فيا حسرة لمعاقب لا يدري أن أعظم العقوبة عدم الإحساس بها .

الملتقى العام

استغفر الله الذي لااله الا هو الحي القيوم واتوب اليه

التقوي سبب الخروج من كل غم


ضاق بي أمر أوجب غماً لا زماً دائماً ، و أخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة و بكل وجه . فما رأيت طريقاً للخلاص ، فعرضت لي هذه الآية : و من يتق الله يجعل له مخرجاً . فعلمت

أن التقوى سبب للمخرج من كل غم . فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج .
فلا ينبغي لمخلوق أن يتوكل أو يتسبب أو يتفكر إلا في طاعة الله تعالى و إمتثال أمره ، فإن ذلك سبب لفتح كل مرتج .
ثم أعجبه أن يكون من حيث لم يقدره المتفكر المحتال المدبر ، كما قال عز وجل : و يرزقه من حيث لا يحتسب .
ثم ينبغي للمتقي أن يعلم أن الله عز وجل كافيه فلا يعلق قلبه بالأسباب ، فقد قال عز وجل : و من يتوكل على الله فهو حسبه .

تدبير الحق خير من تدبيرك
من العجب إلحالك في طلب أغراضك و كما زاد تعويقها زاد إلحاحك ، و تنسى أنها قد تمنع لأحد أمرين ،

إما لمصلحتك فربما معجل أذى ، و أما لذنوبك فإن صاحب الذنوب بعيد من الإجابة ، فنظف طرق الإجابة من أوساخ المعاصي ، و انظر فيما تطلبه هل هو لإصلاح دينك ، أو لمجرد هواك ؟
فإن كان للهوى المجرد ، فاعلم أن من اللطف بك و الرحمة لك تعويقة ، و أنت في إلحاحك بمثابة الطفل يطلب ما يؤذيه ، فيمنع رفقاً به .



و إن كان لصلاح دينك فربما كانت المصلحة تأخيره ، أو كان صلاح الدين بعدمه .
و في الجملة تدبير الحق عز وجل لك خير من تدبيرك ، و قد يمنعك ما تهوى إبتلاء ليبلو صبرك فأره الصبر الجميل تر عن قرب ما يسر .
و متى نظفت طرق الإجابة من أدران الذنوب ، و صبرت على ما يقضيه لك ، فكل ما يجري أصلح لك ، عطاء كان أو منعاً .

الإستعداد ليوم الرحيل

يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعداً ، و لا يغتر بالشباب و الصحة ، فإن أقل من يموت الأشياخ ، و أكثر من يموت الشبان و لهذا يندر من يكبر ، و قد أنشدوا :
يعمر واحد فيغر قوماً و ينسى من يموت من الشباب
و من الإغترار طول الأمل ، و ما من آفة أعظم منه ، فإنه لولا طول الامل ما وقع إهمال أصلاً . و إنما يقدم المعاصي و يؤخر التوبة لطول الأمل و تبادر الشهوات ، و تنس الإنابة لطول الأمل


. و إن لم تستطع قصر الأمل ، فإعمل عمل قصير الأمل و لا تمس حتى تنظر فيما مضى من يومك ، فإن رأيت زلة فامحها بتوبة . أو خرقاً فارقعه بإستغفار ، و إذا أصبحت فتأمل ما مضى في ليلك . و إياك و التسويف فإنه أكبر جنود إبليس :
و خذ لك منك على مهله و مقبل عيشك لم يدبر
و خف هجمة لا تقيل العثا ر و تطوي الورود على المصدر
و مثل لنفسك أي الرعيل يضمك في حلبة المحشر
ثم صور لنفسك قصر العمر ، و كثرة الأشغال ، و قوة الندم على التفرط عند الموت ، و طول الحسرة على البدار بعد الفوت .
و صبور ثواب الكاملين و أنت ناقص ، و المجتهدين و أنت متكاسل ، و لا تخل نفسك من موعظة تسمعها ، و فكرة تحادثها بها ، فإن النفس كالفرس المتشيطن إن أهملت لجامه لم تأمن أن يرمي بك . و قد و الله دنستك أهواؤك ، و ضيعت عمرك .
فالبدار في الصيانة ، قبل تلف الباقي بالصبانة . فكم تعرقل في فخ الهوى جناح حازم ، و كم وقع في بئر بوار مخمور . و لا حول و لا قوة إلا الله .

أصلح ما بينك و بين الله

الحذر الحذر من المعاصي . فإن عواقبها سيئة ، و كم من معصية لا يزال صاحبها في هبوط أبداً مع تعثير أقدامه ، و شدة فقره و حسراته على ما تفوته من الدنيا ، و حسرة لمن نالها .
فلو قارب زمان جزائه على قبيحه الذي ارتكبه كان اعتراضه على القدر في فوات أغراضه يعيد العذاب جديداً ، فوا أسفاً لمعاقب لا يحسن بعقوبته .
و آه من عقاب يتأخر حتى ينسى سببه .
أو ليس ابن سيرين يقول :
و ابن الخلال يقول : .
فوا حسرة لمعاقب لا يدري أن أعظم العقوبة عدم الإحساس بها .
الله الله في تجويد التوبة عساها تكف كف الجزاء ، و الحذر الحذر من الذنوب خصوصاً ذنوب الخلوات ، فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه ، و أصلح ما بينك و بينه في السر و قد أصلح لك أحوال العلانية .
و لا تغتر بستره أيها العاصي فربما يجذب عن عورتك ، و لا بحلمه فربما بغت العقاب .
و عليك بالقلق و اللجأ إليه و التضرع . فإن نفع شيء فذلك ، و تقوت بالحزن ، و تمزز كأس الدمع ، و احفر لمعول الأسى قليب قلب الهوى ، لعلك تنبط من الماء ما يغسل جرم جرمك .

• : لا يضيع عند الله شيء إخواني : اسمعوا نصيحة من قد جرب و خبر .
إنه بقدر إجلالكم لله عز وجل يجلكم ، و بمقدار تعظيم قدره و احترامه يعظم أقداركم و حرمتكم .
و لقد رأيت و الله من أنفق عمره في العلم إلى أن كبرت سنه ، ثم تعدى الحدود فهان عند الخلق ، و كانوا لا يلتفتون إليه مع غزارة علمه ، و قوة مجاهدته .
و لقد رأيت من كان يراقب الله عز وجل في صبوته ـ مع قصوره بالإضافة إلى ذلك العالم ـ فعظم الله قدره في القلوب حتى علقته النفوس ، و وصفته بما يزيد على ما فيه من الخير .
و رأيت من كان يرى الإستقامة إذا استقام ، فإذا زاغ مال عنه اللطف ، و لولا عموم الستر و شمول رحمة الكريم لا فتضح هؤلاء المذكورون ، غير أنه في الأغلب تأديب أو تلطف في العقاب كما قيل :
و من كان في سخطه محسنا فكيف يكون إذا ما رضى
غير أن العدل لا يحابي ، و حاكم الجزاء لا يجور ، و ما يضيع عند الأمين شيء .



صيد الخاطر لابن الجوزي
11
1K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

000الملكه000
000الملكه000
جزاكي الله كل خير
BENT NASS
BENT NASS
جزاكي خير
ام الفـاتح
ام الفـاتح
جزاكي الله كل خير
@ام سارة @
@ام سارة @
جزاكي الله خير
حبيبتهم (أم عبدالعزيز)
واياكن ونفعنا الله بما نقرأ ونكتب واتمنى من يقرأ موضوعي ان يرفعه للفائده لاحرمنا الله واياكن الاجر