الأقحوانية
الأقحوانية
الشيخ صالح بن فوزان الفوزان :

(( حكم تفسير القران .. بنظريات علمية حديثة .)).


..تحت هذا العنوان كتب فضيلته بمجلة الدعوة صـ 23 ، وبعد أن لخّص كلاما لشيخ الإسلام ابن تيميه في التفسير :
انتهى ملخص كلام الشيخ في الرد على من فسّر آية في القران بتفسير لم يرد في الكتاب والسنة ،وأنه تفسيرٌ باطلٌ ..

.. وهذا ينطبق اليوم على كثيرٍ من جهّال الكتبة الذين يفسرون القران حسب أفهامهم وآرائهم ..
أو يفسرون القرآن بنظريات حديثة من نظريات الطب أو علم الفلك أو نظريات روّاد الفضاء ويسمّون ذلك: بالإعجاز العلميّ للقرآن الكريم ..

؛ وفي هذا من الخطورة والكذب على الله الشيء الكثير؛ وإن كان بعض أصحابه فعلوه عن حسن نيّة وإظهاراً لمكانة القرآن ..إلاّ أنّ هذا عملٌ لا يجوز ..
قال صلى الله عليه وسلّم : ( من قال في القرآن برأيه وبما لا يعلم فليتبوأ مقعده من النار .)
.. والقرآن لا يُفسّر إلاّ بالقرآن أو بالسنة أو بقول الصّحابيّ كما هو معلوم عند العلماء المحققين ..
والله الموفق والهادى إلى سواء السبيل
وصلّى الله وسلّم على نبينا محمدٍ وآله وصحبه .

وقال الشيخ / سعد الحصين حفظه الله :

ولعل أول من وقع في شبهة الاعجاز العلمي في القرآن هو : الغزالي (ت 505 هـ ) في ( احيائه ) اذ إدعى أن اللقرآن يحوي سبعة وسبعين ألف علم ، بعدد كلماته مضاعفة أربع مرات بإدعائه أن لكل كلمة ظاهرا وباطنا وحدا ومطلعا ، وفي كتابه ( جواهر القرآن ) يخصص الفصل الخامس لبيان اشتمال القرآن على جميع العلوم أوالفنون الدنيوية .
وكما فتح الغزالي الباب للخلط بين التصوف والإسلام ؛ فتحه للخلط بين الفكر والفقه في نصوص الوحي ، فجاء من بعده الرازي (ت606) فزاد الطين بلة ثم استفحل الامر فجاء ابن ابي الفضل المرسي (655) فاستخرج الهندسة من قوله تعالى (انطلقوا الى ظل ذي ثلاث شعب ) والجبر والمقابلة من الحروف في اوائل السور مثلا .

انتهى.
عاشقة الصداقة
عاشقة الصداقة
الله اعلم
طيب تعاقب الليل ونهار من اعظم ادلة الدوران
الاجرام كلها لها فك تسبح فيه وضرب لنا ايه بشمس والقمر كا ايه من مجمل ايات الافلاك علمها عند خالقها سبحانه عما يصفون
الأقحوانية
الأقحوانية


في ذكر الأدلة على ثبات الأرض واستقرارها. فأما الأدلة من القرآن ففي عدة آيات.

نقلته من كتاب (الصواعق الشديدة...

الآية الأولى قوله تعالى (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا. ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً).

وهذه الآية من أوضح الأدلة على ثبات الأرض واستقرارها ولو كانت تجري وتدور على الشمس كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت تزول من مكان إلى مكان وهذا خلاف نص الآية الكريمة.

الآية الثانية
قوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره).

قال البغوي قال ابن مسعود رضي الله عنه قامتا على غير عمد بأمره. وقال ابن كثير على قوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) كقوله تعالى (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه) وقوله (إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا) وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا اجتهد في اليمين قال والذي تقوم السماء والأرض بأمره. أي هي قائمة ثابتة بأمره لها وتسخيره إياها.
وقال ابن منظور في لسان العرب ويجيء القيام بمعنى الوقوف والثبات يقال للماشي قف لي أي تحبس مكانك حتى آتيك وكذلك قم لي بمعنى قف لي وعليه فسروا قوله سبحانه (وإذا أظلم عليهم قاموا) قال أهل اللغة والتفسير قاموا هنا بمعنى وقفوا وثبتوا في مكانهم غير متقدمين ولا متأخرين. ومنه التوقف في الأمر وهو الوقوف عنده من غير مجاوزة له, قال ومنه قامت الدابة إذا وقفت عن السير وقام عندهم الحق أي ثبت ولم يبرح ومنه قولهم أقام بالمكان هو بمعنى الثبات, ويقال قام الماء إذا ثبت متحيراً لا يجد منفذاً وإذا جمد أيضاً.

قلت ومنه قوله تعالى (ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره) فمعناه الوقوف والثبات وعدم الحركة والدوران والله أعلم.

الآية الثالثة
قوله تعالى في سورة المؤمن (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء) الآية. قال ابن كثير رحمه الله تعالى أي جعلها لكم مستقراً بساطاً مهاداً تعيشون عليها وتتصرفون فيها وتمشون في مناكبها وأرساها بالجبال لئلا تميد بكم (والسماء بناء) أي سقفاً للعالم محفوظاً.

الآية الرابعة
قوله تعالى في سورة النمل (أم من جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي) الآية. قال ابن كثير رحمه الله تعالى يقول (أم من جعل الأرض قراراً) أي قارة ساكنة ثابتة لا تميد ولا تتحرك بأهلها وترجف بهم فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة بل جعلها من فضله ورحمته مهاداً بساطاً ثابتة لا تتزلزل ولا تتحرك كما قال تعالى في الآية الأخرى (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء) وقال البغوي قراراً لا تميد بأهلها قلت والقرار معناه في لغة العرب الثبات والسكون قال في القاموس وشرحه قر بالمكان يقر بالكسر والفتح قراراً وقروراً وقرا وتقرة ثبت وسكن فهو قار كاستقر وتقار وهو مستقر انتهى.

ثم قال ابن كثير على قوله تعالى (وجعل لها رواسي) أي جبالا شامخة ترسي الأرض وتثبتها لئلا تميد بكم.

وقال القرطبي على قوله تعالى (وجعل لها رواسي) يعني جبالاً ثوابت تمسكها وتمنعها من الحركة.
الآية الخامسة قوله تعالى في سورة النحل (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهاراً وسبلا لعلكم تهتدون).

الآية السادسة
قوله تعالى في سورة الأنبياء (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم الآية).

الآية السابعة
قوله تعالى في سورة لقمان (خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) الآية. وفي كل من هذه الآيات دليل على استقرار الأرض وسكونها.

قال الراغب الأصفهاني
الميد اضطراب الشيء العظيم كاضطراب الأرض قال (أن تميد بكم).
وقال ابن الجوزي في تفسير سورة النحل. قوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي) أي نصب فيها جبالاً ثوابت (أن تميد) أي لئلا تميد, وقال الزجاج كراهة أن تميد يقال ماد الرجل يميد ميداً إذا أدير به, وقال ابن قتيبة الميد الحركة والميل يقال فلان يميد في مشيته أي يتكفأ.

وقال البغوي قوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم) أي لئلا تميد بكم أي تتحرك وتميل والميد هو الاضطراب والتكفؤ ومنه قيل للدوار الذي يعتري راكب البحر ميد.

قال وهب لما خلق الله الأرض جعلت تمور فقالت الملائكة إن هذه غير مقرة أحداً على ظهرها فأصبحت وقد أرسيت بالجبال فلم تدر الملائكة مم خلقت الجبال.

قلت وقد روى عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن الحسن نحوه. وروى سعيد عن قتادة عن الحسن عن قيس بن عباد نحو ذلك أيضاً.

وروى ابن جرير عن علي رضي الله عنه قال لما خلق الله الأرض قمصت وقالت تخلق علي آدم وذريته يلقون علي نتنهم ويعملون علي بالخطايا فأرساها الله بالجبال فمنها ما ترون ومنها ما لا ترون وكان أول قرار الأرض كلحم الجزور إذا نحر يختلج لحمه.

ويشهد لهذه الآثار ما رواه الإمام أحمد والترمذي عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت». الحديث.
وقال ابن كثير في تفسير سورة النحل. ذكر تعالى الأرض وما ألقى فيها من الرواسي الشامخات والجبال الراسيات لتقر الأرض ولا تميد أي تضطرب بما عليها من الحيوانات فلا يهنأ لهم عيش بسبب ذلك.

وقال أيضاً في تفسير سورة الأنبياء. قوله (وجعلنا في الأرض رواسي) أي جبالا أرسى الأرض بها وقررها وثقلها لئلا تميد بالناس أي تضطرب وتتحرك فلا يحصل لهم قرار عليها وقال أيضاً في تفسير سورة لقمان على قوله تعالى (وألقى في الأرض رواسي) يعني الجبال أرست الأرض وثقلتها لئلا تضطرب بأهلها على وجه الماء ولهذا قال (أن تميد بكم) أي لئلا تميد بكم. وقال القرطبي في تفسير سورة الأنبياء. وقوله تعالى (وجعلنا في الأرض رواسي) أي جبالا ثوابت (أن تميد بهم) أي لئلا تميد بهم ولا تتحرك ليتم القرار عليها قاله الكوفيون. وقال البصريون المعني كراهية أن تميد والميد التحرك والدوران يقال ماد رأسه أي دار.

وقال الشوكاني في تفسير قوله تعالى (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم) الميد التحرك والدوران أي لئلا تتحرك وتدور بهم.

الآية الثامنة
قوله تعالى في سورة الرعد (وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهاراً) الآية قال ابن كثير أي جعلها متسعة ممتدة في الطول والعرض وأرساها بجبال راسيات شامخات.

وقال البغوي عند قوله تعالى (وجعل فيها رواسي) جبالا ثابتة واحدتها راسية.

وقال القرطبي عند قوله تعالى (وجعل فيها رواسي) أي جبالا ثوابت واحدها راسية لأن الأرض ترسو بها أي تثبت والإرساء الثبوت.

الآية التاسعة قوله تعالى في سورة الحجر (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي) الآية. قال البغوي على قوله (والأرض مددناها) بسطناها على وجه الماء (وألقينا فيها رواسي) جبالا ثوابت وقد كانت الأرض تميد إلى أن أرساها الله بالجبال.

الآية العاشرة قوله تعالى في سورة فصلت (وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها) الآية. قال البغوي (وجعل فيها) أي في الأرض (رواسي) جبالا ثوابت قال القرطبي واحدها راسية لأن الأرض ترسو بها أي تثبت والإرساء الثبوت.

الآية الحادية عشرة قوله تعالى في سورة ق (والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي) الآية قال البغوي على قوله (والأرض مددناها) بسطناها على وجه الماء (وألقينا فيها رواسي) جبالا شوامخ.

وقال ابن كثير على قوله (والأرض مددناها) أي وسعناها وفرشناها (وألقينا فيها رواسي) وهي الجبال لئلا تميد بأهلها وتضطرب فإنها مقرة على تيار الماء المحيط بها من جميع جوانبها.

الآية الثانية عشرة
قوله تعالى في سورة المرسلات (ألم نجعل الأرض كفاتا. أحياء وأمواتاً. وجعلنا فيها رواسي شامخات وأسقيناكم ماء فراتا) قال ابن كثير على قوله تعالى (وجعلنا فيها رواسي شامخات) يعني الجبال رسَّى بها الأرض لئلا تميد وتضطرب.

الآية الثالثة عشرة
قوله تعالى في سورة النازعات (والأرض بعد ذلك دحاها. أخرج منها ماءها ومرعاها. والجبال أرساها. متاعاً لكم ولأنعامكم) قال ابن كثير على قوله (والجبال أرساها) أي قررها وأثبتها وأكدها في أماكنها وهو الحكيم العليم. وقوله (متاعا لكم ولأنعامكم) أي دحا الأرض فأنبع عيونها وأظهر مكنونها وأجرى أنهارها وأنبت زروعها وأشجارها وثمارها وثبت جبالها لتستقر بأهلها ويقر قرارها كل ذلك متاعاً لخلقه ولما يحتاجون إليه من الأنعام التي يأكلونها ويركبونها مدة احتياجهم إليها في هذه الدار إلى أن ينتهي الأمد وينقضي الأجل.

الآية الرابعة عشرة
قوله تعالى في سورة النبأ (ألم نجعل الأرض مهادا. والجبال أوتادا) قال ابن كثير رحمه الله تعالى على قوله (ألم نجعل الأرض مهادا) أي ممهدة للخلائق ذلولا لهم قارة ساكنة ثابتة (والجبال أوتادا) أي جعلها لها أوتادا أرساها بها وثبتها وقررها حتى سكنت ولم تضطرب بمن عليها.

وقال القرطبي على قوله (والجبال أوتاداً) أي لتسكن ولا تتكفأ بأهلها.
وقال ابن منظور في لسان العرب وأوتاد الأرض الجبال لأنها تثبتها.

الآية الخامسة عشرة
قوله تعالى في سورة الزخرف (الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون) قال ابن كثير على قوله (الذي جعل لكم الأرض مهدا) أي فراشا قرارا ثابتة تسيرون عليها وتقومون وتنامون وتتصرفون مع أنها مخلوقة على تيار الماء لكنه أرساها بالجبال لئلا تميد هكذا ولا هكذا.
الآية السادسة عشرة قوله تعالى في سورة الذاريات (والأرض فرشناها فنعم الماهدون) قال ابن كثير أي جعلناها فراشاً للمخلوقات (فنعم الماهدون) أي وجعلناها مهداً لأهلها. وقال في البداية والنهاية.

وقوله (والأرض فرشناها) أي بسطناها وجعلناها مهدا أي قارة ساكنة غير مضطربة ولا مائدة بكم
وقال البغوي على قوله (والأرض فرشناها) بسطناها ومهدناها لكم (فنعم الماهدون) الباسطون نحن. قال ابن عباس رضي الله عنهما نعم ما وطأت لعبادي.

الآية السابعة عشرة
قوله تعالى في سورة البقرة (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون. الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء) الآية.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى شرع تبارك وتعالى في بيان وحدانية ألوهيته بأنه تعالى هو المنعم على عبيده بإخراجهم من العدم إلى الوجود وإسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة بأن جعل لهم الأرض فراشاً أي مهدا كالفراش مقررة موطأة مثبتة بالرواسي الشامخات. والسماء بناء وهو السقف. قال ومن أشبه آية بهذه الآية قوله تعالى (الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم) الآية. قال ومضمونه أنه الخالق الرازق مالك الدار وساكنيها ورازقهم فبهذا يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به غيره ولهذا قال (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون).

قلت وقد استدل الرازي بهذه الآية على سكون الأرض وثباتها وسيأتي كلامه مع الأدلة العقلية على ثبات الأرض إن شاء الله تعالى.

الآية الثامنة عشرة قوله تعالى في سورة نوح (والله جعل لكم الأرض بساطاً. لتسلكوا منها سبلا فجاجا) قال البغوي على قوله (والله جعل لكم الأرض بساطاً) فرشها وبسطها لكم وقال ابن كثير أي بسطها ومهدها وقررها وثبتها بالجبال الراسيات الشم الشامخات (لتسلكوا منها سبلا فجاجا) أي خلقها لكم لتستقروا عليها وتسلكوا فيها أين شئتم من نواحيها وأرجائها وأقطارها.

الآية التاسعة عشرة قوله تعالى في سورة الملك (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) قال ابن كثير رحمه الله تعالى ذكر نعمته على خلقه في تسخيره لهم الأرض وتذليله إياها لهم بأن جعلها قارة ساكنة لا تميد ولا تضطرب بما جعل فيها من الجبال.

وقال القرطبي في تفسيره وقيل أي ثبتها بالجبال لئلا تزول بأهلها ولو كانت تتكفأ متمايلة لما كانت منقادة لنا.

قلت قد زعم أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من المسلمين أن الأرض تسير في الثانية أكثر من ثلاثين كيلومتراً وأنها تقطع في اليوم الواحد أكثر من خمسمائة ألف فرسخ. ولو كان الأمر على ما زعموه من سير الأرض بهذه السرعة الهائلة لما كانت ذلولا للخلائق ولا فراشاً ولا مهداً ولما استقر على ظهرها شيء من البناء والشجر فضلا عن الحيوانات وذلك لشدة مخرها للهواء وشدة صدم الهواء لوجهها.
واعتبر ذلك بالطائرة النفاثة التي لا تبلغ في سرعة سيرها عشر عشر العشر مما زعموه في سرعة سير الأرض. هل يقول عاقل أنه يمكن أن يستقر حيوان على ظهر الطائرة النفاثة وهي سائرة. كلّا لا يقول ذلك عاقل أبداً. وإذا كان استقرار الحيوانات على ظهر الطائرة في حال سيرها مستحيلا فكذلك الاستقرار على ظهر الأرض لو كانت تسير بالسرعة الهائلة التي زعموها بطريق الأولى ولما كانت الأرض ذلولا للخلائق وفراشاً ومهداً لهم دل ذلك على أنها ثابت ساكنة.

فهذه الآية والآيات الخمس قبلها من أوضح الأدلة على سكون الأرض وثباتها.


الآية العشرون
قوله تعالى في سورة الملك (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور) قال ابن كثير أي تذهب وتجيء وتضطرب.

وقال البغوي قال الحسن تتحرك بأهلها وقيل تهوي بهم وقال الراغب الأصفهاني المور الجريان السريع يقال مار يمور موراً. قال (يوم تمور السماء موراً) ومار الدم على وجهه. والمور التراب المتردد بالريح وناقة تمور في سيرها فهي موارة.

وقال الجوهري والهروي وغيرهما من أئمة اللغة مار الشيء يمور موراً إذا جاء وذهب.
وقال ابن الأثير وفي حديث قس ونجوم تمور أي تذهب وتجيء قلت والمعنى في قوله تعالى (فإذا هي تمور) كالمعنى في قوله تعالى (يوم تمور السماء موراً) قال مجاهد في تفسير هذه الآية تدور دورا. وقال الضحاك استدارتها وتحركها لأمر الله وموج بعضها في بعض. قال ابن كثير وهذا اختيار ابن جرير أنه التحرك في استدارة.

قال وأنشد أبو عبيدة معمر بن المثنى بيت الأعشى فقال:
كان مشيتها من بيت جارتها
مور السحابة لا ريث ولا عجل

قلت ومثل ذلك قول كعب بن زهير في الريح.
عفته رياح الصيف بعدي بمورها
وأبرته الجوزاء بالوبل والديم

وقال البغوي
في تفسيره (يوم تمور السماء موراً) أي تدور كدوران الرحى وتتكفأ بأهلها تكفؤ السفينة. قال قتادة تتحرك. وقال عطاء الخراساني تختلف أجزاؤها بعضها في بعض وقيل تضطرب. والمور يجمع هذه المعاني فهو في اللغة الذهاب والمجيء والتردد والدوران والاضطراب انتهى.

إذا علم هذا فآية سورة الملك دالة على أن الأرض قارة ساكنة لا تدور فتذهب وتجيء ولهذا امتن الله تبارك وتعالى على عباده بتذليلها لهم وحذرهم من عقوبته بأن يخسف بهم الأرض ويجعلها تمور بهم. ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم من العصريين لكانت الأرض تمور دائماً كما تمور النجوم والسحاب والريح ولم يبق للتخويف بمورها فائدة.

الآية الحادية والعشرون قوله تعالى (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم). ويجعلها تمور بهم. ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم من العصريين لكانت الأرض تمور دائماً كما تمور النجوم والسحاب والريح ولم يبق للتخويف بمورها فائدة.
الآية الحادية والعشرون قوله تعالى (ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم).

الآية الثانية والعشرون قوله تعالى (أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء) الكسف القطع.

الآية الثالثة والعشرون
قوله تعالى إخبارا عن مشركي قريش أنهم قالوا (أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً).
الآية الرابعة والعشرون قوله تعالى إخبارا عن قوم شعيب أنهم قالوا (فأسقط علينا كسفاً من السماء إن كنت من الصادقين).

الآية الخامسة والعشرون قوله تعالى (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم).

ووجه الاستدلال بهذه الآيات الخمس على استقرار الأرض وسكونها أن الله سبحانه وتعالى جعل الأرض مركزاً للأثقال ومستقراً لما ينـزل من السماء فلو سقطت السماء لوقعت على الأرض ولو سقط منها شيء لم يستقر إلا في الأرض. ولو كانت الأرض تجري وتدور على الشمس كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت الشمس هي المركز والمستقر للأثقال وهذا تكذيب للقرآن.

وقد قال الله تعالى (إذا الشمس كورت. وإذا النجوم انكدرت).

وقال تعالى (إذا السماء انفطرت. وإذا الكواكب انتثرت).

قال البغوي وغيره في قوله تعالى (وإذا النجوم انكدرت) أي تناثرت من السماء وتساقطت على الأرض كما قال تعالى (وإذا الكواكب انتثرت).

وروى ابن أبي حاتم بإسناد ضعيف عن ابن عباس رضي الله عنهما قال «يكور الله الشمس والقمر والنجوم يوم القيامة في البحر ويبعث الله ريحاً دبورا فيضرمها ناراً».

وكذا ذكر البغوي في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما. قال ابن كثير وكذا قال عامر الشعبي قلت ويشهد لهذا الأثر ما رواه البخاري في صحيحه حدثنا مسدد حدثنا عبدالعزيز بن المختار حدثنا عبدالله الداناج قال حدثني أبو سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «الشمس والقمر مكوران يوم القيامة».

ورواه البزار عن إبراهيم بن زياد البغدادي عن يونس بن محمد عن عبدالعزيز بن المختار عن عبدالله الداناج قال سمعت أبا سلمة بن عبدالرحمن زمن خالد بن عبدالله القسري في هذا المسجد مسجد الكوفة وجاء الحسن فجلس إليه فحدث قال حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الشمس والقمر ثوران في النار عقيران يوم القيامة» فقال الحسن وما ذنبهما فقال أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول وما ذنبهما. إسناده صحيح على شرط مسلم.

وروى الحافظ أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الشمس والقمر ثوران عقيران في النار» قال الهيثمي فيه ضعفاء قد وثقوا.

قلت وحديث أبي هريرة رضي الله عنه يشهد له ويقويه.
وروى ابن أبي حاتم عن الشعبي أنه سمع ابن عباس رضي الله عنهما يقول (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) (وجهنم هو هذا البحر الأخضر تنتثر الكواكب فيه وتكور فيه الشمس والقمر ثم يوقد فيكون هو جهنم).

وروى الإمام أحمد وابن جرير والحاكم في مستدركه عن يعلي بن أمية رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البحر هو جهنم» قال الحاكم صحيح الإسناد ووافقه الذهبي في تلخيصه. وفي الآيات من سورتي التكوير والانفطار مع هذه الأحاديث دليل على أن الأرض هي المركز والمستقر للأثقال وذلك يدل على سكونها وثباتها كما تقدم تقريره وفيها رد على أهل الهيئة الجديدة القائلين بحركة الأرض ودورانها وعلى من يقلدهم ويحذو حذوهم من المسلمين.

يتبع
الأقحوانية
الأقحوانية
الأحاديث الدالة على استقرار الأرض وسكونها.

فالأول منها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال فألقاها عليها فاستقرت» الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي.
وهذا الحديث نص في استقرار الأرض وسكونها.
الحديث الثاني عن صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "ذكر باباً من قبل المغرب مسيرة عرضه أو يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين عاماً خلقه الله يوم خلق السموات والأرض مفتوحاً يعني للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه» رواه الإمام أحمد والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح.
وفي رواية لهما «إن الله عزَّ وجلَّ جعل بالمغرب باباً عرضه مسيرة سبعين عاماً للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من قبله وذلك قول الله تبارك وتعالى (يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفساً إيمانها) الآية» قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح.
وقد رواه ابن ماجه في سننه بإسناد صحيح ولفظه «إن من قبل مغرب الشمس باباً مفتوحاً عرضه سبعون سنة فلا يزال ذلك الباب مفتوحاً للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه فإذا طلعت من نحوه لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً».
وهذا الحديث الصحيح من أقوى الأدلة على أن الأرض قارة ساكنة لا تدور ولا تفارق موضعها أبداً. وهذا مستفاد من النص على أن باب التوبة ثابت في ناحية المغرب لا يزايله ولا يغلق حتى تطلع الشمس من قبله. ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت وجهة ذلك الباب تختلف بحسب دوران الأرض فتكون من ناحية المغرب تارة ومن ناحية المشرق أخرى وعلى مسامتة الرأس تارة وفي الجهة المقابلة لذلك أخرى وفيما بين هذه الجهات تارات بحسب دوران الأرض وسيرها على حد زعمهم الكاذب وهذا إبطال للنص بغير دليل شرعي بل بمجرد الظنون الكاذبة والتوهمات الخاطئة.
الحديث الثالث. قال أبو الوليد محمد بن عبدالله بن أحمد الأزرقي في أخبار مكة حدثني جدي عن سعيد بن سالم قال أخبرني ابن جريج عن صفوان بن سليم عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البيت الذي في السماء يقال له الضراح وهو مثل بناء هذا البيت الحرام ولو سقط لسقط عليه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبداً».
ورواه الطبراني فقال أنبأنا الحسن بن علوية القطان حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار حدثنا إسحاق بن بشر أبو حذيفة حدثنا ابن جريج عن صفوان بن سليم عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «البيت المعمور في السماء يقال له الضراح وهو على مثل البيت الحرام بحياله لو سقط لسقط عليه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يرونه قط وإن له في السماء حرمة على قدر حرمة مكة. يعني في الأرض».
قال ابن كثير وهكذا قال العوفي عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة والربيع بن أنس والسدي وغير واحد.
وقال قتادة ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه «هل تدرون ما البيت المعمور» قالوا الله ورسوله أعلم قال «فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم».
وروى ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «في السماء السابعة بيت يقال له المعمور بحيال الكعبة».
وقال ابن جرير حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب عن خالد بن عرعرة أن رجلا قال لعلي رضي الله عنه ما البيت المعمور قال بيت في السماء يقال له الضراح وهو بحيال الكعبة من فوقها حرمته في السماء كحرمة البيت في الأرض يصلي فيه كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون فيه أبداً.
ثم رواه ابن جرير من حديث علي بن ربيعة وأبي الطفيل أن ابن الكواء سأل علياً رضي الله عنه عن البيت المعمور قال مسجد في السماء يقال له الضراح يدخله كل يوم سبعون ألفاً من الملائكة ثم لا يعودون فيه أبداً.
ورواه أبو الوليد الأزرقي في أخبار مكة فقال حدثني جدي قال حدثني سفيان بن عيينة عن ابن أبي حسين عن أبي الطفيل قال سأل ابن الكواء علياً رضي الله عنه ما البيت المعمور قال هو الضراح وهو حذاء هذا البيت وهو في السماء السادسة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون فيه أبداً وقال أيضاً حدثني أبو محمد قال حدثنا أبو عبيد الله سعيد بن عبدالرحمن المخزومي قال حدثنا سفيان بن عيينة بنحوه إلا أنه قال في السماء السابعة وقال لا يعودون إليه أبداً إلى يوم القيامة. وقال أيضاً حدثني جدي عن سعيد بن سالم عن عثمان بن ساج عن وهب بن منبه أنه وجد في التوراة بيتاً في السماء بحيال الكعبة فوق قبتها اسمه الضراح وهو البيت المعمور يرده كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبداً.
قال الجوهري الضراح بالضم بيت في السماء وهو البيت المعمور عن ابن عباس.
وقال ابن الأثير الضراح بيت في السماء حيال الكعبة ويروى الضريح وهو البيت المعمور من المضارحة وهي المقابلة والمضارعة وقد جاء ذكره في حديث علي ومجاهد ومن رواه بالصاد فقد صحف.
وقال ابن منظور في لسان العرب الضراح بالضم بيت في السماء مقابل الكعبة في الأرض قيل هو البيت المعمور عن ابن عباس وفي الحديث الضراح بيت في السماء حيال الكعبة. ويروى الضريح وهو البيت المعمور من المضارحة وهي المقابلة والمضارعة وقد جاء ذكره في حديث علي ومجاهد.
وقال صاحب القاموس الضراح كغراب البيت المعمور في السماء الرابعة انتهى وقوله في السماء الرابعة غلط إما منه أو ممن دونه من النساخ أو الطابعين لأنه قد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن البيت المعمور في السماء السابعة والله أعلم.
وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما وما ذكرنا معه من الآثار المتعاضدة دليل على استقرار الأرض وسكونها. وهذا مستفاد من النص على أن الكعبة بحيال البيت المعمور في السماء وإن البيت المعمور لو سقط لسقط على الكعبة.
ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما كان البيت المعمور بحيال الكعبة ولو خر لم يخر عليها بل يخر على الشمس لأنها هي المستقرة والمركز الذي تدور عليه الأفلاك على حد زعمهم الكاذب, ويلزم على هذا تكذيب الحديث والآثار المذكورة ههنا بغير مستند صحيح.
الحديث الرابع عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله حرم هذا البلد يوم خلق السموات والأرض وصاغه يوم صاغ الشمس والقمر وما حياله من السماء حرام وأنه لم يحل لأحد قبلي وإنما أحل لي ساعة من نهار ثم عاد كما كان» رواه الطبراني وأبو نعيم في الحلية من طريقه ولبعضه شواهد في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس وأبي هريرة وأبي شريح الخزاعي رضي الله عنهم. وفيه دليل على استقرار الأرض وسكونها وهذا مستفاد من النص على تحريم ما حيال حرم مكة من السماء. ولو كانت الأرض تدور كما يزعمه أهل الهيئة الجديدة لما كان حرم السماء بحيال حرم الأرض في كل وقت بل يكون بحياله تارة وبحيال غيره تارات وهذا تكذيب للحديث بلا برهان.
الحديث الخامس عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو أن رصاصة مثل هذه وأشار إلى مثل الجمجمة أرسلت من السماء إلى الأرض وهي مسيرة خمسمائة سنة لبلغت الأرض قبل الليل» الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن جرير والبيهقي وقال الترمذي هذا حديث إسناده حسن صحيح.
ووجه الاستدلال بهذا الحديث على استقرار الأرض وثباتها أن الله تعالى جعل الأرض مركزاً للأثقال ومستقراً لما ينـزل من السماء ولو كانت الأرض تجري وتدور على الشمس كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت الشمس هي المركز والمستقر للأثقال وهذا تكذيب لهذا الحديث الصحيح.
وفي الحديث دليل آخر على استقرار الأرض وثباتها وذلك مستفاد من النص على أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة. والنص شامل لوجه الأرض من جميع الجهات لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق ولم يخص جهة منها دون الجهة الأخرى فدل عموم النص على أن المسافة بين السماء والأرض خمسمائة سنة من كل جهة. وقد قرر الإمام أبو الحسين ابن المنادي أن بعد ما بين السماء والأرض من جميع الجهات بقدر واحد ووافقه شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية وغيره على ذلك. وفي حديث عبدالله بن عمرو الذي ذكرنا دليل لما قالوه. وكذلك ما سيأتي من حديث أبي هريرة وابن مسعود والعباس وأبي سعيد رضي الله عنهم في تقدير المسافة بين السماء والأرض. وقد قرروا أيضاً أن السماء مستديرة وأنها على مثال الكرة وأنها محيطة بالأرض من جميع جهاتها وأن الأرض كروية الشكل وهي في وسط كرة السماء وحكى غير واحد الإجماع على ذلك كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وهذا مع النص على أن المسافة بين السماء والأرض خمسمائة سنة يدل على أن الأرض ثابتة لا تفارق موضعها.
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى اعلم أن الأرض قد اتفقوا على أنها كروية الشكل وهي في الماء بأكثرها إذ اليابس السدس وزيادة بقليل. والماء أيضاً مقبب من كل جانب للأرض. والماء الذي فوقها بينه وبين السماء كما بيننا وبينها مما يلي رؤوسنا. وليس تحت وجه الأرض إلا وسطها ونهاية التحت المركز فلا يكون لنا جهة بينة إلا جهتان العلو والسفل وإنما تختلف الجهات باختلاف الإنسان. فعلو الأرض وجهها من كل جانب وأسفلها ما تحت وجهها. ونهاية المركز هو الذي يسمى محط الأثقال. فمن وجه الأرض والماء من كل وجهة إلى المركز يكون هبوطاً ومنه إلى وجهها صعودا. وإذا كانت سماء الدنيا فوق الأرض محيطة بها فالثانية كروية وكذا الباقي. والكرسي فوق الأفلاك كلها والعرش فوق الكرسي. ونسبة الأفلاك وما فيها بالنسبة إلى الكرسي كحلقة في فلاة والجملة بالنسبة إلى العرش كحلقة في فلاة.
والأفلاك مستديرة بالكتاب والسنة والإجماع فإن لفظ الفلك يدل على الاستدارة ومنه قوله تعالى (كل في فلك يسبحون) قال ابن عباس في فلكة كفلكة المغزل. ومنه قولهم تفلك ثدي الجارية إذا استدار. وأهل الهيئة والحساب متفقون على ذلك.
وقال الشيخ أيضاً. السموات مستديرة عند علماء المسلمين وقد حكى إجماع المسلمين على ذلك غير واحد من العلماء أئمة الإسلام مثل أبي الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي أحد الأعيان الكبار من الطبقة الثانية من أصحاب الإمام أحمد وله نحو أربعمائة مصنف.
وحكى الإجماع على ذلك الإمام أبو محمد بن حزم وأبو الفرج ابن الجوزي. وروى العلماء ذلك بالأسانيد المعروفة عن الصحابة والتابعين وذكروا ذلك من كتاب الله وسنة رسوله وبسطوا القول في ذلك بالدلائل السمعية وإن كان قد أقيم على ذلك أيضاً دلائل حسابية. ولا أعلم في علماء المسلمين المعروفين من أنكر ذلك إلا فرقة يسيرة من أهل الجدل لما ناظروا المنجمين فأفسدوا عليهم فاسد مذهبهم في الأحوال والتأثير خلطوا الكلام معهم بالمناظرة في الحساب وقالوا على سبيل التجويز يجوز أن تكون مربعة أو مسدسة أو غير ذلك ولم ينفوا أن تكون مستديرة لكن جوزوا ضد ذلك وما علمت من قال إنها غير مستديرة وجزم بذلك إلا من لا يؤبه له من الجهال.
ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى (وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون) وقال تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره من السلف في فلكة مثل فلكة المغزل. وهذا صريح بالاستدارة والدوران. وأصل ذلك أن الفلك في اللغة هو الشيء المستدير يقال تفلك ثدي الجارية إذا استدار ويقال لفلكة المغزل المستديرة فلكة لاستدارتها. فقد اتفق أهل التفسير واللغة على أن الفلك هو المستدير.
والمعرفة لمعاني كتاب الله إنما تؤخذ من هذين الطريقين. من أهل التفسير الموثوق بهم من السلف. ومن اللغة التي نـزل القرآن بها وهي لغة العرب.
وقال تعالى (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) قالوا والتكوير التدوير يقال كورت العمامة إذا دورتها. ويقال للمستدير كارة وأصله كورة تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت ألفاً. ويقال أيضاً كره وأصله كورة وإنما حذفت عين الكلمة كما قيل في ثبة وقله.
والليل والنهار وسائر أحوال الزمان تابعة للحركة فإن الزمان مقدار الحركة والحركة قائمة بالجسم المتحرك. فإذا كان الزمان التابع للحركة التابعة للجسم موصوفاً بالاستدارة كان الجسم أولى بالاستدارة.
ثم ذكر الشيخ ما يدل على استدارة الأفلاك إلى أن قال - والحس مع العقل يدل على ذلك فإنه مع تأمل دوران الكواكب القريبة من القطب في مدار ضيق حول القطب الشمالي ثم دوران الكواكب المتوسطة في السماء في مدار واسع وكيف يكون في أول الليل وفي آخره يعلم ذلك. وكذلك من رأى حال الشمس وقت طلوعها واستوائها وغروبها في الأوقات الثلاثة على بعد واحد وشكل واحد ممن يكون على ظهر الأرض علم أنها تجري في فلك مستدير وأنه لو كان مربعاً لكانت وقت الاستواء أقرب إلى من تحاذيه منها وقت الطلوع والغروب. وأما من ادعى ما يخالف الكتاب والسنة فهو مبطل في ذلك وإن زعم أن معه دليلا حسابياً.
وقال الشيخ أيضاً: قد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة أن الأفلاك مستديرة - ثم ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وقد تقدم ذكر بعضها في كلامه الذي ذكرنا قبل هذا. إلى أن قال - وأما إجماع العلماء فقال إياس بن معاوية الإمام المشهور قاضي البصرة من التابعين, السماء على الأرض مثل القبة.
وقال الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي من أعيان العلماء المشهورين بمعرفة الآثار والتصانيف الكبار في فنون العلوم الدينية من الطبقة الثانية من أصحاب أحمد لا خلاف بين العلماء أن السماء على مثال الكرة قال وكذلك أجمعوا على أن الأرض بجميع أجزائها من البر والبحر مثل الكرة.
قال ويدل عليه أن الشمس والقمر والكواكب لا يوجد طلوعها وغروبها على جميع من في نواحي الأرض في وقت واحد بل على المشرق قبل المغرب. قال فكرة الأرض مثبتة في وسط كرة السماء كالنقطة في الدائرة. يدل على ذلك أن جرم كل كوكب يرى في جميع نواحي السماء على قدر واحد فيدل ذلك على بعد ما بين السماء والأرض من جميع الجهات بقدر واحد فاضطرار أن تكون الأرض وسط السماء انتهى.
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في البداية والنهاية: حكى ابن حزم وابن المنادي وأبو الفرج ابن الجوزي وغير واحد من العلماء الإجماع على أن السموات كرة مستديرة.
وقال أيضاً في تفسير سورة الرعد عند قوله تعالى (الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها) الآية يخبر تعالى عن كمال قدرته وعظيم سلطانه أنه الذي بإذنه وأمره رفع السموات بغير عمد بل بإذنه وأمره وتسخيره رفعها عن الأرض بعداً لا تنال ولا يدرك مداها. فالسماء الدنيا محيطة بجميع الأرض وما حولها من الماء والهواء من جميع نواحيها وجهاتها وأرجائها مرتفعة عليها من كل جانب على السواء. وبعد ما بينها وبين الأرض من كل ناحية مسيرة خمسمائة عام وسمكها في نفسها مسيرة خمسمائة عام.
ثم السماء الثانية محيطة بالسماء الدنيا وما حوت وبينهما من بعد المسير خمسمائة عام وسمكها خمسمائة عام. وهكذا الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة انتهى.
والمقصود ههنا ذكر الإجماع على أن السموات مستديرة وذكر الإجماع على أن الأرض مثل الكرة وبيان أنها مثبتة في وسط كرة السماء كالنقطة في الدائرة. وقد تقدم النص على أن بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة وهذا يدل على أن الأرض قارة ثابتة. ولو كانت الشمس هي القارة الثابتة وكانت الأرض تدور عليها كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لما كان بين الأرض وبين السماء مسيرة خمسمائة سنة من جميع الجهات بل تكون جهة منها أقرب إلى السماء من الجهة الأخرى بمسافة بعيدة على قدر سعة الفلك الذي تدور فيه على حد زعمهم. وهذا باطل قطعاً. ونص حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما مع نصوص الأحاديث التي تأتي ترد هذا الزعم الكاذب.
وأيضاً فلو كانت الشمس قارة ساكنة والأرض تدور عليها لكانت الشمس هي المركز وكانت الأرض أقرب إلى السماء من الشمس وهذا باطل قطعاً لأن الشمس في السماء بنص القرآن قال الله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً) وقال تعالى مخبراً عن نوح عليه الصلاة والسلام أنه قال لقومه (ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا. وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً).
وأما الأرض فبعيدة من السماء كما يدل على ذلك حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما الذي ذكرنا وما يأتي من حديث أبي هريرة وابن مسعود والعباس بن عبدالمطلب وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم في تقدير المسافة بين السماء والأرض بخمسمائة سنة وإذا كانت الشمس في السماء فمحال أن تدور الأرض عليها لأنها لو كانت تدور عليها لكانت تخترق السموات وهذا لا يقوله عاقل.
الحديث السادس عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما نبي الله صلى الله عليه وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم «هل تدرون ما هذا قالوا الله ورسوله أعلم قال هذا العنان هذه روايا الأرض يسوقه الله إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه ثم قال هل تدرون ما فوقكم قالوا الله ورسوله أعلم قال فإنها الرقيع سقف محفوظ وموج مكفوف ثم قال هل تدرون كم بينكم وبينها قالوا الله ورسوله أعلم قال بينكم وبينها خمسمائة سنة ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن فوق ذلك سمائين ما بينهما مسيرة خمسمائة عام حتى عد سبع سموات ما بين كل سمائين كما بين السماء والأرض ثم قال هل تدرون ما فوق ذلك قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء بعد ما بين السمائين» الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وابن أبي حاتم والبزار وقال الترمذي هذا حديث غريب.
الرقيع السماء قال ابن الأثير فيه أنه قال لسعد بن معاذ حين حكم في بني قريظة لقد حكمت بحكم الله من فوق سبع أرقعة يعني سبع سموات وكل سماء يقال لها رقيع والجمع أرقعة. وقيل الرقيع اسم سماء الدنيا فأعطى كل سماء اسمها انتهى.
الحديث السابع عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال «ما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة عام وما بين الكرسي إلى الماء مسيرة خمسمائة عام والعرش على الماء والله على العرش ويعلم أعمالكم» رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد بإسناد صحيح على شرط مسلم.
ورواه أيضاً من وجه آخر ولفظه «ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام وبصر كل سماء خمسمائة - يعني غلظها -» وذكر بقيته بنحوه.
وقد رواه الطبراني في الكبير بنحو الرواية الأولى قال الهيثمي ورجاله رجال الصحيح.
وهذا الحديث له حكم المرفوع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف.
الحديث الثامن عن العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه قال كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبطحاء فمرت سحابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أتدرون ما هذا قال قلنا السحاب قال والمزن قلنا والمزن قال والعنان قال فسكتنا فقال هل تدرون كم بين السماء والأرض قال قلنا الله ورسوله أعلم قال بينهما مسيرة خمسمائة سنة ومن كل سماء إلى سماء مسيرة خمسمائة سنة وكثف كل سماء مسيرة خمسمائة سنة وفوق السماء السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهن وأظلافهن كما بين السماء والأرض ثم فوق ذلك العرش بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض والله تبارك وتعالى فوق ذلك وليس يخفى عليه من أعمال بني آدم شيء) رواه الإمام أحمد والبغوي بهذا اللفظ.
وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في كتاب التوحيد والحاكم في مستدركه عن العباس رضي الله عنه قال كنت في البطحاء في عصابة فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال ما تسمون هذه قالوا السحاب قال والمزن قالوا والمزن قال والعنان قالوا والعنان. قال أبو داود لم أتقن العنان جيداً. قال صلى الله عليه وسلم «هل تدرون ما بعد ما بين السماء والأرض قالوا لا ندري قال إن بعد ما بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلاث وسبعون سنة ثم السماء فوقها كذلك حتى عد سبع سموات ثم فوق السابعة بحر بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم على ظهورهم العرش بين أسفله وأعلاه مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله تبارك وتعالى فوق ذلك».
هذا لفظ أبي داود ونحوه رواية الترمذي وابن ماجه. ورواية ابن خزيمة والحاكم مختصرة. وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب.
وهذه الرواية مخالفة لرواية الإمام أحمد والبغوي وما قبلها من حديث عبدالله بن عمرو وأبي هريرة وابن مسعود رضي الله عنهم وما سيأتي من حديث أبي سعيد رضي الله عنه في مقدار المسافة بين السماء والأرض. وقد جمع بين الروايتين غير واحد من العلماء منهم ابن خزيمة في كتاب التوحيد وابن القيم في تهذيب السنن والذهبي.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى وأما اختلاف مقدار المسافة في حديثي العباس وأبي هريرة رضي الله عنهما فهو مما يشهد بتصديق كل منهما للآخر فإن المسافة يختلف تقديرها بحسب اختلاف السير الواقع فيها. فسير البريد مثلا يقطع بقدر سير ركاب الإبل سبع مرات. وهذا معلوم بالواقع فما تسيره الإبل سيراً قاصداً في عشرين يوماً يقطعه البريد في ثلاثة فحيث قدر النبي صلى الله عليه وسلم بالسبعين أراد به السير السريع سير البريد وحيث قدر بالخمسمائة أراد به السير الذي يعرفونه سير الإبل والركاب فكل منهما يصدق الآخر ويشهد بصحته ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.
وقال الذهبي لا منافاة بينهما لأن تقدير ذلك بخمسمائة عام هو على سير القافلة مثلا. ونيف وسبعون سنة على سير البريد لأنه يصح أن يقال بيننا وبين مصر عشرون يوماً باعتبار سير العادة وثلاثة أيام باعتبار سير البريد انتهى.
الحديث التاسع عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى (وفرش مرفوعة) قال «ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام» رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وقال الترمذي هذا حديث حسن غريب.
وفي حديث أبي سعيد رضي الله عنه والأحاديث الثلاثة قبله دليل على استقرار الأرض وثباتها وقد تقدم إيضاح ذلك في الكلام على حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما وهو الحديث الخامس فليراجع.
الحديث العاشر عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الشمس تدنو يوم القيامة حتى يبلغ العرق نصف الأذن» الحديث رواه البخاري.
الحديث الحادي عشر عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل» الحديث رواه الإمام أحمد ومسلم والترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح.
الحديث الثاني عشر عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تدنو الشمس يوم القيامة على قدر ميل ويزاد في حرها» الحديث رواه الإمام أحمد والطبراني. قال الهيثمي ورجال أحمد رجال الصحيح غير القاسم بن عبدالرحمن وقد وثقه غير واحد.
الحديث الثالث عشر عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «تدنو الشمس من الأرض فيعرق الناس» الحديث رواه الإمام أحمد والطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه. وقال الهيثمي إسناد الطبراني جيد.

الحديث الرابع عشر عن المقدام رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تدنو الشمس يوم القيامة حتى تكون من الناس قدر ميل ويزاد في حرها» الحديث رواه الطبراني.
الحديث الخامس عشر عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد فيبصرهم الناظر ويسمعهم الداعي وتدنو منهم الشمس» الحديث رواه الإمام أحمد والشيخان والترمذي.
الحديث السادس عشر عن سلمان رضي الله عنه قال «تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس» الحديث رواه الطبراني. قال المنذري وإسناده صحيح وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح. قلت وله حكم المرفوع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف وهذه الأحاديث السبعة وإن كانت من أخبار يوم القيامة ففيها دليل على أن الأرض قارة ثابتة لا تفارق موضعها. ولو كانت الشمس هي القارة الثابتة لكانت الأرض هي التي تدنى منها وهذا خلاف نصوص هذه الأحاديث والله أعلم.
فهذا ما يسره الله تعالى من الآيات والأحاديث الدالة على أن الشمس تسير وتدور على الأرض وإن الأرض قارة ثابتة بخلاف ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة من أن الشمس قارة ثابتة وأن الأرض تدور عليها. وحقيقة قولهم تكذيب الآيات والأحاديث التي ذكرنا واطراحها بالكلية وذلك هو الضلال البعيد. وقد قال الله تعالى (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين).
وقول أهل الهيئة الجديدة في الشمس والأرض دائر بين افتراء الكذب والتكذيب بالحق. ومن أعجب العجب أنه قد جعل في زماننا من الفنون المهمة التي تدرس في كثير من المدارس ويعتنى بها في كثير من الأقطار الإسلامية أكثر مما يعتنى بالعلوم الشرعية. وهذا مصداق ما جاء في الحديث الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل» الحديث متفق عليه.
وفي رواية «من أشراط الساعة أن يقل العلم ويظهر الجهل». ولهما عن عبدالله بن مسعود وأبي موسى رضي الله عنهما قالا قال النبي صلى الله عليه وسلم «إن بين يدي الساعة لأياماً ينـزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم» الحديث.
وقال الشعبي لا تقوم الساعة حتى يصير العلم جهلا والجهل علماً. رواه ابن أبي شيبة وله حكم المرفوع لأنه إخبار عن أمر غيبي ومثله لا يقال من قبل الرأي وإنما يقال عن توقيف ومن أقبح الجهل وأظلم الظلم تكذيب الله تعالى وتكذيب رسوله صلى الله عليه وسلم ومعارضة الآيات والأحاديث الصحيحة بأقوال أعداء الله تعالى وتخرصاتهم الكاذبة وآرائهم الفاسدة وتوهماتهم الخاطئة وتعلم ذلك وتعليمه.
وقد أخبرني غير واحد من الطلبة في بعض المعاهد أن بعض معلميهم من ذوي الجهل المركب صرح عنده بما يعتقده من استقرار الشمس ودوران الأرض حولها. فقال له الطلبة ما تقول في قول الله تعالى (والشمس تجري لمستقر لها) وقوله تعالى (وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى) وأمثال هذه الآيات. فقال القرآن حق. فقالوا له يلزمك على هذا أن تعتقد جريان الشمس فأبى فطالبوه بالدليل على قوله فقال هكذا تلقينا من علمائنا.
فانظر يا من نور الله قلبه بنور العلم والإيمان إلى جواب هذا المخدوع المغرور بزخارف أعداء الله وشبهاتهم. واحمد الله الذي عافاك مما ابتلى به المنحرفين المكذبين لنصوص القرآن والأحاديث الصحيحة تقليداً منهم لأعداء الله تعالى من الكفار والمنافقين الذين أسسوا بنيانهم على شفا جرف هارٍ ينهار بمن تمسك به في نار جهنم.
وما أشبه هذا الذي ذكرنا جوابه ومن جرى مجراه بالذين قال الله تعالى فيهم (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا. أولئك الذين لعنهم الله ومن يلعن الله فلن تجد له نصيراً).
فاحذروا أيها المسلمون من الإصغاء إلى دسائس أعداء الله تعالى والاغترار بزخارفهم وشبهاتهم فإنهم لا يألونكم خبالا وودوا لو تكفرون بما جاء به نبيكم صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة قال الله تعالى (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) الآية. وقال تعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق) وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين. وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم) وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين). ففي هذه الآيات أبلغ تحذير للمسلمين من طاعة الكفار والمنافقين وقبول آرائهم وظنونهم وتخرصاتهم فإنهم لا يألون المسلمين خبالا وودوا ما عنتهم وأضلهم عن الصراط السوي والهدي.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى للمسلمين في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كفاية وغنية عما سواهما من أقوال الناس وآرائهم وتخرصاتهم قال الله تعالى (أولم يكفهم أنا أنـزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) وقال تعالى (وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله) وقال تعالى (اتبعوا ما أنـزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون) وقال تعالى (فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى. ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى, قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً. قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى. وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى).
قال ابن عباس رضي الله عنهما «من تعلم كتاب الله ثم اتبع ما فيه هداه الله من الضلالة في الدنيا ووقاه يوم القيامة سوء الحساب» رواه رزين.
وفي رواية قال «من اقتدى بكتاب الله لا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة ثم تلا هذه الآية (فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى)» وقد ذكره البغوي في تفسيره بنحوه.
وروى الإمام أحمد ومسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيبا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال «أما بعد ألا أيها الناس فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي».
وفي رواية لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «كتاب الله فيه الهدى والنور من استمسك به وأخذ به كان على الهدى ومن أخطأه ضل».
وفي رواية له أخرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عزَّ وجلَّ هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة».
ورواه الترمذي مختصراً ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي» الحديث قال الترمذي حديث حسن غريب.
وروى مسلم أيضاً وأبو داود وابن ماجه عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما في حديثه الطويل في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم عرفة «وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله» ورواه الترمذي بنحوه مختصراً.
وروى مالك في الموطأ بلاغاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله».
وروى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس في حجة الوداع - فذكر الحديث وفيه أنه قال «يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً كتاب الله وسنة نبيه» صححه الحاكم ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وروى الحاكم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما كتاب الله وسنة نبيه ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض». وروى الطبراني في الكبير وابن حبان في صحيحه عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً».
قال المنذري إسناد الطبراني جيد. وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح.
وروى الطبراني أيضاً في الكبير والصغير والبزار من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
وروى أبو عبيد القاسم بن سلام وابن مردويه عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن هذا القرآن هو حبل الله المتين وهو النور المبين وهو الشفاء النافع عصمة لمن تمسك به ونجاة لمن اتبعه» ورواه الطبراني والبغوي بنحوه موقوفاً.
وروى الترمذي عن علي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «ألا إنها ستكون فتنة فقلت ما المخرج منها يا رسول الله قال كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم وهو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم» الحديث. قال الترمذي غريب.
وقد رواه الإمام أحمد بإسناد ضعيف ولفظه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «أتاني جبريل عليه السلام فقال يا محمد إن أمتك مختلفة بعدك قال فقلت فأين المخرج يا جبريل قال فقال كتاب الله تعالى به يقصم الله كل جبار من اعتصم به نجا ومن تركه هلك مرتين قول فصل وليس بالهزل لا تختلقه الألسن ولا تفنى أعاجيبه فيه نبأ ما قبلكم وفصل ما بينكم وخبر ما هو كائن بعدكم».
وروى الطبراني من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو رواية الترمذي وإسناده ضعيف.
وروى ابن ماجه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «وايم الله لقد تركتكم على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء» قال أبو الدرداء صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم تركنا والله على مثل البيضاء ليلها ونهارها سواء.
وروى الإمام أحمد وابن ماجه والحاكم في مستدركه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك» ورواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة بنحوه قال المنذري وإسناده حسن.
وإذا علم ما ذكرنا من الآيات والأحاديث في الحث على الاعتصام بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وما فيها من النص على أن من تمسك بهما كان على الهدى ومن تركهما كان على الضلالة. فماذا يقال في الذين يعرضون عن أدلة الكتاب والسنة على جريان الشمس وثبات الأرض واستقرارها ويتمسكون بأقوال أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الإفرنج ومن يقلدهم ويحذو حذوهم من ضعفاء البصيرة ويقدمونها على نصوص الكتاب والسنة.
الجواب أن يقال: لا شك أن هذا ضلال عن الصراط المستقيم وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤال أهل الكتاب كما سيأتي إيراده إن شاء الله تعالى. وغضب صلوات الله وسلامه عليه على عمر رضي الله عنه غضباً شديداً لما رأى معه كتاباً استنسخه من بعض أهل الكتاب وكان فيه جوامع من التوراة. وكان عمر رضي الله عنه في خلافته يعاقب من يكتب مما عند أهل الكتاب أشد العقوبة.
قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى حدثنا سريج بن النعمان أخبرنا هشيم أنبأنا مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه على النبي صلى الله عليه وسلم قال فغضب وقال «أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني».
فيه مجالد ضعفه ابن معين ويحيى بن سعيد والدارقطني وغيرهم ووثقه النسائي وغيره وروى له مسلم مقروناً بغيره وبقية رجاله رجال الصحيح.
وروى البزار عن جابر رضي الله عنه قال نسخ عمر رضي الله عنه كتاباً من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتغير فقال رجل من الأنصار ويحك يا ابن الخطاب ألا ترى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا وإنكم إما أن تكذبوا بحق أو تصدقوا بباطل والله لو كان موسى بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني».
فيه جابر الجعفي تركه يحيى القطان وقال النسائي متروك ووثقه شعبة وسفيان الثوري وقال وكيع ما شككتم في شيء فلا تشكوا أن جابر الجعفي ثقة.
وروى الطبراني في الكبير عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال جاء عمر بجوامع من التوراة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله جوامع من التوراة أخذتها من أخ لي من بني زريق فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عبدالله بن زيد الذي أري الأذان أمسخ الله عقلك ألا ترى الذي بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال «والذي نفس محمد بيده لو كان موسى بين أظهركم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم ضلالاً بعيداً أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين» قال الهيثمي فيه أبو عامر القاسم بن محمد الأسدي ولم أر من ترجمه وبقية رجاله موثقون.
وروى الإمام أحمد والطبراني عن عبدالله بن ثابت رضي الله عنه قال جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني مررت بأخ لي من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك قال فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبدالله يعني ابن ثابت فقلت ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا قال فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال «والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين».
قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه جابر الجعفي وهو ضعيف.
قلت قد تقدم عن شعبة والثوري ووكيع أنهم وثقوه.
وروى البزار عن عبدالله بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه نسخ صحيفة من التوراة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء» قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلا جابر الجعفي.
وروى الحافظ أبو يعلى الموصلي عن خالد بن عرفطة قال كنت جالساً عند عمر رضي الله عنه إذ أتي برجل من عبدالقيس مسكنه بالسوس فقال له عمر أنت فلان بن فلان العبدي قال نعم قال وأنت النازل بالسوس قال نعم فضربه بقناة معه قال فقال الرجل مالي يا أمير المؤمنين فقال له عمر اجلس فجلس فقرأ عليه (بسم الله الرحمن الرحيم. ألر تلك آيات الكتاب المبين. إنا أنـزلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون. نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) فقرأها عليه ثلاثاً وضربه ثلاثاً فقال له الرجل ما لي يا أمير المؤمنين فقال أنت الذي نسخت كتاب دانيال قال مرني بأمرك أتبعه قال انطلق فامحه بالحميم والصوف الأبيض ثم لا تقرأه ولا تقرئه أحداً من الناس فلئن بلغني عنك أنك قرأته أو أقرأته أحداً من الناس لأنهكنك عقوبة ثم قال اجلس فجلس بين يديه فقال انطلقت فانتسخت كتاباً من أهل الكتاب ثم جئت به في أديم فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما هذا في يدك يا عمر» قلت يا رسول الله كتاب نسخته لنـزداد به علماً إلى علمنا فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احمرت وجنتاه ثم نودي بالصلاة جامعة فقالت الأنصار اغضب نبيكم صلى الله عليه وسلم السلاح السلاح فجاءوا حتى أحدقوا بمنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال «يا أيها الناس إني قد أوتيت جوامع الكلم وخواتيمه واختصر لي اختصاراً ولقد أتيتكم بها بيضاء نقية فلا تهوكوا ولا يغرنكم المتهوكون» قال عمر رضي الله عنه فقمت فقلت رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبك رسولا ثم نـزل رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال الهيثمي فيه عبدالرحمن بن إسحاق الواسطي ضعفه أحمد وجماعة.
قلت وقد روى له شاهد من وجه آخر عن سليم بن عامر أن جبير بن نفير حدثهم أن رجلين تحابا في الله بحمص في خلافة عمر رضي الله عنه وكانا قد اكتتبا من اليهود ملء صفنين فأخذاهما معهما يستفتيان فيهما أمير المؤمنين وكان أرسل إليهما عمر رضي الله عنه فيمن أرسل إليه من أهل حمص فقالا يا أمير المؤمنين إنا بأرض أهل الكتابين وإنا نسمع منهم كلاماً تقشعر منه جلودنا أفنأخذه منهم أم نترك قال لعلكما اكتتبتما منه شيئاً فقالا لا قال سأحدثكما إني انطلقت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتيت خيبر فوجدت يهودياً يقول قولا أعجبني فقلت هل أنت مكتبي مما تقول قال نعم قال فأتيته بأديم ثنية أو جذعة فأخذ يملي علي حتى كتبت في الأكرع رغبة في قوله فلما رجعت قلت يا رسول الله إني لقيت يهودياً يقول قولا لم أسمع مثله بعدك قال لعلك كتبت منه قلت نعم قال ائتني به فانطلقت ارغب عن المشي رجاء أن أكون جئت نبي الله صلى الله عليه وسلم ببعض ما يحبه فلما أتيت به قال اجلس فاقرأ علي فقرأت ساعة ثم نظرت إلى وجهه فإذا هو يتلون فتحيرت من الفرق فما استطعت أجيز منه حرفاً فلما رأى الذي بي رفعه ثم جعل يتتبعه رسماً رسماً فيمحوه بريقه وهو يقول «لا تتبعوا هؤلاء فإنهم قد هوكو وتهوكوا» حتى محا آخره حرفاً. قال عمر رضي الله عنه فلو أعلم أنكما اكتتبتما منهم شيئاً جعلتكما نكالا لهذه الأمة قالا والله لا نكتب منهم شيئاً أبداً فخرجا بصفنيهما فحفرا لهما من الأرض فلم يألوا أن يعمقا ودفناهما فكان آخر العهد منهما رواه الإسماعيلي والطبراني وأبو نعيم في الحلية من طريقه. قال الجوهري الصفن خريطة الراعي فيها طعامه وزناده وكذا ذكر ابن منظور في لسان العرب عن أبي عمرو أنه قال الصفن بالضم خريطة تكون للراعي فيها طعامه وزناده وما يحتاج إليه. قال ابن منظور وقيل هي السفرة التي تجمع بالخيط وتضم صادها وتفتح. ونقل عن أبي عبيد أنه قال سمعت من يقول الصفن بفتح الصاد والصفنة أيضاً بالتأنيث. وعن ابن الأعرابي الصفنة بفتح الصاد هي السفرة التي تجمع بالخيط ومنه يقال صفن ثيابه في سرجه إذا جمعها. وقال أبو عبيد الصفنة كالعيبة يكون فيها متاع الرجل وأداته فإذا طرحت الهاء ضممت الصاد وقلت صفن.
وأما التهوك فقال الجوهري هو التحير قال والتهوك أيضاً مثل التهور وهو الوقوع في الشيء بقلة مبالاة.
وقال ابن الأثير التهوك كالتهور وهو الوقوع في الأمر بغير روية والمتهوك الذي يقع في كل أمر وقيل هو التحير.
وقال ابن منظور التهوك السقوط في هوة الردى وإنه لمتهوك لما هو فيه أي يركب الذنوب والخطايا والمتهوك الذي يقع في كل أمر.
وروى الإسماعيلي وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكتبون من التوراة فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«إن أحمق الحمق وأضل الضلالة قوم رغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى نبي غير نبيهم وإلى أمة غير أمتهم» ثم أنـزل الله تعالى (أو لم يكفهم أنا أنـزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم إن في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون).
وإذا كان هذا قوله صلى الله عليه وسلم للذين كتبوا جوامع من التوراة مع ما ذكرنا عنه صلى الله عليه وسلم من الغضب على عمر رضي الله عنه لما رأى معه الكتاب الذي استنسخه من بعض أهل الكتاب ليزداد به علماً فكيف لو رأى الذين يرغبون عن نصوص الكتاب والسنة فيما يتعلق بجريان الشمس وفيما يتعلق بغيرها من الأجرام العلوية وبالسموات والأرض ويقدمون عليها أقوال الفلاسفة الدهريين مثل كوبرنيك البولوني وهرشل الإنكليزي وأتباعهما من أهل الهيئة الجديدة الذين لا يعتمدون في أقوالهم على كتاب من الكتب المنـزلة من السماء وإنما يعتمدون على أرصادهم وآرائهم وتخرصاتهم التي ما أنـزل الله بها من سلطان. وما أكثر الذين يميلون إلى أقوالهم الباطلة في زماننا ويتلقونها بالقبول والتسليم ويرون أنها هي العلم الصحيح وما خالفها فهو عندهم مردود ولو كان من نصوص الكتاب والسنة وكأنهم يرون أن القرآن إنما أنـزل لمجرد التلاوة لا للعمل به واعتقاد ما جاء فيه. ولو أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى أمثال هؤلاء لما كان يكتفي في عقوبتهم بالضرب فقط بل كان يقتلهم كما قتل الذي لم يرض بالتحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن أين لنا الآن مثل عمر رضي الله عنه الذي كان لا تأخذه في الله لومة لائم.
وخلاصة القول أنه يجب على المسلم أن يتمسك بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويعض عليهما بالنواجذ ويقدمهما على ما سواهما ولا يقدم عليهما شيئاً البتة. وأن يكتفي بهما وبما عند المسلمين من العلوم النافعة المستفادة منهما, ومن لم يكتف بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما عند المسلمين من العلوم المستفادة منهما بل ذهب يطلب غير ذلك من أقوال الكفار والمنافقين وآرائهم وتخرصاتهم التي ما أنـزل الله بها من سلطان فأبعده الله وأسحقه. يتبع

عاشقة الصداقة
عاشقة الصداقة
كتاب الصواعق الشديده لمن اختي الاقحوانيه
عموم هذي مسائل علميه لا تغني عن ايات مبصرات كا السماء بروج والجبال اوتاد والبحار ظلمات النجوم اسماء نظريات ووو من ايات الله ثابته وماسوها بين الاثبات والنفي الله اعلم