fraternity88 @fraternity88
عضوة فعالة
عقيدة النصارى
الفصل الثالث:عقيدة النصارى.
المسيح عليه السلام جاء بالديانة بيضاء نقية توحيدا خالصا، ومنهجا ربانيا واضحا، كما تقدم بيانه أول الكلام على النصرانية. إلا أن النصارى انحرفوا بهذه الديانة عن وجهها الصحيح، إلى وثنية خالصة، وعقائد منحرفة لم يعرفها المسيح عليه السلام ولا حواريوه.
وقد كان ابتداء تحريفها من دخول بولس (شاؤول اليهودي) وهذه الديانة المحرفة لم تقرر على ما هي عليه في الوقت الحاضر إلا بعد انصرام ما يقارب خمسة قرون من رفع المسيح عليه السلام، حيث أصبحت تقوم على ثلاثة أسس هي:
1- التثليث. 2- الصلب والفداء. 3- محاسبة المسيح للناس.
التثليث
تعريفه ومرادهم به:
مراد النصارى بالتثليث كما يُذكر في قاموس الكتاب المقدس هو: إله واحد الأب والابن والروح القدس إله واحد, جوهر واحد متساوين في القدرة والمجد.
فمن أقوالهم في بيان عقيدة التثليث: أن تعاليم الثالوث تتضمن أمور منها:
1- وحدانية الله.
2- لاهوت الأب والابن والروح القدس.
3- أن الأب والابن والروح القدس أقانيم يمتاز كل منهم عن الآخر منذ الأزل وإلى الأبد.
4- أنهم واحد في الجوهر متساون في القدرة والمجد.
-6أن بين أقانيم الثالوث تمييزا في الوظائف والعمل لأن الكتاب يعلم أن الاب والابن والروح القدس واحد في الجوهر متساوون في القدرة والمجد .
-أن بعض أعمال اللاهوت تنسب في الكتاب المقدس إلى الاب والابن والروح القدس مثل خلق العالم وحفظه .
- وبعض الأعمال تنسب على الخصوص الى الاب مثل الاختيار والدعوة
- وبعض الأعمال تنسب خصوصا الى الابن مثل الفداء
- وبعض الأعمال تنسب خصوصا الى الروح القدس مثل التجديد والتقديس.
يتضح من قولهم :
- إن وحدانية الله حقيقية وكذلك تثليثه فهو واحد حقيقي وهو في الوقت نفسه ثلاثة حقيقية حيث يتميز كل واحد منهم بمميزات ليست من مميزات الآخر
- و يتضح للناظر العاقل وجود ثلاثة أشخاص في عقيدة النصارى وضوحا بينا ، وذلك لأنهم نصوا على تميز كل واحد بمميزات خاصة .
أما الوحدانية فهي مجرد دعوى غير واضحة وهي الدعوى غير المعقولة في كلامهم لأنهم زعموا ان الثلاثة واحد ، وهذا مالا يعقل .
- إنهم يعبدون ثلاثة آلهة ويجعلونها ضمن مسمى واحد وهو ( الله ) وبناء عليه يعتقدون أنهم موحدون .
- لكن في الحقيقة هذا لا يخرجهم من أن يكونوا مشركين يعبدون آلهة مع الله وهذا مايحذره النصارى ويحاولون أن يدفعوه عن أنفسهم وقد نهاهم الله عزوجل عن هذا القول وبين ضلالهم بقوله تعالى :
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً ).
- وقولهم في التثليث جمع بين الضدين, لأن الوحدانية تنفي الشرك, والشرك ينفي الوحدانية,فلايمكن الجمع بين الوحدانية والشرك فهماضدان لا يجتمعان.
- والنصارى يعتقدون اجتماعهما مخالفين بذلك الحس والعقل والنقل . يحاولون تقريب العقيدة للناس بالامثلة : مرة يشبهونها بالانسان المكون من دم وروح وجسد
- ومرة يشبهونها بالشمس المكونة من جرم وأنها تنير الأرض وتدفئها “.وهكذا وهذه التشبيهات باطلة وغير مطابقة لدعوى النصارى.
استدلالات النصارى على التثليث
ليس للنصارى على التثليث ما يستحق أن يسمَّى دليلا؛ إذ إن ما ذكروه يدل على أنهم لفَّقوا كلاماً زعموا أنه دليلٌ، فمن ذلك قولهم:
1- إن الله عزَّ وجلَّ ورد اسمه بالعبرية (ألوهيم) الذي يدل على الجمع، وأنه استخدم صيغة الجمع في التحدث عن نفسهفي مثل ما ورد في سفر التكوين (1/26) "وقال الله: نعمل الإنسان".
2- ألفاظ الصورة الموضوعة للمعمودية، وهي "عمدوا باسم الآب والابن والروح القدوس" الواردة في إنجيل متى (28/19).
3- الأحوال التي واكبت تعميد المسيح حيث ورد في إنجيل متى (3/16) "فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء، وإذا السماوات قد انفتحت له، فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة، وآتياً عليه، وصوت من السماوات قائلاً: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت".
بهذه الأدلة التي هي أوهى من خيوط العنكبوت يزعم النصارى أن الله ثلاثة، وأن هؤلاء الثلاثة واحد، ويتركون جميع أسفار العهد القديم التي نصت على وحدانية الله، وانفراده جلَّ وعلا في وحدانية الذات، والصفات، والعبادة، وكذلك جميع النصوص الواردة في العهد الجديد التي تدل على ذلك أيضاً.
إبطال ونقض ما استدلوا به على التثليث
أما الدليل الأول:
فدعواهم أن (ألوهيم) تعني الجمع، فهذا باطل بنص التوراة التي نصت على أن الله واحد.
كما أن اليهود الذين وجِّه إليهم الخطاب بهذا لم يفهموا ذلك، ولم يعملوا به، بل يعتبرون أن ادعاء إله غير الإله الواحد الذي هو الله شرك أكبر، يستحق معتقده القتل.
كما أن كلمة (ألوهيم) كما يذكر الدارسون واردة في نص من النصوص التي تتكون منها التوراة الحالية، وأنه يقابلها في النص الآخر لنفس القصة لفظ (يهوه).
أما ما أوردوه من سفر التكوين وهو قول: "وقال الله: نعمل الإنسان". فلا يعني أكثر من أنها وردت على صيغة التعظيم.
ومن أولى بالتعظيم والتفخيم في الخطاب من الله عزَّ وجلَّ؟ كما أن مئات الأقوال واردة في العهد القديم على لفظ الإفراد، فكيف تترك تلك المئات، ويؤخذ بهذه اللفظة الواحدة وشبهها.
أما الدليل الثاني:
وهو لفظ المعمودية "عمدوا باسم الآب والابن والروح القدس" فهؤلاء ثلاثة وليسوا واحدا، ولا تعني أكثر من طلب الإيمان بهؤلاء الثلاثة الذين هم: الله جلَّ جلاله، ورسوله المسيح عليه السلام، والملك جبريل عليه السلام، كل على ما يليق به، إذا صدق راوي هذه العبارة،أما الدليل الثالث:
فعلى فرض صحة الرواية بذلك فهي تدل على ثلاثة وهم:
المسيح الذي اعتمد، والروح القدس الذي نزل على شكل حمامة، وقائل من السماء: "هذا ابني الحبيب". أين أن هؤلاء الثلاثة واحد، هذا ما لا يستطيع النصارى إثباته لا نقلا ولا عقلا.
أدلة إثبات الوحدانية وإبطال التثليث من العهد القديم والأناجيل:
التوحيد دين الرسل جميعاً ولم يخالف في ذلك إلا النصارى الذين ادعوا على المسيح عليه السلام أنه جاء بالتثليث، والتوحيد أوضح مطالب التوراة والكتب الملحقة بها؛ إذ يقوم الكتاب كله على التوحيد ومحاربة الشرك والوثنية بكل أشكالها.
ومن الأدلة على هذا ما ورد في سفر التثنية (4/35) "إنك قد أريت لتعلم أن الرب هو الإله ليس آخر سواه".
وكذلك ما ورد في سفر التثنيه (6/4) " اسمع ياإسرائيل الرب إلهنا رب واحد".
وفي إنجيل متى (4/7) "قال له يسوع: اذهب يا شيطان؛ لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد، وإياه وحده تعبد" ومثله ورد في إنجيل لوقا (4/8).
وفي إنجيل مرقس (12/28) أن أحد اليهود سأل المسيح " أية وصية هي أول الكل؟ فأجابه يسوع: إن أول كل الوصايا هي: اسمع ياإسرائيل الرب إلهنا رب واحد... فقال له الكاتب: جيدا يا معلم بالحق. قلت: لأنه الله واحد وليس آخر سواه". فهذه وصية المسيح وبيَّن أنها أول الوصايا وأعظمها، ولو كان يقول بالتثليث لوجب عليه أن ينص عليه في مثل هذا الموطن؛ إذ كيف يمكن أن يكون مبلغاً عن الله عزَّ وجلَّ، ولم يوضح أهم ما أمر به.
لقد أنطق الله هؤلاء الكتاب بالحق والصدق، وهو أن لا إله إلا الله وحده، وعيسى المسيح رسوله، فأين هذا الكلام النوراني الواضح من دعوى التثليث المظلمة التي افتراها ضلال النصارى، وغلوا في دينهم، وقالوا بها على الله غير الحق؟ قال الله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً}.
الأقنوم الأول: الأب
1- المراد به: يراد بالأب عندهم: الذات الإلهية مجردة عن الابن والروح القدس، وهو بمنزلة الأصل والمبدأ لوجود الابن. مع أن هذا لا يعني لديهم أن الأب سبق الابن في الوجود، بل الابن أزلي الوجود معه لم يسبق أحدهما الآخر. وليس له عمل عندهم إلا الاختيار والدعوة.
2- أدلتهم على أبوة الله للمسيح - تعالى الله عن قولهم-:
وردت كلمة الأب لدى النصارى في العهد الجديد في مواطن عديدة، وورد في بعضها نسبة أبوة الله للمسيح، منها ما ورد في إنجيل متى (10/32): " فكل من يعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضا به قدام أبي الذي في السماوات".
وأيضاً قوله عن وقت القيامة (24/36): " وأما ذلك اليـوم وتلك الساعـة فلا يعلم بها أحد من ملائكة السماوات إلا أبي وحده ".
ورد في إنجيل لوقا (2/49) من كلام المسيح لأمه وزوجها في زعمهم: " فقال لهما: لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي".
أولاً: أن النصارى اعتمدوا في إثبات هذا على ألفاظ وردت في الأناجيل الأربعة وغيرها من كتب العهد الجديد، وهذه الأناجيل كما سبق بيانه لا تصلح أن تكون مستنداً لهذا؛ لأنها كتب غير موثقة، ولم يستطع النصارى أن يثبتوا صحة نسبتها إلى الأشخاص الذين نسبت إليهـم، فضلاً عـن أن ينسبوهـا إلى المسيح عليه السلام أو إلى الله عزَّ وجلَّ. كما أن بينها اختلافات عديدة في هذه الألفاظ نفسها، فكلمة (أبي) وردت في "إنجيل متى" من كلام المسيح ما لا يقل عن اثنتي عشرة مرة، ولا تكاد تراها في "إنجيل مرقص"، أما "إنجيل لوقا" فذكرت في موضعين تقريباً، وأما "إنجيل يوحنا" فوردت فيه فيما يقارب ثمانية عشر موضعا، مما يدل على أن هذه الكلمة تتبع عقيدة خاصة وفهما خاصا لدى الكاتب، لا يرتبط فيه ولا يلتزم بعبارة المسيح وألفاظه، وإنما يكتبها ويعبر عنها الكاتب وفق عقيدته وتصوره.
ثانياً: أن النصارى لا يعتقدون أن الله أبٌ للمسيح أبوة حقيقية من ناحية أن الأب غير الابن، وأنه قبله في الوجود، بل يرون ويعتقدون أن الله تعالى أب للمسيح، وهو في نفس الوقت هو هو، ليس هو غيره.
ثالثاً: على فرض صحة الروايات الواردة لديهم في الأناجيل في كلمة "الأب" فيجب أن تفسَّر على معنى غير الأبوة الحقيقة لأمرين:
1- أنهم أوردوا على لسان المسيح كلاماً كثيراً لا يمكن أن يحمل على المعنى الظاهري، بل لابد من حمله على المجاز كقوله: "فقال لهم يسوع: أنا هو خبز الحياة".
فهذا كلام لا يؤخذ على ظاهره، فكذلك أبوة الله للمسيح. 2- أن نسبة الأبوة إلى الله ليست خاصة في المسيح لديهم، بل وردت في العهد القديم، وفي الأناجيل منسوبة إلى غير المسيح، ومن ذلك ما ورد في إنجيل متى (6/1) من كلام المسيح لتلاميذه: "احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم أمام الناس لكي ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات".
وفي إنجيل يوحنا (20/17) وهو من آخر كلام المسيح بعد القيامة المزعومة: " قال لها يسوع: لا تلمسيني؛ لأني لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى إخوتي، وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم".
فهذه النصوص على فرض صحتها فيها دلالة واضحة على نسبة أبوة الله تعالى للتلاميذ، والمراد بها في كلام النصارى في هذه المواضع أبوة النعمة.
وما سبق ذكره من النصوص التي ورد فيها أبوة الله للمسيح لا تختلف عن هذه النصوص، فالقول فيها مثل القول في هذه.
فمن هنا يتضح أنه ليس في هذا اللفظ ما يدل على معتقد النصارى في الله، وأنه أب للمسيح سوى من ناحية النعمة والإحسان
الأقنوم الثاني: الابن
المراد بالابن عندهم كلمة الله المتجسدة وهو المسيح عليه السلام، ويزعمون أن الابن مساو للأب في الوجود، وأن الأب خلق العالم بواسطة الابن، وأنه الذي نزل إلى الأرض بالصورة البشرية فداء للبشر، وهو الذي يتولَّى محاسبة الناس يوم القيامة. تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيراً.
أدلتهم على أن المسيح ابن الله، تعالى الله عن قولهم:
استدلَّ النصارى على أن المسيح ابن لله بما ورد في الأناجيل من النصوص التي تنسب المسيح ابنا لله، ومن تلك النصوص ما ورد في إنجيل متى (16/16) من قول بطرس لما سأله المسيح عن نفسه ماذا يقول الناس عنه قال: " أنت هو ابن الله الحي" .
وفي إنجيل يوحنا (11/4) ورد على لسان المسيح في زعمهم: "فلما سمع يسوع قال: هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله ليتمجد ابن الله".
فبمثل هذه الإطلاقات اعتقد النصارى أن المسيح ابن الله، بمعنى أنه خرج من الله عزَّ وجلَّ، وهو قول باطل وافتراء على الله عزَّ وجلَّ، تعالى الله عن قولهم.
الرد عليهم:
وللرد على النصارى يمكن القول بأن ما أوردوه من أدلة لا تصلح أن تكون مستنداً لإثبات عقيدة خطيرة كهذه؛ لما يلي:
أولاً: أن كتبهم التي يستندون إليها في هذا هي كتب غير موثقه، وغير سليمة من التحريف، وقد سبق بيان هذا.
ثانياً: أن البنوة التي يزعمها النصارى تختلف عن ظاهر لفظ "ابن الله" الوارد في الأناجيل، فالابن في الأصل جزء من الأب، ومتخلق من نطفته، ويكون الأب سابقا للابن في الوجود، والفضل له في وجوده، وما يعتقد النصارى في المسيح لا يتفق مع البنوة الحقيقية، وإنما يزعمون أن الابن هو الأب، وأنه مساوٍ له في الجوهر والوجود والمجد، وهي أمور لم ترد في الأناجيل، ولا يستطيع النصارى أن يقيموا عليها الدليل العقلي فضلاً عن الشرعي.
ثالثاً: أن هذا الوصف- وهو "ابن الله"- أطلق على غير المسيح في مواطن كثيرة من أناجيلهم، منها في إنجيل متى (5/9): "طوبى لصانعي السلام؛ لأنهم أبناء الله يدعون"، وفي (5/45) أن المسيح خاطب تلاميذه قائلاً: " وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات".
والنصارى لا يقولون: إن بني إسرائيل والحواريين أبناء الله حقيقة. وإنما يقولون: هذه بنوة مجازية، تعني العبادة من طرف العباد، والحفظ واللطف والرعاية من قبل الله عزَّ وجلَّ لهم، فكذلك إذاً ما ورد من بنوة المسيح لله لا تعني غير ذلك، إذ أن العبارتين واحد، فيجب أن يستويا في الدلالة والمعنى، ما لم يدلَّ دليل على خلاف ذلك، وليس هناك ما يدلُّ على خلاف ذلك.
رابعاً: أن المسيح عليه السلام قد دلت الأدلة الكثيرة على بشريته، وأنه رسول الله، كما أوردت الأناجيل وصفه بأنه ابن الإنسان وابن داود وغير ذلك من الأوصاف الدالة على بشريته، ومن ذلك ما ورد في إنجيل متى (8/20): "فقال له يسوع: للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه".
وفيه أيضا (8/40) يقول لهم المسيح "وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله"
فورد وصفه بأنه ابن الإنسان في ثمانية وستين موضعا تقريباً في الأناجيل الأربعة، أما ما ورد وفيه إطلاق (ابن الله) عليه فقد ورد في ثلاثة وعشرين موضعا تقريباً في الأناجيل الأربعة، منها أربعة مواضع فقط التي ورد فيها هذا الوصف من كلام المسيح، أما الباقي فليس من كلام المسيح بل بعضه من كلام إبليس والشياطين، فكيف يترك المعنى الظاهر الواضح الذي تؤيده النصوص الكثيرة والواقع، والذي يتفق مع العقل والمنطق إلى المعنى الخفي البعيد الذي تعارضه النصوص ولا يتفق مع العقل ولا المنطق !!
الأقنوم الثالث: الروح القدس
وهو عندهم مساو للأب والابن في الذات والجوهر والطبع، وهو في كلامهم روح الله الذي يتولى تأييد أتباع المسيح وتطهيرهم.
وقد استدلوا على قولهم بألوهية الروح القدس بأن الكتاب المقدس لديهم وصف الروح القدس بصفات لا يوصف بها إلا الله عزَّ وجلَّ، فدلَّ هذا عندهم على ألوهيته.
وللرد عليهم نقول:
إن ما أورده النصارى مما نقلوه عن الأناجيل فليس في الأناجيل أي عبارة تدل على المعنى الذي يدعونه في الروح القدس، وهو الألوهية. فقد ورد اسم الروح القدس في حمل مريم بالمسيح عليه السلام في إنجيل متى (1/18): "لما كانت مريم مخطوبة ليوسف قبل أن يجتمعا وجدت حبلى من الروح القدس".
والروح القدس في هذه القصة المراد به جبريل عليه السلام، كما فسَّره بذلك لوقا في إنجيله (1/26): "وفي الشهر السادس أرسل جبرائيل الملاك من الله إلى مدينة من الجليل اسمها ناصره إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف، واسم العذراء مريم".
فعلى هذا التفسير يكون الروح القدس المراد به جبريل عليه السلام في كل موطن ورد ذكره فيه، إلا أن تكون الصفة المطلقة عليه لا تطلق إلا على الله عزَّ وجلَّ فهنا لابد من التحقق من صحة العبارة ودقة نقل الألفاظ.
ومما ورد لديهم في هذا ما ورد في إنجيل يوحنا عن "الباركليت" أو "المعزى" فمما قالوا فيه (16/12): "وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية".
فهذا فيه دلالة واضحة على أن الموصوف بأنه روح الحق شخصية مستقلة، وهو مبلغ لرسالة أوكل إليه تبليغها، فليس فيه ما يدل على ألوهيته، ولا أنه جزء من الإله، وإلا للزم أن يكون الأنبياء آلهة أيضا؛ لأنهم يعلمون كل ما علَّمهم الله به، ويخبرون عن أمور آتيه مستقبلة.
أما ما أوردوه من إنجيل متى (28/19) أن المسيح قال لتلاميذه بعد قيامته: "فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الأب والابن والروح القدس".
فأولاً: هذا النص لم يذكره إلا صاحب إنجيل متى، وهو إنجيل غير موثق، وغير ثابت النسبة إلى متى الحواري.
ثانياً: على فرض صحة هذه العبارة فإن هؤلاء ثلاثة وليسوا واحداً، وكل واحد منها له مدلوله الواضح تفسيره، فالأب هو: الرب جلَّ وعلا.
أما الابن فلا يمكن أن يكون المقصود به البنوة الحقيقية، وقد سبق بيان هذا، وأن المراد به العبد الصالح، فيكون المقصود به المسيح عليه السلام، وهو عبد الله ورسوله.
أما الروح القدس فلا يمكن أن يكون المقصود به جزء من الإله الذي هو صفة الحب أو الحياة أو نحو ذلك؛ إذ أن ذلك لا دليل عليه إنما يعني الملك جبريل عليه السلام، كما هو مصرح به في رواية لوقا السابق ذكرها التي فيها أن الملاك جبريل عليه السلام هو الذي نزل على مريم، فتكون العبارة هي دعوة الناس إلى الإيمان بالله والنبي والملك.
فمن هذا كله يتضح لنا أن عقيدة النصارى التثليث ليس لها أدلة تثبت صحتها، كما أن كل أقنوم من أقانيم الثالوث لا يوجد له أدلة تثبت مفهومهم له، مما يجعل التثليث كله قائم على دعاوى لا دليل عليها، ولا مستند لها شرعي ولا عقلي.
9
2K
يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.
سابعاً: أن هذه العقيدة مع خلوها من النصوص الشرعية التي تثبتها فهي مناقضه للعقل، ويعترف النصارى بذلك، ويجعلونها من الأسرار، وفي هذا يقولون عن التجسد: "فهو سر الأسرار الذي فيه يستعلن الله العظيم الأبدي إلى الإنسان الضعيف في صورة الناس المنظورة وتحت حكم الزمن، وبالعقل لا يدرك الإنسان من هذا السر شيئاً، وإنما يمكن للروحانيين بالروح القدس أن يعرفوا حتى أعماق الله".
لقد قطع النصارى على أنفسهم نعمة النظر واستخدام العقل الذي وهبهم الله إياه، وتحكموا في أتباعهم بإجبارهم على إلغاء عقولهم فيما يملون عليهم من ترهات وسخافات، وذلك بقولهم بزعمهم: " أنها سر لا يدرك" ولا يفهم ولا يعرف. والأمر إذا خلا من الدليل الشرعي والدليل العقلي لا يكون إلا من إملاء الشياطين وأتباعهم.
ثم إن النصارى يخدعون الناس بما يزعمون من أن الأمر يدرك بالروح القدس. فإن هذا من الكلام الفارغ الذي لا معنى تحته؛ لأن معنى قولهم هذا أن قبول شخص من الأشخاص لهذه العقيدة إنما يتم بالروح القدس، فإذا لم يقبلها عقله ولا قلبه بناءً على خلوها من الدليل الشرعي والعقلي، قالوا له: إن الروح القدس لم يهبك الإيمان بها.
وهذا كلام فارغ؛ إذ من المعلوم أن جميع الوثنيين يؤمنون بترهاتهم وشركهم، وإيمانهم بها لم يقم على دليل شرعي ولا عقلي، وهذا وجه بطلان عقائدهم. إذاً فقبولهم لها تمَّ عن طريق التسليم لعلمائهم ودعاتهم بدون دليل أو وعي صحيح، فمن هنا يشبه النصارى الوثنيين من ناحية دعواهم بوجوب التسليم لمقولتهم بدون استناد على الشرع، أو استخدام للعقل في القضية. ثم ما هذه الدعوى العريضة التي زعموا، وهي أن الروحانيين يعرفون أعماق الله، ماذا يعرفون عن أعماق الله ؟
انظر كيف فتحوا الباب للافتراء على الله والكذب عليه جلَّ وعلا بما لا يستطيعون أن يأتوا منه بشيء، والله عز وجل يقول: { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء } . ويقول: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} جلَّ وعلا عن افتراءات الجاهلين وتخرصات المتخرصين الظالمين
لقد قطع النصارى على أنفسهم نعمة النظر واستخدام العقل الذي وهبهم الله إياه، وتحكموا في أتباعهم بإجبارهم على إلغاء عقولهم فيما يملون عليهم من ترهات وسخافات، وذلك بقولهم بزعمهم: " أنها سر لا يدرك" ولا يفهم ولا يعرف. والأمر إذا خلا من الدليل الشرعي والدليل العقلي لا يكون إلا من إملاء الشياطين وأتباعهم.
ثم إن النصارى يخدعون الناس بما يزعمون من أن الأمر يدرك بالروح القدس. فإن هذا من الكلام الفارغ الذي لا معنى تحته؛ لأن معنى قولهم هذا أن قبول شخص من الأشخاص لهذه العقيدة إنما يتم بالروح القدس، فإذا لم يقبلها عقله ولا قلبه بناءً على خلوها من الدليل الشرعي والعقلي، قالوا له: إن الروح القدس لم يهبك الإيمان بها.
وهذا كلام فارغ؛ إذ من المعلوم أن جميع الوثنيين يؤمنون بترهاتهم وشركهم، وإيمانهم بها لم يقم على دليل شرعي ولا عقلي، وهذا وجه بطلان عقائدهم. إذاً فقبولهم لها تمَّ عن طريق التسليم لعلمائهم ودعاتهم بدون دليل أو وعي صحيح، فمن هنا يشبه النصارى الوثنيين من ناحية دعواهم بوجوب التسليم لمقولتهم بدون استناد على الشرع، أو استخدام للعقل في القضية. ثم ما هذه الدعوى العريضة التي زعموا، وهي أن الروحانيين يعرفون أعماق الله، ماذا يعرفون عن أعماق الله ؟
انظر كيف فتحوا الباب للافتراء على الله والكذب عليه جلَّ وعلا بما لا يستطيعون أن يأتوا منه بشيء، والله عز وجل يقول: { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء } . ويقول: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} جلَّ وعلا عن افتراءات الجاهلين وتخرصات المتخرصين الظالمين
الصلب والفداء:
الصلب هوالتعليق على خشبة الصليب.
واليهود والنصارى يعتقدون أن المسيح عليه السلام مات مصلوباً.
ويزعم اليهود أن المسيح كفر بالله؛ لهذا حملوا عليه وطالبوا بدمه، وزعموا أنه مات مصلوباً،
والموت على الصليب يستلزم اللعنة عندهم.
أما النصارى فهم يعتقدون كذلك أن المسيح مات مصلوبا، إلا أنهم يعللون ذلك بأنه صلب فداء للبشر؛ لتخليصهم من خطيئة أبيهم آدم عليه السلام، وهي أكله من الشجرة التي نهي عنها، فانتقلت تلك الخطيئة إلى أبنائه، وأغضبت الله عليهم أيضاً، فكان لابد من وسيط يتحمل هذا الإثم، ويرضى بأن يموت على الصليب، وهذا الوسيط المخلص في زعمهم لابد أن يكون ذا وضع متميز خال من الإثم والخطأ، ولا يكون هذا إلا ابن الله - الذي هو الله في زعمهم.
الصلب:
أ- قصة الصلب إجمالا كما وردت في الأناجيل: يعتقد النصارى كما سبق بيانه أن المسيح مات مصلوباً. وقصة الصلب كما وردت في الأناجيل باختصار هي: أن المسيح عليه السلام طلبه اليهود ليقتلوه؛ لأنه في زعمهم كفر بالله، فدلَّهم على مكانه أحد أتباعه- وهو يهوذا الإسخريوطي- بعد أن أغروه بالمال، فقبضوا عليه ليلة الجمعة بعد أن كان قد فرغ من صلاة طويلة تضرع وتوسل فيها إلى الله عزَّ وجلَّ أن لا يذيقه هذه الكأس، ثم ساقوه إلى دار رئيس كهنة اليهود الذي تحقق من أنه مستحق للقتل، ثم حمل إلى دار الوالي الروماني الذي حكم عليه بالصلب بناء على رغبة اليهود، فصلب الساعة الثالثة صباحاً من يوم الجمعة ومات على الصليب الساعة التاسعة مساء، أي: وقت العصر، بعد أن صاح: "إلهي إلهي لماذا تركتني".
ثم أُنِزْل من الصليب في تلك الليلة، وأُدِخْل قبرا بقي فيه تلك الليلة، ثم نهار السبت، ثم ليلة الأحد، ولما جاؤوا إليه صباح الأحد وجدوا القبر خاليا، وقيل لهم: إنه قام من قبره ثم إنه ظهر لهم في الجليل وكلمهم، وبقي معهم أربعين يوماً، ثم ارتفع إلى السماء وهم ينظرون إليه، هذا ما ورد في الأناجيل عن قصة الصلب اجمالاً.
ب- اختلاف المعلومات الواردة في الأناجيل عن الصلب:
إذا نظرنا إلى قصة الصلب في الأناجيل نجدها مختلفة في أكثر نقاطها، وإليك بيان الاختلافات الموجودة في رواية هذه القصة:
1- ذكر لوقا: أن ملكاً من الملائكة تراءى للمسيح يقوي عزيمته في آخر صلاة صلاها. ولم يذكر ذلك الآخرون.
2- ذكر لوقا: أن المسيح صلى مرة واحدة، ولم يوقظ تلاميذه إلا مرة واحدة، أما متَّى ومرقص، فذكرا أن ذلك تكرر ثلاث مرات، ويوحنا لم يذكر من ذلك شيئاً. 3- أن الأناجيل الثلاثة متَّى ومرقص ولوقا ورد فيها: أن العلامة بين يهوذا الذي دلَّ اليهود على مكان المسيح، واليهود الذين جاؤوا للقبض على المسيح هي أن من يقبله فهو المسيح، ويوحنا ذكر أن المسيح خرج إليهم وسألهم عمن يطلبون، فقالوا: يسوع. فقال لهم: أنا هو.
4- أن يوحنا ذكر: أن اليهود لما قبضوا على المسيح ساقوه إلى حنان الذي كان حماً لرئيس الكهنة قيافا، أما الأناجيل الأخرى فلم تذكر ذلك، بل ذكرت أنهم ذهبوا به مباشرة إلى قيافا رئيس كهنة اليهود.
5- ذكر يوحنا: أن بطرس وتلميذاً آخر تبعا المسيح إلى رئيس الكهنه بعد أن قبض عليه، أما الآخرون فلم يذكروا سوى بطرس الذي خرج بعد ذلك، ولم يشاهد المحاكمة.
6- سؤال رئيس الكهنة للمسيح وقت المحاكمة حسب مرقص: "أأنت المسيح ابن المبارك؟ فقال يسوع: أنا هو، وسوف تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء".
وفي متَّى: "أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟ قال له يسوع: أنت قلت. وأيضا أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء".
وفي لوقا أن الجماعة سألوه: "إن كنت أنت المسيح فقل لنا، فقال لهم: إن قلت لكم لا تؤمنون، وإن سألتكم لا تجيبوني ولا تطلقوني. ولكن من الآن يكون ابن البشر جالسا عن يمين قدرة الله. فقال الجميع: أفأنت ابن الله؟ فقال لهم: أنتم تقولون: إني أنا هو ".
وفي يوحنا أن رئيس الكهنة سأل المسيح عن تلاميذه وعن تعليمه، فأجابه، وليس في شيء منها قوله السابق عن نفسه. 7- الأناجيل الثلاثة ذكرت: أن المسيح لما ذهب به اليهود إلى بيلاطس الوالي الروماني، فسأله عما يتهمونه به من أنه ملك اليهود، لم يجبه المسيح بشيء حتى تعجب منه بيلاطس.
أما إنجيل يوحنا فيذكر كلاماً بين المسيح وبيلاطس.
8- الأناجيل الثلاثة ذكرت أن الصليب الذي صلب عليه المسيح سخر له رجل اسمه "سمعان القيرواني" لحمله.
أما إنجيل يوحنا فيذكر أن المسيح هو الذي حمل صليبه.
9- ذكر لوقا: أن المسيح التفت إلى الجموع وهو في طريقه إلى الصليب، وحذَّرهم مما سيقع لهم في الأيام القريبة من الأمور الخطيرة العظيمة. ولم يذكر ذلك أي من الأناجيل الأخرى.
10- إن علة صلب المسيح حسب لوقا مكتوبة على الصليب هكذا "هذا هو ملك اليهود" باليونانية واللاتينية، والعبرانية.
وفي مرقص "ملك اليهود" ولم يذكر اللغات التي كتب بها.
وفي متَّى "هذا هو يسوع ملك اليهود" ولم يذكر اللغات.
وفي يوحنا "يسوع النصارى ملك اليهود" باليونانية واللاتينية والعبرانية.
11- أن مرقص ومتَّى ذكرا: أن اللصين اللذين صلبا مع المسيح كانا يعيرانه مع الناس.
أما لوقا فقد ذكر: أن أحدهما عيَّره، أما الآخر فردَّ عليه، ودافع عن المسيح، ولم يذكر يوحنا ذلك.
12- ذكر يوحنا: أنه كان يقف عند الصليب أم المسيح وأخت أمه ومريم المجدلية مع التلميذ الذي يحبه المسيح، ويعني نفسه.
وأما لوقا ومرقص ومتَّى فقد ذكروا: أن نساء من بعيد كن ينظرن إليه، من بينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب الصغير ويسى وسالومة وأخر كثيرات، ولم يذكروا حضور أي تلميذ من تلاميذه الصلب.
13- في متَّى ومرقص: أن المسيح صرخ في الساعة التاسعة وقال: "ألوى ألوى لما شبقتني. الذي تفسيره"إلهي إلهي لماذا تركتني؟".
وفي لوقا قال: "ونادى يسوع بصوت عظيم قائلا: يا أبت في يديك أستودع روحي".
وفي يوحنا أنه لم يصرخ وإنما قال: " قد أكمل، ونكس رأسه، وأسلم الروح".
14- الاختلاف في الأحداث بعد الصلب حيث قال متَّى: "انشق حجاب الهيكل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبر بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين".
وفي مرقص "انشق حجاب الهيكل إلى اثنين".
وفي لوقا "أظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل ".
ويوحنا لم يذكر من ذلك شيئا.
15- الاختلاف في عدد ووقت الذين جاؤوا صباح الأحد لمشاهدة القبر الذي فيه المسيح ووجدوه خاليا - وقد سبق ذكر ذلك.
الصلب هوالتعليق على خشبة الصليب.
واليهود والنصارى يعتقدون أن المسيح عليه السلام مات مصلوباً.
ويزعم اليهود أن المسيح كفر بالله؛ لهذا حملوا عليه وطالبوا بدمه، وزعموا أنه مات مصلوباً،
والموت على الصليب يستلزم اللعنة عندهم.
أما النصارى فهم يعتقدون كذلك أن المسيح مات مصلوبا، إلا أنهم يعللون ذلك بأنه صلب فداء للبشر؛ لتخليصهم من خطيئة أبيهم آدم عليه السلام، وهي أكله من الشجرة التي نهي عنها، فانتقلت تلك الخطيئة إلى أبنائه، وأغضبت الله عليهم أيضاً، فكان لابد من وسيط يتحمل هذا الإثم، ويرضى بأن يموت على الصليب، وهذا الوسيط المخلص في زعمهم لابد أن يكون ذا وضع متميز خال من الإثم والخطأ، ولا يكون هذا إلا ابن الله - الذي هو الله في زعمهم.
الصلب:
أ- قصة الصلب إجمالا كما وردت في الأناجيل: يعتقد النصارى كما سبق بيانه أن المسيح مات مصلوباً. وقصة الصلب كما وردت في الأناجيل باختصار هي: أن المسيح عليه السلام طلبه اليهود ليقتلوه؛ لأنه في زعمهم كفر بالله، فدلَّهم على مكانه أحد أتباعه- وهو يهوذا الإسخريوطي- بعد أن أغروه بالمال، فقبضوا عليه ليلة الجمعة بعد أن كان قد فرغ من صلاة طويلة تضرع وتوسل فيها إلى الله عزَّ وجلَّ أن لا يذيقه هذه الكأس، ثم ساقوه إلى دار رئيس كهنة اليهود الذي تحقق من أنه مستحق للقتل، ثم حمل إلى دار الوالي الروماني الذي حكم عليه بالصلب بناء على رغبة اليهود، فصلب الساعة الثالثة صباحاً من يوم الجمعة ومات على الصليب الساعة التاسعة مساء، أي: وقت العصر، بعد أن صاح: "إلهي إلهي لماذا تركتني".
ثم أُنِزْل من الصليب في تلك الليلة، وأُدِخْل قبرا بقي فيه تلك الليلة، ثم نهار السبت، ثم ليلة الأحد، ولما جاؤوا إليه صباح الأحد وجدوا القبر خاليا، وقيل لهم: إنه قام من قبره ثم إنه ظهر لهم في الجليل وكلمهم، وبقي معهم أربعين يوماً، ثم ارتفع إلى السماء وهم ينظرون إليه، هذا ما ورد في الأناجيل عن قصة الصلب اجمالاً.
ب- اختلاف المعلومات الواردة في الأناجيل عن الصلب:
إذا نظرنا إلى قصة الصلب في الأناجيل نجدها مختلفة في أكثر نقاطها، وإليك بيان الاختلافات الموجودة في رواية هذه القصة:
1- ذكر لوقا: أن ملكاً من الملائكة تراءى للمسيح يقوي عزيمته في آخر صلاة صلاها. ولم يذكر ذلك الآخرون.
2- ذكر لوقا: أن المسيح صلى مرة واحدة، ولم يوقظ تلاميذه إلا مرة واحدة، أما متَّى ومرقص، فذكرا أن ذلك تكرر ثلاث مرات، ويوحنا لم يذكر من ذلك شيئاً. 3- أن الأناجيل الثلاثة متَّى ومرقص ولوقا ورد فيها: أن العلامة بين يهوذا الذي دلَّ اليهود على مكان المسيح، واليهود الذين جاؤوا للقبض على المسيح هي أن من يقبله فهو المسيح، ويوحنا ذكر أن المسيح خرج إليهم وسألهم عمن يطلبون، فقالوا: يسوع. فقال لهم: أنا هو.
4- أن يوحنا ذكر: أن اليهود لما قبضوا على المسيح ساقوه إلى حنان الذي كان حماً لرئيس الكهنة قيافا، أما الأناجيل الأخرى فلم تذكر ذلك، بل ذكرت أنهم ذهبوا به مباشرة إلى قيافا رئيس كهنة اليهود.
5- ذكر يوحنا: أن بطرس وتلميذاً آخر تبعا المسيح إلى رئيس الكهنه بعد أن قبض عليه، أما الآخرون فلم يذكروا سوى بطرس الذي خرج بعد ذلك، ولم يشاهد المحاكمة.
6- سؤال رئيس الكهنة للمسيح وقت المحاكمة حسب مرقص: "أأنت المسيح ابن المبارك؟ فقال يسوع: أنا هو، وسوف تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتياً في سحاب السماء".
وفي متَّى: "أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا هل أنت المسيح ابن الله؟ قال له يسوع: أنت قلت. وأيضا أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء".
وفي لوقا أن الجماعة سألوه: "إن كنت أنت المسيح فقل لنا، فقال لهم: إن قلت لكم لا تؤمنون، وإن سألتكم لا تجيبوني ولا تطلقوني. ولكن من الآن يكون ابن البشر جالسا عن يمين قدرة الله. فقال الجميع: أفأنت ابن الله؟ فقال لهم: أنتم تقولون: إني أنا هو ".
وفي يوحنا أن رئيس الكهنة سأل المسيح عن تلاميذه وعن تعليمه، فأجابه، وليس في شيء منها قوله السابق عن نفسه. 7- الأناجيل الثلاثة ذكرت: أن المسيح لما ذهب به اليهود إلى بيلاطس الوالي الروماني، فسأله عما يتهمونه به من أنه ملك اليهود، لم يجبه المسيح بشيء حتى تعجب منه بيلاطس.
أما إنجيل يوحنا فيذكر كلاماً بين المسيح وبيلاطس.
8- الأناجيل الثلاثة ذكرت أن الصليب الذي صلب عليه المسيح سخر له رجل اسمه "سمعان القيرواني" لحمله.
أما إنجيل يوحنا فيذكر أن المسيح هو الذي حمل صليبه.
9- ذكر لوقا: أن المسيح التفت إلى الجموع وهو في طريقه إلى الصليب، وحذَّرهم مما سيقع لهم في الأيام القريبة من الأمور الخطيرة العظيمة. ولم يذكر ذلك أي من الأناجيل الأخرى.
10- إن علة صلب المسيح حسب لوقا مكتوبة على الصليب هكذا "هذا هو ملك اليهود" باليونانية واللاتينية، والعبرانية.
وفي مرقص "ملك اليهود" ولم يذكر اللغات التي كتب بها.
وفي متَّى "هذا هو يسوع ملك اليهود" ولم يذكر اللغات.
وفي يوحنا "يسوع النصارى ملك اليهود" باليونانية واللاتينية والعبرانية.
11- أن مرقص ومتَّى ذكرا: أن اللصين اللذين صلبا مع المسيح كانا يعيرانه مع الناس.
أما لوقا فقد ذكر: أن أحدهما عيَّره، أما الآخر فردَّ عليه، ودافع عن المسيح، ولم يذكر يوحنا ذلك.
12- ذكر يوحنا: أنه كان يقف عند الصليب أم المسيح وأخت أمه ومريم المجدلية مع التلميذ الذي يحبه المسيح، ويعني نفسه.
وأما لوقا ومرقص ومتَّى فقد ذكروا: أن نساء من بعيد كن ينظرن إليه، من بينهن مريم المجدلية ومريم أم يعقوب الصغير ويسى وسالومة وأخر كثيرات، ولم يذكروا حضور أي تلميذ من تلاميذه الصلب.
13- في متَّى ومرقص: أن المسيح صرخ في الساعة التاسعة وقال: "ألوى ألوى لما شبقتني. الذي تفسيره"إلهي إلهي لماذا تركتني؟".
وفي لوقا قال: "ونادى يسوع بصوت عظيم قائلا: يا أبت في يديك أستودع روحي".
وفي يوحنا أنه لم يصرخ وإنما قال: " قد أكمل، ونكس رأسه، وأسلم الروح".
14- الاختلاف في الأحداث بعد الصلب حيث قال متَّى: "انشق حجاب الهيكل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبر بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين".
وفي مرقص "انشق حجاب الهيكل إلى اثنين".
وفي لوقا "أظلمت الشمس وانشق حجاب الهيكل ".
ويوحنا لم يذكر من ذلك شيئا.
15- الاختلاف في عدد ووقت الذين جاؤوا صباح الأحد لمشاهدة القبر الذي فيه المسيح ووجدوه خاليا - وقد سبق ذكر ذلك.
فهذه الاختلافات العديدة بينهم في رواية أعظم حادث في حياة المسيح- حسب معتقد النصارى- وهو: الصلب، إن دلَّ على شيء فإنما يدلُّ على أنه ليس لديهم علم مؤكد ومحقق في هذا الأمر، وأن ذلك كله من باب الظن والخرص الذي لا يغني من الحق شيئا، ولو كان عندهم فيه شيء مدون، أو رواة ثقات عاينوا وشاهدوا الأحداث لما اختلفوا فيه. وإن من دلالة صدق الرواة لحدث من الحوادث اتفاقهم على رواية الخبر وتفاصيل وقائعه، وإن من دلالة كذب الرواة أو عدم علمهم به اختلافهم في رواية الخبر وتباين كلامهم عنه. وهذا حقيقة حال النصارى في هذا الحادث الذي قامت النصرانية المحرفة كلها عليه، كما سبق بيانه، فإنهم ليس عندهم علم به مؤكد، إن يظنون إلا ظنا. وانظر واستمع إلى دقة كلام الله عزَّ وجلَّ في تعبيره عن الواقعة وعن رواتها حيث قال عزَّ وجلَّ: { وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}.
جـ - حقيقة نهاية المسيح عليه السلام على الأرض ومجيئه مرة أخرى
الحق بالنسبة للمسيح عليه السلام أن الله عزَّ وجلَّ أنجاه من أعدائه اليهود، وهذا الذي يتناسب مع سؤال المسيح وتضرعه إلى الله أن يعبر عنه هذه الكأس، فقد استجاب الله له ورفعه إليه، قال الله تعالى:{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
وقوله: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} المراد به من الاستيفاء وهو القبض، أو النوم، على معنى قول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ } أو أن فيها تقديما وتأخيراً، تقديره رافعك إليَّ ومتوفيك. وقال عزَّ وجلَّ رادًّا على اليهود ادعاءاتهم على المسيح وأمه مبيناً الحق فيما يتعلق بنهاية المسيح عليه السلام: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}..وقد دلت السنة على أن المسيح عليه السلام سينزل آخر الزمان، وفي هذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لايقبله أحد)) .
وقد أجمع المسلمون على هذه العقيده وهي أن المسيح عليه السلام سينزل آخر الزمان بناء على تواتر الأحاديث في ذلك، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع من العقلانيين.
ومما يجدر ذكره هنا أن النصارى يعتقدون رجعة المسيح قبل يوم القيامه، وأنه سيحاسب الناس ويضم أتباعه إليه.
وكذلك اليهود يؤمنون بأن مسيحاً سيأتي آخر الزمان، وينتصر به اليهود على أعدائهم، واليهود منذ زال ملكهم وهم ينتظرون ذلك المسيح الذي يعيد إليهم ملكهم.
وإن في ذلك أمراً عجيباً له دلالات عجيبة غريبة نشير إلى ما يبدو منها مما فيه تأييد للوحي والحق، فأقول:
إن مما لاشك فيه ولا مرية أن المسيح عليه السلام قد رفعه الله إلى السماء، كما ذكر الله عزَّ وجلَّ ذلك في القرآن، وسوف ينزل آخر الزمان كما ثبت في السنه، وهما المصدران اللذان لم تشُبهما شائبة التحريف، ولم يطلهما تغيير ولاتبديل، وكما ارتفع المسيح عليه السلام بشراً، سيعود بشراً ليس إلهاً ولا ابن إله، كما زعم النصارى, ونزوله عليه السلام من علامات الساعة الكبرى، أي: الأمارات الدالة على قرب قيام الساعة.
ومما لاشك فيه ولامرية أيضاً أن هناك رجلا آخر سيسبق مجيء المسيح عيسى عليه السلام ألا وهو المسيح الدجال، وهو مسيح الضلالة والغواية، والدعوة إلى الكفر، ونصير الكفار، فهما مسيحان سيأتيان في وقت متقارب جدًّا إذا ظهر أولهما لحقه الآخر، هذا مما ثبت لدينا نحن المسلمين بالأدلة القاطعه الثابتة، فإلى أيهم سينتمي الناس.لاشك أن المسلمين الصادقين سينتمون إلى مسيح الهداية والخير عيسى بن مريم عليه السلام، بل إن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام سينزل عليهم في جماعتهم عند إقامة الصلاة، فقد ورد في حديث جابر رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامه)) وقال: ((فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صل لنا. فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة )) .
أما اليهود والمنافقون والكفار فإنهم ينضمون إلى مسيح الضلالة المسيح الدجال.أما انحياز اليهود إليه فلأنه يهودي منهم، فقد ورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ابن صياد قال لأبي سعيد رضي الله عنه: يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ألم يقل نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه يهودي)). يعني الدجال. وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة)) كما أن قتله يكون بين اليهود في فلسطين بباب لد.
فهذا فيه دلالة واضحة على أن المسيح الدجال هو الزعيم والملك الذي ينتظره اليهود بفارغ الصبر.
وإن من عجيب قدر الله جلَّ وعلا أن اليهود كانوا قبل مجيء المسيح عيسى عليه السلام ينتظرون مسيحاً، إلا أن آمالهم كانت متعلقة بشخصية محاربة يملكون بها الدنيا، ويعيدون لأنفسهم بها ما سلف من مجدهم، وما اندثرمن عزهم بسبب كفرهم، ويرفعون عن أنفسهم تسلط الرومان، الذين كانوا متسلطين عليهم في ذلك الزمان، فلما جاءهم المسيح عيسى بن مريم عليه السلام نبيًّا كريماً ذا خصال حميدة وخلال كريمة، يدعو إلى التوبة والإيمان، والتقوى والإحسان، والعفو عن الظالم، والصبر على البلاء، نفروا منه نفوراً شديداً، وكرهوه وكرهو دعوته عليه الصلاة والسلام، فسعوا بناء على ذلك إلى قتله تخلصاً منه، حيث خيب آمالهم في تملك الدنيا، وإخراجهم من الذل الذي كانوا فيه، إلا أن الله سبحانه بكريم فضله وعظيم إنعامه أنقذ عبده ورسوله منهم وأنجاه ورفعه إليه، وحاق بالذين حاولوا قتله البلاء العظيم، فبعده بمدة وجيزه حلَّ باليهود عذاب أليم وبلاء شديد، تشتتوا بسببه في أنحاء الارض شذر مذر.ثم إن مما سيكون من عجيب القدر والتقدير أن الذي هو أمل اليهود في السيطرة على العالم، وزعيمهم الذي سيخُضِع العالم لهم سيأتي ولا قِبَل لأحد من الناس به، إلا أن الله عزَّ وجلَّ ادَّخر له عيسى ابن مريم عليه السلام الذي لم يقبله اليهود؛ لأنه لم يحقق لهم أطماعهم، ولم يستجب لأهوائهم، حيث سيكون على يديه الكريمتين هلاك ملك اليهود، ورجائهم في السيطرة والغلبة، فبعد ظهور المسيح الدجال واتباع اليهود وأهل الضلالة له، ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((فينزل - يعني عيسى عليه السلام- عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدَّر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه. فيطلبه – أي: المسيح عيسى عليه السلام يطلب ويلحق المسيح الدجال- حتى يدركه بباب لدٍّ في فلسطين فيقتله.. ))
روى عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال: ((إني لأنذركموه ما من نبي إلا وقد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكن أقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه، تعلموا أنه أعور، وإن الله تبارك وتعالى ليس بأعور)) .وللدجال طاقات ومقدرة وقوة يفتن بها الناس، ويدعو الناس إلى عبادة نفسه، حيث سيزعم أنه رب وإله، فمن تابعه نال مما معه من لذة الدنيا ومتعها، ومن خالفه أصابه بلاء وعناء، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام في بيان سرعته في السير في الأرض وماأُعْطِىَ من قوة: ((قلنا: يارسول الله، وما إسراعه في الأرض، قال: "كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُراً وأسبغه ضروعاً وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمرُّ بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك. فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل )) .
فلهذه الفتن التي تكون معه يتبعه المنافقون وأهل الأهواء والكفار.
أما النصارى- فيبدو لي والله أعلم- أن أكثرهم سيكون من أتباع مسيح الضلالة المسيح الدجال، وأنه سيكون فتنة عظيمة لهم. وذلك أن النصارى ينتظرون مسيحاً هو الرب والإله في زعمهم، فإذا جاء المسيح الدجال فإنه يدَّعي الربوبية ومعه جنة ونار- كما ورد في الحديث- فمن آمن به أدخله جنته، ومن لم يؤمن به أدخله ناره، وماجنته إلا نار الآخرة وما ناره إلا جنة الآخرة.
ثم إن النصارى يظنون أنه سيكون في هذه الدنيا حساب وإدانة للناس من قبل المسيح عيسى في زعمهم، فهذه كلها دلائل تشير إلى أنهم سيفتنون به إلا من عصمه الله منهم، واستبان له حقيقة ذلك الدجال بما جعل الله في خلقته من القبح والنقص، وما سيكون لاشك في دعوته وديانته من الفساد والانحراف والكفر.
جـ - حقيقة نهاية المسيح عليه السلام على الأرض ومجيئه مرة أخرى
الحق بالنسبة للمسيح عليه السلام أن الله عزَّ وجلَّ أنجاه من أعدائه اليهود، وهذا الذي يتناسب مع سؤال المسيح وتضرعه إلى الله أن يعبر عنه هذه الكأس، فقد استجاب الله له ورفعه إليه، قال الله تعالى:{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
وقوله: {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ} المراد به من الاستيفاء وهو القبض، أو النوم، على معنى قول الله عز وجل: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ } أو أن فيها تقديما وتأخيراً، تقديره رافعك إليَّ ومتوفيك. وقال عزَّ وجلَّ رادًّا على اليهود ادعاءاتهم على المسيح وأمه مبيناً الحق فيما يتعلق بنهاية المسيح عليه السلام: {وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}..وقد دلت السنة على أن المسيح عليه السلام سينزل آخر الزمان، وفي هذا يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: ((والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا، فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويفيض المال حتى لايقبله أحد)) .
وقد أجمع المسلمون على هذه العقيده وهي أن المسيح عليه السلام سينزل آخر الزمان بناء على تواتر الأحاديث في ذلك، ولم يخالف في ذلك إلا أهل البدع من العقلانيين.
ومما يجدر ذكره هنا أن النصارى يعتقدون رجعة المسيح قبل يوم القيامه، وأنه سيحاسب الناس ويضم أتباعه إليه.
وكذلك اليهود يؤمنون بأن مسيحاً سيأتي آخر الزمان، وينتصر به اليهود على أعدائهم، واليهود منذ زال ملكهم وهم ينتظرون ذلك المسيح الذي يعيد إليهم ملكهم.
وإن في ذلك أمراً عجيباً له دلالات عجيبة غريبة نشير إلى ما يبدو منها مما فيه تأييد للوحي والحق، فأقول:
إن مما لاشك فيه ولا مرية أن المسيح عليه السلام قد رفعه الله إلى السماء، كما ذكر الله عزَّ وجلَّ ذلك في القرآن، وسوف ينزل آخر الزمان كما ثبت في السنه، وهما المصدران اللذان لم تشُبهما شائبة التحريف، ولم يطلهما تغيير ولاتبديل، وكما ارتفع المسيح عليه السلام بشراً، سيعود بشراً ليس إلهاً ولا ابن إله، كما زعم النصارى, ونزوله عليه السلام من علامات الساعة الكبرى، أي: الأمارات الدالة على قرب قيام الساعة.
ومما لاشك فيه ولامرية أيضاً أن هناك رجلا آخر سيسبق مجيء المسيح عيسى عليه السلام ألا وهو المسيح الدجال، وهو مسيح الضلالة والغواية، والدعوة إلى الكفر، ونصير الكفار، فهما مسيحان سيأتيان في وقت متقارب جدًّا إذا ظهر أولهما لحقه الآخر، هذا مما ثبت لدينا نحن المسلمين بالأدلة القاطعه الثابتة، فإلى أيهم سينتمي الناس.لاشك أن المسلمين الصادقين سينتمون إلى مسيح الهداية والخير عيسى بن مريم عليه السلام، بل إن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام سينزل عليهم في جماعتهم عند إقامة الصلاة، فقد ورد في حديث جابر رضي الله عنه أنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامه)) وقال: ((فينزل عيسى بن مريم عليه السلام فيقول أميرهم: تعال صل لنا. فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله هذه الأمة )) .
أما اليهود والمنافقون والكفار فإنهم ينضمون إلى مسيح الضلالة المسيح الدجال.أما انحياز اليهود إليه فلأنه يهودي منهم، فقد ورد في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ابن صياد قال لأبي سعيد رضي الله عنه: يا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ألم يقل نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((إنه يهودي)). يعني الدجال. وفي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفاً عليهم الطيالسة)) كما أن قتله يكون بين اليهود في فلسطين بباب لد.
فهذا فيه دلالة واضحة على أن المسيح الدجال هو الزعيم والملك الذي ينتظره اليهود بفارغ الصبر.
وإن من عجيب قدر الله جلَّ وعلا أن اليهود كانوا قبل مجيء المسيح عيسى عليه السلام ينتظرون مسيحاً، إلا أن آمالهم كانت متعلقة بشخصية محاربة يملكون بها الدنيا، ويعيدون لأنفسهم بها ما سلف من مجدهم، وما اندثرمن عزهم بسبب كفرهم، ويرفعون عن أنفسهم تسلط الرومان، الذين كانوا متسلطين عليهم في ذلك الزمان، فلما جاءهم المسيح عيسى بن مريم عليه السلام نبيًّا كريماً ذا خصال حميدة وخلال كريمة، يدعو إلى التوبة والإيمان، والتقوى والإحسان، والعفو عن الظالم، والصبر على البلاء، نفروا منه نفوراً شديداً، وكرهوه وكرهو دعوته عليه الصلاة والسلام، فسعوا بناء على ذلك إلى قتله تخلصاً منه، حيث خيب آمالهم في تملك الدنيا، وإخراجهم من الذل الذي كانوا فيه، إلا أن الله سبحانه بكريم فضله وعظيم إنعامه أنقذ عبده ورسوله منهم وأنجاه ورفعه إليه، وحاق بالذين حاولوا قتله البلاء العظيم، فبعده بمدة وجيزه حلَّ باليهود عذاب أليم وبلاء شديد، تشتتوا بسببه في أنحاء الارض شذر مذر.ثم إن مما سيكون من عجيب القدر والتقدير أن الذي هو أمل اليهود في السيطرة على العالم، وزعيمهم الذي سيخُضِع العالم لهم سيأتي ولا قِبَل لأحد من الناس به، إلا أن الله عزَّ وجلَّ ادَّخر له عيسى ابن مريم عليه السلام الذي لم يقبله اليهود؛ لأنه لم يحقق لهم أطماعهم، ولم يستجب لأهوائهم، حيث سيكون على يديه الكريمتين هلاك ملك اليهود، ورجائهم في السيطرة والغلبة، فبعد ظهور المسيح الدجال واتباع اليهود وأهل الضلالة له، ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام، كما قال عليه الصلاة والسلام: ((فينزل - يعني عيسى عليه السلام- عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين واضعاً كفيه على أجنحة ملكين إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدَّر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه. فيطلبه – أي: المسيح عيسى عليه السلام يطلب ويلحق المسيح الدجال- حتى يدركه بباب لدٍّ في فلسطين فيقتله.. ))
روى عبدالله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الدجال فقال: ((إني لأنذركموه ما من نبي إلا وقد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه، ولكن أقول لكم فيه قولاً لم يقله نبي لقومه، تعلموا أنه أعور، وإن الله تبارك وتعالى ليس بأعور)) .وللدجال طاقات ومقدرة وقوة يفتن بها الناس، ويدعو الناس إلى عبادة نفسه، حيث سيزعم أنه رب وإله، فمن تابعه نال مما معه من لذة الدنيا ومتعها، ومن خالفه أصابه بلاء وعناء، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام في بيان سرعته في السير في الأرض وماأُعْطِىَ من قوة: ((قلنا: يارسول الله، وما إسراعه في الأرض، قال: "كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم، فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُراً وأسبغه ضروعاً وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين، ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمرُّ بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك. فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل )) .
فلهذه الفتن التي تكون معه يتبعه المنافقون وأهل الأهواء والكفار.
أما النصارى- فيبدو لي والله أعلم- أن أكثرهم سيكون من أتباع مسيح الضلالة المسيح الدجال، وأنه سيكون فتنة عظيمة لهم. وذلك أن النصارى ينتظرون مسيحاً هو الرب والإله في زعمهم، فإذا جاء المسيح الدجال فإنه يدَّعي الربوبية ومعه جنة ونار- كما ورد في الحديث- فمن آمن به أدخله جنته، ومن لم يؤمن به أدخله ناره، وماجنته إلا نار الآخرة وما ناره إلا جنة الآخرة.
ثم إن النصارى يظنون أنه سيكون في هذه الدنيا حساب وإدانة للناس من قبل المسيح عيسى في زعمهم، فهذه كلها دلائل تشير إلى أنهم سيفتنون به إلا من عصمه الله منهم، واستبان له حقيقة ذلك الدجال بما جعل الله في خلقته من القبح والنقص، وما سيكون لاشك في دعوته وديانته من الفساد والانحراف والكفر.
الفداء
الفداء: هو اعتقاد النصارى أن موت المسيح كان كفارة لخطيئة آدم التي انتقلت إلى أبنائه بالوراثة.
أ- أدلة النصارى على الفداء
يزعم النصارى أن مستندهم في ذلك الكتاب المقدس، ونورد فيما يلي بعض النصوص التي يستدل بها النصارى لهذه العقيدة منها:
1- "أنا هو الراعي الصالح، الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف". يوحنا (10/11).
2- " لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" يوحنا (3/16).
3- "إن ابن الإنسان لم يأت ليُخْدَمَ بل ليَخْدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" مرقص (10/45).
هذا مما ورد في الأناجيل.
ومما ورد في كلام النصارى في العهد الجديد
1- في رسالة يوحنا الأولى (3/16): " بهذا أظهرت المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا".
2- قال بولس في رسالته لكورنثوس (1/15/3): "مات من أجل خطايانا حسب الكتب ".
وأيضاً في كورنثوس (5/21): " إن الله جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا؛ لنصير نحن برَّ الله فيه ".
وقال في رسالته لأهل أفسس (2/16): " أسلم نفسه لأجلنا قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة".
ب- بيان بطلان أدلتهم وكلامهم في الفداء:
الأدلة التي أوردها النصارى لا قيمة لها ولا اعتبار في مسألة الفداء؛ لعدة أمور.
أولاً: أن الاستدلال بما ورد في الأناجيل فرع عن ثبوت صحة تلك الأناجيل وسلامتها من التحريف، وقد سبق بيان حال هذه الأناجيل، وأن النصارى لا يملكون أدلة لثبوتها.
ومثلها في الضعف الرسائل الملحقة بها، وبولس الذي كثر كلامه عن الفداء في رسائله، كلامه غير مقبول؛ لأنه لم يشاهد المسيح، ولم يسمع كلامه، فما ذكره لم يسنده عن الحواريين، ولم يبين مصدره فيه، فهو من قِبَل نفسه.
ثانياً: أن جميع النصوص التي يذكرونها في الدلالة على أن الصلب وقع فداء للبشر ليس فيها نص واحد يعيِّن الخطيئة التي يزعم النصارى أن الفداء كان لأجلها، وهي خطيئة أبينا آدم التي انتقلت في زعم النصارى إلى أبنائه بالوراثة، فجميع النصوص لا تعيِّن هذا الأمر ولا تحدده، مما يدل على أنها من مخترعات النصارى المتأخرين، الذين حاولوا أن يرقعوا بها فساد القول بالفداء كفارة عن الخطايا.
ثالثاً: أن كلام النصارى في الخطيئة التي رفعها المسيح عليه السلام بموته المزعوم على الصليب كلام مضطرب، ولا ينصون في كلامهم على الخطيئة التي كفرها المسيح في كل مقام.
رابعاً: أن المراد من كون المسيح كفارة للخطايا أحد أمرين:
أحدهما: تكفير خطايا الناس التي اقترفوها في الماضي، أو التي سيقترفونها في المستقبل، وكلاهما باطل.
أما الخطايا الماضية فلا تستحق هذا الفداء الإلهي في زعمهم، وقد كان يتم تكفيرها بالتوبة والقربان لدى اليهود قبلهم وكان كافيا.
أما الخطايا المستقبلة فلا يستطيع النصارى أن يزعموا أن صلب المسيح مكفر لها؛ لأن ذلك يعني إباحتها، وعدم ترتب العقوبة على ذنب من الذنوب مهما عظم، وفي هذا إبطال لدعوة المسيح ودعوة الحواريين وبولس إلى تنقية النفس من الآثام والخطايا، وفتح للإباحية والفجور والكفر. مع العلم أن تكفير الخطايا إذا أطلق لا يراد به سوى ما وقع فيه الإنسان من الآثام، وهي الخطايا الماضية؛ إذ التكفير من كفر، أي: ستر وغطَّى، ولا يكون ذلك إلا فيما وقع وحدث.
ثانيهما: ما ذكره كثير من النصارى- وهو تكفير خطيئة آدم عليه السلام التي انتقلت إلى أبنائه- هو ادعاء باطل كما سبق بيانه، وسيأتي زيادة لبيان أوجه البطلان أيضا.
وحقيقة قولهم في الفداء هو: أنهم اخترعوا هذه الفرية، وادَّعوها بدون دليل من شرع أو عقل حتى يبرروا قضية الصلب التي اعتقدوها وآمنوا بها، ويرفعوا عن المسيح تلك السبة الشنيعة التي تلحقه بالصلب وهي اللعن.
وإننا لنعجب غاية العجب من هذا الاعتراف بعدم معقولية هذه العقيدة ثم الإصرار عليها، فهذا غاية الضلال والانحراف، وكان الأولى بهم إذ لم يعقلوا هذه المسائل أن يبحثوا في مصادرها حتى يظهر لهم الحق، فان تلك المصادر أساس الانحراف والضلال الذي يوجد لدى النصارى، سواء في ذلك الأناجيل أو الرسائل الملحقة بها، ولكن يزول عجبنا إذا علمنا أن ما عليه النصارى من انحراف وضلال إنما هو صيغة محسنة من الوثنيات السابقة، فرأى النصارى أنها شيء جميل بالنسبة لما كانوا عليه من الوثنيات، وما عرفوا الإسلام وما فيه من الحق والجمال والانسجام والوضوح الذي يبعث في النفس الطمأنينة والراحة، لما هي عليه من عقيدة، ولو أن النصارى وأهل الكتاب عموماً أصغوا إلى الدعوة الربانية الواردة في القرآن الكريم لزالت وانكشفت عنهم من الحيرة التي ولجوا فيها ولم يستطيعوا الخروج منها، ومن ذلك آيتان كريمتان فيهما شفاء لما هم فيه، أما الآية الأولى فقوله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .
أما الآية الثانية: فقوله عز وجل: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}.
بيان بطلان دعوى النصارى في الصلب والفداء
إن دعوى الصلب والفداء مناقضة في الحقيقة للشرع والعقل، فمما يبين ذلك ويدل على بطلان دعواهم- إضافة لما سبق- أن يقال لهم:
1- إن آدم عليه السلام الذي يزعمون أن الصلب والفداء كان لأجل خطيئته قد تاب من خطيئته بقوله عزَّ وجلَّ: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}. وقد قبل الله توبته.
- إن ما وقع من آدم عليه السلام هو أكله من الشجرة بإغواء الشيطان له، وهذا ذنب منه في حقِّ الله عزَّ وجلَّ الذي نهاه عن الأكل منها، فالذنب بهذا لم يكن يلزم للتكفير عنه أن ينزل الرب جل وعلا ليصلب على الصليب، بعد أن يُهان ويُذل من أجل أن يرضي نفسه، بل الأمر يكفي فيه قبول التوبة ومغفرة الذنب فقط.
3- أن ما وقع من آدم عليه السلام يعتبر يسيرا بالنسبة لما فعله كثير من أبنائه من سب الله عزَّ وجلَّ والاستهزاء به، وعبادة غيره جلَّ وعلا، والإفساد في الأرض بالقتل، ونشر الفساد والفتن، وقتل أنبيائه ومحاربة أوليائه إلى غير ذلك، فهذه أعظم بكثير من خطيئة آدم عليه السلام. فعلى كلام النصارى أن الله لابد أن ينزل كل وقت ليصلب حتى يجمع بين عدله ورحمته في زعمهم.
4- إن صلب المسيح الذي هو الله في زعمهم- تعالى الله عن قولهم- قد تمَّ بلا فائدة تذكر، فإن خطيئة آدم ليست على بال بنيه ولا تقض مضاجعهم إنما ما يقلق الإنسان ويخيفه ذنوبه وجرائمه، وهذه لا تدخل في كفارة المسيح في زعمهم.
5- إن الأنبياء السابقين ليس فيهم من ذكر خطيئة آدم، وسأل الله أن يغفرها له، مما يدل على أنها من مخترعات النصارى.
6- إن الأنبياء السابقين والدعاة والصالحين قبل المسيح بناء على كلامهم هذا, كانوا يدعون إلى ضلالة، وقد أخطؤوا الطريق إذ لم يرشدوا الناس إلى حقيقة تلك الخطيئة، ويوعوهم بخطورتها، كما يفهمها النصارى.
7- إن الأنبياء السابقين وعباد الله الصالحين كلهم هالكون إذ لم تكفر عنهم تلك الخطيئة؛ لأنه لا يتم تكفيرها إلا عن طريق المسيح المصلوب في زعم النصارى.
8- إن بين آدم وعيسى عليهما السلام زمناً طويلاً، فمعنى ذلك أن الله بقي متحيراً كل هذه المدة إلى أن اهتدى إلى الوسيلة التي يعقد المصالحة فيها بين الناس ونفسه.
9- إن الخطيئة وقعت من آدم عليه السلام فلا تنتقل إلى أبنائه، ولا يستحقون هم العقوبة عليها؛ لأنه لا أحد يعاقب بذنب غيره، بل هذا ينافي قواعد العدل، وقد نصَّ الله عزَّ وجلَّ على هذا في القرآن الكريم بقوله: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
10- هل من العدل أن يعاقب غير المذنب؟ والمسيح في زعم النصارى ابن الله، فهو ليس من جنس بني آدم، فكيف يعاقب بدلاً عن آدم وذريته ودعواهم أنه تقمص الجسد البشري لا يزيل هذه الحقيقة؛ لأنه ليس من جنس البشر حسب كلامهم.
11- أن المسيح في زعم النصارى ابن الله، فأين الرحمة التي جعلت الله في زعمهم يشفق على عبيده وخلقه، ويترك ابنه للعذاب والبلاء والإهانة واللعن والموتة الشنيعة ؟! 12- في زعم النصارى أن المسيح هو ابن الله وهو الله، وأن المصلوب المهان الملعون- تعالى الله عن قولهم، وتقدَّس- هو الله جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه، فهل يوجد كفر أعظم من هذا، وافتراء على الله أكبر من هذا.
13- هل يليق أو يعقل أن ينزل الله جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه من عليائه وعرشه، ويسمح لأبغض أعدائه إليه اليهود قتلة الأنبياء، والرومان الوثنين أن يهينوه ويعذبوه ويصلبوه ؟ ثم هو يفعل هذا لماذا؟ لأجل أن يرضي نفسه ؟ لأجل من؟ من أجل عبيده ؟
هذا مما لا يمكن أن يقال ويقبل بحال من الأحوال.
14- حسب عقيدة الفداء لدى النصارى يكون أعظم الناس برًّا وفضلاً على النصارى والبشرية عموماً اليهود والرومان والواشي بالمسيح؛ لأنهم الذين تحقق على أيديهم في زعم النصارى الهدف الأسمى الذي جاء من أجله المسيح، وهو الموت على الصليب.
15- إن جميع تحركات المسيح ودعوته وفق اعتقاد النصارى في الصلب والفداء لم تكن إلا تمثيلاً أحسن المسيح أداء الدور فيه، مما جعل اليهود يغضبون عليه، فيعلقونه على الصليب.
16- بناء على دعوى النصارى في أن المسيح فدى البشر بدمه، فمعنى ذلك أنه لا حاجة إلى الإيمان به واعتقاد صلبه وألوهيته وما إلى ذلك؛ لأن الخطيئة قد ارتفعت عن جميع البشر ببذله نفسه.
- إن دعوى النصارى بأن الصلب وقع على الجسد البشري الذي حمل الخطيئة، وأن هذا الجسد مات. دعوى تنقضها وتبطلها قصة قيامة المسيح عندهم، فلو كان تجسد لأجل تحمل الخطيئة، فالواجب أن يفني ذلك الجسد بعد حلول العقوبة عليه.
18- إن دعوى أن المسيح قام من قبره ولمسوه وتأكدوا منه، ثم ارتفع إلى السماء تنقض دعوى أنه ابن الله وأنه تجسد بالصورة البشرية؛ لأن الدور الذي تجسد من أجله قد أدَّاه وانتهى، ثم إن الجسد البشري لا حاجة إليه حيث يذهب المسيح في زعمهم عن يمين أبيه، وهذا من أوضح القضايا لو كانوا يعقلون.
وفي ختام الكلام على هذه العقيدة الباطلة لابد من الإشارة إلى أن الديانة النصرانية كلها تقوم على مسألة الصلب، وأن الدعوة إلى النصرانية تقوم عليها، إذ ليس في النصرانية أي عامل جذب يمكن أن يجذب الناس إليها، وليس فيها ما يمكن أن يتحدث فيه، ويقدم للناس سوى هذه القضية التي يركزون عليها تركيزاً شديداً، وهي مسألة: الصلب والفداء.
الفداء: هو اعتقاد النصارى أن موت المسيح كان كفارة لخطيئة آدم التي انتقلت إلى أبنائه بالوراثة.
أ- أدلة النصارى على الفداء
يزعم النصارى أن مستندهم في ذلك الكتاب المقدس، ونورد فيما يلي بعض النصوص التي يستدل بها النصارى لهذه العقيدة منها:
1- "أنا هو الراعي الصالح، الراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف". يوحنا (10/11).
2- " لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" يوحنا (3/16).
3- "إن ابن الإنسان لم يأت ليُخْدَمَ بل ليَخْدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" مرقص (10/45).
هذا مما ورد في الأناجيل.
ومما ورد في كلام النصارى في العهد الجديد
1- في رسالة يوحنا الأولى (3/16): " بهذا أظهرت المحبة أن ذاك وضع نفسه لأجلنا".
2- قال بولس في رسالته لكورنثوس (1/15/3): "مات من أجل خطايانا حسب الكتب ".
وأيضاً في كورنثوس (5/21): " إن الله جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا؛ لنصير نحن برَّ الله فيه ".
وقال في رسالته لأهل أفسس (2/16): " أسلم نفسه لأجلنا قربانا وذبيحة لله رائحة طيبة".
ب- بيان بطلان أدلتهم وكلامهم في الفداء:
الأدلة التي أوردها النصارى لا قيمة لها ولا اعتبار في مسألة الفداء؛ لعدة أمور.
أولاً: أن الاستدلال بما ورد في الأناجيل فرع عن ثبوت صحة تلك الأناجيل وسلامتها من التحريف، وقد سبق بيان حال هذه الأناجيل، وأن النصارى لا يملكون أدلة لثبوتها.
ومثلها في الضعف الرسائل الملحقة بها، وبولس الذي كثر كلامه عن الفداء في رسائله، كلامه غير مقبول؛ لأنه لم يشاهد المسيح، ولم يسمع كلامه، فما ذكره لم يسنده عن الحواريين، ولم يبين مصدره فيه، فهو من قِبَل نفسه.
ثانياً: أن جميع النصوص التي يذكرونها في الدلالة على أن الصلب وقع فداء للبشر ليس فيها نص واحد يعيِّن الخطيئة التي يزعم النصارى أن الفداء كان لأجلها، وهي خطيئة أبينا آدم التي انتقلت في زعم النصارى إلى أبنائه بالوراثة، فجميع النصوص لا تعيِّن هذا الأمر ولا تحدده، مما يدل على أنها من مخترعات النصارى المتأخرين، الذين حاولوا أن يرقعوا بها فساد القول بالفداء كفارة عن الخطايا.
ثالثاً: أن كلام النصارى في الخطيئة التي رفعها المسيح عليه السلام بموته المزعوم على الصليب كلام مضطرب، ولا ينصون في كلامهم على الخطيئة التي كفرها المسيح في كل مقام.
رابعاً: أن المراد من كون المسيح كفارة للخطايا أحد أمرين:
أحدهما: تكفير خطايا الناس التي اقترفوها في الماضي، أو التي سيقترفونها في المستقبل، وكلاهما باطل.
أما الخطايا الماضية فلا تستحق هذا الفداء الإلهي في زعمهم، وقد كان يتم تكفيرها بالتوبة والقربان لدى اليهود قبلهم وكان كافيا.
أما الخطايا المستقبلة فلا يستطيع النصارى أن يزعموا أن صلب المسيح مكفر لها؛ لأن ذلك يعني إباحتها، وعدم ترتب العقوبة على ذنب من الذنوب مهما عظم، وفي هذا إبطال لدعوة المسيح ودعوة الحواريين وبولس إلى تنقية النفس من الآثام والخطايا، وفتح للإباحية والفجور والكفر. مع العلم أن تكفير الخطايا إذا أطلق لا يراد به سوى ما وقع فيه الإنسان من الآثام، وهي الخطايا الماضية؛ إذ التكفير من كفر، أي: ستر وغطَّى، ولا يكون ذلك إلا فيما وقع وحدث.
ثانيهما: ما ذكره كثير من النصارى- وهو تكفير خطيئة آدم عليه السلام التي انتقلت إلى أبنائه- هو ادعاء باطل كما سبق بيانه، وسيأتي زيادة لبيان أوجه البطلان أيضا.
وحقيقة قولهم في الفداء هو: أنهم اخترعوا هذه الفرية، وادَّعوها بدون دليل من شرع أو عقل حتى يبرروا قضية الصلب التي اعتقدوها وآمنوا بها، ويرفعوا عن المسيح تلك السبة الشنيعة التي تلحقه بالصلب وهي اللعن.
وإننا لنعجب غاية العجب من هذا الاعتراف بعدم معقولية هذه العقيدة ثم الإصرار عليها، فهذا غاية الضلال والانحراف، وكان الأولى بهم إذ لم يعقلوا هذه المسائل أن يبحثوا في مصادرها حتى يظهر لهم الحق، فان تلك المصادر أساس الانحراف والضلال الذي يوجد لدى النصارى، سواء في ذلك الأناجيل أو الرسائل الملحقة بها، ولكن يزول عجبنا إذا علمنا أن ما عليه النصارى من انحراف وضلال إنما هو صيغة محسنة من الوثنيات السابقة، فرأى النصارى أنها شيء جميل بالنسبة لما كانوا عليه من الوثنيات، وما عرفوا الإسلام وما فيه من الحق والجمال والانسجام والوضوح الذي يبعث في النفس الطمأنينة والراحة، لما هي عليه من عقيدة، ولو أن النصارى وأهل الكتاب عموماً أصغوا إلى الدعوة الربانية الواردة في القرآن الكريم لزالت وانكشفت عنهم من الحيرة التي ولجوا فيها ولم يستطيعوا الخروج منها، ومن ذلك آيتان كريمتان فيهما شفاء لما هم فيه، أما الآية الأولى فقوله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .
أما الآية الثانية: فقوله عز وجل: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}.
بيان بطلان دعوى النصارى في الصلب والفداء
إن دعوى الصلب والفداء مناقضة في الحقيقة للشرع والعقل، فمما يبين ذلك ويدل على بطلان دعواهم- إضافة لما سبق- أن يقال لهم:
1- إن آدم عليه السلام الذي يزعمون أن الصلب والفداء كان لأجل خطيئته قد تاب من خطيئته بقوله عزَّ وجلَّ: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى}. وقد قبل الله توبته.
- إن ما وقع من آدم عليه السلام هو أكله من الشجرة بإغواء الشيطان له، وهذا ذنب منه في حقِّ الله عزَّ وجلَّ الذي نهاه عن الأكل منها، فالذنب بهذا لم يكن يلزم للتكفير عنه أن ينزل الرب جل وعلا ليصلب على الصليب، بعد أن يُهان ويُذل من أجل أن يرضي نفسه، بل الأمر يكفي فيه قبول التوبة ومغفرة الذنب فقط.
3- أن ما وقع من آدم عليه السلام يعتبر يسيرا بالنسبة لما فعله كثير من أبنائه من سب الله عزَّ وجلَّ والاستهزاء به، وعبادة غيره جلَّ وعلا، والإفساد في الأرض بالقتل، ونشر الفساد والفتن، وقتل أنبيائه ومحاربة أوليائه إلى غير ذلك، فهذه أعظم بكثير من خطيئة آدم عليه السلام. فعلى كلام النصارى أن الله لابد أن ينزل كل وقت ليصلب حتى يجمع بين عدله ورحمته في زعمهم.
4- إن صلب المسيح الذي هو الله في زعمهم- تعالى الله عن قولهم- قد تمَّ بلا فائدة تذكر، فإن خطيئة آدم ليست على بال بنيه ولا تقض مضاجعهم إنما ما يقلق الإنسان ويخيفه ذنوبه وجرائمه، وهذه لا تدخل في كفارة المسيح في زعمهم.
5- إن الأنبياء السابقين ليس فيهم من ذكر خطيئة آدم، وسأل الله أن يغفرها له، مما يدل على أنها من مخترعات النصارى.
6- إن الأنبياء السابقين والدعاة والصالحين قبل المسيح بناء على كلامهم هذا, كانوا يدعون إلى ضلالة، وقد أخطؤوا الطريق إذ لم يرشدوا الناس إلى حقيقة تلك الخطيئة، ويوعوهم بخطورتها، كما يفهمها النصارى.
7- إن الأنبياء السابقين وعباد الله الصالحين كلهم هالكون إذ لم تكفر عنهم تلك الخطيئة؛ لأنه لا يتم تكفيرها إلا عن طريق المسيح المصلوب في زعم النصارى.
8- إن بين آدم وعيسى عليهما السلام زمناً طويلاً، فمعنى ذلك أن الله بقي متحيراً كل هذه المدة إلى أن اهتدى إلى الوسيلة التي يعقد المصالحة فيها بين الناس ونفسه.
9- إن الخطيئة وقعت من آدم عليه السلام فلا تنتقل إلى أبنائه، ولا يستحقون هم العقوبة عليها؛ لأنه لا أحد يعاقب بذنب غيره، بل هذا ينافي قواعد العدل، وقد نصَّ الله عزَّ وجلَّ على هذا في القرآن الكريم بقوله: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
10- هل من العدل أن يعاقب غير المذنب؟ والمسيح في زعم النصارى ابن الله، فهو ليس من جنس بني آدم، فكيف يعاقب بدلاً عن آدم وذريته ودعواهم أنه تقمص الجسد البشري لا يزيل هذه الحقيقة؛ لأنه ليس من جنس البشر حسب كلامهم.
11- أن المسيح في زعم النصارى ابن الله، فأين الرحمة التي جعلت الله في زعمهم يشفق على عبيده وخلقه، ويترك ابنه للعذاب والبلاء والإهانة واللعن والموتة الشنيعة ؟! 12- في زعم النصارى أن المسيح هو ابن الله وهو الله، وأن المصلوب المهان الملعون- تعالى الله عن قولهم، وتقدَّس- هو الله جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه، فهل يوجد كفر أعظم من هذا، وافتراء على الله أكبر من هذا.
13- هل يليق أو يعقل أن ينزل الله جلَّ جلاله وتقدست أسماؤه من عليائه وعرشه، ويسمح لأبغض أعدائه إليه اليهود قتلة الأنبياء، والرومان الوثنين أن يهينوه ويعذبوه ويصلبوه ؟ ثم هو يفعل هذا لماذا؟ لأجل أن يرضي نفسه ؟ لأجل من؟ من أجل عبيده ؟
هذا مما لا يمكن أن يقال ويقبل بحال من الأحوال.
14- حسب عقيدة الفداء لدى النصارى يكون أعظم الناس برًّا وفضلاً على النصارى والبشرية عموماً اليهود والرومان والواشي بالمسيح؛ لأنهم الذين تحقق على أيديهم في زعم النصارى الهدف الأسمى الذي جاء من أجله المسيح، وهو الموت على الصليب.
15- إن جميع تحركات المسيح ودعوته وفق اعتقاد النصارى في الصلب والفداء لم تكن إلا تمثيلاً أحسن المسيح أداء الدور فيه، مما جعل اليهود يغضبون عليه، فيعلقونه على الصليب.
16- بناء على دعوى النصارى في أن المسيح فدى البشر بدمه، فمعنى ذلك أنه لا حاجة إلى الإيمان به واعتقاد صلبه وألوهيته وما إلى ذلك؛ لأن الخطيئة قد ارتفعت عن جميع البشر ببذله نفسه.
- إن دعوى النصارى بأن الصلب وقع على الجسد البشري الذي حمل الخطيئة، وأن هذا الجسد مات. دعوى تنقضها وتبطلها قصة قيامة المسيح عندهم، فلو كان تجسد لأجل تحمل الخطيئة، فالواجب أن يفني ذلك الجسد بعد حلول العقوبة عليه.
18- إن دعوى أن المسيح قام من قبره ولمسوه وتأكدوا منه، ثم ارتفع إلى السماء تنقض دعوى أنه ابن الله وأنه تجسد بالصورة البشرية؛ لأن الدور الذي تجسد من أجله قد أدَّاه وانتهى، ثم إن الجسد البشري لا حاجة إليه حيث يذهب المسيح في زعمهم عن يمين أبيه، وهذا من أوضح القضايا لو كانوا يعقلون.
وفي ختام الكلام على هذه العقيدة الباطلة لابد من الإشارة إلى أن الديانة النصرانية كلها تقوم على مسألة الصلب، وأن الدعوة إلى النصرانية تقوم عليها، إذ ليس في النصرانية أي عامل جذب يمكن أن يجذب الناس إليها، وليس فيها ما يمكن أن يتحدث فيه، ويقدم للناس سوى هذه القضية التي يركزون عليها تركيزاً شديداً، وهي مسألة: الصلب والفداء.
الصفحة الأخيرة
الاتحاد لدى النصارى المراد به هو: أن الله - تبارك وتعالى - اتخذ جسد المسيح له صورة، وحلَّ بين الناس بصورة إنسان هو المسيح، تعالى الله عما يقولون.
أدلتهم على دعواهم في الاتحاد (التجسد):
النصارى يزعمون أن لهم أدلة على هذه الدعوى، ومن أظهر ما يستدلون به على ذلك ما ورد في إنجيل يوحنا في بدايته (1/1-14) من قول صاحب الإنجيل: "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله... والكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا".
ومن أدلتهم أيضاً ما ورد في إنجيل متى (1/23) من البشارة بالمسيح وهو قولهم: "وهذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: "هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً، ويدعون اسمه "عمانوئيل" الذي تفسيره الله معنا".
ويستدلون أيضاً بقول بولس في رسالته الأولى لتيموثاوس (3/16): "عظيم هو سر التقوى. الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح".
كما يستدلون أيضاً بما ورد في الرسالة إلى العبرانيين (1/2)
"الذي به أيضاً عمل العالمين الذي هو بهاء مجده، ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته".
فهذا أهم ما يستدلون به ويعولون عليه في هذه القضية الخطيرة والعقيدة العجيبة.
الرد عليهم:
يُرد على النصارى في هذه العقيدة الباطلة من عدة أوجه:
أولاً: هذه العقيدة من المستحيل عقلاً قبولها؛ لأنها تعني أن الله جلَّ جلاله، وتقدست أسماؤه قد تقمص هيئة النطفة أو هيئة الجنين، ودخل في بطن مريم، وعاش في تلك الأوحال والأقذار فترة من الزمن، يرتضع الدم ثم اللبن، وتمرُّ عليه أحوال وأطوار الجنين والوضع ثم الطفولة ومستلزماتها.
فهل في الأقوال والتصورات أشد بطلاناً وأقبح تصوراً من هذه العقيدة وهذه المقولة؟ إن الإنسان السوي ليعجز عن التعبير عن قباحة مثل هذه اللوازم لهذه المقولة الفاسدة.
ثم يقال لهم: من الذي كان يدير العالم ويدبر شؤونه وربه وسيده ومدبره في زعمهم الفاسد في بطن امرأة فهل يعقل النصارى ما يقولون ويزعمون، أم لا يعقلون؟
ثانياً: إن دعوى التجسد لديهم بما فيها من اللوازم الفاسدة، والتصورات القبيحة المهينة في حق الله جلَّ جلاله، وتقدست أسماؤه إنما هي مبررات للصلب ثم الفداء في زعمهم - وسيأتي بيان بطلان ذلك كله، وأنها من مخترعات النصارى التي لا دليل عليها - فعلى ذلك فما بني على باطل فهو باطل أيضاً.
ثالثاً: ما يستندون إليه مما ورد في إنجيل يوحنا فقد سبق بيان عدم الثقة به؛ لعدم وجود إسناد يثبت صحة ذلك الإنجيل، وأنه أقل الكتب نصيباً من الصحة، بل صرَّح الكثير من النصارى- كما سبق بيانه- بأنه إنجيل مزور، كما أن النص المذكور منه هو نص مضطرب لفظاً ومعنى، ولا يتضح مدلوله، إنما ينبئ عن عقيدة مهزوزة مضطربة، ليست واضحة المعالم لدى قائله، فقوله: " في البدء كان الكلمة ". ما هو الذي كان الكلمة؟ إذا كان الله تعالى، فهل الله كلمة؟ هذا ما يبدو من سياق العبارة حيث يضيف "وكان الكلمة الله" فهل في عقيدة النصارى أن الله كلمة ؟
ذلك باطل ولا يقول به النصارى، كما أن معنى ذلك أن كلمة أنتجت كلمة، والكلمة الأولى هي الله، والكلمة الثانية هي المسيح، ولا يقول النصارى بذلك، فهي عبارة مضطربة لا معنى لها في عقيدة النصارى.
ثم ما المراد بالبدء؟ هل يعنى ذلك بداية الله، أم بداية الكلمة التي يزعمون أنها المسيح؟ كلاهما باطل في عقيدة النصارى، فهم يعتقدون أن الله أزلي والكلمة معه أزلية, وأن الله لم يسبق المسيح في الوجود، فهذه أيضاً لا مدلول ولا معنى لها في عقيدة النصارى، بل هي تناقض عقيدتهم.
وما بعدها أعجب منها حيث يقول: "وكان الكلمة عند الله". فكيف هي الله؟ وكيف هي عنده؟ هذا ما لا يقبله العقل السليم، أما عقول النصارى الضالة فتقبله؛ لأنهم يزعمون أن المسيح هو ابن الله وهو الله، وهو عند الله في وقت واحد.
ثم قوله: "والكلمة صار جسداً ثم حلَّ بيننا ". هذا بيت القصيد لدى النصارى، وهو أن الكلمة تحولت إلى جسد، وهو المسيح، وحلَّت بين الناس، ومرادهم بالكلمة في تأويلاتهم الفلسفية: عقل الله أو فكر الله، وهي مقولة الفلاسفة الوثنيين حيث زعموا أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد، وهذا الذي صدر عنه هو العقل الفعَّال، وهو الذي خُلق العالم بواسطته، فهذه مقولة الفلاسفة اقتبسها كاتب الإنجيل، وضمنها كتابه بدون أي مستند من وحي سماوي.
رابعاً: النص المذكور من إنجيل متى واستشهادهم بالنبوءة السابقة قد سبق بيان أنها غلط من أغلاطهم، ومن دلائل تحريفهم، وأن ما كتبوه إنما أملاه البشر، وليس من عند الله؛ إذ إن هذه النبوءة المقصود بها شخص آخر ولد وتحققت النبوءة، وانتهت في زمن ذلك النبي "إشعياء"، كما نص على ذلك العهد القديم.
فعليه فهو استشهاد خاطئ، وما بني عليه خطأ وضلال، ثم إن النصارى- لتعمقهم في إضلال أنفسهم وأتباعهم- يحرفون تفسيره من "الله معنا" إلى "الله ظاهر لنا"، ومعلوم أن معية الله لا يتضح منها التجسد صراحة، فأضافوا "الله ظاهر لنا" حتى تكون مفسرة للمعية، وهذا من تعمقهم في الضلال وإضلال الناس.
خامساً: ما أوردوه من كلام بولس هو كلام مردود عليه وغير مقبول؛ إذ يجب عليه أن يبين مستنده لما يقول من كلام المسيح نفسه، وإلا يعتبر مدعيا كاذبا، وهذه حقيقة ذلك الرجل الذي أضل النصارى عن دين المسيح حيث تنسب إليه جميع التحريفات التي عليها النصارى.
سادساً: ما أوردوه من الرسالة إلى العبرانيين، فإن صحَّ كلامهم في نسبة الرسالة إلى بولس فالقول فيها ما سبق. وإن لم يثبت نسبتها إلى بولس، فكيف يأخذ النصارى عقيدة خطيرة كهذه من كتاب لا يعرف كاتبه، ولا يدرى من هو ؟!
قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ}