
في يوم من الأيام .. وفي أحد شهور ذو الحجة .. حيث كنا نقبع في أحد المخيمات ..
فأبت نفسي إلا أن تكتب هذه الخاطرة .. وأبى القلم إلا أن يسطر هذه الكلمات المتواضعة ..
اختلطت المشاعر .. حار القلم .. تأججت العوااطف .. ها أنا داخل إحدى الخيام .. المقامة في أجمل مكان .. بين السهول والجبال ..
بدأت أغرق في بحر الخيال .. حتى خلـتُ بأنني داخل خيمة النضال .. خيمة العزة والهمة والإقدام ..
كم تمنيت أن أصل إلى هذا المكان .. كم كنت أحلم به .. وأستمتع بحديثه .. كم كنت أشدو به .. وأطرب لذكره ..
لست أدري .. ماذا أكتب ؟ .. ولمن أكتب .. ولماذا أكتب !! ..
أطلقت العنان لقلمي الحبيس .. وبحرية تامة .. ليكتب ما يريد .. تسانده تلك اليد من جسم قد استلقى في أحد زوايا تلك الخيمة .. وما ذاك إلا كتلة من المشاعر الملتهبة .. المحبوسة بأسوار العواطف والأحاسيس ..
تركت قلمي .. رفعت بصري .. غرقت في خيالي .. ثارت مشاعري .. تساقطت دموعي ..
دخل والدي مع باب الخيمة .. لفّنا بنظرة حانية .. وبابتسامة وافية .. دخلت في صراعات داخلية .. سرحت في بخيالي بعيدا بعيدا ..
يا إلهي .. هاهو القائد الذي لطالما شدا فؤادي له .. وابتهج قلبي لرؤيته ..
ما أحلى ذلك القائد .. الذي تجاوز العلياء في همته العالية .. طريقه الجهاد .. مبتغاه الاستشهاد .. مرتدياً لباس التواضع .. لابساً تاج الحنان والعطف .. تجاه اخوانه وأحبابه .. فهو حقا كالأب مع أبنائه ..
ذلك القائد .. الذي عجز الأدباء والشعراء أن يوفوه حقه .. وعجزت الأفئدة عن فهم ما يتحشرج في دواخله ..
مالي أرى نفسي شاردة .. مالي أرى قلبي تائها .. مالي أرى عقلي حائرا .. مالي أرى قلمي عاجزا ..
هوّني عليك يا نفس ..
خرجت من خيمتي .. استوقفت .. الوقت الآن الخامسة عصراً .. الجو جميل .. المكان أجمل ..
حاولت .. فدفعت قلبي للتأمل .. تركت قدماي تسير إلى حيثما تريد .. آآه .. هاهي الجبال أمامي .. والخضرة عن يميني ويساري .. والطيور تحوم من فوقي ..
كم أشعر بالفرح والحبور .. والسعادة والسرور .. لكن .. أبت قدماي إلا أن تقف أمام ذلك الشامخ .. أطلقت العنان لبصري .. لتأمل ذلك الجبل الأشم ..
ثارت مشاعري .. تغيّرت ملامحي .. انتقلت إلى عالم خر ..
أيها الجبل الشامخ .. في زمن تزعزع فيه الشموخ ..
أيها الجبل الثابت .. في وقت قلّ فيه الثبوت ..
أيها الجبل الراسخ .. ما لي أراك لا تتغير على مر الأزمان .. صامد بكل عزة وكبرياء ..
اقتربتُ رويداً رويداً .. فاقتربت مني كل معاني الشعور المتأججة .. والعواطف الجياشة ..
كم من يد تسلّقت هذه الصخور .. ولكنها يد ليست كالأيادي ..
كم من قدم سارت على أرضك المتعرجة ..
كم نفس طاهرة رحلت من بين جناباتك المتراكمة ..
كم من صوت جلجــل في أصدائك .. بتكبيراات وتسبيحات ربك الذي أحكمك ..
كم من دم سال فوق صخورك المتناثرة ..
كم من جسد حملَتْهُ قممك العالية .. ولكنه جسد ليس كالأجساد .. جسد يشع نوراً ومسكا وعنبرا .. جسد يفوح عبيرا وعطرا وشهدا .. جسد جعل اليقين له غذاء .. والصبر زادا .. ونور الإيمان مركبا .. والشهادة مطلبا ..
فيـا من ملكت كل حياتي .. وله قلبي وكل كياني .. سأكتب حروفك بدمائي .. سأشدو بك كل صباحِ .. كل ليل ونهار .. سأناديك .. سأذكرك عند نفحاات النسيم .. وفي وجنات الربيع .. وعند تغاريد الطيور .. أنك في جنااان النعيم .. تنعم بالخير العظيم .. عند الحكيم الرحيم ..
أيها الجبل العزيز .. لم هذا الصمت ! .. لم هذا الجمود ! ..
ها هي خيوط الظلام قد غطت قممك العالية .. ستغيب عني وتنساااني .. أتى الظلام فما ألقاك تواسيني ..
لماذا تضيّع حبي .. لماذا تجعلني أذووق مر حرماني ..
ستغيب .. وستغيب معك كل أحـلامي .. كل أفكاري .. كل حروفي .. كل أشجااااني ..
همس لي الجبل قائلا :
يا نفس .. هوّني عليك ..
فأنت في أجمل مساء .. بين زغاريد الطيور ونسمات الهواء .. وإن اليأس من شيم الضعفاء ..
لماذا يعلو على مُحياك الكآبة .. وعلى ملامحك البؤس والشقاوة ..
فإذا سترني الظلام يوما .. فغداً ستشرق الشمس وينتصر الحق على أنف العداوة ..
جميع حروفي بدأت تتساقط أمامي كذكرى أليمة .. وأخذتني كل معاني الألم والحيرة ..
فلم أجد سوى غروب الشمس لي خلا وفيا .. فعند الغروب يتذكر كل حبيب حبيبه .. ها قد عاد قلبي إلى خفقانه .. ورجع دمي إلى سريانه .. ما لي أرى قلمي يتراقص بين أناملي .. والهواء العليل يداعب مخيلتي ..
بلغت مشاعري أعـلاها .. والحنين والألم أبلغها ..
يا من غبتم عن أعيننا وما زلتم بقلوبنا وعقولنا .. تلكم الأرواح الطاهرة .. التي ضربت لنا أروع الأمثلة .. في البطولة والإقدام .. وفي العزة والشهامة والبسال ..
قلوبهم تغشاها السعادة .. ووجوههم تعلوها الابتسامة .. تلك الابتسامة التي ملأت السماء والأرض نورا .. والأفئدة والقلوب حبا ويقينا ..
سطروا بسلاحهم أعظم قصص البطولات .. ورفعوا رؤوسهم عالية فوق هامة الطغاة ..
أعلوا دينهم بدمائهم .. فأعلى الله شأنهم .. وخلد ذكرهم ..
عطروا بدمائهم الأرجاء .. وأنبتوا رياحيق الزهور الغناء ..
سأذكركم عند كل شروق وغروب .. سأبكيكم عند كل ركوع وسجود .. سأناديكم عند تغاريد البلابل في البكور .. وتكون قطرات الندى في الزهور ..
فجـأة .. لفت نظري .. سقط قلمي …. حار ذهني .. لقد اختفيت يا شمس .. واختفى معك كل معاني الجمال ..
كل معاني الأحاسيس والأشجان ..
شمسي .. عودي لا تغيبي ..
فاستدارت واختفت في ظلمة الكون ..
فسقطت دمعة .. ثم دمعات ..

أتيت إلى هنا بشوق كبير
وفضول أكبر
شيء ما قد دفعني إلى هنا بلهفة
وما إن فتحت الصفحة
حتى عانقت عيني دمعة قبل الغروب
وما أرقها من دمعة
زهرتنا
مشاعرك السخية هزت أعماقي
وكلماتك أيقظت في قلبي جراحاتي
وها أنا أكتب مثلك بدمي بدموعي بحنيني
لذلك الحب الخالد
ولأولئك العظماء
الذين عاشوا في قلوبنا عبر الزمان
أنا مثلك يقتلني الحنين
و يؤرقني الشوق و الحب إليهم
لكن شموس الأمل لايجب أن تغيب
حتى و إن غابت
فلكي تعود بتوهج أقوى
بنور جديد
لا بأس بأن نسكب دمعة أو دمعات
فسنغسل بها قلوبنا الحزينة
وسنجلو بها ضمائرنا المتيقظة
نعم فلنبكي عليهم
مثلهم يستحق أن يبكى عليه
ولنعدهم وعدا قاطعا
ممزوجا بدموعنا السخية
عند غروب شمسنا الأبية
أن نكون على خطاهم
و أن نلحق بدربهم
عاجلا غير آجل
سلمت يمينك يا زهرتنا .. حقا كتبت بقلبك و أغرقت الصفحة دموعك .. أين أخفيت عنا هذا القلم طوال هذه الدة ؟؟ سامحك الله ...
أردت أن أنقد .. لكن موضوعا كهذا .. سأظل أنظر إليه بإعجاب وتقدير .. فبارك الله بك وبأمثالك وسخر قلمك دائما للحب الطاهر النقي ..
واعذريني للإطالة فقد شعرت بأنها صفحتي وعلى هذا الأساس أخذت راحتي
:24: :24: :24: