بعد ان تم بيع الأرض ، وانتهى اصلاح منزل عماد ونعمة ... اشترى عماد سيارة واسعة ... كان في كل يوم وبعد أن ينهي أبناؤه فروضهم المنزلية يأخذهم في نزهة ... للعشاء في الخارج ، مدينة الملاهي ، منتزه أو حديقة عامة ... كان يريد ان يذيقهم ما ذاقه بناته من جميلة ... يسعد ويفرح كلما رأى اطفاله يلعبون فرحين .. ينسى تعبه وهو الذي يقضي نهاره في العمل ويعود مساء ليصحبهم دون ان يرتاح ... حبه لأولاده وزوجته لم يكن يضاهيه حب في الدنيا ...
زاروا كل معالم الأردن الجميلة ... وكم هي كثيرة ... زاروا المدن ومعالمها التاريخية والسياحية ... زاروا سوريا ومعالمها الراائعة ... وكل مرة كان يحدث أبناءه عن معالم القدس وحاراتها ، عن جمال فلسطين ومدنها عن بيارات يافا ... عن سوق عكا ..... عن الهندسة المعمارية في المساجد ... يعدهم أن يريهم اياها باقرب فرصة ... كان باب العمود ( أحد أبواب سور القدس ) يكفي ليسردعلى ابنائه ألف حكاية وحكاية عن الأيام التي قضاها في القدس ... كان حنينه للقدس عظيما ...
لم يكن يروي لأبنائه مآسي الطفولة ... كان يذكرها احيانا باسما ... موقف حرمانهم من العشاء في المدرسة الداخلية كان يرويه وابتسامة تعلو وجهه الرائع ... ضرب المعلمات لهم .. اهمالهم ... كله كان يوريه بابتسامة ، وكأنه يشاهد إحدى المسرحيات الهزلية ، وكأنه لم يكن احد ابطال هذه المسرحية ... نعم بابتسامة ... لا بسعادة .. وهناك فرق ...
أما أم عماد ، فكانت الجدة التي طالما تمنى اولاده لو يقبلون ايديها ... لو يجلسون يسمعون حديثها ... كان عماد يروي التفاصيل بصغرها ، فتدمع عيناه كلما ذكرها .. يتحشرج صوته كلما ذكر موقفها عندما اخبرها أن أمه اليهودية عادت لتراه ... أو عندما باعت ثوبها المطرز ...
بناته الأربع ... لم يكن يحب ان يذكرهم ... كرهه لذكرهم لا عدم ذكرهم ... وهناك فرق أيضا ... كثيرا ما كان يخطا في مناداته على بناته ، فينادي صفاء سرين ونسمة رباب .... وغيرها ثم ينتبه لخطئه فيتجه بصره نحو المجهول ... وكأن عيناه تسالان ... ترى ما أخبارهم ... أهم سعيدين الآن ببعدهم عني ...
وفي عام 1995 ... في اول شهر تشرين اول ... هاتفت نعمة اخاها علاء كالعادة ، اخبرها علاء ان الداخلية الاسرائيلية تجري عملية إحصاء في القدس وانها يجب ان تأتي لتثبت وجودها في القدس كيلا تخسر هويتها المقدسية وبالتالي تمنع من دخول فلسطين ... ترددت نعمة .. لكنها في النهاية لا تريد التضحية بهويتها وهي جواز سفرها لدخول القدس والتحرك فيها بحرية ...
عماد لديه عمل ، والأولاد على وشك البدء بامتحانات نصف الفصل الأول من الدراسة ... عماد لم يكن يريد لنعمة ان تخسر هويتها أيضا .. قدم لإجازة لمدة أسبوع ، وتم اخذ إذن للأولاد من مدارسهم ...
سافروا للقدس ....
القدس بالنسبة للأولاد كانت حلما ... نعم حلم كلما حلم بها أحدهم استيقظ مسرورا يباهي بحلمه إخوته.... يفرحون كل إجازة لأنهم سيسافرون إلى فلسطين ... يحبون كل شيء هناك ...
وصلوا عند خالهم علاء ... علاء الخال المثالي الرائع ، هو وزوجته الرائعة الطيبة كانوا يحبون أولاد عماد ونعمة ... يلاعبونهم ويعتنون بهم كثيرا ... قضوا عنده بضعة ايام ثم انتقلوا إلى منزل عائلة نعمة ... المنزل القديم ... نعم هو الذي عاشت نعمة طفولتها به ... ربت اخوتها فيه ... لكل ركن منه ذكرى ، ولكل بلاطة قديمة فيه قصة ... نعم هو بقبته العالية ، وشبابيكه الواسعة ... ببلاطه القديم الصخري ... هو نفسه .. تنقصه الغرفتان اللتان تم تدميرهما من قبل اليهود ...
كان أخوها يحضر لعملية فدائية ... انفجرت به العبوة الناسفة وقضى شهيدا في أحداث الاحتلال الأولى قديما ... عاقب اليهود العائلة بان هدم جزءا كبيرا من المنزل الذي استشهد فيه اخو نعمة .... وهدم اجزاء اخرى من منازل لأناس أخر في الجوار ...
يومها عمرت نعمة بقعة صغيره لاستخدامها كمطبخ وحمام اعزكم الله .... الغرفة لا زالت كما هي ، مهترئة ... دون اساسات ... مائلة وعوجاء ...
بعد ان اجتاحت كل هذه الذكريات رأس ام احمد (نعمة) نفضتها عن رأسها .. وبدأت تجري التعديلات التي تريدها على الغرفة ... إخوتها لم يتركوا شيئا إلا وضعوه ، اليهود لا يسهل خداعهم بسرعة كما يظن البعض .. إذا كنت تعيشين في هذا البيت ، فأين الملابس ، وأين اواني الطبخ ، اين المنظفات والشامبو ، والطعام في الثلاجة و و و و..... كل هذا واكثر ..
كانت الغرفة واسعة وصغيرة ... واسعة يدخلها الضوء والهواء ... صغيرة على عائلة مكونة من 7 افراد ... لكنها كانت قصرا في نظر الأولاد ...
قضوا فيها أسبوعا حتى جاءهم الموظف المعروف .. يهودي اسمه ( رافي ) .. ومن لا يعرفه من سكان القدس ... لئيم حقير ... كغيره من اليهود ... جاء عندهم ليجري عملية الإحصاء ، معه اكثر من 20 جندي وقفوا في خارج البيت ، وفي الأزقة المؤدية للبيت ... تم الإحصاء ، وبإذن الله لن تخسر نعمة الهوية ...
انتهت الزيارة وستعود العائلة إلى الأردن حيث عمل الأب ودوام المدارس ... وعلى الحدود ( التي تغيرت ووصل لها اختراع الباب الالكتروني بدل خلع الملابس والأحذية ) ....
( انتوا بترجع ... ) نطق بها احد اليهود على جسر الأردن ( الحدود ) ... لييييييييييييييش ؟؟؟
عاد عماد وأسرته للقدس ... لماذا تمت إعادتنا ومنعنا من العبور .... سؤال ساله الأولاد فكانت إجابة عماد ونعمة ... في مشاكل بتسجيلكم على الكمبيوتر ( كمبيوتر وزارة الداخلية الاسرائيلية )
( من بكرة يا نعمة .. الله بيعينك ... روحي بكير على الداخلية وسجلي هالاولاد وهي علاء بيروح معك ... ما عنا وقت بلاش يروحوا الامتحانات على الأولاد .) قال عماد ثم اردف ( أنا بتصل هلأ على صاحبي بخليه يحكي مع المدير ويمددلي الإجازة ... ) ذهبت نعمة إلى الداخلية ... سجلت اسماعيل وحنان بصعووووبة ... صفوف من الناس امام الداخلية ، كل له مشكلته .... دوام رسمي امام الداخلية من الفجر مكن نعمة من الدخول لها ساعات الظهر بعد أن تركت الشمس آثارها على وجهها ...
وبعد عدة أيام تم تسجيل الأولاد .... وانطلقت الاسرة في اليوم التالي إلى الجسر لتسافر عائدة إلى حياتها في الأردن ....
وتكررت العبارة .... ( انتوا بترجع .... ) لا حول ولا قوة إلا بالله ... لييييييش ... ( ابنك نسمة مش مسجل بالكمبيوتر ) ...
سجلوا اسماعيل وحنان وقاموا نسمة !!!....
استمر هذا المسلسل ... 4 مرات تمت إعادة عماد وعائلته إلى القدس ... أيام لتسجيل الأولاد في الكمبيوتر المتخلف ... يسجلون أحد الأولاد ويزيلون غيره وآخر مرة ( المرة الخامسة ) قيل لعماد أنه نفسه غير مسجل ... ضحكت العائلة وهي تعود ادراجها للقدس ... ضحكة تحمل كل تعب الدنيا وسخريتها ... ضحكة تحمل خوف عماد ونعمة على ضياع عام دراسي كااااامل على الأولاد ...ضحكة متعجبة كيف اسم عماد مو مسجل وهو صاحب الهوية والاولاد اتسجلوا حسب هويته !!!!
جلس عماد مع زوجته نعمة ... يطرح عليها فكرة طالما شغلت باله وفكره ...
( شو رأيك يا نعمة نرجع نستقر بالقدس هون .... )
نعمة : ( بس شغلك يا ابو أحمد بالأردن ... ومدارس الاولاد في الأردن .. كل حياتنا يا زلمة في الأردن ...
كانت هذه الفكرة ( الاستقرار بالقدس ) تشغل بال عماد طوااااال لحظات حياته في الأردن ...
زاد تمسكه بالفكرة موقف حصل معه في الأردن مع احد الجيران ... كان جارا يحبه .. يسكن في الطابق الأرضي .. يسلمه عماد مفاتيح البيت أثناء سفرالعائلة إلى القدس .... يثق به عماد ثقة عمياء ... وفي أحد الأيام ... رأته نعمة من عين الباب يتجسس عليهم ، يجلس القرفصاء امام بابهم ويسترق السمع ...
بعدها غضب عماد ... جن جنونه ... واجهه فأنكر ... طلب منه أن يحلف على المصحف الشريف أنه لم يفعل .... فحلف ... ( قالوا للكزاب احلف قال أجا الفرج )
انقسم الجيران بين مصدق ومشكك ، الجاران ( عماد وجاره المتجسس ) من اصحاب السمعات النظيفة ...
بعدها عرض عماد البيت الذي لم يكن قد مر على توسيعه وتصليحه سوى أشهر للبيع .... كان مصدوما ... هذه الحادثة أثرت على عماد .. جعلته يفكر بجدية ان يترك الأردن وينتقل للعيش في بلده فلسطين ... وفي مدينته القدس ... قد لا ترون أية علاقة لحادثة الجار وفكرة الانتقال ... لكن عند عماد ... كان الوضع مختلفا ...
في المرة القادمة .... هل تنتقل العائلة للسكن في القدس ؟؟؟

نعمة كانت تعارض فكرة الانتقال ... لا لشيء .. بل لأن حياتهم كانت قد استقرت بالأردن ... غير أن عماد كان يريد ان يبقى في الأردن بضع سنين وحدة حتى يستطيع تقديم تقاعده ويعود للقدس عند عائلته ...
لا تريد ان تترك زوجها لوحده .. من يعتني به ، من يرعى احتياجاته ... عماد أقنعها ، ورغبة ابنائها اسكتتها وجعلتها ترضى ... عمد عاد إلى الأردن بعد أن اطمأن على ابنائه فسجل البنات في إحدى أفضل المدارس في القدس بعد ان تفهم مديرها الطيب ما حصل لهم ... أما ابناؤه فسجلهم في المدرسة التي تعلم بها ... لم يسجلهم داخلي ، ولم تعد المدرسة كما كانت ... مديروها واساتذتها مسلمون يعرفهم ويعرف طيب اصلهم والقسم الداخلي منعزل عن باقي المدرسة أي انها اصبحت عمارتين مختلفتين عن بعضهما يديرهما مديرين مختلفين ...
نعمة بقيت مع ابنائها في القدس ... في منزلها القديم ... عماد يعمل هناك بالأردن ، يعود من عمله إلى بيته فيستمع للأخبار ... لم يكن يخرج إلا إلى أماكن محدودة ... عمله ، المسجد ، منزل أخته عبير ، وأحيانا قليلة جدا المطعم القريب ... أقفل كل غرف المنزل ونقل أحد اسرة الأولاد إلى غرفة المعيشة حيث التلفاز ، وبجانبه جهاز المذياع ...
الحياة في القدس شديدة الغلاء ... الاسعار مرتفعة ... راتبه الذي كان يكفيهم ليعيشوا حياة جميلة في الاردن لم يعد يكفي لذلك بالقدس... كان يبعث بالراتب لزوجته واولاده ... يبقي القليل القليل منه لنفسه ...
أما أولاده .... وزوجته .... فالحنين كان يقتلهم لرؤيته ... ينتظرون قدومه بفارغ الصبر في كل عيد أو إجازة ... وكلما نزلت نعمة إلى الأردن يبعثون معها رسائل شوقهم لأبيهم ...
ابنته الصغيرة حنان بعثت له مرة بالأحرف بعد أن تعلمت كتابتها ... كان هذا مضمون رسالتها ... أحرف كتبتها بيدها الصغيرة .. متعرجة غير منتظمة ...
بعثوا له شهاداتهم المدرسية ... ليعلموه أنهم لا زالوا الأوائل في الدراسة ... نسمة كانت تحب ان تخبر أباها بالنكت والقصص الطريفة فكانت تبعث له بطرف الرسالة طرفة أو نكتة .. وتتخيل ابتسامة ابيها العذبة حين يقراها ....
عماد ... الرجل الممتلئ بعاطفة أبوة صادقة رائعة ... كان يقرأ رسائلهم بفرح وشوق لهم ... يتمنى لو كانوا أمامهم ليضمهم إلى صدره ... كل رسائلهم احتفظ بها في دولابه في علبه جميلة سبق ان صنعها ابنه اسماعيل .... بالرغم من ان طبعه كان الاحتفاظ بكل الأوراق الرسمية والشخصية ... لكن احتفاظه برسائل ابنائه كان له معنى مختلف ... يفتحها كلما شده الشوق لهم وهو يجلس وحيدا في منزله لا يزوره غير أخته عبير أحيانا ...
قطع علاقاته بالناس .. صدمته من جاره المتجسس جعلته يبتعد عن كل الناس .. يومه المكتظ باعماله الروتينية لم يجعل مجالا لغيره ليزوره ... يقوم بإعداد وجباته البسيطة .. معكرونة ، بعض المقليات ، شوربة خفيفة ... وأحيانا قليلة جدا يذهب للمطعم ... نعمة كلما زارته أعدت له العديد من الأكلات والأطباق وحفظتها في المجمدة حتى يخرجها كلما احتاج ...
لم يكن اي من الطرفين ( نعمة والأولاد من جهة وعماد من جهة اخرى ) سعيدا بهذا الحال ... لكن عماد كان مستعدا للتضحية بأي شيء ليحيا بالقدس ...
نعمة لم يعجبها الحال .... في إحدى زياراتها له في الأردن .... عرضت عليه ، وكسابقة لا يعلم التاريخ لها مثيلا من اية زوجة ... عرضت عليه ان يتزوج إحدى النساء في الأردن ...
عماد ذهل من عرض نعمة : ( شو بتقولي يا بنت الحلال ... اسكتي الله يخليكي )
وقامت نعمة تدافع عن وجهة نظرها ، فهي لا تطيق ان تظل حال زوجها بهذا الشكل ، لا يجد من يعتني به ... (الزوجة الثانية أرحم من ان تحتاج شيئا أو تمرض لا سمح الله دون أن تجد من يعتني بك )
عماد حقا انصدم من موقفها وخاطبها وعلى وجهه ابتسامة دافئة ... ( ما بتجوز عليكي ... مستحيل اعملها يا روحي ... أصلا ما بلاقي متلك )
هل تتوقعون ان نعمة رضيت .. ظل هذا الموضوع يؤرقها ، تطرحه على زوجها كلما احست بالخوف عليه والشوق له .....
في إحدى العطلات الصيفية ... قررت العائلة ان تقضي إجازتها في الأردن ، عماد سيعبر الحدود لأن اولاده لا يمكنهم العبور وحدهم ... انتظر الأولاد عماد لا لشوقهم للإجازة ، بل شوقا له ...
لا أدري كيف أصف مشاعرهم ... في قلوبهم الصغيرة نار تتأجج شوقا ولهفة لأبيهم الحبيب ... جلسوا فيما يسمى الاستراحة في أريحا ... والدهم سيصل بين الفينة والأخرى ... شوقه لهم لا يقل عن شوقهم ... خرج باكرا منذ الفجر ... جاءت اول حافلة من المسافرين ... ركض أبناؤه الخمسة نحوها ... تفحصوا وجوه راكبيها الذين ينزلون منها .. وجها وجها ... انتظروا لعل أباهم سينزل منها بعد كل هؤلاء ... وكأنه سيكون مختبئا فيها يلاعبهم لعبة الاستغماء ...
الحافلة الثانية ، والثالثة ،الرابعة .... وكل مرة يتكرر المشهد ، يركض الأبناء الخمسة نحو الحافلة ، ولا يكون عماد من بين ركابها ....
عندما جاءت الحافلة العاشرة ... كانت ابنته نسمة قد شعرت بالخيبة .. ركض أخوانها لاستقبال الحافلة نادوها لكنها ذهبت بالاتجاه الآخر وأخذت تبكي ... قالت لإخوتها شكلهم ما مرقوه على الجسر ... خلص ... انتظر إخوتها ... خرج جميع الركاب .... وعندما استداروا ليبتعدوا والدموع تملأ عيونهم فاجأهم صوت الحبيب ... شو يا بابا أنا جيت .... قفزوا وركضت نسمة ... لحرارة الموقف ... والدموع التي ذرفها عماد وزوجته والأولاد بكى كل من كان حولهم في الاستراحة ... نعمة لم تسافر معهم ، كانت ستلحق بهم بعد أن تجدد هويتها ، اي بعد عدة ايام ...
ركب الأبناء مع والدهم الغالي .. انتقلوا من حافلة لحافلة ومن غرفة تفتيش إلى أخرى .... لم يذكروا شيئا من تفاصيل الرحلة المتعبة .... لم يحركوا عيونهم عن وجه ابيهم الحبيب ولم يفارقوا نظره وفي عينيه الجميلتين الحانيتين نظرة تحمل سعادة الدنيا ...
وصلوا أمام منزلهم في الأردن في ساعة متأخرة من الليل ... كان بعضهم قد غفا في السيارة ... نزلوا ... لم يعرفوا المنطقة ، عمارات جدد قد بنيت ، الشارع اصبح واسعا ... دكاكين اقفلت وفتحت اخرى ...
دخلوا عند الدكان المقابل لبيتهم ، اشترى عماد المشروبات الغازية وبعض الطعام ( لبنة ، جبنة ، .... الخ ) حتى يتعشى اولاده ... تحدثوا مع البائع الذي كانوا يحبونه وهم صغار ... كان شابا طيبا متدينا ، لاعبهم ... ثم عبروا الشارع لمنزلهم .... دخلوا المنزل ...
جابوه وتنقلوا فيه ... وكانهم في عالم غريب يكتشفونه .... فتحوا الثلاجة ، الغسالة ، أشعلوا الأضواء واطفأوها ... نادوا على بعضهم ... أحمد بتتذكر هاي اللعبة ... نسمة ، متزكرة هاي التحفة .... عماد ينظر إليهم فرحا ويشاركهم سعادتهم ، ينظر للمنزل الذي لم تكن فيه حياة او سعادة ... كيف اصبح بعد ان عاد أبناؤه له ...
قام عماد ليحضر العشاء إن صح تسمية طعام ال2 بعد منتصف الليل عشاء ....
وضع ما شراه ... قام بتسخين شوربة كان قد اعدها من يومين ... سكب لأبنائه ... لم ياكلوها ... نسمة اكلتها ، لا لأنها أحبتها بل لأنها لم ترد ان تشعر أباها أنهم لم يحبوا الشوربة التي اعدها .. طلبت المزيد منها ، ولم تاكل سوى الطبقين ....
ناموا كل في سريره ... وفي صباح اليوم التالي خرج عماد إلى عمله باكرا ... أوصاهم أن لا يفتحوا الباب لأحد ... قامت الأخت الكبيرة صفاء باعمال ترتيب في المنزل ... كانت فتاة رائعة ... تجيد كل أعمال المنزل على الرغم من صغر سنها ... ساعدتها اختها نسمة بعض الشيء ...
غسلوا المفارش والبرادي ... غسلوا الأرض ولمعوا الأثاث .... أحس بعض الجيران الطيبون بوجود احد في المنزل ... دقوا الباب ... تردد الأولاد بفتح الباب ... لكنهم كانوا مشتاقين لأصدقائهم ... ولا يريدون عصيان ابيهم ... نتيجة هذه المعادلة البسيطة في ذهون الأولاد كانت ان فتحوا شباك الباب ... شباك بحجم نصف الباب فتحوه وتحدثوا مع الجارات .. مع ابناء وبنات الجيران ... كان الجميع قد كبر ... إنها اكثر من سنتين ...
عاد عماد من عمله ... يعلم ان بيته قد امتلأ بالحياة ، عاد ومعه كيس كبير مليء بالحلويات والآيس كريم ، الشوكولا .. كل ما يحبه الأولاد ....
قضى معهم يوما سعيدا ، فكان البيت يشع سعادة حتى ادرك كل من في الحي أن عائلة عماد قد عادت لتقضي معه الإجازة ...
كان عماد قد باع سيارته .. لم يؤثر هذا على سعادتهم ... المواصلات العامة كانت موجودة طول الوقت ... خرجوا في اليوم التالي ، المطعم اللبناني الذي كانوا يحبون المشاوي عنده ، محل الحلويات لياكلوا الكنافة النابلسية التي تعودوا ان ياكلوها معا عنده ... المنتزه ... حدائق الملك عبد الله ، الساحة الهاشمية ، منزل عمتهم ... وعادت الأيام السعيدة التي كانوا يعيشونها قبل أن ينتقلوا إلى القدس .... وعادت البسمة إلى وجه عماد الطيب ...
في المرة القادمة إن شاء الله ...
نعمة تتاخر باللحاق بعائلتها للأردن ..... هدير ترغب بالعيش مع ابيها ...
لا تريد ان تترك زوجها لوحده .. من يعتني به ، من يرعى احتياجاته ... عماد أقنعها ، ورغبة ابنائها اسكتتها وجعلتها ترضى ... عمد عاد إلى الأردن بعد أن اطمأن على ابنائه فسجل البنات في إحدى أفضل المدارس في القدس بعد ان تفهم مديرها الطيب ما حصل لهم ... أما ابناؤه فسجلهم في المدرسة التي تعلم بها ... لم يسجلهم داخلي ، ولم تعد المدرسة كما كانت ... مديروها واساتذتها مسلمون يعرفهم ويعرف طيب اصلهم والقسم الداخلي منعزل عن باقي المدرسة أي انها اصبحت عمارتين مختلفتين عن بعضهما يديرهما مديرين مختلفين ...
نعمة بقيت مع ابنائها في القدس ... في منزلها القديم ... عماد يعمل هناك بالأردن ، يعود من عمله إلى بيته فيستمع للأخبار ... لم يكن يخرج إلا إلى أماكن محدودة ... عمله ، المسجد ، منزل أخته عبير ، وأحيانا قليلة جدا المطعم القريب ... أقفل كل غرف المنزل ونقل أحد اسرة الأولاد إلى غرفة المعيشة حيث التلفاز ، وبجانبه جهاز المذياع ...
الحياة في القدس شديدة الغلاء ... الاسعار مرتفعة ... راتبه الذي كان يكفيهم ليعيشوا حياة جميلة في الاردن لم يعد يكفي لذلك بالقدس... كان يبعث بالراتب لزوجته واولاده ... يبقي القليل القليل منه لنفسه ...
أما أولاده .... وزوجته .... فالحنين كان يقتلهم لرؤيته ... ينتظرون قدومه بفارغ الصبر في كل عيد أو إجازة ... وكلما نزلت نعمة إلى الأردن يبعثون معها رسائل شوقهم لأبيهم ...
ابنته الصغيرة حنان بعثت له مرة بالأحرف بعد أن تعلمت كتابتها ... كان هذا مضمون رسالتها ... أحرف كتبتها بيدها الصغيرة .. متعرجة غير منتظمة ...
بعثوا له شهاداتهم المدرسية ... ليعلموه أنهم لا زالوا الأوائل في الدراسة ... نسمة كانت تحب ان تخبر أباها بالنكت والقصص الطريفة فكانت تبعث له بطرف الرسالة طرفة أو نكتة .. وتتخيل ابتسامة ابيها العذبة حين يقراها ....
عماد ... الرجل الممتلئ بعاطفة أبوة صادقة رائعة ... كان يقرأ رسائلهم بفرح وشوق لهم ... يتمنى لو كانوا أمامهم ليضمهم إلى صدره ... كل رسائلهم احتفظ بها في دولابه في علبه جميلة سبق ان صنعها ابنه اسماعيل .... بالرغم من ان طبعه كان الاحتفاظ بكل الأوراق الرسمية والشخصية ... لكن احتفاظه برسائل ابنائه كان له معنى مختلف ... يفتحها كلما شده الشوق لهم وهو يجلس وحيدا في منزله لا يزوره غير أخته عبير أحيانا ...
قطع علاقاته بالناس .. صدمته من جاره المتجسس جعلته يبتعد عن كل الناس .. يومه المكتظ باعماله الروتينية لم يجعل مجالا لغيره ليزوره ... يقوم بإعداد وجباته البسيطة .. معكرونة ، بعض المقليات ، شوربة خفيفة ... وأحيانا قليلة جدا يذهب للمطعم ... نعمة كلما زارته أعدت له العديد من الأكلات والأطباق وحفظتها في المجمدة حتى يخرجها كلما احتاج ...
لم يكن اي من الطرفين ( نعمة والأولاد من جهة وعماد من جهة اخرى ) سعيدا بهذا الحال ... لكن عماد كان مستعدا للتضحية بأي شيء ليحيا بالقدس ...
نعمة لم يعجبها الحال .... في إحدى زياراتها له في الأردن .... عرضت عليه ، وكسابقة لا يعلم التاريخ لها مثيلا من اية زوجة ... عرضت عليه ان يتزوج إحدى النساء في الأردن ...
عماد ذهل من عرض نعمة : ( شو بتقولي يا بنت الحلال ... اسكتي الله يخليكي )
وقامت نعمة تدافع عن وجهة نظرها ، فهي لا تطيق ان تظل حال زوجها بهذا الشكل ، لا يجد من يعتني به ... (الزوجة الثانية أرحم من ان تحتاج شيئا أو تمرض لا سمح الله دون أن تجد من يعتني بك )
عماد حقا انصدم من موقفها وخاطبها وعلى وجهه ابتسامة دافئة ... ( ما بتجوز عليكي ... مستحيل اعملها يا روحي ... أصلا ما بلاقي متلك )
هل تتوقعون ان نعمة رضيت .. ظل هذا الموضوع يؤرقها ، تطرحه على زوجها كلما احست بالخوف عليه والشوق له .....
في إحدى العطلات الصيفية ... قررت العائلة ان تقضي إجازتها في الأردن ، عماد سيعبر الحدود لأن اولاده لا يمكنهم العبور وحدهم ... انتظر الأولاد عماد لا لشوقهم للإجازة ، بل شوقا له ...
لا أدري كيف أصف مشاعرهم ... في قلوبهم الصغيرة نار تتأجج شوقا ولهفة لأبيهم الحبيب ... جلسوا فيما يسمى الاستراحة في أريحا ... والدهم سيصل بين الفينة والأخرى ... شوقه لهم لا يقل عن شوقهم ... خرج باكرا منذ الفجر ... جاءت اول حافلة من المسافرين ... ركض أبناؤه الخمسة نحوها ... تفحصوا وجوه راكبيها الذين ينزلون منها .. وجها وجها ... انتظروا لعل أباهم سينزل منها بعد كل هؤلاء ... وكأنه سيكون مختبئا فيها يلاعبهم لعبة الاستغماء ...
الحافلة الثانية ، والثالثة ،الرابعة .... وكل مرة يتكرر المشهد ، يركض الأبناء الخمسة نحو الحافلة ، ولا يكون عماد من بين ركابها ....
عندما جاءت الحافلة العاشرة ... كانت ابنته نسمة قد شعرت بالخيبة .. ركض أخوانها لاستقبال الحافلة نادوها لكنها ذهبت بالاتجاه الآخر وأخذت تبكي ... قالت لإخوتها شكلهم ما مرقوه على الجسر ... خلص ... انتظر إخوتها ... خرج جميع الركاب .... وعندما استداروا ليبتعدوا والدموع تملأ عيونهم فاجأهم صوت الحبيب ... شو يا بابا أنا جيت .... قفزوا وركضت نسمة ... لحرارة الموقف ... والدموع التي ذرفها عماد وزوجته والأولاد بكى كل من كان حولهم في الاستراحة ... نعمة لم تسافر معهم ، كانت ستلحق بهم بعد أن تجدد هويتها ، اي بعد عدة ايام ...
ركب الأبناء مع والدهم الغالي .. انتقلوا من حافلة لحافلة ومن غرفة تفتيش إلى أخرى .... لم يذكروا شيئا من تفاصيل الرحلة المتعبة .... لم يحركوا عيونهم عن وجه ابيهم الحبيب ولم يفارقوا نظره وفي عينيه الجميلتين الحانيتين نظرة تحمل سعادة الدنيا ...
وصلوا أمام منزلهم في الأردن في ساعة متأخرة من الليل ... كان بعضهم قد غفا في السيارة ... نزلوا ... لم يعرفوا المنطقة ، عمارات جدد قد بنيت ، الشارع اصبح واسعا ... دكاكين اقفلت وفتحت اخرى ...
دخلوا عند الدكان المقابل لبيتهم ، اشترى عماد المشروبات الغازية وبعض الطعام ( لبنة ، جبنة ، .... الخ ) حتى يتعشى اولاده ... تحدثوا مع البائع الذي كانوا يحبونه وهم صغار ... كان شابا طيبا متدينا ، لاعبهم ... ثم عبروا الشارع لمنزلهم .... دخلوا المنزل ...
جابوه وتنقلوا فيه ... وكانهم في عالم غريب يكتشفونه .... فتحوا الثلاجة ، الغسالة ، أشعلوا الأضواء واطفأوها ... نادوا على بعضهم ... أحمد بتتذكر هاي اللعبة ... نسمة ، متزكرة هاي التحفة .... عماد ينظر إليهم فرحا ويشاركهم سعادتهم ، ينظر للمنزل الذي لم تكن فيه حياة او سعادة ... كيف اصبح بعد ان عاد أبناؤه له ...
قام عماد ليحضر العشاء إن صح تسمية طعام ال2 بعد منتصف الليل عشاء ....
وضع ما شراه ... قام بتسخين شوربة كان قد اعدها من يومين ... سكب لأبنائه ... لم ياكلوها ... نسمة اكلتها ، لا لأنها أحبتها بل لأنها لم ترد ان تشعر أباها أنهم لم يحبوا الشوربة التي اعدها .. طلبت المزيد منها ، ولم تاكل سوى الطبقين ....
ناموا كل في سريره ... وفي صباح اليوم التالي خرج عماد إلى عمله باكرا ... أوصاهم أن لا يفتحوا الباب لأحد ... قامت الأخت الكبيرة صفاء باعمال ترتيب في المنزل ... كانت فتاة رائعة ... تجيد كل أعمال المنزل على الرغم من صغر سنها ... ساعدتها اختها نسمة بعض الشيء ...
غسلوا المفارش والبرادي ... غسلوا الأرض ولمعوا الأثاث .... أحس بعض الجيران الطيبون بوجود احد في المنزل ... دقوا الباب ... تردد الأولاد بفتح الباب ... لكنهم كانوا مشتاقين لأصدقائهم ... ولا يريدون عصيان ابيهم ... نتيجة هذه المعادلة البسيطة في ذهون الأولاد كانت ان فتحوا شباك الباب ... شباك بحجم نصف الباب فتحوه وتحدثوا مع الجارات .. مع ابناء وبنات الجيران ... كان الجميع قد كبر ... إنها اكثر من سنتين ...
عاد عماد من عمله ... يعلم ان بيته قد امتلأ بالحياة ، عاد ومعه كيس كبير مليء بالحلويات والآيس كريم ، الشوكولا .. كل ما يحبه الأولاد ....
قضى معهم يوما سعيدا ، فكان البيت يشع سعادة حتى ادرك كل من في الحي أن عائلة عماد قد عادت لتقضي معه الإجازة ...
كان عماد قد باع سيارته .. لم يؤثر هذا على سعادتهم ... المواصلات العامة كانت موجودة طول الوقت ... خرجوا في اليوم التالي ، المطعم اللبناني الذي كانوا يحبون المشاوي عنده ، محل الحلويات لياكلوا الكنافة النابلسية التي تعودوا ان ياكلوها معا عنده ... المنتزه ... حدائق الملك عبد الله ، الساحة الهاشمية ، منزل عمتهم ... وعادت الأيام السعيدة التي كانوا يعيشونها قبل أن ينتقلوا إلى القدس .... وعادت البسمة إلى وجه عماد الطيب ...
في المرة القادمة إن شاء الله ...
نعمة تتاخر باللحاق بعائلتها للأردن ..... هدير ترغب بالعيش مع ابيها ...

كان يفترض أن تلحق نعمة بعائلتها بعد عدة ايام ... لكن وزارة الداخلية الاسرائيلية وما أدراك ما وزارة الداخلية ... لا يعرفون مواعيدا ولا نظاما ... يحبون إذلال الفلسطينيين ... طلعولها مليون مشكلة بهويتها ...
اما الاولاد فكل يوم كان لهم نزهة يقضونها في احد الاماكن ... قال الأولاد لأبيهم ذات يوم ... بابا شاورما القدس مش زاكية زي الشاورما اللي كنت تشتريلنا اياها هون ... خرج بهم عماد حيث المطعم الذي كان يشتري منه ... اشترى لكل منهم ساندويشتين ... كان يعلم أن الاولاد صغار بيشبعوا من اقل من ساندوش ..لكن هذا عماد وطبعه.. كريم جدا ...يكره ان يرغب ابناؤه بشيء فلا يحضره لهم ... مشوا في إحدى الحدائق العامة مساء ، يمسك كل منهم ساندوش الشاورما ... مروا بجانب رجل كبير ... ثيابه متسخة قديمة ... وجهه متسخ ، شعره طويل .. خاف الاولاد منه ... ركضوا حيث ابوهم ... انتبه عماد له ... قال لاولاده ... ليش خايفين ... ليش خايفين ... عمو ما بخوف ...
رآه عماد يجمع بقايا الطعام التي يتركها الناس في المنتزه ... خبز يابس ... علب عصير ... أسرع عماد نحوه واقترب منه بكيس الساندويشات التي بقيت ... الاولاد كانوا يرقبون عن بعد باستغراب ... أبوهم يتحدث مع رجل غريب ... عاد عماد وقد رفض الرجل أخذ الكيس ... حضن عماد ودعا له من كل قلبه ، لكنه رفض اخذ الكيس (عزة النفس لا تعرف فقيرا ولا غنيا) ... عاد عماد والحزن باد في وجهه ...
قال له اولاده : بابا ما خفت منو ...
نظر لهم عماد وقال : يا بابا هيك ناس ما بيخوفوا ... وعيب تحكوا هيك عن عمو ... الزلمة مسكين فقير ما معه مصاري ، بس معه اللي اغلى من المصاري ... عنده كرامة ... اه والله عنده كرامة ...
ترك عماد ابناءه يفكرون بهذه الجمل ... لم ينسوها يوما!!! ............
في احد الأيام كانت صفاء قد أعدت الطعام ، تنتظر عودة ابيها من العمل ( صفاء كان عمرها في ذلك الوقت 14 سنة فقطططط ) ... أعدت البامية مع اللحم ... اكلة يحبها عماد ، احبها من يدي نعمة فقط حيث لم يكن ياكلها في مدرسته الداخلية ولا عند جميلة ... كل شيء كان جاهزا ... وعاد عماد ... الفرحة والارتباك يعلوان وجهه ... همت صفاء بإعداد السفرة لكنه اوقفها وقال لها .. بعدين يا بابا .. بعدين ... أختك هدير حاكية مع عمي عادل ... وقال بدها تعيش معي ... بدي ادخل اتحمم (ياخد شاور يعني ) وحضريلي أواعي بسرعة .....
بسرعة كبيرة كانت صفاء قد حضرت لأبيها قميصا وبنطالا وجاكيت ( ملابس رسمية ) ... كان عماد قد اعتاد ارتداء بذلات عملية يفصلها عند صديق له ... لكنه رضي أن يرتدي هذه الملابس ... نظرت إليه صفاء ونسمة بعد ان انتهى من ارتداء الملابس ... أصبح له كرش صغير بعد ان كان هزيلا ... كثر الشيب في شعره ، وبدأت فروة راسه تظهر بما يسمى صلعة ... لكنه لازال وسيما رائعا ... وجهه لا زال يحمل كل معاني الطيبة والحنان والبراءة .... هجم عليه ابناؤه بحب ... شو هالحلاوة يا بابا ... ضحك عماد وتلقى من احمد رشتين من عطر جميل قبل ان يخرج متلهفا لفيلا عمه عادل حيث تنتظره هدير ....
بقيت اواني الطبخ كماهي ... سكبت صفاء لإخوتها اسماعيل وحنان واحمد .. وبقيت مع نسمة في المطبخ ... تجلسان على حافة المجلى ينظرون من النافذة المطلة على الشارع الرئيسي ليروا ويرقبوا عودة أبيهم مع هدير ....
قالت صفاء لنسمة : نسمة ... فكرك عنجد بتيجي هدير تعيش معنا ...
نسمة : والله ما بعرف ... يمكن .. شو عرفك .. أكيد عرفت إنو بابا طيب وبيحبهم ...
قالت صفاء : إزا كانت صادقة هي بتاكل معنا من البامية وبتنام عنا ... بنيمها على تختي والله .... أما إزا كانت كزابة متل سرين ورنا ورباب ... فالله لا يردها ... هي اللي بتخسر تعيش مع اب متل بابا ...
عاد عماد .... امتزج الحزن على وجهه بالغضب ... هدير ليست سوى فتاة تشربت حقد جميلة .. فكان أثره فيها كبيرا .. نعم كانت صغيرة عندما انفصل عماد عن جميلة .... ربتها جميلة ، وكانت سرين ورنا ورباب النماذج التي ترعرعت وسطها .. شو بدها تطلع يعني غير زيهم ...
لم يتحدث عماد عن الموقف ... ولم يساله أي من أبنائه ... وجهه البرونزي محمر من الغضب وعيناه محمرتان من الحزن ... ونام دون ان يأكل ..... التفاصيل سمعوها فيما بعد .... سأذكرها لاحقا بس تزكروا هالموقف منيح
اتفق ابناء عماد الخمسة أن ينسوا أباهم همه ... اجتمعوا ليخططوا ما يفعلونهم
صفاء 14 سنة
أحمد 13 سنة
نسمة 11 سنة
اسماعيل 9 سنوات
حنان 6 سنوات
اجتمع هؤلاء الأطفال ليلا ليصلحوا ما فعله البنات الأربعة وصغراهم هدير عمرها قد تجاوزت ال23 عاما وربما اكثر ... اتفقوا ان يكثروا من نكتهم ولعبهم مع ابيهم ... يلهونه بأشياء اخرى ... ( قرارات خطيرة ما شاء الله )
نجح الأطفال بعض الشيء ... تناسى عماد بناته .. ظللن على لسانه ينادي بهن حنان ونسمة وصفاء ...
مر أكثر من 10 أيام ونعمة لم تنته من تجديد هويتها ...
صفاء كسر اصبعها ... يدها تورمت والألم شديد ... وشغل البيت كلو تقريبا فوق راسها ....
جنت نعمة عندما علمت ... ما أن استلمت هويتها بعد التجديد حتى سافرت في نفس اليوم للأردن .... والتم شمل العائلة ... وعادت الأيام إلى سابق عهدها ...
خرجت العائلة في يوم من الايام عصرا ... للسوق ، اشتروا الملابس والألعاب ، وتوجهوا لمطعمهم اللبناني ، لمحل الكنافة ... ثم إلى منزل عمتهم .... ثم إلى المنتزه القريب من منزل عمتهم عبير ...
وأثناء العودة للمنزل .. ركبت العائلة في حافلة .. جلسوا في المقعد الخلفي الطويل .. والله دون مبالغة ، السعادة كانت باينة على وجوههم ، حتى انهم لما دخلوا ، كل اللي بالحافلة يتطلعوا فيهم ويتابعوهم بانظارهم ...
نسمة احست بالنعاس .... بدأ رأسها ينزل للأسفل فترفعه بحركة سريعة ... ضحك أبوها ...أعادها للخلف ووضع رأسها على صدره .. وحضنها بيده ... أمها رفعت ساقيها ووضعتهم في حجرها ... فكانت نسمة تنام في أحضان امها وابيها معا ... إحدى الفتيات الصغيرات في عمرنسمة تقريبا كانت تجلس في الأمام في الحافلة ... تلتفت حيث نسمة كل دقيقة .. نسمة نسيت نومها واخذت تنظر لها ، ولسان حالها يقول ... طقي موتي أنا نايمة بحضن امي وأبوي ... شوفي ما احلانا .... ( عمايل الصغار )
.......... كانت هذه مذكرات العائلة في يوم سعيد واحد ......
وهنا مواقف أخرى من الإجازة السعيدة
في احد الأيام كانت بعض الجارات يجلسون عند نعمة يتذكرون ايام زمان ، ايام العيد وتنظيف العمارة ، عمل الكعك والمعمول مع بعض ، مساعدة بعضهم البعض في العزائم والمناسبات ، ذكريات سعيدة رائعة ، وحياة بسيطة يصعب ان نجدها في عصرنا ...
ذكر الجار الذي تجسس على بيت أبو احمد ... قالت الجارات لنعمة أن أبو ماهر ( الجار المتجسس ) تم القبض عليه في العمارة المجاورة ، يتجسس على بيت العريس الجديد الذي سكن حديثا .. العريس لاعب كراتيه وملاكمة ... أمسكه ودق على جميع الأبواب ، أراهم اياه ، وأخبرهم عن افعاله ... اسود وجه أبو ماهر ، طلب الجيران الشرطة ، القي القبض عليه هو وابنه بعد ان حاول الدفاع عنه ... ابنه هذا كان يضرب صفاء ... صفاء خطها جميل جدا اقرب للتخطيط منه للكتابة .. كانت تخط آيات قرآنية على الجدار على السطح ... فيمحيها ماهر بحذائه ... فتجن صفاء وتبكي وتصرخ عليه ، تهدده ان الله سيضعه في نار جهنم فيضحك منها ويبتعد ...
الحقيقة ان مشاعر نعمة كانت مختلطة ، فمن جهة تبين انهم كانوا صادقين ونال هذا الجار جزاءه ومن ناحية اخرى كان الحزن يملؤها ... الجار منع من مغادرة منزله ...
سالت نعمة : متى صار هالحكي ... قيل لها من سنة ونص يمكن ...
نعمة : والله عماد ما قاللي
عماد ... لم يكن يعلم ما حدث ، رغم الضجة التي حدثت في الحارة ، لكن اعتزاله في غرفة المعيشة بعيدا عن الشبابيك والغرف المطلة على الخارج منعه من سماع اي صوت ...
تفاجا عماد مما قالته له نعمة ... وكانت مشاعره مشابهة لمشاعر نعمة ، فالجار هذا كان في احد الايام أكثر الجيران قربا من عماد ...
في احد الأيام كانت صفاء تستحم ، نسمة تنتظرها حتى تخرج معها للسطح ليجلسوا مع صديقاتهم من بنات الجيران ... دق الباب ...
عماد يمسك أحد الكتب يقرأه في غرفة المعيشة ... حنان تلعب مع صديقاتها عند الجيران .. أحمد واسماعيل يلعبون بطيارة ورقية صنعها لهم عماد مع أصدقائهم أمام العمارة ...
فتحت نسمة الباب ... أمام الباب كانت تقف ابنة الجيران .... ابنة أبو ماهر ... كانت فتاة سمراء ناعمة ... كانت تقف بتردد ... راتها نسمة ففرحت ... وهتفت ( منى ، كيفك ... ) منى تشجعت قليلا وسلمت على نسمة وحضنتها كانت تكبرها بخمسة اعوام ، سالتها عن صفاء وطلبت منها ان تطلعا للسطح وتجلسا معها ... اغلقت نسمة الباب ، ثم ذهبت لتلبي نداء أبيها ... قال لها عماد : مين اللي دق الباب ...
ترددت نسمة قليلا قبل ان تجيب : هاي منى بابا ، بنت جارنا أبو ماهر ...
نظر لها عماد برهة ثم ابتسم ودعاها لتجلس قربه ...
قال لها : وليش خايفة ... شو بدي آكلك
نسمة : .....
عماد : يا بابا ، البنات هدول مناح ، ,إزا أبوهم عمل خطأ مش معناتها إنكم تبطلوا صاحبات معهم ... ماشي ... بس تطلع صفاء بتطلعوا على السطح وبتقعدوا معها ...
وقفت نسمة وعانقت اباها ... قبل عماد جبين نسمة بعد أن أبعد شعرها المنسدل على جبينها بيديه الاثنتين .... حركة طالما قام بها ، لم يكن يحب الغرة والشعر المنسدل على الجبين ، كان يقول أنه يريد ان يرى وجههن الجميل كله دون ان يغطيه الشعر وان يستطيع تقبيل رؤوسهن دون ان يواجهه أي عائق ...
قبل عماد راسها ثم قال لها ... ( اقعدي بدي أحكي معك كم كلمة )
جلست نسمة .... فقال عماد :
يا بابا ... انتوا ما شاء الله عنكم حلوين وشاطرين واذكياء ... بس بعمركم يا حبيبتي ما تشوفوا حالكم على أي بني آدم ... ما تحسسوا أي حد إنكم احسن منه لو شو ما صار ... التكبر يا بابا مش حلو ، بينفر الناس من بعضها ... التواضع حلو ... والله حلو ... المتواضع كل الناس بتحبو .. والله بحبه وبيوفقه ...
بعدين يا بابا ... بعدي عن الكزب ، حتى لو كان الصدق بيعمللك مشاكل ... الكزب يا بابا خطير ... بكرة بتكبري وبتعرفي شو الدنيا وبتعرفي إنو الكزب ما بيدخل باي شي إلا بيخربه ....
قدم عماد نصائح لابنته ، نصائح رائعة لا زالت تذكرها حتى الآن ... حذرها من التكبر والكذب ، من إيذاء الآخرين ... ونصحها بالتواضع والصدق ، حب إخوتها ... الصبر ....
وختم نصائحه بقوله : يا بابا انتي يمكن ما فهتمي كل شي قلته ، بس بكرة لما تكبري وتصيري صبية بتفهمي ... ولما أموت يا بتقولي الله يرحمه كان كلامه صحيح ، او بتقولي الله يرحمه كان يتهبل ....
قضبت نسمة حاجبيها ... وقالت له : الله يطول عمرك ، كل كلامك صح .... جواب سريع من ابنة 11 سنة ... ابتسم أبوها ابتسامة ذات مغزى .... ثم قال لها .. هي صفاء خلصت .... البسوا شي دافي واطلعوا عند البنت بتكون تستناكم ....
بعد أسبوعين من لحاق نعمة بعائلتها تبعها اخوها علاء .... معه زوجته ... كان قد مر 11 عاما على زواجهم ولم يرزقوا بابن واحد ....
وهناك في الأردن ، كانوا يجرون بعض الفحوصات المتعلقة بالحمل عندما اكتشفوا أن زوجته في بداية حملها ... فرحة أخرى تدق أبواب العائلة .. علاء أخو نعمة الذي ربته سيصبح ابا اخيرا ...
انتهت الإجازة ... وتشتتت العائلة من جديد ... عادت نعمة والأولاد إلى القدس مع خالهم علاء يحملون في صدورهم وعقولهم ذكريات أجمل أيام حياتهم ..... وبقي عماد في الاردن ليعود لوحدته مرة اخرى !!!...
في المرة القادمة إن شاء الله ..
واخيرا تنتهي أيام التشتت .... فهل تصبح حياة الأسرة سعيدة
اما الاولاد فكل يوم كان لهم نزهة يقضونها في احد الاماكن ... قال الأولاد لأبيهم ذات يوم ... بابا شاورما القدس مش زاكية زي الشاورما اللي كنت تشتريلنا اياها هون ... خرج بهم عماد حيث المطعم الذي كان يشتري منه ... اشترى لكل منهم ساندويشتين ... كان يعلم أن الاولاد صغار بيشبعوا من اقل من ساندوش ..لكن هذا عماد وطبعه.. كريم جدا ...يكره ان يرغب ابناؤه بشيء فلا يحضره لهم ... مشوا في إحدى الحدائق العامة مساء ، يمسك كل منهم ساندوش الشاورما ... مروا بجانب رجل كبير ... ثيابه متسخة قديمة ... وجهه متسخ ، شعره طويل .. خاف الاولاد منه ... ركضوا حيث ابوهم ... انتبه عماد له ... قال لاولاده ... ليش خايفين ... ليش خايفين ... عمو ما بخوف ...
رآه عماد يجمع بقايا الطعام التي يتركها الناس في المنتزه ... خبز يابس ... علب عصير ... أسرع عماد نحوه واقترب منه بكيس الساندويشات التي بقيت ... الاولاد كانوا يرقبون عن بعد باستغراب ... أبوهم يتحدث مع رجل غريب ... عاد عماد وقد رفض الرجل أخذ الكيس ... حضن عماد ودعا له من كل قلبه ، لكنه رفض اخذ الكيس (عزة النفس لا تعرف فقيرا ولا غنيا) ... عاد عماد والحزن باد في وجهه ...
قال له اولاده : بابا ما خفت منو ...
نظر لهم عماد وقال : يا بابا هيك ناس ما بيخوفوا ... وعيب تحكوا هيك عن عمو ... الزلمة مسكين فقير ما معه مصاري ، بس معه اللي اغلى من المصاري ... عنده كرامة ... اه والله عنده كرامة ...
ترك عماد ابناءه يفكرون بهذه الجمل ... لم ينسوها يوما!!! ............
في احد الأيام كانت صفاء قد أعدت الطعام ، تنتظر عودة ابيها من العمل ( صفاء كان عمرها في ذلك الوقت 14 سنة فقطططط ) ... أعدت البامية مع اللحم ... اكلة يحبها عماد ، احبها من يدي نعمة فقط حيث لم يكن ياكلها في مدرسته الداخلية ولا عند جميلة ... كل شيء كان جاهزا ... وعاد عماد ... الفرحة والارتباك يعلوان وجهه ... همت صفاء بإعداد السفرة لكنه اوقفها وقال لها .. بعدين يا بابا .. بعدين ... أختك هدير حاكية مع عمي عادل ... وقال بدها تعيش معي ... بدي ادخل اتحمم (ياخد شاور يعني ) وحضريلي أواعي بسرعة .....
بسرعة كبيرة كانت صفاء قد حضرت لأبيها قميصا وبنطالا وجاكيت ( ملابس رسمية ) ... كان عماد قد اعتاد ارتداء بذلات عملية يفصلها عند صديق له ... لكنه رضي أن يرتدي هذه الملابس ... نظرت إليه صفاء ونسمة بعد ان انتهى من ارتداء الملابس ... أصبح له كرش صغير بعد ان كان هزيلا ... كثر الشيب في شعره ، وبدأت فروة راسه تظهر بما يسمى صلعة ... لكنه لازال وسيما رائعا ... وجهه لا زال يحمل كل معاني الطيبة والحنان والبراءة .... هجم عليه ابناؤه بحب ... شو هالحلاوة يا بابا ... ضحك عماد وتلقى من احمد رشتين من عطر جميل قبل ان يخرج متلهفا لفيلا عمه عادل حيث تنتظره هدير ....
بقيت اواني الطبخ كماهي ... سكبت صفاء لإخوتها اسماعيل وحنان واحمد .. وبقيت مع نسمة في المطبخ ... تجلسان على حافة المجلى ينظرون من النافذة المطلة على الشارع الرئيسي ليروا ويرقبوا عودة أبيهم مع هدير ....
قالت صفاء لنسمة : نسمة ... فكرك عنجد بتيجي هدير تعيش معنا ...
نسمة : والله ما بعرف ... يمكن .. شو عرفك .. أكيد عرفت إنو بابا طيب وبيحبهم ...
قالت صفاء : إزا كانت صادقة هي بتاكل معنا من البامية وبتنام عنا ... بنيمها على تختي والله .... أما إزا كانت كزابة متل سرين ورنا ورباب ... فالله لا يردها ... هي اللي بتخسر تعيش مع اب متل بابا ...
عاد عماد .... امتزج الحزن على وجهه بالغضب ... هدير ليست سوى فتاة تشربت حقد جميلة .. فكان أثره فيها كبيرا .. نعم كانت صغيرة عندما انفصل عماد عن جميلة .... ربتها جميلة ، وكانت سرين ورنا ورباب النماذج التي ترعرعت وسطها .. شو بدها تطلع يعني غير زيهم ...
لم يتحدث عماد عن الموقف ... ولم يساله أي من أبنائه ... وجهه البرونزي محمر من الغضب وعيناه محمرتان من الحزن ... ونام دون ان يأكل ..... التفاصيل سمعوها فيما بعد .... سأذكرها لاحقا بس تزكروا هالموقف منيح
اتفق ابناء عماد الخمسة أن ينسوا أباهم همه ... اجتمعوا ليخططوا ما يفعلونهم
صفاء 14 سنة
أحمد 13 سنة
نسمة 11 سنة
اسماعيل 9 سنوات
حنان 6 سنوات
اجتمع هؤلاء الأطفال ليلا ليصلحوا ما فعله البنات الأربعة وصغراهم هدير عمرها قد تجاوزت ال23 عاما وربما اكثر ... اتفقوا ان يكثروا من نكتهم ولعبهم مع ابيهم ... يلهونه بأشياء اخرى ... ( قرارات خطيرة ما شاء الله )
نجح الأطفال بعض الشيء ... تناسى عماد بناته .. ظللن على لسانه ينادي بهن حنان ونسمة وصفاء ...
مر أكثر من 10 أيام ونعمة لم تنته من تجديد هويتها ...
صفاء كسر اصبعها ... يدها تورمت والألم شديد ... وشغل البيت كلو تقريبا فوق راسها ....
جنت نعمة عندما علمت ... ما أن استلمت هويتها بعد التجديد حتى سافرت في نفس اليوم للأردن .... والتم شمل العائلة ... وعادت الأيام إلى سابق عهدها ...
خرجت العائلة في يوم من الايام عصرا ... للسوق ، اشتروا الملابس والألعاب ، وتوجهوا لمطعمهم اللبناني ، لمحل الكنافة ... ثم إلى منزل عمتهم .... ثم إلى المنتزه القريب من منزل عمتهم عبير ...
وأثناء العودة للمنزل .. ركبت العائلة في حافلة .. جلسوا في المقعد الخلفي الطويل .. والله دون مبالغة ، السعادة كانت باينة على وجوههم ، حتى انهم لما دخلوا ، كل اللي بالحافلة يتطلعوا فيهم ويتابعوهم بانظارهم ...
نسمة احست بالنعاس .... بدأ رأسها ينزل للأسفل فترفعه بحركة سريعة ... ضحك أبوها ...أعادها للخلف ووضع رأسها على صدره .. وحضنها بيده ... أمها رفعت ساقيها ووضعتهم في حجرها ... فكانت نسمة تنام في أحضان امها وابيها معا ... إحدى الفتيات الصغيرات في عمرنسمة تقريبا كانت تجلس في الأمام في الحافلة ... تلتفت حيث نسمة كل دقيقة .. نسمة نسيت نومها واخذت تنظر لها ، ولسان حالها يقول ... طقي موتي أنا نايمة بحضن امي وأبوي ... شوفي ما احلانا .... ( عمايل الصغار )
.......... كانت هذه مذكرات العائلة في يوم سعيد واحد ......
وهنا مواقف أخرى من الإجازة السعيدة
في احد الأيام كانت بعض الجارات يجلسون عند نعمة يتذكرون ايام زمان ، ايام العيد وتنظيف العمارة ، عمل الكعك والمعمول مع بعض ، مساعدة بعضهم البعض في العزائم والمناسبات ، ذكريات سعيدة رائعة ، وحياة بسيطة يصعب ان نجدها في عصرنا ...
ذكر الجار الذي تجسس على بيت أبو احمد ... قالت الجارات لنعمة أن أبو ماهر ( الجار المتجسس ) تم القبض عليه في العمارة المجاورة ، يتجسس على بيت العريس الجديد الذي سكن حديثا .. العريس لاعب كراتيه وملاكمة ... أمسكه ودق على جميع الأبواب ، أراهم اياه ، وأخبرهم عن افعاله ... اسود وجه أبو ماهر ، طلب الجيران الشرطة ، القي القبض عليه هو وابنه بعد ان حاول الدفاع عنه ... ابنه هذا كان يضرب صفاء ... صفاء خطها جميل جدا اقرب للتخطيط منه للكتابة .. كانت تخط آيات قرآنية على الجدار على السطح ... فيمحيها ماهر بحذائه ... فتجن صفاء وتبكي وتصرخ عليه ، تهدده ان الله سيضعه في نار جهنم فيضحك منها ويبتعد ...
الحقيقة ان مشاعر نعمة كانت مختلطة ، فمن جهة تبين انهم كانوا صادقين ونال هذا الجار جزاءه ومن ناحية اخرى كان الحزن يملؤها ... الجار منع من مغادرة منزله ...
سالت نعمة : متى صار هالحكي ... قيل لها من سنة ونص يمكن ...
نعمة : والله عماد ما قاللي
عماد ... لم يكن يعلم ما حدث ، رغم الضجة التي حدثت في الحارة ، لكن اعتزاله في غرفة المعيشة بعيدا عن الشبابيك والغرف المطلة على الخارج منعه من سماع اي صوت ...
تفاجا عماد مما قالته له نعمة ... وكانت مشاعره مشابهة لمشاعر نعمة ، فالجار هذا كان في احد الايام أكثر الجيران قربا من عماد ...
في احد الأيام كانت صفاء تستحم ، نسمة تنتظرها حتى تخرج معها للسطح ليجلسوا مع صديقاتهم من بنات الجيران ... دق الباب ...
عماد يمسك أحد الكتب يقرأه في غرفة المعيشة ... حنان تلعب مع صديقاتها عند الجيران .. أحمد واسماعيل يلعبون بطيارة ورقية صنعها لهم عماد مع أصدقائهم أمام العمارة ...
فتحت نسمة الباب ... أمام الباب كانت تقف ابنة الجيران .... ابنة أبو ماهر ... كانت فتاة سمراء ناعمة ... كانت تقف بتردد ... راتها نسمة ففرحت ... وهتفت ( منى ، كيفك ... ) منى تشجعت قليلا وسلمت على نسمة وحضنتها كانت تكبرها بخمسة اعوام ، سالتها عن صفاء وطلبت منها ان تطلعا للسطح وتجلسا معها ... اغلقت نسمة الباب ، ثم ذهبت لتلبي نداء أبيها ... قال لها عماد : مين اللي دق الباب ...
ترددت نسمة قليلا قبل ان تجيب : هاي منى بابا ، بنت جارنا أبو ماهر ...
نظر لها عماد برهة ثم ابتسم ودعاها لتجلس قربه ...
قال لها : وليش خايفة ... شو بدي آكلك
نسمة : .....
عماد : يا بابا ، البنات هدول مناح ، ,إزا أبوهم عمل خطأ مش معناتها إنكم تبطلوا صاحبات معهم ... ماشي ... بس تطلع صفاء بتطلعوا على السطح وبتقعدوا معها ...
وقفت نسمة وعانقت اباها ... قبل عماد جبين نسمة بعد أن أبعد شعرها المنسدل على جبينها بيديه الاثنتين .... حركة طالما قام بها ، لم يكن يحب الغرة والشعر المنسدل على الجبين ، كان يقول أنه يريد ان يرى وجههن الجميل كله دون ان يغطيه الشعر وان يستطيع تقبيل رؤوسهن دون ان يواجهه أي عائق ...
قبل عماد راسها ثم قال لها ... ( اقعدي بدي أحكي معك كم كلمة )
جلست نسمة .... فقال عماد :
يا بابا ... انتوا ما شاء الله عنكم حلوين وشاطرين واذكياء ... بس بعمركم يا حبيبتي ما تشوفوا حالكم على أي بني آدم ... ما تحسسوا أي حد إنكم احسن منه لو شو ما صار ... التكبر يا بابا مش حلو ، بينفر الناس من بعضها ... التواضع حلو ... والله حلو ... المتواضع كل الناس بتحبو .. والله بحبه وبيوفقه ...
بعدين يا بابا ... بعدي عن الكزب ، حتى لو كان الصدق بيعمللك مشاكل ... الكزب يا بابا خطير ... بكرة بتكبري وبتعرفي شو الدنيا وبتعرفي إنو الكزب ما بيدخل باي شي إلا بيخربه ....
قدم عماد نصائح لابنته ، نصائح رائعة لا زالت تذكرها حتى الآن ... حذرها من التكبر والكذب ، من إيذاء الآخرين ... ونصحها بالتواضع والصدق ، حب إخوتها ... الصبر ....
وختم نصائحه بقوله : يا بابا انتي يمكن ما فهتمي كل شي قلته ، بس بكرة لما تكبري وتصيري صبية بتفهمي ... ولما أموت يا بتقولي الله يرحمه كان كلامه صحيح ، او بتقولي الله يرحمه كان يتهبل ....
قضبت نسمة حاجبيها ... وقالت له : الله يطول عمرك ، كل كلامك صح .... جواب سريع من ابنة 11 سنة ... ابتسم أبوها ابتسامة ذات مغزى .... ثم قال لها .. هي صفاء خلصت .... البسوا شي دافي واطلعوا عند البنت بتكون تستناكم ....
بعد أسبوعين من لحاق نعمة بعائلتها تبعها اخوها علاء .... معه زوجته ... كان قد مر 11 عاما على زواجهم ولم يرزقوا بابن واحد ....
وهناك في الأردن ، كانوا يجرون بعض الفحوصات المتعلقة بالحمل عندما اكتشفوا أن زوجته في بداية حملها ... فرحة أخرى تدق أبواب العائلة .. علاء أخو نعمة الذي ربته سيصبح ابا اخيرا ...
انتهت الإجازة ... وتشتتت العائلة من جديد ... عادت نعمة والأولاد إلى القدس مع خالهم علاء يحملون في صدورهم وعقولهم ذكريات أجمل أيام حياتهم ..... وبقي عماد في الاردن ليعود لوحدته مرة اخرى !!!...
في المرة القادمة إن شاء الله ..
واخيرا تنتهي أيام التشتت .... فهل تصبح حياة الأسرة سعيدة

الصفحة الأخيرة
حبيت أقولك اسلوبك في القصه مشوق والقصه جميله
ومازلت انتظر البقيه بفارغ الصبر :)