لقد برأ الله البرايا صنوفاً وضروباً وخصّ منها بنى الإنسان بالعقول والأفهام وفضلهم على الجمادات والأنعام
لكى يبصروا ويتبصروا ولكى يفقهوا ويتدبروا .
وحثّنا سبحانه على البحث والفحص فى بَديع صُنعه وصَنْعته لنرى الحجة الناطقة فى قدرته
فيزداد الذين آمنوا إيماناً ويوقن الذين اتبعوا الباطل بوجوده ووحدانيته .
ولقد بعث الله سيدنا إبراهيم بالملة الحنيفية .. والحنيفية نورٌ وبرهان تجعل أى إنسان يؤمن ويوقن بالوحدانية .
الملة الحنيفية تنبيهٌ للفكر والعقول تحث البشرية إلى النظر والتأمل فى الخلق وتدعوهم إلى البحث والتفكر فى الكون ..
...
أمامنا سيرٌ للمتحركات وثبات للساكنات .
أفلاك دائرة ونجوم سائرة وكواكب وأقمار كلٌ فى فلكه ومساره يدور ويسير فى مداره .
بحارٌ واسعة ومحيطات مترامية شاسعة . وأنهار وعيون وآبار وسحب ورياح وأمطار ورعد وبرق وصواعق وإعصار .
ماءٌ يحيى الله به الأرض الموات . ماءٌ منه العذب الفرات ومنه المِلح الأجاج .
ماءٌ فى تركيبه ومحتواه آيات ومعجزات .
ماءٌ واحد يُنبت الله به مختلف الزروع والنبات والأشجار والفواكه والثمار هذا كرم وهذا نخيل وهذا زيتون وهذا رمان
جعل الله لكل منها مذاقاً فى طعمها وتغيّراً فى أُكلها واختلافاً فى أشكالها وألوانها وأنواعها ..
وهذه الرياح فى تصريفها منها ما يلقح النبات ومنها ما يأتى بالخيرات ومنها الرياح الهادئة والساكنة والرياح التى
تهب بالنسمات ومنها الرياح المرعدة القاصمة المدمرة ومنها الريح الصرصر العاتية .
ضياء وظلام وشمسٌ وقمر دائبين وتعاقب فى الليل والنهار .
اتصال وافتراق وتغاير فى الأوقات بالزيادة والتساوى والنقصان . واختلاف للفصول فى كل عام .
شهور شمسية وأخرى قمرية نعلم منها حساب الشهور والسنين وعدد الليالى والأيام . يقول جل شأنه :
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ } .
للشمس مشرق ومغرب .. موعدٌ فى شروقها وموعد فى غروبها .{ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }
وللشمس مشرقين ومغربين .. موعد شروقها على بلد هو غروب لها من بلد آخر . وموعد غروبها شروق لها على بلد ثالث .
يقول جل شأنه : { رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ } .
وللشمس مشارق ومغارب .. موعد شروقها يختلف من مكان إلى مكان ومن بلد إلى بلد ومن قطر إلى آخر فتتعدد المشارق .
وكذلك فى غروبها موعده يختلف بين الأماكن والبلاد والبلدان فتتعدد المغارب .
يقول جل ذكره : { فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ } .
وللقمر أوجه ومنازل .. منزلة ولادة ثم منزلة بزوغ ثم منزلة هلال ثم محاق ثم منزلة تربيع أول ثم أحدب ثم يزداد ليلة من بعد
ليلة حتى يصبح بدراً وقمراً منيراً ..ثم يعود القمر إلى منازله التى بدأها
وبعد أن كان بدراً مستديراً يصبح أحدباً ثم تربيعاً آخر ثم محاقاً ثم هلالاً .. وهكذا تتعاود أوجهه ومنازله .
يقول جل شأنه : { وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ } .
والأرض قد أصلحها الله للحياة ووضعها للخلق والأنام وجعلها سبحانه مقراً ومستقرا لنا فيها مهدنا ومهادنا
وفيها نشأتنا وموتنا ومنها سيكون بعثنا . وجعلنا الله خلائف فيها نخلف من كان قبلنا ويستخلفنا من يأتى بعدنا .
وهذه السفن والفلْك والأعلام وقد قضى الله لها أن تطفو على المياه فى البحار والمحيطات والأنهار وإن شاء سبحانه
أن يُسكِن الريح عنها فيظللن رواكد على ظهرها فلاتجوب ولاتجرى بنا أو تسير وتتحرك .
والزلازل والبراكين وما تحويه وتطويه وما ينتج عنها من اهتزاز وحمم ونيران . وجبال شامخات وما أودع الله فيها من كنوز وخيرات
ومعادن وثروات ولقد أرسى الله بها الأرض وجعلها أوتاداً حتى لا تهتز بنا أو تميد وتتمايل .
والدواب منها من يمشى على رجلين ومنها من يمشى على بطنه ومن يمشى على أربع . وما خلق الله منها ويخلقه
وما تحويه من غرائب وعجائب .
والأنعام وما فيها من آيات وأبحاث ودراسات ومن فضل ومنافع فى ركوبها وفى أوبارها وأشعارها وجلودها وأصوافها
وفى تنوعها واختلافها ومانأكله ونشربه من لبنها وهو الذى ينزل من بين فرثها ودمها أبيضاً سائغاً خالصاً للشاربين .
والنحل وعجائبه وتناوله للأزهار واحترازه من النجاسات والأقذار ومايخرج من لعابه من شمع وعسل أحدهما ضياء
والآخر شفاء . وبيوته التى يبنيها فى الجبال بأشكال هندسية ومسدسة ليست مستطيلة ولامستديرة أو مربعة لكى يمنع الزوايا
الفارغة والضائعة . وعدم تركه لبطال إلإ وأبعدته وأقصْته عنها حتى لايضيّق المكان ويُفنِى العسل وحتى لايعلّم النشيط الكسل .
والرِكاب والركبان واختلافه وتطوره عبر القرون والأزمان وماخلق الله منها مما علمناه وما سيأتى مما لا نعلمه .
{ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً .. وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }
وخلْق الإنسان ومايحويه جسده من آيات ومعجزات امتلأت بها الكتب والمجلدات وعجّت بها العلوم والدراسات .
وهذا العالم من البشر فى كل مكان وعبر القرون والأزمان وقد خلقهم الله من نفس واحدة ومن التراب والطين .
وخلقنا نحن من ماء مهين ومن اختلاط ماءين ( ماء المرأة وماء الرجل ) .
وصورنا الله فى الأرحام فأحسن صورنا وخلق الله لنا لبساً ولباساً لكى نوارى به أجسادنا وسوءاتنا ..
وميّز الله فى ألواننا وفى اختلاف ألسنتنا وفى اختلاف البصمات وتسوية البنان .. يقول عز وجل :
{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ } .. { يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ }
{ وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ }
.......
ملك وملكوت ليس فيه زلل أوخلل .. أمرٌ وحكمٌ وقهر .. إتقانٌ ونظامٌ وتدبيرٌ وإحكام .
آيات وآيات تعجز عن سردها العقول وتضيق بها كل النقول ..
كون واسع فسيح من الذى يطوّعه ويقهره ومن الذى بيده مقاليده ليحكمه ويدبّره وينظمه ويسيّره .
خلقٌ ليس له نظير .. خلقٌ خلقه العلى القدير ..
{ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء } .
{ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْ
قاعدة التوحيد
هل هناك من استطاع أن يخرج من ملك الله وملكوته . أو من أحدٍ أمكنه أن ينازع الله فى عزته وقدرته وجبروته .
هل هناك من سَمّى نفسه الله . هل هناك من خَلقَ خلقاً أوسيخلق خلقاً ليصير به نِدّا لله .
{ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ .. بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }.
لقد تعالى الله فى عليائه وتعالى سبحانه بجلاله وعظيم سلطانه .
سبحانه وتعالى لايساهمه أحداً فى الخلق أو يساويه ولاينازعه أحداً فى الملك أو يناويه .
شهِد لنفسه وكفى به شهيداً بأنه هو الله لا إله غيره جلّ سبحانه عن مثَل يطاوله أو يشاكله أو ند أو نظير يقابله .
{ شَهِدَ اللَّهُ أَنهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }
لو كان هناك إلهٌ أو آلهةٌ غير الله لتعددت الإرادات واختلفت المشيئات ولذهب كل إله بما خلق وتعالى عمن سواه هذا يريد
أن يأتى بالشمس من المشرق وهذا يريد أن يأتى بها من المغرب هذا يريد أن يجعلها تشرق وهذا يريدها أن تغرب هذا يريد
أن يُسْكِن المتحركات وهذا يريد أن يحرك الساكنات هذا يريد وهذا يريد فلا يستقيم الكون ولا تستقيم هذه الحياة .
{ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ }
سبحانه أزلىٌ بلا ابتداء وأبدىٌ بلا انتهاء ليس متناهياً بحد ولامتقدراً بصورة ولامتغيراً بصفة أومختصاً بجهة .
هو الغنى ونحن الفقراء إليه .. هو المُسْتغنى به ولا يُستغنى عنه .سبحانه لا تحوزه جهات ولا تحده صفات ..
أحاط بكل شىء علما ووسع فضله كل شىء رحمة وحلما .. { إِنهُ بِكُل ِّشَيْءٍ مُحِيطٌ }
سبحانه لا تمثله العيون بنواظرها ولا تتخيله القلوب بخواطرها .. ولا يحصره مكان ولايغيره مرور زمان .
العقول محجوبة عن درك حقيقته لأن العقول خُلقت للعبودية لا للبحث والإشراف على الألوهية ..
يقول جل شأنه : { َولا تقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }
استواء الله على عرشه وقبضته للسماوات والأرض وكرسيه ويده وعينه ووجهه الكريم وكل ماضربه الله للناس من
الأمثال فى كتابه فى صفاته ما هو إلا لكى يرتقى فهمهم لمراده . يقول جل ذكره :
{ وَتلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلناسِ .. وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ }
سبحانه ليس من شىء ولا فى شىء ولا على شىء ..
لو كان من شىء لكان محدثاً مخلوقاً . ولو كان فى شىء لكان محيزاً محصوراً . ولو كان على شىء لكان محمولاً ..
تعالى الله عن كل ذلك علواً كبيرا ..
إنْ تجاوز الإنسان عبوديته فى نظره وتأمله من خلق الله وآياته إلى البحث عن ذاته فقد اقترف أَمراً إِمرا وتجاوز مجاوزةً
جوراً وظلماً وكان عن العقل خارجاً وفى تيه الجهل والجاً .
وكما تعالى سبحانه عن المكان .. فقد تعالى سبحانه عن الزمان ..
يقول الله فى كتابه ومحكم آياته :{ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْت قُلْت لِلناسِ اتخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ
قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْت قُلْتهُ ......... }
هذا خطاب من الله إلى نبى الله المسيح عيسى فى يوم القيامة ولم تقم القيامة ويحشر الناس ولم تجمع الرسل ويحضر سيدنا
عيسى عليه السلام للسؤال ليقول ماقال .
ويقول جل ذكره : { وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ...}
هذا قول إبليس اللعين فى يوم الدين لمن أضلهم وسوّل لهم ولم يقف الناس بعد أمام الله للسؤال والحساب
ليقول الشيطان ما قاله وما سيقوله لهم ...
...
سبحانه كل شىء يرجع إلى إرادته وكل مافى الكون خاضع لمشيئته ..
بإرادته كل رشد وغى وبمشيئته كل نشر وطى وكل بيان فى وصف جلاله حصر وعىّ ..
سبحانه وتعالى لا يماثله أى موجود فهو البارى لكل ما فى الوجود .
الأفهام فى عز سلطانه معقولة والأوهام مقهورة والأفكار منطمسة والعلوم مندرسة والعقول مختلطة ملتبسة .
وإن المؤمن ليسعد بإيمانه ويشقى الكافر بجحوده ونكرانه ..
فالمؤمن يؤمن بالغيب وبما استأثره الله فى علمه .. وأما الكافر أو المشرك فلايؤمن إلا بما يصل إليه عقله وفكره .
فإنِ ارتدت أفقاً لاعلم لك به فقد جُبْت بحراً لامنجى لك منه ولقد عمِيت من حيث أبصرت وجهلت من حيث استبصرت
ولسوف تنأى عن اليقين والإيمان وتسبح فى ظلمات الشك والريب والخسران .
بنت طرازن @bnt_trazn
محررة برونزية
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
كذا بس
•
جزاك الله خير
سبحانك يارب ما عبدناك حق عبادتك
اللهم زحزحنا عن النار وادخلنا الجنة برحمتك
جزاك الله خيرا اختي
اللهم زحزحنا عن النار وادخلنا الجنة برحمتك
جزاك الله خيرا اختي
لا اله الا الله محمد رسول الله ..
سبحان الله العظيم ..
جزاك الله كل خير خيتي واسعدك في الدآرين 🌸
سبحان الله العظيم ..
جزاك الله كل خير خيتي واسعدك في الدآرين 🌸
الصفحة الأخيرة