Australian girl
Australian girl
قلت : " سترى ! " و انطلقت نحو الحديقة ... لم تعد حديقتنا كما كانت في السابق ، خضراء نظرة ... بل تحولت إلى صحراء صفراء جافة ... انقبض قلبي لدى رؤيتها بهذا الشكل ... أخذت أتلفت فيما حولي و سيف يراقبني باستغراب وقعت أنظاري على أدوات الشي التي نضعها في إحدى الزوايا ، في الحديقة كم كانت أوقاتا سعيدة تلك التي كنا نقضيها في الشواء توجهت إليها و أخذت احفر الرمال ... " ما الذي تفعله بربك يا وليد ؟؟! هل أخفيت كنزا هناك ؟؟ " و ما أن أتم سيف جملته حتى استخرجت مفتاحا من تحت الرمال ! تبادلت أنا و سيف النظرات و الابتسامات ، ثم قال : " عقلية فذة ! كما كنت دائما ! " و ضحكنا ... كنت أخفي مفتاحا احتياطيا في تلك الزاوية تحت الرمال منذ عدة سنوات ... و أخيرا دخلت المنزل للحظة الأولى أصابت جسدي القشعريرة لرؤية الأشياء في غير أمكنتها ... تجولت في الممرات و شعرت بالضيق للسكون الرهيب المخيم على المنزل ... عادة ما كان البيت يعج بأصوات الأطفال و صراخهم ... صعدت إلى للطابق العلوي قاصدا غرفة نومي ، حيث تركت ذكريات عمري الماضي ... و حين هممت بفتح الباب ، وجدتها مقفلة ... " تبا ! " توجهت بعد ذلك إلى غرفة رغد الصغيرة ، المجاورة لغرفتي مباشرة .. مددت يدي و أمسكت بالمقبض ، و أغمضت عيني ، و أدرت المقبض ، فلم ينفتح الباب ... كانت هي الأخرى مقفلة أدرت المقبض بعنف ، و ضربت الباب غيظا ... و ركلته من فرط اليأس ... أخذت أحاول فتح بقية الغرف لكنني وجدتها جميعا مقفلة فشعرت و كأن الدنيا كلها ... مقفلة أبوابها أمامي ... عدت إلى غرفة رغد و أنا منهار ... جثوت على الأرض و أطلقت العنان لعبراتي لتسبح كيفما تشاء ... " أين ذهبتم ... و تركتموني ؟؟ ... " أغمضت عيني و تخيلت ... تخيلت الباب ينفتح ، فأرى ما بالداخل ... على ذلك السرير تجلس رغد بدفاتر تلوينها ، منهمكة في التلوين ... و حين تحس بدخولي ترفع رأسها و تبتسم و تهتف : وليــــــــد ! ثم تقفز من سريرها و تركض إلي ... فألتقطها بين ذراعي و أحملها عاليا ! " أين أنتم ؟ عودوا أرجوكم ... لا تتركوني وحيدا ... " كنت أبكي بحرقة و مرارة و عيناي تجولان في أنحاء المنزل و أتخيل أهلي من حولي ... هنا و هناك ... و أتوهم سماع أصواتهم ... لقد رحلوا ... و تركوا المنزل خاليا و الأبواب مقفلة ... و وليد وحيدا تائها ... هل تخلوا عني ؟؟ هل أصبحت في نظرهم ماض يجب نسيانه ؟ مجرما يجب إلغائه من الحسبان ؟؟ كيف يمتنعون عن زيارتي و السؤال عني كل هذه السنين ... ثم يرحلون ... أخرجت الصورتين اللتين احتفظ بهما منذ سنين من أحد جيوبي ... و جعلت أتأمل وجوه أهلي و أناديهم ... واحدا تلو الآخر كالمجنون ... أبي ... أمي ... سامر ... دانه ... رغد ... لقد عدت ! أين أنتم ؟؟ أجيبوا أرجوكم ...
قلت : " سترى ! " و انطلقت نحو الحديقة ... لم تعد حديقتنا كما كانت في السابق ،...
وصلنا للمدينة الصناعية مساء اليوم التالث ، و قد نال منا التعب ما نال

لذا فإن سيف أراد استئجار شقة نقضي فيها ليلتنا لنبدأ البحث في اليوم التالي ...



" ماذا ؟ لا أرجوك ! لا أستطيع الانتظار لحظة بعد ! "


تنهد سيف و قال :


" يا عزيزي دعنا نبات الليلة و غدا نذهب إلى بلدية المدينة و نسألهم عن أهلك ! أين تريدنا أن نبحث الآن ؟؟ نطرق أبواب المنازل واحدا بعد الآخر ؟؟ "



" أجل ! أنا مستعد لفعل ذلك ! "



ابتسم سيف ، ثم ربت على كتفي و قال :


" صبرت كثيرا ! اصبر ليلة أخرى بعد ! "




لم تمر علي ساعات أبطأ من هذه من قبل ...

لم أنم حتى لحظة واحدة و أصابني الإعياء الشديد و الصداع

و في اليوم التالي ، وقفنا عند إحدى محطات الوقود ، و ذهب سيف لشراء بعض الطعام و هممت باللحاق به ، لكنني شعرت بالتعب الشديد ...




عندما عاد سيف ، التفت نحوي مقدما بعض الطعام إلي :


" تفضل حصتك ! "


هززت رأسيا ممتنعا ، فأنا لا أشعر بأي رغبة في الطعام فيما أنا قد أكون على بعد قاب قوسين أو أدنى من أهلي ...




أسندت رأسي على المعقد و رفعت يدي إلى جبيني و ضغطت على رأسي محاولا طرد الصداع منه ...



" أ أنت بخير ؟؟ "


سألني سيف ، فأجبت :


" صداع شديد "


" خذ تناول بعض الطعام و إلا فإنك ستنهار ! "




و هززت رأسي مجددا ...

ثم التفت إليه و قلت :


" هل لي ببعض المال ؟؟ "



أخرج سيف محفظته من جيبه و دفعها إلي ... فأخذتها ، و فتحت الباب قاصدا النزول و الذهاب إلى البقالة المجاورة ...




ما كدت أقف على قدمي حتى انتابني دوار شديد فانهرت على المقعد ...




" وليد ! "




تركت رجلي متدليتين خارج السيارة و أنا عاجز عن رفعهما


سيف أسرع فعدّل من وضعي و سأل بقلق :




" أ أنت بخير ؟؟ "


" دوار ... "



أسرع سيف فقرب عبوة عصير من شفتي و قال :


" اشرب قليلا "


رشفت رشفتين أو ثلاث ، و اكتفيت . سيف كان قلقا و ظل يلح علي بتناول بعض الطعام ألا أنني لم أكن أشعر بأدنى رغبة حتى في شم رائحته ...




بعد قليل ، زال الدوار جزئيا و فتحت عيني ، و مددت بالمحفظة إلى سيف و قلت :



" هل لي بعلبة سجائر ؟ "









كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشر ليلا ، حينما أشار آخر شخص سألناه عن منزل شاكر جليل ، أبي وليد ، إلى منزل صغير يقع عند المنعطف التالي ...



سأل سيف الرجل :


" أ أنت متأكد ؟ شاكر جليل المكنى بأبي وليد ، رجل قدم مع عائلته من وسط البلاد ؟"



" نعم إنه هو و يقيم هنا منذ سبع أو ثمان سنين ! "





لم يكن الشيء الذي يهتز هو قلبي فقط ، بل و أطرافي ، و شعري ، و مقعدي بل و السيارة أيضا !



تبادلنا أنا و سيف النظرات ... ثم تحرك بالسيارة ببطء حتى أصبحنا إزاء المنزل مباشرة ...



" هيا يا وليد ... "


بقيت في مكاني و لم تخرج مني بادرة تشير إلى أنني أنوي النهوض


" وليد ! هيا بنا ! أم تفضل الانتظار حتى الغد فربما يكون الجميع نيام ! "



قلت بسرعة :


" لا لا ... مستحيل أن أنتظر دقيقة بعد ... "


و مع ذلك ، بقيت في مكاني بلا حراك ، عدا عن الاهتزازات التي تعرفون ...





" ما بك ؟ قلق ؟؟

" ماذا لو لم يكن المنزل المقصود أو العائلة المعنية ؟؟ هل نستمر في البحث أكثر ؟؟ أنا مجهد جدا "

" هوّن عليك ، ربما وصلنا أخيرا . سنتأكد من ذلك "






كيف لي أن أبقى صامدا قويا و أنا على وشك رؤية أهلي ... ؟؟

في داخل هذا المنزل ... يعيش أمي و أبي ... و أخي و أختي ... و الحبيبة رغد !

ربما هم نيام الآن !

لا بد أنهم سيفاجؤون لدى رؤيتي ....

كم أنا مشتاق إليكم جميعا ...

إن هي إلا لحظات ... و ألتقي بكم !

يا إلهي ! أكاد أموت من الشوق و القلق ...





أخرجت الصورتين من جيبي و أخذت أتأمل أفراد عائلتي ...

ثم ثبت أنظاري على صورة رغد ، و هي تلون ...

رغد ...

يا حلوتي الصغيرة ...

ها أنا قد عدت ...


" دعك من الصورة ... و هيا إلى الأصل ! "



قال سيف و هو يفتح الباب و ينزل ...















قرعنا الجرس مرارا ... حتى خشيت أن يكون البيت قد هجر ... و أهلي قد رحلوا ... و أملي قد ضاع ...


و لكن الباب انفتح أخيرا ...


و أطل منه شاب يافع ... طويل القامة ... نحيل الجسم ... مشوّه الوجه بندبة أكدت لي بلا لا يقبل الشك ... أنه شقيقي الوحيد ... سامر ....




" سامر ... يا أخي ! "












دخلت في دوامة لا أستطيع وصفها ... من الصراخ و الهتاف ... البكاء و النحيب ... الدموع و العناق ...


تلقفتني الأيدي و الأذرع و الأحضان ... و أمطرت بالقبل و امتزجت الدموع بالآهات و التهاليل بالولاول ... و ما عدت أدرك إن كان أهلي من حولي حقا ؟ أم أنني توهمت خروجهم من الصورة ...؟




لقد مضى وقت لا أعرف مقداره و أنا أدور بين أحضانهم في عناق تختلط فيه الدماء ...




والدتي لم تقو على الوقوف من هول المفاجأة فجلسنا جميعا قربها و استحوذت على رأسي و ضمته إلى صدرها و جعلنا نبكي بحرارة
و أبي جالس قربي يكرر حمد الله و شكره و يجهش بكاءا
و أخي سامر ممسكا بذراعي من جهة ، و دانة من جهة أخرى
و لم يعد هناك مجال للكلمات ...






لا أستطيع وصف المزيد

أنى لذاكرتي أن تستوعب حرارة كهذه دون أن تنصهر ؟؟





أطلقت والدتي سراح رأسي لبعض الوقت ... فالتفت نحو دانة


كم كبرت و أصبحت ... فتاة مختلفة !



فتحت فمي لأتكلم ، فإذا بالدموع الحارة تتسلل إلى داخله ...

و ربما هذا ما منح لساني القدرة على الحركة و النطق ...

لكن صوتي جاء مبحوحا خافتا ضعيفا ، كصوت طفل يختنق ...



" رغد ؟؟ "





هبت دانه واقفة ، و صعدت عتبات تلي المدخل عتبتين عتبتين ، و أسرعت الخطى ذاهبة لاستدعاء رغد



وقفت في قلق و وقف الجميع معي ، و لا يزالون يقتسمون حضني و ذراعي ...


كنت أنظر إلى الناحية التي ذهبت إليها دانه ... و لو لم أكن مربوطا بالجميع لذهبت خلفها ...
لا ...
بل لسبقتها ...





الآن ستظهر رغد !

هل نفذ الهواء الذي من حولي ؟؟ أنا اختنق ...

هل طلعت الشمس في غير موعدها ؟ إنني أحترق ...

هل تهتز الأرض من تحت رجلي ؟؟ أكاد أنهار ... لولا أنهم يمسكون بي ...
Australian girl
Australian girl
وصلنا للمدينة الصناعية مساء اليوم التالث ، و قد نال منا التعب ما نال لذا فإن سيف أراد استئجار شقة نقضي فيها ليلتنا لنبدأ البحث في اليوم التالي ... " ماذا ؟ لا أرجوك ! لا أستطيع الانتظار لحظة بعد ! " تنهد سيف و قال : " يا عزيزي دعنا نبات الليلة و غدا نذهب إلى بلدية المدينة و نسألهم عن أهلك ! أين تريدنا أن نبحث الآن ؟؟ نطرق أبواب المنازل واحدا بعد الآخر ؟؟ " " أجل ! أنا مستعد لفعل ذلك ! " ابتسم سيف ، ثم ربت على كتفي و قال : " صبرت كثيرا ! اصبر ليلة أخرى بعد ! " لم تمر علي ساعات أبطأ من هذه من قبل ... لم أنم حتى لحظة واحدة و أصابني الإعياء الشديد و الصداع و في اليوم التالي ، وقفنا عند إحدى محطات الوقود ، و ذهب سيف لشراء بعض الطعام و هممت باللحاق به ، لكنني شعرت بالتعب الشديد ... عندما عاد سيف ، التفت نحوي مقدما بعض الطعام إلي : " تفضل حصتك ! " هززت رأسيا ممتنعا ، فأنا لا أشعر بأي رغبة في الطعام فيما أنا قد أكون على بعد قاب قوسين أو أدنى من أهلي ... أسندت رأسي على المعقد و رفعت يدي إلى جبيني و ضغطت على رأسي محاولا طرد الصداع منه ... " أ أنت بخير ؟؟ " سألني سيف ، فأجبت : " صداع شديد " " خذ تناول بعض الطعام و إلا فإنك ستنهار ! " و هززت رأسي مجددا ... ثم التفت إليه و قلت : " هل لي ببعض المال ؟؟ " أخرج سيف محفظته من جيبه و دفعها إلي ... فأخذتها ، و فتحت الباب قاصدا النزول و الذهاب إلى البقالة المجاورة ... ما كدت أقف على قدمي حتى انتابني دوار شديد فانهرت على المقعد ... " وليد ! " تركت رجلي متدليتين خارج السيارة و أنا عاجز عن رفعهما سيف أسرع فعدّل من وضعي و سأل بقلق : " أ أنت بخير ؟؟ " " دوار ... " أسرع سيف فقرب عبوة عصير من شفتي و قال : " اشرب قليلا " رشفت رشفتين أو ثلاث ، و اكتفيت . سيف كان قلقا و ظل يلح علي بتناول بعض الطعام ألا أنني لم أكن أشعر بأدنى رغبة حتى في شم رائحته ... بعد قليل ، زال الدوار جزئيا و فتحت عيني ، و مددت بالمحفظة إلى سيف و قلت : " هل لي بعلبة سجائر ؟ " كانت الساعة قد تجاوزت الثانية عشر ليلا ، حينما أشار آخر شخص سألناه عن منزل شاكر جليل ، أبي وليد ، إلى منزل صغير يقع عند المنعطف التالي ... سأل سيف الرجل : " أ أنت متأكد ؟ شاكر جليل المكنى بأبي وليد ، رجل قدم مع عائلته من وسط البلاد ؟" " نعم إنه هو و يقيم هنا منذ سبع أو ثمان سنين ! " لم يكن الشيء الذي يهتز هو قلبي فقط ، بل و أطرافي ، و شعري ، و مقعدي بل و السيارة أيضا ! تبادلنا أنا و سيف النظرات ... ثم تحرك بالسيارة ببطء حتى أصبحنا إزاء المنزل مباشرة ... " هيا يا وليد ... " بقيت في مكاني و لم تخرج مني بادرة تشير إلى أنني أنوي النهوض " وليد ! هيا بنا ! أم تفضل الانتظار حتى الغد فربما يكون الجميع نيام ! " قلت بسرعة : " لا لا ... مستحيل أن أنتظر دقيقة بعد ... " و مع ذلك ، بقيت في مكاني بلا حراك ، عدا عن الاهتزازات التي تعرفون ... " ما بك ؟ قلق ؟؟ " ماذا لو لم يكن المنزل المقصود أو العائلة المعنية ؟؟ هل نستمر في البحث أكثر ؟؟ أنا مجهد جدا " " هوّن عليك ، ربما وصلنا أخيرا . سنتأكد من ذلك " كيف لي أن أبقى صامدا قويا و أنا على وشك رؤية أهلي ... ؟؟ في داخل هذا المنزل ... يعيش أمي و أبي ... و أخي و أختي ... و الحبيبة رغد ! ربما هم نيام الآن ! لا بد أنهم سيفاجؤون لدى رؤيتي .... كم أنا مشتاق إليكم جميعا ... إن هي إلا لحظات ... و ألتقي بكم ! يا إلهي ! أكاد أموت من الشوق و القلق ... أخرجت الصورتين من جيبي و أخذت أتأمل أفراد عائلتي ... ثم ثبت أنظاري على صورة رغد ، و هي تلون ... رغد ... يا حلوتي الصغيرة ... ها أنا قد عدت ... " دعك من الصورة ... و هيا إلى الأصل ! " قال سيف و هو يفتح الباب و ينزل ... قرعنا الجرس مرارا ... حتى خشيت أن يكون البيت قد هجر ... و أهلي قد رحلوا ... و أملي قد ضاع ... و لكن الباب انفتح أخيرا ... و أطل منه شاب يافع ... طويل القامة ... نحيل الجسم ... مشوّه الوجه بندبة أكدت لي بلا لا يقبل الشك ... أنه شقيقي الوحيد ... سامر .... " سامر ... يا أخي ! " دخلت في دوامة لا أستطيع وصفها ... من الصراخ و الهتاف ... البكاء و النحيب ... الدموع و العناق ... تلقفتني الأيدي و الأذرع و الأحضان ... و أمطرت بالقبل و امتزجت الدموع بالآهات و التهاليل بالولاول ... و ما عدت أدرك إن كان أهلي من حولي حقا ؟ أم أنني توهمت خروجهم من الصورة ...؟ لقد مضى وقت لا أعرف مقداره و أنا أدور بين أحضانهم في عناق تختلط فيه الدماء ... والدتي لم تقو على الوقوف من هول المفاجأة فجلسنا جميعا قربها و استحوذت على رأسي و ضمته إلى صدرها و جعلنا نبكي بحرارة و أبي جالس قربي يكرر حمد الله و شكره و يجهش بكاءا و أخي سامر ممسكا بذراعي من جهة ، و دانة من جهة أخرى و لم يعد هناك مجال للكلمات ... لا أستطيع وصف المزيد أنى لذاكرتي أن تستوعب حرارة كهذه دون أن تنصهر ؟؟ أطلقت والدتي سراح رأسي لبعض الوقت ... فالتفت نحو دانة كم كبرت و أصبحت ... فتاة مختلفة ! فتحت فمي لأتكلم ، فإذا بالدموع الحارة تتسلل إلى داخله ... و ربما هذا ما منح لساني القدرة على الحركة و النطق ... لكن صوتي جاء مبحوحا خافتا ضعيفا ، كصوت طفل يختنق ... " رغد ؟؟ " هبت دانه واقفة ، و صعدت عتبات تلي المدخل عتبتين عتبتين ، و أسرعت الخطى ذاهبة لاستدعاء رغد وقفت في قلق و وقف الجميع معي ، و لا يزالون يقتسمون حضني و ذراعي ... كنت أنظر إلى الناحية التي ذهبت إليها دانه ... و لو لم أكن مربوطا بالجميع لذهبت خلفها ... لا ... بل لسبقتها ... الآن ستظهر رغد ! هل نفذ الهواء الذي من حولي ؟؟ أنا اختنق ... هل طلعت الشمس في غير موعدها ؟ إنني أحترق ... هل تهتز الأرض من تحت رجلي ؟؟ أكاد أنهار ... لولا أنهم يمسكون بي ...
وصلنا للمدينة الصناعية مساء اليوم التالث ، و قد نال منا التعب ما نال لذا فإن سيف أراد استئجار...
ستأتي رغد ... سأحضنها ... و أحملها على ذراعي ... و أؤرجحها في الهواء كما كنت أفعل دائما ...




هيا يا رغد ... اظهري ... تعالي ... أسرعي إلي ...












و من حيث كنت أحدّق بصبر نافذ تماما ، ظهرت مخلوقة جاءت تركض بسرعة ... و توقفت عند أعلى العتبات ....




كما توقفت هي ، توقف كل شيء كان يتحرك في هذا الكون فجأة ... فما فيهم قلبي المزلزل ...




توقفت عيني حتى عن سكب الدموع ، و عن الطرف ...

و تثبتت فوق عيني الفتاة الواقفة أعلى العتبات ... تنظر إلي بذهول ... فاغرة فاها






هل جرب أحدكم أن يوقف شريط الفيديو أثناء العرض ؟




هكذا توقف الكون عند هذه اللحظة التي ربما تجاوزت القرون طولا ...







وجها لوجه ... أمام مخلوقة يفترض أن تكون رغد ... و لم تكن رغد ...





كنت انتظر أن تظهر رغد ... تماما كما تركتها قبل ثمان سنين ... طفلة صغيرة أعشقها بجنون ... تركض نحوي بلهفة ... و ترفع يديها إلي بدلال ... و تقول :
وليـــد ... احملني !




لم أعد أرى جيدا ... أصبت بغشاوة من هول الصدمة المفاجئة ... و المشاعر المتلاطمة بعنف ...





أردت أن أخرج الصورة من جيبي ... و أسأل الجميع ... أهذه هي صغيرتي رغد ؟؟

لكنني بقيت جامدا متصلبا متخشبا كما أنا ...





أول شيء تحرك كان فم الفتاة ... ثم إصبعها الذي أشار نحوي ، و بصعوبة و بجهد و بحروف متقطعة قالت :


" و ... لـ ... يــ ... ــد ؟؟؟ "








ثم فجأة ، و دون أن تترك لي الفرصة لأستعد لذلك ، قفزت رغد من أعلى العتبات باندفاع نحوي فحررت ذراعي بسرعة من بين أذرع البقية و رفعتها نحو رغد التي هوت على صدري و هي تهتف



" وليـــــــــــــــــــــــــــــــــد "







الآن فقط ، آمنت تماما بحقيقة دوران الأرض حول نفسها ...

لقد كنت أنا المحور

و كانت الأشياء تدور من حولي بسرعة ...

بسرعة ...

بسرعة ...















كدنا نهوي أرضا لو لم يسرع أبي و سامر لإسنادنا لكنني لم أكن قادرا على الوقوف

أما رغد ...

صغيرتي التي كبرت ... فقد كانت ممسكة بي بقوة جعلتني أشعر أنها ستخترق جسدي


بل اخترقته ...



لثمان سنين فقط ، أريد لهذه اللحظة أن تستمر ...




لثمان سنين ، عادت بي الذاكرة ...

لذلك اليوم المشؤوم ...

لتلك اللحظة الفظيعة ، التي كانت فيها رغد متشبثة بي بذعر و تكاد تخترق جسدي ...


فيما عمّار واقف يبتسم ابتسامة خبيثة و هو يرمي إلي بحزام رغد ...



لحظة تذكرت هذا ، أطبقت على رغد بقوة و كأنني أريد حمايتها من مجرد الذكرى الأليمة



و شددت ضغطي أكثر و أكثر ... و لو كانت لجسدي قوته و عضلاته السابقة ، لربما سحقت عظامها بين ذراعي ...




ألا أنني الآن أشعر بضعف شديد يسري في جسدي ، و أريد أن أنهار



أبعدت رأسها عني قليلا لأتأكد ... أنها رغد ...



رغم أنها كبرت ألا أن ملامح وجهها الدائري الطفولية ، لا زالت كما هي ...


" رغد ! صغيرتي ! "







لقد عشت لأراك ثانية ...

و نجوت لأعود إليك ...







" آه "


أطلقت هذه الآهة ، ثم خررت أرضا ...







أعتقد أنني أصبت بإغمائه لبضع دقائق



عندما فتحت عيني ، رأيت وجوه الجميع من حولي فيما أدمعهم تنهمر و تبلل وجهي و ملابسي الغارقة في العرق ...



لم يكن لدي ما هو أغلى من دموع مدللتي رغد و حين رأيتها تسيل على خديها قلت


" لقد عدت ! لن أسمح لدموعك بأن تسيل بعد اليوم ! "









ثم نقلت بصري بين أعينهم جميعا ، و قلت :


" أنا متعب جدا "






و لحظتها فقط انتبهت لعدم وجود سيف ...

لا أذكر أنني رأيته بعد قرعنا للجرس ! هل عاد للسيارة ؟ أم ماذا حدث ؟

قلت :

" أين سيف ؟ "


أجاب سامر :

" غادر ... قال أنه سيأتي غدا "






و لأنني كنت متعبا جدا جدا ، فسرعان ما نمت بعدما أرخيت جسدي فوق سرير أخي سامر ، و الذي نام على الأرض إلى جواري في غرفته تلك الليلة ...










عندما أيقظني سامر وقت صلاة الفجر ، لم أكن قد نلت ما يكفي من الراحة... لذا لم أرافقه و أبي إلى المسجد ، بل أديت صلاتي في الغرفة ذاتها ...




أثناء غيابهما للصلاة ، تجولت في المنزل بحثا عن المطبخ فقد كنت شديد العطش


و لم يكن البيت كبيرا لذا فإن غرفه و أجزائه متقاربة ...




وصلت إلى المطبخ و هناك رأيت شخصا يقف أمام الثلاجة المفتوحة ، موليا ظهره إلي ، و يرتدي حجابا ...




لم يكن من الصعب علي أن أستنتج أنها رغد ، من صغر حجمها



" رغد ؟ "



التفتت رغد نحوي بفزع ، إذا أنها لم تشعر بدخولي المطبخ ...



" أنا آسف ... هل أفزعتك ؟؟ "



أحنت رغد رأسها نحو الأرض و هزته قليلا ...



قلت :



" أريد بعض الماء ... رجاءا "



رغد تنحت جانبا موسعة المجال أمامي ، و عندما اقتربت رفعت رأسها فنظرت إلي برهة ...



" لقد ... كبرت ! "



لم تنطق بأي كلمة ، و نزلت ببصرها أرضا ...


قلت :


" لكنك لم تتغيري كثيرا ... "



رفعت رأسها مرة أخرى و نظرت إلي ، ثم طأطأته من جديد ...


قلت :


" و أنا ؟ هل تغيرت كثيرا ؟؟ "


ترددت قليلا ثم قالت :


" هل بدّلت أنفك ؟ "







ابتسمت ، بل كدت أضحك ، لكنني قلت :


" بدّله الزمن ! هل يبدو سيئا جدا ؟؟ "



رغد قالت دون أن ترفع بصرها عن الأرض :



" على العكس ! "



ثم أسرعت بالخروج من المطبخ ...


استدرت و ناديت :


" رغد انتظري ... "



ألا أنها اختفت بسرعة !



و بسرعة شربت كمية كبيرة من الماء البارد شعرت بها تجري في فمي و حلقي و معدتي و حتى شراييني !




عدت إلى فراشي و أغمضت عيني ...

إنه ليس مجرد حلم ...

لقد عدت إلى أهلي أخيرا

عدت إلى رغد ...

و حتى و أن كبرت و لم تعد صغيرتي المدللة ، فهي لا تزال محبوبتي التي أعشق منذ الصغر ...

و التي أفعل أي شيء في سبيل إسعادها
و التي لا زلت مشتاقا إليها أكثر من أي شخص آخر ...

و التي يجب أن أقربها مني أكثر من أي وقت مضى ...

فهي ...

صغيرتي الحبيبة المدللة ...

حلم حياتي الأول ...

محبوبتي منذ الطفولة ...

قد كبرت أخيرا ....


=============================



ولكم .. مني .. اجمل تحيــ ــــــة ..
Australian girl
Australian girl
ستأتي رغد ... سأحضنها ... و أحملها على ذراعي ... و أؤرجحها في الهواء كما كنت أفعل دائما ... هيا يا رغد ... اظهري ... تعالي ... أسرعي إلي ... و من حيث كنت أحدّق بصبر نافذ تماما ، ظهرت مخلوقة جاءت تركض بسرعة ... و توقفت عند أعلى العتبات .... كما توقفت هي ، توقف كل شيء كان يتحرك في هذا الكون فجأة ... فما فيهم قلبي المزلزل ... توقفت عيني حتى عن سكب الدموع ، و عن الطرف ... و تثبتت فوق عيني الفتاة الواقفة أعلى العتبات ... تنظر إلي بذهول ... فاغرة فاها هل جرب أحدكم أن يوقف شريط الفيديو أثناء العرض ؟ هكذا توقف الكون عند هذه اللحظة التي ربما تجاوزت القرون طولا ... وجها لوجه ... أمام مخلوقة يفترض أن تكون رغد ... و لم تكن رغد ... كنت انتظر أن تظهر رغد ... تماما كما تركتها قبل ثمان سنين ... طفلة صغيرة أعشقها بجنون ... تركض نحوي بلهفة ... و ترفع يديها إلي بدلال ... و تقول : وليـــد ... احملني ! لم أعد أرى جيدا ... أصبت بغشاوة من هول الصدمة المفاجئة ... و المشاعر المتلاطمة بعنف ... أردت أن أخرج الصورة من جيبي ... و أسأل الجميع ... أهذه هي صغيرتي رغد ؟؟ لكنني بقيت جامدا متصلبا متخشبا كما أنا ... أول شيء تحرك كان فم الفتاة ... ثم إصبعها الذي أشار نحوي ، و بصعوبة و بجهد و بحروف متقطعة قالت : " و ... لـ ... يــ ... ــد ؟؟؟ " ثم فجأة ، و دون أن تترك لي الفرصة لأستعد لذلك ، قفزت رغد من أعلى العتبات باندفاع نحوي فحررت ذراعي بسرعة من بين أذرع البقية و رفعتها نحو رغد التي هوت على صدري و هي تهتف " وليـــــــــــــــــــــــــــــــــد " الآن فقط ، آمنت تماما بحقيقة دوران الأرض حول نفسها ... لقد كنت أنا المحور و كانت الأشياء تدور من حولي بسرعة ... بسرعة ... بسرعة ... كدنا نهوي أرضا لو لم يسرع أبي و سامر لإسنادنا لكنني لم أكن قادرا على الوقوف أما رغد ... صغيرتي التي كبرت ... فقد كانت ممسكة بي بقوة جعلتني أشعر أنها ستخترق جسدي بل اخترقته ... لثمان سنين فقط ، أريد لهذه اللحظة أن تستمر ... لثمان سنين ، عادت بي الذاكرة ... لذلك اليوم المشؤوم ... لتلك اللحظة الفظيعة ، التي كانت فيها رغد متشبثة بي بذعر و تكاد تخترق جسدي ... فيما عمّار واقف يبتسم ابتسامة خبيثة و هو يرمي إلي بحزام رغد ... لحظة تذكرت هذا ، أطبقت على رغد بقوة و كأنني أريد حمايتها من مجرد الذكرى الأليمة و شددت ضغطي أكثر و أكثر ... و لو كانت لجسدي قوته و عضلاته السابقة ، لربما سحقت عظامها بين ذراعي ... ألا أنني الآن أشعر بضعف شديد يسري في جسدي ، و أريد أن أنهار أبعدت رأسها عني قليلا لأتأكد ... أنها رغد ... رغم أنها كبرت ألا أن ملامح وجهها الدائري الطفولية ، لا زالت كما هي ... " رغد ! صغيرتي ! " لقد عشت لأراك ثانية ... و نجوت لأعود إليك ... " آه " أطلقت هذه الآهة ، ثم خررت أرضا ... أعتقد أنني أصبت بإغمائه لبضع دقائق عندما فتحت عيني ، رأيت وجوه الجميع من حولي فيما أدمعهم تنهمر و تبلل وجهي و ملابسي الغارقة في العرق ... لم يكن لدي ما هو أغلى من دموع مدللتي رغد و حين رأيتها تسيل على خديها قلت " لقد عدت ! لن أسمح لدموعك بأن تسيل بعد اليوم ! " ثم نقلت بصري بين أعينهم جميعا ، و قلت : " أنا متعب جدا " و لحظتها فقط انتبهت لعدم وجود سيف ... لا أذكر أنني رأيته بعد قرعنا للجرس ! هل عاد للسيارة ؟ أم ماذا حدث ؟ قلت : " أين سيف ؟ " أجاب سامر : " غادر ... قال أنه سيأتي غدا " و لأنني كنت متعبا جدا جدا ، فسرعان ما نمت بعدما أرخيت جسدي فوق سرير أخي سامر ، و الذي نام على الأرض إلى جواري في غرفته تلك الليلة ... عندما أيقظني سامر وقت صلاة الفجر ، لم أكن قد نلت ما يكفي من الراحة... لذا لم أرافقه و أبي إلى المسجد ، بل أديت صلاتي في الغرفة ذاتها ... أثناء غيابهما للصلاة ، تجولت في المنزل بحثا عن المطبخ فقد كنت شديد العطش و لم يكن البيت كبيرا لذا فإن غرفه و أجزائه متقاربة ... وصلت إلى المطبخ و هناك رأيت شخصا يقف أمام الثلاجة المفتوحة ، موليا ظهره إلي ، و يرتدي حجابا ... لم يكن من الصعب علي أن أستنتج أنها رغد ، من صغر حجمها " رغد ؟ " التفتت رغد نحوي بفزع ، إذا أنها لم تشعر بدخولي المطبخ ... " أنا آسف ... هل أفزعتك ؟؟ " أحنت رغد رأسها نحو الأرض و هزته قليلا ... قلت : " أريد بعض الماء ... رجاءا " رغد تنحت جانبا موسعة المجال أمامي ، و عندما اقتربت رفعت رأسها فنظرت إلي برهة ... " لقد ... كبرت ! " لم تنطق بأي كلمة ، و نزلت ببصرها أرضا ... قلت : " لكنك لم تتغيري كثيرا ... " رفعت رأسها مرة أخرى و نظرت إلي ، ثم طأطأته من جديد ... قلت : " و أنا ؟ هل تغيرت كثيرا ؟؟ " ترددت قليلا ثم قالت : " هل بدّلت أنفك ؟ " ابتسمت ، بل كدت أضحك ، لكنني قلت : " بدّله الزمن ! هل يبدو سيئا جدا ؟؟ " رغد قالت دون أن ترفع بصرها عن الأرض : " على العكس ! " ثم أسرعت بالخروج من المطبخ ... استدرت و ناديت : " رغد انتظري ... " ألا أنها اختفت بسرعة ! و بسرعة شربت كمية كبيرة من الماء البارد شعرت بها تجري في فمي و حلقي و معدتي و حتى شراييني ! عدت إلى فراشي و أغمضت عيني ... إنه ليس مجرد حلم ... لقد عدت إلى أهلي أخيرا عدت إلى رغد ... و حتى و أن كبرت و لم تعد صغيرتي المدللة ، فهي لا تزال محبوبتي التي أعشق منذ الصغر ... و التي أفعل أي شيء في سبيل إسعادها و التي لا زلت مشتاقا إليها أكثر من أي شخص آخر ... و التي يجب أن أقربها مني أكثر من أي وقت مضى ... فهي ... صغيرتي الحبيبة المدللة ... حلم حياتي الأول ... محبوبتي منذ الطفولة ... قد كبرت أخيرا .... ============================= ولكم .. مني .. اجمل تحيــ ــــــة ..
ستأتي رغد ... سأحضنها ... و أحملها على ذراعي ... و أؤرجحها في الهواء كما كنت أفعل دائما...
إلى النعيـــــــــــــــــــــــــــــــم

================




و أنا استفيق من النوم ، و أشعر بنعومة الوسادة تحت خدي ، و سمك و دفء البطانية فوق جسدي ، و النور يخترق جفني ...


بقيت مغمض العينين ...


حركت يدي فوق الفراش الدافئ الواسع ، و الوسادة الناعمة و أخذت أتحسسهما براحة و سعادة ...


ابتسمت ، و يدي لا تزال تسير فوق الفراش ، و البطانية ، و الوسادة مداعبة كل ما تلامس !



أخذت نفسا عميقا و أطلقته مع آهة ارتياح و رضا ...


كم كان النوم لذيذا ! و كم كنت أشعر بالكسل ! و الجوع أيضا !


آه ... ما أجمل العودة إلى البيت ... و الأهل ...




فتحت عيني ببطء ، و أنا مبتسم و مشرق الوجه

و على أي شيء وقعت أنظاري مباشرة ؟؟

على وجه أمي !



كانت والدتي تجلس على مقعد جواري ، و تنظر إلي ، و دمعة معلقة على خدها الأيمن ، فيما فمها يبتسم !


جلست بسرعة ، و قد اعتراني القلق المفاجئ و زالت الابتسامة و السعادة من وجهي ، و قلت باضطراب :


" أماه ! ماذا حدث ؟؟ "



والدتي أشارت بيدها إلي قاصدة أن أطمئن ، و قالت :


" لا لا شيء ، لا تقلق بني "



لكنني لم أزل قلقا ، فقلت مرة أخرى :


" ماذا حدث ؟؟ "




هزت أمي رأسها و مسحت دمعتها و زادت ابتسامتها و قالت :

" لا شيء وليد ، أردت فقط أن أروي عيني برؤيتك "


ثم انخرطت في البكاء ...


نهضت عن سريري و أقبلت ناحتها و قبلت رأسها و عانقتها بحرارة ...


" لقد عدت أخيرا ! لا شيء سيبعدني عنكم بعد الآن "











~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~













طبعا لم يستطع أحدنا النوم تلك الليلة ، غير وليد !


نام وليد في غرفة سامر ، إذ لم يكن لدينا أي سرير احتياطي أو غرفة أخرى مناسبة .


أنا لا أستطيع أن أصدق أن وليد قد عاد !

لقد آمنت بأنه اختفى للأبد

كنت اعتقد بأنه فضل العيش في الخارج حيث الأمان و السلام على العودة لبلدنا و الحرب و الدمار ...


لكنه عاد ... و بدا كالحلم !


لا يزال طويلا و عريضا ، لكنه نحيل !


كما أن أنفه قد تغير و أصبح جميلا !


البارحة لم أتمالك نفسي عندما رأيته أمام عيني ...


كم تجعلني هذه الذكرى أبتسم و أتورد خجلا !




" رغد ! كم من السنين ستقضين في تقليب البطاطا ! لقد أحرقتها ! "


انتبهت من شرودي الشديد ، على صوت دانة ، و حين التفت إليها رأيتها تراقبني من بعد ، و قد وضعت يديها على خصريها ...



ابتسمت و قلت :

" ها أنا أوشك على الانتهاء "




دانة حدقت بوجهي قليلا ثم قالت :


" لقد احمر وجهك من طول وقوفك قرب النار ! هيا انتشليها و انتهي ! "



أنا اشعر بأن خدي متوهجان ! و لكن ليس من حرارة النار !






انتهيت من قلي البطاطا ثم رتبتها في الأطباق الخاصة




مائدتنا لهذا اليوم شملت العديد من الأطباق التي كان وليد يحبها

والدتي أصرت على إعدادها كلها ، و جعلتنا نعتكف في المطبخ منذ الصباح الباكر !

ربما كان هذا الأفضل فإن أحدنا لم يكن لينام من شدة الفرح ...



و الآن هي بالتأكيد في غرفة سامر !





" دانه "



كانت دانة تقطع الخضار لتعد السلطة ، و التفتت إلي بنفاذ صبر و قالت :



" نعم ؟؟ "


قلت :

" هل كان وليد يفضل عصير البرتقال أم الليمون ؟؟ "



رفعت دانة رأسها نحو السقف لتفكر ، ثم عادت ببصرها إلي و هزت رأسها أسفا :

" لا أذكر ! حضّري أيا منهما "



قلت :

" أريد تحضير العصير الذي يفضله ! تذكري يا دانة أرجوك "


رمقتني بنظرة غضب و قالت :

" أوه رغد قلت لك لا أذكر ! اسألي أمي "



وقفت أفكر لحظة ، و استحسنت الفكرة ، فذهبت مسرعة نحو غرفة سامر !


في طريقي إلى هناك صادفت والدي ...





" إلى أين ؟ "


استوقفني أبي ، فقلت بصوت منخفض :


" أريد التحدث مع أمي "


ابتسم أبي و قال :


" إنها عند وليد ! "



تقدمت خطوة أخرى باتجاه غرفة سامر ، ألا أن أبي استوقفني مرة أخرى


" رغد "


التفت إليه

" نعم أبي ؟؟ "



لم يتكلم ، لكنه رفع يده اليمنى و بإصبعه السبابة رسم دائرة في الهواء حول وجهه

و فهمت ماذا يقصد ...






انعطفت نحو غرفتي ، و ارتديت حجابا و رداءا ساترا ، ثم قدمت نحو غرفة سامر و طرقت الباب طرقا خفيفا ...





سمعت صوت أمي يقول :


" تفضل "



ففتحت الباب ببطء ، و أطللت برأسي على الداخل ... فجاءت نظراتي مباشرة فوق عيني وليد !




رجعت برأسي للوراء و اضطربت ! و بقيت واقفة في مكاني ...


أقبلت أمي ففتحت الباب


" رغد ! أهلا ... أهناك شيء ؟؟ "


قلت باضطراب :


" العصير ! أقصد الليمون أم البرتقال ؟ "


أمي طبعا نظرت إلي باستغراب و قالت :


" عفوا ؟!! "



كان باستطاعتي أن أرى وليد واقفا هناك عند النافذة المفتوحة ، لكني لا أعرف بأي اتجاه كان ينظر !



" هل أصنع عصير الليمون أم البرتقال ؟؟ "



ابتسمت والدتي و قالت :


" كما تشائين ! "


قلت :


" ماذا يفضل ؟؟ "




و لم أجرؤ على النطق باسمه !


والدتي التفتت نحو وليد ، و كذلك فعلت أنا ، فالتقت أنظارنا لوهلة ...


قالت أمي :


" ماذا تفضل أن تشرب اليوم ؟ عصير البرتقال أم الليمون ؟ أم كليهما ؟ "



ابتسم وليد و قال :


" البرتقال قطعا ! "


ثم التفتت والدتي إلي مبتسمة ، و قالت :


" هل بقي شيء بعد ؟ "

" لا ... تقريبا فرغنا من كل شيء ، بقي العصير ... و السلطة "

" عظيم ، أنا قادمة معك "





ثم استأذنت وليد ، و خرجت و أغلقت الباب .






و عندما ذهبنا للمطبخ ، وجدنا سامر هناك ، و كان قد عاد لتوه من الخارج حيث أحضر بعض الحاجيات ...




بادلانا بالتحية ثم سأل :


" ألم ينهض وليد ؟ "


قالت أمي :


" بلى ! استيقظ قبل قليل "

" عظيم ! انا ذاهب إليه "






و ذهب سامر مسرعا ، فهبت دانة واقفة و رمت بالسكين و قطعة الخيار التي كانت بيدها جانبا و قالت بانفعال :


" و أنا كذلك "


و لحقت به و هي تقول موجهة كلامها إلي :


" أتمي تحضير السلطة ! "




و في ثوان كانا قد اختفيا ...






