعلم أن فرح لن تقتنع بين يوم وليلة ..



ولكن عبير لم تترك فرح في حالها .. كانت تقص عليها الأخبار .. والحكايات .. وتجعل هذا الأمر في نظرها كأنه الحياة .. كأنه هو البداية الحقيقية للسعادة الأبدية .. وكان ينتهي الجدال في أغلب الأحيان إما بانتصار فرح .. وإما بسكوتها وإنصاتها لما تقول عبير ..



وبعد فترة ليست بالقصيرة .. لان رأس فرح أكثر من ذي قبل .. فأصبحت لا توبخ عبير كثيراً على مكالماتها مع الشباب أمامها .. وإن حاولت أن لا تكون موجودة .. وراحت تستمع إلى هذه قصص الهروب من المدرسة .. للقاء بشاب .. كقصص المغامرات أو القصص المصرية للجيب .. وإن كانت تنكر أحيانا ما يفعلونه ..

ورغم ذلك .. إلا أن فرح .. كانت تحس في قلبها بقبضة باردة تعتصر هذا القلب الصغير .. أحست بكره نفسها ولم تدري ما السبب ..



في هذه الفترة من حياة فرح .. كانت أسرة فرح قد لاحظت قليلاً من شرود فرح .. وإن حاولوا أن يعرفوا السبب .. كانت فرح في صراع ما بين الخير واشر .. كانت في معركة أزلية بين رغبات النفس ودوافعها .. وبين ما آمنت به ربما رغماً عنها .. وربما ما آمنت به ليكون النظرة الصحيحة والحقة للأمور ..





كان ذلك اليوم أربعاء .. ونهاية الدوام الأسبوعي .. كان للتو قد أعلن عن نفسه بانتهاء الحصة الأخيرة من الدرس .. حين ركبت كل من الفتاتان إلى السيارة .. ولم تمضي لحظات .. حتى قالت عبير وبدون مقدمات : فرح .. هناك شاب يود التعرف عليك ..

صمتت فرح .. ولم تعرف بم ترد .. صمتت وهي تزن بكفة ما عاشت مؤمنة به طوال سنوات حياتها .. وما بين ما كانت تشحذ به عبير رأسها كل يوم .. ورغم أنها رجحت ما تربت عليه بعد ثواني في عقلها .. إلا أنها فكرت فيه ..

فقالت فرح : عبير .. لست من هذا ..

قاطعتها عبير بقوة وقالت : إنه يريد التعرف عليك لأنه يبحث عن زوجة لتفهمه ويفهمها ..

قالت عبير هذه الجملة ودوت في رٍأسها المكالمة الأخيرة من سعود : كم خيبتي أملي يا عبير .. لقد ظننت صديقة وفية .. أستطيع أن أعتمد عليك في أمر بسيط كهذا ؟ أكل ذنبي أني كنت أريد أتزوج بامرأة تناسبني .. على كل حال يا عبير أقدر شكراً .. وآسف إذا كنت أزعجتك .. ولن أتعبك باتصالاتي بعد اليوم إن كنت ترينني ثقيل الظل ..

"تباً لك يا سعود .. لم أنت متعجل .. كان لابد لك أن تصبر قليلاً " كانت عبير تحدث نفسها بهذه الأفكار .. حين كانت فرح تقول لها : عبير .. هل تسمعينني ؟

التفتت عبير وقد أفاقت وقالت : ماذا ؟ أعيدي ما قلت لم أفهم ..

فراحت عينا فرح وعلى وجهها تقاسيم الإحباط .. وضربت بيدها على زجاج السيارة .. وقالت : لا أريد حديثاً في هذا الموضوع .. وِأشاحت فرح بوجهها إلى الجهة الأخرى .. غير مهتمة بكلام عبير .. وكأنما تنهي النقاش .. ومن النافذة .. كانت تطالع الخط الأبيض المرسوم وهو يتقطع في كل مرة .. ولكن عبير وكأنها بذلك ترمي حبلها الأخير .. وآخر كلمة لديها وقالت : إنه سعود ..

التفتت إليها فرح وأطلت برأسها التي لا يظهر منه إلا شريط رفيع لعينيها من وراء نظارتها التي لا يحدها برواز وقالت : من سعود ؟

فقالت عبير : سعود .. ذلك الذي ..

شهقت فرح وقالت : سعود ذاك ؟

فقالت عبير : لقد كلمني يا فرح أكثر من مرة .. وأنا لا أرد عليه .. وفي النهاية .. أرسل لي رسالة وقال بأن الموضوع هام .. فاتصلت به ..

كم نبرر لأنفسنا الكذب بأسباب واهية !

ثم تابعت عبير .. وعلى وجهها ملامح الجدية والانفعال وقالت : لقد قال لي .. بأنه أعجب بشخصيتك ومبادئك .. وإنه يريد أن يتعرف عليك .. حتى يستطيع أن يحدد إن كنت موافقة لتفكيره .. لأنه يبحث عن زوجة في الوقت الراهن ..

صمتت فرح .. وراحت الأفكار تدور في رأسها .. ولكنها قالت : لقد وعدتني يا عبير ..

فقالت عبير وهي تحرك يديها في انهيار : فرح لم أقصد ذلك .. ولكني ..

ولكن فرح لم تكن تنظر لها حتى .. كانت تنظر للطريق .. فتوقفت عبير عن الكلام .. ولم تزد كلمة .. أما فرح فكان عقلها في مكان آخر .. كانت تفكر في سعود .. وتقول في نفسها : أيمكن أن يكون فارس أحلامي ؟ أيمكن أن يكون الرجل الذي يكون لي أحلامي ؟ وراحت أفكار فرح تنمو وتنمو ..

أما تصرف فرح أمام عبير .. فهو تصرف تلقائي .. دون أن تفكر .. تصرف نابع من إحساسها أن ما تقدم عليه .. سيلقي بها في الوحل .. هكذا علمها أهلها .. ولقنوها هذه الدروس مذ نعومة أظافرها .. " لا تحدثي رجلاً غريباً .. لا تسمحي لظفرك أن يظهر .. البنت التي تعرف الشباب بنت سيئة " وغيرها من الجمل التي حفرت في أودية فكرها .. حتى صارت أفعالها مبنية على هذه التصرفات .. بدون أن تفكر .. إنها كما يقول علماء النفس .. انتقلت إلى مرحلة العقل اللاواعي ..



وبعد أن افترقت البنتان ..

كانت فرح قد دخلت بيتها .. عندما رأت أحذية جديدة .. ونور الصالون يتسرب إلى الخارج .. وأصوات ضحك تعلو بين أمها وصوت مألوف لديها .. تحركت بسرعة ودون أن تنزع عباءتها .. وعلى شفتها ابتسامة عذبة .. ثم اقتربت من الباب بحذر .. عل رجلاً غريباً يكون في الصالون .. وأطلت بسرعة برأسها .. ثم انشقت شفتاها عن ابتسامة كبيرة .. واندفعت نحو الصالون .. لتحتضن أختها منى .. تلك التي كانت تسكن في الرياض .. يبدو أنها أتت في زيارة لهما لبضعة أيام .. كان انتفاخ بطنها واضحاً ..

وجلست الأختان مع والدتهم .. يتبادلون الحديث .. ويتكلمون .. هنا قالت منى وهي تبتسم : يقولون أنك صرت شاردة هذه اليومين .. ترى الجميل يفكر في ماذا ؟

ابتسمت فرح ابتسامة خفيفة وقالت وعلى وجنتها توردت خوخة : لا .. لا شيء مهم ..

قالتها بطريقة يفتضح فيها الكذب .. ذلك أنها لا تعرف الكذب .. ذلك أن عذوبة فيها تجعل الكذب فيها بقعة سوداء تسهل ملاحظتها في وسط ثوبها الناصع البياض ..

لم يفت ذلك على منى التي راحت تربت على بطنها .. فقالت والدة فرح : ما هي آخر أخبار الـ"نونو" ؟

ابتسمت منى وقالت : بخير يا ماما .. كل شيء الحمد لله بخير .. أخبرتني الدكتورة أنه يتوجب علي .. أن أتناول الكثير من الطعام .. ابتسمت والدة فرح وقالت : هذا مؤكد .. لقد قلت لك هذا مرارا ولكنك لا تسمعين أبداً ..

ابتسمت منى ولم تعقب كثيراً .. ثم قالت : خمس سنوات .. لم ننجب فيها أي طفل .. ثم نظرت في يديها .. وابتسمت مرة أخرى وأشرق وجهها وقالت وهي تغمض عينيها .. ووضعت راحتها على بطنها وكأنها تدفيء طفلها : الحمد لله ..

ثم التفتت إلى فرح التي كانت في عالم آخر مرة أخرى .. فقالت مبتسمة : يظهر أنه اللا شيء مرة أخرى ..

نظرت فيها فرح .. واستطاعت أن تخفي ارتباكها وقالت : لا أبداً .. إنها المذاكرة .. امتحاناتي بعد أسبوع إن شاء الله ..

والحقيقة .. أن ما كان يشغل فكرها حقاً .. هو سعود .. وأسئلة حوله .. تنتظر إجاباتها ..





وفي منزل عبير .. كانت لتوها قد خرجت من الحمام .. وهي تجفف شعرها .. بتلك الطريقة الغريبة .. كانت تضع المنشفة على السرير .. وتضرب بشعرها المنشفة عدة مرات ..

ثم جلست على السرير .. وراحت تنظر في نفسها قليلاً في المرآة .. وقالت لنفسها : ترى .. لم لا يريد أحد أن يتزوج بي .. متى ستكون لي قصة الحب الخاصة بي أنا ؟

ضمت شفتيها إلى بعض أكبر .. لتتحول إلى برطم .. ثم ألقت بنفسها على السرير .. ومدت يدها لتأخذ الجوال الذي كان جوار المخدة .. وراحت تبحث بين الأرقام .. حتى وجدت رقم سعود .. واتصلت .. انتظرت طويلاً .. ولكن سعود لم يرد عليها .. أعادت الاتصال مرة أخرى .. ولكن سعود لم يرد .. اتصلت آخر مرة .. وفي النهاية رد سعود .. فقالت له : سعود .. أنا آسفة يا سعود .. ولكني حاولت بقدر استطاعتي .. لم أقدر يا سعود والله لم أقدر ..

صمت سعود قليلاً ثم قال : لا هناك أمور كثيرة .. تقدرين عليها ..

وراحت تنصت لسعود .. راحت تنصت لشيطان من الإنس ..

أدرك سعود .. أن عبير لن تستطيع أن تقوم بشيء .. فقرر أن ينزل لساحة المعركة بنفسه .. قرر أن يبدأ اللعبة .. وإن لديه في جعبته الكثير ..







وعلى يوم السبت التقت الفتاتان مرة أخرى في السيارة .. كانت عبير .. قد استطاعت أن تتحدث مع فرح بشكل طبيعي .. إنها تلك الطريقة التي يتفق فيها الطرفان .. بدون اتفاق على أن ينسى كل منهما الآخر .. دون الحاجة إلى جلسة مصارحة .. أو لقاء عتاب .. إنها الطريقة المختصرة لما لمواجهة يتجنبها الكثير من الأصدقاء والمحبون حتى .. لؤلئك الذين لا يحبون المواجهة .. أو حتى الذين يرون أن التجريح فيها سيكون أكثر من أن يحتمل ..



وعندما رجعت فرح إلى منزلها .. ودخلت فيه متعبة .. وذهبت إلى غرفتها .. وبعد أن وضعت عبائتها .. وصلتها رسالة ..



من عبير :

فرح ، لقد سجلت رقم سعود في جوالك ، إن أحببت الاتصال عليه ،

حاولت يا فرح أن أوفق رأسين في الحلال كما يقولون .



أما فرح فارتجفت يدها فعلاً .. وصارت يدها باردة كالثلج .. وأحست أنها ترتجف ولم تعرف ماذا تفعل .. وفتحت قائمة الأرقام .. وراحت تبحث عن الأسماء التي تبدأ بحرف السين :

سارة

سمية

سلمي

سلتونة

سوسو



أغمضت عينيها وتنفست بقوة وحمدت الله .. أنها لم تجد اسم سعود ..

وضعت الجوال فوق مكتبها الأبيض .. وراحت لتبدل ثيابها .. وهنا أصدر جوالها أزيزه وراحت نغمة عادية تُرقص الجوال .. وعندما رأت الاسم الموجود .. ارتجفت هذه المرة أكثر من المرة الأخرى .. كان حرف : S يلمع في قوة .. وكأنه رسم لأفعى الكوبرا وهي تستعد للانقضاض على فريستها ..

توقفت فرح تماماً .. وكأنها قد شلت .. ولم تعرف هل ترد أم ماذا تفعل .. توقفت تماماً .. حتى توقف الجوال عن الاتصال .. ولكنها ما زالت تمسك في يدها الجوال .. وأنفاسها مازالت متسارعة .. أغمضت عينها مرة أخرى ..

وهنا فتحت منى الباب بقوة وهي تقول : ماذا تفعلين أيتها الشقية ..

انتفضت فرح وكأن دخول منى المفاجيء كان تياراً كهربائياً قضى على آخر ما فيها من هدوء أعصاب واحتمال .. وطار الجوال .. ليستقر قريباً من منى ..

ثم ..

حصل الذي تتوقعونه .. نعم .. لقد دق الجوال مرة أخرى .. أمسكت منى بالجوال .. ونظرت إلى حرف S .. ثم نظرت في فرح وقالت وهي تتسائل في حذر : من يا فرح ..

وتوقفت فرح .. وألجمت عن الكلام ..



لم يحصل هذا في أحيان كثيرة .. لم يتصادف أن يفهمنا الناس بشكل خاطيء .. لم تأتي الأقدار بهذه الطريقة المؤلمة ؟











ماذا سيحصل ؟

وماذا ستقول فرح لمنى ؟

وكيف ستخرج نفسها من هذه المصيبة ؟

ويا ترى أين دور الخبير .. من هذا الجزء ؟








3 رجب 1427 هـ

6:18 صباحاً

د.خالد أبوالشامات


لقد دق الجوال مرة أخرى .. أمسكت منى بالجوال .. ونظرت إلى حرف S .. ثم نظرت في فرح وقالت وهي تتساءل في حذر : من يا فرح ..

وتوقفت فرح .. وألجمت عن الكلام ..



^_^ تومي!
^_^ تومي!
رأيكم قبل الجزء اللي بعده يهمني ... أنتظركم :)
فتافت
فتافت
الرواية حلوة تومئ

ولا تزعلي من قلة الردود لانه مانبغى ندور بين الصفحات لمن تكثر الردود وانا في انتظار بقية الرواية