سجين الظلام
سجين الظلام هي قصة خيالية من تأليفي القصد منها توضيح بعض القيم الإسلامية لدى القارئ على شكل قصة عوضا عن السرد العادي
أسأل الله أن ينفع بها ويتقبلها مني بكرمه وفضله
كما أرجو أن تستمتعوا بقراءتها
والقصة مكونة من عشرة فصول
والآن أترككم مع الحكاية
الفصل الأول
تمضي بنا الحياة في رحلة مجهولة تخبئ لنا فيها المفاجآت...
تتنقل بنا بين مدن السعادة والشقاء...
وبالرغم من أن مدن هذه الرحلة مختلفة من شخص لآخر حيث يحيا البعض في مدن السعادة ويحيا آخرون في مدن الشقاء. غير أن الوجهة النهائية لجميع الرحلات واحدة على أي حال...
وهي الموت...
يموت الشقي....
يموت السعيد...
يموت الجميع... و يتركون هذه الأرض... ويتركون كل ما بنوه فيها...
فما هي قيمتها؟
وما هو معنى هذه الحياة البائسة؟
ما أهميتها؟
لماذا أنا هنا؟
أعيش ... أكبر ... ثم أموت...
أهذا كل شيء؟
آه. لقد استغرقت في أفكاري كالعادة و نسيت أن أعرفكم بنفسي...
أنا "رائد". أنا شاب. لا أعرف كم من العمر أبلغ. حيث خطفني عصابة من اللصوص عندما كنت في الرابعة.وبقيت حبيسا في بيتهم حتى هذه اللحظة. لقد مرت سنوات كثر لا أعلم عددها.
لم أخرج إلى الخارج منذ مدة طويلة. وكل ما أفعله هو خدمة هؤلاء اللصوص فقط.
وكما هو واضح أحيا حياة تعيسة غارقا في أفكار الحيرة عن معنى الحياة. فهي تبدو من منظوري تافهة جدا. فحتى لو كنت خارج هذه الجدران وكنت ناجحا جدا ومشهورا وغنيا فما فائدة هذا كله إذا ما كان لفترة وجيزة ثم ينتهي بالموت ما هي قيمته؟
آه عدت للاسترسال بأفكاري مرة أخرى. من الأفضل أن أذهب لتحضير الطعام قبل أن يأتي أحدهم إلى البيت.
هاأنذا أوشكت على الانتهاء. وإذا بباب البيت يفتح. ليقطع سكون المكان صوت طفلة تبكي. سأذهب لألقي نظرة...
الطفلة وهي تنتحب: "أريد ماما. أريد بابا"
يصرخ عليها أحد اللصوص بأعلى صوته: "أسكتي وإلا قتلتك"
تتسمر قدما الطفلة في مكانهما. وتبتلع كلماتها من شدة الخوف. بينما تأبى دموعها الساخنة إلا أن تنهمرعلى خديها الصغيرين. نظرات عينيها المرتعبتان قطّعتا نياط قلبي. فقد ذكرتني بنفسي في أول يوم أتيت به إلى هذا السجن.
دفع ذات اللص الطفلة باتجاهي لتقع بين ذراعي قائلا: "خذها. دعها تنام معك في الحجرة. وانتبه عليها جيدا فإنها تساوي ثروة. هل هذا مفهوم؟"
أنا: "مفهوم"
اللص: "إحبسها الآن في غرفتك ثم عد لتجهيز الطعام"
أنا:"حسنا"
أمسكت بيدها الصغيرة وأخذتهاإلى غرفتي. أغلقت الباب. وعدت لأكمل أعمال الخدمة المقيتة. وبعد إنتهائي ذهبت لغرفتي فقد حان موعد نومي المعتاد.
ولكني لا أريد الذهاب للنوم هذه الليلة بالرغم من أني متعب جدا. لا أعلم لماذا؟
هل أنا خائف من النظرإلى دموع الضيفة الجديدة؟
أم أني حزين من أجلها حزنا هز كل وجداني حتى ما عدت قادرا على مواساتها فأنا من يحتاج إلى المواساة؟
ماذا سأقول لها؟
هل ألزم الصمت وأنام تاركا إياها غارقة في بحر الخوف والوحدة؟
نعم عله يكون صوابا. فليس بيدي شيء أقدمه لمساعدتها على أي حال.
نور يتلألأ @nor_ytlala
محررة
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
الفصل الثالث
إقتربت من الباب حتى ألقي نظرة عن كثب. فإذا بي أرى مفاتيح الباب بالفعل معلقة في القفل. لابد أن أحد اللصوص نسي أن يأخذ المفاتيح بعد أن أقفل الباب. إنها المرة الأولى التي يحدث فيهاشيء كهذا.
عدت إلى غرفتي ناديت بصوت خافت: "جمان هل نمت؟"
قالت: "لا. ليس بعد. لا أستطيع النوم. أنا خائفة"
قلت: "جمان هل أنت متأكدة بأن الله موجود وأنه يستطيع أن يساعدنا"
قالت: "بالطبع ماما وبابا يقولون هذا. أنا متأكدة"
ترددت لوهلة في تصديقها ولكني قلت في نفسي: "لن أعرف إذا ما كانت جمان تقول الحقيقة أو لا إلا إذا خرجت من هذا السجن"
ثم قلت لها آمرا:"حسنا اسمعي تعالي معي في هدوء شديد إياك أن تصدري أي صوت. إذا أصدرت صوتا فسوف نموت نحن الاثنين"
أمسكت بيدها ثم تسللنا إلى خارج البيت.
توقفت للحظة أنظرفيها إلى كل ما حولي مذهولا. فلقد أصبحت خارج جدران ذلك السجن. بدى كل شيء لي غريبا. وكأن قدماي تطأ كوكبا آخرا لا أعرفه.
ثم تذكرت اللصوص. فسحبت جمان وانطلقت مسرعا. لا أعلم إلى أين. ولكني أردت أن أبتعد عن اللصوص قدر ما أستطيع قبل أن يستيقظوا.
وما هو إلا وقت قصيرحتى بدأت الشمس تضيء أرجاء المكان. وبدأت تداعب جلدي بحرارتها التي لم أحس بها منذ وقت طويل.
تنازعت المشاعر في قلبي فما عدت أعرف هل أنا خائف؟ أو هل أنا سعيد؟ أو هل أنا حائر؟
صاحت بي جمان:"إلى أين نحن ذاهبون؟"
قلت لها: "لا أعلم. ولكن أرجو أن يساعدنا الله حتى ننجو"
قالت: "أنت لست لصا مثلهم أليس كذلك؟"
قلت: "نعم أنا لست لصا"
همت على وجهي في شوارع المدينة والتي لم أكن على أي دراية بها. يا ترى إلى أين أذهب؟ هل سنبقى هكذا حتى يجدنا اللصوص!
قالت جمان: "أناجائعة"
قلت: "ليس معي طعام و لا نقود أيضا"
قالت: "لماذا لانذهب إلى الشرطة حتى تساعدنا"
فسألتها: "هل تعرفين مكان الشرطة؟"
قالت: "لا"
قلت: "ولا أنا"
قالت: "اسأل أي شخص في الشارع عن مكان الشرطة"
قلت: "ولكني لم أتحدث إلى أي أحد غير اللصوص منذ مدة طويلة حتى أني أشعر بالخوف من التحدث إلى أي شخص"
نظرت إليّ بحزم وقالت:"أنت رجل يجب أن لا تخاف"
استجمعت شجاعتي المندثرة منذ قرون. فلقد شعرت بالخجل من كلماتها. ثم اقتربت من أحدهم والذي كان يمشي على الرصيف. أخبرته بأني أريد مركز الشرطة. وبالفعل ساعدنا حتى نصل هناك. أخبرت الشرطة بكل القصة. اتصلت الشرطة بوالد جمان ليأخذها. وأرسلت الشرطة فرقة منها للقبض على اللصوص.
بينما بقي مصيري في علم الغيب. لا أعلم ماذا سيحل بي الآن.
إقتربت من الباب حتى ألقي نظرة عن كثب. فإذا بي أرى مفاتيح الباب بالفعل معلقة في القفل. لابد أن أحد اللصوص نسي أن يأخذ المفاتيح بعد أن أقفل الباب. إنها المرة الأولى التي يحدث فيهاشيء كهذا.
عدت إلى غرفتي ناديت بصوت خافت: "جمان هل نمت؟"
قالت: "لا. ليس بعد. لا أستطيع النوم. أنا خائفة"
قلت: "جمان هل أنت متأكدة بأن الله موجود وأنه يستطيع أن يساعدنا"
قالت: "بالطبع ماما وبابا يقولون هذا. أنا متأكدة"
ترددت لوهلة في تصديقها ولكني قلت في نفسي: "لن أعرف إذا ما كانت جمان تقول الحقيقة أو لا إلا إذا خرجت من هذا السجن"
ثم قلت لها آمرا:"حسنا اسمعي تعالي معي في هدوء شديد إياك أن تصدري أي صوت. إذا أصدرت صوتا فسوف نموت نحن الاثنين"
أمسكت بيدها ثم تسللنا إلى خارج البيت.
توقفت للحظة أنظرفيها إلى كل ما حولي مذهولا. فلقد أصبحت خارج جدران ذلك السجن. بدى كل شيء لي غريبا. وكأن قدماي تطأ كوكبا آخرا لا أعرفه.
ثم تذكرت اللصوص. فسحبت جمان وانطلقت مسرعا. لا أعلم إلى أين. ولكني أردت أن أبتعد عن اللصوص قدر ما أستطيع قبل أن يستيقظوا.
وما هو إلا وقت قصيرحتى بدأت الشمس تضيء أرجاء المكان. وبدأت تداعب جلدي بحرارتها التي لم أحس بها منذ وقت طويل.
تنازعت المشاعر في قلبي فما عدت أعرف هل أنا خائف؟ أو هل أنا سعيد؟ أو هل أنا حائر؟
صاحت بي جمان:"إلى أين نحن ذاهبون؟"
قلت لها: "لا أعلم. ولكن أرجو أن يساعدنا الله حتى ننجو"
قالت: "أنت لست لصا مثلهم أليس كذلك؟"
قلت: "نعم أنا لست لصا"
همت على وجهي في شوارع المدينة والتي لم أكن على أي دراية بها. يا ترى إلى أين أذهب؟ هل سنبقى هكذا حتى يجدنا اللصوص!
قالت جمان: "أناجائعة"
قلت: "ليس معي طعام و لا نقود أيضا"
قالت: "لماذا لانذهب إلى الشرطة حتى تساعدنا"
فسألتها: "هل تعرفين مكان الشرطة؟"
قالت: "لا"
قلت: "ولا أنا"
قالت: "اسأل أي شخص في الشارع عن مكان الشرطة"
قلت: "ولكني لم أتحدث إلى أي أحد غير اللصوص منذ مدة طويلة حتى أني أشعر بالخوف من التحدث إلى أي شخص"
نظرت إليّ بحزم وقالت:"أنت رجل يجب أن لا تخاف"
استجمعت شجاعتي المندثرة منذ قرون. فلقد شعرت بالخجل من كلماتها. ثم اقتربت من أحدهم والذي كان يمشي على الرصيف. أخبرته بأني أريد مركز الشرطة. وبالفعل ساعدنا حتى نصل هناك. أخبرت الشرطة بكل القصة. اتصلت الشرطة بوالد جمان ليأخذها. وأرسلت الشرطة فرقة منها للقبض على اللصوص.
بينما بقي مصيري في علم الغيب. لا أعلم ماذا سيحل بي الآن.
الفصل الرابع
وُضِعت في زنزانة لبضعة أيام حتى انتهت إجراءات الشرطة ثم أُطلق سراحي. و قبل أن أخرج تبرع لي أحد ضباط الشرطة بمبلغ بسيط ليساعدني به بعد أن تأثر بقصتي.
شكرته ثم خرجت أتجول في الشوارع أتلفت يمنة ويسرة.أسير على غير هدى. هاأنذا ازددت ضياعا فوق ضياع. فليس لي الآن مأوى يظلني سقفه. شعرت بالأسى على نفسي حتى أني لم أتمكن من حبس دموعي.فما أسوأ أن تكون وحيدا في هذه الدنيا. وكأنك تائه في صحراء موحشة تستجدي لمسة حانية من أحدهم يأخذ بها يديك إلى طريق النجاة.
مشيت ومشيت حتى آلمتني قدماي. تعبت فجلست على الرصيف. نظرت إلى الشمس وهمست بداخلي: "قد اقتربت الشمس على المغيب"
ثم عاود ذات السؤال يصيح في ذهني والذي ماانفك عني منذ أن خرجت من مركز الشرطة حتى كاد أن يفقدني صوابي.
"إلى أين أذهب الآن؟"
وبينما أن جالس مهموما. سمعت صوتا ينادي:
"رائد. هل أنت رائد؟"
فزعت والتفت إلى مصدرالصوت فإذا به والد جمان.
وقفت و قلت: "نعم أنا رائد"
قال: "السلام عليكم ورحمة الله"
وهنا سكت حيث لم أسمع اللصوص قط يقولون هذه الجملة واكتفيت بنظرة تعجب أعتقد بأني بدوت فيها أبلها.
أكمل أبو جمان حديثه:"أنا أبو جمان هل عرفتني؟"
قلت: "نعم لقد عرفتك"
قال: "كيف حالك؟"
قلت: "في أسوئ حال"
سأل متعجبا: "لماذا؟"
فأجبت: "لقد خرجت اليوم من السجن ولا أعرف إلى أين أذهب فليس لدي بيت يؤويني"
قال: "لقد كنت أفكر بطريقة أتمكن فيها من شكرك على إنقاذ حياة ابنتي. فقررت أن أهديك مبلغا ماديا تعبيرا عن شكري وامتناني لما صنعت"
نظرت إليه وقلت:" وماذا بعد أن ينتهي المبلغ؟ يا سيدي أنا الآن بدون عائلة أو بيت أو عمل. تائه لا أعلم وجهتي. فأنا لم أخرج إلى الشارع منذ أن كنت طفلا حيث بقيت حبيسا في بيت اللصوص. أنا لا أعرف أي شيء عن هذا العالم"
استفسر أبو جمان: "هل أفهم من كلامك بأنك تفضل أن أجد لك وظيفة و مسكنا عوضا عن المبلغ"
قلت: "نعم"
قال: "حسنٌ مارأيك بأن تعمل لدي كسائق فأنا أحتاج إلى واحد وسوف أوفر لك السكن حيث يوجد لدي غرفة للسائق في حديقة منزلي"
وهنا شعرت بأني كعصفور أرفرف عاليا بسرعة مقاربة لسرعة الصواريخ من شدة سعادتي.
أجبت بسرعة:"بالطبع وسوف أكون لك شاكرا"
ثم ما أن لبثت أن تراجعت عن كلامي وقد علتني خيبة الأمل: "ولكني لا أعرف القيادة"
قال مبتسما: "لابأس سوف تتعلم وسوف أساعدك إن شاء الله. كما أنني أحتاجك في تنظيف الحديقة وليس فقط قيادة السيارة ما رأيك؟"
بادلته الابتسامة وقلت: "رائع جدا شكرا لك"
انطلقت معه وركبنا سيارة بيضاء فاخرة. توقفنا عند أحد المتاجر. نزلنا واشترى أبو جمان قنينة ماء كبيرة وبعض الأطعمة ثم قال: "هي لك"
ثم توجهنا إلى منزله. لقد كان منزلا جميلا حقا.أخذت أحدق بكل شيء في دهشة شديدة. يا له من عالم آخر مختلف عن العالم الذي كنت أعيش فيه. اصطحبني إلى غرفة لها باب واحد مطل على الشارع وأدخلني إليها ثم قال:"هذه هي غرفتك."
ثم أشار بيده إلى جهاز موضوع على طاولة صغيرة وقال: "هذا الهاتف فقط حتى نتصل بك من داخل البيت عندما نحتاجك. سوف يرن وأنت ترفع السماعة فقط لا يمكنك الاتصال بواسطته نحن من نطلبك هل هذا واضح؟"
أنا وقد ارتسمت على وجهي كل أنواع علامات الاستغراب: "واضح"
قال: "استرح الآن وفي الغد نتحدث إن شاء الله"
شكرته بحرارة. ثم خرج. أقفلت باب الغرفة. تفقدت كل شبر في غرفتي. بل حتى في حمامي. أكلت واستحممت.استلقيت على سريري. شعرت وكأني أنام فوق الغيوم في سكينة و طمأنينة.
حالما بحياتي الجديدة التي تنتظرني في الغد....
وُضِعت في زنزانة لبضعة أيام حتى انتهت إجراءات الشرطة ثم أُطلق سراحي. و قبل أن أخرج تبرع لي أحد ضباط الشرطة بمبلغ بسيط ليساعدني به بعد أن تأثر بقصتي.
شكرته ثم خرجت أتجول في الشوارع أتلفت يمنة ويسرة.أسير على غير هدى. هاأنذا ازددت ضياعا فوق ضياع. فليس لي الآن مأوى يظلني سقفه. شعرت بالأسى على نفسي حتى أني لم أتمكن من حبس دموعي.فما أسوأ أن تكون وحيدا في هذه الدنيا. وكأنك تائه في صحراء موحشة تستجدي لمسة حانية من أحدهم يأخذ بها يديك إلى طريق النجاة.
مشيت ومشيت حتى آلمتني قدماي. تعبت فجلست على الرصيف. نظرت إلى الشمس وهمست بداخلي: "قد اقتربت الشمس على المغيب"
ثم عاود ذات السؤال يصيح في ذهني والذي ماانفك عني منذ أن خرجت من مركز الشرطة حتى كاد أن يفقدني صوابي.
"إلى أين أذهب الآن؟"
وبينما أن جالس مهموما. سمعت صوتا ينادي:
"رائد. هل أنت رائد؟"
فزعت والتفت إلى مصدرالصوت فإذا به والد جمان.
وقفت و قلت: "نعم أنا رائد"
قال: "السلام عليكم ورحمة الله"
وهنا سكت حيث لم أسمع اللصوص قط يقولون هذه الجملة واكتفيت بنظرة تعجب أعتقد بأني بدوت فيها أبلها.
أكمل أبو جمان حديثه:"أنا أبو جمان هل عرفتني؟"
قلت: "نعم لقد عرفتك"
قال: "كيف حالك؟"
قلت: "في أسوئ حال"
سأل متعجبا: "لماذا؟"
فأجبت: "لقد خرجت اليوم من السجن ولا أعرف إلى أين أذهب فليس لدي بيت يؤويني"
قال: "لقد كنت أفكر بطريقة أتمكن فيها من شكرك على إنقاذ حياة ابنتي. فقررت أن أهديك مبلغا ماديا تعبيرا عن شكري وامتناني لما صنعت"
نظرت إليه وقلت:" وماذا بعد أن ينتهي المبلغ؟ يا سيدي أنا الآن بدون عائلة أو بيت أو عمل. تائه لا أعلم وجهتي. فأنا لم أخرج إلى الشارع منذ أن كنت طفلا حيث بقيت حبيسا في بيت اللصوص. أنا لا أعرف أي شيء عن هذا العالم"
استفسر أبو جمان: "هل أفهم من كلامك بأنك تفضل أن أجد لك وظيفة و مسكنا عوضا عن المبلغ"
قلت: "نعم"
قال: "حسنٌ مارأيك بأن تعمل لدي كسائق فأنا أحتاج إلى واحد وسوف أوفر لك السكن حيث يوجد لدي غرفة للسائق في حديقة منزلي"
وهنا شعرت بأني كعصفور أرفرف عاليا بسرعة مقاربة لسرعة الصواريخ من شدة سعادتي.
أجبت بسرعة:"بالطبع وسوف أكون لك شاكرا"
ثم ما أن لبثت أن تراجعت عن كلامي وقد علتني خيبة الأمل: "ولكني لا أعرف القيادة"
قال مبتسما: "لابأس سوف تتعلم وسوف أساعدك إن شاء الله. كما أنني أحتاجك في تنظيف الحديقة وليس فقط قيادة السيارة ما رأيك؟"
بادلته الابتسامة وقلت: "رائع جدا شكرا لك"
انطلقت معه وركبنا سيارة بيضاء فاخرة. توقفنا عند أحد المتاجر. نزلنا واشترى أبو جمان قنينة ماء كبيرة وبعض الأطعمة ثم قال: "هي لك"
ثم توجهنا إلى منزله. لقد كان منزلا جميلا حقا.أخذت أحدق بكل شيء في دهشة شديدة. يا له من عالم آخر مختلف عن العالم الذي كنت أعيش فيه. اصطحبني إلى غرفة لها باب واحد مطل على الشارع وأدخلني إليها ثم قال:"هذه هي غرفتك."
ثم أشار بيده إلى جهاز موضوع على طاولة صغيرة وقال: "هذا الهاتف فقط حتى نتصل بك من داخل البيت عندما نحتاجك. سوف يرن وأنت ترفع السماعة فقط لا يمكنك الاتصال بواسطته نحن من نطلبك هل هذا واضح؟"
أنا وقد ارتسمت على وجهي كل أنواع علامات الاستغراب: "واضح"
قال: "استرح الآن وفي الغد نتحدث إن شاء الله"
شكرته بحرارة. ثم خرج. أقفلت باب الغرفة. تفقدت كل شبر في غرفتي. بل حتى في حمامي. أكلت واستحممت.استلقيت على سريري. شعرت وكأني أنام فوق الغيوم في سكينة و طمأنينة.
حالما بحياتي الجديدة التي تنتظرني في الغد....
الفصل الخامس
في اليوم التالي دارحوارٌ طويل بيني وبين والد جمان سألني فيه العديد ممن الأسئلة عرف من خلالها بتخبطي وبأنه لا دين لي مطلقا من أي نوع كان.
أخبرته بما قالته لي جمان عن الله وبأنه يرانا ويساعدنا وكيف أنني وجدت المفتاح على القفل بعد ذلك وبأني شككت في صحة كلامها ولا يزال الشك يدور في ذهني فقد تكون مجرد مصادفة ليس إلا ثم سألته: "إذا كان الله موجود بالفعل فلماذا لم يساعد جمان منذ البداية ويمنع اللصوص من خطفها؟"
فأجاب: "لو أنه فعل لما رأيت أنت جمان ولا ما سمعت عن الله مطلقا أليس كذلك؟"
فكرت قليلا ثم قلت:"قد تكون محقا"
ثم استكمل حديثه:"اسمع يا بني كل شيء يحصل في هذا الوجود إنما يحصل لحكمة أرادها الله سبحانه. قد لا نعلمها في كثير من الأحيان ولكن يجب علينا أن نثق بحكمة الله حتى لو كانت في أمر يؤلمنا. ولتعلم أن هناك حكمة مشتَركة بين جميع أنواع المصائب في هذه الحياة ألا وهي تذكيرنا بالآخرة. فلو خلت الدنيا من الآلام لركن إليها الإنسان ولسكن إليها و لنسي الاستعداد لما بعد الممات. ولكن الله سبحانه جعل هذا الألم ليفيقنا ويذكرنا بأن السعادة الأبدية الحقيقية هي في الآخرة وبأن هذه الدنيا مجرد امتحان علينا ألا ننخدع بها. وإنما جُعلت ليرى الله سبحانه من هو أفضلنا وأحسننا عملا ليجعل له جنة عرضها السماوات والأرض خالدا فيها مقابل عمله لعدد من السنوات القصار"
أخذت أسأل وأسأل عن الآخرة وعن الحساب وعن الدنيا وعن العمل
أسأل فيجيب أبو جمان
ثم اختتمت أسئلتي بهذا السؤال: "ولكن ماذا لو كانت الجنة مجرد وهم لا حقيقة له"
ابتسم وقال: "يابني جميعنا مسلمنا وكافرنا سنعيش لفترة محدودة على هذه الأرض سنسعد فيها لبعض الوقت ونحزن ونتألم في أوقات أخرى ثم تنتهي حياتنا لنوضع تحت التراب لا فرق هنا بين مسلم وكافر فسواء آمنت أو كفرت فلن تحصل على سعادة لا يشوبها شائبة. ولكن الفرق الكبير بينهما في الدنيا أن الكافر ينظر إلى جميع الآلام بأنها ليست عدلا ولهذا يظل في حيرة من أمره ويزيد ألمه ألم فوق ألم. أما المؤمن يعلم بأن الله عادل وبأنه سيترك الظالم لفترة وجيزة في هذه الحياة ثم سوف يعاقبه على كل أفعاله وسوف يكافئ الصابرين على صبرهم وهذا سوف يجعل نفسه مطمئنة ساكنة. ثم يأتي فرق أعظم منه في الآخرة عندما يدخل المؤمنون الجنة. ولتعلم بأن كفرك لن يمنحك سعادة صافية كما أن الإيمان لن يجعل منك شخصا تعيسا في الدنيا. كلا الفريقين سيعيش حياة عادية سواء كانت الجنة وهم كما تقول أو ليست وهما. ولكن السؤال ماذا لو كانت ليست وهما وكانت حقيقة? هنا سيفوز من آمن ويخسر من كفر خسرانا مبينا. أنظر إلى الكون حولك يا بني هل يعقل أن يوجد كل هذا الإبداع من غير موجد. أنظر إلى روحك داخل جسدك والتي ما إن تخرج حتى تصبح جثة هامدة تتحلل وتصبح رفاتا من أين أتت هذه الروح العجيبة. تأمل ولا تستعجل الإجابة"
همست في داخلي:"كلامه مقنع جدا" ولأول مرة شعرت بهدوء نفسي غريب وكأن نارا قد خمدت في أركاني.
نظرت إليه تأملت وجهه لبرهة. حب وقع في قلبي نحو ذلك الرجل وكأن الله أبدلني به عن حنان أب فارقني منذ كنت في الرابعة.
قطع تأملي قوله: "والآن يجب علي أن أغادر حتى ألحق على صلاة الجمعة. نكمل حديثنا لاحقا إن شاء الله إن أحببت ذلك"
أجبت: "نعم بالتأكيد"
أخرج بعض النقود من جيبه وناولني إياها وقال: "ستبدأ العمل منذ الغد إن شاء الله. سأفتح لك باب البيت في الصباح. لتبدأ بتنظيف الحديقة وسأخبرك بكل ما عليك عمله. اتفقنا؟"
أنا بحماس شديد: "بالطبع أنا حاضر"
نشوة الإثارة تعالت داخلي حتى وصلت القمة. لا أعلم لماذا كان عندي فضول شديد لرؤية البيت من الداخل.
في اليوم التالي دارحوارٌ طويل بيني وبين والد جمان سألني فيه العديد ممن الأسئلة عرف من خلالها بتخبطي وبأنه لا دين لي مطلقا من أي نوع كان.
أخبرته بما قالته لي جمان عن الله وبأنه يرانا ويساعدنا وكيف أنني وجدت المفتاح على القفل بعد ذلك وبأني شككت في صحة كلامها ولا يزال الشك يدور في ذهني فقد تكون مجرد مصادفة ليس إلا ثم سألته: "إذا كان الله موجود بالفعل فلماذا لم يساعد جمان منذ البداية ويمنع اللصوص من خطفها؟"
فأجاب: "لو أنه فعل لما رأيت أنت جمان ولا ما سمعت عن الله مطلقا أليس كذلك؟"
فكرت قليلا ثم قلت:"قد تكون محقا"
ثم استكمل حديثه:"اسمع يا بني كل شيء يحصل في هذا الوجود إنما يحصل لحكمة أرادها الله سبحانه. قد لا نعلمها في كثير من الأحيان ولكن يجب علينا أن نثق بحكمة الله حتى لو كانت في أمر يؤلمنا. ولتعلم أن هناك حكمة مشتَركة بين جميع أنواع المصائب في هذه الحياة ألا وهي تذكيرنا بالآخرة. فلو خلت الدنيا من الآلام لركن إليها الإنسان ولسكن إليها و لنسي الاستعداد لما بعد الممات. ولكن الله سبحانه جعل هذا الألم ليفيقنا ويذكرنا بأن السعادة الأبدية الحقيقية هي في الآخرة وبأن هذه الدنيا مجرد امتحان علينا ألا ننخدع بها. وإنما جُعلت ليرى الله سبحانه من هو أفضلنا وأحسننا عملا ليجعل له جنة عرضها السماوات والأرض خالدا فيها مقابل عمله لعدد من السنوات القصار"
أخذت أسأل وأسأل عن الآخرة وعن الحساب وعن الدنيا وعن العمل
أسأل فيجيب أبو جمان
ثم اختتمت أسئلتي بهذا السؤال: "ولكن ماذا لو كانت الجنة مجرد وهم لا حقيقة له"
ابتسم وقال: "يابني جميعنا مسلمنا وكافرنا سنعيش لفترة محدودة على هذه الأرض سنسعد فيها لبعض الوقت ونحزن ونتألم في أوقات أخرى ثم تنتهي حياتنا لنوضع تحت التراب لا فرق هنا بين مسلم وكافر فسواء آمنت أو كفرت فلن تحصل على سعادة لا يشوبها شائبة. ولكن الفرق الكبير بينهما في الدنيا أن الكافر ينظر إلى جميع الآلام بأنها ليست عدلا ولهذا يظل في حيرة من أمره ويزيد ألمه ألم فوق ألم. أما المؤمن يعلم بأن الله عادل وبأنه سيترك الظالم لفترة وجيزة في هذه الحياة ثم سوف يعاقبه على كل أفعاله وسوف يكافئ الصابرين على صبرهم وهذا سوف يجعل نفسه مطمئنة ساكنة. ثم يأتي فرق أعظم منه في الآخرة عندما يدخل المؤمنون الجنة. ولتعلم بأن كفرك لن يمنحك سعادة صافية كما أن الإيمان لن يجعل منك شخصا تعيسا في الدنيا. كلا الفريقين سيعيش حياة عادية سواء كانت الجنة وهم كما تقول أو ليست وهما. ولكن السؤال ماذا لو كانت ليست وهما وكانت حقيقة? هنا سيفوز من آمن ويخسر من كفر خسرانا مبينا. أنظر إلى الكون حولك يا بني هل يعقل أن يوجد كل هذا الإبداع من غير موجد. أنظر إلى روحك داخل جسدك والتي ما إن تخرج حتى تصبح جثة هامدة تتحلل وتصبح رفاتا من أين أتت هذه الروح العجيبة. تأمل ولا تستعجل الإجابة"
همست في داخلي:"كلامه مقنع جدا" ولأول مرة شعرت بهدوء نفسي غريب وكأن نارا قد خمدت في أركاني.
نظرت إليه تأملت وجهه لبرهة. حب وقع في قلبي نحو ذلك الرجل وكأن الله أبدلني به عن حنان أب فارقني منذ كنت في الرابعة.
قطع تأملي قوله: "والآن يجب علي أن أغادر حتى ألحق على صلاة الجمعة. نكمل حديثنا لاحقا إن شاء الله إن أحببت ذلك"
أجبت: "نعم بالتأكيد"
أخرج بعض النقود من جيبه وناولني إياها وقال: "ستبدأ العمل منذ الغد إن شاء الله. سأفتح لك باب البيت في الصباح. لتبدأ بتنظيف الحديقة وسأخبرك بكل ما عليك عمله. اتفقنا؟"
أنا بحماس شديد: "بالطبع أنا حاضر"
نشوة الإثارة تعالت داخلي حتى وصلت القمة. لا أعلم لماذا كان عندي فضول شديد لرؤية البيت من الداخل.
الفصل السادس
وفي صباح اليوم التالي دخلت برفقة أبو جمان للبيت. همست في داخلي: "يا لها من حديقة خلابة.كم هي رائعة. حقا هذا الرجل لابد وأن يكون ثريا جدا حتى يمتلك منزلا بهذه الفخامة"
شرح لي أبو جمان المطلوب مني القيام به. وباشرت العمل على الفور. جمال الأزهار والأشجار زادني نشاطا. ولكن هناك أمرا غريبا لفت إنتباهي في الحديقة.
وهو أن أغلب جدران البيت من الداخل مرسومة وليست مصبوغة وحسب. بل قد كانت رسومات بديعة حقا تنم عن ريشة فنان محترف. كما أني وجدت في داخل الحديقة بناء صغير منعزل عن البيت. وقد كانت جدرانه من الخارج مرسومة أيضا.
بعد أن أنهيت تنظيف الحديقة أخذني أبو جمان إلى ذلك البناء الصغير المنعزل. فتح الباب ودخلنا ويا لدهشتي عندما وجدته مملوءً _وأعني كلمة مملوءً_ باللوحات وبه خزانة كبيرة قد ملئت بالألوان وأدوات الرسم. تساءلت مع نفسي: "ما قصة الرسم في هذا البيت؟"
قال أبو جمان ناظرا إلى اللوحات: "أريدك أن تنظف هذا المرسم كل يوم مع الحديقة"
رددت بإستغراب:"مرسم! هل أنت صاحب المرسم يا أبى جمان"
نظر إلي و قد لمحت الحزن في عينيه: "لا لست أنا صاحب المرسم إنه لشخص غاب عنا بجسده ولكنه حاضرمعنا في قلوبنا"
قلت: "وهل هو من رسم جدران البيت في الحديقة؟"
قال بصوت إزداد حزنا:"نعم.... والآن علي أن أذهب. أكمل العمل يا رائد"
لم تخني عيناي فقد رأيت بالفعل دموعا ترقرقت في عيني أبي جمان وهو يغادر عرفت بأن هناك جرحٌ ينزف خلف تلك الرسومات. فأخذت على نفسي عهدا أن لا أسأله عنها ثانية فكم هي صعبة دموع الرجال.
ومضت ستة أشهر كانت من أجمل شهور حياتي. فلقد تغيرت جذريا.
وكان لأبي جمان بعد الله سبحانه عليّ فضل عظيم.
ساعدني في إستخراج بعض الأوراق الرسمية التي تثبت شخصيتي وألحقني بمدرسة لتعليم الكبار حتى أتعلم القراءة والكتابة. تعلمت القيادة وحصلت على رخصة. أعطاني الكثير من أشرطة المحاضرات والدورات بل كنا نذهب إليها سويا في بعض الأحيان.
أصبحت مسلما...
وجدت للحياة طعما آخر. طعما لم أذقه قط.
أصبحت لدي رؤية و هدف ووجهة. باتت لدي أحلام أسعد ببنائها.
عندي الآن قوة عظيمة أستند إليها وهي قوة إلهي بعد أن كنت وحيدا ضعيفا.
وجدت آمالاً تنير لي دروب الفلاح والجنان بعد أن كان ظلام اليأس ووحشة الموت تخيفني في كل حين. فما عدت أرى الموت نهاية الحياة بل هو بداية الحياة الحقيقية. بعده نحصد ما زرعناه. بعده نلقى من أحببناه. لا خوف يؤرقنا ولا حزن يكدرنا.
فيا لي سعادتي وهنائي أن اهتديت إلى الطريق.
كنت كل يوم أنظف الحديقة وأتأمل جمالها وجمال الرسومات على الجدران. يا ترى أي فنان هذا من رسم كل هذا الإبداع. وما الذي حصل له حتى جعل من رسوماته ذكرى أليمة؟
ثم إذا بي أرى أبوجمان و كأن وجهه القمر في ضيائه من شدة سعادته. اقترب مني وقال بصوت مبتهج: "اسمع يا رائد نظف الحديقة والمرسم جيدا فسوف نقيم حفلة كبيرة في الغد هل هذا واضح"
أنا: "نعم واضح"
وما أن هممت أن أسأله عن سبب الحفل حتى قال:"أنا مشغول جدا علي أن أذهب" فسكت وقلت في نفسي:"أسأله في وقت آخر".
وفي صباح اليوم التالي دخلت برفقة أبو جمان للبيت. همست في داخلي: "يا لها من حديقة خلابة.كم هي رائعة. حقا هذا الرجل لابد وأن يكون ثريا جدا حتى يمتلك منزلا بهذه الفخامة"
شرح لي أبو جمان المطلوب مني القيام به. وباشرت العمل على الفور. جمال الأزهار والأشجار زادني نشاطا. ولكن هناك أمرا غريبا لفت إنتباهي في الحديقة.
وهو أن أغلب جدران البيت من الداخل مرسومة وليست مصبوغة وحسب. بل قد كانت رسومات بديعة حقا تنم عن ريشة فنان محترف. كما أني وجدت في داخل الحديقة بناء صغير منعزل عن البيت. وقد كانت جدرانه من الخارج مرسومة أيضا.
بعد أن أنهيت تنظيف الحديقة أخذني أبو جمان إلى ذلك البناء الصغير المنعزل. فتح الباب ودخلنا ويا لدهشتي عندما وجدته مملوءً _وأعني كلمة مملوءً_ باللوحات وبه خزانة كبيرة قد ملئت بالألوان وأدوات الرسم. تساءلت مع نفسي: "ما قصة الرسم في هذا البيت؟"
قال أبو جمان ناظرا إلى اللوحات: "أريدك أن تنظف هذا المرسم كل يوم مع الحديقة"
رددت بإستغراب:"مرسم! هل أنت صاحب المرسم يا أبى جمان"
نظر إلي و قد لمحت الحزن في عينيه: "لا لست أنا صاحب المرسم إنه لشخص غاب عنا بجسده ولكنه حاضرمعنا في قلوبنا"
قلت: "وهل هو من رسم جدران البيت في الحديقة؟"
قال بصوت إزداد حزنا:"نعم.... والآن علي أن أذهب. أكمل العمل يا رائد"
لم تخني عيناي فقد رأيت بالفعل دموعا ترقرقت في عيني أبي جمان وهو يغادر عرفت بأن هناك جرحٌ ينزف خلف تلك الرسومات. فأخذت على نفسي عهدا أن لا أسأله عنها ثانية فكم هي صعبة دموع الرجال.
ومضت ستة أشهر كانت من أجمل شهور حياتي. فلقد تغيرت جذريا.
وكان لأبي جمان بعد الله سبحانه عليّ فضل عظيم.
ساعدني في إستخراج بعض الأوراق الرسمية التي تثبت شخصيتي وألحقني بمدرسة لتعليم الكبار حتى أتعلم القراءة والكتابة. تعلمت القيادة وحصلت على رخصة. أعطاني الكثير من أشرطة المحاضرات والدورات بل كنا نذهب إليها سويا في بعض الأحيان.
أصبحت مسلما...
وجدت للحياة طعما آخر. طعما لم أذقه قط.
أصبحت لدي رؤية و هدف ووجهة. باتت لدي أحلام أسعد ببنائها.
عندي الآن قوة عظيمة أستند إليها وهي قوة إلهي بعد أن كنت وحيدا ضعيفا.
وجدت آمالاً تنير لي دروب الفلاح والجنان بعد أن كان ظلام اليأس ووحشة الموت تخيفني في كل حين. فما عدت أرى الموت نهاية الحياة بل هو بداية الحياة الحقيقية. بعده نحصد ما زرعناه. بعده نلقى من أحببناه. لا خوف يؤرقنا ولا حزن يكدرنا.
فيا لي سعادتي وهنائي أن اهتديت إلى الطريق.
كنت كل يوم أنظف الحديقة وأتأمل جمالها وجمال الرسومات على الجدران. يا ترى أي فنان هذا من رسم كل هذا الإبداع. وما الذي حصل له حتى جعل من رسوماته ذكرى أليمة؟
ثم إذا بي أرى أبوجمان و كأن وجهه القمر في ضيائه من شدة سعادته. اقترب مني وقال بصوت مبتهج: "اسمع يا رائد نظف الحديقة والمرسم جيدا فسوف نقيم حفلة كبيرة في الغد هل هذا واضح"
أنا: "نعم واضح"
وما أن هممت أن أسأله عن سبب الحفل حتى قال:"أنا مشغول جدا علي أن أذهب" فسكت وقلت في نفسي:"أسأله في وقت آخر".
الصفحة الأخيرة
دخلت الغرفة لأجدها جالسة على السرير. وما أن أحست بوجودي حتى ركضت إلى إحدى زوايا الحجرة وجلست هناك وكل علامات الذعر في هذا الكون قد ارتسمت على وجهها البريء.
اقتربت منها فازدادت ذعرا فوق ذعر. قلت لها بصوت خافت: "لا تخافي يا صغيرتي لن أؤذيك"
تدافعت دموعها على وجنتيها ثم قالت وهي ترتجف: "أريد ماما وبابا. أرجوك يا عمي"
احتضنتها بين ذراعي.آملا أن يهدئ هذا من روعها. شعرت بدقات قلبها المتسارعة وكأنها هي الأخرى تتوسلني.
نظرت إليها مشفقا:"ما هو اسمك؟"
ردت: "اسمي جمان"
فقلت محاولا ملاطفتها:"جمان! اسم جميل! وكم هو عمرك يا جمان؟"
فأجابت: "ست سنوات"
قلت لها: "اسمعي يا جمان. أنا لا أستطيع أن آخذك إلى ماما وبابا الآن. أنا آسف. وأعلمي بأنه لافائدة من البكاء فهيا لنذهب للنوم. أنا متعب"
مسحت دموعها بيديّ وحملتها بين ذراعيّ. وضعتها على السرير. ثم قلت: " هيا لننام"
قالت: "حسنا"
ثم رفعت جمان كفيها وقالت: " أرجوك يا لله أريد أن أعود إلى ماما وبابا. أرجوك ساعدني" ثم وضعت رأسها الصغير على المخدة.
قلت لها متعجبا: "مع من تتحدثين!"
قالت: "مع الله.أنا أطلب منه أن يعيدني لماما وبابا"
سألتها في استغراب: "ومن هو الله؟ أين هو؟ أنا لا أراه"
فأجابت: "الله هوالذي خلقنا ونحن لا نستطيع أن نرى الله هو الذي يرانا فقط إنه فوقنا"
سألتها مرة أخرى:"وهل هو يسمعك الآن؟ وهل يستطيع أن يساعدك؟"
قالت: "نعم ماما تقول بأنه يرانا ويسمعنا دائما. وإذا إحتجنا المساعدة فيجب علينا أن نطلب منه وهوسيرسل شخص ما ليساعدنا"
قلت لنفسي:"إنها طفلة صغيرة وخيالها واسع جدا ما هذا الكلام؟ "
تنهدت ثم قلت لها:"حسنا يا صغيرتي هيا للنوم"
ثم وضعت رأسي على المخدة لأنام ولكني شعرت بالعطش فجأة. فذهبت لأشرب وعند عودتي وقع بصري على باب البيت لأجد شيئا ما كان في الحسبان مطلقا.
شيئا جعلني أعيدالتفكير فيما قالته جمان لي. فهل يعقل بأن يكون كلامها صحيحا!