بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائم على كل نفسٍ بما كسبت، والمجازي لها بما عملت، أحمده وأشكره وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى}، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المنزّل عليه {ولا تجعل في قلوبنا غِلاً للذين آمنوا}، اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك المصطفى سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وسلم تسليماً كثيراً ...
أما بعد: عباد الله، فإن الشيطان لما طُرد من الجنة امتلأ غلاً وبُغضاً لآدم وذريته، وأخذ عهداً على نفسه بإغوائهم وإشقائهم. ومن أعظم وسائله في ذلك زرع الغل والبغضاء في النفوس، وقد كان ذلك أول ذنب عُصي الله تعالى به في الأرض، وأدى إلى قتل ابن آدم الأول لأخيه.
واليوم ومع تسارع إيقاع الحياة وشدة تنافس الناس في أمور الدنيا شاع هذا المرض القلبي وانتشر، وأرهق أصحابه، وكدّر معيشتهم، وأساء علاقات الناس بعضهم ببعض.. قلما ترى اليوم رجلاً وقد سلم قلبه من الغل والبغضاء.. ومن مظاهر ذلك التقاطع والتهاجر والكراهية بين الناس والسخرية والحط من أقدار الآخرين، وفي حين أن الناس يهتمون بطهارة ظاهرهم وثيابهم وهيأتهم، فإن القليل منهم من يهتم بطهارة قلبه وسلامته.
عباد الله، لقد امتدح الله أقواماً بأنهم يدعونه تعالى أن يطهر قلوبهم ويسلمها من البغضاء والشحناء فقال: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا أغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا} وأخبر سبحانه أنه لا نجاة يوم القيامة إلا لمن سلم قلبه، وسلامة القلب تقتضي طهارته من الغل والشحناء والبغضاء، يقول جل من قائل: {يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم} . كما أنه سبحانه أتم النعمة على أهل الجنة بأن نزع ما في قلوبهم من الغل وجعلهم إخواناً، ذلك أن الغل يشقي صاحبه ويتعذب به، يقول سبحانه عن أهل الجنة: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين} . وبين سبحانه أن من مقتضيات التقوى حصول ذلك الصلاح في ذات البين وطهارة القلوب وسلامتها، فقال سبحانه: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم} .
و إن سنة النبي r عامرة بالنصوص المؤكدة على أهمية طهارة القلوب وسلامتها من الغل والشحناء والبغضاء، يسأل عليه الصلاة والسلام: أي الناس أفضل؟ فيقول: (( كل مخموم القلب صدوق اللسان))، فيقال له: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ فيقول r : (( هو التقي النقي، لا إثم ولا بغي ولا غل ولا حسد)) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح، ويقول r: (( لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تقاطعوا، وكونوا عباد الله إخواناً)) متفق عليه، بل إنه r يقول: (( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا)) رواه مسلم، ويقول عليه الصلاة والسلام: (( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟)) قالوا: بلى، قال: (( إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة، لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الين)) رواه أبو داود بإسناد صحيح.
والآن نأخذ ماهية الحسد والغيبة والنميمة والظلم في سطور
1- الغيبة : وهي ذكرك أخاك بما يكره لو بلغه ذلك سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو في دينه أو دنياه بل وحتى في ثوبه وداره ودابته فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قال أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته رواه مسلم
والغيبة محرمة لأي سبب من الأسباب سواء كانت لشفاء غيظ أو مجاملة للجلساء ومساعدتهم على الكلام أو لإرادة التصنع أو الحسد أو اللعب أو الهزل تمشية الوقت فيذكر عيوب غيره بما يضحك وقد نهى الله سبحانه وتعالى عنها وحذر منها عباده في قوله عز وجل يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ .
2- النميمة : وهي مما ينبغي اجتنابه والابتعاد عنه والتحذير منه وهي نقل الكلام من شخص إلى آخر ، أو من جماعة إلى جماعة ، أو من قبيلة إلى قبيلة لقصد الإفساد والوقيعة بينهم وهي كشف ما يكره كشفه سواء أكره المنقول عنه أو المنقول إليه . أو كره ثالث وسواء أكان ذلك الكشف بالقول أو الكتابة أو الرمز أو بالإيماء ، وسواء أكان المنقول من الأقوال أو الأعمال ، وسواء كان ذلك عيبا أو نقصا في المنقول عنه أو لم يكن ، ولا يزال نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم من أعظم أسباب قطع الروابطوإيقاد نيران الحقد والعداوة بين الناس ، وقد ذم الله تعالى صاحب هذا الفعل . ومن الصور السيئة لهذا العمل تخريب الزوج على زوجته والعكس ، وهو السعي في إفسادالعلاقة بينهما ، وكذلك قيام بعض الموظفين في نقل كلام الآخرين للمدير أو المسؤولفي نوع من الوشاية للإيقاع وإلحاق الضرر ، وهذا كله من المحرمات
فيجب أن يسكت الإنسان عن كل ما يراه من أحوال الناس إلا ما في حكايته منفعة لمسلم أو دفع لشر .
والباعث على النميمة إما إرادة السوء للمحكي عنه أو إظهار الحب للمحكي عليه أو الاستمتاع بالحديث والخوض في الفضول والباطل وكل هذا حرام ، وكل من حملت إليه النميمة بأي نوع من أنواعها يجب عليه عدم التصديق؛ لأن النمام يعتبر فاسقا مردود الشهادة قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ وعليه أن ينهاه عن ذلك وينصحه ويقبح فعله لقوله تعالى : وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وأن يبغضه في الله وألا يظن بأخيه المنقول عنه السوء بل يظن به خيرا؛ لقوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث متفق على صحته .
وعليه ألا يتجسس على من حُكي له عنه وألا يرضى لنفسه ما نهى عنه النمام فيحكي النميمة التي وصلته .
وأدلة تحريم النميمة كثيرة من الكتاب والسنة منها قوله تعالى وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ وقوله تعالى وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ وعن حذيفة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة نمام متفق عليه
3- ومما يجب اجتنابه والبعد عنه الخصلة الذميمة ألا وهي الحسد وهي أن يتمنى الإنسان زوال النعمة عن أخيه في الله سبحانه سواء أكانت نعمة دين أو دنيا وهذا اعتراض على ما قضاه الله وقسمه بين عباده وتفضل به عليهم وظلم من الحاسد لنفسه فينقص إيمانه بذلك ويجلب المصائب والهموم لنفسه ويفتك بها فتكا ذريعا قال الله سبحانه وتعالى أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا تناجشوا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخوانا رواه مسلم وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب رواه أبو داود .
4- كما أنه ينبغي الابتعاد عن الظلم وهو الجور ووضع الشيء في غير موضعه الشرعي وأكبره الشرك بالله سبحانه وتعالى ومبارزته بالمخالفة والمعصية قال الله سبحانه وتعالى إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ وقال عز وجل : وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ وكذا أخذ مال الغير بغير حق أو اغتصاب شيء من أرضه أو الاعتداء عليه وهو أيضا كبيرة من الكبائر ومعصية لله وهو والعياذ بالله ناشئ عن ظلمة في القلب لأنه لو استنار قلبه بنور الهدى لاعتبر قال الله سبحانه وتعالى مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ وقال تعالى وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ وقال تعالى وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ وقال تعالى وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا وفي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : يقول الله تعالى يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا الحديث . وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة الحديث . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه متفق عليه . وهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على وجوب الحذر من الظلم في الأنفس والأعراض والأموال ، لما في ذلك من الشر العظيم والفساد الكبير والعواقب الوخيمة كما تدل على وجوب التوبة إلى الله سبحانه مما سلف من ذلك والتواصي بترك ما حرم الله من الظلم وغيره من سائر المعاصي .
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قومن من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون}.
قال الامام ابن باز - رحمه الله -: يدعو المسلم والمسلمة بكل ما ينفعه في ذلك ،فيقول : "اللهم طهر قلبي من كل خلق لا يرضيك، اللهم طهر قلبي من الغل والحقد والحسد والكبر، اللهم طهر قلبي من كل سوء ، ومن كل أذى ، ومن كل داء . اللهم طهر قلبي من كل سوء ،اللهم طهر قلبي من كل ما يبغضك، اللهم طهر قلبي من كل غلٍ وحقدٍ وحسد، وكبر ، ، ، "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، ويا مصرف القلوب صرف قلبيعلى طاعتك" . "اللهم أصلح قلبي وعملي ، اللهم أصلح قلبي وعملي، اللهم طهر قلبي منكل سوء، اللهم طهر قلبي من كل داء، اللهم طهر قلبي وجوارحي من كل سوء، اللهم طهرقلبي وجوارحي من كل ما يغضبك .
و جزاكم الله خيراً.
منقول لنشر الخير :26:
دعواتكم الصادقه لي بظهر الغيب بالتوفيق والشفاء ورضا الله والوالدين :26:

لوورآ @loora_3
عضوة جديدة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

لااله الا الله محمد رسول الله
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
لااله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
استغفرالله الذي لااله الا هو الحي القيوم وأتوب اليه
سبحان الله الحمدلله الله أكبر لااله الا الله
لااله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
سبحان الله ... الحمدلله ... الله أكبر ... لااله الا الله
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
لااله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
استغفرالله الذي لااله الا هو الحي القيوم وأتوب اليه
سبحان الله الحمدلله الله أكبر لااله الا الله
لااله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير
سبحان الله ... الحمدلله ... الله أكبر ... لااله الا الله
الصفحة الأخيرة
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد
اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
لااله الا انت سبحانك اني كنت من الظالمين
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
استغفرالله الذي لااله الا هو الحي القيوم وأتوب اليه
سبحان الله الحمدلله الله أكبر لااله الا الله
لااله الا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير