o0oالـ غ ــلاo0o
o0oالـ غ ــلاo0o
الجزء الثالث من القرآن آية الكرسي: قدرة وعظمة الله وتصل الآيات إلى أعظم آية في القرآن: آية الكرسي (255) وهي أروع كلام عن الله وصفاته عرفته البشرية في تاريخها. [ٱلله لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلاْرْضِ مَن ذَا ٱلَّذِى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْء مّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلاْرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْعَظِيمُ] (255) واللطيف أن بعد هذه الآية مباشرة يأتي قوله تعالى في الآية (256) [ لا إِكْرَاهَ فِى ٱلدّينِ...] وسبب هذا أن الحجة قد أقيمت على البشر بآية الكرسي فمن آثر الكفر بعدها فلا تكرهوه على الإيمان [قَد تَّبَيَّنَ ٱلرُّشْدُ مِنَ ٱلْغَيّ]. وسبب ورود آية الكرسي في وسط الكلام عن المنهج هو أننا أثناء تطبيق هذا المنهج نحتاج إلى ما يثبتنا ويشعرنا بأن هذا المنهج من الله تعالى، وأن الله ولي من يطبق هذا المنهج [ٱلله وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ]. دلائل وبراهين ويأتي بعد آية الكرسي ثلاث قصص تعرض نماذج حياتية لتؤكد آية الكرسي قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام مع النمرود [إِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ رَبّيَ ٱلَّذِى يُحْىِ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْىِ وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرٰهِيمُ فَإِنَّ ٱلله يَأْتِى بِٱلشَّمْسِ مِنَ ٱلْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ ٱلْمَغْرِبِ فَبُهِتَ ٱلَّذِى كَفَرَ] 25. وقصة عزير [أَوْ كَٱلَّذِى مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِىَ خَاوِيَةٌ... ثُمَّ بَعَثَهُ...] (259). وقصة سيدنا إبراهيم وهو يقول [رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ...] (260). فأمره الله تعالى أن يأخذ عدداً من الطيور ويقطّعها ثم يطرقها على رؤوس الجبال ثم يدعوها، فإذا بالريش والدم يعود كما كانوا قبل تقطيعهم، [وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱلله عَزِيزٌ حَكِيمٌ] (260). فهذه القصص تؤكد قدرة الله على الإحياء والإماته [ٱلله لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ] (255) جاءت بعد كل آيات المنهج لتقوية إيمان المسلم ويقينه بالله فتكون عوناً له على تحمل تبعات المنهج الثقيل. النظام المالي والاقتصادي وتظهر الآيات آخر ملامح المنهج وهو النظام المالي والاقتصادي في الإسلام، والذي عنوانه: الإسلام منهج تنموي وليس منهج ربوي، وتأتي الآيات لتحذر من الربا: [يَمْحَقُ ٱلله ٱلْرّبَوٰاْ وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَـٰتِ وَٱلله لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ] (276). [يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱلله وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ ٱلرّبَوٰاْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ & فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ ٱلله وَرَسُولِهِ وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رُءوسُ أَمْوٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ](278 - 279). حتى تأتي آية المداينة (وهي أطول آية في القرأن) لتوضح معالم المنهج فأكثر في قضايا الديون وإثباتها جاءت لتفيد التثبت في المعاملات [إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ] (282) بعد ذكر قصة إبراهيم في التثبت في العقيدة [وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ وَلَـٰكِن لّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى] (260) لتوحي هاتان الآيتان في داخلك أن التثبت أسلوب المسلم في حياته في كل نواحيها. والملاحظ أن آيات الربا جاءت بين آيات الإنفاق والتنمية لتوضح أن الإسلام لا يحرم شيئاً إلا ويأتي بالبديل الأصلح. سورة البقرة: إشارة الإمارة بعد أن استعرضنا سورة البقرة وشموليتها لأحكام الإسلام نفهم لماذا كان النبي يولي على القوم من يحفظ سورة البقرة لأنه بذلك قد جمع معالم المنهج. هذا المنهج الشامل الذي هو الصراط المستقيم في سورة الفاتحة، نجده عقيدة في آية الكرسي وعبادة في أحكام الصيام والحج ومعاملات في الإنفاق وتوثيق الديون وتحريم الربا وأحكام القتال، يغلفها جميعها محاور ثلاثة الطاعة، التميز بالوسطية، التقوى. الختام: سمعنا وأطعنا تختم سورة البقرة بآيتين هما كنزٌ من تحت العرش يمدح الله بهما المؤمنين: [ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ] (285). فبنو إسرائيل قالوا [سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا] (93) أما أمة الإسلام فليكن شعارنا [سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا] لنبقى مسؤولين عن الأرض. ويأتي بعدها الدعاء [لاَ يُكَلّفُ ٱلله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَٱعْفُ عَنَّا وَٱغْفِرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَـٰنَا فَٱنْصُرْنَا عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَـٰفِرِينَ](286). قد يخطئ الإنسان في حياته أثناء قيامه بهذا المنهج وقد يضعف فالصراط المستقيم هو هداية من الله، لذلك يحتاج المسلم إلى العون الرباني بأن يدعو بالعفو والغفران والرحمة. فإذا قام المسلم بقتال من أراد محاربة المنهج وأهله فهو يسأل الله النصر على القوم الكافرين، ولقد إستجاب الله تعالى لهذه الدعوات بقوله (قد فعلت). يتبــع
الجزء الثالث من القرآن آية الكرسي: قدرة وعظمة الله وتصل الآيات إلى أعظم آية في القرآن:...
سورة آل عمران

سورة آل عمران (مدنية) نزلت بعد الأنفال وعدد آياتها 200 آية وهي بعد سورة البقرة في ترتيب المصحف.

علاقتها مع سورة البقرة

سورة آل عمران هي شقيقة سورة البقرة بنص أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتسميان (بالزهراوين). وهناك تشابه كبير بينهما، فكلتهما بدأتا بـ ، واختتمتا بدعاء، ومن لطائف القرآن أن أول 3 سور من القرآن قد اختتمت بدعاء:

الفاتحة (4).

البقرة (255).

وآل عمران (193).

وهذه إشارة إلى أهمية الدعاء عند المسلم ليلجأ إليه دائماً.

الثبات على المبدأ

إن الهدف الذي تدور حوله السورة وثيق الصلة بهدف سورة البقرة التي كانت تخبر المسلمين بأنهم مسؤولون عن الأرض، والتي عرضت منهج الاستخلاف. فسورة آل عمران تؤكد الثبات على هذا المنهج، والكثير من الأشخاص - بعد أن يقرأوا المنهج ويتحملوا المسؤولية - يزيغون ويسقطون، ويبتعدون عن المنهج القويم، كالذي يتعبد في شهر رمضان ثم يغلق أبواب الطاعة والعبادة بعده. فالسورة تخاطب المتدينين منذ أكثر من 20 سنة وتثبتهم على الدين، كما تخاطب الشباب الذين تديّنوا بالأمس وتقول لهم أثبتوا على دينكم ومنهجكم لتحقيق استخلاف المسلم في الأرض.

كيف نثبت على الحق؟

للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف كيف يزيغ الناس، فالناس يضللون إما بالأفكار التي تشوش عقائدهم، أو يتيهون وسط مشاغل الحياة فتضعف عزائمهم. وبالتالي فأسباب الهلاك فكرية (داخلية) أو عملية (خارجية)، والسورة تحث المؤمن على الثبات في المجالين وتحذره مما قد يكون سبباً في زلته.

لذلك تقسم السورة إلى قسمين:

1. القسم الأول: الآيات (1 - 120)

الثبات على الحق فكرياً أمام المؤثرات الخارجية، من خلال الحديث عن أهل الكتاب والحوار معهم، وهو أول حوار بين العقائد في القرآن.

2. القسم الثاني: الآيات (120 - 200)

تتحدث عن الثبات على الحق عملياً أمام المؤثرات الداخلية من خلال الحديث عن غزوة أحد، كنموذج للأخطاء التي قد تقع وكيفية تفاديها.

من البداية للنهاية

بدأت السورة بما يساعد المسلم على الثبات، وختمت أيضاً بما يثبته على الحق.

اقرأ في بداية السورة: (1-3).

فإلهك إله واحد وهو المعين على الثبات، والكتاب حقّ، وهو طريقك إلى الثبات على هذا الدين.

والآية الأخيرة تقول للمؤمنين (200).

اصبروا أي اصبر نفسك، أما صابروا فمعناها أن تساعد غيرك على الصبر، وأما رابطوا فمعناها أن يبقى المسلم مستعداً لمواجهة أي خطر يأتي من الخارج. والرباط يكون على الثغور لدفع وصد العدو الخارجي سواء كان هذا العدو جيشاً أو فكرة وشبهة.

وذكر القرآن كعامل من عوامل الثبات قد تكرر كثيراً في السورة.

فتأتي الآية (7) لتوضح .

الفهم الصحيح للقرآن من أهم عوامل الثبات الفكري والكثير من الناس قد يزيغون ويقعون في الباطل عن طريق اتباع المتشابه من القرآن. فالسورة تحذرنا من هذا الضلال وتحثنا على أن نكون من الراسخين في العلم، وان ندعو بدعاء الثبات: (.

عقبات الثبات: (الشهوات والمعاصي)

في أوائل السورة نقرأ الآية (14).

فالتعلق بمتاع الدنيا الزائل وشهوتها الفانية عامل خطير ضد ثبات الأمة.

ويقول تعالى: (155).

فهذه الآية تقول بأن الذين تولوا من الصحابة يوم غزوة أحد كان عندهم ذنوب في الماضي، فاستزلّهم بها الشيطان فلم يثبتوا.

ونرى آية أخرى في نفس المعنى:

(165).

الحل: (التوبة)

لذلك تتكرّر الآيات التي تدعو إلى التوبة والمسارعة فيها.

فيقول تعالى: (16).

(89).

وتأتي الآية (133).

فلتكن هذه الآية شعاراً للشباب الذين يقعون في المعاصي، المسارعة بالاستغفار والتوبة لنثبت على الحق ونضمن جنة عرضها السماوات والأرض.

خمسة عوامل: أتت بها السورة وركّزت عليها:

1. اللجوء إلى الله: فالثبات من الله تعالى وهو القادر على تثبيتنا على منهجه.

لذلك فالسورة تحثّ على الدعاء كثيراً من أولها:

(.

(9).

إلى أن يصوِّر لنا القرآن نماذج مضيئة وكيف كانت تلجأ إلى الله.

فهذه زوجة عمران تدعو الله قائلة: (35).

وزكريا (3.

2. العبادة: وتقرأ في ذلك قوله تعالى: (37) فكانت السيدة مريم عاكفة على المحراب، فتعلم منها سيدنا زكريا لذلك عندما نادته الملائكة لتبشره بيحيى: (39).

3. الدعوة إلى الله: فالدعوة إلى الله من أهم عوامل الثبات لأن الداعي حين يأخذ بيد الناس فإنه سيكون أول من يثبت على ما يدعو الناس إليه. لذا فإن السورة تحتوي على الكثير من الآيات التي تحثّ المؤمن على الدعوة إلى الله:

(104).

4. وضوح الهدف: ومن عوامل الثبات أن يكون لك هدف واضح في حياتك.

يقول تعالى: (191).

فلا بدّ أن نفهم أن هذا الكون قد أنشئ لهدف ولم ينشأ عبثاً، والهدف هو عبادة الله ومعرفته وأن نكون مسؤولين عن الأرض (كما وضحت سورة البقرة).

5. الأخوة: (103).

فالأخوة في الله تؤمن للمسلم الصحبة الصالحة وهي من أهم نعم الله على الإنسان (103).

لذلك تحذّرنا السورة من تضييع الأخوة والتفرق (105).

لماذا سميت السورة بآل عمران؟

ما علاقة كل ما قيل عن الثبات بآل عمران؟ إن الله تعالى قد اختار في هذه السورة رمزين من رموز الثبات، امرأة آل عمران، ومريم بنت عمران، وسرد
لنا قصتهما في ربعين كاملين من السورة. فالسيدة مريم ثبتت على طاعة الله تعالى وعبادته وثبتت على العفة حتى استحقت أن تذكر بهذه الصفة في القرآن فمن أخطر الأمور التي تضيّع الأفراد وتضيّع المجتمعات الفشل في الثبات على الطاعة وعلى العفة. فكانت السيدة مريم عليها السلام رمزاً للثبات عليهما.

وأما زوجة عمران فقد كان همها الأول أن يكون الجنين الذي
تحمله ناصراً لدين الله تعالى: (53).

محرّراً أي خالصاً لك فكانت تريده أن يحرر المسجد الأقصى من يد الرومان المعتدين وبذلك كانت رمزاً للثبات على فكرتها حتى بعد أن علمت أن
وليدها كان أنثى. (36) فتقبّل
الله تعالى من امرأة عمران صدق نيتها (37).واللطيف أن الله تعالى ذكر هذين الرمزين في السورة التي تناقش أهل الكتاب وهذه طريقة مميّزة للقرآن في تقريب الناس كما مرّ معنا. فمع أنه ينكر على ما يعتقده أهل الكتاب لكنه يثني على شخصيات عظيمة يؤمنون بها كزوجة عمران والسيدة مريم.

يتبــع
o0oالـ غ ــلاo0o
o0oالـ غ ــلاo0o
سورة آل عمران سورة آل عمران (مدنية) نزلت بعد الأنفال وعدد آياتها 200 آية وهي بعد سورة البقرة في ترتيب المصحف. علاقتها مع سورة البقرة سورة آل عمران هي شقيقة سورة البقرة بنص أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وتسميان (بالزهراوين). وهناك تشابه كبير بينهما، فكلتهما بدأتا بـ [ألم]، واختتمتا بدعاء، ومن لطائف القرآن أن أول 3 سور من القرآن قد اختتمت بدعاء: الفاتحة [ٱهْدِنَا ٱلصّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ...] (4). البقرة [رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا] (255). وآل عمران [...رَبَّنَا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفّرْ عَنَّا سَيّئَـٰتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ ٱلاْبْرَارِ] (193). وهذه إشارة إلى أهمية الدعاء عند المسلم ليلجأ إليه دائماً. الثبات على المبدأ إن الهدف الذي تدور حوله السورة وثيق الصلة بهدف سورة البقرة التي كانت تخبر المسلمين بأنهم مسؤولون عن الأرض، والتي عرضت منهج الاستخلاف. فسورة آل عمران تؤكد الثبات على هذا المنهج، والكثير من الأشخاص - بعد أن يقرأوا المنهج ويتحملوا المسؤولية - يزيغون ويسقطون، ويبتعدون عن المنهج القويم، كالذي يتعبد في شهر رمضان ثم يغلق أبواب الطاعة والعبادة بعده. فالسورة تخاطب المتدينين منذ أكثر من 20 سنة وتثبتهم على الدين، كما تخاطب الشباب الذين تديّنوا بالأمس وتقول لهم أثبتوا على دينكم ومنهجكم لتحقيق استخلاف المسلم في الأرض. كيف نثبت على الحق؟ للإجابة على هذا السؤال يجب أن نعرف كيف يزيغ الناس، فالناس يضللون إما بالأفكار التي تشوش عقائدهم، أو يتيهون وسط مشاغل الحياة فتضعف عزائمهم. وبالتالي فأسباب الهلاك فكرية (داخلية) أو عملية (خارجية)، والسورة تحث المؤمن على الثبات في المجالين وتحذره مما قد يكون سبباً في زلته. لذلك تقسم السورة إلى قسمين: 1. القسم الأول: الآيات (1 - 120) الثبات على الحق فكرياً أمام المؤثرات الخارجية، من خلال الحديث عن أهل الكتاب والحوار معهم، وهو أول حوار بين العقائد في القرآن. 2. القسم الثاني: الآيات (120 - 200) تتحدث عن الثبات على الحق عملياً أمام المؤثرات الداخلية من خلال الحديث عن غزوة أحد، كنموذج للأخطاء التي قد تقع وكيفية تفاديها. من البداية للنهاية بدأت السورة بما يساعد المسلم على الثبات، وختمت أيضاً بما يثبته على الحق. اقرأ في بداية السورة: [الم & ٱلله لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَىُّ ٱلْقَيُّومُ & نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ بِٱلْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيه] (1-3). فإلهك إله واحد وهو المعين على الثبات، والكتاب حقّ، وهو طريقك إلى الثبات على هذا الدين. والآية الأخيرة تقول للمؤمنين [يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَٱتَّقُواْ ٱلله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ] (200). اصبروا أي اصبر نفسك، أما صابروا فمعناها أن تساعد غيرك على الصبر، وأما رابطوا فمعناها أن يبقى المسلم مستعداً لمواجهة أي خطر يأتي من الخارج. والرباط يكون على الثغور لدفع وصد العدو الخارجي سواء كان هذا العدو جيشاً أو فكرة وشبهة. وذكر القرآن كعامل من عوامل الثبات قد تكرر كثيراً في السورة. فتأتي الآية (7) لتوضح [هُوَ ٱلَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَـٰبَ مِنْهُ آيَـٰتٌ مُّحْكَمَـٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلْكِتَـٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَـٰبِهَـٰتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنْهُ ٱبْتِغَاء ٱلْفِتْنَةِ وَٱبْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ ٱلله وَٱلرسِخُونَ فِي ٱلْعِلْمِ يَقُولُونَ ءامَنَّا بِهِ كُلٌّ مّنْ عِندِ رَبّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ ٱلالْبَـٰبِ]. الفهم الصحيح للقرآن من أهم عوامل الثبات الفكري والكثير من الناس قد يزيغون ويقعون في الباطل عن طريق اتباع المتشابه من القرآن. فالسورة تحذرنا من هذا الضلال وتحثنا على أن نكون من الراسخين في العلم، وان ندعو بدعاء الثبات: [رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ] (. عقبات الثبات: (الشهوات والمعاصي) في أوائل السورة نقرأ الآية [زُيّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوٰتِ مِنَ ٱلنّسَاء وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَـٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلانْعَـٰمِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَـٰعُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱلله عِندَهُ حُسْنُ ٱلْمَأَبِ] (14). فالتعلق بمتاع الدنيا الزائل وشهوتها الفانية عامل خطير ضد ثبات الأمة. ويقول تعالى: [إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ] (155). فهذه الآية تقول بأن الذين تولوا من الصحابة يوم غزوة أحد كان عندهم ذنوب في الماضي، فاستزلّهم بها الشيطان فلم يثبتوا. ونرى آية أخرى في نفس المعنى: [أَوَ لَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ] (165). الحل: (التوبة) لذلك تتكرّر الآيات التي تدعو إلى التوبة والمسارعة فيها. فيقول تعالى: [ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا ءامَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ] (16). [إِلاَّ ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ ٱلله غَفُورٌ رَّحِيمٌ] (89). وتأتي الآية [وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَـٰوٰتُ وَٱلاْرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ] (133). فلتكن هذه الآية شعاراً للشباب الذين يقعون في المعاصي، المسارعة بالاستغفار والتوبة لنثبت على الحق ونضمن جنة عرضها السماوات والأرض. خمسة عوامل: أتت بها السورة وركّزت عليها: 1. اللجوء إلى الله: فالثبات من الله تعالى وهو القادر على تثبيتنا على منهجه. لذلك فالسورة تحثّ على الدعاء كثيراً من أولها: [رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ ٱلْوَهَّابُ] (. [رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ ٱلنَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ ٱلله لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ] (9). إلى أن يصوِّر لنا القرآن نماذج مضيئة وكيف كانت تلجأ إلى الله. فهذه زوجة عمران تدعو الله قائلة: [رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا] (35). وزكريا[هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيّبَةً] (3. 2. العبادة: وتقرأ في ذلك قوله تعالى: [كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا] (37) فكانت السيدة مريم عاكفة على المحراب، فتعلم منها سيدنا زكريا لذلك عندما نادته الملائكة لتبشره بيحيى: [فَنَادَتْهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّى فِى ٱلْمِحْرَابِ] (39). 3. الدعوة إلى الله: فالدعوة إلى الله من أهم عوامل الثبات لأن الداعي حين يأخذ بيد الناس فإنه سيكون أول من يثبت على ما يدعو الناس إليه. لذا فإن السورة تحتوي على الكثير من الآيات التي تحثّ المؤمن على الدعوة إلى الله: [وَلْتَكُن مّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ] (104). 4. وضوح الهدف: ومن عوامل الثبات أن يكون لك هدف واضح في حياتك. يقول تعالى: [ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱلله قِيَـٰماً... رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ](191). فلا بدّ أن نفهم أن هذا الكون قد أنشئ لهدف ولم ينشأ عبثاً، والهدف هو عبادة الله ومعرفته وأن نكون مسؤولين عن الأرض (كما وضحت سورة البقرة). 5. الأخوة: [وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱلله جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ] (103). فالأخوة في الله تؤمن للمسلم الصحبة الصالحة وهي من أهم نعم الله على الإنسان [فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً] (103). لذلك تحذّرنا السورة من تضييع الأخوة والتفرق [وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ] (105). لماذا سميت السورة بآل عمران؟ ما علاقة كل ما قيل عن الثبات بآل عمران؟ إن الله تعالى قد اختار في هذه السورة رمزين من رموز الثبات، امرأة آل عمران، ومريم بنت عمران، وسرد لنا قصتهما في ربعين كاملين من السورة. فالسيدة مريم ثبتت على طاعة الله تعالى وعبادته وثبتت على العفة حتى استحقت أن تذكر بهذه الصفة في القرآن [ٱلَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا] فمن أخطر الأمور التي تضيّع الأفراد وتضيّع المجتمعات الفشل في الثبات على الطاعة وعلى العفة. فكانت السيدة مريم عليها السلام رمزاً للثبات عليهما. وأما زوجة عمران فقد كان همها الأول أن يكون الجنين الذي تحمله ناصراً لدين الله تعالى: [رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنّي] (53). محرّراً أي خالصاً لك فكانت تريده أن يحرر المسجد الأقصى من يد الرومان المعتدين وبذلك كانت رمزاً للثبات على فكرتها حتى بعد أن علمت أن وليدها كان أنثى. [فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنّى وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَٱلله أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ وَإِنّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ...] (36) فتقبّل الله تعالى من امرأة عمران صدق نيتها [فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا...](37).واللطيف أن الله تعالى ذكر هذين الرمزين في السورة التي تناقش أهل الكتاب وهذه طريقة مميّزة للقرآن في تقريب الناس كما مرّ معنا. فمع أنه ينكر على ما يعتقده أهل الكتاب لكنه يثني على شخصيات عظيمة يؤمنون بها كزوجة عمران والسيدة مريم. يتبــع
سورة آل عمران سورة آل عمران (مدنية) نزلت بعد الأنفال وعدد آياتها 200 آية وهي بعد سورة البقرة...
سورة النساء



سورة النساء (مدنية) نزلت بعد سورة الممتحنة وعدد آياتها (176) مائة وست وسبعون آية، وهي السورة الرابعة في ترتيب المصحف بعد سورة آل عمران.



سورة النساء هي سورة العدل والرحمة خاصة مع الضعفاء فبعد أن حدّدت سورة البقرة مسؤولية المسلمين عن الأرض وعرضت منهج الاستخلاف، جاءت سورة آل عمران لتدعو إلى الثبات على المنهج القويم وعلى المسؤولية الملقاة على عاتق المؤمنين. ثم جاءت سورة النساء لتعلمنا أن المستأمن على الأرض لا بد أن يكون على قدر من العدل والرحمة تجاه الضعفاء الذين استؤمن عليهم وكأن الصفة الأولى التي تميّز المسؤولين عن الأرض هي العدل.. ولهذا فإن سورة النساء تتحدث عن حقوق الضعفاء في المجتمع. إنها تتحدث عن اليتامى والعبيد والخدم والورثة، كما تركز بشكل أساسي على النساء. وكذلك فإنها تتحدث عن الأقليات غير المسلمة التي تعيش في كنف الإسلام وعن حقوقها بالإضافة إلى التوجه إلى المستضعفين أنفسهم وكيف ينبغي عليهم التصرف في المواقف المختلفة. يضاف إلى كل هذا الحديث عن ابن السبيل وعن الوالدين وكيف يجب أن يُعاملوا.. فهي سورة الرحمة وسورة العدل.. يتكرر في كل آية من آياتها ذكر الضعفاء والعدل والرحمة بشكل رائع يدلنا على عظمة الإعجاز القرآني في التكرار دون أن يملّ القارئ.



سبب التسمية:
أما سبب تسمية السورة بهذا الاسم فهو أن المرء لو عدل مع زوجته في بيته ورحمها فإنه سيعرف كيف سيعدل مع بقية الضعفاء.



فهي سورة المستضعفين وقد اختار الله نوعاً من أنواع المستضعفين وهم النساء ليكونوا اسماً لهذه السورة.. وكأن الله يقول لك: قبل أن أستأمنك على الأرض، أرني عدلك في بيتك، فلو عدلت ورحمت في بيتك فستكون مستأمناً للعدل في المجتمع، إن العدل مع النساء في البيوت نموذج يقاس به عدل المسلمين في امتحان الاستخلاف على الأرض، فهل سنجد بعد هذا من يدّعي بأن الإسلام يضطهد المرأة ولا يعدل معها؟



إن هذه الادّعاءات لن تنطلي على قارئ القرآن بعد الآن وخاصة مع الذي يقرأ سورة النساء، فهناك سورة كاملة تتناول العدل والرحمة معهنَّ، وقبلها سورة آل عمران التي عرضت السيدة مريم وامرأة عمران كنموذجين للثبات (كأن سورة آل عمران تمهّد لتكريم المرأة).


يتبــع
o0oالـ غ ــلاo0o
o0oالـ غ ــلاo0o
سورة النساء سورة النساء (مدنية) نزلت بعد سورة الممتحنة وعدد آياتها (176) مائة وست وسبعون آية، وهي السورة الرابعة في ترتيب المصحف بعد سورة آل عمران. سورة النساء هي سورة العدل والرحمة خاصة مع الضعفاء فبعد أن حدّدت سورة البقرة مسؤولية المسلمين عن الأرض وعرضت منهج الاستخلاف، جاءت سورة آل عمران لتدعو إلى الثبات على المنهج القويم وعلى المسؤولية الملقاة على عاتق المؤمنين. ثم جاءت سورة النساء لتعلمنا أن المستأمن على الأرض لا بد أن يكون على قدر من العدل والرحمة تجاه الضعفاء الذين استؤمن عليهم وكأن الصفة الأولى التي تميّز المسؤولين عن الأرض هي العدل.. ولهذا فإن سورة النساء تتحدث عن حقوق الضعفاء في المجتمع. إنها تتحدث عن اليتامى والعبيد والخدم والورثة، كما تركز بشكل أساسي على النساء. وكذلك فإنها تتحدث عن الأقليات غير المسلمة التي تعيش في كنف الإسلام وعن حقوقها بالإضافة إلى التوجه إلى المستضعفين أنفسهم وكيف ينبغي عليهم التصرف في المواقف المختلفة. يضاف إلى كل هذا الحديث عن ابن السبيل وعن الوالدين وكيف يجب أن يُعاملوا.. فهي سورة الرحمة وسورة العدل.. يتكرر في كل آية من آياتها ذكر الضعفاء والعدل والرحمة بشكل رائع يدلنا على عظمة الإعجاز القرآني في التكرار دون أن يملّ القارئ. سبب التسمية: أما سبب تسمية السورة بهذا الاسم فهو أن المرء لو عدل مع زوجته في بيته ورحمها فإنه سيعرف كيف سيعدل مع بقية الضعفاء. فهي سورة المستضعفين وقد اختار الله نوعاً من أنواع المستضعفين وهم النساء ليكونوا اسماً لهذه السورة.. وكأن الله يقول لك: قبل أن أستأمنك على الأرض، أرني عدلك في بيتك، فلو عدلت ورحمت في بيتك فستكون مستأمناً للعدل في المجتمع، إن العدل مع النساء في البيوت نموذج يقاس به عدل المسلمين في امتحان الاستخلاف على الأرض، فهل سنجد بعد هذا من يدّعي بأن الإسلام يضطهد المرأة ولا يعدل معها؟ إن هذه الادّعاءات لن تنطلي على قارئ القرآن بعد الآن وخاصة مع الذي يقرأ سورة النساء، فهناك سورة كاملة تتناول العدل والرحمة معهنَّ، وقبلها سورة آل عمران التي عرضت السيدة مريم وامرأة عمران كنموذجين للثبات (كأن سورة آل عمران تمهّد لتكريم المرأة). يتبــع
سورة النساء سورة النساء (مدنية) نزلت بعد سورة الممتحنة وعدد آياتها (176) مائة وست وسبعون...
سورة المائدة

سورة المائدة (مدنية)، ومنها ما نزل في مكة (بعد حجة الوداع).

نزلت بعد سورة الفتح، وهي في ترتيب المصحف بعد سورة النساء،

وعدد آياتها 120 آية.

إنَّ سورة المائدة هي السورة الوحيدة في القرآن التي ابتدأت بـ

]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ...يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْيَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْيَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناًيَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْلَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱلله ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ...يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلاْنْعَامِأَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِأُحِلَّتْ لَكُمْيَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱلله...... وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْىَ وَلاَ ٱلْقَلَـٰئِدَ وَلا ءامّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّن رَّبّهِمْ وَرِضْوٰناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَـٰدُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ...وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ... أَن تَعْتَدُواْوَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِوَٱتَّقُواْ ٱلله إِنَّ ٱلله شَدِيدُ آلْعِقَابِهُدًى لّلْمُتَّقِينَحُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ...ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِيناًإِنَّ ٱلله شَدِيدُ ٱلْعِقَابِإِنَّ ٱلله سَرِيعُ ٱلْحِسَابِفَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ...فَإِنَّ ٱلله غَفُورٌ رَّحِيمٌيَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوٰةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ..يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لله شُهَدَاء بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱلله إِنَّ ٱلله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَيَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱلله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْوَعَدَ ٱلله ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌسَمِعْنَا وَأَطَعْنَاوَلَقَدْ أَخَذَ ٱلله مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرٰءيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱلله إِنّى مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلوٰةَ وَءاتَيْتُمْ ٱلزَّكَوٰةَ وَءامَنتُمْ بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱلله قَرْضاً حَسَناً لاكَفّرَنَّ عَنْكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَلاَدْخِلَنَّكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلاْنْهَـٰرُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء ٱلسَّبِيلِفَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ لَعنَّـٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةًيَاقَوْمِ ادْخُلُوا الاْرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ الله لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَـٰسِرِينَ & قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا...قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى ٱلاْرْضِيَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلاْنْعَامِ...وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءادَمَ بِٱلْحَقّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَـٰناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلاْخَرِ...مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلاْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاًيَـئَأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱلله وَٱبْتَغُواْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَـٰهِدُواْ فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَوَمَا لَكُمْ لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلله وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ...يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱلله لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَيأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱلله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَيَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَاء...وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱلله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَوَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ ٱلله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَوَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱلله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَأَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱلله حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَيأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱلله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ...يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَـٰتِ مَا أَحَلَّ ٱلله لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ ٱلله لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَوَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله حَلَـٰلاً طَيّباً وَٱتَّقُواْ ٱلله ٱلَّذِى أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَلاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱللهيَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلاْنصَابُ وَٱلاْزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَيَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱلله بِشَىْء مّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَـٰحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱلله مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِيَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌيأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْءانُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱلله عَنْهَا وَٱلله غَفُورٌ حَلِيمٌيأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ...... عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْيِـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ شَهَـٰدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناًإِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ ٱلسَّمَاء قَالَ ٱتَّقُواْ ٱلله إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ & قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ & قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللهمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ ٱلسَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لاِوَّلِنَا وَءاخِرِنَا وَءايَةً مّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ & قَالَ ٱلله إِنّى مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنّى أُعَذّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذّبُهُ أَحَداً مّنَ ٱلْعَـٰلَمِينَقَالَ ٱلله إِنّى مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ...ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناًيتبــع
o0oالـ غ ــلاo0o
o0oالـ غ ــلاo0o
سورة المائدة سورة المائدة (مدنية)، ومنها ما نزل في مكة (بعد حجة الوداع). نزلت بعد سورة الفتح، وهي في ترتيب المصحف بعد سورة النساء، وعدد آياتها 120 آية. إنَّ سورة المائدة هي السورة الوحيدة في القرآن التي ابتدأت بـ ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ...[. يقول عبد الله بن مسعود: "إذا سمعت ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ[ فارعها سمعك فإنه أمر خير تؤمر به أو شر تنهى عنه". ومعنى ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ[ أي يا من آمنتم بالله حقاً، يا من رضيتم بالله رباً، يا من أقررتم بالله معبوداً، اسمعوا وأطيعوا. هدفها نداؤها أما هدف السورة فهو واضح من أول نداء جاء في السورة ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ[ أي أوفوا بعهودكم، لا تنقضوا الميثاق، والعقود تشمل ما عقده الإنسان، من المسؤولية عن الأرض واستخلاف الله للإنسان، إلى أمور الطاعات كالصلاة والحجاب، إلى ترك المحرمات كشرب الخمر واكل الحرام. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "إنَّ سورة المائدة كانت آخر ما أنزل ما القرآن فما وجدتم فيها من حلال فأحلّوه وما وجدتم فيها من حرامٍ فحرِّموه". ففي السورة نرى آخر آية أحكام في القرآن: ]ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً[ (3) من التي أنزلت في حجة الوداع. أظن أن هدف السورة بدأ يظهر. الآن وقد تم الدين، فالتزموا بالعهد مع الله وحافظوا عليه، فأحلّوا حلاله وحرّموا حرامه. إنها سورة الحلال والحرام في الإسلام. لذلك جاء في الحديث "علّموا رجالكم سورة المائدة، وعلّموا نساءكم سورة النور". محاور السورة كما ذكرنا فكلما يأتي نداء ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ[ تنتقل بنا السورة إلى محور جديد وأحكام جديدة تفصيلية. والملفت أن كل آيات السورة تدور في فلك هذه المحاور التي تبيّن أحكاماً كثيرة في الحلال والحرام: 1. الطعام والشراب والصيد والذبائح. 2. الأسرة والزواج. 3. الإيمان والكفارات. 4. العبادات. 5. الحكم والقضاء والشهادات وإقامة العدل. 6. تنظيم علاقات المسلمين والأديان الأخرى، خاصة اليهود والنصارى. هناك تركيز في السورة على الحلال والحرام في الطعام والشراب والصيد والذبائح. وهذا يتناسب تماماً مع اسم السورة "المائدة"، فالطعام من أهم ضروريات الحياة ومع ذلك فيجب مراعاة الحلال والحرام فيه، فما بالك بغيره من شؤون الحياة؟ تدرّج وترابط سور القرآن وتنبَّه إلى علاقة سور القرآن السابقة مع سورة المائدة، فبعد أن أبلغت سورة البقرة مسؤولية الإنسان عن الأرض، جاءت سورة آل عمران لتحثّ المرء على الثبات، ثمّ سورة النساء لتبلغنا أنه حتى نثبت لا بد من أن نحقق العدل والرحمة مع الضعفاء خاصة مع النساء، ثمّ تأتي بعد ذلك سورة المائدة لتأمرنا بالإيفاء بكل ما سبق... سورة المائدة تأمرنا إذاً بالعدل مع الزوجة والضعفاء وكل الناس وتأمرنا بالثبات والوفاء مع المنهج الذي أراده الله لنا وبيّنه في سورة البقرة... لذلك جاءت فيها الآية (3) التي أعلنت ختام المنهج وإتمامه. ولاحظ أيضاً تدرّج سور القرآن الكريم في خطاب أهل الكتاب: سورة البقرة: بيان لأخطاء أهل الكتاب فقط مع الدعوة إلى التميّز عنهم. سورة آل عمران: مناقشة هادئة مع عقائدهم وإيجاد نقاط مشتركة. سورة النساء: انتقاد غلو أهل الكتاب واختلافهم في عيسى عليه السلام. سورة المائدة: مواجهة شديدة ]لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ ٱلله ثَـٰلِثُ ثَلَـٰثَةٍ...[ (73). مما يعلمنا أن الإسلام منهج متدرّج في خطابه مع الأديان الأخرى. النداء الأول (أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ) ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلاْنْعَامِ[ (1). فما علاقة الوفاء بتحليل الله تعالى لنا بهيمة الأنعام للذبح والطعام؟ إن أول ما ذكر بعد طلب الوفاء هو ما قد أحل، فلم يبدأ ربنا بما قد حُرِّم لئلا يكون منفراً فكلمة ]أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ[ توحي بأن الخطاب بعدها شديد اللهجة، فتأتي مباشرة كلمة ]أُحِلَّتْ لَكُمْ[ وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة، وهذه طريقة ينبغي على الدعاة اتباعها لكسب القلوب، فالداعية لا يجدر به أن يبدأ مع من يدعوهم بما قد حُرّم عليهم، لأن الأصل في الأشياء الإباحة فيبدأ بما أبيح أولاً، ثمّ ينبّههم إلى المحرّمات بعد ذلك. وإلى جانب الرحمة واللطف في الخطاب، هناك معنى لطيف في النداء الأول: أوفوا بالعقود حتى لا نضيّق عليكم دائرة الحلال، كما كان الحال مع اليهود. والملفت أن هذا المعنى أشارت إليه السور المحيطة بسورة المائدة (النساء والأنعام). النداء الثاني (لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱلله) ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱلله...[ (2). يا مؤمنين، لا تغيِّروا معالم دين الله تعالى من أوامر ونواهي. ]... وَلاَ ٱلشَّهْرَ ٱلْحَرَامَ وَلاَ ٱلْهَدْىَ وَلاَ ٱلْقَلَـٰئِدَ وَلا ءامّينَ ٱلْبَيْتَ ٱلْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مّن رَّبّهِمْ وَرِضْوٰناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَٱصْطَـٰدُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ...[ (2). فالآية الأولى: أقرّت ضروريات الحياة (الطعام)، ثمّ الآية الثانية: بدأت بتقرير مبادئ إنسانية عظيمة: - العدل (تأكيداً على هدف سورة النساء بإقرار العدل) ]وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ... أَن تَعْتَدُواْ[. - التعاون (تأكيداً على إحدى رسائل سورة آل عمران (الوحدة وعدم الاختلاف) ]وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ[. وهذه الآية تشمل آلاف الصور من العلاقات الاجتماعية التي تندرج تحت البر والتقوى والتعاون. - التقوى ]وَٱتَّقُواْ ٱلله إِنَّ ٱلله شَدِيدُ آلْعِقَابِ[. (لتذكرنا بأن هذا الكتاب ]هُدًى لّلْمُتَّقِينَ[ كما جاء في أول سورة البقرة). وبعد ذلك في الآية الثالثة: ]حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ...[. فأول عقد ينبغي الوفاء به هو طيبات الطعام فلا يجوز أن يأكل المرء أكلاً فيه خبث... وبعدها في الآية الخامسة: ]ٱلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ ٱلطَّيّبَـٰتُ وَطَعَامُ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَٱلْمُحْصَنَـٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ[. وهنا قد أرشدت الآية إلى حلالين: الطيبات من الطعام والطيبات من النساء سواء كنّ مؤمنات أم من أهل الكتاب بشرط أن يكنّ محصنات وذوات خلق متين. وفي هذا لفتة رائعة إلى تسامح الإسلام مع أهل الكتاب، في نفس السورة ذات اللهجة الشديدة في الخطاب معهم ونقض عقائدهم. فالله تعالى أحل لنا النساء العفيفات سواء كنّ مسلمات أو من أهل الكتاب. وفي نفس الآية يأتي قوله تعالى: ]ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإسْلاَمَ دِيناً[. هذه الآية محورية كونها ختام الأحكام في القرآن وعلاقتها مع موضوع السورة أنه لا وجود للعهود إلا بعد الإتمام. فبما أن الدين اكتمل، عاهد الله تعالى أيها المؤمن على الإيفاء بعهده والالتزام بشرعه. يا ترى هل أحسسنا يوماً بهذه النعمة، نعمة إتمام الدين وشكرنا الله تعالى عليها؟ وهنا ملاحظة لطيفة أخرى: إن أكثر آيات السورة اختتمت بشدة وخاصة آيات المقدمة ]إِنَّ ٱلله شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ[ ]إِنَّ ٱلله سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ[. إلاّ الآية الثالثة التي ذكرت حكم الاضطرار ]فَمَنِ ٱضْطُرَّ فِى مَخْمَصَةٍ...[ فقد اختتمت بسعة رحمة الله تعالى ]فَإِنَّ ٱلله غَفُورٌ رَّحِيمٌ[. النداء الثالث (طيبات الروح) ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوٰةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ..[(6). قد يتساءل البعض عن سبب ورود هذه الآية في وسط الكلام عن العقود والوفاء بها. فالواقع أن الآيات بدأت بطيبات الطعام ثمّ طيبات الزواج وكلها ملذات الدنيا وبعدها انتقلت الآيات إلى طيبات الروح وطهارة الروح التي تبدأ بالوضوء، وبهذا تكون السورة قد اشتملت على جميع اللذات: لذة العبادة بالإضافة للذائذ الطعام والزواج. ويمكننا أن نستشعر خلال هذه الآيات شمولية الإسلام في الأحكام، فأحكام المعاملات قد أتت في السورة جنباً إلى جنب مع أحكام العبادات. النداء الرابع (العدل) ويستمر تتابع الآيات بعد ذلك إلى أن نصل إلى النداء الرابع ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لله شُهَدَاء بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱلله إِنَّ ٱلله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ[ (. فبعد أن تناولت الآيات إيفاء العقود في الطعام والشراب والزواج والوضوء، انتقلت إلى عقد مهم جداً (العدل) ولو مع الناس الذين نبغضهم، ولو مع الناس الذين نحاربهم. إن هذه الآية قاعدة هامة من قواعد تسامح الإسلام وعدله مع الفئات الأخرى. النداء الخامس (ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱلله) الآية (11) تذكرنا أن الله تعالى قد حفظ المؤمنين من غدر أعدائهم، فاتقوا الله يا مؤمنين وأوفوا بعهده: ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱلله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ[. فالله تعالى يفي بعهوده معنا سبحانه، ومن هذه الوعود الربانية الرائعة ما ذكر في الآية التاسعة: ]وَعَدَ ٱلله ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ[ (9). فهل سنفي بعهدنا أمام الله تعالى؟ بنو إسرائيل وعقودهم وبعد ذلك تذكر لنا السورة في ربع كامل نماذج من فئات لم تفِ بعهد الله تعالى وميثاقه، ولم تنفذ ]سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا[ كما أمرها الله تعالى وهم بنو إسرائيل، ]وَلَقَدْ أَخَذَ ٱلله مِيثَـٰقَ بَنِى إِسْرٰءيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَىْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ ٱلله إِنّى مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ ٱلصَّلوٰةَ وَءاتَيْتُمْ ٱلزَّكَوٰةَ وَءامَنتُمْ بِرُسُلِى وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ ٱلله قَرْضاً حَسَناً لاكَفّرَنَّ عَنْكُمْ سَيّئَـٰتِكُمْ وَلاَدْخِلَنَّكُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلاْنْهَـٰرُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذٰلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء ٱلسَّبِيلِ[ (12). فماذا كانت النتيجة؟ ]فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَـٰقَهُمْ لَعنَّـٰهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً[ (13) إنها آية شديدة في التحذير من أن نكون مثلهم فيحل علينا غضب الله ولعنته قصة موسى عليه السلام مع قومه وتنتقل بنا الآيات إلى قصة سيدنا موسى عليه السلام مع بني إسرائيل حين طلب منهم أن يدخلوا الأرض المقدسة (أرض فلسطين) التي كتبها الله تعالى لهم ووعدهم فيها ]يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الاْرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِى كَتَبَ الله لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَـٰرِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَـٰسِرِينَ & قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا...[ (21 - 22). رفضوا ونقضوا عهد الله تعالى، فكان العقاب الرباني ]قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِى ٱلاْرْضِ[ (26) حرّم الله عليهم دخول الأرض المقدسة أربعين سنة. وقد أشرنا أن السورة بدأت بقوله تعالى بـ ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلاْنْعَامِ...[. للحثّ على إيفاء العقود حتى لا يضيّق الله دائرة الحلال على الأمة، وهنا في القصة نرى أن الله تعالى ضيّق على بني إسرائيل لنقضهم عهودهم. فالقاعدة العامة في السورة "إذا أوفى المرء بالعهود فإن الله تعالى يوسّع عليه وإن نقضها فإنه تعالى يضيق عليه". قصة ابني آدم عليه السلام ]وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱبْنَىْ ءادَمَ بِٱلْحَقّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَـٰناً فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ ٱلاْخَرِ...[ (27). فابن آدم قتل أخاه متهوراً بسبب الغضب والحسد والغل، وأما علاقة قصة ابني آدم عليه السلام بقصة بني إسرائيل ودخولهم الأرض المقدسة هو أنهما نموذجان لنقض العهود: بنو إسرائيل نقضوا عهد الله تعالى لجبنهم، وأما ابن آدم فلقد نقض العهد لتهوّره، فهما نموذجان معاكسان لبعضهما، وكلاهما يؤدي لنقض العهد مع الله تعالى. والإسلام يأمرنا دائماً بالوسطية في كل شؤون الحياة. ثم تأتي الآية (32) بعد القصة مباشرة للتعقيب عليها ]مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِى إِسْرٰءيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلاْرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً[ (32) لما صوّر لنا القرآن الكريم بشاعة جريمة القتل في قصة آدم عليه السلام، أتت الآيات التي بعدها بأحكام شديدة للقضاء على الفساد، فبيّنت حدود الحرية والسرقة والإفساد في الأرض. النداء السادس (الجهاد في سبيل الله تعالى) يقول الله تعالى ]يَـئَأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱلله وَٱبْتَغُواْ إِلَيهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَـٰهِدُواْ فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[. بعد أن عرضت الآيات السابقة خطر الفساد، أتت الآية (35) لتأمر المؤمنين بالجهاد ومحاربة الفساد. لاحظ أنه في كل مرة يأتي الأمر بالجهاد في القرآن يذكر سببه (كما في سورة النساء حين ذكر الجهاد لنصرة المستضعفين): ]وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱلله وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ...[ (النساء 75). النداء 7، 8، 9: (لا للتقليد الأعمى) وتصل بنا السورة إلى ربع جديد، وثلاثة نداءات تهدف إلى أن يكون لهذه الأمة هويتها المميزة. ]يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلْيَهُودَ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ ٱلله لاَ يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ[ (51). ]يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱلله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ[ (54). ]يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَاء...[ (57). إن هذه الآيات لا تهدف إلى تحقير وتسفيه الأديان الأخرى، إنما تهدف للحفاظ على هوية المسلم. فهي دعوة إلى تحقيق الإنتماء الكامل إلى الإسلام. فالتسامح والرحمة مع أهل الكتاب أمر مطلوب، لكنه لا ينبغي أن يؤدي إلى ضياع هوية المسلم وانتمائه. وهناك فرق بين الاحترام والتعاون الإيجابي والرحمة والتسامح وبين الذوبان في الآخر وضياع الهوية. لذلك نرى أن النداءات 7 و9 ركّزت على عدم موالاة الكفار ومحبتهم بينما النداء 8 حذر من الارتداد عن الدين لأنه من أخطر نتائج ضياع الهوية. والملاحظ أن الآيات في الربع السابق ركزت على التحذير من الحكم بغير ما أنزل الله: ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱلله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْكَـٰفِرُونَ[ (44). ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ ٱلله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ[ (45). ]وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ ٱلله فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَـٰسِقُونَ[ (47). ]أَفَحُكْمَ ٱلْجَـٰهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱلله حُكْماً لّقَوْمٍ يُوقِنُونَ[ (50). وعلاقة هذه الآيات بالنداءات الثلاثة التي بين أيدينا هي أن السبب الأساسي للحكم بغير ما أنزل الله هو التقليد الأعمى للغير. فيا أيها الشباب أوفوا بالعقود في ترك التقليد الأعمى وأوفوا بالعقود بالإنتماء الكامل لدينكم والاحتكام إلى أوامره ونواهيه. رقة الحب ومن لطائف القرآن في النداء الثامن: ]يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِى ٱلله بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ...[ (54). إن القرآن استعمل الرقة والحب في التحذير من أخطر ما يمكن أن يقع به المرء وهو الارتداد عن دين الله تعالى. فالآية لم تقل "من يرتد منكم عن دينه فسوف نعذّبه وندخله النار". إن التهديد في هذه الآية كان بالحب لا بالنار. وهذا النداء الرقيق له تأثير مميّز في النفوس بعد الكلام الشديد والأوامر الشديدة التي زخرت بها السورة. النداء العاشر (لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَـٰتِ مَا أَحَلَّ ٱلله لَكُمْ) ]يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تُحَرّمُواْ طَيّبَـٰتِ مَا أَحَلَّ ٱلله لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ ٱلله لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ[ (87). هنا يأتي النداء أن لا يحرّم المؤمنون ما أحلّ الله لهم من الطيبات، فالتحريم والتحليل حق الله وحده، والله عندما حرّم، لم يحرّم علينا إلا الخبائث الضارة، وأحلّ لنا الطيبات المفيدة بالمقابل، فجاءت الآية التي تليها ]وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱلله حَلَـٰلاً طَيّباً وَٱتَّقُواْ ٱلله ٱلَّذِى أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ[ (8 لتؤكد على هذا المعنى. والرابط بين هذا النداء والنداء الثاني ]لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ ٱلله[ هو أن تحريم الحلال معصية لله تعالى وتغيير لشرعه تماماً كتحليل الحرام. النداء الحادي عشر (محرّمات الشراب) بعدما تحدثت الآيات عن الطيبات تنتقل إلى الحديث عن الخبائث (بنفس الترتيب الذي بدأت فيه السورة في الآيات (1 - 2). ]يَـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلاْنصَابُ وَٱلاْزْلاَمُ رِجْسٌ مّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَـٰنِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (90). فالسورة بدأت بمحرّمات الطعام فلا بد أن تذكر محرّمات الشراب (فاسمها سورة المائدة) لتحذّر المسلم من الانغماس في ملذات الحياة المحرّمة وليفي بعهده فلا يدخل فمه قطرة خمر لتوقع العداوة والبغضاء في صفوف الأمة. لاحظ أن الآية تعاملت مع قضية الخمر بشدة فقرنت بينه وبين الأنصاب والأزلام وهي من مخلّفات الشرك بالله وذلك للتشنيع من هذه العادة المهلكة للأمم. والملاحظة الثانية أن القرآن استعمل كلمة (اجتنبوه) والتي هي أقصى درجات النهي والتحريم. النداء الثاني عشر – الثالث عشر (احذروا الابتلاء في الحلال والحرام) يقول الله تعالى ]يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ ٱلله بِشَىْء مّنَ ٱلصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَـٰحُكُمْ لِيَعْلَمَ ٱلله مَن يَخَافُهُ بِٱلْغَيْبِ[ (94) هذه الآية تحذر من البلاء (أي الامتحان) الذي قد يقع فيه المسلم ليختبر الله تعالى إيمانه وتطبيقه للحلال والحرام. وقد نزلت عندما كان الصحابة محرمين واختبرهم الله تعالى بألاّ يصطادوا مهما كانت الطرائد منتشرة من حولهم. لذلك أتت الآية التي بعدها ]يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ ٱلصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ[ (95) لتؤكد على نفس المعنى. وهناك علاقة واضحة بين أول السورة وآخرها حيث نرى التركيز على أحكام الصيد. النداء الرابع عشر (لا تضيّقوا على أنفسكم) وتستمر النداءات إلى أن نصل إلى قوله تعالى ]يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْءانُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱلله عَنْهَا وَٱلله غَفُورٌ حَلِيمٌ[ (101). هذه الآية ضابط من الضوابط التي وضعها الله تعالى في قضايا الحلال والحرام، يخطئ الكثير من الناس في فهمه، وهو عدم السؤال في المباحات إلى درجة تصل إلى حد التضييق على الإنسان، مما قد يؤدي إلى ترك الأمور التي ضيّق بها السائل على نفسه فيقع بما قد حرّم عليه. فهذه الآية تدعو إلى التوازن فإذا كان الله تعالى قد أمرنا بالوفاء بالعقود لكن ذلك لا ينبغي أن يوصلنا للتضييق على أنفسنا. ففي سورة المائدة إذاً توازن بين التزام الأوامر والنواهي والوفاء بعهد الله وبين عدم التشديد على النفس فيما لم يأمر به الله تعالى. النداء الخامس عشر (لا تكن إمعة) وتتوالى الآيات، وتصل بنا إلى النداء 15 والذي هو ضابط آخر من ضوابط الحلال والحرام: ]يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَّن ضَلَّ إِذَا ٱهْتَدَيْتُمْ...[ (105). قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه خطيباً في الناس فقال: "إنكم تضعون هذه الآية في غير موضعها". لأن الناس قد ظنوا أن معنى قوله تعالى ]... عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ[ أي لا تأخذوا بأيدي أحد للهداية، فمن أراد الضلال فليضل، فأدى فهمهم الخاطئ إلى ترك الدعوة إلى الله تعالى. لكن معنى الآية: لو كل الناس من حولك غيّرت الحلال والحرام وتركت الوفاء بالعقود، فعليكم أنفسكم يا مؤمنين، فأثبتوا على الحق ولا تغيروا أحكام الدين، وهذا مصداق لحديث النبي صلى الله عليه وسلم "لا يكن أحدكم إمعة إن أحسن الناس أحسنت وإن أساء الناس أسأت، ولكن إن أحسن الناس فأحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا". إذاً فالسورة ركزت في الندائين 14 و15 على ضابطين للأوامر والنواهي: - لا تضيّق على نفسك - لا تتأثر بالناس من حولك. تأتي الآية ]يِـأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ شَهَـٰدَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ[ (106) لتكمل سلسلة الأحكام في السورة، ولتثبت شمولية الإسلام لكل شؤون الحياة، من أمور الطعام والشراب، إلى الزوجات والعلاقات الأسرية إلى أحكام الحدود والعلاقات الدولية إلى المعاملات والشهادات والوصية. تأمل معي - مرة أخرى - آية تمام الدين وشموله لكل جوانب الحياة: ]ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً[(3). واحمد الله تعالى على النعمة التي أتمها عليك في هذا الدين وأحكام شريعته الغراء. لماذا سميت سورة المائدة بهذا الاسم وأخيراً بقي أن نشير إلى سبب تسمية السورة بسورة المائدة وهل هذا بسبب ذكر قصة المائدة، فالسورة تتحدث عن الوفاء بالعقود، فما الذي يربط بينها وبين المائدة: ]إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ ٱلسَّمَاء قَالَ ٱتَّقُواْ ٱلله إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ & قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّـٰهِدِينَ & قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللهمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مّنَ ٱلسَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لاِوَّلِنَا وَءاخِرِنَا وَءايَةً مّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ & قَالَ ٱلله إِنّى مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنّى أُعَذّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذّبُهُ أَحَداً مّنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ[ (112 - 115). فالآية الأخيرة هي آية محورية ]قَالَ ٱلله إِنّى مُنَزّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ...[ (أي فمن ينقض العهد بعد إنزال المائدة)، فارتبطت قصة المائدة بقصة قوم طلبوا آية من الله تعالى فأعطاهم ربهم ما طلبوا وأخذ عليهم عهداً شديداً، إن نقضوه فسوف يعذّبون عذاباً شديداً. أما بالنسبة لأمتنا، فقد أعطاها الله تعالى في هذه السورة الآية المحورية ]ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلأسْلاَمَ دِيناً[ هذه الآية منحة ربانية مشابهة للآية التي أعطيها الحواريون (المائدة)، وهم قد وفوا بعهدهم فهل سيفي المسلمون بعهدهم؟ من فضلك وأنت تقرأ سورة المائدة، استشعر عظم النعمة التي أتمها ربنا علينا بإتمام الدين، وجاهد نفسك للإيفاء بعهد الله تعالى في كل أمور حياتك. يتبــع
سورة المائدة سورة المائدة (مدنية)، ومنها ما نزل في مكة (بعد حجة الوداع). نزلت بعد سورة...
ســورة الأنعــــام



سورة الأنعام (مكية) وهي أول سورة مكية في ترتيب المصحف (سور البقرة إلى المائدة كلها سور مدنية)، نزلت بعد سورة الحجر وعدد آياتها 165 آية.

ليل أبيض

رافق نزول هذه السورة ميزات عديدة. فهي أولاً نزلت على قلب النبي صلى الله عليه وسلم جملة واحدة (في ليلة واحدة)، بينما نلاحظ أن كل السور الطوال في المصحف كانت تتنزّل آياتها متفرقة. ولعل من أجمل ما يميّز هذه السورة أنها نزلت يحفها سبعون ألف ملك لهم زجل - أي صوت رفيع عالي - من التسبيح يسد الخافقين، وكل هذا في وقت الليل..

هدف السورة

تبدأ السورة بقوله تعالى: ]ٱلْحَمْدُ لله ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَٱلْحَمْدُ لله ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ & هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهوَهُوَ ٱلله فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَفِى ٱلاْرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَفَقَدْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَقُل لّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ قُل للهوَلَهُ مَا سَكَنَ فِى ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَقُلْ أَغَيْرَ ٱلله أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَقُلْ إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍمَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُقُلْ أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَـٰدةً قُلِ ٱلله شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱلله ءالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَوَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذّبَ بِـئَايَـٰتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَوَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَوَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَوَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىء بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَوَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَـٰهُمْ نَصْرُنَا...قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـئَايَـٰتِ ٱلله يَجْحَدُونَوَمَا مِن دَابَّةٍ فِى ٱلاْرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِى ٱلكِتَـٰبِ مِن شَىْءقُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱلله أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱلله تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَحَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَقلقُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱلله سَمْعَكُمْ وَأَبْصَـٰرَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱلله يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ ٱلاْيَـٰتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ & قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱلله بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّـٰلِمُونَقُلْ إِنّى عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّى وَكَذَّبْتُم بِهِ...وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلاْرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍوَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِوَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةًقُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِقُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْوَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ بِٱلْحَقّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّوَرِ عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُوَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ & فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبّى فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ ٱلاْفِلِينَفَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبّى هَـٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَإِنّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَقَالَ أَتُحَاجُّونّى فِى ٱلله وَقَدْ هَدَانِى...وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبّى شَيْئاًوَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَـٰهَا إِبْرٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ...ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَوَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَوَمَا قَدَرُواْ ٱلله حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ ٱلله عَلَىٰ بَشَرٍ مّن شَىْء...قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِى جَاء بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لّلنَّاسِ... قُلِ ٱلله ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَوَجَعَلُواْ لله مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلاْنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا لله بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى ٱلله وَمَا كَانَ لله فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَوَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَـٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نَّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَـٰمٌ حُرّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَـٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱلله عَلَيْهَا ٱفْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ & وَقَالُواْ مَا فِى بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلانْعَـٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌقُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لله رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ & لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ & قُلْ أَغَيْرَ ٱلله أَبْغِى رَبّا وَهُوَ رَبُّ كُلّ شَىْء وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَاقُلْ أَغَيْرَ ٱلله أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِأَفَغَيْرَ ٱلله أَبْتَغِى حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِى أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مُفَصَّلاً...قُلْ أَغَيْرَ ٱلله أَبْغِى رَبّا...وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَـٰئِفَ ٱلاْرْضِ... وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَـٰكُمْيتبــع
o0oالـ غ ــلاo0o
o0oالـ غ ــلاo0o
ســورة الأنعــــام سورة الأنعام (مكية) وهي أول سورة مكية في ترتيب المصحف (سور البقرة إلى المائدة كلها سور مدنية)، نزلت بعد سورة الحجر وعدد آياتها 165 آية. ليل أبيض رافق نزول هذه السورة ميزات عديدة. فهي أولاً نزلت على قلب النبي صلى الله عليه وسلم جملة واحدة (في ليلة واحدة)، بينما نلاحظ أن كل السور الطوال في المصحف كانت تتنزّل آياتها متفرقة. ولعل من أجمل ما يميّز هذه السورة أنها نزلت يحفها سبعون ألف ملك لهم زجل - أي صوت رفيع عالي - من التسبيح يسد الخافقين، وكل هذا في وقت الليل.. هدف السورة تبدأ السورة بقوله تعالى: ]ٱلْحَمْدُ لله ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ[، فتشعر أخي المسلم من بداية السورة بهدفها ومحورها الأساسي، ألا وهو توحيد الله عز وجل وعدم الشرك به أبداً، وأن لا يكون في قلبك غير الله تبارك وتعالى. وتتكرّر مسألة توحيد الله تعالى وعدم الشرك به 49 مرة في السورة، في49 آية أي حوالي (30%) من مجموع السورة. ولهذا نعلم سبب نزولها بهذه الهيبة ولماذا كان يحفها سبعون ألف ملك كما ويمكننا أن نستشعر الحكمة من نزولها ليلاً، فإنَّ جوَّ الليل يناسب هذه الروحانيات. المخاطبون في السورة في خضم الأفكار والمذاهب ومناهج الحياة المختلفة - سواء أكانت هذه الأفكار عبادة للأصنام أو لقوى الطبيعة كما في عصر النبي، أو إلحاداً وإنكاراً لوجود الله كما في عصرنا الحديث - تأتي سورة الأنعام لترد على كل هؤلاء من خلال الحديث عن قدرة الله وعظمته في الكون. ولهذا فإن السورة تخاطبك أيها المؤمن أولاً، لتزيد من إيمانك بالله وحبك له وإخلاصك في عبادته. وإلى جانب ذلك فهي تعطيك مادة للرد على الماديين ومنكري وجود الله: من خلال الحديث عن قدرة الله في الكون، ثم نقض زعم الملحدين بأنّ الطبيعة هي التي خلقت الكون، أو أن الكون خلق صدفة، فالإتقان والإبداع في الكون هما أكبر دليلين على عظمة الخالق جل وعلا وتوحيده. وتخاطب هذه السورة فريقاً ثالثاً، وهم الناس الذين يؤمنون بالله لكنهم لا يريدون أن يطبّقوا هذا الإيمان في سلوكهم. فتوضح لهم - كما سيتبين معنا في آخر السورة وفي سبب تسميتها - أنّ الإيمان لا يتجزأ، وأنه يجب أن يطبّق على الاعتقاد القلبي وعلى السلوك معاً. وهنا نفهم أهمية نزولها دفعة واحدة، وذلك للتأكيد على أن التوحيد متكامل جملة واحدة في الاعتقاد والتطبيق. بداية السورة موجة آيات القدرة. تبدأ السورة بثلاث آيات تظهر قدرة الله تعالى: ]ٱلْحَمْدُ لله ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ & هُوَ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَه[ُ وبعدها قوله تعالى: ]وَهُوَ ٱلله فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَفِى ٱلاْرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ[. وقوله تعالى: ]فَقَدْ كَذَّبُواْ بِٱلْحَقّ لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ[ (5). فهذه الآيات تدعو مَنْ يقرأها إلى أن يستشعر قدرة الله تعالى.. فإذا وجد إدباراً من الكفار المنكرين، استشعر عظم جرمهم ومدى جرأتهم وضلالهم، وواجههم بآياتها. الزمان.. والمكان وتلاحظ في الآيات معنىً لطيفاً.. فالآية (12) تقول: ]قُل لّمَن مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ قُل لله[، والآية (13) تقول: ]وَلَهُ مَا سَكَنَ فِى ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ[. الأولى تذكر أنّه ملَكَ المكان ]ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ[ والثانية تذكر أنه ملَكَ ]ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ[ أي الزمان، فسبحان من خلق الزمان والمكان وأخضعهما لملكه. ما العلامة..؟! فإذا عرفت أنّ الله ملك الزمان والمكان.. فاقرأ بعد ذلك آية المواجهة الرائعة: ]قُلْ أَغَيْرَ ٱلله أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ[ (14) ]قُلْ إِنّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ[ (15) ]مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ[ (16). فالآيات تريد منك أخي المسلم أن تتحرر من كل مظاهر العبودية لغير الله، أو الخوف من مخلوق، فتلك علامة المعرفة وثمرة التصديق. لاحظ في كل ما سبق أن كلمة (قل) تأتي دائماً بعد كلمة (هو)، وكأنّ المعنى: استشعر من (هو) الله واملأ قلبك بحبه، ثم تحرك و(قل)من هو الله وادع إليه وواجه كل من يشرك به. حادثة عملية في المواجهة ثم تأتي جماعة من الكفار ليقولوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم: هل معك دليل على رسالتك؟من يشهد لك أنك نبي؟ ومن يشهد أنّ إلهك واحد؟ فلقد سألنا اليهود عنك ليشهدوا لك فقالوا لا يوجد عندنا دليل.. فترد عليهم إحدى آيات المواجهة (الآية 19): ]قُلْ أَىُّ شَىْء أَكْبَرُ شَهَـٰدةً قُلِ ٱلله شَهِيدٌ بِيْنِى وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِىَ إِلَىَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ لأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ ٱلله ءالِهَةً أُخْرَىٰ قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌ وٰحِدٌ وَإِنَّنِى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ[ فهل في الكون كله أعظم من شهادة الله سبحانه وتعالى لنفسه ولنبيه. مشاهد حية من يوم القيامة وأحياناً تشعرك الآيات أنك تشاهد مناظرها وتسمع أهلها.. فها هم يقفون أمام جهنم ]وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى ٱلنَّارِ فَقَالُواْ يٰلَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذّبَ بِـئَايَـٰتِ رَبّنَا وَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ[ (27). ثم تنقلك الآيات إلى وقفة جليلة مهيبة، لطالما كذّب بها الكفار وأنكروها، وقفة أمام جبار السماوات والأرض ]وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ[ (30). وانظر إلى هؤلاء المثقلين المتعبين من الفسّاق والفجار بأحمالهم الثقيلة.. أنظر إليهم ]وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَىٰ ظُهُورِهِمْ أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ[ (31). الصبر والتثبيت عند المواجهة ولا تكتفي الآيات بمد النبي صلى الله عليه وسلم (وبالتالي كل الدعاة إلى الله) بالحجج والردود اللازمة لمواجهة الكفار فحسب، بل أنها تثبته وتعينه على الصبر على ما يلقاه من التكذيب: ]وَلَقَدِ ٱسْتُهْزِىء بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِٱلَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُمْ مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءونَ[ (10)، وتقول أيضاً: ]وَلَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَىٰ مَا كُذّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّىٰ أَتَـٰهُمْ نَصْرُنَا...[ (34). ولكن قمة التثبيت تأتي في قوله تعالى: ]قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِى يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ بِـئَايَـٰتِ ٱلله يَجْحَدُونَ[ (33). يا محمد، إن هؤلاء لا يكذّبون شخصك، إنهم يكذّبون الله وآياته، فهو ولّيك وناصرك من دونهم. كلمات كالموج الهادر وتمضي الآيات على نفس السياق: آية قدرة فآية مواجهة. فتأتي آية رائعة في بيان قدرة الله تعالى: ]وَمَا مِن دَابَّةٍ فِى ٱلاْرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَـٰلُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِى ٱلكِتَـٰبِ مِن شَىْء[ (3. فإذا جحد هؤلاء الظالمون بكتاب الله، تبدأ الآيات في الشدة بمواجهتهم. ]قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱلله أَوْ أَتَتْكُمْ ٱلسَّاعَةُ أَغَيْرَ ٱلله تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ[(40). وتحذرهم من التمادي في المعاصي حتى لا تطبّق عليهم السنّة الكونية في البشر ]حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَـٰهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ[ (44). وتأتي موجة جديدة من آيات المواجهة التي تبدأ بكلمة ]قل[: ]قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ ٱلله سَمْعَكُمْ وَأَبْصَـٰرَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ مَّنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱلله يَأْتِيكُمْ بِهِ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرّفُ ٱلاْيَـٰتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ & قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱلله بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ[ (46-47). إنّ سياق الآيات والكلمات يرقق المشاعر ويجعل القلب يخشع ويرغب في القرب من الله. أسلوب جديد في المواجهة ولأن الآيات تجهّز النبي r ليواجه قومه بالدعوة، فإنها تستخدم أسلوباً جديداً في الآية (57) ففي قوله تعالى: ]قُلْ إِنّى عَلَىٰ بَيّنَةٍ مّن رَّبّى وَكَذَّبْتُم بِهِ...[ تأكيد على الثوابت العقائدية، وثقة بالنفس تهز الطرف الآخر. وهي طريقة دعوية مفيدة نتعلمها من آيات السورة. شمول العلم والقدرة وتبدأ الآيات في موجة جديدة من عرضها لقدرة الخالق، في سياق يهز القلب ويحرك أوتاره: ]وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلاْرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِى كِتَـٰبٍ مُّبِينٍ[(59) وكأنك ترى الورقة وهي تسقط في الصحراء أو على جبل أو في قاع بحر.. ومن الذي يتوفى الأنفس؟ إنه الله ]وَهُوَ ٱلَّذِى يَتَوَفَّـٰكُم بِٱلَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِٱلنَّهَارِ[(60) فكيف تشركون به؟ ومن الذي شمل الخلق علماً وعدداً؟ إنه الله ]وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً[(61) أي ملائكة تحفظكم من الآفات وتكتب أعمالكم من الحسنات والسيئات. ومن الذي ينجي العباد من مهالك البر والبحر؟ إنه الله ]قُلْ مَن يُنَجّيكُمْ مّن ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ[ (63). فكيف تشركون به؟ فإن شكّك أحد في ذلك فإن الآية ترد عليه بقوة: ]قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ[ (65) فمن الذي يخرج عن قدرته أو يغيب عن شمول علمه سبحانه وتعالى..؟! فما هو شعور المؤمن الذي يقرأ سورة الأنعام؟ إنه يشعر أن مشاعره تهتزّ وهي تنزل على النبي ليلاً في موكب من الملائكة.. يشعر بصوت الملائكة وهم يسبّحون الله لعظمة هذه السورة.. فهذه السورة تزلزل النظرة الإنسانية وتطوف بالإنسان لتأخذه إلى ملكوت السموات والأرض والنهار والليل والبر والبحر والشمس والقمر والنجوم.. تريك الجنات المعروشات.. إنها تطلعك على ملك الله عز وجل.. حتى تصل إلى آية أخرى من آيات القدرة ]وَهُوَ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ بِٱلْحَقّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ قَوْلُهُ ٱلْحَقُّ وَلَهُ ٱلْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّوَرِ عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ وَهُوَ ٱلْحَكِيمُ ٱلْخَبِيرُ[ (73). رحلة مؤمنة: سيدنا إبراهيم وقومه وتبدأ السورة بعد ذلك في عرض قصة إبراهيم ونظره في مظاهر قدرة الله في الكون.. ليسير نسق الآيات بين القدرة والمواجهة. إن هذه القصة ليست منفصلة عن ترتيب السورة بل إنها وظّفت لتخدم الهدف تماماً. يقول تعالى: ]وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ & فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبّى فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ ٱلاْفِلِينَ[ (75-76). إنه ترتيب السورة نفسه، فإنه عليه السلام ينظر في قدرة الله تعالى: ]فَلَماَّ رَأَى ٱلشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـٰذَا رَبّى هَـٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يٰقَوْمِ إِنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ[ (7. نعم لأنَّ الإله لا شك أنه أعظم من هذا كله ولذلك قال: ]إِنّى وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ[ (79). وبعد استخدامه لأسلوب عرض آيات القدرة تبدأ المواجهة ]قَالَ أَتُحَاجُّونّى فِى ٱلله وَقَدْ هَدَانِى...[ (80) مع تركيزه على نفي الشرك وتوحيد الله ]وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبّى شَيْئاً[ (80). لذلك أثنى الله على هذا الأسلوب الدعوي بقوله تعالى: ]وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَـٰهَا إِبْرٰهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ...[ (83). التحذير الشديد من الشرك وفي التعقيب على قصة إبراهيم تأتي آية محورية في التحذير من الشرك: ]ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَـٰنَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ ٱلاْمْنُ وَهُمْ مُّهْتَدُونَ[ (82). لما نزلت هذه الآية شق ذلك على أصحاب رسول الله، قالوا: وأيّنا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله: ليس كما تظنون، إنما هي كما قال العبد الصالح لابنه(أي سيدنا لقمان): إن الشرك لظلم عظيم. وحتى في الحديث عن أحب الخلق إلى الله، وهم الأنبياء، تقول الآيات بوضوح ]وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ[ (8. قدرة ومواجهة في نفس الآية نصل إلى الآية (91) والتي اشتملت في أولها على آية من أروع آيات القدرة: ]وَمَا قَدَرُواْ ٱلله حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ ٱلله عَلَىٰ بَشَرٍ مّن شَىْء...[ (100). وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً في أصحابه وتلا هذه الآية، ثم قال: يمجّد الله نفسه، يقول: أنا الملك، أنا القدوس... وأخذ بترديد أسماء الله الحسنى، فنظر الصحابة إلى المنبر، وكان يرجف برسول الله من وقع عظمة الله تعالى. إن الجماد والخشب قد اهتزا لجلال الله تعالى، بينما هناك قلوب لم تتحرك من خشيته أو لجلاله، فتواجه الآية في نصفها الثاني هؤلاء: ]قُلْ مَنْ أَنزَلَ ٱلْكِتَـٰبَ ٱلَّذِى جَاء بِهِ مُوسَىٰ نُوراً وَهُدًى لّلنَّاسِ... قُلِ ٱلله ثُمَّ ذَرْهُمْ فِى خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ[ (91). سبب التسمية: توحيد في القصد والعمل ويبقى سؤال أخير وهو: لماذا سميّت هذه السورة بالأنعام؟ إن الأنعام هي المواشي التي يقوم الناس برعيها ويأكلون لحمها، ولكن ما العلاقة بين الأنعام وبين سورة تتحدث عن توحيد الله تعالى. إن العلاقة بينهما وثيقة جداً، فإن السورة تناولت موضوع توحيد الله تعالى، وهي تحذر الناس من الاعتقاد بأنّ التوحيد يكون بأنْ يقول المرء في نفسه أنا أوحّد الله وواقع حياته لا يشهد بذلك، بل ينبغي أن يوحّد الله اعتقاداً وتطبيقاً. فكثير من الناس يوحّدون الله اعتقاداً فهو يجزم بهذا الأمر ولا مجال للنقاش أو الشك في توحيده لله عزّ وجلْ ولكن إذا تأملنا واقع حياته، وهل يطبق شرع الله تعالى في كل تصرفاته فإننا سنجد أنّ الأمر مختلف. وسبب تسمية السورة بالأنعام أنّ العرب كانوا ينظرون للأنعام على أنها ثروتهم الأساسية وعصب حياتهم، فتعاملوا معها على أنها تخصهم ولا علاقة لله تعالى بها - بزعمهم - يقول تعالى: ]وَجَعَلُواْ لله مِمَّا ذَرَأَ مِنَ ٱلْحَرْثِ وَٱلاْنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـٰذَا لله بِزَعْمِهِمْ وَهَـٰذَا لِشُرَكَائِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى ٱلله وَمَا كَانَ لله فَهُوَ يَصِلُ إِلَىٰ شُرَكَائِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ[ (136). وبعد ذلك يقول ]وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَـٰمٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نَّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَـٰمٌ حُرّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَـٰمٌ لاَّ يَذْكُرُونَ ٱسْمَ ٱلله عَلَيْهَا ٱفْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ & وَقَالُواْ مَا فِى بُطُونِ هَـٰذِهِ ٱلانْعَـٰمِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰ أَزْوٰجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ[ (138 - 139). فهذا تحذير من توحيد الله اعتقاداً فقط دون أن يكون لهذا التوحيد أثر في التطبيق.. فإياكم ثم إياكم أن توحّدوا الله تعالى في الاعتقاد وتخالفوا ذلك في التطبيق. لهذا اختار ربنا نوعاً من أخطاء التطبيق وسمى به السورة حتى يخاف المرء ويسأل نفسه عن التطبيق كلما قرأ آيات التوحيد وعدم الشرك. طريق السلامة ولأن التوحيد يشمل الاعتقاد والتطبيق جاء ختام السورة ]قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لله رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ & لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ & قُلْ أَغَيْرَ ٱلله أَبْغِى رَبّا وَهُوَ رَبُّ كُلّ شَىْء وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا[ (162 - 164). فمن كانت لـه هذه القدرة أحق بأن يكون لـه التوحيد الخالص في كل مظاهر حياتنا الفكرية والروحية والعملية. هذه المعاني كلها تلخصت في ثلاث آيات محورية في المواجهة على مدار السورة: ]قُلْ أَغَيْرَ ٱلله أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ[ (14). ]أَفَغَيْرَ ٱلله أَبْتَغِى حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِى أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَـٰبَ مُفَصَّلاً...[ (114). ]قُلْ أَغَيْرَ ٱلله أَبْغِى رَبّا...[ (164). فهذه الآيات الثلاث ركزت على محاور التوحيد الثلاثة وهي التوحيد في الربوية وفي المحبة وفي الاحتكام لشرع الله تعالى. ختام السورة: الاستخلاف بعدما أكد الله تعالى من خلال آيات السورة ملكه للأرض وإبداعه لها وتصرفه فيها، أعطانا الأرض واستخلفنا عليها: ]وَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَكُمْ خَلَـٰئِفَ ٱلاْرْضِ[ (165). وهنا لفتة لطيفة في الربط بين هدف سورة الأنعام وهدف سورة البقرة (المسؤولية عن الأرض). كما أنّ الختام هنا يمهّد لسورة الأعراف التي تناولت موضوع الصراع في الأرض بين الحق والباطل: ]... وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـٰتٍ لّيَبْلُوَكُمْ فِى مَا آتَـٰكُمْ[ (165). وانظر هنا لعلاقة السور الرائعة مع بعضها: وكأنّ السور الثلاث توجه رسالة موحدة: يا مسلمون، بعد أن فهمتم أهمية توحيد الله في التطبيق كما في الاعتقاد (سورة الأنعام)، فإن الله قد أعطاكم هذه الأرض لتطبّقوا شرعه عملياً، فأنتم يا أمة محمد مسؤولون عنها (سورة البقرة) فأين أنتم في الصراع على الاستخلاف بين الحق والباطل (سورة الأعراف) ؟ يتبــع
ســورة الأنعــــام سورة الأنعام (مكية) وهي أول سورة مكية في ترتيب المصحف (سور البقرة إلى...
ســورة الأعــراف



الأعراف (مكية) نزلت بعد سورة (ص) وهي في المصحف بعد سورة الأنعام وعدد آياتها 206.

قذائف الحق على الباطل

نزلت السورة في وقت كان الصراع فيه على أشده بين المسلمين والكفار. وبالتحديد في الوقت الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة. إنها مرحلة جديدة، مرحلة فيها الإعلان والمواجهة، وقد يخجل البعض أو يخاف الأذية.. أنزلت السورة في هذا الظرف وهذا الجو، لتتحدث عن الصراع بين الحق والباطل وأن هذا الصراع سنّة كونية دائمة ومستمرة منذ خلق الله الخلق إلى نهاية يوم القيامة.

فبدأت السورة بالصراع بين آدم وإبليس مع بدء الخليقة وأتبعته بالحوار بين أهل الجنة وأهل النار، وكأن المعنى: هذه هي نتيجة الصراع: فريق في الجنة وفريق في النار. وبعد ذلك رسمت خطاً بيانياً يظهر الصراع في تاريخ البشرية بين كل نبي وقومه، ويظهر أن نهاية الصراع دائماً هي هلاك الظالمين بسبب فسادهم. وبين كل مقطع من هذه المقاطع تسألك السورة: أين أنت من هذا الصراع؟ حدّد موقفك.

وهذا المحور لمناسب جداً لجو الصحابة في المرحلة المكية كما أنه ينعكس على الناس جميعاً في كل زمان ومكان. ففي كل عصر سيعيش الناس مواقف صراع بين الحق والباطل على مستوى الدول والأمم وعلى مستوى الحياة الشخصية أي بين الإنسان ونفسه.

ربما أنت السبب..!

والهدف الذي تدور حوله أحداث السورة ومعانيها هو ضرورة تحديد الموقف وسط الصراع.. حدد موقفك يا مسلم.. في أي الفريقين أنت؟ لا تكن من المتفرجين.

وهذا المعنى يبدو واضحاً في قصص الأنبياء الواردة في هذه السورة، والتي ركّزت على الفصل بين المؤمنين الذين أنجاهم الله تعالى وبين الكفار، مع عدم ذكر أي فئة سلبية أو متفرجة، لأن الأصل أن يكون للإنسان موقف محدد في حياته. ففي قصة نوح مثلاً نرى أن ختام القصة كان: ]فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَـٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَفَأَنجَيْنَـٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَوَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَن
قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَفَأَنجَيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهقَالَ ٱلْمَلاَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ... فِي مِلَّتِنَاقَالَ ٱلْمَلاَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ... لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْوَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلاْعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَـٰهُمْوَنَادَوْاْ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَوَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَـٰرُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ & وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلاْعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَـٰهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَفَدَلَّـٰهُمَا بِغُرُورٍفَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءتِهِمَافَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءتُهُمَا...يَـٰبَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوٰرِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًايَـٰبَنِى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءتِهِمَا..يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍقُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ...يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱلله مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُأُبَلّغُكُمْ رِسَـٰلـٰتِ رَبّى...أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ...إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍإِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرّجَالَ شَهْوَةً مّن دُونِ ٱلنّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَفَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ...قَالَ ٱلْمَلاَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ...إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا...فَأَنجَيْنَـٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ...فَأَنجَيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُلَنُخْرِجَنَّكَ يـٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَكَفَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ & فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَـٰغِرِينَ & وَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سَـٰجِدِينَقَالُواْ ءامَنَّا بِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ & رَبّ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ & قَالَ فِرْعَوْنُ ءامَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ لَكُمْ...لاقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لاَصَلّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَقَالُواْ إِنَّا إِلَىٰ رَبّنَا مُنقَلِبُونَ & وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ ءامَنَّا بِـئَايَـٰتِ رَبّنَا لَمَّا جَاءتْنَارَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ...ٱسْتَعِينُواْ بِٱلله وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱلارْضَ لله يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَقَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَاقَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى ٱلاْرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَوَجَـٰوَزْنَا بِبَنِى إِسْرءيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْقَالُواْ يٰمُوسَى ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَفَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَاخُذُواْ مَا ءاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ...وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌأَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَـٰلِمِينَ & وَلَمَّا سُقِطَ فَى أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَفَٱقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍقَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَاقَالُواْ آمَنَّا بِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌوَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِى ءاتَيْنَـٰهُ ءايَـٰتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ & وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـٰهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلاْرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث...إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَيتبــع