نحن في زمن كثرت فيه الفتن .... وتنوعت المحن ... فتنٌ تفتن الأبصار ... وأخرى تفتن الأسماع ... وثالثة تسهل الفاحشة والآثام ... ورابعة تدعو إلى المال الحرام ... حتى صار حالنا قريباً من ذلك الزمان... الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي والحاكم وغيرهما ((فإن وراءكم أيام الصبر..الصبر فيهن كقبض على الجمر..للعامل فيهن أجر خمسين منكم ... يعمل مثل عمله ... قالوا : يارسول الله ...أوَ منهم .. قال : بل منكم...)) حديث حسن.
وإنما يعظم الأجر للعامل الصالح في آخر الزمان ..لأنه لا يكاد يجد على الخير أعواناً... فهو غريب بين العصاة... نعم غريب بينهم... يأكلون الربا ولا يأكل ... ويسمعون الغناء ولا يسمع ... وينظرون الى المحرمات ولا ينظر... بل ويقعون في السحر... والشرك... وهو على التوحيد.
وعند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال ((بدأ الإسلام غريباً... وسيعود غريباً كمــــا بدأ .... فطـــــــــــــــــــــــوبى للــــــــــــــــــــــــــــــغرباء)) نعم طوبى للغرباء ... وعند البخاري قال صلى الله عليه وسلم ((لا يأتي عليكم زمان ٌ... الاّ الذي بعده شرٌ منه .... حتى تلقوا ربكم))
وأخرج البزار بسند حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال (( يقول الله عز وجل :{ وعزتي ... لا أجمع على عبدي خوفين ... ولا أجمع له أمنين ... إذا أمنني في الدنيا ... أخفته يوم القيامة ... وإذا خافني في الدنيا ... أمنته يوم القيامة}
نعم ... من كان خائفاً في الدنيا ... معظماً لجلال الله ... أمن يوم القيامة ... وفرح بلقاء الله ... وكان من أهل الجنة الذين قال الله عنهم {{ وأقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون قالوا إنا كنا قلب في أهلنا مشفقين فمنّ الله علينا ووقانا عذاب السموم إنّا كنّا من قبلُ ندعوه إنّه هو البرُّ الرّحيم }}.
أما من كان مقللاً على المعاصي ... همه شهوة بطنه وفرجه ... آمناً من عذاب ربه ... فهو في خوف وفزع في الآخرة ... قال الله تعالى {{ ترى الظّالمين مُشفقين مما كسبوا وهو واقعٌ بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفوز الكبير}}.
ومما يعين على الثبات في الدين ... أن يتصور العبد عاقبة صبره على الطاعات ... ومجانية المحرمات ... فكيف يبيع العاقل ما لا عين رأت ....؟ ولا أذنٌ سمعت ....؟ ولا خطر على قلب بشر ....؟ يعيش زائل كأنه أحلام ....!! كيف تباع جنة عرضها السماوات والأرض ؟ بسجنٍ ملئ بالبليات ....! ومساكن تجري من تحتها الأنهار ...؟ بأعطانٍ آخرها الخراب والبوار ...!!!
وكيف تباع أبكار كأنهن الياقوت والمرجان ... بقذراتٍ .. دنساتٍ .. مسافحات ...! وأنهارٍ من خمرٍ لذةٍ للشاربين ...؟ بشرابٍ مفسد للدنيا والدين ...! أم كيف تباع لذة النـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــظر الى وجهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه الكريــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــريم ...؟؟؟؟!!!! بالنظر الى وجهه فاجرة ... قبيح ... دميم ...!!! وسماع الخطاب من الرحمن ... ؟ بسماع المعازف وألحان الشيطان ... ! وكيف يباع الجلوس على منابر اللؤلؤ يوم المزيد ... ؟ بالجلوس مع كل شيطان مريد ... ! نـــــــــــــعـــــــــــــم .... كيف نرغب عنها ؟ وهي دار غرسها الرحمن بيده... وجعلها مقراً لأحبابه .... ووصف دخولها بالفوز العظيم .... وملكها بالملك الكبير ... وتربتها المسك والزعفران ... وسقفها عرش الرحمن ... وحصاؤها لؤلؤ وجوهر ... وبناؤها فضة وذهب ... وثمرها أحلى من العسل ... وورقها ألين من الحلل ... وأنهارها من لبن لم يتغير طعمه ... ومن خمر لذة للشاربين ... ومن عسل مصفى ... وطعامهم فاكهة مما يتخيرون ... ولحم طير مما يشتهون ... ولباس أهلها الحرير والذهب ... وفرشها بطائن في أعلى الرتب ... وخدمهم ولدان مخلدون ... كأنهم لؤلؤ مكنون ... ؟ فهم في روضاتهم يتقلبون ... وعلى أسرتها يتكئون ... ومن ثمارها يتفكهون ... !!!
فوا عجباً لها كيف نام طلابها ...؟! وكيف لم يتسابق إليها عشاقها ... وربهم يناديهم بقوله : {{ يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون* الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين * أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون * يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون * وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون * لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون}}.
فتوكل على الله إنك على الحق المبين ... ولا تفتر بكثرة المتساقطين .... ولا ندرة الثابتين .... ولا تستوحش من قلة السالكين.
المصدر/مجلة الســــــــــــــــــــمو الدعوية
العــــدد/الثـــــامن جمادى الآولى 1423 يوليو2002