ماذا عني أنا ؟؟

أنا أيضا أريد أن أذهب إليه .... !





نظرت إلى أمي فقالت :


" أنا سأقطع الخضار ، حضري أنت العصير ...
Australian girl
Australian girl
قلت : " شكرا لك ! إذن أتمي تحضير الفطائر و أنا سأذهب للنوم ! " في هذه اللحظة فتح الباب فدخل سامر ... نظر مباشرة إلي و قال : " ذهب إلى غرفة الضيوف ، إن كنت تودين الخروج " نظرت إلى دانة ثم إلى سامر ، و الحمرة تعلو خدّيّ و قلت بمكر : " نعم سأذهب ! " و انطلقت مسرعة نحو غرفتي ... غير آبهة بنداءات دانة المتكررة ! بعد أن غسلت وجهي و يدي في الحمام المشترك بين غرفتي و غرفة دانة توجهت نحو سريري و استلقيت باسترخاء كم كنت متعبة ! إنني لم أنم البارحة كما ينبغي و عملت كثيرا في المطبخ و للعلم ، فإن العمل في المطبخ ليس أحد هواياتي ، فأنا لا أهوى غير الرسم ، لكنني أردت المساعدة ... تقلبت على سريري يمينا و يسارا و أنا أفكر ... ما الذي سيقوله وليد عني !؟ فالفتيات البالغات لا يغطين أنوفهن بقطع العجين ! إلا إذا كانت طريقة جديدة لترطيب البشرة و تغذيتها ! شعرت بالدماء تصعد إلى وجهي بغزارة ... لابد أن وجهي توهج الآن ... لم لا ألقي نظرة ! قفزت من السرير و أسرعت نحو المرآة ... و رأيت حمرة قلما أرى لها مثيل على وجهي هذا ! أبدو جميلة ! و لابد أنني مع بعض الألوان سأغدو لوحة رائعة ! نزلت ببصري للأسفل و فتحت أحد الأدراج ، قاصدة استخراج علبة الماكياج بفكرة جنونية لتلوين وجهي هذه اللحظة ! الشيء الذي وقعت عليه يدي بمجرد أن أدخلتها داخل الدرج كان جسما معدنيا باردا .. أمسكت به و أخرجته دون أن أنظر إليه ثم رفعت به نحو عيني ّ مباشرة ... إنها ساعة وليد ... نسيت فكرتي السخيفة بوضع المساحيق ، و عدت حاملة الساعة إلى سريري و استلقيت ببطء الآن .. الفكرة التي تراودني هي إعادة هذه الساعة لوليد ... لابد أنه سيفاجأ حين يراها ... و يعرف أنني ظللت محتفظة بها و أرتديها أيضا خلال السنوات الماضية ! قمت فجأة عن سريري و ارتديت ردائي و حجابي و طرت مسرعة للخارج دعوني أخبركم بأنني قلما أفكر في الشيء مرتين قبل أن أقدم عليه ! لقد أخبرني سامر أنه في غرفة الضيوف و مع ذلك مررت بغرفة سامر ، ثم غرفة المعيشة ، و بالطبع تجنبت المطبخ ، قبل أن أذهب إلى غرفة الضيوف حاملة ساعة وليد بيدي ... حين وصلت عند الباب ، و كان مفتوحا ، استطعت أن أرى من بالداخل ، و لم يكن هناك أحد غيره ... وليد كان جالسا على أحد المقاعد ، بالتحديد المقعد المجاور للمنضدة التي تحمل الهاتف و قد كان مثنيا جدعه للأمام و مسندا رأسه إلى يديه ، و مرفقيه إلى ركبتيه في وضع يشعر الناظر بأنه ... حزين ! طرقت الباب طرقا خفيفا ، ألا أنه لم يسمعه فأعدت الطرق بشكل أقوى و أقوى ، حتى رفع رأسه ببطء و نظر إلي ... و ما أن التقت أنظارنا حتى علت وجهه تعابير غريبة و مخيفة ... بدت عيناه حمراوين و جاحظتين و مفتوحتين لحد تكادان معه أن تخرجا من رأسه ! و لمحت زخات العرق تقطر من جبينه العريض حملق وليد بي بشدة أثارت خوفي ... فرجعت خطوة للوراء ... و حالما فعلت ذلك وقف هو فجأة كمن لدغته أفعى ! أنا ازدردت ريقي بفزع ثم حاولت النطق فجاءت كلماتي متلعثمة : " كنت ... أعني ... لدي شيء أود إعطائك إياه ... " وليد ظل واقفا في مكانه كالجبل يحدّق بي بحدّة ... ربما أزعجه أن أحضر بمفردي ... أو ربما ... ربما ... لم أستطع حتى إتمام أفكاري المبعثرة لأنه تقدم خطوة ، ثم خطوة ، تلو خطو باتجاهي لقد كنت أمسك بالساعة في يدي اليمنى ، و لا شعوريا تحركت يدي للخلف و اختبأت بالساعة خلف ظهري ... لا أظن أن وليد رآها و لكن ... حين صار أمامي مباشرة ، مد يده بسرعة و انقض على يدي اليمنى و سحبها للأمام بعنف ارتعدت أطرافي و جفلت ! وليد قرّب يدي من عينه و أخذ يحدق بها بنظرات مخيفة و قاسية ، فيما يشد بقبضته عليها حتى يكاد يهشم عظامها ... نطق لساني بفزع و اضطراب : " أنا ... لم ... كنت ... سأعيدها إليك ! " وليد ظل قابضا على يدي بقوة ، و يحدّق في عيني بنظرات تكاد تخترق عيني و رأسي و الجدار الذي خلفي ... في تلك العيون الحمراء القادحة بالشرر ... رأيت قطرات الدموع تتجمع ... ثم تفيض ... ثم تنسكب ... ثم تشق طريقها على الخد العابس ... ثم تنتهي عند الفك المنقبض ... لقد تهت في بحر هذه العيون و غرقت في أعماقها ... أخذتني إلى ذكرى قديمة موجعة ... حاولت جهدي أن ألغيها من ذاكرتي ... فرأيت وليد و هو يبكي بمرارة و شدة ذلك اليوم و هو جاث ٍ فوق الرمال قرب السيارة .. يمد يده إلي و يقول : " تعالي يا رغد " " وليد ... " نطقت باسمه فإذا به يغمض عينيه بقوة و يعض على أسنانه بشدة .. و يشدد قبضته على يدي و يؤلمني ... بعدما فتح عينيه ، ظل يحدق في يدي قليلا ، ثم فجأة انتزع الساعة من بين أصابعي و رمى بها نحو الجدار و زمجر بقوة : " انصرفي " أنا انتفضت بذعر ... و ارتجفت جميع أطرافي ... فتحركت خطوة للوراء ... ثم انطلقت بأقصى ما أمكنني ... و بأوسع خطى ... و ذهبت إلى غرفتي ... فدخلت و أغلقت الباب بل و أوصدته مرتين ، ثم تهالكت على سريري ... كان قلبي ينبض بسرعة عجيبة و أنفاسي تعصف رئتي بقوة ... و أنظر إلى يدي فأراها ترتعش ... فيما تشع احمرارا أثر قبضة وليد القوية عليها ... بعدما هدأت قليلا اقتربت من المرآة فهالني المظهر الذي كساني أصبحت مرعبة ! ألم أكن جميلة قبل قليل ؟؟ لا أعرف لماذا فعل وليد ذلك ... هل غضب لأنني ظهرت من المطبخ و العجين يغطي أنفي ، فبدوت كطفلة غبية ؟؟ أم لأنني لم أكن ارتدي الحجاب وقتها ؟؟ أم ماذا ؟؟ و جعلت الأفكار تلعب في رأسي حتى أتعبته ... الساعة ! لقد حطّمها ! لقد احتفظت بها كل هذه السنين لأعيدها إليه ... لماذا فعل ذلك ؟؟ لماذا ؟؟ شعرت بشيء يسيل على خدي رغما عني بكيت من الذعر و الخوف ... و الحيرة و الدهشة ... لا أعرف كيف سيكون لقاؤنا التالي ... لم يعد هذا وليد ! وليد لم يكن يصرخ في وجهي و يقول : " انصرفي " كان دائما يبتسم و يقول : " تعالي يا رغد !! "
قلت : " شكرا لك ! إذن أتمي تحضير الفطائر و أنا سأذهب للنوم ! " في هذه اللحظة فتح الباب...
متى بدأت تدخن ؟؟ "



لم أجبه مباشرة ، ليس لأنني لم أسمعه أو أستوعب سؤاله ، بل لأن لساني لم يكن يدخر أي كلام ...






" السجن يعلّم الكثير ... "


قلت ذلك و ابتسمت ابتسامة ساخرة باهتة شعرت بأن سيف قد رآها رقم تركيزه على الطريق ...


تذكرت لحظتها تلك الأيام ...

و أولئك الزملاء في السجن ...

لماذا أشعر بهم الآن حولي ؟؟

كأني أشم راحة الزنزانة !

ربما أثارت رائحة السيجارة تلك الذكريات السوداء !

و هل يمكن أن أنساها ؟

و هل يعقل أن تختفي و أنا لم أبتعد عنها غير أيام فقط ...؟؟

ليتهم ...

ليتهم قتلوني معك يا نديم ...

ليتنا تبادلنا الأرواح ...

فمت ُّ أنا

و بقيت أنت ... و خرجت لتعود لأهلك و بلدك و أحبابك ...

أنا ... لا أهل لي و لا بد ...

و لا أحباب ...






لمحت الإشارة تضيء اللون الأخضر و أنا أسحق سيجارتي في ( الطفاية)

ثم انطلق وليد بالسيارة ...




أنوار كثيرة كانت تسبح في الظلام ...

مصابيح السيارات القادمة على الطريق المعاكس

مصابيح المنازل

مصابيح الشارع ...

لافتات المحلات الضوئية

نور على نور على نور ...

كم هو أمر مزعج ... لم أعد أرغب في رؤية شيء ...

أتمنى ألا تشرق الشمس يوم الغد ...

أتمنى ألا يعود الغد ...

أتمنى ... ألا أذكر رغد ...




كانت المرة الثانية في حياتي ، التي تمنيت فيها لو أن رغد لم تخلق ...
Australian girl
Australian girl
إلى النعيـــــــــــــــــــــــــــــــم ================ و أنا استفيق من النوم ، و أشعر بنعومة الوسادة تحت خدي ، و سمك و دفء البطانية فوق جسدي ، و النور يخترق جفني ... بقيت مغمض العينين ... حركت يدي فوق الفراش الدافئ الواسع ، و الوسادة الناعمة و أخذت أتحسسهما براحة و سعادة ... ابتسمت ، و يدي لا تزال تسير فوق الفراش ، و البطانية ، و الوسادة مداعبة كل ما تلامس ! أخذت نفسا عميقا و أطلقته مع آهة ارتياح و رضا ... كم كان النوم لذيذا ! و كم كنت أشعر بالكسل ! و الجوع أيضا ! آه ... ما أجمل العودة إلى البيت ... و الأهل ... فتحت عيني ببطء ، و أنا مبتسم و مشرق الوجه و على أي شيء وقعت أنظاري مباشرة ؟؟ على وجه أمي ! كانت والدتي تجلس على مقعد جواري ، و تنظر إلي ، و دمعة معلقة على خدها الأيمن ، فيما فمها يبتسم ! جلست بسرعة ، و قد اعتراني القلق المفاجئ و زالت الابتسامة و السعادة من وجهي ، و قلت باضطراب : " أماه ! ماذا حدث ؟؟ " والدتي أشارت بيدها إلي قاصدة أن أطمئن ، و قالت : " لا لا شيء ، لا تقلق بني " لكنني لم أزل قلقا ، فقلت مرة أخرى : " ماذا حدث ؟؟ " هزت أمي رأسها و مسحت دمعتها و زادت ابتسامتها و قالت : " لا شيء وليد ، أردت فقط أن أروي عيني برؤيتك " ثم انخرطت في البكاء ... نهضت عن سريري و أقبلت ناحتها و قبلت رأسها و عانقتها بحرارة ... " لقد عدت أخيرا ! لا شيء سيبعدني عنكم بعد الآن " ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ طبعا لم يستطع أحدنا النوم تلك الليلة ، غير وليد ! نام وليد في غرفة سامر ، إذ لم يكن لدينا أي سرير احتياطي أو غرفة أخرى مناسبة . أنا لا أستطيع أن أصدق أن وليد قد عاد ! لقد آمنت بأنه اختفى للأبد كنت اعتقد بأنه فضل العيش في الخارج حيث الأمان و السلام على العودة لبلدنا و الحرب و الدمار ... لكنه عاد ... و بدا كالحلم ! لا يزال طويلا و عريضا ، لكنه نحيل ! كما أن أنفه قد تغير و أصبح جميلا ! البارحة لم أتمالك نفسي عندما رأيته أمام عيني ... كم تجعلني هذه الذكرى أبتسم و أتورد خجلا ! " رغد ! كم من السنين ستقضين في تقليب البطاطا ! لقد أحرقتها ! " انتبهت من شرودي الشديد ، على صوت دانة ، و حين التفت إليها رأيتها تراقبني من بعد ، و قد وضعت يديها على خصريها ... ابتسمت و قلت : " ها أنا أوشك على الانتهاء " دانة حدقت بوجهي قليلا ثم قالت : " لقد احمر وجهك من طول وقوفك قرب النار ! هيا انتشليها و انتهي ! " أنا اشعر بأن خدي متوهجان ! و لكن ليس من حرارة النار ! انتهيت من قلي البطاطا ثم رتبتها في الأطباق الخاصة مائدتنا لهذا اليوم شملت العديد من الأطباق التي كان وليد يحبها والدتي أصرت على إعدادها كلها ، و جعلتنا نعتكف في المطبخ منذ الصباح الباكر ! ربما كان هذا الأفضل فإن أحدنا لم يكن لينام من شدة الفرح ... و الآن هي بالتأكيد في غرفة سامر ! " دانه " كانت دانة تقطع الخضار لتعد السلطة ، و التفتت إلي بنفاذ صبر و قالت : " نعم ؟؟ " قلت : " هل كان وليد يفضل عصير البرتقال أم الليمون ؟؟ " رفعت دانة رأسها نحو السقف لتفكر ، ثم عادت ببصرها إلي و هزت رأسها أسفا : " لا أذكر ! حضّري أيا منهما " قلت : " أريد تحضير العصير الذي يفضله ! تذكري يا دانة أرجوك " رمقتني بنظرة غضب و قالت : " أوه رغد قلت لك لا أذكر ! اسألي أمي " وقفت أفكر لحظة ، و استحسنت الفكرة ، فذهبت مسرعة نحو غرفة سامر ! في طريقي إلى هناك صادفت والدي ... " إلى أين ؟ " استوقفني أبي ، فقلت بصوت منخفض : " أريد التحدث مع أمي " ابتسم أبي و قال : " إنها عند وليد ! " تقدمت خطوة أخرى باتجاه غرفة سامر ، ألا أن أبي استوقفني مرة أخرى " رغد " التفت إليه " نعم أبي ؟؟ " لم يتكلم ، لكنه رفع يده اليمنى و بإصبعه السبابة رسم دائرة في الهواء حول وجهه و فهمت ماذا يقصد ... انعطفت نحو غرفتي ، و ارتديت حجابا و رداءا ساترا ، ثم قدمت نحو غرفة سامر و طرقت الباب طرقا خفيفا ... سمعت صوت أمي يقول : " تفضل " ففتحت الباب ببطء ، و أطللت برأسي على الداخل ... فجاءت نظراتي مباشرة فوق عيني وليد ! رجعت برأسي للوراء و اضطربت ! و بقيت واقفة في مكاني ... أقبلت أمي ففتحت الباب " رغد ! أهلا ... أهناك شيء ؟؟ " قلت باضطراب : " العصير ! أقصد الليمون أم البرتقال ؟ " أمي طبعا نظرت إلي باستغراب و قالت : " عفوا ؟!! " كان باستطاعتي أن أرى وليد واقفا هناك عند النافذة المفتوحة ، لكني لا أعرف بأي اتجاه كان ينظر ! " هل أصنع عصير الليمون أم البرتقال ؟؟ " ابتسمت والدتي و قالت : " كما تشائين ! " قلت : " ماذا يفضل ؟؟ " و لم أجرؤ على النطق باسمه ! والدتي التفتت نحو وليد ، و كذلك فعلت أنا ، فالتقت أنظارنا لوهلة ... قالت أمي : " ماذا تفضل أن تشرب اليوم ؟ عصير البرتقال أم الليمون ؟ أم كليهما ؟ " ابتسم وليد و قال : " البرتقال قطعا ! " ثم التفتت والدتي إلي مبتسمة ، و قالت : " هل بقي شيء بعد ؟ " " لا ... تقريبا فرغنا من كل شيء ، بقي العصير ... و السلطة " " عظيم ، أنا قادمة معك " ثم استأذنت وليد ، و خرجت و أغلقت الباب . و عندما ذهبنا للمطبخ ، وجدنا سامر هناك ، و كان قد عاد لتوه من الخارج حيث أحضر بعض الحاجيات ... بادلانا بالتحية ثم سأل : " ألم ينهض وليد ؟ " قالت أمي : " بلى ! استيقظ قبل قليل " " عظيم ! انا ذاهب إليه " و ذهب سامر مسرعا ، فهبت دانة واقفة و رمت بالسكين و قطعة الخيار التي كانت بيدها جانبا و قالت بانفعال : " و أنا كذلك " و لحقت به و هي تقول موجهة كلامها إلي : " أتمي تحضير السلطة ! " و في ثوان كانا قد اختفيا ... ماذا عني أنا ؟؟ أنا أيضا أريد أن أذهب إليه .... ! نظرت إلى أمي فقالت : " أنا سأقطع الخضار ، حضري أنت العصير ...
إلى النعيـــــــــــــــــــــــــــــــم ================ و أنا استفيق من النوم ، و...
قلت :


" شكرا لك ! إذن أتمي تحضير الفطائر و أنا سأذهب للنوم ! "


في هذه اللحظة فتح الباب فدخل سامر ...


نظر مباشرة إلي و قال :


" ذهب إلى غرفة الضيوف ، إن كنت تودين الخروج "



نظرت إلى دانة ثم إلى سامر ، و الحمرة تعلو خدّيّ و قلت بمكر :


" نعم سأذهب ! "





و انطلقت مسرعة نحو غرفتي ...

غير آبهة بنداءات دانة المتكررة !





بعد أن غسلت وجهي و يدي في الحمام المشترك بين غرفتي و غرفة دانة توجهت نحو سريري و استلقيت باسترخاء


كم كنت متعبة !


إنني لم أنم البارحة كما ينبغي و عملت كثيرا في المطبخ


و للعلم ، فإن العمل في المطبخ ليس أحد هواياتي ، فأنا لا أهوى غير الرسم ، لكنني أردت المساعدة ...



تقلبت على سريري يمينا و يسارا و أنا أفكر ...


ما الذي سيقوله وليد عني !؟


فالفتيات البالغات لا يغطين أنوفهن بقطع العجين !


إلا إذا كانت طريقة جديدة لترطيب البشرة و تغذيتها !





شعرت بالدماء تصعد إلى وجهي بغزارة ... لابد أن وجهي توهج الآن ... لم لا ألقي نظرة !



قفزت من السرير و أسرعت نحو المرآة ... و رأيت حمرة قلما أرى لها مثيل على وجهي هذا !


أبدو جميلة ! و لابد أنني مع بعض الألوان سأغدو لوحة رائعة !


نزلت ببصري للأسفل و فتحت أحد الأدراج ، قاصدة استخراج علبة الماكياج بفكرة جنونية لتلوين وجهي هذه اللحظة !



الشيء الذي وقعت عليه يدي بمجرد أن أدخلتها داخل الدرج كان جسما معدنيا باردا .. أمسكت به و أخرجته دون أن أنظر إليه ثم رفعت به نحو عيني ّ مباشرة ...

إنها ساعة وليد ...






نسيت فكرتي السخيفة بوضع المساحيق ، و عدت حاملة الساعة إلى سريري و استلقيت ببطء


الآن .. الفكرة التي تراودني هي إعادة هذه الساعة لوليد ...


لابد أنه سيفاجأ حين يراها ... و يعرف أنني ظللت محتفظة بها و أرتديها أيضا خلال السنوات الماضية !


قمت فجأة عن سريري و ارتديت ردائي و حجابي و طرت مسرعة للخارج


دعوني أخبركم بأنني قلما أفكر في الشيء مرتين قبل أن أقدم عليه !








لقد أخبرني سامر أنه في غرفة الضيوف و مع ذلك مررت بغرفة سامر ، ثم غرفة المعيشة ، و بالطبع تجنبت المطبخ ، قبل أن أذهب إلى غرفة الضيوف حاملة ساعة وليد بيدي ...






حين وصلت عند الباب ، و كان مفتوحا ، استطعت أن أرى من بالداخل ، و لم يكن هناك أحد غيره ...




وليد كان جالسا على أحد المقاعد ، بالتحديد المقعد المجاور للمنضدة التي تحمل الهاتف و قد كان مثنيا جدعه للأمام و مسندا رأسه إلى يديه ، و مرفقيه إلى ركبتيه في وضع يشعر الناظر بأنه ... حزين !




طرقت الباب طرقا خفيفا ، ألا أنه لم يسمعه

فأعدت الطرق بشكل أقوى و أقوى ، حتى رفع رأسه ببطء و نظر إلي ...



و ما أن التقت أنظارنا حتى علت وجهه تعابير غريبة و مخيفة ...

بدت عيناه حمراوين و جاحظتين و مفتوحتين لحد تكادان معه أن تخرجا من رأسه !





و لمحت زخات العرق تقطر من جبينه العريض



حملق وليد بي بشدة أثارت خوفي ... فرجعت خطوة للوراء ... و حالما فعلت ذلك وقف هو فجأة كمن لدغته أفعى !



أنا ازدردت ريقي بفزع ثم حاولت النطق فجاءت كلماتي متلعثمة :

" كنت ... أعني ... لدي شيء أود إعطائك إياه ... "



وليد ظل واقفا في مكانه كالجبل يحدّق بي بحدّة ... ربما أزعجه أن أحضر بمفردي ... أو ربما ... ربما ...



لم أستطع حتى إتمام أفكاري المبعثرة لأنه تقدم خطوة ، ثم خطوة ، تلو خطو باتجاهي



لقد كنت أمسك بالساعة في يدي اليمنى ، و لا شعوريا تحركت يدي للخلف و اختبأت بالساعة خلف ظهري ...


لا أظن أن وليد رآها و لكن ...



حين صار أمامي مباشرة ، مد يده بسرعة و انقض على يدي اليمنى و سحبها للأمام بعنف




ارتعدت أطرافي و جفلت !



وليد قرّب يدي من عينه و أخذ يحدق بها بنظرات مخيفة و قاسية ، فيما يشد بقبضته عليها حتى يكاد يهشم عظامها ...




نطق لساني بفزع و اضطراب :


" أنا ... لم ... كنت ... سأعيدها إليك ! "



وليد ظل قابضا على يدي بقوة ، و يحدّق في عيني بنظرات تكاد تخترق عيني و رأسي و الجدار الذي خلفي ...



في تلك العيون الحمراء القادحة بالشرر ... رأيت قطرات الدموع تتجمع ... ثم تفيض ... ثم تنسكب ... ثم تشق طريقها على الخد العابس ... ثم تنتهي عند الفك المنقبض ...


لقد تهت في بحر هذه العيون و غرقت في أعماقها ...


أخذتني إلى ذكرى قديمة موجعة ... حاولت جهدي أن ألغيها من ذاكرتي ... فرأيت وليد و هو يبكي بمرارة و شدة ذلك اليوم و هو جاث ٍ فوق الرمال قرب السيارة ..
يمد يده إلي و يقول :


" تعالي يا رغد "



" وليد ... "


نطقت باسمه فإذا به يغمض عينيه بقوة و يعض على أسنانه بشدة .. و يشدد قبضته على يدي و يؤلمني ...



بعدما فتح عينيه ، ظل يحدق في يدي قليلا ، ثم فجأة انتزع الساعة من بين أصابعي و رمى بها نحو الجدار و زمجر بقوة :



" انصرفي "






أنا انتفضت بذعر ... و ارتجفت جميع أطرافي ... فتحركت خطوة للوراء ... ثم انطلقت بأقصى ما أمكنني ... و بأوسع خطى ... و ذهبت إلى غرفتي ... فدخلت و أغلقت الباب بل و أوصدته مرتين ، ثم تهالكت على سريري ...



كان قلبي ينبض بسرعة عجيبة و أنفاسي تعصف رئتي بقوة ... و أنظر إلى يدي فأراها ترتعش ... فيما تشع احمرارا أثر قبضة وليد القوية عليها ...



بعدما هدأت قليلا اقتربت من المرآة فهالني المظهر الذي كساني

أصبحت مرعبة !

ألم أكن جميلة قبل قليل ؟؟




لا أعرف لماذا فعل وليد ذلك ...

هل غضب لأنني ظهرت من المطبخ و العجين يغطي أنفي ، فبدوت كطفلة غبية ؟؟

أم لأنني لم أكن ارتدي الحجاب وقتها ؟؟


أم ماذا ؟؟





و جعلت الأفكار تلعب في رأسي حتى أتعبته ...


الساعة !


لقد حطّمها !


لقد احتفظت بها كل هذه السنين لأعيدها إليه ... لماذا فعل ذلك ؟؟ لماذا ؟؟






شعرت بشيء يسيل على خدي رغما عني

بكيت من الذعر و الخوف ... و الحيرة و الدهشة ...

لا أعرف كيف سيكون لقاؤنا التالي ...

لم يعد هذا وليد !

وليد لم يكن يصرخ في وجهي و يقول :

" انصرفي "


كان دائما يبتسم و يقول :


" تعالي يا رغد !! "