o0oالـ غ ــلاo0o
o0oالـ غ ــلاo0o
ســورة الأعــراف الأعراف (مكية) نزلت بعد سورة (ص) وهي في المصحف بعد سورة الأنعام وعدد آياتها 206. قذائف الحق على الباطل نزلت السورة في وقت كان الصراع فيه على أشده بين المسلمين والكفار. وبالتحديد في الوقت الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بالجهر بالدعوة. إنها مرحلة جديدة، مرحلة فيها الإعلان والمواجهة، وقد يخجل البعض أو يخاف الأذية.. أنزلت السورة في هذا الظرف وهذا الجو، لتتحدث عن الصراع بين الحق والباطل وأن هذا الصراع سنّة كونية دائمة ومستمرة منذ خلق الله الخلق إلى نهاية يوم القيامة. فبدأت السورة بالصراع بين آدم وإبليس مع بدء الخليقة وأتبعته بالحوار بين أهل الجنة وأهل النار، وكأن المعنى: هذه هي نتيجة الصراع: فريق في الجنة وفريق في النار. وبعد ذلك رسمت خطاً بيانياً يظهر الصراع في تاريخ البشرية بين كل نبي وقومه، ويظهر أن نهاية الصراع دائماً هي هلاك الظالمين بسبب فسادهم. وبين كل مقطع من هذه المقاطع تسألك السورة: أين أنت من هذا الصراع؟ حدّد موقفك. وهذا المحور لمناسب جداً لجو الصحابة في المرحلة المكية كما أنه ينعكس على الناس جميعاً في كل زمان ومكان. ففي كل عصر سيعيش الناس مواقف صراع بين الحق والباطل على مستوى الدول والأمم وعلى مستوى الحياة الشخصية أي بين الإنسان ونفسه. ربما أنت السبب..! والهدف الذي تدور حوله أحداث السورة ومعانيها هو ضرورة تحديد الموقف وسط الصراع.. حدد موقفك يا مسلم.. في أي الفريقين أنت؟ لا تكن من المتفرجين. وهذا المعنى يبدو واضحاً في قصص الأنبياء الواردة في هذه السورة، والتي ركّزت على الفصل بين المؤمنين الذين أنجاهم الله تعالى وبين الكفار، مع عدم ذكر أي فئة سلبية أو متفرجة، لأن الأصل أن يكون للإنسان موقف محدد في حياته. ففي قصة نوح مثلاً نرى أن ختام القصة كان: ]فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَـٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ[ (64) وفي قصة هود: ]فَأَنجَيْنَـٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ[ (72). وفي قصة لوط: ]وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ[ (82) ]فَأَنجَيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَه[ُ. وفي قصة شعيب: ]قَالَ ٱلْمَلاَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ... فِي مِلَّتِنَا[ (88). وفي قصة صالح: ]قَالَ ٱلْمَلاَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ... لِمَنْ ءامَنَ مِنْهُمْ[ (75). وكأن المعنى في هذا كله إما أن تكون مع (الذين آمنوا معه) وإما أن تكون مع (الذين كذبوا بآياتنا) فلا وجود للفئة المتفرجة في هذه القصص. سبب تسمية السورة بالأعراف فلماذا سميت السورة بهذا الاسم (الأعراف)؟ يقول تبارك وتعالى: ]وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلاْعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَـٰهُمْ[ (46) أي بين الجنة والنار يعرفون أهل كل منهما فينادون أصحاب الجنة:]وَنَادَوْاْ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ[(46) ويخافون من النار ]وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَـٰرُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَـٰبِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ & وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلاْعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَـٰهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ[ (47-48). فمن هم أصحاب الأعراف؟ إنهم أناس تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فهم لم يحسموا مواقفهم وأعمالهم في الحياة. ولأن الجزاء من جنس العمل، فهم يوم القيامة يحبسون في مكان عالٍ (يسمى الأعراف) بين الجنة والنار، ليشرفوا على المكانين. والمترددون يشملون أصنافاً كثيرة من الناس (لذلك هناك أعراف كثر وليسوا عرفاً واحداً)، فإياك أن تكون أحدهم.. أخي المسلم بادر إلى اتباع طريق الحق ولا تكن اعرافياً، بل احسم موقفك لأنك قد تحرم حتى من أن تكون مع أصحاب الأعراف في حال سوء الخاتمة والعياذ بالله. آدم وإبليس: فدلاهما بغرور ومنذ بداية البشرية يبدأ الصراع بين آدم وإبليس الآيات (20 - 22)، فكيف كان إغواء إبليس لأبوينا؟ ]فَدَلَّـٰهُمَا بِغُرُورٍ[ (22) أي أن طريقة الإغواء كانت بتركهما في حيرة وعدم استقرار، فكان استعمال كلمة (فدلاهما) لتشبيهها بمن يدلو دلوه في البئر ثم يتركه معلقاً وسطه دون أن يحسم مكانه. ولذلك فإن الإيجابية وحسم الأمر من أقوى جند الحق والسلبية والتردد طريق المعصية وإن كان صاحبهما مؤمناً. العري: سلاح إبليس لاحظ تركيز إبليس على نوع من أنواع الإفساد: العري، وهذا واضح في الآيات: ]فَوَسْوَسَ لَهُمَا ٱلشَّيْطَـٰنُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءتِهِمَا[ (20) فماذا كانت النتيجة ]فَلَمَّا ذَاقَا ٱلشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءتُهُمَا...[ (22). لذلك كان الأمر الإلهي بالستر والتحذير من كل مظاهر كشف العورات: ]يَـٰبَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوٰرِى سَوْءتِكُمْ وَرِيشًا[ (26). ]يَـٰبَنِى آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءتِهِمَا..[ (27). ]يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ[ (31). تعلّموا يا شباب من هذه السورة، أرأيتم كثرة الآيات المحذّرة؟ تعلّموا ستر العورات وغض الأبصار، تعلّموا يا فتيات العفة والحشمة، واحسموا موقفكن من الحجاب بدون تردد، لأن العري سلاح إبليس منذ بدء الخليقة، وانتشاره يساعد على نشر الرذيلة وسهولة المعصية، لذلك كان التعقيب على قصة آدم قوله تعالى: ]قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ ٱلْفَوٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ...[ (33). قصص الأنبياء: رسم بياني للصراع عبر التاريخ وللتأكيد على الرسائل التي تحملها السورة: 1. أن الصراع بين الحق والباطل دائم ولن يتوقف. 2 أن الباطل منهزم لا محالة. 3 أن السبب الأساسي لهزيمة الباطل هو البعد عن الله والفساد بأشكاله المختلفة (الأخلاقي أو الاقتصادي أو الاجتماعي). تذكر لنا السورة قصصاً لخمسة أنبياء من أنبياء الله ومواجهتهم لأقوامهم. والملاحظ أن هذه القصص قد ذكرت مرات عدة في القرآن، فما الذي يميّزها هنا؟ إنها تخدم هدف السورة في حسم الموقف من الصراع، من خلال: - إظهار أن عناصر المواجهة بين كل الأنبياء وأقوامهم هي تقريباً نفسها (مع نفس الكلمات أحياناً)، وكل هذا لإثبات قدم الصراع وتكراره مع تغيّر الأشخاص والأمم. فكانت دعوة الأنبياء كلها واحدة ]يَـٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱلله مَا لَكُم مّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ[ (59). ]أُبَلّغُكُمْ رِسَـٰلـٰتِ رَبّى...[ (68) وحتى الحجج ]أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ...[ (69). - انتهاء إلى تكذيب الكفار ]إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ[ (60)، ]إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ[ (66). - التركيز على نهاية الباطل، تحت قاعدة "الجزاء من جنس العمل". فقوم ثمود، مثلاً، كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين، فدعاهم أمنهم إلى الاستكبار على دين الله، فكان عقابهم الرجفة (والتي يرافقها الخوف، لأن الخوف ضد الأمن). هذه القاعدة تنطبق أيضاً على قوم لوط الذين أسرفوا في الشهوة الجنسية مما أدى بهم إلى مخالفة الفطرة الإنسانية والشذوذ، وسبب ذلك الإسراف، كما بينت الآية ]إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرّجَالَ شَهْوَةً مّن دُونِ ٱلنّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ[ (81)، لذلك كان جزاؤهم مطراً من الحجارة. - التنبيه إلى أن سبب هزيمة الباطل إنما هو الفساد: ففي ثمود - قوم صالح - كان فساد الترف الزائد هو الذي أهلكهم (الآية 74) أما قوم لوط، فكان فسادهم الأخلاقي وشذوذهم الجنسي سبباً لإهلاكهم الآيات (80 - 81). وأما مدين - قوم شعيب - فكان الفساد الاقتصادي هو المستشري فيهم: ]فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءهُمْ...[ (85). - التحذير من الاستكبار، لأنه من أخطر أسباب الهلاك: فعبارة ]قَالَ ٱلْمَلاَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ...[ (74) نراها تتكرر مع ثمود ومدين، كما نرى في أوائل السورة التركيز على عبارات ]إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـئَايَـٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا...[ الآيات (36 و40). ولا يمكن أن تتكرر عبارة بحذافيرها في القرآن من دون أن يكون هناك معنى مهم جداً ينبهنا إليه ربنا سبحانه. - التركيز على نجاة النبي والذين آمنوا معه وهلاك الكافرين، بدون أي ذكر لأي فئة متفرجة أو محايدة. ]فَأَنجَيْنَـٰهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ...[ ]فَأَنجَيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ[ ]لَنُخْرِجَنَّكَ يـٰشُعَيْبُ وَٱلَّذِينَ ءامَنُواْ مَعَكَ[ الآيات (64 - 72 - 83 - 88). حزم بدأ بسجدة فعندما أتى السحرة لطلب القرب من فرعون ومواجهة موسى عليه السلام، رأوا الآية الدالة على رسالته، فحسموا موقفهم خلال دقائق وكان حسمهم شديداً وفي منتهى القوة: ]فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ & فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَـٰغِرِينَ & وَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سَـٰجِدِينَ[ (118-120) بدأ إيمانهم بهذه السجدة المؤمنة وتمسكوا بهذا الإيمان رغم التهديد بالهلاك والتعذيب: ]قَالُواْ ءامَنَّا بِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ & رَبّ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ & قَالَ فِرْعَوْنُ ءامَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ ءاذَنَ لَكُمْ...[ (121-123). وبعد ذلك يقول لهم فرعون ]لاقَطّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لاَصَلّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ[ (124) فماذا كان أثر ذلك على موقفهم؟ ]قَالُواْ إِنَّا إِلَىٰ رَبّنَا مُنقَلِبُونَ & وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلا أَنْ ءامَنَّا بِـئَايَـٰتِ رَبّنَا لَمَّا جَاءتْنَا[ (125-126) هكذا في إصرار وعدم تردد رغم تهديد فرعون ووعيده، بل أنهم استمدوا الصبر والتمسوا حسن الخاتمة من صاحب الحق: ]رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ...[ (126). بنو إسرائيل: سلبية وتردّد وبالمقابل، ترينا الآيات نموذجاً آخر للتردّد وهم بنو إسرائيل، فعندما قال لهم نبيّهم ]ٱسْتَعِينُواْ بِٱلله وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱلارْضَ لله يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[ (128) فماذا كان جوابهم؟ ]قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا[ (129). فردّ عليهم موسى ليعلمهم حسن الظن بالله والذي هو أمر أساسي من متطلبات الحسم: ]قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِى ٱلاْرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ[ (129). فالآيتان (128 - 129) تؤكدان على أن الحزم وعدم التردد أمران أساسيان في امتحان الاستخلاف على الأرض، وهذا ما لم يفهمه بنو إسرائيل. حتى في العقيدة ويظهر بنو إسرائيل في مواقف أخرى توحي أنهم يعيشون بلا غاية ولا هدى حتى في أمور العقيدة. ففي الآية 138 نرى قوله تعالى ]وَجَـٰوَزْنَا بِبَنِى إِسْرءيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ[ لقد كانوا منذ قليل يعبرون البحر، وقد رأوا فرعون وجنده وغرقهم، فماذا كان موقفهم التالي: ]قَالُواْ يٰمُوسَى ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ[. هذا السؤال الذي ينمّ عن قمة في الجهل أتى في نفس الآية التي تحكي قصة نجاتهم ليرينا الله تعالى حالة التردد وعدم الثبات عندهم. (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا) كانت أغلب أوامر الله لبني إسرائيل تحثّ على تطبيق أمر الله ودينه بقوة. ففي الآية (145): ]فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا[. وفي الآية (171): ]خُذُواْ مَا ءاتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ...[. فكيف كان أخذهم لأوامر الله؟ تركهم موسى وذهب للقاء ربه، فماذا فعلوا؟ ]وَٱتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ[ (148). فتنكر عليهم الآيات بشدة: ]أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ٱتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَـٰلِمِينَ & وَلَمَّا سُقِطَ فَى أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ[ (148-149). فهم يشكون من عدم الوضوح والحزم في تديّنهم وعلاقتهم مع الله ،وبذلك يظهر الفارق واضحاً بين السحرة وبين بني إسرائيل، بين تحدي السحرة لفرعون ]فَٱقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ[ (72) وبين ]قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا[ (129). بين ]قَالُواْ آمَنَّا بِرَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ[ (121) التي أتت دون تردد من السحرة، وبين ]ٱجْعَلْ لَّنَا إِلَـٰهًا كَمَا لَهُمْ ءالِهَةٌ[ (138) التي صدرت من بني إسرائيل رغم المعجزات الكبيرة التي رأوها. فمثله كمثل الكلب وتقوم السورة قبل ختامها بحشد عدد كبير من الأمثال والآيات لتخدم نفس المعنى وتحذِّر المؤمنين من الغفلة وعدم الحسم مع شرع الله ودينه، فيأتي مثال رهيب: ]وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِى ءاتَيْنَـٰهُ ءايَـٰتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَـٰنُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ & وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَـٰهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلاْرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث...[ (175-176).مثال رهيب عن من آتاه الله آياته وهدايته، فانسلخ منها كما تنسلخ الحية من جلدها. ولو أنه بقي على تديّنه لأعزّه الله ورفعه، لكنه آثر الدناءة. فهو كالكلب يتعب ويلهث سواء أكان حاله الغفلة أم المعرفة. مثال رهيب لا بد أن يوقظ كل نائم وكل غافل. اسجدها... بهذا المعنى وأجمل ختام للسورة آية فيها سجدة. وهي أول سجدة في المصحف، حتى نذكر الحزم والحسم والعزيمة.. نذكر سجدة السحرة الذين تحدّوا فرعون بجبروته وظلمه. كما أن الآية تدعونا إلى إظهار الخضوع لله تعالى بشكل عملي لأنّ حركة السجود تنبّه النفس للتطبيق فتزداد استعداداً لحسم موقفها في الحياة. بهذا المعنى نسجدها: ]إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ[ (206).. يتبــع
ســورة الأعــراف الأعراف (مكية) نزلت بعد سورة (ص) وهي في المصحف بعد سورة الأنعام وعدد...
سـورة الأنفــال

سورة الأنفال (مدنيّة)، نزلت بعد سورة البقرة، وهي في ترتيب المصحف بعد سورة الأعراف، وعدد آياتها خمس وسبعون آية.

يوم الفرقان

وقد أنزلت هذه السورة بعد غزوة بدر للتعقيب عليها (لذلك سماها بعض العلماء سورة بدر). وغزوة بدر هي أول معركة في الإسلام، وسماها الله تعالى في هذه السورة بيوم الفرقان، لأنه اليوم الذي فرّق الله به بين الحق والباطل، يوم يمثل فرقاً بين عهدين في تاريخ البشرية: عهد كان الإسلام فيه مستضعفاً وعهد سيكون فيه الإسلام قوياً وله أمة قوية تدافع عنه إلى يومنا هذا. لقد كان يوماً عظيماً في تاريخ البشرية، لذلك نزلت السورة كلها للتعقيب على ذلك اليوم.

ولو كان النصر يقاس بالمقاييس المادية، فإن المسلمين لم يكونوا لينتصروا في ذلك اليوم، لأن عدد المسلمين كان ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ولم يكونوا مهيئين نفسياً أو مجهزين عتاداً للقتال، في حين كان عدد الكفار ما يقرب من ألف مقاتل كامل الجهوزية للحرب.

والجدير بالذكر أنه كان مع المسلمين في هذه المعركة فرسٌ واحد، في حين كان مع المشركين ثلاثمائة فرس. فبالمقاييس المادية كان من المستحيل أن ينتصر المسلمين في هذه المعركة.

سيئات الأبرار

الأنفال معناها الغنائم، وقد سميت السورة باسم هذه الغنائم - الأنفال -.
وللصحابة تعليق لطيف على سورة الأنفال، فإنهم يقولون: فينا نحن معشر أصحاب رسول الله نزلت سورة الأنفال، حين اختلفنا على النفل وساءت فيه أخلاقنا. وليس سوء الخلق الذي يتحدثون عنه هو الذي نعرفه اليوم، ولكن عبروا عن اختلافهم بذلك لعظيم أدبهم وتواضعهم.

قوانين النصر مادية وربانية

إن السورة تتحدث عن القوانين التي يعتمد عليها النصر، وهذا مناسب لجو السورة وسبب نزولها. فبعد أن انتصر المسلمون في بدر نزلت السورة لترسخ للمسلمين الأسباب الكونية للنصر، فهو لا يأتي من قبيل الصدفة ولا العبث، وإنما للنصر قوانين مادية وقوانين ربانية.

وهذا يعني أن للنصر سببين هامين:

1. اليقين بأن النصر من عند الله عز وجل (101).

2. الأخذ بالأسباب والسعي الجدي لتقريب موازين القوى مع الأعداء، بل والتفوق عليها إن كان ذلك ممكناً، ووضع الخطط والدراسات وكل ما له تأثير مادي على النصر.

فهذه السورة تحقق مفهوم التوكل على الله، بأن نوقن بأن الله هو الناصر، وأن نبذل كل جهد ممكن لتحقيق هذا النصر من طاقة مادية. ولذلك فإن السورة قد تضمنت قول الله تعالى: (53). فالآية تشير إلى أن الفعل في التأثير ليس إلا لله الواحد، ولكن بشرط أن تأخذ بالأسباب ما أمكن. فيجب أن ندرك أن النصر بين أمرين: جهد البشر وعمل القدر - تدبير الله تعالى -.

بعض الناس يظنون أن النصر معجزة ربانية فقط، فتراهم يدعون الله لينصرهم وبعد ذلك يتساءلون عن سبب تأخير النصر. فهم حقيقة لم يفهموا أن هناك أسباباً مادية ينبغي الأخذ بها من تخطيط وجهد وبذل. فلا يكفي الدعاء واللجوء إلى الله مع ترك الأخذ بالأسباب، لأننا بذلك نكون مقصرين في فهمنا لطبيعة ديننا ولسنن الله في هذه الأرض.

وبالمقابل، هناك نوع آخر من الناس يأخذون بالأسباب كلها من وضع الخطط والدراسات وجهد بالليل والنهار وبعد ذلك حين يريدون المقابلة والمقارنة مع قوة الكفار يجدون أنفسهم ضعفاء للغاية، فيظنون أنهم عاجزون عن فعل أي شيء والسبب في ذلك أنهم اعتمدوا على الأسباب المادية فقط ونسوا أن النصر من عند الله.

فالسورة ترشدنا إلى التوازن بين هذين النقيضين: أن نؤمن بتدبير الله أولاً، وأن نبحث عن الشروط المادية لتحقيق النصر.

النصر من عند الله

تبدأ السورة بسؤال: (1)، أي يسألون عن كيفية تقسيم الغنائم.

(1).

وتنتقل الآيات بعد ذلك إلى سرد صفات المؤمنين: (2). واللطيف أن الجواب على سؤالهم عن تقسيم الغنائم لم يأت بعد السؤال مباشرةً، إنما جاء الجواب في الآية الواحدة والأربعين أي بعد أربعين آية من السؤال: .

وسبب تأخير الإجابة أنهم حين سألوا السؤال كانوا يريدون المكافأة الدنيوية على النصر، والله علمهم أن النصر أولاً وآخراً هو بتقديره ومن عنده سبحانه وتعالى.

فكان الجواب المبدئي على سؤالهم: (1)، وليس لكم منها شيء، وذلك من لطف القرآن في التربية في صرف أنظارهم عن الأنفال لترسيخ قوانين النصر أولاً، ثم بعد ذلك تمّ شرح كيفية توزيع الغنائم إلى أن قال لهم في آخر السورة (69). فالله تعالى رسّخ ما هو أهم وبيّن أن مسألة تقسيم الأنفال هي مسألة فرعية لأنها من المسائل الدنيوية.

لماذا سميت السورة بالأنفال

إن الأنفال وهي الغنائم هي إشارة للدنيا، والواقع أن المسلمين بعد غزوة بدر اختلفوا ودبت بينهم الشحناء وكادت الأخوة أن تضيع بسبب الدنيا. فالله تعالى من خلال هذه السورة يحذِّر المؤمنين من التنافس على الدنيا فتكون بذلك سبباً للفرقة وضياع الأخوة بين المؤمنين، مما يضيع اكتمال الأسباب المادية والربانية ويسبِّب الهزيمة. لذلك الآيات أمرتهم بإهمال الأنفال تماماً حتى ترسخ أسباب النصر عندهم. فلما رسخ المعنى قسمها في الآية (41) إلى أن نصل إلى الآية (69) لتوضح أن مسألة الأنفال فرعية وتحل لهم ما أخذوا: .

وأسباب النصر كما ذكرنا هي لجوء إلى الله واخذٌ بالأسباب، ومن الأخذ بالأسباب الأخوة الشديدة ووحدة الصف، فلو ضاعت الأخوة وحلّت الفرقة فإن الهزيمة قادمة لا محالة. فسميت السورة بالأنفال حتى تذكرنا بما يسبب الهزيمة.

ختام معالم المنهج

بعد أن انتهت أول 10 سور من القرآن، نرى أن معالم المنهج اللازمة للاستخلاف على الأرض قد صارت واضحة، وأن أهداف السور ورسائلها تتكامل أمام ناظري قارئ القرآن:

- أنتم مسؤولون عن هذه الأرض أيها المسلمون، وهذا هو منهجكم (سورة البقرة).

- أهمية الثبات على هذا المنهج (سورة آل عمران).

- العدل شرط أساسي لضمان الاستخلاف (سورة النساء).

- أهمية الوفاء بالمنهج والعقود التي قطعتموها لتطبيقه (سورة المائدة).

- توحيد الله تعالى في الاعتقاد والتطبيق أمران لازمان في هذا المنهج.

- احسم موقفك أيها المسلم تجاه هذا المنهج.

- قوانين ربنا في النصر مادية وربانية، وهذا من شمول المنهج وواقعيته.

أرأيت كيف تتكامل هذه السور في رسائلها لتكون سلسلة واحدة متماسكة في موضوعاتها؟

لذلك بعد أن وضحت معالم المنهج، تأتي الأجزاء العشرة التالية لتقدّم لنا عوامل مساعدة على تحقيق المنهج، ومنها:

- التوبة.

- استشعار نعم الله تعالى (سورة النحل)، والتي من أهمها نعمة الإيمان (سورة إبراهيم).

- الاعتدال والوسطية في الدعوة إلى المنهج (سورة هود).

- الصبر والأمل بنصر الله (سورة يوسف).

بعد أن فهمنا أين نحن من تدبّر آيات ربنا، تعالوا إلى الأجزاء العشرة التالية من القرآن، وإلى المزيد من روائع القرآن وإعجازه.


يتبــع
o0oالـ غ ــلاo0o
o0oالـ غ ــلاo0o
سـورة الأنفــال سورة الأنفال (مدنيّة)، نزلت بعد سورة البقرة، وهي في ترتيب المصحف بعد سورة الأعراف، وعدد آياتها خمس وسبعون آية. يوم الفرقان وقد أنزلت هذه السورة بعد غزوة بدر للتعقيب عليها (لذلك سماها بعض العلماء سورة بدر). وغزوة بدر هي أول معركة في الإسلام، وسماها الله تعالى في هذه السورة بيوم الفرقان، لأنه اليوم الذي فرّق الله به بين الحق والباطل، يوم يمثل فرقاً بين عهدين في تاريخ البشرية: عهد كان الإسلام فيه مستضعفاً وعهد سيكون فيه الإسلام قوياً وله أمة قوية تدافع عنه إلى يومنا هذا. لقد كان يوماً عظيماً في تاريخ البشرية، لذلك نزلت السورة كلها للتعقيب على ذلك اليوم. ولو كان النصر يقاس بالمقاييس المادية، فإن المسلمين لم يكونوا لينتصروا في ذلك اليوم، لأن عدد المسلمين كان ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً ولم يكونوا مهيئين نفسياً أو مجهزين عتاداً للقتال، في حين كان عدد الكفار ما يقرب من ألف مقاتل كامل الجهوزية للحرب. والجدير بالذكر أنه كان مع المسلمين في هذه المعركة فرسٌ واحد، في حين كان مع المشركين ثلاثمائة فرس. فبالمقاييس المادية كان من المستحيل أن ينتصر المسلمين في هذه المعركة. سيئات الأبرار الأنفال معناها الغنائم، وقد سميت السورة باسم هذه الغنائم - الأنفال -. وللصحابة تعليق لطيف على سورة الأنفال، فإنهم يقولون: فينا نحن معشر أصحاب رسول الله نزلت سورة الأنفال، حين اختلفنا على النفل وساءت فيه أخلاقنا. وليس سوء الخلق الذي يتحدثون عنه هو الذي نعرفه اليوم، ولكن عبروا عن اختلافهم بذلك لعظيم أدبهم وتواضعهم. قوانين النصر مادية وربانية إن السورة تتحدث عن القوانين التي يعتمد عليها النصر، وهذا مناسب لجو السورة وسبب نزولها. فبعد أن انتصر المسلمون في بدر نزلت السورة لترسخ للمسلمين الأسباب الكونية للنصر، فهو لا يأتي من قبيل الصدفة ولا العبث، وإنما للنصر قوانين مادية وقوانين ربانية. وهذا يعني أن للنصر سببين هامين: 1. اليقين بأن النصر من عند الله عز وجل [وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱلله] (101). 2. الأخذ بالأسباب والسعي الجدي لتقريب موازين القوى مع الأعداء، بل والتفوق عليها إن كان ذلك ممكناً، ووضع الخطط والدراسات وكل ما له تأثير مادي على النصر. فهذه السورة تحقق مفهوم التوكل على الله، بأن نوقن بأن الله هو الناصر، وأن نبذل كل جهد ممكن لتحقيق هذا النصر من طاقة مادية. ولذلك فإن السورة قد تضمنت قول الله تعالى: [ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱلله لَمْ يَكُ مُغَيّراً نّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ] (53). فالآية تشير إلى أن الفعل في التأثير ليس إلا لله الواحد، ولكن بشرط أن تأخذ بالأسباب ما أمكن. فيجب أن ندرك أن النصر بين أمرين: جهد البشر وعمل القدر - تدبير الله تعالى -. بعض الناس يظنون أن النصر معجزة ربانية فقط، فتراهم يدعون الله لينصرهم وبعد ذلك يتساءلون عن سبب تأخير النصر. فهم حقيقة لم يفهموا أن هناك أسباباً مادية ينبغي الأخذ بها من تخطيط وجهد وبذل. فلا يكفي الدعاء واللجوء إلى الله مع ترك الأخذ بالأسباب، لأننا بذلك نكون مقصرين في فهمنا لطبيعة ديننا ولسنن الله في هذه الأرض. وبالمقابل، هناك نوع آخر من الناس يأخذون بالأسباب كلها من وضع الخطط والدراسات وجهد بالليل والنهار وبعد ذلك حين يريدون المقابلة والمقارنة مع قوة الكفار يجدون أنفسهم ضعفاء للغاية، فيظنون أنهم عاجزون عن فعل أي شيء والسبب في ذلك أنهم اعتمدوا على الأسباب المادية فقط ونسوا أن النصر من عند الله. فالسورة ترشدنا إلى التوازن بين هذين النقيضين: أن نؤمن بتدبير الله أولاً، وأن نبحث عن الشروط المادية لتحقيق النصر. النصر من عند الله تبدأ السورة بسؤال: [يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلانفَالِ] (1)، أي يسألون عن كيفية تقسيم الغنائم. [يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلانفَالِ قُلِ ٱلانفَالُ لله وَٱلرَّسُولِ فَٱتَّقُواْ ٱلله وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ ٱلله وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ] (1). وتنتقل الآيات بعد ذلك إلى سرد صفات المؤمنين: [إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱلله وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ...] (2). واللطيف أن الجواب على سؤالهم عن تقسيم الغنائم لم يأت بعد السؤال مباشرةً، إنما جاء الجواب في الآية الواحدة والأربعين أي بعد أربعين آية من السؤال: [وَٱعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مّن شَىْء فَأَنَّ لله خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَـٰمَىٰ...]. وسبب تأخير الإجابة أنهم حين سألوا السؤال كانوا يريدون المكافأة الدنيوية على النصر، والله علمهم أن النصر أولاً وآخراً هو بتقديره ومن عنده سبحانه وتعالى. فكان الجواب المبدئي على سؤالهم: [قُلِ ٱلانفَالُ لله وَٱلرَّسُولِ] (1)، وليس لكم منها شيء، وذلك من لطف القرآن في التربية في صرف أنظارهم عن الأنفال لترسيخ قوانين النصر أولاً، ثم بعد ذلك تمّ شرح كيفية توزيع الغنائم إلى أن قال لهم في آخر السورة [فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَـٰلاً طَيّباً] (69). فالله تعالى رسّخ ما هو أهم وبيّن أن مسألة تقسيم الأنفال هي مسألة فرعية لأنها من المسائل الدنيوية. لماذا سميت السورة بالأنفال إن الأنفال وهي الغنائم هي إشارة للدنيا، والواقع أن المسلمين بعد غزوة بدر اختلفوا ودبت بينهم الشحناء وكادت الأخوة أن تضيع بسبب الدنيا. فالله تعالى من خلال هذه السورة يحذِّر المؤمنين من التنافس على الدنيا فتكون بذلك سبباً للفرقة وضياع الأخوة بين المؤمنين، مما يضيع اكتمال الأسباب المادية والربانية ويسبِّب الهزيمة. لذلك الآيات أمرتهم بإهمال الأنفال تماماً [قُلِ ٱلانفَالُ لله وَٱلرَّسُولِ] حتى ترسخ أسباب النصر عندهم. فلما رسخ المعنى قسمها في الآية (41) إلى أن نصل إلى الآية (69) لتوضح أن مسألة الأنفال فرعية وتحل لهم ما أخذوا: [فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَـٰلاً طَيّباً...]. وأسباب النصر كما ذكرنا هي لجوء إلى الله واخذٌ بالأسباب، ومن الأخذ بالأسباب الأخوة الشديدة ووحدة الصف، فلو ضاعت الأخوة وحلّت الفرقة فإن الهزيمة قادمة لا محالة. فسميت السورة بالأنفال حتى تذكرنا بما يسبب الهزيمة. ختام معالم المنهج بعد أن انتهت أول 10 سور من القرآن، نرى أن معالم المنهج اللازمة للاستخلاف على الأرض قد صارت واضحة، وأن أهداف السور ورسائلها تتكامل أمام ناظري قارئ القرآن: - أنتم مسؤولون عن هذه الأرض أيها المسلمون، وهذا هو منهجكم (سورة البقرة). - أهمية الثبات على هذا المنهج (سورة آل عمران). - العدل شرط أساسي لضمان الاستخلاف (سورة النساء). - أهمية الوفاء بالمنهج والعقود التي قطعتموها لتطبيقه (سورة المائدة). - توحيد الله تعالى في الاعتقاد والتطبيق أمران لازمان في هذا المنهج. - احسم موقفك أيها المسلم تجاه هذا المنهج. - قوانين ربنا في النصر مادية وربانية، وهذا من شمول المنهج وواقعيته. أرأيت كيف تتكامل هذه السور في رسائلها لتكون سلسلة واحدة متماسكة في موضوعاتها؟ لذلك بعد أن وضحت معالم المنهج، تأتي الأجزاء العشرة التالية لتقدّم لنا عوامل مساعدة على تحقيق المنهج، ومنها: - التوبة. - استشعار نعم الله تعالى (سورة النحل)، والتي من أهمها نعمة الإيمان (سورة إبراهيم). - الاعتدال والوسطية في الدعوة إلى المنهج (سورة هود). - الصبر والأمل بنصر الله (سورة يوسف). بعد أن فهمنا أين نحن من تدبّر آيات ربنا، تعالوا إلى الأجزاء العشرة التالية من القرآن، وإلى المزيد من روائع القرآن وإعجازه. يتبــع
سـورة الأنفــال سورة الأنفال (مدنيّة)، نزلت بعد سورة البقرة، وهي في ترتيب المصحف بعد سورة...
سـورة التـوبة

سورة التوبة (مدنية) نزلت بعد المائدة، وهي في ترتيب المصحف بعد الأنفال. عدد آياتها 129 آية، وهي آخر سورة كاملة أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى...

لقد أنزلت هذه السورة في وقت كان المجتمع الإسلامي يستعد للخروج برسالة الإسلام من الجزيرة العربية إلى شعوب الأرض كلها.

أنزلت هذه السورة بعد آخر غزوة للنبي، غزوة تبوك، وكان عدد المسلمين فيها ثلاثين ألفاً. واللطيف أنها جاءت في ترتيب المصحف مباشرة بعد الأنفال التي تحدثت عن غزوة بدر (أولى غزوات النبي) حيث عدد المسلمين فيها 313 شخصاً فقط. ولعل الحكمة هي أن يلاحظ قارئ القرآن الفرق بين ظروف الغزوتين وأحكامهما وطريقة القرآن في التعقيب عليهما. غزوة تبوك كانت من أكثر الغزوات التي ظهر فيها أثر النفاق إذ كان مع الجيش منافقون كثر، وتخلف عنها منافقون كثر كما تخلّف عنها بعض المؤمنين بسبب الكسل. كانت نتيجة الغزوة انتصاراً للمسلمين، وأنزلت هذه السورة للتعليق على كل هذه المواقف...

علامة التميز

إن سورة التوبة هي السورة الوحيدة التي لم تبدأ بالبسملة كما هو الحال في كل سور القرآن. والمسلم عندما يقرأ القرآن ويبتدئ بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) يشعر من بداية حرف الباء أنه يعبر خطاً فاصلاً بين وضع سابق ووضع جديد، يشعر أنه داخل على عالم جديد ليترك الدنيا وما فيها ويتوجّه بقلبه
لسماع كلام ربه والعيش مع أسماء ربه الحسنى (الرحمن الرحيم).

وسبب غياب البسملة عن أول سورة التوبة - على قول أغلب العلماء - هو أنها أكثر سورة تكلمت عن الكفار والمنافقين، فحرموا من البسملة ومن معاني الرحمة الموجودة فيها، من أولى كلماتها (1).

ولسورة التوبة أسماء أخرى، فقد سميت بالفاضحة لأنها فضحت المشركين، ففيها خمس وخمسين صفة من صفات المنافقين التي كانوا يمارسونها مع النبي صلى الله عليه وسلم. وسميت بالكاشفة لأنها كشفت عيوب الكفار والمتخاذلين عن نصرة الإسلام، وسميت بسورة السيف لكونها أكثر سور القرآن دعوة للجهاد وتحريضاً على القتال وتحذيراً من القعود والتخاذل. فهي سورة شديدة إذاً، وهنا قد يقول قائل: لماذا سميت بسورة التوبة؟

سبب تسمية السورة

إن التوبة بالنسبة لنا هي غاية في رقة العلاقة مع الله، فهي تعني العودة إلى الله تعالى واللجوء إليه والإقلاع عن الذنوب والمعاصي. فما علاقة التوبة بصفات المنافقين والمشركين والحثّ على الجهاد؟

إن هذه السورة هي البلاغ الأخير للبشرية، وقد أنزلت قبل ختام القرآن ووداع النبي r، وبالرغم من أن السورة قد تضمنت التهديد الشديد للكفار والمنافقين والدعوة الشديدة للمؤمنين إلى الدفاع عن دينهم، لكنها حرصت على إبقاء باب التوبة مفتوحاً لجميع الناس قبل الوداع. فرغم كون السورة تتكلم عن المنافقين والكفار إلا أنها تدعوهم إلى التوبة في مرات عديدة، فنلاحظ تكرار قوله تعالى .

وإذا بحثنا ورود لفظة (التوبة) ومشتقاتها في هذه السورة وفي القرآن كله، نجد أنها تكررت في هذه السورة سبع عشرة مرة وهي أكثر سور القرآن إيراداً لكلمة (التوبة).

بينما ذكرت في سورة البقرة مثلاً 13 مرة مع أنها أطول سورة في القرآن. وذكرت في سورة آل عمران 3 مرات وفي سورة النساء 12 مرة وفي المائدة 5 مرات وفي هود ستة مرات وفي الأنعام مرة واحدة.

علاقتها بالسور التي قبلها

عند تقسيم القرآن إلى ثلاثة أقسام نجد أن القسم الأول يشتمل على السور السبع الطوال ويختتم بسورة التوبة. وكأنها جاءت بعد بيان المنهج ووسائل القيام بالمهمة لتفتح باب التوبة والرحمة لمن بدّل أو غيّر أو قصّر في حق الله. ومن اللطيف أنها من أواخر ما أنزل على النبي صل الله عليه وسلم قبل وفاته، حتى يكون ختام الوحي وختام نزول القرآن بفتح باب التوبة.. هل استشعرت هذا المعنى؟

بعض الناس حين يقرأ هذه السورة يشعر بشدتها على الكفار والمنافقين، والبعض الآخر يقرأها فيشعر برحمة الله الواسعة والتي تتجلى في قبوله التوبة من جميع البشر، وهؤلاء أقرب إلى فهم معاني السورة لأن ما فيها من شدة وتهديد ووعيد إنما هو لحمل الكفار والمنافقين على التوبة.. فحتى فضح المنافقين كان لحملهم على التوبة، وحتى دعوة المؤمنين للقتال جاء لحمل الكفار على التوبة بعد أن يئسوا من القتال..

نداءات أخيرة للتوبة

إن السورة تبدأ بداية شديدة وملفتة، فإضافة إلى كونها لا تبدأ بالبسملة كبقية السور، فإنها تبدأ بكلمة "براءة".. (1-2) بداية شديدة ومهلة محددة. ثم أذان من الله ورسوله يقرع الآذان: (3).

لماذا كل هذه الشدة؟ (3)، فالتهديد إذاً كان من أجل التوبة لا من أجل الانتقام والوعيد، كأن "براءة" و"أذان" هما النداء الأخير للتوبة.

توبة المشركين المحاربين

وتصل بنا الآيات إلى الآية الخامسة ومع ذلك فبعد كل هذا الأمر بالقتال جاء التذكير بالتوبة لحثّ الكفار عليها.. فبقدر ما السورة حادة في مواجهتهم بقدر ما هي حريصة على توبتهم وإنابتهم إلى الله..

وبعد ذلك تخبرنا بأنه لا بد أن تقام الحجة على الكفار وذلك بدعوتهم وبيان الدين لهم قبل قتالهم (6).

وتتابع الآيات على نفس الوتيرة: تهديد، وفي نهاية كل تهديد ووعيد وتذكير بالتوبة. فمثلاً في الآية العاشرة يقول تعالى ثم تقول الآية التي بعدها . فلم تعفِ عنهم الآيات فحسب بل أوجبت على المؤمنين محبتهم بعد توبتهم لأنهم قد أصبحوا إخواناً لنا.

ثم عودة للتهديد في حال إصرار المشركين على القتال في الآيات (12) و(14): و . ثم عودة للتوبة مباشرة في الآية (15): . إنها قمة في توازن ووسطية الإسلام بين الرحمة والرفق من جهة، وبين الواقعية والشدة من جهة أخرى.

فإن كان الأمر كذلك بالنسبة للكفار والمنافقين، فما الحكم في المؤمنين الذين قد عصوا ربهم... أيتوب تعالى عليهم أم لا... فإن كان تعالى يقول عن الكفار (11) فما بالك بمن ارتكب بعض المعاصي من المؤمنين؟

إن سورة التوبة هي من أكثر السور التي تزيد أمل المؤمن ورجاءه برحمة الله تعالى... فإن كان رب العزة بلطفه وإحسانه تعالى قد حثّ الكفار والمنافقين على التوبة وكرّر ذكر كلمة التوبة (17) مرة في السورة، فكيف لا يغفر لمن تاب من المؤمنين العصاة!؟

توبة المؤمنين المتخاذلين عن نصرة الدين

نصل إلى الآية (24) التي تخاطب المؤمنين وتحثهم على نصرة دين الله تعالى، فالآية لا تتحدث عن الجهاد بمعنى الحرب فقط بل أن تنصر الدين ويكون أغلى من كل أمور حياتك الدنيوية.

يقول تعالى: (24).

لقد ذكرت الآية ثمانية أمور وكلها مباحة، لكنها حذرت من أن تكون سبباَ في البعد عن الله تعالى وترك الجهاد، وهذا يعني أن يكون أمر الله تعالى أولوية في حياتك وفوق كل رغباتك، وإلا فانتظر عقاب الله والعياذ بالله.

وتنتقل السورة للحديث عن نوع جديد من التوبة، غير التوبة من الذنوب والمعاصي التي نعرفها والتي يقع فيها الناس دائماً (كالنظر إلى الحرام أو تأخير الصلاة). إن السورة تدعو للتوبة من التخاذل عن نصرة الإسلام، وكأنها تشير بأن هذا الفعل الشنيع يحتاج إلى توبة شديدة. فتأتي الآية (3: عتاب رقيق تعقبه لهجة قوية في الآية التي بعدها: (39) فحذار حذار من الاستبدال، لأن الله تعالى ينصر دينه وليس بحاجة إلى أحد (40) إلى أن تأتي الآية بالأمر الشامل الكامل الذي لا يستثني أحداً: (41) فلكي يرتدع الكفار ويلجأوا إلى التوبة لا بد من جهادهم، فكأن جهادك أيها المسلم عون لهم على الرجوع والتوبة، وكأن تخاذل المسلم سبب لتمادي أهل الكفر في غيهم وضلالتهم. فهيا نعمل لديننا ونطرق أبواب الخير لنساعد أنفسنا فننجو ونساعد غيرنا فيتوب.

التوبة من عدم التوكل على الله

وخلال الآيات السابقة تتحدث الآيات عن غزوة حنين وكيف أعجب المؤمنون بكثرتهم فلم تغن عنهم شيئاً، فوقع المسلمون في خطأ الاعتماد على العدد وحده ونسيان أن النصر من عند الله وحده.

(25).

وهذا الخطأ لا بد له أيضاً من توبة، فتأتي الآية (27) لتشير إلى ذلك:.

صفات المؤمنين المستحقين للشهادة

وفي مقابل الحديث عن المنافقين تنتقل السورة للكلام على صفات المؤمنين الذين عقدوا عقد بيع مع الله تعالى: (111).

إن السياق القرآني يجعلنا نتشوق لمعرفة صفاتهم، فنقلب الصفحة لنقرأ قوله تعالى: (112).

توبة لصفوة الأمة

ومن جمال التوبة وحب الله لها، ذكر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام:

(117).

فالتوبة - كما يقول العلماء - أول منازل العبودية وآخرها. فبداية الإيمان تكون بالتوبة كما أن التوبة مطلوبة في نهاية الحياة. من هنا نفهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".

توبة أخيرة للثلاثة المتباطئين

وأخيراً توبة خاصة بالثلاثة المؤمنين الذين تخلفوا عن توبة تبوك، فالتقاعس عن نصرة الإسلام - كما أسلفنا - بحاجة إلى توبة.

(11.

لاحظ معي روعة الآية: . فلا بد أن يتوب الله عليك ويهيء لك طريق التوبة، فالهداية من عند الله، وهو وحده المعين عليها. أخي المسلم، الزم دائماً هذا الدعاء: "اللهم تب عليَّ لأتوب".

خير ختام لخير حياة

إن القارئ لسورة التوبة يحس أن فيها براءة وتهديد ووعيد، لكنها تفعل كل ذلك وهي فاتحة ذراعيها للتوبة. ومن لطف القرآن أن الله تعالى لم يغلب اسم الفاضحة على سورة التوبة لأنه يحب الستر. ومن اللطائف الأخرى أنه بالرغم من أن السورة قد حرمت المنافقين من الرحمة في أول السورة (من خلال عدم البدء بالبسملة والبراءة منهم) لكنها أعطت جميع الناس في آخر السورة رحمة مهداة، والمتمثلة في النبي صلى الله عليه وسلم الذي بعث رحمة للعالمين:

(12.

وهذه الآية خير ختام للسبع الطوال، وهي أيضاً خير ختام لحياة النبي صلى الله عليه وسلم . فهي آخر سورة أنزلت كاملة على رسول الله. إنها سورة الوداع، وخير وداع في ديننا هو التوبة على كل الناس. فإن أبوا التوبة فإن الآية الأخيرة تقول:

(129).

أخي الكريم. إسأل نفسك: هل ستتوب أم لا؟ فإذا كان باب التوبة مفتوحاً لكل فئات الناس ولكل فئات المجتمع مهما تفاوتت درجة قربهم أو بعدهم عن الدين، فكيف يكون حالك وأنت مؤمن ومحب لكتاب الله؟ لذلك فلنعمل للإسلام ولنعش للإسلام ولنحذر التخاذل والقعود عن نصرة الدين، ولنتيقن أن الله تبارك وتعالى يتوب على من يشاء..

من لطائف القرآن

وفي النهاية نشير إلى أن سورتي التوبة والأنفال جاءتا متتاليتين بالإضافة إلى أنهما توافقان الترتيب الزمني لغزوتي بدر وتبوك. فسورة الأنفال تتحدث عن أول غزوة غزاها النبي بينما سورة التوبة تعقّب على آخر غزوة لرسول الله. وقد جاءت السورتان متتاليتين حتى نلاحظ الفرق في المجتمع الإسلامي بين بداية نصرة المسلمين لدينهم ونهاية الانتصار العظيم. فالسورتان تفتحان المجال أمام علماء الاجتماع والباحثين كي يلاحظوا الفروقات بين المجتمعين ويحللوا سنن تطور المجتمعات، وهذا أمر يحتاج من علماء الاجتماع والمحللين والدارسين إلى النظر والتفكير.



يتبــع
o0oالـ غ ــلاo0o
o0oالـ غ ــلاo0o
ســورة يـونـس



سورة يونس (مكية) نزلت بعد الإسراء، وهي في المصحف بعد التوبة، وعدد آياتها 109 آيات.

هدف السورة

إنَّ هدف سورة يونس هو الإيمان بالقضاء والقدر...

ففي الحديث أن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد أخبرني عن الإيمان، فقال لـه رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره... فالسورة تعالج هذا الركن الأخير من أركان الإيمان.

تساؤلات وتشكيك

إن هذه السورة تعالج مشكلة عند أشخاص كثيرين، والتي تتجلى في تساؤلات مثل:

- هل الإنسان مسيّر أم مخيّر؟!

- لماذا هدى الله هذا الشخص إلى الإيمان ولم يهد ذاك؟

- لماذا أنجى الله فلاناً ولم ينج فلان؟!

- ربنا خلقنا ويعلم كيف نتصرف، وفرض علينا ظروفاً هو الذي صنعها، فكيف يحاسبنا يوم القيامة؟

- الله كتب على البعض عدم الهداية، فلماذا السعي إلى العبادة؟ وبعض الناس نسألهم لماذا لا تصلون؟ فيجيبون: حتى يريد الله تعالى.

- طالما أن الله تعالى قد كتب عنده إن كنا من أهل الجنة أو من أهل النار، فلم العمل؟ فمهما فعلنا لن يغيّر هذا من الأمر شيئاً!



الحكيم لا يعبث

تعالوا إذاً نعرف صفات ربنا سبحانه وتعالى، فإذا فهمنا أنه حكيم غير ظالم، يريد الحق وليس العبث، فهمنا أنه لا محل للسؤال أصلاً.

إن أفعال الله تعالى في الكون أفعال حكيم مدبّر، يرحم الناس، وليست أفعال ظالم يجبر الناس على أشياء ليس لهم يد فيها... فلا يصدر عنه سبحانه إلا الحكمة والتدبير والعظمة.

والسورة تؤكد هذا المعنى بطريقة رائعة، عن طريق التدبر في هذا الكون والتفكر في حكمة الله فيه، حتى نعرف هل يصدر عن الله العبث أم لا؟ إن السورة ستظهر لك أن كل ما في الكون إنما هو من حكمة الله وتدبيره، فمحال أن يصدر عنه العبث سبحانه، فثق بحكمته وتوكل عليه.

الحق عنوانها

ثم تأتي الآية التي بعدها ]إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱلله حَقّا...إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱلله حَقّا إِنَّهُ يَبْدَأُ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ... بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَهُوَ ٱلَّذِى جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَاء وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱلله ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقّ يُفَصّلُ ٱلآيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ & إِنَّ فِى ٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱلله فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ لآيَـٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَإَنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِٱلْحَيوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَٱطْمَأَنُّواْ بِهَا وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنْ ءايَـٰتِنَا غَـٰفِلُونَ & أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَقُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلاْرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ ٱلسَّمْعَ وٱلاْبْصَـٰرَ وَمَن يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيّتَ مِنَ ٱلْحَىّ وَمَن يُدَبّرُ ٱلاْمْرَ فَسَيَقُولُونَ ٱللهفَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَٱلْحَقُّحَقَّتْفَذَلِكُمُ ٱلله رَبُّكُمُ ٱلْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ ٱلْحَقّ إِلاَّ ٱلضَّلاَلُ فَأَنَّىٰ تُصْرَفُونَ & كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَقُلْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُمْ مَّن يَهْدِى إِلَى ٱلْحَقّ قُلِ ٱلله يَهْدِى لِلْحَقّ أَفَمَن يَهْدِى إِلَى ٱلْحَقّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّى إِلاَّ أَن يُهْدَىٰ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَوَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِى وَرَبّى إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَأَلا إِنَّ لله مَا فِى ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلاْرْضِ أَلاَ إِنَّ وَعْدَ ٱلله حَقٌّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَإِنَّ ٱلله لاَ يَظْلِمُ ٱلنَّاسَ شَيْئًا وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَوَلَقَدْ أَهْلَكْنَا ٱلْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيّنَـٰتِ...وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيّئَاتِ جَزَاءُ سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ...هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ...كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ عَلَى ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَلّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ...وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَـٰنَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَىٰ ضُرّ مَّسَّهُ...وَإِذَا أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مّن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِى ءايَـٰتِنَا قُلِ ٱلله أَسْرَعُ مَكْرًاهُوَ ٱلَّذِى يُسَيّرُكُمْ فِى ٱلْبَرّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِى ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا...... جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱلله مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّـٰكِرِينَفَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِى ٱلاْرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقّيٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ... يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِى وَتَذْكِيرِى بِآيَاتِ ٱلله فَعَلَى ٱلله تَوَكَّلْتُ...وَقَالَ مُوسَىٰ يٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ ءامَنْتُمْ بِٱلله فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنْتُم مُّسْلِمِينَ & فَقَالُواْ عَلَىٰ ٱلله تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَوَجَاوَزْنَا بِبَنِى إِسْرٰءيلَ ٱلْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ ٱلْغَرَقُ قَالَ ءامَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـٰهَ إِلاَّ ٱلَّذِى ءامَنَتْ بِهِ بَنواْ إِسْرٰءيلَ وَأَنَاْ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ ٱلْمُفْسِدِينَفَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ ءامَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا ءامَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْىِ فِى ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍوَكَفَىٰ بِٱلله شَهِيداًوَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينِ حَنِيفًا وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ & وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ ٱلله مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مّنَ ٱلظَّـٰلِمِينَوَإِن يَمْسَسْكَ ٱلله بِضُرّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُيتبــع