الفتاة الشامية
لا أدري لماذا أشعر بالحزن دائماً .. هل لمجرد أني أعمى لا أبصر؟!لكني لست الوحيد بين البشر الذي لا يستطيع أن يرى الشمس وهي تشرق أو تغيب .. هل لأني لست بقادر على رؤية الجمال في الطبيعة ؟ يكفيني سماع خرير الماء وهو يسقط من صخرة إلى أخرى .. وأنين الرياح كلما صالت و جالت في الأودية .. و دوي الرعد كلما غامت السماء بسحاب مثقل بحمله .. يكفيني سماع البلابل عندما تشدو و الطفولة عندما تضحك .. و النسيم عندما يلعب و حبات المطر عندما تهطل .. يكفيني أن أسمع آيات الكون جوقة تنشد بالكمال لمن لا كامل سواه .. و مع هذا كله .. فأنا أشعر بالكآبة دائماً .. هئنذا أقف في محطة الحافلات أنتظر وصول الحافلة التي تذهب بي حيث أدرس و يدي اليمنى تمسك بها أختي الصغيرة .. و يدي اليسرى أمسك بها عصاي رفيقة دربي و بعض كتبي التي أتعلمها ..أما أختي الصغيرة فهي الأخ و الأخت ..و الأب و الأم و الصديق .. و إن كانت صغيرة السن فإنها تكاد تكون مربيتي .. تعتني بشؤوني من مأكل و مشرب و ملبس و ما إلى ذلك من روتينيات الأيام .. و إضافة إلى هذا فهي تقرأ لي يومياً ربع ساعة قبل أن أخلد إلى النوم .. و أني لأراها غالباً تفهم ما تقرأه لي .. هاهي بصوتها الهادئ الوديع تقول لي (هيا يا أخي .. الحافلة قد وصلت .. إنتبه لنفسك و كتبك و عصاك .. ) و هاهي تمسك بيدي جيداً مساعدة في صعودي للحافلة و صوتها الوديع يقول : مع السلامة . دخلت الحافلة و ضجيجها يفصح عن زحام شديد .. حاولت أن أتقدم فإذا بي أصطدم بأكوام من اللحم البشري .. فقنعت بوقوفي حيث وقفت .. غير أن صوتاً جهورياً يبدو أن صاحبه بدين الجثة سمعته يقول : يا بشر .. يا عالم .. ألا ترون الرجل أعمى يقف بجانب الباب ؟ أما من قلب عطوف يُخلي له مقعداً يجلس عليهن؟ كم أزعجني هذا الرجل بكلماته تلك .. ليته ما نطق بها .. أعلم أني أعمى ..و أعلم أني أقف في مكان بقرب الباب ..يعني أقف بجوار الخطر .. لكنني لست بحاجة إلى كرسيك أيها الرجل ..لأنه لك و ليس لي ..لماذا لا يعدّوني شخصاً عادياً بينهم ؟ هل ذنبي أن مرضاً أصاب عينيّ فعدت ضريرا ؟هل ذنبي أنني لا أستطيع السير إلا بعصا أتلمس بها دربي ؟ و أني لست بقادر أن أنظر من خلال نوافذ الحافلة و أرى واجهات المحلات و دروب المدينة ؟ انني لأشعر في داخلي دروب لا تنتهي .. دروب غاصت بمحلات أشتري منها حياة أخرى و فكر آخر و حرية أخرى و شمس أخرى .. حياة رائعة و إن كانت مظلمة .. و فكر آخر غي الذي تقرأه لي أختي .. و إن كان فكراً لبس لبس رداء حزيناً.. و حرية أخرى غير التي أعيشها داخل جدران منزلي و إن كانت حرية معصوبة العينين .. و شمس غير شمسكم هذه أيها البشر.. و إن كانت دون لهيب و دون حرارة.. داخل ذاتي لا أحد يقول لي : أنت أعمى .. فلماذا تقسو عليّ أيها الرجل ؟ كم أشعر بوخز كلماته تحت جفني .. و مع هذا و رغم ما قاله لم يعره أحد جواباً و تركوه و كلماته وحيدين . ويبدو أن الرجل تنبه لموقفه فشعرت بعصاي تُجذب مني و إذا الصوت ذاته يقول تعال هنا يا عمّي ..) ولم أدر بنفسي و أنا أحشرها بين الزحام أحاول أن أصل إلى جاذب عصاي ، و أخيراً شعرت بيده و هي تصل بي إلى كرسي يبدو أنه قام عنه و تركه لي .. فجلست شاكراً إياه بلساني معاتباً له في قلبي .. مرت دقائق و الحافلة تقف بين الحين و الحين كلما علا صوت يقول : (عندك يا شيخ ) أو (بالله على جنب).. أما أنا فلا حاجة بي إلى كل ذلك فالحافلة تنتهي محطاتها حيث أدرس .. لا تزال الحافلة تسير .. و ضجيج الركاب يعلو .. و هدير المحركات يطغى على أصواتهم .. أما أنا فصامت لا أجد لي محدثاً .. منذ العام الماضي عندما بدأت أستقل حافلة كل صباح.. لماذا يتحاشون الحديث معي ؟ لماذا لا تتحدث معي يا أخي ؟ و إذا عجزتُ أنا عن رؤيتك فلا أقل من أن تسمعني صوتك ..و إذا عجزتَ عن ذلك فلا أقل من أن تسمع صوتي .. فهو لا يقل جهارة عن صوتك و لا أوتار حنجرتي تقل عما لديك .. و إذا كنتَ ترى ببصرك نهاراً يتعاقب عليه ليل فلا أقل من أن أحدثك عن نفسي التي ترزح تحت ليل لا ينقضي و ظلمة لا تنجلي .. ولكني أراك داخل قلبي أيها الإنسان .. فليتك تراني ببصيرتك لا ببصرك .. ليتك .. و هكذا أقضي معظم وقتي داخل الحافلة ُأعاتبُ بصمت من أشعر بزفير أنفاسهم عن قرب .. و أحياناً أرى – في ظلمتي – أختي الصغيرة .. إنها ملاك من ملائكة الرحمن بعثها الله لي لتداويما أغلق عنه بصري بإنارته في بصيرتي .. بالأمس عندما كانت تقرأ لي كتاباً سألتني سؤالاً ما عييت قط أمام سواه .. سألتني : (لماذا الشر موجود بين البشر ؟) .. كم أتعبني هذا السؤال الذي ترددت أصداؤه داخل نفسي منذ زمن طويل .. حاولت أن أجيبها بنصف الحقيقة و النصف الآخر كتمته في نفسي لهوله على تلك الصغيرة .. فقلت لها : (يا أختي .. الناس يبحثون عن دروب الخير فأعتقدوا أن الشر أحد هذه الدروب) .. ولا أدري ما إذا صدقت كلامي ولكن كان ي.. أوه ..ماذا حدث ؟ يبدو أن الحافلة قد وقفت فجأة .. و أسمع الركاب كأنهم يهمون بالخروج و أصواتهم تعلو و تزمجر .. و شعرت بأن من جلس بجانبي يحاول أن ينهض هو الآخر .. فأمسكت بثوبه و سألته عما يحدث .. فقال بأن محركات الحافلة قد توقفت و سائقها لا يدري عن السبب .. ما أتعسني بهذا الخبر .. و سألته قبل أن يتابع خطواته عن الرجل الذي ترك مقعده لي فأجاب بأنه ترك الحافلة في محطة سابقة .. و سألته عن سائق الحافلة .. فلم أجد جواباً و لا أنفاساً تفيد بوجود إنسان داخل الحافلة .. فأخذت طريقي باحثاً عن الباب و عصاي تساعدني في ذلك .. و أخيراً وجدته .. فهبطت درجاته .. فشعرت بقدمي تهبطان أرضاً بدت و كأنها جانب الطريق .. فوقفت حيث قدّر لي الوقوف .. و لكن .. ماذا أفعل الأن ؟ هل أقف هكذا ؟ أين ذهب سائق الحافلة ؟ ناديت بأعلى صوتي على الرجل فما من جواب غير صوت ولد صغير طرق أذني وهو يقول : (هل من مساعدة أقدمها لك يا سيدي ؟) كم سررت بهذا الصوت و صاحبه .. فسألته عن إسم الشارع فسمّاه لي .. يا لسوء حظي .. إن مكاني الذي أنشده بعيد كل البعد عن هذا الشارع .. سألته عن المحطة التي أستطيع منها العودة منحيث أتيت .. فقال بأنها على الرصيف الأخر من الشارع .. ولكنه إستدرك قائلاً : (لا يا سيدي .. سأقف معك الى أن تصل حافلة أخرى تأخذك حيث تبغي ..) و قبل أن أُجيبه سمعت صوتاً يزمجر عن بعد و هو يقول : (تعال يا ولد )فردّ الصبي : (لحظة يا أبي .. هذا الرجل بحاجة الى مساعدة ) .. و فجأة سمعت أقداماً تهرول تجاهي و صوت يسبقها يقول : (تعال هنا أيها الولد العاق .. ألا تخاف من هذا الرجل ؟ ) .. و لم أشعر إلا بكف الصغير و هي تنسل من كفي .. سامحك الله أيها الرجل .. سامحك الله .. ماذا أفعل الأن ؟ لا أملك سوى العودة من حيث أتيت .. الصبي قال أن محطة العودة على الرصيف المقابل تماماً .. ها قد جاءت مشكلة عبورك أيها الشارع و جاء دورك أيتها العصا بالتراقص في الهواء تنبئين السيارات عن حاملك .. هئنذا أخطو الخطوة الأولى .. و عصاي في الهواء تترنح .. هاهي الخطوة الثانية .. الثالثة .. الرابعة .. الخامسة .. صوت منبهان السيارات يعلو من خلفي و أمامي و كل مكان .. أصوات من بعد تصرخ بي : (انتبه أيها الرجل ) .. لقد بقي أمامي عدة خطوات لأصل الى بر الأمان .. صوت المنبهات يعلو أكثر .. السيارات تزمجر من حولي .. والريح تعصف بي من كل جانب .. صرخة أمرأة من بعيد تعلو .. و صفارة رجل مرور تلعلع في الفضاء من حيث لا أدري .. و أعصابي تكاد تخونني .. و فجأة شعرت بسيارة كأنها تطير في الفضاء تشق الريح تطلق أبواقها تحذرني من الخطر .. لوّحت بعصاي .. بكتبي .. و نظارتي السوداء على وجهي تعذرني أمام الناظر إليّ و تشكو حال .. إلا أن السيارة لم ترحم ما بي عجز و ضعف .. فما شعرت بنفسي إلا و أنا على الأرض و كل شيء ينزف داخلي .. و أصوات كثيرة تحوم من حولي .. (السائق هرب ) ، (الرجل قلبه توقف) ، (يا حرام .. مسكين ) .. أما أنا فأشعر بأني أطير في فسحة السماء .. أرى رجلاً ممدداً على الأرض بجانبه تناثرت كتب .. و عصا .. و نظارة سوداء .. وبشراً حلّقوا حوله .. و عن بعد أرى أختى الصغيرة .. و هي تقرأ في كتاب الأمس .. كأنها تبحث عن إجابة كاملة لسؤال أخفيت عنها نصف حقيقته . تمت الفهرسة
لا أدري لماذا أشعر بالحزن دائماً .. هل لمجرد أني أعمى لا أبصر؟!لكني لست الوحيد بين البشر الذي لا...
القصة رائعة و مؤثرة
وفقك الله
سراب
سراب
لا أدري لماذا أشعر بالحزن دائماً .. هل لمجرد أني أعمى لا أبصر؟!لكني لست الوحيد بين البشر الذي لا يستطيع أن يرى الشمس وهي تشرق أو تغيب .. هل لأني لست بقادر على رؤية الجمال في الطبيعة ؟ يكفيني سماع خرير الماء وهو يسقط من صخرة إلى أخرى .. وأنين الرياح كلما صالت و جالت في الأودية .. و دوي الرعد كلما غامت السماء بسحاب مثقل بحمله .. يكفيني سماع البلابل عندما تشدو و الطفولة عندما تضحك .. و النسيم عندما يلعب و حبات المطر عندما تهطل .. يكفيني أن أسمع آيات الكون جوقة تنشد بالكمال لمن لا كامل سواه .. و مع هذا كله .. فأنا أشعر بالكآبة دائماً .. هئنذا أقف في محطة الحافلات أنتظر وصول الحافلة التي تذهب بي حيث أدرس و يدي اليمنى تمسك بها أختي الصغيرة .. و يدي اليسرى أمسك بها عصاي رفيقة دربي و بعض كتبي التي أتعلمها ..أما أختي الصغيرة فهي الأخ و الأخت ..و الأب و الأم و الصديق .. و إن كانت صغيرة السن فإنها تكاد تكون مربيتي .. تعتني بشؤوني من مأكل و مشرب و ملبس و ما إلى ذلك من روتينيات الأيام .. و إضافة إلى هذا فهي تقرأ لي يومياً ربع ساعة قبل أن أخلد إلى النوم .. و أني لأراها غالباً تفهم ما تقرأه لي .. هاهي بصوتها الهادئ الوديع تقول لي (هيا يا أخي .. الحافلة قد وصلت .. إنتبه لنفسك و كتبك و عصاك .. ) و هاهي تمسك بيدي جيداً مساعدة في صعودي للحافلة و صوتها الوديع يقول : مع السلامة . دخلت الحافلة و ضجيجها يفصح عن زحام شديد .. حاولت أن أتقدم فإذا بي أصطدم بأكوام من اللحم البشري .. فقنعت بوقوفي حيث وقفت .. غير أن صوتاً جهورياً يبدو أن صاحبه بدين الجثة سمعته يقول : يا بشر .. يا عالم .. ألا ترون الرجل أعمى يقف بجانب الباب ؟ أما من قلب عطوف يُخلي له مقعداً يجلس عليهن؟ كم أزعجني هذا الرجل بكلماته تلك .. ليته ما نطق بها .. أعلم أني أعمى ..و أعلم أني أقف في مكان بقرب الباب ..يعني أقف بجوار الخطر .. لكنني لست بحاجة إلى كرسيك أيها الرجل ..لأنه لك و ليس لي ..لماذا لا يعدّوني شخصاً عادياً بينهم ؟ هل ذنبي أن مرضاً أصاب عينيّ فعدت ضريرا ؟هل ذنبي أنني لا أستطيع السير إلا بعصا أتلمس بها دربي ؟ و أني لست بقادر أن أنظر من خلال نوافذ الحافلة و أرى واجهات المحلات و دروب المدينة ؟ انني لأشعر في داخلي دروب لا تنتهي .. دروب غاصت بمحلات أشتري منها حياة أخرى و فكر آخر و حرية أخرى و شمس أخرى .. حياة رائعة و إن كانت مظلمة .. و فكر آخر غي الذي تقرأه لي أختي .. و إن كان فكراً لبس لبس رداء حزيناً.. و حرية أخرى غير التي أعيشها داخل جدران منزلي و إن كانت حرية معصوبة العينين .. و شمس غير شمسكم هذه أيها البشر.. و إن كانت دون لهيب و دون حرارة.. داخل ذاتي لا أحد يقول لي : أنت أعمى .. فلماذا تقسو عليّ أيها الرجل ؟ كم أشعر بوخز كلماته تحت جفني .. و مع هذا و رغم ما قاله لم يعره أحد جواباً و تركوه و كلماته وحيدين . ويبدو أن الرجل تنبه لموقفه فشعرت بعصاي تُجذب مني و إذا الصوت ذاته يقول تعال هنا يا عمّي ..) ولم أدر بنفسي و أنا أحشرها بين الزحام أحاول أن أصل إلى جاذب عصاي ، و أخيراً شعرت بيده و هي تصل بي إلى كرسي يبدو أنه قام عنه و تركه لي .. فجلست شاكراً إياه بلساني معاتباً له في قلبي .. مرت دقائق و الحافلة تقف بين الحين و الحين كلما علا صوت يقول : (عندك يا شيخ ) أو (بالله على جنب).. أما أنا فلا حاجة بي إلى كل ذلك فالحافلة تنتهي محطاتها حيث أدرس .. لا تزال الحافلة تسير .. و ضجيج الركاب يعلو .. و هدير المحركات يطغى على أصواتهم .. أما أنا فصامت لا أجد لي محدثاً .. منذ العام الماضي عندما بدأت أستقل حافلة كل صباح.. لماذا يتحاشون الحديث معي ؟ لماذا لا تتحدث معي يا أخي ؟ و إذا عجزتُ أنا عن رؤيتك فلا أقل من أن تسمعني صوتك ..و إذا عجزتَ عن ذلك فلا أقل من أن تسمع صوتي .. فهو لا يقل جهارة عن صوتك و لا أوتار حنجرتي تقل عما لديك .. و إذا كنتَ ترى ببصرك نهاراً يتعاقب عليه ليل فلا أقل من أن أحدثك عن نفسي التي ترزح تحت ليل لا ينقضي و ظلمة لا تنجلي .. ولكني أراك داخل قلبي أيها الإنسان .. فليتك تراني ببصيرتك لا ببصرك .. ليتك .. و هكذا أقضي معظم وقتي داخل الحافلة ُأعاتبُ بصمت من أشعر بزفير أنفاسهم عن قرب .. و أحياناً أرى – في ظلمتي – أختي الصغيرة .. إنها ملاك من ملائكة الرحمن بعثها الله لي لتداويما أغلق عنه بصري بإنارته في بصيرتي .. بالأمس عندما كانت تقرأ لي كتاباً سألتني سؤالاً ما عييت قط أمام سواه .. سألتني : (لماذا الشر موجود بين البشر ؟) .. كم أتعبني هذا السؤال الذي ترددت أصداؤه داخل نفسي منذ زمن طويل .. حاولت أن أجيبها بنصف الحقيقة و النصف الآخر كتمته في نفسي لهوله على تلك الصغيرة .. فقلت لها : (يا أختي .. الناس يبحثون عن دروب الخير فأعتقدوا أن الشر أحد هذه الدروب) .. ولا أدري ما إذا صدقت كلامي ولكن كان ي.. أوه ..ماذا حدث ؟ يبدو أن الحافلة قد وقفت فجأة .. و أسمع الركاب كأنهم يهمون بالخروج و أصواتهم تعلو و تزمجر .. و شعرت بأن من جلس بجانبي يحاول أن ينهض هو الآخر .. فأمسكت بثوبه و سألته عما يحدث .. فقال بأن محركات الحافلة قد توقفت و سائقها لا يدري عن السبب .. ما أتعسني بهذا الخبر .. و سألته قبل أن يتابع خطواته عن الرجل الذي ترك مقعده لي فأجاب بأنه ترك الحافلة في محطة سابقة .. و سألته عن سائق الحافلة .. فلم أجد جواباً و لا أنفاساً تفيد بوجود إنسان داخل الحافلة .. فأخذت طريقي باحثاً عن الباب و عصاي تساعدني في ذلك .. و أخيراً وجدته .. فهبطت درجاته .. فشعرت بقدمي تهبطان أرضاً بدت و كأنها جانب الطريق .. فوقفت حيث قدّر لي الوقوف .. و لكن .. ماذا أفعل الأن ؟ هل أقف هكذا ؟ أين ذهب سائق الحافلة ؟ ناديت بأعلى صوتي على الرجل فما من جواب غير صوت ولد صغير طرق أذني وهو يقول : (هل من مساعدة أقدمها لك يا سيدي ؟) كم سررت بهذا الصوت و صاحبه .. فسألته عن إسم الشارع فسمّاه لي .. يا لسوء حظي .. إن مكاني الذي أنشده بعيد كل البعد عن هذا الشارع .. سألته عن المحطة التي أستطيع منها العودة منحيث أتيت .. فقال بأنها على الرصيف الأخر من الشارع .. ولكنه إستدرك قائلاً : (لا يا سيدي .. سأقف معك الى أن تصل حافلة أخرى تأخذك حيث تبغي ..) و قبل أن أُجيبه سمعت صوتاً يزمجر عن بعد و هو يقول : (تعال يا ولد )فردّ الصبي : (لحظة يا أبي .. هذا الرجل بحاجة الى مساعدة ) .. و فجأة سمعت أقداماً تهرول تجاهي و صوت يسبقها يقول : (تعال هنا أيها الولد العاق .. ألا تخاف من هذا الرجل ؟ ) .. و لم أشعر إلا بكف الصغير و هي تنسل من كفي .. سامحك الله أيها الرجل .. سامحك الله .. ماذا أفعل الأن ؟ لا أملك سوى العودة من حيث أتيت .. الصبي قال أن محطة العودة على الرصيف المقابل تماماً .. ها قد جاءت مشكلة عبورك أيها الشارع و جاء دورك أيتها العصا بالتراقص في الهواء تنبئين السيارات عن حاملك .. هئنذا أخطو الخطوة الأولى .. و عصاي في الهواء تترنح .. هاهي الخطوة الثانية .. الثالثة .. الرابعة .. الخامسة .. صوت منبهان السيارات يعلو من خلفي و أمامي و كل مكان .. أصوات من بعد تصرخ بي : (انتبه أيها الرجل ) .. لقد بقي أمامي عدة خطوات لأصل الى بر الأمان .. صوت المنبهات يعلو أكثر .. السيارات تزمجر من حولي .. والريح تعصف بي من كل جانب .. صرخة أمرأة من بعيد تعلو .. و صفارة رجل مرور تلعلع في الفضاء من حيث لا أدري .. و أعصابي تكاد تخونني .. و فجأة شعرت بسيارة كأنها تطير في الفضاء تشق الريح تطلق أبواقها تحذرني من الخطر .. لوّحت بعصاي .. بكتبي .. و نظارتي السوداء على وجهي تعذرني أمام الناظر إليّ و تشكو حال .. إلا أن السيارة لم ترحم ما بي عجز و ضعف .. فما شعرت بنفسي إلا و أنا على الأرض و كل شيء ينزف داخلي .. و أصوات كثيرة تحوم من حولي .. (السائق هرب ) ، (الرجل قلبه توقف) ، (يا حرام .. مسكين ) .. أما أنا فأشعر بأني أطير في فسحة السماء .. أرى رجلاً ممدداً على الأرض بجانبه تناثرت كتب .. و عصا .. و نظارة سوداء .. وبشراً حلّقوا حوله .. و عن بعد أرى أختى الصغيرة .. و هي تقرأ في كتاب الأمس .. كأنها تبحث عن إجابة كاملة لسؤال أخفيت عنها نصف حقيقته . تمت الفهرسة
لا أدري لماذا أشعر بالحزن دائماً .. هل لمجرد أني أعمى لا أبصر؟!لكني لست الوحيد بين البشر الذي لا...
اخي الكريم
fahad
السلام عليكم ..
اشكر لك مشاعرك الطيبة .. و تشجيعك الدائم لي و لغيري من مرتادي الموقع ..
اما عن غيابي عن المشاركة أحيانا .. فمثلك لا يجهل هموم الحياة و شجونها ..
لك المحبة و التقدير
سراب
سراب
لا أدري لماذا أشعر بالحزن دائماً .. هل لمجرد أني أعمى لا أبصر؟!لكني لست الوحيد بين البشر الذي لا يستطيع أن يرى الشمس وهي تشرق أو تغيب .. هل لأني لست بقادر على رؤية الجمال في الطبيعة ؟ يكفيني سماع خرير الماء وهو يسقط من صخرة إلى أخرى .. وأنين الرياح كلما صالت و جالت في الأودية .. و دوي الرعد كلما غامت السماء بسحاب مثقل بحمله .. يكفيني سماع البلابل عندما تشدو و الطفولة عندما تضحك .. و النسيم عندما يلعب و حبات المطر عندما تهطل .. يكفيني أن أسمع آيات الكون جوقة تنشد بالكمال لمن لا كامل سواه .. و مع هذا كله .. فأنا أشعر بالكآبة دائماً .. هئنذا أقف في محطة الحافلات أنتظر وصول الحافلة التي تذهب بي حيث أدرس و يدي اليمنى تمسك بها أختي الصغيرة .. و يدي اليسرى أمسك بها عصاي رفيقة دربي و بعض كتبي التي أتعلمها ..أما أختي الصغيرة فهي الأخ و الأخت ..و الأب و الأم و الصديق .. و إن كانت صغيرة السن فإنها تكاد تكون مربيتي .. تعتني بشؤوني من مأكل و مشرب و ملبس و ما إلى ذلك من روتينيات الأيام .. و إضافة إلى هذا فهي تقرأ لي يومياً ربع ساعة قبل أن أخلد إلى النوم .. و أني لأراها غالباً تفهم ما تقرأه لي .. هاهي بصوتها الهادئ الوديع تقول لي (هيا يا أخي .. الحافلة قد وصلت .. إنتبه لنفسك و كتبك و عصاك .. ) و هاهي تمسك بيدي جيداً مساعدة في صعودي للحافلة و صوتها الوديع يقول : مع السلامة . دخلت الحافلة و ضجيجها يفصح عن زحام شديد .. حاولت أن أتقدم فإذا بي أصطدم بأكوام من اللحم البشري .. فقنعت بوقوفي حيث وقفت .. غير أن صوتاً جهورياً يبدو أن صاحبه بدين الجثة سمعته يقول : يا بشر .. يا عالم .. ألا ترون الرجل أعمى يقف بجانب الباب ؟ أما من قلب عطوف يُخلي له مقعداً يجلس عليهن؟ كم أزعجني هذا الرجل بكلماته تلك .. ليته ما نطق بها .. أعلم أني أعمى ..و أعلم أني أقف في مكان بقرب الباب ..يعني أقف بجوار الخطر .. لكنني لست بحاجة إلى كرسيك أيها الرجل ..لأنه لك و ليس لي ..لماذا لا يعدّوني شخصاً عادياً بينهم ؟ هل ذنبي أن مرضاً أصاب عينيّ فعدت ضريرا ؟هل ذنبي أنني لا أستطيع السير إلا بعصا أتلمس بها دربي ؟ و أني لست بقادر أن أنظر من خلال نوافذ الحافلة و أرى واجهات المحلات و دروب المدينة ؟ انني لأشعر في داخلي دروب لا تنتهي .. دروب غاصت بمحلات أشتري منها حياة أخرى و فكر آخر و حرية أخرى و شمس أخرى .. حياة رائعة و إن كانت مظلمة .. و فكر آخر غي الذي تقرأه لي أختي .. و إن كان فكراً لبس لبس رداء حزيناً.. و حرية أخرى غير التي أعيشها داخل جدران منزلي و إن كانت حرية معصوبة العينين .. و شمس غير شمسكم هذه أيها البشر.. و إن كانت دون لهيب و دون حرارة.. داخل ذاتي لا أحد يقول لي : أنت أعمى .. فلماذا تقسو عليّ أيها الرجل ؟ كم أشعر بوخز كلماته تحت جفني .. و مع هذا و رغم ما قاله لم يعره أحد جواباً و تركوه و كلماته وحيدين . ويبدو أن الرجل تنبه لموقفه فشعرت بعصاي تُجذب مني و إذا الصوت ذاته يقول تعال هنا يا عمّي ..) ولم أدر بنفسي و أنا أحشرها بين الزحام أحاول أن أصل إلى جاذب عصاي ، و أخيراً شعرت بيده و هي تصل بي إلى كرسي يبدو أنه قام عنه و تركه لي .. فجلست شاكراً إياه بلساني معاتباً له في قلبي .. مرت دقائق و الحافلة تقف بين الحين و الحين كلما علا صوت يقول : (عندك يا شيخ ) أو (بالله على جنب).. أما أنا فلا حاجة بي إلى كل ذلك فالحافلة تنتهي محطاتها حيث أدرس .. لا تزال الحافلة تسير .. و ضجيج الركاب يعلو .. و هدير المحركات يطغى على أصواتهم .. أما أنا فصامت لا أجد لي محدثاً .. منذ العام الماضي عندما بدأت أستقل حافلة كل صباح.. لماذا يتحاشون الحديث معي ؟ لماذا لا تتحدث معي يا أخي ؟ و إذا عجزتُ أنا عن رؤيتك فلا أقل من أن تسمعني صوتك ..و إذا عجزتَ عن ذلك فلا أقل من أن تسمع صوتي .. فهو لا يقل جهارة عن صوتك و لا أوتار حنجرتي تقل عما لديك .. و إذا كنتَ ترى ببصرك نهاراً يتعاقب عليه ليل فلا أقل من أن أحدثك عن نفسي التي ترزح تحت ليل لا ينقضي و ظلمة لا تنجلي .. ولكني أراك داخل قلبي أيها الإنسان .. فليتك تراني ببصيرتك لا ببصرك .. ليتك .. و هكذا أقضي معظم وقتي داخل الحافلة ُأعاتبُ بصمت من أشعر بزفير أنفاسهم عن قرب .. و أحياناً أرى – في ظلمتي – أختي الصغيرة .. إنها ملاك من ملائكة الرحمن بعثها الله لي لتداويما أغلق عنه بصري بإنارته في بصيرتي .. بالأمس عندما كانت تقرأ لي كتاباً سألتني سؤالاً ما عييت قط أمام سواه .. سألتني : (لماذا الشر موجود بين البشر ؟) .. كم أتعبني هذا السؤال الذي ترددت أصداؤه داخل نفسي منذ زمن طويل .. حاولت أن أجيبها بنصف الحقيقة و النصف الآخر كتمته في نفسي لهوله على تلك الصغيرة .. فقلت لها : (يا أختي .. الناس يبحثون عن دروب الخير فأعتقدوا أن الشر أحد هذه الدروب) .. ولا أدري ما إذا صدقت كلامي ولكن كان ي.. أوه ..ماذا حدث ؟ يبدو أن الحافلة قد وقفت فجأة .. و أسمع الركاب كأنهم يهمون بالخروج و أصواتهم تعلو و تزمجر .. و شعرت بأن من جلس بجانبي يحاول أن ينهض هو الآخر .. فأمسكت بثوبه و سألته عما يحدث .. فقال بأن محركات الحافلة قد توقفت و سائقها لا يدري عن السبب .. ما أتعسني بهذا الخبر .. و سألته قبل أن يتابع خطواته عن الرجل الذي ترك مقعده لي فأجاب بأنه ترك الحافلة في محطة سابقة .. و سألته عن سائق الحافلة .. فلم أجد جواباً و لا أنفاساً تفيد بوجود إنسان داخل الحافلة .. فأخذت طريقي باحثاً عن الباب و عصاي تساعدني في ذلك .. و أخيراً وجدته .. فهبطت درجاته .. فشعرت بقدمي تهبطان أرضاً بدت و كأنها جانب الطريق .. فوقفت حيث قدّر لي الوقوف .. و لكن .. ماذا أفعل الأن ؟ هل أقف هكذا ؟ أين ذهب سائق الحافلة ؟ ناديت بأعلى صوتي على الرجل فما من جواب غير صوت ولد صغير طرق أذني وهو يقول : (هل من مساعدة أقدمها لك يا سيدي ؟) كم سررت بهذا الصوت و صاحبه .. فسألته عن إسم الشارع فسمّاه لي .. يا لسوء حظي .. إن مكاني الذي أنشده بعيد كل البعد عن هذا الشارع .. سألته عن المحطة التي أستطيع منها العودة منحيث أتيت .. فقال بأنها على الرصيف الأخر من الشارع .. ولكنه إستدرك قائلاً : (لا يا سيدي .. سأقف معك الى أن تصل حافلة أخرى تأخذك حيث تبغي ..) و قبل أن أُجيبه سمعت صوتاً يزمجر عن بعد و هو يقول : (تعال يا ولد )فردّ الصبي : (لحظة يا أبي .. هذا الرجل بحاجة الى مساعدة ) .. و فجأة سمعت أقداماً تهرول تجاهي و صوت يسبقها يقول : (تعال هنا أيها الولد العاق .. ألا تخاف من هذا الرجل ؟ ) .. و لم أشعر إلا بكف الصغير و هي تنسل من كفي .. سامحك الله أيها الرجل .. سامحك الله .. ماذا أفعل الأن ؟ لا أملك سوى العودة من حيث أتيت .. الصبي قال أن محطة العودة على الرصيف المقابل تماماً .. ها قد جاءت مشكلة عبورك أيها الشارع و جاء دورك أيتها العصا بالتراقص في الهواء تنبئين السيارات عن حاملك .. هئنذا أخطو الخطوة الأولى .. و عصاي في الهواء تترنح .. هاهي الخطوة الثانية .. الثالثة .. الرابعة .. الخامسة .. صوت منبهان السيارات يعلو من خلفي و أمامي و كل مكان .. أصوات من بعد تصرخ بي : (انتبه أيها الرجل ) .. لقد بقي أمامي عدة خطوات لأصل الى بر الأمان .. صوت المنبهات يعلو أكثر .. السيارات تزمجر من حولي .. والريح تعصف بي من كل جانب .. صرخة أمرأة من بعيد تعلو .. و صفارة رجل مرور تلعلع في الفضاء من حيث لا أدري .. و أعصابي تكاد تخونني .. و فجأة شعرت بسيارة كأنها تطير في الفضاء تشق الريح تطلق أبواقها تحذرني من الخطر .. لوّحت بعصاي .. بكتبي .. و نظارتي السوداء على وجهي تعذرني أمام الناظر إليّ و تشكو حال .. إلا أن السيارة لم ترحم ما بي عجز و ضعف .. فما شعرت بنفسي إلا و أنا على الأرض و كل شيء ينزف داخلي .. و أصوات كثيرة تحوم من حولي .. (السائق هرب ) ، (الرجل قلبه توقف) ، (يا حرام .. مسكين ) .. أما أنا فأشعر بأني أطير في فسحة السماء .. أرى رجلاً ممدداً على الأرض بجانبه تناثرت كتب .. و عصا .. و نظارة سوداء .. وبشراً حلّقوا حوله .. و عن بعد أرى أختى الصغيرة .. و هي تقرأ في كتاب الأمس .. كأنها تبحث عن إجابة كاملة لسؤال أخفيت عنها نصف حقيقته . تمت الفهرسة
لا أدري لماذا أشعر بالحزن دائماً .. هل لمجرد أني أعمى لا أبصر؟!لكني لست الوحيد بين البشر الذي لا...
اختي الفاضلة هدى
بعد التحية ..
يبدو ان وجود الشر في هذه الحياة امر طبيعي جدا كوجود الخير .. المهم طريقة التعامل بإنسانية مع الآخرين

تحياااااااااتي
سراب
سراب
لا أدري لماذا أشعر بالحزن دائماً .. هل لمجرد أني أعمى لا أبصر؟!لكني لست الوحيد بين البشر الذي لا يستطيع أن يرى الشمس وهي تشرق أو تغيب .. هل لأني لست بقادر على رؤية الجمال في الطبيعة ؟ يكفيني سماع خرير الماء وهو يسقط من صخرة إلى أخرى .. وأنين الرياح كلما صالت و جالت في الأودية .. و دوي الرعد كلما غامت السماء بسحاب مثقل بحمله .. يكفيني سماع البلابل عندما تشدو و الطفولة عندما تضحك .. و النسيم عندما يلعب و حبات المطر عندما تهطل .. يكفيني أن أسمع آيات الكون جوقة تنشد بالكمال لمن لا كامل سواه .. و مع هذا كله .. فأنا أشعر بالكآبة دائماً .. هئنذا أقف في محطة الحافلات أنتظر وصول الحافلة التي تذهب بي حيث أدرس و يدي اليمنى تمسك بها أختي الصغيرة .. و يدي اليسرى أمسك بها عصاي رفيقة دربي و بعض كتبي التي أتعلمها ..أما أختي الصغيرة فهي الأخ و الأخت ..و الأب و الأم و الصديق .. و إن كانت صغيرة السن فإنها تكاد تكون مربيتي .. تعتني بشؤوني من مأكل و مشرب و ملبس و ما إلى ذلك من روتينيات الأيام .. و إضافة إلى هذا فهي تقرأ لي يومياً ربع ساعة قبل أن أخلد إلى النوم .. و أني لأراها غالباً تفهم ما تقرأه لي .. هاهي بصوتها الهادئ الوديع تقول لي (هيا يا أخي .. الحافلة قد وصلت .. إنتبه لنفسك و كتبك و عصاك .. ) و هاهي تمسك بيدي جيداً مساعدة في صعودي للحافلة و صوتها الوديع يقول : مع السلامة . دخلت الحافلة و ضجيجها يفصح عن زحام شديد .. حاولت أن أتقدم فإذا بي أصطدم بأكوام من اللحم البشري .. فقنعت بوقوفي حيث وقفت .. غير أن صوتاً جهورياً يبدو أن صاحبه بدين الجثة سمعته يقول : يا بشر .. يا عالم .. ألا ترون الرجل أعمى يقف بجانب الباب ؟ أما من قلب عطوف يُخلي له مقعداً يجلس عليهن؟ كم أزعجني هذا الرجل بكلماته تلك .. ليته ما نطق بها .. أعلم أني أعمى ..و أعلم أني أقف في مكان بقرب الباب ..يعني أقف بجوار الخطر .. لكنني لست بحاجة إلى كرسيك أيها الرجل ..لأنه لك و ليس لي ..لماذا لا يعدّوني شخصاً عادياً بينهم ؟ هل ذنبي أن مرضاً أصاب عينيّ فعدت ضريرا ؟هل ذنبي أنني لا أستطيع السير إلا بعصا أتلمس بها دربي ؟ و أني لست بقادر أن أنظر من خلال نوافذ الحافلة و أرى واجهات المحلات و دروب المدينة ؟ انني لأشعر في داخلي دروب لا تنتهي .. دروب غاصت بمحلات أشتري منها حياة أخرى و فكر آخر و حرية أخرى و شمس أخرى .. حياة رائعة و إن كانت مظلمة .. و فكر آخر غي الذي تقرأه لي أختي .. و إن كان فكراً لبس لبس رداء حزيناً.. و حرية أخرى غير التي أعيشها داخل جدران منزلي و إن كانت حرية معصوبة العينين .. و شمس غير شمسكم هذه أيها البشر.. و إن كانت دون لهيب و دون حرارة.. داخل ذاتي لا أحد يقول لي : أنت أعمى .. فلماذا تقسو عليّ أيها الرجل ؟ كم أشعر بوخز كلماته تحت جفني .. و مع هذا و رغم ما قاله لم يعره أحد جواباً و تركوه و كلماته وحيدين . ويبدو أن الرجل تنبه لموقفه فشعرت بعصاي تُجذب مني و إذا الصوت ذاته يقول تعال هنا يا عمّي ..) ولم أدر بنفسي و أنا أحشرها بين الزحام أحاول أن أصل إلى جاذب عصاي ، و أخيراً شعرت بيده و هي تصل بي إلى كرسي يبدو أنه قام عنه و تركه لي .. فجلست شاكراً إياه بلساني معاتباً له في قلبي .. مرت دقائق و الحافلة تقف بين الحين و الحين كلما علا صوت يقول : (عندك يا شيخ ) أو (بالله على جنب).. أما أنا فلا حاجة بي إلى كل ذلك فالحافلة تنتهي محطاتها حيث أدرس .. لا تزال الحافلة تسير .. و ضجيج الركاب يعلو .. و هدير المحركات يطغى على أصواتهم .. أما أنا فصامت لا أجد لي محدثاً .. منذ العام الماضي عندما بدأت أستقل حافلة كل صباح.. لماذا يتحاشون الحديث معي ؟ لماذا لا تتحدث معي يا أخي ؟ و إذا عجزتُ أنا عن رؤيتك فلا أقل من أن تسمعني صوتك ..و إذا عجزتَ عن ذلك فلا أقل من أن تسمع صوتي .. فهو لا يقل جهارة عن صوتك و لا أوتار حنجرتي تقل عما لديك .. و إذا كنتَ ترى ببصرك نهاراً يتعاقب عليه ليل فلا أقل من أن أحدثك عن نفسي التي ترزح تحت ليل لا ينقضي و ظلمة لا تنجلي .. ولكني أراك داخل قلبي أيها الإنسان .. فليتك تراني ببصيرتك لا ببصرك .. ليتك .. و هكذا أقضي معظم وقتي داخل الحافلة ُأعاتبُ بصمت من أشعر بزفير أنفاسهم عن قرب .. و أحياناً أرى – في ظلمتي – أختي الصغيرة .. إنها ملاك من ملائكة الرحمن بعثها الله لي لتداويما أغلق عنه بصري بإنارته في بصيرتي .. بالأمس عندما كانت تقرأ لي كتاباً سألتني سؤالاً ما عييت قط أمام سواه .. سألتني : (لماذا الشر موجود بين البشر ؟) .. كم أتعبني هذا السؤال الذي ترددت أصداؤه داخل نفسي منذ زمن طويل .. حاولت أن أجيبها بنصف الحقيقة و النصف الآخر كتمته في نفسي لهوله على تلك الصغيرة .. فقلت لها : (يا أختي .. الناس يبحثون عن دروب الخير فأعتقدوا أن الشر أحد هذه الدروب) .. ولا أدري ما إذا صدقت كلامي ولكن كان ي.. أوه ..ماذا حدث ؟ يبدو أن الحافلة قد وقفت فجأة .. و أسمع الركاب كأنهم يهمون بالخروج و أصواتهم تعلو و تزمجر .. و شعرت بأن من جلس بجانبي يحاول أن ينهض هو الآخر .. فأمسكت بثوبه و سألته عما يحدث .. فقال بأن محركات الحافلة قد توقفت و سائقها لا يدري عن السبب .. ما أتعسني بهذا الخبر .. و سألته قبل أن يتابع خطواته عن الرجل الذي ترك مقعده لي فأجاب بأنه ترك الحافلة في محطة سابقة .. و سألته عن سائق الحافلة .. فلم أجد جواباً و لا أنفاساً تفيد بوجود إنسان داخل الحافلة .. فأخذت طريقي باحثاً عن الباب و عصاي تساعدني في ذلك .. و أخيراً وجدته .. فهبطت درجاته .. فشعرت بقدمي تهبطان أرضاً بدت و كأنها جانب الطريق .. فوقفت حيث قدّر لي الوقوف .. و لكن .. ماذا أفعل الأن ؟ هل أقف هكذا ؟ أين ذهب سائق الحافلة ؟ ناديت بأعلى صوتي على الرجل فما من جواب غير صوت ولد صغير طرق أذني وهو يقول : (هل من مساعدة أقدمها لك يا سيدي ؟) كم سررت بهذا الصوت و صاحبه .. فسألته عن إسم الشارع فسمّاه لي .. يا لسوء حظي .. إن مكاني الذي أنشده بعيد كل البعد عن هذا الشارع .. سألته عن المحطة التي أستطيع منها العودة منحيث أتيت .. فقال بأنها على الرصيف الأخر من الشارع .. ولكنه إستدرك قائلاً : (لا يا سيدي .. سأقف معك الى أن تصل حافلة أخرى تأخذك حيث تبغي ..) و قبل أن أُجيبه سمعت صوتاً يزمجر عن بعد و هو يقول : (تعال يا ولد )فردّ الصبي : (لحظة يا أبي .. هذا الرجل بحاجة الى مساعدة ) .. و فجأة سمعت أقداماً تهرول تجاهي و صوت يسبقها يقول : (تعال هنا أيها الولد العاق .. ألا تخاف من هذا الرجل ؟ ) .. و لم أشعر إلا بكف الصغير و هي تنسل من كفي .. سامحك الله أيها الرجل .. سامحك الله .. ماذا أفعل الأن ؟ لا أملك سوى العودة من حيث أتيت .. الصبي قال أن محطة العودة على الرصيف المقابل تماماً .. ها قد جاءت مشكلة عبورك أيها الشارع و جاء دورك أيتها العصا بالتراقص في الهواء تنبئين السيارات عن حاملك .. هئنذا أخطو الخطوة الأولى .. و عصاي في الهواء تترنح .. هاهي الخطوة الثانية .. الثالثة .. الرابعة .. الخامسة .. صوت منبهان السيارات يعلو من خلفي و أمامي و كل مكان .. أصوات من بعد تصرخ بي : (انتبه أيها الرجل ) .. لقد بقي أمامي عدة خطوات لأصل الى بر الأمان .. صوت المنبهات يعلو أكثر .. السيارات تزمجر من حولي .. والريح تعصف بي من كل جانب .. صرخة أمرأة من بعيد تعلو .. و صفارة رجل مرور تلعلع في الفضاء من حيث لا أدري .. و أعصابي تكاد تخونني .. و فجأة شعرت بسيارة كأنها تطير في الفضاء تشق الريح تطلق أبواقها تحذرني من الخطر .. لوّحت بعصاي .. بكتبي .. و نظارتي السوداء على وجهي تعذرني أمام الناظر إليّ و تشكو حال .. إلا أن السيارة لم ترحم ما بي عجز و ضعف .. فما شعرت بنفسي إلا و أنا على الأرض و كل شيء ينزف داخلي .. و أصوات كثيرة تحوم من حولي .. (السائق هرب ) ، (الرجل قلبه توقف) ، (يا حرام .. مسكين ) .. أما أنا فأشعر بأني أطير في فسحة السماء .. أرى رجلاً ممدداً على الأرض بجانبه تناثرت كتب .. و عصا .. و نظارة سوداء .. وبشراً حلّقوا حوله .. و عن بعد أرى أختى الصغيرة .. و هي تقرأ في كتاب الأمس .. كأنها تبحث عن إجابة كاملة لسؤال أخفيت عنها نصف حقيقته . تمت الفهرسة
لا أدري لماذا أشعر بالحزن دائماً .. هل لمجرد أني أعمى لا أبصر؟!لكني لست الوحيد بين البشر الذي لا...
اختي الفاضلة هدى
بعد التحية ..
يبدو ان وجود الشر في هذه الحياة امر طبيعي جدا كوجود الخير .. المهم طريقة التعامل بإنسانية مع الآخرين

تحياااااااااتي
سراب
سراب
لا أدري لماذا أشعر بالحزن دائماً .. هل لمجرد أني أعمى لا أبصر؟!لكني لست الوحيد بين البشر الذي لا يستطيع أن يرى الشمس وهي تشرق أو تغيب .. هل لأني لست بقادر على رؤية الجمال في الطبيعة ؟ يكفيني سماع خرير الماء وهو يسقط من صخرة إلى أخرى .. وأنين الرياح كلما صالت و جالت في الأودية .. و دوي الرعد كلما غامت السماء بسحاب مثقل بحمله .. يكفيني سماع البلابل عندما تشدو و الطفولة عندما تضحك .. و النسيم عندما يلعب و حبات المطر عندما تهطل .. يكفيني أن أسمع آيات الكون جوقة تنشد بالكمال لمن لا كامل سواه .. و مع هذا كله .. فأنا أشعر بالكآبة دائماً .. هئنذا أقف في محطة الحافلات أنتظر وصول الحافلة التي تذهب بي حيث أدرس و يدي اليمنى تمسك بها أختي الصغيرة .. و يدي اليسرى أمسك بها عصاي رفيقة دربي و بعض كتبي التي أتعلمها ..أما أختي الصغيرة فهي الأخ و الأخت ..و الأب و الأم و الصديق .. و إن كانت صغيرة السن فإنها تكاد تكون مربيتي .. تعتني بشؤوني من مأكل و مشرب و ملبس و ما إلى ذلك من روتينيات الأيام .. و إضافة إلى هذا فهي تقرأ لي يومياً ربع ساعة قبل أن أخلد إلى النوم .. و أني لأراها غالباً تفهم ما تقرأه لي .. هاهي بصوتها الهادئ الوديع تقول لي (هيا يا أخي .. الحافلة قد وصلت .. إنتبه لنفسك و كتبك و عصاك .. ) و هاهي تمسك بيدي جيداً مساعدة في صعودي للحافلة و صوتها الوديع يقول : مع السلامة . دخلت الحافلة و ضجيجها يفصح عن زحام شديد .. حاولت أن أتقدم فإذا بي أصطدم بأكوام من اللحم البشري .. فقنعت بوقوفي حيث وقفت .. غير أن صوتاً جهورياً يبدو أن صاحبه بدين الجثة سمعته يقول : يا بشر .. يا عالم .. ألا ترون الرجل أعمى يقف بجانب الباب ؟ أما من قلب عطوف يُخلي له مقعداً يجلس عليهن؟ كم أزعجني هذا الرجل بكلماته تلك .. ليته ما نطق بها .. أعلم أني أعمى ..و أعلم أني أقف في مكان بقرب الباب ..يعني أقف بجوار الخطر .. لكنني لست بحاجة إلى كرسيك أيها الرجل ..لأنه لك و ليس لي ..لماذا لا يعدّوني شخصاً عادياً بينهم ؟ هل ذنبي أن مرضاً أصاب عينيّ فعدت ضريرا ؟هل ذنبي أنني لا أستطيع السير إلا بعصا أتلمس بها دربي ؟ و أني لست بقادر أن أنظر من خلال نوافذ الحافلة و أرى واجهات المحلات و دروب المدينة ؟ انني لأشعر في داخلي دروب لا تنتهي .. دروب غاصت بمحلات أشتري منها حياة أخرى و فكر آخر و حرية أخرى و شمس أخرى .. حياة رائعة و إن كانت مظلمة .. و فكر آخر غي الذي تقرأه لي أختي .. و إن كان فكراً لبس لبس رداء حزيناً.. و حرية أخرى غير التي أعيشها داخل جدران منزلي و إن كانت حرية معصوبة العينين .. و شمس غير شمسكم هذه أيها البشر.. و إن كانت دون لهيب و دون حرارة.. داخل ذاتي لا أحد يقول لي : أنت أعمى .. فلماذا تقسو عليّ أيها الرجل ؟ كم أشعر بوخز كلماته تحت جفني .. و مع هذا و رغم ما قاله لم يعره أحد جواباً و تركوه و كلماته وحيدين . ويبدو أن الرجل تنبه لموقفه فشعرت بعصاي تُجذب مني و إذا الصوت ذاته يقول تعال هنا يا عمّي ..) ولم أدر بنفسي و أنا أحشرها بين الزحام أحاول أن أصل إلى جاذب عصاي ، و أخيراً شعرت بيده و هي تصل بي إلى كرسي يبدو أنه قام عنه و تركه لي .. فجلست شاكراً إياه بلساني معاتباً له في قلبي .. مرت دقائق و الحافلة تقف بين الحين و الحين كلما علا صوت يقول : (عندك يا شيخ ) أو (بالله على جنب).. أما أنا فلا حاجة بي إلى كل ذلك فالحافلة تنتهي محطاتها حيث أدرس .. لا تزال الحافلة تسير .. و ضجيج الركاب يعلو .. و هدير المحركات يطغى على أصواتهم .. أما أنا فصامت لا أجد لي محدثاً .. منذ العام الماضي عندما بدأت أستقل حافلة كل صباح.. لماذا يتحاشون الحديث معي ؟ لماذا لا تتحدث معي يا أخي ؟ و إذا عجزتُ أنا عن رؤيتك فلا أقل من أن تسمعني صوتك ..و إذا عجزتَ عن ذلك فلا أقل من أن تسمع صوتي .. فهو لا يقل جهارة عن صوتك و لا أوتار حنجرتي تقل عما لديك .. و إذا كنتَ ترى ببصرك نهاراً يتعاقب عليه ليل فلا أقل من أن أحدثك عن نفسي التي ترزح تحت ليل لا ينقضي و ظلمة لا تنجلي .. ولكني أراك داخل قلبي أيها الإنسان .. فليتك تراني ببصيرتك لا ببصرك .. ليتك .. و هكذا أقضي معظم وقتي داخل الحافلة ُأعاتبُ بصمت من أشعر بزفير أنفاسهم عن قرب .. و أحياناً أرى – في ظلمتي – أختي الصغيرة .. إنها ملاك من ملائكة الرحمن بعثها الله لي لتداويما أغلق عنه بصري بإنارته في بصيرتي .. بالأمس عندما كانت تقرأ لي كتاباً سألتني سؤالاً ما عييت قط أمام سواه .. سألتني : (لماذا الشر موجود بين البشر ؟) .. كم أتعبني هذا السؤال الذي ترددت أصداؤه داخل نفسي منذ زمن طويل .. حاولت أن أجيبها بنصف الحقيقة و النصف الآخر كتمته في نفسي لهوله على تلك الصغيرة .. فقلت لها : (يا أختي .. الناس يبحثون عن دروب الخير فأعتقدوا أن الشر أحد هذه الدروب) .. ولا أدري ما إذا صدقت كلامي ولكن كان ي.. أوه ..ماذا حدث ؟ يبدو أن الحافلة قد وقفت فجأة .. و أسمع الركاب كأنهم يهمون بالخروج و أصواتهم تعلو و تزمجر .. و شعرت بأن من جلس بجانبي يحاول أن ينهض هو الآخر .. فأمسكت بثوبه و سألته عما يحدث .. فقال بأن محركات الحافلة قد توقفت و سائقها لا يدري عن السبب .. ما أتعسني بهذا الخبر .. و سألته قبل أن يتابع خطواته عن الرجل الذي ترك مقعده لي فأجاب بأنه ترك الحافلة في محطة سابقة .. و سألته عن سائق الحافلة .. فلم أجد جواباً و لا أنفاساً تفيد بوجود إنسان داخل الحافلة .. فأخذت طريقي باحثاً عن الباب و عصاي تساعدني في ذلك .. و أخيراً وجدته .. فهبطت درجاته .. فشعرت بقدمي تهبطان أرضاً بدت و كأنها جانب الطريق .. فوقفت حيث قدّر لي الوقوف .. و لكن .. ماذا أفعل الأن ؟ هل أقف هكذا ؟ أين ذهب سائق الحافلة ؟ ناديت بأعلى صوتي على الرجل فما من جواب غير صوت ولد صغير طرق أذني وهو يقول : (هل من مساعدة أقدمها لك يا سيدي ؟) كم سررت بهذا الصوت و صاحبه .. فسألته عن إسم الشارع فسمّاه لي .. يا لسوء حظي .. إن مكاني الذي أنشده بعيد كل البعد عن هذا الشارع .. سألته عن المحطة التي أستطيع منها العودة منحيث أتيت .. فقال بأنها على الرصيف الأخر من الشارع .. ولكنه إستدرك قائلاً : (لا يا سيدي .. سأقف معك الى أن تصل حافلة أخرى تأخذك حيث تبغي ..) و قبل أن أُجيبه سمعت صوتاً يزمجر عن بعد و هو يقول : (تعال يا ولد )فردّ الصبي : (لحظة يا أبي .. هذا الرجل بحاجة الى مساعدة ) .. و فجأة سمعت أقداماً تهرول تجاهي و صوت يسبقها يقول : (تعال هنا أيها الولد العاق .. ألا تخاف من هذا الرجل ؟ ) .. و لم أشعر إلا بكف الصغير و هي تنسل من كفي .. سامحك الله أيها الرجل .. سامحك الله .. ماذا أفعل الأن ؟ لا أملك سوى العودة من حيث أتيت .. الصبي قال أن محطة العودة على الرصيف المقابل تماماً .. ها قد جاءت مشكلة عبورك أيها الشارع و جاء دورك أيتها العصا بالتراقص في الهواء تنبئين السيارات عن حاملك .. هئنذا أخطو الخطوة الأولى .. و عصاي في الهواء تترنح .. هاهي الخطوة الثانية .. الثالثة .. الرابعة .. الخامسة .. صوت منبهان السيارات يعلو من خلفي و أمامي و كل مكان .. أصوات من بعد تصرخ بي : (انتبه أيها الرجل ) .. لقد بقي أمامي عدة خطوات لأصل الى بر الأمان .. صوت المنبهات يعلو أكثر .. السيارات تزمجر من حولي .. والريح تعصف بي من كل جانب .. صرخة أمرأة من بعيد تعلو .. و صفارة رجل مرور تلعلع في الفضاء من حيث لا أدري .. و أعصابي تكاد تخونني .. و فجأة شعرت بسيارة كأنها تطير في الفضاء تشق الريح تطلق أبواقها تحذرني من الخطر .. لوّحت بعصاي .. بكتبي .. و نظارتي السوداء على وجهي تعذرني أمام الناظر إليّ و تشكو حال .. إلا أن السيارة لم ترحم ما بي عجز و ضعف .. فما شعرت بنفسي إلا و أنا على الأرض و كل شيء ينزف داخلي .. و أصوات كثيرة تحوم من حولي .. (السائق هرب ) ، (الرجل قلبه توقف) ، (يا حرام .. مسكين ) .. أما أنا فأشعر بأني أطير في فسحة السماء .. أرى رجلاً ممدداً على الأرض بجانبه تناثرت كتب .. و عصا .. و نظارة سوداء .. وبشراً حلّقوا حوله .. و عن بعد أرى أختى الصغيرة .. و هي تقرأ في كتاب الأمس .. كأنها تبحث عن إجابة كاملة لسؤال أخفيت عنها نصف حقيقته . تمت الفهرسة
لا أدري لماذا أشعر بالحزن دائماً .. هل لمجرد أني أعمى لا أبصر؟!لكني لست الوحيد بين البشر الذي لا...
المدينة غارقة في النوم .. الليل يحتضن كل شيء ..والطرقات تحتضن أحلاماً قتيلة اغتالها المستحيل .. والقمر شاحب حزين .. تآمرت عليه السحب فبات كئيباً .. والريح تحكي للشجر حكاية عتيقة من مجاهل العصور و التاريخ .. وعلى أغصان الشجر شحرور ساكت حزين .. أسكته الليل ووحشة الظلام ..وعلى الأرصفة آثار لخطوات بشرية .. خطوات ظالمة و أخرى مظلومة .. وخطوات أخرى أتعبها التعب ..
الليل أنشودة المصابيح .. وجنيات الليل يتراكضن في أعماق الظلام و الضباب .. ينتحرن بين ثنايا الغيب و المجهول .. و لا صوت في سكون الليل سوى أنين الريح و حفيف الشجر و عواء كلاب دفع بها الجوع إلى التسكع في دهاليز الليل ..
خطوات متعبة على الطريق .. انه عائد للمدينة .. الطريق يبتسم له .و الرياح تداعب معطفه .. و الليل يبتلعه .. إلى أين تتجه أيها الغريب ؟ وأي أمر قذف بك في عتمات الظلام و وحشة الدروب ؟ لقد قتلت يا غريب هذا السكون و كأنك خنجر في خاصرة الصمت ..
( اتركني يا لائمي و حزني .. اتركني و عذابي ودع السكينة تمشي معي إلى حيث أبغي .. دع الخشوع يرافقني إلى حيث تلك المقبرة التي ارتمت على كتف المدينة و ضباب الغيب يلفها و أشباح الليل تحرسها .. اتركوا خطواتي تحكي للطريق حكاية قتيل تمشي به عتمة الليل بينما ترقد في ثنايا القبور صبية لا يزال رحيق الحياة يحوم حول مرقدها .. أنا الميت وهذه الدنيا كفني و قبري .. وهي الحياة حيث الأبدية و خلودها .. فدعوني أذهب حيث ترقد لعل الموت يعيد ما أخذته الحياة ..)
ومشى الغريب يخترق الطرقات بصمت مخيف و خطوات متثاقلة كأنه شيخ تاه عنه الموت فخرج يبحث عنه .. ويقترب الغريب من المقبرة حيث اللا نهاية تسكن هذا المكان .. وحيث الأحلام الذبيحة و الابتسامة القتيلة و الوردة المسحوقة .. كل أحلام البشرية ترقد بين ثراك أيتها الأرض ..
وتزحف أخيلة الليل ورؤى الظلام و أوهام الطريق نحو الغريب و تسأله : ما بك يا إنسان ؟ فيقول وهو لا يزال يقترب من المقبرة :
(إن الذي بي كالذي في أعماق الأرض .. تحت هذا الثرى يرقد التاريخ و أبطاله .. والذي في أعماقي تاريخ و ذكرى و سرادق عزاء و جنازة و مشيعون .. في أعماقي حكاية أحببتها .. أنشدت لها أحلى أناشيد البشرية .. بنينا الأحلام معاً ..ولكن بني البشر اغتالوا أحلامنا .. فتعبت الصبية فأكلها المرض ثم ابتلعها القبر .. )
ودخل الغريب المقبرة .. فرأى حفار القبور يستعد للنوم فقال الغريب : أيها الحفار .. لا فرق بين رقدتك هذه و رقدة هؤلاء تحت الثرى سوى أنك تتنفس الحياة وهم يتنسمون الموت ..و أنت تمل الحياة وهم لا يملون الموت .. أنت تدفن البشرية بساعديك لذلك تلامس الحقيقة الضائعة في حياتنا و تراها ونحن جثثاً بين ذراعيك و ذراعي القبر .. قل لي أيها الحفار : أين قبر الصبية التي أسكنتها اللحد ؟ تلك الفتاة التي تآمر عليها أبوها و أمها و عشيرتها فحملوها إلى عريس لا تريده و بذلك زفوها إلى جاهلية البشرية و كهوفها .. قل لي أيها الرجل .. أين مرقد تلك الفتاة التي أسقطها المرض و التهمها في غمضة عين ؟ ما أقوى ساعديك أيها الرجل .. لقد طمرت ملاكاً دون أن تدري ..)
وذهل الحفار وهو يسمع هذه الكلمات ولم يملك سوى أن يشير إلى حيث ترقد الصبية .. فمشى الغريب كموكب جنائزي يعبر القبر تلو القبر وهو يقول :
(أيها الراقدون .. سامحوا خطاي التي أزعجتكم في مراقدكم .. سامحوا قيساً الذي ذبحه الهوى من الوريد إلى الوريد .. فجاء هذه الليلة يبحث عن ليلاه التي سكنت هذه الديار .. أسكنتها الفواجع أرضكم ..فخلف كل باب قبر حكاية دامعة مفجعة .. وخلف كل فجيعة غابة من الألم .. )
ويقترب الفتى من قبرها وأقدامه تكاد لا تحمله .. الليل يبكي .. والريح تبكي .. وأحجار القبر تبكي .. و اقترب المسكين من اللحد وأخذ يقول :
( تركتك يا صبية لحماً و دماً وأعود اليوم لأجدك تراباً و سرابًا .. أين رحل ذاك الصبا ؟ أين غاب ذاك الجمال؟ وأين تلك الابتسامة التي ملكت بها الكون ؟ وأين تلك العيون التي كانت مخدعاً للشمس ؟ أحقاً كل هذا الجمال يتزاحم عليه الدود الآن في ظلمة هذا القبر ؟ أحقاً عيناك الجميلتان أصبحتا كمغارتين يختال فيهما الظلمة و الفراغ ؟ ووجهك الجميل غدا جمجمة مرعبة لا تحوي سوى الخوف ؟ أحقاً أيتها الصبية أصبحت كومة عظام يتقاسمها الدود و الظلام خلف أبواب هذا القبر ؟ ما أقواك أيها المرض .. ما أظلمكم أيها البشر .. وما أقوى ساعديك أيها الحفار .. لقد طمرت قلبي معها .. )
و سقط الغريب فوق القبر .. ولم تشرق عليه الشمس إلا وهو جثة هامدة لا حياة فيها ..




تمت الفهرسة