جيهان غير

جيهان غير @gyhan_ghyr

محررة برونزية

في الطائرة

الترفيه والتسلية

المقالة لـــ/عبدالله الناصر
جريدة الرياض.


في الطـــــــــائــــــرة

عندما أخذت مجلسي من الطائرة، جلس بجانبي وهو يتأفف ثم قال لي: تسمح لي يا أخي أن أجلس بجانب النافذة،

وتجلس أنت مكاني!! استغربت تطفله ثم قلت: لا مانع، ولما هممت بالقيام أشار بيده وقال: لا لا داعي.. وحينما

تحركت الطائرة في المدرج قال لي: يا أخي الظاهر إن الطيار عليمي، والطيارة "مبوشة" اسمع صوتها كأنه صوت

ماكينة "بلاكستون".. قلت في نفسي سوف تطول الرحلة بجانب هذا المخبول.. وصرت أتلفت لعلي أجد كرسياً فارغاً

وأهرب منه.. ولكن الطائرة كانت مشحونة، وعندما أقلعت قال: اسمع اسمع يا أخي لها "قرقعة"، الظاهر أنهم

مستأجرينها من الصومال!! ثم قال: شف يا أخي جناحها يهتز كأنه عسيب نخلة.. قلت في نفسي لا حيلة لي من هذا

البلوى إلا أن أتناوم، فضغطت الزر وأملت ظهر الكرسي، وتمددت، وغطيت جسدي، ولكن بعد لحظات فاجأني بأن نخز

جنبي وقال: قم.. قم شف مزارع القمح تحتنا، رشاشات ما لها أول ولا آخر، نحن فوق القصيم.. فانفجرت غضباً وقلت:

ألا تستحي؟ منذ أن جلست بجانبي وأنت تتعمد إزعاجي تريد أن تأخذ مكاني، ثم تتحدث عن الطائرة و "البلاكستون"،

والقرقعة ثم توقظني لتريني مزارع القمح؟! يا أخي اخجل، قليلاً ودعني أنام، صفّر مرتين وقال: "أوه أثر صاحبنا عصبي

وحماق.. يا أخوي خلاص نم نم".. وفعلاً تمددت على الكرسي وغطيت وجهي، ورحت أسأل نفسي عن هذا الرجل

الغريب في تصرفه وسلوكه ومنطقه وما الذي جعله يمارس كل هذا الأذى والإزعاج؟! وأفكر في كلمة "مبوشة" فمن

أين جاءت كلمة التبويش، أعرف أن البوش هم الجماعة المختلطون عندما يكون لهم ضجيج.. وأعرف أيضاً أن كلمة

أوباش هي جمع مقلوب لكلمة "بوش" فهل التبويش جاء من ضجيج الآلة وعدم سلاستها أم ماذا؟ ضحكت في سري

وقلت: بوش في بوش.. المسألة كلها مبوشة!! وفي هذه الأثناء وأنا في غمرة تفكيري وتساؤلاتي غمز جانبي ورفع

الغطاء عن رأسي وقال: يا أخي عسى ما أنت زعلان؟ اعتدلت في جلستي وناديت المضيف وشكوت له وضعي،

وشرحت له قصتي مع الرجل، وإزعاجه لي، وطلبت منه أن يجد لي حلاً.. وحين سمعه كلامي أنكر وصاح وناح وقال: إنه

يكذب علي ثم أردف مخاطباً المضيف: أيعقل أن أقوم بمثل هذا؟! اسأل الذين بجوارنا إن كانوا شاهدوا شيئاً مما ذكر!!

ونظر إلى المضيف باستنكار، فحاولت أن اشرح الأمر له ولكنه صدّعني في استخفاف.. وحينما عاد المضيف التفت

جاري إلي ودلع لسانه في وجهي.!!.

فكظمت غيظي وقلت في نفسي: الآن يأتي دور الحكمة والروية أمام هذا الأهبل قال لي: "هاه وش رايك"؟

فقلت: "صبر جميل والله المستعان" قال: "انك لن تستطيع معي صبراً" قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله.. قال: نعم القوة

والحول لله، وليست لك.. قلت: صدقت، ولكنني سأستعين بالله عليك.. فأنت شيطان، بل أنت كما يقول المثل

الشعبي لدينا "نزغة شيطان" قال فجأة: كيف الحال؟ فقلت: بألف نعمة كما ترى، جار لطيف وصاحب ظريف..

قال: "وش رايك تغني "هجيني" من اللي يحبه قلبك..!!"

"أمس الضحى مر طيارة"

قلت له: أنا لا أجيد الغناء.. فقال: لا يا شيخ.. علي أنا!؟

قلت: غن أنت أولاً ثم أتبعك..

لكنه عاد ليقول: "تدري بلاش من الغناء، وش رايك تؤذن؟" قلت: عليك الأذان وعلي الإقامة، ووضع أصابعه في أذنيه

ورفع رأسه وهم كأنه يريد أن يؤذن ثم توقف، وقال: يا أخي نسيت الأذان!!

قلت: سوف أكتبه لك.. قال: أنا لا أقرأ ولا أكتب!

قلت: سوف ألقنك قال: ما ينفع..

سكت قليلاً ثم قال:ما أخبار الذاكرة؟ قلت: ذاكرة من؟ قال: ذاكرتك أنت.. قلت: لا بأس بها.. قال: بل ألف بأس!!

قلت: لا حول ولا قوة إلا بالله.. فرد بسرعة: العلي العظيم

ثم دنا وقرب وجهه مني جداً وحملق في وجهي وابتسم ثم ضحك وقال: ألم تعرفني بعد؟! فحدقت فيه وقد بهتّ

وأصبت بالحيرة وقلت لا.. قال: أنا إبراهيم.. إبراهيم" البلاكستون" تشوشت ذاكرتي قليلاً وارتبكت لكنني تذكرته

فنهضت ونهض وتعانقنا

وقال: لقد ألمحت لك يا أخي "بالبلاكستون" فلم تتذكر، وبالأذان فلم تتذكر!! وكان إبراهيم هذا يسمونه في

المدرسة "البلاكستون" لقوته وكثرة كلامه ولجاجته، وكانوا يطلقون عليه: ولد المذن لأن والده كان مؤذناً.

وعجبت لطول الأيام بيننا وسرعتها فكأن لم يكن بيني وبين تلك الذكريات إلا ليلة واحدة، ومع هذا فقد غيرتنا الأيام إلى

درجة أنني لم أعرفه، وسألته عن أموره فقال: لقد عركتني الأيام.. استقلت من الوظيفة وعملت في تجارة العقار، ثم

في الأسهم التي سحقتني ونتفت ريشي.. واليوم أعمل معقباً، من دائرة إلى دائرة "ومن يد نشيط إلى يد نشيط"

كما يقولون، والأمور مستورة ولله الحمد.. ثم قال هامساً : أبشرك أخوك متزوج على أم العيال ثنتين - زواج مسيار -

واحدة لا أحبها ولكنها تصرف علي!! والأخرى أحبها واصرف عليها مما تصرفه علي الأولى!! فقلت: أجاد أنت؟ فأقسم

وهو يضحك، ولست ادري إن كان جاداً أم هازلا غير أنه كاد يغشى علي من شدة الضحك على تلك التي تصرف عليه

ولا يحبها! وعلى تلك التي يحبها ويصرف عليها من مال تلك!! مع أنني أرجح أنه كان هازلاً فهو لا يزال كما عهدته يمزج

الجد بالهزل كطفل تتلبسه شقاوة الأطفال!!.

وكادت تطفر دمعة من عيني على تلك الأيام الخوالي من ذلك الزمن الجميل زمن الطفولة زمن البراءة والمحبة، ونظافة

القلوب، وهبطت الطائرة بنا وافترقنا على عهد بأن نلتقي قريباً إذا أذن الله.
41
2K

يلزم عليك تسجيل الدخول أولًا لكتابة تعليق.

تسجيل دخول

janet
janet
يسلموووووووووووووووووووووو
خجولة حواء
خجولة حواء
حلوووة القصه
يسلموووووووووووووو
**شهود**
**شهود**
مشكووووووووووووووووووورة
جيهان غير
جيهان غير
لا يمكنك مشاهدة هذا التعليق لانتهاكه شروط الاستخدام.
أشكرك ع المرور :26:




هلابك خجولة حواء نورتي الموضوع:26:



اشكرك ع المرور :26:
جيهان غير
جيهان غير
لا يمكنك مشاهدة هذا التعليق لانتهاكه شروط الاستخدام.
وأنتى أحلى وأشكرك ع مرورك:26: