كتاب : البدر المنير في علم التعبير للإمام الشهاب المقدسي الحنبلي

علم تفسير الرؤى والاحلام

البدر المنير في علم التعبير
وشرحه
تأليف
الإمام الشهاب العابر المقدسي الحنبلي
628 – 697 هـ
قال الشيخ ، الإمام ، العالم ، العامل ، الصدر ، الكبير الكامل ، الفاضل البارع ، الحافظ المتقن ، حجة المحققين ، ولسان المتكلمين ، قدوة السالكين ، بقية السلف الصالح : شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن شيخ الإسلام جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور المقدسي الجعفري ، قدس الله روحه ، ونور ضريحه .
الحمد لله حق حمده ، وصلواته على خير خلقه ؛ محمد وآله وصحبه . حمداً وصلاة ينجيان كل عبد من عذاب ربه .
وبعد : فإنه ندبني جماعة إلى جمع مقدمة في علم المنام فأجبتهم إلى ذلك ، ولقبتها بـ » البدر المنير في علم التعبير « ، وجعلتها بلغة للمبتدي ، وبلاغاً للمنتهي ، ينتفع بها المتعلمون ، ويرتفع بها المعلمون ، جعل الله ذلك خالصاً لوجهه الكريم ، وأنقذنا بفضله من عذابه الأليم .
اعلم - وفقنا الله وإياك – أن معرفة التأويل تحتاج أولاً إلى معرفة حقيقة
النوم ؛ ما هو ؟! ثم تعرف تفسير ما يُرى في المنام . وقد ذكرتُ ذلك أولاً ، ثم ابتدأت بذكر الله تعالى ، والملائكة ، والأنبياء عليهم السلام ، ثم ذكرتُ السموات والأرض ، ومن فيهن ، ثم كذلك ؛ حتى أتيت إلى الجنة والنار ، وما يدلان عليه . وقد ذكرتُ – قبل أبواب المقدمة – أربعة عشر فصلاً.
ولم أترك شيئاً – من القواعد الشاملة لهذا العلم مما قاله العلماء ؛ أو رُزقتُ الاجتهادَ فيه – إلا ذكرتُهُ . على اختلاف الملل والأديان ، والأعصار والبلدان.
وجعلت الأبواب خمسة عشر باباً وهي :
الباب الأول ... : ... في رؤية الباري جل وعلا ، والملائكة ، والأنبياء عليهم السلام ، والصديقين ، والصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين .
الباب الثاني ... : ... في رؤية السماء ، وما فيها ، وما ينزل منها ، وما يطلع إليها .
الباب الثالث ... : ... في الحوادث في الجو .
الباب الرابع ... : ... في الأرض ، وأشجارها ، وجبالها ، وسَهْلِهَا ووعْرِها ، وما يتعلق بها .
الباب الخامس ... : ... في مياه الأرض .
الباب السادس ... : ... في الحيوانات .
الباب السابع ... : ... في الأكل والذبائح .
الباب الثامن ... : ... في الأبنية وما تصرف منها .
الباب التاسع ... : ... في الملابس .
الباب العاشر ... : ... في الصنائع والصُّنَّاع .
الباب الحادي عشر ... : ... في الأدوات المستعملات .
الباب الثاني عشر ... : ... في رؤية بني آدم .
الباب الثالث عشر ... : ... في أعضاء ابن آدم ، وما يحدث منه .
الباب الرابع عشر ... : ... في الموت والنزاع .
الباب الخامس عشر ... : ... في الساعة وأشراطها .
قال المصنف رحمه الله : لما أن كان الملك – في اليقظة – بين يديه أعوان ؛ يتصرفون بأمره في وقت حضوره ، ولم يقدروا على الوقوف دائماُ بلا أخذ راحة – ولا يليق أن يتصرفوا لأخذ الراحة وهو جالس ؛ ربما حدث حادث في وقت غيبتهم ، أفضى إلى الفساد – فحجب نفسه فاستراح ، واستراحت الأعوان ، وجعل في وقت غيبته حرساً على الأبواب ؛ لئلا يحدث حادث في وقت غيبتهم ، وما يمكن للحرس ]أن

الفصل الأول
في هيئة المنام
اعلم أن النوم رحمة من الله على عبده ؛ ليستريح به بدنه عند تعبه. لما علم الله عز وجل عجز الروح عن القيام بتدبير البدن دائماً .
فالنوم هو : أبخرة تحيط بالروح المدبر للبدن ؛ فتحجبه عن التدبير ، وما هو في المثال إلا كالملك – إذا حجب نفسه عن تدبير مملكته ليستريح وتستريح أعوانه في وقت حجبه – ومن الحكمة جعل الله تعالى – حين غيبة الروح المدبرة – ثلاثة أنفس قائمة ؛ فالأولى : النفس المخيلة. أشبه شيء بالمرآة ، لتخيل كل شكل يواجهها . وجعل أمامها نفساً حافظة تحفظ ما تصوره المخيلة. وجعل نفساً موصلة توصل ذلك إلى الروح المدبرة – إذا انكشف الحجب عنها – ليتصرف فيه على ما يرى . وما جعل الله تعالى النوم كذلك إلا من لطفه وحكمته ، لأن حال اليقظة ما يمكن أن الإنسان يعرف ما يحدث في الوجود كل وقت إذ لو كان ذلك كذلك ، لتساوى الناس بالأنبياء عليهم السلام .
الفصل الثاني
والرؤيا على قسمين : صحيح ، وفاسد :
فالصحيح : ما كان من اللوح المحفوظ وهو الذي تترتب عليه الأحكام(1).
القسم الثاني : الفاسد : الذي لا حكم له . وهو خمسة أقسام :
الأول : حديث النفس : وهو أن يحدث الإنسان نفسه في اليقظة شيئاً ، فيراه في المنام . وكذلك العادة .
قال المصنف : إنما ابتدأت بذكر الفاسد لقلته. فإذا عُرف علم أن ما سواه هو الصحيح. وقد ذكر جماعة أن الفاسد هذه الأقسام وزادوا عليها : السَّحَرة ، وبعث الشياطين ، ونحو ذلك. وليس بصحيح(2) .
والذي ذكرته غير مختلف فيه . وفي معرفته كفاية .
قال المصنف : كل واحد من الأقسام الفاسدة إذا رؤي مع زيادة ؛ فإن كانت الزيادة من جنس الفاسد فلا حكم لها ، وإن كانت من غير جنسه فاترك الفاسد وتكلم في الزيادة(3) .
القسم الثاني : يكون من غًلًبة الدم. وهو أن يرى الحمرة الكثيرة ، أو الأشياء المضحكة ، أو الملهية .
القسم الثالث : يكون من غلبه الصفراء . كمن يرى شيئاً أصفر كثيراً ، أو شموساً ، أو نيراناً ، ولا يعقل شيئاً.
القسم الرابع : وأما ما يكون من غلبة السوداء . كمن يرى كثرة الدخاخين ، أو الخُسَف ، أو سواد ، أو نحو ذلك .
القسم الخامس : يكون من غلبة البلغم . كمن يرى أمطاراً ، أو غيوماً ، أو مياهاً ، أو بياضاً ، ونحو ذلك ولا يعقل شيئاً .
الفصل الثالث
في أنواع الرؤيا
أنواع الرؤيا أربعة :
أحدها : المحمودة ظاهراً ، وباطناً. كالذي يرى أنه يكلم الباري عز وجل – أو أحد الملائكة ، أو الأنبياء عليهم السلام – في صفة حسنة ، أو بكلام طيب . وكمن يرى أنه يجمع جواهر ، أو مآكل طيبة. أو يرى كأنه في أماكن العبادة مطيعاً لربه عز وجل. ونحو ذلك .
قال المصنف : لما أن كانت الرؤيا لا يعرف جيدها من رديها إلا الخبير بهذا الشأن ، فبينت للمعلم أن لا يلتفت على ما اعتقدته النفس خيراً لفرحها به حين الرؤيا. ولا أن ذلك ردياً لكونها فزعت منه. بل يعتمد على الذي ينبغي في أصول هذا العلم على ما بيناه إن شاء الله تعالى (4).
النوع الثاني : محمودة ظاهرًا ، مذمومة باطناً. كسماع الملاهي ، أو شم الأزهار. فإن ذلك همومًا وأنكادًا. أو كمن يرى أنه يتولى منصباً عالياً – لا يليق به – فهو رديء.
قال المصنف : لما كان سماع الملاهي غالباً لذهاب الهموم – وشم الأزهار فيه إلا أنه عقيبه – كان ذلك ردياً. وأيضاً : من كون ذلك يحتاج إلى نفقات وكلف – ولا ثمرة لذلك يرجعون إليه في مقابلة ما أنفقوا – كان غرامة بلا فائدة ؛ فأعطى النكد. وأيضاً : فإن الأزهار غالباً تطلب لأصحاب الأمراض ؛ فأعطى النكد وأيضاً. لأن كل ما هو مرصد لشيء ، كان إعلاماً بوجود ذلك . وربما دلوا على الفرج .
__________
(1) يقصد المصنف الرؤيا التي تكون وحيًا من الله عز وجل ؛ إذ أن الرؤيا الصادقة جزء من النبوة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : - فيما أخرجه البخاري - " الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءً من النبوة " ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لم يبق إلا المبشرات " أي الرؤى الصالحة ".
(2) نفي المصنف صحة ذلك يستدعي النظر إذ أن الصواب أن الرؤيا التي تكون بعثًا من السحرة ، أو رؤيا شيطان لا حكم لها لكذبها ، ولأنها في الأصل تكون لتخويف الرائي وتقنيطه وحثه على الشر والفساد ، لذا وجب إلحاقها بالقسم الفاسد.
(3) إذ يمكن للرائي أن يرى جزءً صالحًا ثم تدخل عليه أضغاث الأحلام ، أو يتلاعب الشيطان به في بقية الرؤيا لإفسادها عليه ، فحينئذ ينبغي تأويل الجانب الصالح للتأويل فقط ، مع الانتباه إلى وجوب عدم التسرع في الجزم بكون الرؤيا فاسدة المعنى والرموز لعدم العلم بمعانيها كما فعل خلصاء العزيز في قصة يوسف عليه السلام عندما قالوا : ( أضغاث أحلام ) وكانت الرؤيا صالحة المعاني ، وشاء الله تحققها.
(4) فيمكن لإنسان أن يكون محبًا للهو والأفراح مع أنها سيئة الدلالة ، فالموضوع لا يتوقف على حب النفس أو بغضها ، قد يكون ذلك صحيحًا في بعض الأحيان ، ولكنه لا يأخذ حكم الغالب .
النوع الثالث : المذمومة ظاهراً ، وباطناً . كمن يرى حية لدغته ، أو ناراً أحرقته ، أو سيلاً غرقه ، أو تهدمت داره ، أو تكسرت أشجاره. فإن ذلك ردئ ، ظاهراً ، وباطناً ؛ لدلالته على الهم ، والنكد.
النوع الرابع : المذمومة ظاهراً ، المحمودة باطناً. كمن يرى أنه ينكح أمه ، أو يذبح ولده : فإنه يدل على الوفاء بالنذر ، والحج إلى أكبر أماكن العبادة ، وعلى أنه ينفع أمه ، أو يزوج ولده ، وعلى مواصلة الأهل والأقارب ، وعلى رد الأمانات(1).
قال المصنف : لما أن كان الوطء مواصلة ولذة بعد مودة ومؤانسة غالباً أعطى ما ذكرناه من الإحسان إلى من ذكرنا في موضعه. وكونه وطئاً محرماً بكل وجه أعطى – وطأه في البلد الحرام عليه ، ومشيه إليه – العزيز عنده كالكعبة عند الإسلام ، والقدس عند اليهود والنصارى ، وبيت النيران عند من يعتقده ، ونحو ذلك ، فافهم وقس عليه. وإنما دل ذبح الولد على ما ذكرنا قياساً على قصة الخليل عليه السلام .
الفصل الرابع
الغالب من الرؤيا المليحة أن يتأخر تفسيرها(2). وذلك من كرم الله تعالى يبشر بالخير قبل وقوعه ، لتفرح النفس بوصوله .
وربما يقدم تفسيره لأمر ضروري يحتاج إليه الرائي. مثلما ذكر جالينوس في كتاب » حيلة البروء « أن إنساناً ورم لسانه ، حتى ملأ فكّيه ، واستفرغ الأطباء ما في قدرتهم من المعالجة ؛ فلم ينفع. فتركوا معالجته. وسلّم الرجل نفسه للموت. فرأى في النوم شخصاً قال له : تمضمض بعصارة الخس. ففعل ذلك فبرئ.
والغالب من الرؤيا الردية : أن يراها قريب وقوعها ، أو بعد وقوعها ؛ لئلا يضيق صدره قبل ذلك. فإذا رأى أحد ذلك فاسأل ؛ هل جرى له شيء من الشر مما دل المنام عليه . فإن كان جرى قبله قليلاً فهو تفسيره ، وإلا فيجري.
قال المصنف : إنما قدم الله سبحانه وتعالى البشارة في المنام ؛ ليأمن الخائف ، ويرجو القانط ، ويفرح ذو الحزن ، ويفرج عن المهموم ، ونحو ذلك ؛ لأن الله تعالى إذا وعدنا بخير كان كما وعد سبحانه لا يرجع عما وهب. وإذا تواعد بالشر له أن يعفو أو يصفح. يمحو الله ما يشاء ويثبت. وهذا هو عين الكرم والفضل الذي يليق بجلاله سبحانه وتعالى.
الفصل الخامس
وربما كانت الرؤيا مختصة بالرائي وحده. كمن يرى أنه طلع إلى السماء ولم ينزل منها ، وكان مريضاً : مات. وإن لم يكن مريضاً : سافر. وإن كان يصلح للولاية : تولى ، أو دخل دور الأكابر. وإن كان من أرباب التهم : تلصص ، أو تجسس على الأخبار.
وربما كانت له ولغيره. كمن يرى أن ناراً أحرقت داره ، ودور الناس : فأمراض ، أو ظلم من الملك ، أو موت ، أو عدو ، أو فتنة تعم الجميع.
وربما لا تكون لمن رؤيت له ، لكن تكون لغيره من أولاده ، أو أبويه ، أو أقاربه ، أو معارفه المتعلقين به. كرجل رأى أن أباه احترق بالنار : فمات الرائي ، واحتراق أبوه بنار غمه. كآخر رأى أن أمه ماتت : فتعطلت معيشته. لأن أمه كانت سبب دوام حياته ، كالمعيشة. وكآخر رأى أن آدم مات : فمات أبوه. الذي كان سبب وجوده. وكمن رأى أن بصره تلف : فمات ولده الذي هو قرة عينه.
الفصل السادس
وربما دلت أشياء على شيء واحد. كرجل رأى أن الشمس انكسفت ورأى آخر كأن البحر نشف ، ورأى آخر البلد أو سوره ؛ أو موضع عبادته خرب ، ورأى آخر جبلاً عظيماً تهدم ، ربما دل الجميع على : موت كبير ، كملك ، أو عالم ، أو متولٍّ. فيكون تكرار ذلك دليلاً على موت أو هلاك من ذكرنا.
وربما دل الشيء الواحد على أشياء(3). فإن من أكل من المرضى رُمَّانة : مات. وهي للملك : بلده. وزوجة للأعزب. وهي لمن عنده حامل : ولد. وهي للتاجر : عقدُهُ مالٍ. وهي للفقير : دينار أو درهم. وهي : مركب ؛ لمن تصلح له المراكب. وتدل على : الدابة ، والمملوك ، وعلى الدور ؛ لأن حياتها بينهن حائل كالبيوت.
قال المصنف رحمه الله : إذا اشتركت أشياء في وصف واحد ؛ وتكررت في المنام ؛ الغالب أن يكون الحكم واحداً في الأشياء الردية. فإن الشمس ، والبحر ، والخيل ، والنار العظيمة ، والحجر الكبير ، والبناء المعد لنفع الناس ، كل منهم دال على : الجليل القدر النافع للناس ، والحاكم عليهم. فإذا نزل بمثل أولئك آفة في المنام الغالب أنه ربما هلك فرد إنسان كذلك. وإن هلك جماعة فخلاف العادة. وأما إذا رؤي فيهم ما يدل على الصلاح دل على راحة تحصل للجميع. وهو المناسب لكرم الله تعالى ولطفه بعباده.
الفصل السابع
__________
(1) وقد يكون دليلا على العقوق في أحيان أخرى وذلك خاضع لقرائن الرؤيا الأخرى ؛ إذ أن الرؤيا لا يجب أن توؤل منفصلة الرموز ، بل توؤل بانضمام كل رمز إلى الآخر.
(2) ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها إنها من المبشرات ، والبشارة لا تكون إلا بشيء مستقبل.
(3) وذلك خاضع لقرائن الرؤيا كما أسلفنا ، فقد يوجد في الرؤيا رموز تدل على إيمان ، والأخرى تدل على نفاق ، فيحمل على أمر الرائي وصلاحه وفساده ، أو على غالب رموز الرؤيا.
المنام الواحد يختلف باختلاف لغتين. كالسفرجل : عز وجمال وراحة ، لمن يعرف بلغة الفرس. لأنه بلغتهم : بَهِيَ. وهو للعرب ولمن يعاشرهم دال على : السفر ، والجلاء.
ويختلف باختلاف الأديان. كمن يرى أنه يأكل الميتة ، الميتة : مال حرام ، أو نكد عند من يعتقد تحريمها ، وهي رزق وفائدة عند من يعتقد حلها.
ويختلف باختلاف الزمان. فإن الاصطلاء بالنار والتدفي بالشمس ، وملابس الشتاء ، واستعمال الماء الحار ، ونحوه لمن مرضه بالبرودة ، أو في الزمن البارد : خير وراحة. وهو في الصيف : أمراض ، أو نكد. كما أن استعمال الرفيع من القماش ، أو الماء البارد ، ونحوه ، في الصيف : راحة وفائدة. وفي الشتاء : عكسه.
ويختلف باختلاف الصنائع. فإن لُبَس السلاح ، أو العُدَد ، للجندي البطال : خدمة. وللمقاتل : نصر. وللرجل العابد : بطلان عبادة. ولغيرهم : فتنة ، وخصومة.
ويختلف باختلاف الأماكن. فإن التعري في الحمام ، وفي المكان المعتاد فيه : جيد. للعادة. وهو في غيره من مجامع الناس : رديء ، وشهرة دونه. خصوصاً إن كان مكشوف العورة.
ويختلف باختلاف عادات الناس. فإن حلق اللحية ، أو الرأس ، عند من يستحسن ذلك : خير ، وذهاب نكد. كما أن ذلك : نكد ، وخسران ، عند من يكرهه(1).
ويختلف باختلاف المعايش ، والأرزاق ، فإن لبس القماش الوسخ ، أو المرقع ، أو العتيق ، للطباخين ، والوقادين ، وأمثالهم : دال على إدرار معايشهم ؛ لأنهم لا يلبسون ذلك إلا وقت معايشهم. وهو رديء في حق من سواهم. كما أن لبس النظيف : يدل على بطلان معيشتهم. لكونهم لا يلبسونه إلا أوقات بطالتهم.
وهو ، والرائحة الطيبة ، لغيرهم : رفعة ، وخير. وطيب قلب ، وثناء جميل ، في حق من سواهم.
ويختلف باختلاف الأمراض. فإن الحلاوات لأرباب الأمراض الحارة : طول مرض ، ونكد. وهو : جيد لأصحاب البرودات. كما أن الحامض ، لهم : جيد. ونكد لأصحاب البرودات.
ويختلف بالموت والحياة. فإن لبس الحرير ، أو الذهب : مكروه ، لمن لا يليق به من الرجال. وهو على الميت : دليل على أنه في حرير الجنة .
ويختلف باختلاف الفصول ؛ فإن الشجرة في إقبال الزمان : خير ، وفائدة مقبلة. وكذلك ظلها في زمن الحر. ويدل على النكد في غير ذلك.
قال المصنف : الشيء الواحد اعتبره باختلاف حال رائيه. فإن لبس الرفيع في الشتاء ، أو لمريض بالبرودة : نكد. وبالضد من ذلك في الصيف. ولأرباب الحرارة وللعزب : تزويج حسن هين لين. ولأرباب البنايات : أماكن حسنة ، ويدل على معاشرة من فيه خلق حسن. ولأرباب الأسفار : طريق سهلة. ولأرباب الحوائج : تيسير أمور. ولأرباب الخُرَاجات ، والقروح في البدن : عافية. ونحو ذلك. وبالعكس عكسه. فعلمنا بذلك أنه إذا أراه إنسان طرقاً ، أو رآه جماعة مختلفو الأحوال ، اختلف الحكم باختلاف الحال كما ذكرنا. والله تعالى أعلم. فافهم ذلك.
وإذا اشتركت أشياء في وصف واحد ، وتكررت في المنام ؛ الغالب أن يكون الحكم واحداً في الأشياء الردية.
واعتبر ألفاظ الناس بالنسبة إلى اصطلاح جنس الرائي. كما إذا دل البطيخ على النكد من بطاط أو خائن لاشتقاق ذلك. وهو عند بعض لغة الحجاز دال على النكد من محبة وعشرة ؛ لأنه بلغتهم حب حب. ونحو ذلك فافهم.
وإذا كان لأحد عادة بحلق رأسه أو لحيته وقد طالت في اليقظة – ولم يكن حدث نفسه بزوال ذلك – فهو دال من الخير على ما ذكرنا. ولو كان محلوقاً أو حدث نفسه بزواله فلا حكم له. كما أنها إذا كانت في اليقظة محلوقة ولم يكن أضمر بقاء الشعر دل على الدَّيْن والهموم والأمراض والكلام الردي. ونحو ذلك والعياذ بالله تعالى.
وحلق اللحية أو الرأس عند من يستحسن ذلك : خير وذهاب نكد. كما أن ذلك نكد وخسران عند من يكرهه.
وهذا الحكم أصل كبير. وهو مما يغفل عنه أكثر أرباب هذا الشأن. ولا يجوز إهماله أصلاً ، فإن أكثرهم حكم برداءة ذلك ، وليس بصحيح ، بل اعتبر ما ذكرناه من أحوال أولئك كما تقدم ، ولا تغفل عنه تخطئ. والله سبحانه وتعالى أعلم.
واعتبر الحلاوات على ما ذكرنا. واليابسة للصحيح إذا جرحت فاه ، أو كسرت شيئاً من أسنانه ، أو لوثت شيئاً من ثيابه ، أعطت الرداءة والنكد فافهم ذلك. وإنما كان الحامض ردياً لما ذكرنا ؛ لانقباض البشرية وتغيرها عند أكله ، ولنفور النفوس منه عند أكله خالياً عن غيره ؛ لأن مجرد الحامض لا يؤكل بلا واسطة إلا لضرورة. والحلو بخلافه ، فهو كالمر والملح لا يؤكل كثيراً إلا لضرورة أو بواسطة.
__________
(1) وكمن كانت عادته لبس السواد فإنه دال له على الرفعة والعلو وسيادة الناس وتحسن أمور معايشه ، والنقيض لمن لم يكن معتادًا على لبسه في اليقظة ودال على الهموم والأحزان والأوجاع ، وقد كانت الرؤيا لها دخل بعادات الإنسان ، لأنها إنما تعتبر تعبير عن الذات في أحيان كثيرة.
والشجرة في إقبال الزمان : خير وفائدة مقبلة. وإقبال زمان كل شجرة قرب انتفاع الناس بها فيما هي مرصدة له. فافهم جميع ما يمكن النفع فيها فذلك إقبال زمانها ، حتى إنك تقول لمن يريد الحطب عن الشجرة اليابسة : راحة مقبلة مُيَسّرة. ولمن يطلب ورقها كالتوت وقت ظهور الورق : فائدة مقبلة. ولمكن يطلب ثمرها : فائدة وقت ذلك على ما شرحناه في موضعه.
16
58K

هذا الموضوع مغلق.

إدارة الموقع
إدارة الموقع
الفصل الثامن
وتعتبر عادات الناس وأديانهم. كمن يرى أنه يأكل الباقلاء الأخضر ، فإنه عند الصابئة : مال حرام ، ونكد ؛ لأنه محرم عليهم. والمجوس يحرمون لحوم البقر ، واليهود يحرمون لحوم الجزور ، وبعض اليونان يحرمون لحوم الدجاج ، والإسلام يحرمون الخمر ، فهذا وما أشبهه : حرام عند من يرى ذلك ، وأرزاق وفوائد عند من يحلها. كما أن المرأة إذا رأت أنها تزني ، والناس يبصرونها : فهي شهرة ردية ، ونكد. فإن كانت بالهند : دل على أنها تتقرب ، وتشتهر بعبادة ، وبر ، ويكون لها ثناء مليح ، لأنهم يتقربون إلى الله تعالى بالزنا. جل الله تعالى عن ذلك. كما أن المجوس تعبد النار ، فإذا رأى أحدهم كأنه قد أوقد ناراً ، أو صرف عنها الأذى ، أو سجد لها : كان ذلك عندهم جيداً ، وفائدة ، وعبادة. وكذلك عُبّاد الشمس إذا رأوها : في صفة حسنة.
وأما إن نزلت بأحدهم آفة : فنقصان يقع في دينهم ، وبلادهم. وكذلك كل من يعبد شيئاً ، كان حكمه كذلك ، سواءً كان في السماء ، أو في الأرض ، أو تُعظّمه. فإن نزلت بأحدهم نقصان ، فإنه يدخل عليهم في دينهم ، أو بلادهم ، أمر ردئ .
قال المصنف : الباقلاء الأخضر تحرمه الصابئة لكون من يعظمونه كان يقول : مبدأي من نواره ، وقوتي من أخضره ، ويابسه مباح لكم. وجميع أهل الأديان كلهم رسموا عادات لتباعهم ضبطاً لهم عن التعدي عن شرعهم ، فصارت قائمة مقام الدين المشروع عندهم .
وإنما ذكرت ذلك لئلا يقول قائل : هذا ليس بمحرم في أصل الشرع ؛ فكيف حكمت عليه بأنه حرام ، أو بدعة ، أو أنه مخالف ؟ فيكون الجواب ما ذكرناه لئلا يهمل في التأويل نفع الحكم عندها ، أو قريباً منها ، فاعلم ذلك.
والهنود اتخذت بيوت البُدِّ وهو من كان له مال بنى مكاناً ، وأوقف عليه جواري يمدحونه في أوقات مخصوصة بما كان يفعل. وعبادهم يقصدون هذه الأماكن ليترحموا على صاحبه. فلذلك العابد أن يزني مع أيٍ من اختار من تلك الجواري خاصةً ، يقصد بذلك إيصال الثواب لتلك الجارية ، فصار ذلك غير منكور عندهم. ولما أن عظم عباد الشمس والنار بالسجود لها ولسائر الأنوار إكراماً لخالقها عز وجل اعتقد جهالهم أنها آلهة ، صار حكمهم حكم الدين ، فلذلك مهما حدث فيهم من خير أو شر رجع إلى دينهم فاعرف ذلك.
الفصل التاسع
وتعلم أنه ربما رأى إنسان لنفسه ما يدل على الخير ، عاد حكمه إلى أقاربه وأصحابه ، المغتمين لغمه ، الفرحين لفرحه(1). ويكون ذلك شراً ، ونكداً ، في حق عدوه ؛ لكونه يغتم بخيره ، ويفرح بنكده . كما أنه إذا رأى لنفسه ما يدل على النكد ، عاد إلى أقاربه ، وأصحابه. ويكون خيراً لعدوه ، وراحة. وكذلك إذا نزل بعدوه في المنام أمر ردئ ، حصل للرائي فائدة ، وراحة. كما أنه إذا رئي له ما يدل على الخير : حصل للرائي نكد ؛ لكون الإنسان يتنكد براحة عدوه.
قال المصنف : لما أن اشترك الرائي مع ألزامه ومحبيه في الخير والشر صاروا كالشيء الواحد. كما أن صديق العدو ومحبه كالعدو. فإذا أردت أن تعرف أحكام أولئك فمثاله أن يقول لك الرائي : كان عليّ ملبوس حسن من حرير يليق به ، فتقول : هو للعزب زوجة ، وراحة للفقير ، وغنى من جليل القدر ، وفائدة من أصحاب وألزام مشتملين عليك. ثم تقول : يحصل لعدوك نكد. فإن كان من عمل إقليم مخصوص ، تقول : رجل من ذلك الإقليم أو تاجر يجيء من ذلك المكان ، أو من أجل تجارة. وإن جعلت ذلك امرأة فتقول : نكد من امرأة ، أو من معارفك ، أو من غلمانك ، أو من جليل القدر ، ونحو ذلك ؛ لكونه يتألم إذا رأى عليك ما يحسدك عليه. أو تقول : يحصل لمعارفه كذلك. فإن قيل : فأي شيء فيه من العلائم. فإن قال : كان طوق الفرجية فيه عيب. فقل : في وجهه ، أو رأسه علامة. وكذلك إن قال : في الكم ، تكون العلامة في يده. وفي الصدر ، تكون في فؤاده. ومن ورائه ، يكون كلاماً في عرضه ، أو عيباً في ظهره. وبالعكس من ذلك لو كان العدو في صفة لا تهون على الرائي حصل له من النكد على ما ذكرناه ، كما لو كان في صفة ردية ، فاحكم كما ذكرناه.
وهذا فصل مليح جداً فاعمل على ما شرحت لك فهو من غريب التفسير لم أُسبق إليه ، ولا شرحه أحد كذلك غيري من فضل الله تعالى وكرمه.
الفصل العاشر
__________
(1) وهذا باب آخر عظيم من أبواب الرؤيا ، وهو رد الرؤيا إلى غير رائيها ومن أمثلة ذلك أن يرى غلامًا صغيرًا ما يدل على الزواج ، فيفسر إلى أقرب أهله كأخيه أو أخته ، أو قريب حميم له ، ولا ينبغي الإسراع بقول إن ذلك دال على الوفاة كما يظن بعض الناس.
المنام الواحد ربما كان للرائي وحده. وربما كان لمن يحكم عليه. كمنام
الأولاد ، والأزواج ، والعبيد ، والشركاء ؛ لاشتراك من ذكرنا في الخير ، والشر ، غالباً. وكذلك الحكم لكل جماعة معاشهم ، أو كسبهم ، بجهة واحدة ، أو في مكان واحد. كأرباب المدارس ، والخوانك ، والزوايا ، ونحوهم. فما أصاب أحدهم من خير أو شر ، ربما رجع إلى الجميع.
قال المصنف : لما أن اشترك من ذكرناهم في الفائدة والراحة على ما ذكرناه صاروا كأنهم كالرجل الواحد في غالب الحال. فإذا رأى أحد منهم مناماً فأعطه من الخير والشر ما يليق به في نفسه وأمواله وأولاده وملازماً. فإن لم تجد لذلك وجهاً فاردده إلى الجماعة المشتركين في المكسب والراحة على ما ذكرنا. وربما احتمل التفسير له ولأولاده ولأمواله وألزامه ولمن هو شريك معهم في الفائدة فافهم ذلك.
الفصل الحادي عشر
واعتبر الاشتقاق في الأسماء(1). فإن السوسة : تدل على السوء ، والسيئة. وكما أن الرياحين إذا أكلها العالم : دل على الرياء ، وتدل للمريض : على الخير. ومن هو خائف ، ورأى النارنج ، قيل له : النار ، فاطلب النجاة لنفسك. والنمام : يدل على النميمة. ومن طلب حاجة ، ورأى الياسمين : دل على الإياس ، والمين الذي هو الكذب. والفرجية : تدل على الفرج ، والرجيّة. ورؤية الفرج ، لمن هو في شدة : فرح ، وسرور. كما أن لبس الحصير ، أو الجلوس عليها ، لمن لا يليق به ذلك ، وأكل الحصرم فذلك وشبهه : دال على الحسرة ، والحَصَر ، والحِصَار ، ونحو ذلك.
قال المصنف : ربما أخفى الله تعالى الحكم مضمراً في الاشتقاق. وهو من أصول الرؤيا. فتارة تأخذ جميع الكلمة كمن معه عصا وهو يؤذي الناس بها بغير حق ، فتقول : هذا الرجل عاصي لكونه عصى بإساءته بغير حق. وكمريض قُدّمت له دواة ، فيقول : جاءته العافية. لأن دواءه قد جاءه.
وتارة يكون الاشتقاق من بعض الكلمة. كما قال لي إنسان كأنه وقع على عيني غمامة بيضاء. فقلت : يقع بعينيك عماء ، وربما يكون من بياض فكان كما قلت. لأن الغمامة بعضها عما وأسقطنا الباقي.
وربما كان في الكلمة اشتقاقان. كفرجية فتقول : فرج من شدة ، وأمر ترجوه يحصل لك على قدر الفرجية ، على ما يليق به.
وتارة يكون بالتصحيف كما قال شخص ظاهره ردئ : رأيت أنني سرقت برغيف ، وأكلٍته في فرد لقمة ، حتى كدت أموت. فقلت له : يحصل لك نكد لأجل سرقة فكان كما قلت.
الفصل الثاني عشر
واعتبر المعكوس ، كاللوز للمتولي ، أو لمن هو في شدة : زوال ، لأن عكسه زَوْل. كما أن نجم : مَجَنٌ. ودرهم : هَمٌّ دَرّ. وقباءٌ : أبِقٌ. وكما قال لي إنسان : وقع على رجلي عسل فأحرقها ، فقلت له : تتلف رجلك بلسع. وكما قال آخر : رأيت كأني آكل لحماً من خمر ، وأنا في غاية ما يكون من الجوع ، فقلت له : تحتاج فتأكل لحم رخم. وكما قال آخر : رأيت كأنني وقعت في الجب المعمول للسبح ، فقلت له : ربما تقع في جب حبس. وكما قال آخر : كأنني اشتريت
دلواً ، فقلت له : ترزق ولداً. فكان الجميع كما قلت. بحمد الله تعالى. وعلى هذا فقس.
قال المصنف : قد ذكرنا الاشتقاق من أول الكلمة إلى أن ذكرنا في هذا الفصل عكساً من آخر الكلمة بالكتابة إلى أولها. كما قال لي إنسان : رأيت كأن قطعة ليف من ليف النخل قد أدمت يدي ، قلت له : نخشى عليك من الفيل. فما مضى قليل حتى ضربه الفيل ضربة كاد يهلك منها. ورأى آخر كأنه يجمع حبراً من بحر في وعاء ، فقلت له : يحصل لك ربح من جليل القدر ، وربما يكون يعرف الكتابة. وقال آخر : رأيت كأني أودع أقواماً ، وهم الآن غياب ، قلت له : أبشر قد قرب مجيئهم ؛ لأن عكس الوداع عادوا. فذكر أنهم وصلوا عقيب ما ذكرته. فافهم جميع ما ذكرت في الاشتقاق طرداً وعكساً موفقاً إن شاء الله تعالى.
الفصل الثالث عشر
وأما المعكوس الخفي(2). فإن البحر. يدل على النار ، والنار : تدل على البحر. والحجامة : كتابة ، والكتابة : حجامة. والمشتري : بائع ، والبائع : مشتري. فعلى هذا إذا رأى الإنسان كأنه دخل النار : ربما سبح في البحر ، فإن احترق : غرق ، فإن مشى على الصراط : ركب في مركب. كما قال لي إنسان : رأيت كأن رجلي تلفت بماء البحر ، فقلت له : نخشى عليها حريقاً. فكان كما قلت. ورأى آخر كأنه يحتجم ، فقلت له : يُكتب مكتوب لأجل مال. وكما قال آخر : رأيت كأني أكتب على بدني ، فقلت : تحتجم. فكان كما ذكرت. وأما المشتري :
بائع ، والبائع : مشتري ، فهو لما خرج من يده ، ودخل إليها.
__________
(1) وهذا باب هام في الرؤيا ، ويجب أن تلجأ إليه إن استغلقت عليك رموز الرؤيا ، أو وجدت أسماء لا مدخل لها في الرؤيا.
(2) وهذا النوع يحتاج إلى معرفة كبيرة بنصوص الشرع ، ورموز النصوص ، واستعارات الكتاب والسنة.
قال المصنف : لما أن دل البحر على الجليل القدر ودل على الرجل النافع وكذلك النار ودل على قاطع الطريق والمؤذي وكذلك النار وعلى وكذلك النار وما أشبههما ، قام كل واحد مقام الآخر في الحكم. فإذا رأى أحد أن البحر آذاه أو أغرقه وكان الرائي في مكان لا بحر فيه كأكثر أرض الشام والحجاز ونحو ذلك تكلمنا عليه بحسب ما يليق به ، ثم نقول وربما يحترق لك شيء. لأنه لما عدم ذلك البحر قامت النار مقامه لكونها عامة في موضع عدم فيه الماء لما ذكرنا من اشتراكهما في تلك الأحكام. ولأن الحجام يمسك بأنامله ويجعله سطوراً ويبقي الدم يجري كالمداد فأشبه الكاتب في ذلك ، فقام كل واحد منهما مقام الآخر. فهو معكوس في الحكم ، وهو خفي لقلة استعمال الناس له ، بل لعدم معرفة أكثرهم له. فافهم ذلك إن شاء الله تعالى.
الفصل الرابع عشر
من رأى رَبَّ صَنْعَة ، أو شيئاً من عُدَّته ، عبرَ إلى عنده ، أو خالطه : احتاج إليه ، أو إلى مثله ، لأمر ينزل به. كمن يرى أن عنده فقيهاً ، أو كتاب فقه : ربما تعلم ، أو احتاج إلى فتوى ، أو حكومة ، أو عقد نكاح. وكالطبيب ، للمريض : عافية ، وللمتعافي : مرض ، يحتاج فيه إلى طبيب. وكالبيطار : يحتاج إلى تداري أرباب الجهل ، أو يقع ببعض دوابه ما يحتاج فيه إلى البيطار. وكالجرائحي أو بعض عُدَّته : ربما نزل به ألم يحتاج إليه. وكالمجبر : يحتاج إليه في كسر ينزل به. كما حكى جالينوس أن إنساناً رأى فاصداً ، يفصده في العرق ، الذي بين الخنصر والبنصر من الرجل اليسرى ، فقال له الرائي : لم فعلت هذا. قال : لأنه ينفع الورم الذي بين الحجاب والكبد. قال فما مضى على الرائي قليل إلا وقع به ذلك
المرض ، وعجز الأطباء عن مداواته. فلما ذكر المنام وافتصد برىء.
هذه بشارة بعافية من مرض شديد لم يكن حدث بعد ولم تكن الأطباء تعرفه قبلُ فكشف الله تعالى له ذلك في المنام ، والمنام الثاني بشارة بخير تفيده من غير إنذار بشدة ولا ألم يقع فإذا ورد عليك المنام فاعتبر الأحوال كما ذكرناها موفقاً إن شاء الله.
ورأى آخر أنه أعطي حديدة لشق الأرض كالسكة : فصار زراعاً ، وأفاد من ذلك. وآخر رأى أن كحالاً عبر عنده فضاعت مكحلته : أنه وقع بعينه رمد فذهبت عينه ؛ لأنه لما ضاعت مكحلته التي تبرأ العين منها ، كان دليلاً على تلف عينه. وكمريض رأى كفناً ، أو مغسلاً ، عبر إلى عنده : فمات. وعلى هذا فقس.
قال المصنف : لما أن عُرف الصانع بما يعمله من الصنعة بالعدة المذكورة وصارت علامة عليه وعلى صنعته ، دل وجود ذلك في المنام على حادث يحدث للرائي إن كان غير محتاج إلى ذلك في اليقظة ، فإن كان الصانع يعمل الصنعة بشرطها أو العدة مليحة دل على حسن العاقبة ، وإن كان رأى ذلك محتاجاً إلى مثله في اليقظة دل على بلوغه مراده وعلى سُرعَة زوال شدته ، وإن كانت العدة أو الصانع ردياً دل على تأخير ذلك لعدم حسن ما يحتاج إليه في مثله. والله تعالى أعلم.
قد ذكرنا الفصول المقصودة معرفتها قبل الأبواب ، ونحن الآن نذكر الأبواب إلى آخر الكتاب ، إن شاء الله تعالى.
إدارة الموقع
إدارة الموقع
الباب الأول
من كتاب البدر المنير في علم التعبير للإمام الشهاب المقدسي الحنبلي



في رؤية الباري جل وعلا(1) والملائكة والأنبياء عليهم السلام ، والصديقين ، والصحابة ، والتابعين رضي الله عنهم أجمعين .


رؤيتهم في الصفات الحسنة ، أو إقبالهم على الرائي : دليل على البشارة والخير والرحمة ، ورؤيتهم في الصفات الناقصة دال على النقص في الرائي.


فإذا رأى أحد الباري عز وجل – أو أحد هؤلاء – قد قرّبه ، أو أجلسه موضعه ، أو كلمه ، أو وعده بخير : فبشارة له برفع المنزلة. فإن كان يليق به


الملك : ملك ، أو الولاية : تولى ، أو القضاء أو التدريس : حصل له ذلك ، أو حكم على أرباب صنعته ، أو تقرب من الملوك ، أو الولاة ، أو القضاة ، أو العلماء ، أو الزهاد ، وأرباب المناصب. وربما نال خيراً من الحاكم عليه كأحد أبويه ، أو سيده ، أو أستاذه . وإن كان كافراً : أسلم. أو مذنباً : تاب ، أو يقصد أكبر مواضع عباداته. وإن كان مريضاً : مات.


__________


(1) قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه : من رأى في منامه كأنه قائم بين يدي


الله تعالى ، و الله ينظر إليه، كأن الرائي من الصالحين، فرؤياه رؤيا


رحمة، و إن لم يكن من الصالحين فعليه بالحذر، لقوله تعالى: ( يوم يقوم


الناس لرب العالمين ) المطففين 6 فإن رأى كأنه يناجيه، أكرم بالقرب، و


حبب إلى الناس قال الله تعالى : ( و قربناه نجيا ) مريم 52. و كذلك لو


رأى أنه ساجد بين يدي الله تعالى، لقوله تعالى : ( و أسجد و اقترب )


العلق 19. فإن رأى أنه يكلمه من وراء حجاب حسن دينه، و أدى أمانة إن


كانت في يده و قوي سلطانه. و إن رأى أنه يكلمه من غير حجاب ، فإنه يكون


خطأ في دينه، لقوله تعالى : ( و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا


أو من و راء حجاب ) الشورى 51. فإن رآه بقلبه عظيما، كأنه سبحانه قربه


و أكرمه و غفر له، أو حسابه أو بشره، و لم يعاين صفة، لقي الله تعالى


في القيامة.



وأما من رآهم في صفة ناقصة ، أو تهددوه ، أو أعرضوا عنه : تغير عليه


كبيره ، كالسلطان ، والحاكم ، والعالم ، والسيد ، والوالد ، والعريف ، ونحوهم. وربما تغير دينه.


مجئ البارئ عز وجل إلى المكان المخصوص ، أو تجليه عليه ، وهو في الصفات الحسنة : دال على نصر المظلومين ، وهلاك الظالمين ، وموت المرضى ؛ لأنه تعالى حق. وربما دل على خراب ذلك الموضع.


قال المصنف : لما أن اختص الله بأمور من جملتها العرش والكرسي والله واللوح والقلم والملائكة والأنبياء عليهم السلام ودليل ذلك أنه لم يرد في الأخبار أنه من عمل صالحاً أعطيناه كذا وكذا ملكاً من الملائكة بل اختصوا به سبحانه وتعالى وكذلك الأنبياء مختصون به – فصار حكمهم حكمه سبحانه وتعالى ، ولم يرد أن الله تعالى يعطي العرش لأحد ولا الكرسي ولا اللوح ولا القلم. وإذا كان ذلك كذلك دل على أنهم إذا أبصروا في المنام جعلناهم أعمال الرائي مما هو فيه من الحال ، وما يصير إليه أمره من خير الدارين. إلا أنهم في غالب الأحوال ليسوا ذلك المرئي حقيقة بل ضرب الله تعالى مثلاً بذلك من الخير والشر ، ولذلك إذا رأى أحد أنه صار واحداً منهم ما نقول له تصير واحداً منهم بل نعطيه من المناصب على قدر ما يليق به ، فإن كان في صفات حسنة نقول له أنت متولٍ فيك خير على قدر ذلك الحسن ، وإن كان في صفات ردية حذره من ذلك وقل له : ارجع عن كيت وكيت. وإذا عرفت ذلك. مثاله أن يقول رأيت أنني على العرش أو الكرسي وقد أتلفت بعضه برجلي ، تقول له : تخون كبيرك ، فربما يكون بوطىء حرام ؛ لأن الرجل محل الوطىء ، وإن أتلفه بيده فتكون الخيانة بالأخذ أو بالضرب أو بمن دلت عليه اليد ، وإن أتلفه بفمه كان بكلام أو بما يدل اللسان عليه ، وكذلك سائر الأعضاء . وإن كان ذلك في اللوح أو القلم ربما كانت في كتبه ، أو علماء يهتدي بهم ، أو كتَّابه ، أو الأمناء الحافظين لأسرار من دل الباري عز وجل عليه من الكبراء ، ونحو ذلك. فافهم وقس عليه إن شاء الله تعالى. وقد أنكر قوم رؤية الباري عز وجل في المنام وقال إنما هي وساوس وأخلاط لا حكم لذلك. وهذا الإمكان ليس بصحيح لأنا جعلنا ذلك أعمالاً للرائي ، ولا نكابر الرائي فيما يراه وغلب على ظنه ذلك ، بل نقول ربك عز وجل الحاكم عليك فننظر فيمن يحكم فنعطيه من الخير والشر على قدر ما يليق به من شهود الرؤيا ، وكذلك نقول إنه حق سبحانه ، فإن كان في صفات حسنة كنت على حق. وإن كان في صفات ردية ، فأنت على باطل. ونحو ذلك.


فصل : وتعتبر الملائكة ، والأنبياء عليهم السلام ، بما يليق بهم. فمن صار جبريل ، أو جاء إليه ، أو صار في صفته : دل على مجيء رسول من عند من دل الباري عز وجل عليه. كرسول من سلطان ، أو حاكم ، أو عالم ، أو ولد ، ونحو ذلك. فإن كان في صفة حسنة : فرسول بخير ، وإلا فلا. وإن صاحبه : صاحب إنساناً كذلك. وإن صار في صفته : ربما ترسّل لمن دل الباري عليه.


قال المصنف : جبريل » جبر « : عبد ، و » إيل « : هو الله تعالى ، بلسان السندي الأول وقيل بلسان آدم عليه السلام. ولما كان متولي الوحي من الله تعالى ورسوله إلى الأنبياء عليهم السلام دل على ما ذكرنا من أحكامه .


فَقِسْ عليه موفقاً إن شاء الله تعالى .


فصل : ميكائيل عليه السلام : دال على خازن ، أو منفق ، أو متصرف ، في بيت مال من دل الباري عليه. فمن أتاه في حالة جيدة : نال خيراً ممن ذكرنا ، وإلا فلا. ومن صار في صفته ، أو صاحبه : تولى منصباً يليق به ، أو صاحب إنساناً كذلك.


قال المصنف : لما أن كان ميكائيل متولي المياه ومراعاة النبات الذي هو حياة الحيوان ويصرف إلى كل أرض بما يصلح لها أشبه الخازن والمنفق والمتصرف فاعط لكل إنسان ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني ميكائيل ، قلت له : أنت رجل مغربل ، قال : نعم ، لأن المطر ينزل من السحب كما ينزل من الغربال. ومثله قال آخر ، قلت : أنت قطان تندف القطن ، قال نعم ، وذلك لأنه يجهز السحب تجري كالقطن المتطاير من الندف ، وصوت قوس الندف كالرعد. ومثله قال آخر ، قلت : عزمت على أنك تجهز الجمال ، قال : صحيح ، قال الله تعالى : ( كأنه جمالات صفر) يعني عن السحب. ومثله قال آخر ، قلت : أنت سقاء ، ومن تحت يدك سقاؤون ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تزرع وتغرس وتسقي ذلك ، قال : نعم. ومثله قال آخر قلت : عزمت على عمل ساقية ، قال : نعم. ومثله قال لي ملك مصر ، قلت : عزمت على أنك تمنع أن يمشي أحد في


الطرقات ، قال : صحيح ، لأن المطر الذي من تحت يد ميكائيل يمنع الطرقات. وعلى هذا فقس موفقاً إن شاء الله .


فصل : عزرائيل عليه السلام : تدل رؤيته على اجتماع الهموم ، وتفريق الجماعات ، وموت المرضى ، وخراب العامر ، وعلى الخوف.



قال المصنف : لما أن كان عزرائيل متولي الموت والموتى ، وميتَّم الأولاد ، ومرمَّل النسوان ، ومفرَّق الأحباب ، أوجب ذلك خراب الديار ، فإذا رأه أحد فأعطه ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني ملك الموت ، قلت : أنت رجل جزار ، قال : صحيح ، وذلك لما يفني على يديه من الحيوان. ومثله قال


آخر ، قلت : أنت سفاك الدماء وقاطع الطريق ، فتاب عن ذلك. ومثله قال


آخر ، قلت : أنت تفرق بين الأصحاب فتب عن ذلك. ومثله قال لي ملك


مصر ، قلت تخرب بلاداً كثيرة ، ففتح بعد ذلك بلاداً وأخربها. وعلى هذا فقس موفقاً إن شاء الله تعالى.


وإسرافيل عليه السلام : بعكسه ، يدل على عمارة الخراب ، واجتماع


المتفرق ، وعافية المريض.


فمن صار واحداً منهم ، أو من بقية الملائكة : حصل له من الخير والشر على قدر ذلك. فافهم.


قال المصنف : لما كان إسرافيل عكس عزرائيل ، من كونه يحيي الموتى ، ويجمع المفرق ، ويصلح الأجساد ، أعطى ما ذكرنا. وعلى الواسطة الجيدة بين يدي من دل الباري عليه وبين العباد ، بشرط أن يكون في صفة حسنة ، فإذا رآه أحد فأعطه ما يليق به. كما قال إنسان : رأيت أنني صرت إسررافيل ، قلت : أنت تنفخ في الحلاوة التي بالقالب ، فتخرج منها صور مختلفة ، قال صحيح. ومثله قال آخر ، قلت : أنت مشبب ، قال : نعم لكون إسرافيل ينفخ في الصُوَر. ومثله قال آخر ، قلت : أنت طبيب ، لأن النفخة تصلح الأبدان بعد تلافها. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تنبش القبور ، قال : صحيح. ومثله قال لي ملك مصر ، قلت له : الساعة تجمع الخلق لحادث عظيم ، وتخرج أيضاً جماعة من السجون ، فجرى ذلك ، لأن إسرافيل ينفخ فيجمع الناس ، ويخرج من القبور. وعلى هذا فقس موفقاً إن شاء الله تعالى.


فصل : كل نبي اعتبر ما جرى له ، وأعط حكمه للرائي. فمن صار آدم ، أو في صفته ، أو صاحبه : انتصر عليه عدوه ، وأزاله من منصبه ، وربما خرج من مكان إلى آخر ، ويرزق أولاداً ، ويحصل له نكد من جهتهم. فإن أبصره ناقص الحال ، ربما نقص حال كبيره الحاكم عليه ، أو تغيرت مكاسبه ، أو صنعته. وإن كان في حال حسن ، عاد خيره عليه ، أو على من ذكرنا.


قال المصنف : من صار آدم(1) تولى منصباً مما يليق به ، فربما يكون هو أول من تولاه. وأعط كل إنسان ما يليق به. كما قال لي إنسان : رأيت أنني صرت آدم ، قلت : تسافر إلى الهند. ومثله قال آخر ، قلت : يقع في حقك نكد لأجل ثمرة أو زرع ، فكان كذلك. ومثله قال آخر قلت تفارق زوجتك أو جاريتك ، لكون آدم فارق حوّى. ومثله قال آخر ، قلت : تؤخذ ثيابك ، لأن آدم تعرى من ذلك. ومثله قال آخر ، قلت : يؤخذ منك بستان أو زرع ، لأن آدم أُخرج من الجنة. ومثله قال لي ملك مصر ، قلت : تعمر بلاداً جدداً وذلك لأن آدم لما أراد أن يحج كلما وطىء مكاناً صار بلداً. ومثله قال آخر ، قلت : في فؤادك ألم ، قال : نعم ، لأن آدم تألم من الجوع والعطش. ومثله قال آخر ، قلت : ما لك نسب معروف ، لأن آدم كان من تراب مختلف. والله أعلم.


فصل : من صار إدريس عليه السلام ، أو في صفته : كثر علمه ، أو تقرب من الأكابر ، ونال المنازل العالية. ومن صاحبه : صاحب إنساناً كذلك. وإن رآه ناقص الحال : عاد نقصُه إلى الرائي.


قال المصنف : إدريس كان ينسب إلى علم الرمل ، ودعا أن يخفف الله تعالى عن حامل الشمس ، وصعد إلى السماء ، ومات ثم عاش ، فأعط لرائي ذلك ما يليق به. كما قال إنسان : رأيت أنني صرت إدريس ، قلت : تمرض ، وبالحمام تتعافى ، لكون إدريس عبر النار وخرج. ومثله قال آخر ، قلت : تسكن في


بستان ، قال : نعم ، لكون إدريس سكن الجنة. ومثله قال آخر ، قلت : تعرف شيئاً من النجامة. ومثله فال آخر ، قلت : تعاشر أرباب النيران ، لكونه صاحب حامل الشمس. ومثله قال آخر ، قلت : تعبر أمكان غريبة ، لكونه طلع السموات. ومثله قال آخر ، قلت : تشفع لصديق لك ويُسمع منك ، لكون إدريس دعا لصاحب الشمس. ومثله قال آخر : رأيت أنني قتلت إدريس ، قلت : تتكلم في عرض رجل صالح أو عالم ، أو تؤذيه. ومثله قال آخر ، غير أنه قال : كان في صفة دونه ، قلت : تنتصر على رجل يعرف النجامة أو الكتابة ، ويكون الحق معك. فقس على هذا موفقاً إن شاء الله تعالى.


__________


(1) قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه : فإن رأى آدم عليه السلام على هيئته نال ولاية عظيمة إن كان أهلا لها ، لقوله تعالى ( إني جاعل في الأرض خليفة ) البقرة 30. فإن رأى أنه كلمه، نال علما لقوله تعالى: (علم آدم الأسماء كلها ) البقرة 31 ، و قيل: إن من رأى آدم اغتر بقول بعض أعدائه، ثم فرج عنه بعد مدة، فإن رؤي متغير اللون و الحال، دل ذلك على إنتقال من مكان إلى مكان، ثم على


العود إلى المكان الأول أخيرا.



فصل : من صار من الأصحاء نوحاً عليه السلام ، أو صاحبه : طال عمره ، وربح في الخشب ، والشجر ، وما يعمل منه ، ونجا هو وأهل بيته ، أو رعيته من الشدائد ، وانتصر على أعدائه ، أو صاحب إنساناً كذلك. وربما دل على موت المريض.


قال المصنف : أعط لرائي نوح ما يليق به. كما قال إنسان : رأيت كأنني صرت نوحاً ، قلت : أنت نجار ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تبيع الحيوان أو الطيور ، قال : نعم ، لكون نوح جمع الناس في السفينة والجيوان. ومثله قال آخر ، قلت : أنت حاكم على مركب. ومثله قال آخر ، قلت : مات لك ولد ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : حصل لك نكد من نجار ، قال : نعم ، قلت : وربما كان أحدب ، قال : صحيح ، وذلك لأن نوحاً مر عليه نجار أحدب أعرج فضربه بعصاه. ومثله قال آخر ، قلت : تعرف تخبز في التنور ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تعاشر أرباب النوح واللطم والملاهي ، قال : نعم. ومثله قال إنسان : رأيت أنني صرت نوحاً ، قلت : لك دكان تبيع فيها الحبوب ، قال : نعم ، لأن نوحاً جمع الحبوب في السفينة. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تلعب بالحمام ، لأن الحمام أرسلها نوح. ومثله قال آخر ، قلت : يطول عمرك. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تضحك الناس ، لأن قومه كانوا يضحكون منه. ومثله قال آخر ، قلت : يعيش لك ثلاثة أولاد ذكور. ونحو ذلك فقس عليه ، والله أعلم.


فصل : من صار في صفة إبراهيم عليه السلام ، أو صاحَبه : دل على البلاء من الأعداء ، لكن ينصر عليهم. وربما يلي ولاية ، أو إمامة ، ويكون عادلاً في ذلك. أو يصاحب إنساناً كذلك. وربما ... أو ولَّى على الناس من لهم فيه نفع ، ويرزق أولاداً بعد الإياس منهم ، وربما قدمت عليه رسل الأكابر بالبشارة.


قال المصنف : اعتبر رؤية إبراهيم. كما قال إنسان : رأيت أنني الخليل قلت : كنت ] على دِينٍ أو أعتقاد ثم رجعت عنه ؛ قال : نعم ! وذلك لأن الخليل عليه السلام رجع عن عبادة


فصل : من صار في صفة يعقوب عليه السلام ، أو صاحَبه : نال هموماً ، وفارق أحبته ويرجع يجتمع بهم ، ويتنكد من أولاده أو أقاربه. وربما ينزل ببصره آفة ، أو في رأسه. لكن ربما عوفي بعد ذلك.


قال المصنف : اعتبر يعقوب. كما قال إنسان : رأيت أنني صرت يعقوب ، قلت : هربت ، قال : نعم ، لأن يعقوب كان هرب من أخيه العيص. ومثله قال آخر ، قلت : ترمد وتخشى على بصرك ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : غاب لك ولد ، وقال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : تزوجت أو تسريت بأختين ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : طلبت امرأة وغدروا بك ، قال : نعم ، لأن يعقوب طلب من خاله البنت الصغرى على أجل من الرعي ، فلما فرغ قال : ما نزوج الصغرى والكبرى حاضرة ، فزاده أجلاً آخر ، وأخذ الأختين. ومثله قال آخر ، قلت : أنت صياد ، قال : نعم ، لأنه عليه السلام كان يصطاد فافهم ذلك.


وأما من صار في صفة يوسف عليه السلام : خشي عليه الأسر ، أو السجن ثم يخلص. وإن كان يليق به الملك : ملك ، أو يتولى ولاية تليق به. ويفارق أهله وأقاربه ، لنكد يقع بينهم ، ثم يجتمع بهم. ويتهم بامرأة ويكون منها برياً. وربما رزق معرفة علم المنامات ، أو التواريخ. فإن حصل له الملك ، وقع في أيامه غلاء عظيم.


قال المصنف : قال لي إنسان : رأيت أنني صرت يوسف ، قلت : اتهمت بسرقة ، قال : نعم ، لأنه عليه السلام اتهمه إخوته بالسرقة في حكاية جرت له مع جدته لما طلب يعقوب أخذه منهما يطول ذكرها. ومثله قال آخر ، قلت : سيرت دواء أو كحلاً لمريض ، قال : نعم ، لأنه بعث قميصه ليتعافى أبوه. ومثله قال


آخر ، قلت : أنت تدعي معرفة كلام الجن أو الشعبذة ، لأن يوسف نقر على الكيل وقال : أخبرني أنكم تعلمون كيت وكيت. ومثله قال آخر ، قلت : أنت ضامن الكيل ، قال نعم. ومثله قال آخر ، قلت : تحضر على قطع أيد أو أرجل ، لأنه حضر قطع النسوة أيديهن. ومثله قال آخر ، قلت : يتكلم في عرضك. ومثله قال آخر ، قلت : يعتذر إليك أعداؤك وتصفح عنهم ، قال : نعم. ومثله قال


آخر ، قلت : تقع في خصومة وتُقَطَّع ثيابك عليك. ومثله قال آخر ، قلت : يقال عنك أنك مت أو قتلت ولا يكون ذلك صحيحاً. فافهم ذلك موفقاً.


__________


(1) بياض في نسخة دار الكتب المصرية ، وأكملته من النسخة الأخرى التي تقع في مكتبة أحمد الثالث بتركيا ، وعنها مصورة في معهد المخطوطات بالقاهرة.



فصل : من صار في صفة داود ، أو سليمان عليهما السلام : ملك ، أو تولى ولاية تليق به ، وحصل له نكد من جهة امرأة ، ويرزق العلم والعبادة ، وينتصر على أعدائه بعد ظفرهم به ، وتذلل له الأمور الصعاب. ومن صاحبهم : صاحب من دلوا عليه .
قال المصنف : اعتبر داود وسليمان بما يليق للرائي. كما قال إنسان : رأيت كأنني داود ، قلت : أنت حداد ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تعمل العُدَد. ومثله قالت امرأة : أنني صرت داود فتعجبت من ذلك ، قلت لها : أنت امرأة تعملين النقش للنساء ، قالت : صحيح ، وذلك لأن داود يعمل الزرد الذي هو شبه النقش. ومثله قال آخر ، قلت : يجري لك نكد لأجل امرأة ، ومثله قال آخر ، قلت : تضرب بالمنجنيق أو بالمقلاع ، قال : صحيح ، وذلك لأن داود كان يرمي بالمقلاع .
وأما سليمان ؛ فقال لي إنسان : رأيت كأنني سليمان ، قلت أنت لك
مركب ، قال : نعم ، لأن سليمان كان يسير في الهواء. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تحكم على عمالين ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تعرف بلغات كثيرة ، لأن سليمان كان يعرف بلغات الحيوانات. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تلعب بالطيور ، قال : نعم ، لأن سليمان كان يرسل الطيور. ومثله قال آخر ، قلت : تتزوج بامرأة جليلة. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تجمع الجان وتعمل شعبذة ، قال : نعم. فافهم ذلك.
فصل : موسى عليه السلام : من صاحَبَه ، أو صار في صفته ، أو ملك
عصاه ، أو لبس بعض ثيابه : ارتفع قدره ، وانتصر على أعدائه ، وربما اتهم
بتهمة ، وأخرج من بلده لأجل التهمة. وإن كان الرائي ملكاً ، طلب بلاد عدوه ، وقاتلهم فيها ، وافتتحها ، وأخذ سبيها. وإن كان متولياً ، قهر أرباب صنعته ، ويعاشر العلماء والزهاد ، وربما اجتمع بمن دل الباري عز وجل عليه ، لكون موسى كلم الله تعالى ، وربما كان في فمه أو رأسه عيبٌ.
قال المصنف : من صار في صفة موسى ؛ كما قال إنسان ذلك ، قلت : هربت لأجل تهمة ، قال : نعم ، ومثله قال آخر ، قلت : أنت تلعب بالزجاج على يديك ، قال : نعم ، لأن موسى كانت تضيء يده كالشمس في بعض الأوقات. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تلعب بالحيات ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : أنت ساحر ومشعبذ. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تعمل السيمياء(1). ومثله قال آخر ، قلت : كأن معك كتباً من جليل القدر أو ألواحاً تكسرت ، أو عدم ذلك ، قال : صحيح. ومثله قال آخر ، قلت : أنت راعٍ ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : سلمت تغرق مرة ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : هربت من حية ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : تربيت في بيت جليل القدر وكانت امرأة عندك تحسن إليك ، قال : صحيح.
وربما مرض رائي موسى بالحرارة ، لأنه لما وضعته أمه طلبه الذباحون ليقتلوه فألقته أمه في التنور وكان موقوداً ناراً ولم تشعر به حين رمته من الخوف فلما لم يره الذباحون انصرفوا فسمعت أمه بكاءه في التنور فقالت : وا ولداه ، ونظرت في التنور فإذا هو سالم ، يشرب من إحدى أصبعيه لبناً والأخرى عسلاً ، فسبحان الذي يقدر على كل شيء.
فصل : أيوب عليه السلام : تدل رؤيته ، أو لبس ثبابه على البلاء ، وفراق الأحبة ، وكثرة المرض ، ثم يزول ذلك جميعه. ويكون ممدوحاً عند الأكابر.
قال المصنف : وتدل رؤية أيوب على أنه يكون كريماً ، وربما جرت آفة على دوابه أو يموت له أولاد ثم يعوض عليه ذلك ، ويقع بينه وبين زوجته نكد ثم يصطلحان والظاهر أنه يكون ظالماً عليها ، وإن كان قد ترك عبادة أو ديناً أو خيراً كان يفعله عاد إليه لأنه عليه السلام كان أواباً ، وآب إذا رجع وتاب. فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله تعالى.
فصل : من صار عيسى عليه السلام(2)
__________
(1) فن قديم من فنون السحر ، وإن كان اهتمام هذا العلم ينصب بدرجة كبيرة على مسائل تحويل المعادن ، ولكن بطريقة سحرية تعتمد على التخييل ، وهو بهذا يخالف علم الكيمياء الذي يتناول من ضمن فنونه تحويل المعادن ولكن بصورة علمية حقيقية ، وبهذا يتبين خطأ بعض القدماء في عدم التفريق بين الكيمياء والسيمياء حيث اعتبروا الكيمياء والسيمياء فنان من فنون السحر ، وهذا غير صحيح فتأمل.
(2) قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه : و من رأى عيسى عليه السلام، دلت رؤياه على أنه
إدارة الموقع
إدارة الموقع
الباب الثاني
من كتاب البدر المنير في علم التعبير للإمام الشهاب المقدسي الحنبلي
في السماء وما فيها ، وما ينزل منها
وما يطلع إليها .


من طلع إلى السموات(3) من المرضى ولم يرجع ينزل منها ، مات ، وذلك للأصحاء : دال على الرفعة ودخول دور الأكابر ، ويدل على الزوجة والدور ، والسفر في البر والبحر ، وعلى كل مكان غريب.


فإن أصاب فيهن النور ، أو الملائكة الملاح ، أو وجد رائحة طيبة ، أو مأكولاً مليحاً ، ونحو ذلك ، حصل له فائدة وراحة ، إما من دور الأكابر ، أو من


الأملاك ، أو من الأسفار ، أو من زوجة ، أو من ولاية يتولاها ، أو من عالم أو حاكم يحكم عليه ، كالأب ، والوصي ، والسيد ، والزوج ، وأمثالهم.


وأما إن كان فيهن الظلام ، أو حيات ، أو عقارب ، أو جن ، أو دخان ، أو نار ، أو رائحة ردية : حصل له نكد ممن ذكرنا.


قال المصنف : دلت السماء على المرض الشديد وعلى الموت لكون الأرواح تطلع إليها ، ولكون الصاعد إليها غاب عن عيون أهل الأرض ، ولكونه فارق الأرض ومن عليها فأشبه الميت والنزول ضد ذلك. ودل على معاشرة الأكابر والرفعة لعلو الطالع ، ولكونها مقر الحاكمين على أهل الأرض المتصرفين – لهم وفيهم – بالمسرة والمضرة. ودلت على الأسفار لأن الطائرات في السماء يرجعن في غالب الأحوال ينزلن إلى الأرض. ودلت على البحار والمياه لأنها معدن الغيوم والأمطار. وربما دلت على معاشرة أرباب النيران ، وتدل على الأماكن الغريبة. كما قال لي إنسان : رأيت أنني طلعت إلى السماء وبقيت أتفرج في كواكبها وما فيها ، قلت له : عبرت إلى دار فيها تصاوير ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تعرف النجامة(4)


__________


(1) في سبب تسمية المسيح عليه السلام بذلك الاسم أقوال كثيرة ومن أشهرها غير ما ذكره المصنف أنه ولد ممسوح أي : مختون ، أو لأن جبريل عليه السلام مسحه عند ولادته.


(2) قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه :


(3) أي تحسنت أحواله.


(4) قال النابلسي : تدل على نفسها ، فما نزل منها أو جاء من ناحيتها ، جاء نظيره منها من عند الله ، ليس للخلق فيه تسبب ، مثل أن يسقط منها ، نار في الدور ، فيصيب الناس أمراض وبرسام جدري وموت . وإن سقطت منها ، نار في الأسواق ، عز وغلا ما يباع بها من المبيعات . وإن سقطت في الفدادين والأنادر وأماكن النبات ، آذت الناس واحترق النبات وأصابه برد ، أو جراد ، وإن نزل منها ما يدل على الخصب والرزق والمال ، كالعسل والزيت والتين والشعير ، فإن الناس يمطرون أمطارا نافعة ، يكون نفعها في الشيء النازل من السماء ، وربما دلت السماء على حشم السلطان وذاته ،


لعلوها على الخلق وعجزهم عن بلوغها ، مع رؤيتهم وتقلبهم في سلطانها ، وضعفهم عن الخروج من تحتها ، فما رؤى منها وفيها ، أو نزل بها وعليها ، من دلائل الخير والشر ، وربما دلت على قصره ودار ملكه وفسطاطه وبيت ماله ، فمن صعد إليه بسلم أو سبب، نال مع الملك رفعة . وعنده ، وإن صعد


إليها بلا سبب ولا سلم ، ناله خوف شديد من السلطان ،ودخل في عزر كثير في لقياه أو فيما أمله عنده أو منه ، وإن كان ضميره استراق السمع ، تجسس على السلطان أو تسلل إلى بيت ماله وقصره ليسرقه . وإن وصل إلى السماء ، بلغ غاية الأمر ، فإن عاد إلى الأرض ، نجا مما دخل فيه ، وإن سقط من مكانه عطب في حاله ، على قدر ما آل أمره إليه في سقوطه ، وما انكسر له من أعضائه .


، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : عبرت إلى مكان فيه قناديل وسرج تتفرج ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت عبرت تطلب مطلباً فلم تجد شيئاً ، قال : نعم ، ومثله قال آخر ، قلت : عبرت مكاناً تجري منه المياه ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : عبرت بستاناً مزهراً ، قال نعم. فافهم ذلك.


فصل : الشمس ، والقمر : كل واحد منهما دال على الجليل القدر.


كالملوك ، والولاة ، والآباء ، والأزواج ، والأبناء ، والأقارب ، والأموال


والأملاك ، والخير ، والمعيشة. فمن رأى أن الشمس عنده ، أو على رأسه ، أو كأنها بحكمه ، أو هي في داره ، أو كأنه يحملها ولم تؤذه بحرها : حصلت له فائدة ممن ذكرنا. فإن كان أعزب تزوج ، وإن كان عنده حامل ، رزق ولداً جميلاً ، حسن الصورة. هذا إذا رآها كأنها بالنهار ، ودرّت(1) معيشته مما يحتاج إلى الشمس ، كالقصارين والبنائين وأمثالهم ، خصوصاً إن كان ذلك في أيام الشتاء .


قال المصنف : إنما دل الشمس والقمر على الجليل القدر لعموم انتفاع الناس بهما ولضرر بعضهم منهما ، وعلى المعايش والأملاك لأن انتفاع الناس بهما في الزراعات والنبات في كل وقت ، وربما دلا على الغريمين. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني بين الشمس والقمر آخذ من هذا وأضعه في الآخر ، قلت : هذا دال على أمور ، أحدها : أن عندك كيسين أحدهما ذهب تصرف منه دراهم والآخر دراهم تصرف منه ذهباً ، فقال : نعم ، الثاني : أنك تسعى في الصلح بين جليلي القدر تحمل كلاماً من أحدهما إلى الآخر ، الثالث : أن رجلاً غنياً له على منكسر دين وأنت تأخذ من المنكسر البعض وتأخذ من الغني المسامحة بالباقي ، وذلك لأن القمر منكسر ما يزال يمتد من نور الشمس وهو تابع لها ، وقلت له : عندك مكحلتان كحل أصفر والآخر أحمر وأنت تداوي عينيك بذلك ، فقال في الجميع : صحيح ذلك. وقال آخر : رأيت أنني ربطت الشمس والقمر في خيط واحد وأنا أحملهما ، قلت له : تمسك جليلي القدر أشبه شيء بالملوك أو نوابهم ، فما مضى قليل حتى وقع مُصَاف ومسك أميران ، وقال : لي إن أحدهما ابن ملك. ورأى صغير أنه حملهما في خيط وأن أحدهما آذاه ، قلت له : من أين أخذتهما ؟ قال الصغير : كانا في حمام ، قلت له : أخذت سرطانين ، وربطتهما في حبل ، قال نعم ، قلت : عضك أحدهما ، قال : نعم ، وذلك لأن الشمس تلدغ بحرها والقمر فيه من الزرقة ما يشابه السرطان. وقال آخر : رأيت كأن الشمس والقمر كل واحد في حبل وأنا أُبرم حبل هذا مع حبل هذا ، قلت : أنت تسعى في إبرام عقد بين امرأة حسناء وبين رجل كذلك ، قال : نعم ، قلت : والرجل ربما في إحدى عينيه عيب ، قال : صحيح. ومثله رأى آخر – وكان ظاهره ردياً - ، قلت : أنت تقود بين اثنين ، فقال : أسْتغفِر الله تعالى ما بقيت أعود إلى ذلك. فافهم .


فصل : وأما إن أحرقته أو آذته ، حصل له نكد ممن ذكرنا ، خصوصاً في الصيف. وأما إن أحرقت الزراعات ، أو البساتين ، أو آذى الناس حرها ، دل ذلك على أمراض ووباء ، أو ظلم من الأكابر ، أو حوائج ، أو غلاء أسعار في المأكول ، ونحو ذلك.


فصل : فإن كان في السماء شموس ، وهي تؤذي الناس. فأقوام ظلمة ، وأرباب شر. وأما إن نفع ضوأهم : فأرباب عدل ، وربح وراحات ، وربما يكون في الزراعات والثمار وكل ما يحتاج إلى الشمس وكثرة الفائدة والخير. وكذلك القمر إلا أن دولته بالليل ، وهو أنزل منها مرتبة.


قال المصنف : إذا رؤي الشمس والقمر مجتمعين في مكان وكان صاحبه خائفاً أو مريضاً : خشي عليه لقوله تعالى { وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ } ] القيامة:9و10


ويدل أيضاً على خصام الزوجين والأخوين والولدين والغلامين والجاريتين وعلى مرض العينين ونحو ذلك.


واعتبر القمر بأحوال الرائي. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني آكل القمر ، قلت له : أبعت طبقاً أو مرآة وأكلت ثمن ذلك ، قال : نعم. ومثله قال آخر ، قلت : يموت من يعز عليك وتأكل ميراثه ، فمات ولده. وقال آخر : رأيت وجه إنسان صار قمراً ، فقلت : نخشى عليه برصاً أو طلوعاً في وجهه ، فقال : جرى ذلك. وقال آخر ، رأيت كأنني وقعت في القمر وأنا في شدة ، قلت له : اترك القمار. ومثله قال آخر ، قلت له : تغرق ، فمات غرقاً. وقال آخر : رأيت كأنني أسبح في قمر وأنا ألتذ بذلك ، قلت له : تغرق. ورأى إنسان أن القمر قد صار له حرارة كحر الشمس ، قلت : يتولى بعض نواب الكبراء منصب من استنابة ، فإن نفع الناس ذلك الحر نالت رعيته به خيراً وإلا فلا. ورأى آخر أن ضوء الشمس صار بارداً وزال ذلك الحر ، قلت : إن كان ذلك في زمن الصيف عدل المتولي ونالت الرعية منه راحة ثم عن قليل يموت ، فمات قاضيهم بعد أن حَسُنَت سيرته ، وقلت : يقع مطر لا نفع فيه ، فوقع المطر وكان في الصيف خلاف العادة.


__________


(1) أي تحسنت أحواله.


فصل : قتال الشمس مع القمر : دليل على حرب يقع ، وملوك تنتفع. فإن كان كأنه في نوم النهار : فالغلب للشمس ، يظهر أهل الحق. وإن كان كأنه في ليل : فالغلب للقمر ، ويظهر أهل الظلم ، لأنه متولي الظلمة ، والظلمة يشتق منها الظلم.


فصل : طلوع الهلال : دال على بشارة ، أو غائب يقدم من تلك الجهة. وهو لمن عليه دين : مطالبات ، وهموم ، ونكد. وربما دل على النكد ، ويدل على خلاص المسجون والمريض.


وأما كثرة الأهلة والأقمار : فدليل على الخوارج. فإن كان ضوؤهم ينفع الناس ، فذلك خير ، وراحة. وإلا فلا.


قال المصنف : وربما دل كثرة الأهلة في المكان على الفوائد ، كما قال لي إنسان : رأيت السلطان يفرق الأهلة على الناس ، قلت : تقع حركة ويفرق القسي على أصحابه ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت كأنني أشرب من الأهلة عسلاً وقد طار منهم هلال وقع على رأسي ، قلت : أنت بيطار يحصل لك فائدة من صنعتك وتضربك دابة بحافرها في رأسك ، فجرى ذلك ، وذلك لأن النعال والحوافر يشبهون الأهلة. فافهم ذلك.


فصل : وأما النجوم(1) فكل واحد منهم دال على ما دل الشمس والقمر عليه ويدلون على العلماء لكونهم لا يظهرون إلا بالليل. فمن رأى أن النجوم جاءت إليه ، أو إلى داره ، أو اجتمعت عنده ، أو كأنه يرعاها ، أو يتحكم فيها ، ولم تؤذه ؛ فإن كان يصلح للملك ، ملك ، وإلا تولى ولاية تليق به ، وربما تزوج وجاء الكبراء إلى عنده ، أو يرزق ذرية ، أو أقارب ، أو أصحاب ، أو أموال ، أو عبادة ، أو تلاميذ. ويكون ذلك على قدر كثرتها وقلتها. أو دراهم ، أو دنانير. ونحو ذلك.


قال المصنف : وافقه في النجوم. قال رجل : رأيت كأنني صرت صائغاً وأنا آخذ النجوم وأعبر بهن في بيت النار ، قلت : أنت رجل خباز وأنت تقطع من الأرغفة وتخبأه فتب إلى الله ، فقال : ما بقيت أعود. فافهم ذلك. ولما رأى يوسف عليه السلام الشمس والقمر والنجوم له ساجدين فسره له والده عليه السلام بما فسره. وقسنا عليه الأقارب والمعارف والأموال والفوائد والعلوم والتقرب من الأكابر وعلو المنازل ، لأنه قال في تمام تفسيره : { وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ }


] N:6


غاسلة ، قال : نعم ، قلت : وهي تعبر دور الأكابر ، قال : صحيح ، وذلك لأن بنات نعش قريبات من قطب الفلك. وقال آخر : رأيت أنني ملكت القطب وبنات نعش ، قلت : يصير لك طاحون أو معصرة بحجر ، فجرى ذلك. وقال آخر : رآيت كأنني أدور مع بنات نعش وقد عضني نجم منهن ، قلت : أنت في مكان فيه جماعة يرقصون فحصل لك نكد من أحدهم ، فقال : نعم. وقال آخر : رأيت أنني صرت من بنات نعش ، قلت له : قد قرب أجلك ، فمات بعد أربعة أيام. وقال آخر : رأيت كأنني آكل بنات نعش ، قلت : ترث جميع أولادك وأقاربك. ومثله قال آخر ، قلت : أنت حمال نعش الموتى ورزقك منه ، قال : نعم. ومثله قال


آخر ، قلت : تبيع النعش وتأكل ثمنه. ومثله قال آخر ، قلت : تبيع دواب طاحونك أو معصرتك وتأكل ثمن ذلك. وعلى هذا فقس موفقاً إن شاء الله تعالى.


وقائع ملاح في النجوم : رأى إنسان كأنه وضع على عينيه كوكبين وهو


__________


(1) قال النابلسي : من رأى الشمس والقمر والنجوم اجتمعت في موضع واحد وملكها ، وكان لها نور وشعاع ، فإنه يكون مقبول القول عند الملك والوزير والرؤساء . فإن لم يكن نور ، فلا خير فيه لصاحب الرؤيا . فإن رأى الشمس والقمر طالعين عليه ، فإن والديه راضيان عنه . فإن لم يكن لهما شعاع ، فإنهما ساخطان عليه.

ينظر ، قلت : يطلع على عينيك بياض ، فوقع ذلك ، ودليله أن البياض في العين يسمى كوكباً في اللغة. ورأى آخر كأنه يأخذ الكواكب في يده يرمي بهم في العلو ثم يتلقاهم بيده وتاره بفمه وتارة يأكل بعضهم ، قلت : أنت تلعب بقناني الزجاج التي هي شبه الأكر ، قال : نعم ، قلت له : فرأيت كأنك تلعب في ليل لو نهار ، قال : كأنه في ليل ، قلت : تحصل لك فائدة وربح من ذلك. لأن الكواكب فعلها وضوؤها بالليل بخلاف النهار. ورأى بعض الأكابر كأن على ذراعيه كوكبين تحت الثياب وقد أكلتهما الحرباة ، فقلت له : على يديك جوهر مربوط ، قال : نعم ، قلت : يؤخذ منك في حرب ، فجرى ذلك. ورأى آخر كأنه جالس في وسط الهقعة ، قلت له : تجلس تبيع بميزان ، وكان صنعته تاجراً فما مضى قليل حتى صار عطاراً ، لأن العامة يسمونها موازين. ورأى آخر كأن بين يديه طبق نجوم وهو يأكل منهن فظهر له من نجم حية فضربته ، قلت : يعمل لك سم في بيض مقلي ، فعمل له ذلك ، ودليله أن البيض المقلي يسمى نجوماً. ورأى آخر أنه قائم بين النجوم فاحترق ثوبه ، قلت له : ضاع لك ثوب وأنت تتفرج في نبات وزهر ، قال : نعم ، ودليله أن النبات يسمى نجماً ، والزهر يشبه النجوم أيضاً. ورأى آخر كأنه جالس على رأس المنازل في السماء ، قلت : تتولى على طريق ، فإن كنت كأنك في ليل أفدت وإلا فلا. ورأى آخر كأنه يدور في القلب على جوهره ، قلت : لك محبوب وقد راح عنك وأنت كل وقت تذكره في قلبك ، قال : صحيح.
فصل : فأما إن آذت الرائي أو أحرقته أو ضيقت عليه : حصل له نكد ممن ذكرنا أو من غلمان الأكابر ، وإن كان مسافراً أو يطلب سفراً ، قطعت عليه الطريق أو يترك بمكانه أمر ردي من آفة وغيرها. فأما إن صار جسمه نجوماً ، كثرت عليه ديونه ومطالبات أو يتكلم الناس في عرضه أو يطلع في جسمه دماميل أو جُدَري أو طلوعات أو مرض ردي .
فصل : فإن رأى كأنه صار من النجوم ، عاشر من دلوا عليه. إما يعاشر الملوك أو الولاة أو العلماء أو الأكابر أو غلمان أولئك أو يعاشر قطاع الطريق أو أرباب الحرس ونحو ذلك على قدر ما يليق به. وأما سقوطها أو ضِرابها بعضها في بعض أو طلوعها والشمس طالعة : دال على الحروب والفتن والموت. قال الشاعر :-
تَبْدُو كَوَاكِبَهُ والشَّمْسُ طَالِعَةٌ ... لا النُّورُ نُورٌ وَلا الإظْلامُ إِظْلامُ
فصل : وأما من رأى كأنه يأكل النجوم وطعمها في فمه طيب : حصلت له فوائد ممن ذكرنا وربما صار منجماً أو حارساً. والكبار من النجوم أشراف الناس ، والصغار عوامهم ، والمذكر ذكور ، والمؤنث إناث كالزهرة والشعرى وبنات نعش والثريا والهقعة والهنعة ونحوهن.
فصل : وربما دل عطارد على الرجل المِعطَاء وربما كان يعرف الكتابة ، والمريخ على الأمراء والكبراء وسفاكي الدماء ، والمشتري على الأملاك والبيع والشرى والمخازن ، وزُحَل على الفقر والخسارات والشدائد. وعلى هذا فقس النجوم التي في البروج وغيرها.
فصل : وأما من رأى أنه يسجد للشمس أو للقمر أو لنجم ، خدم من دل عليه ، أو احتاج إليه ، وفسد معه دينه إن كان يعتقد تحريم السجود لذلك. وأما إن رأى كأنه بلع نجماً ، اعتقل إنساناً ، وربما أحب من دل النجم عليه. فإن أحرق شيئاً في فؤاده ، تنكد ممن ذكرنا وإلا فلا ، فإن أخرجه من فؤاده ، أخرج المعتقل ، أو ترك محبة من وقع بفؤاده ، أو زال النكد الذي بفؤاده ، والله أعلم.
إدارة الموقع
إدارة الموقع
الباب الثالث
من كتاب البدر المنير في علم التعبير للإمام الشهاب المقدسي الحنبلي


في الحوادث في الجو

الرعود المزعجة أو الأمطار أو الجليد أو البرد المؤذي أو الصواعق المحرقة أو الرياح العظيمة أو البروق الكثيرة أو الغيوم السود الوحشة ؛ كل منهم دال على الخوف والحوادث العظيمة والأخبار الردية لمن رأى هذا في المنام خصوصاً للمسافرين ، فإن هدمت دوراً أو قلعت أشجاراً أو أهلكت شيئاً من الحيوانات النافعة ونحو ذلك فعدوٌّ أو أمراض أو وباء أو طاعون أو ظلم من الأكابر أو جوائح أو غلو أسعار أو أخبار ردية ونحو ذلك لمن أصابه في شيء مما ذكرنا ، وإن كان رائي ذلك مسافراً ، ربما قطعت عليه الطريق ، وربما حصل للرائي نكد من أستاذه أو أحد أبويه أو من معلمه أو بطلت معيشته .

قال المصنف : لما أن ذكرنا الآثار العلوية الدائمة كل وقت ذكرنا ما بين العلوية والسفلية ، وإنما سميناها حوادث لكونها لا ثبات لها ولندرة وقوعها ، وذكرنا ما دلت عليه ، وربما دلت على الحوادث في ابن آدم ، كرجل رأى أن رعداً عظيماً أزعجه وكان في غير أوانه ، قلت : يقع بسمعك صمم ، فجرى ذلك. ورأى آخر كأنه تحت مطر عظيم وهو مكشوف الرأس ، قلت له : يقع برأسك نزلة عظيمة ، فجرى ذلك. ورأى آخر كأن برداً وقع عليه وانغرز بجسمه ورأسه ، قلت : يطلع في يديك ورأسك دماميل أو جدري ، فوقع ذلك. ومثله قال آخر : قلت : عزمت على السفر مع العسكر ، قال : نعم ، قلت : يقع فيك سهام أو حجارة أو جراحات ، فوقع ذلك ، ورأى إنسان كأنه قد صار صاعقة ، قلت له : أحرقت شيئاً أم لا ، قال : أحرقت شجرة زيتون ، قلت له : جرى منك أمور : أحدها أنك تكلمت في عرض امرأة طيبة الأصل ، قال : نعم ، قلت له : كنت غائباً عن بلد فيه زيتون قدمت عليه واشتريت ملكاً ، قال : نعم ، وذلك لأن الصاعقة تسكن في المكان الذي تقع فيه. ورأى آخر أن ريحاً دخلت في فمه حتى كادت تخرسه عن النطق ، قلت له : نخشى عليك من ريح القولنج ، فكان ذلك. ومثله رأى آخر ، قلت : نخشى عليك أن يطلع في عنقك ريح ، فجرى ذلك. ورأى آخر كأنه يغزل من الغيوم السود غزلاً مليحاً ، قلت : تحب امرأة سوداء وتغازلها بالأشعار ، قال : صحيح. ومثله رأت امرأة ، قلت : أنتِ ماشطة ، قالت : نعم ، قلت : تجمعين مالاً على قدر ما كان على المغزل ، فكان كذلك.

فصل : وعلى رأي اليونانيين من أحرقته الصاعقة إن كان فقيراً استغنى ، وإن كان غنياً افتقر ، وإن كان خائفاً أمن ، وإن كان آمناً خاف ، وإن كان عبداً
عتق ، وإن كان حراً أُسر أو حبس ، وإن كان مريضاً عوفي ، وإن كان سليماً مرض ، ونحو ذلك.
قال المصنف : إنما قال اليونانيون ذلك لكون أن رائي ذلك يعدم بخلاف الميت فإن جسمه باق ، وضد الأمن الخوف ، وضد الفقر الغنى ، وضد الحياة الموت ، فإذا عدم في المنام بالصاعقة أو النار ذهب ما كان فيه فدل على ما ذكرنا ، بخلاف الميت فإن جسمه باق في الوجود وتصرف الأصحاب والأعداء فيه نافذ من تغسيله وتكفينه ودفنه ونحو ذلك ، والمحرق بخلاف ذلك.
فصل : وأما الغيوم الملاح أو الرياح الطيبة والنور والأمطار المفيدة والثلوج في أماكن نفعها فدليل على الفوائد لمن ينتفع بها في المنام ، وعلى الِخصب والراحة ، وعدل الأكابر ، والأخبار الطيبة ، والفائدة ممن دلت السماء عليه.
قال المصنف : إذا كانت الغيوم وغيرها على العادة فلا كلام ، وإنما الكلام إذا أكل الغيوم وطعمها طيب ، دل على أمور منها : أنه يفيد من الأكابر ومن المسافرين ومن الزراعات والمياه ونحو ذلك. فأما إذا وضعه موضعاً لا يليق ، كما رأى رجل أنه أخذ سحابة وجعلها بين ثيابه ، قلت له : سرقت كيساً أو شقه من جليل القدر وخفت أن يظهر عليك فأعطيت ذلك لامرأة ، قال : نعم ، لأن السحاب أشبه شيء بما ذكرنا. قال آخر : رأيت أنني أبيع الغيوم ، قلت : أنت تبيع السفنج ، قال : نعم. لأن السفنجة تسمى غيمة. ومثله قال آخر ، قلت : أنت تبيع القطن ، قال نعم.
فصل : من طار أو سار في السحب أو في الرياح فإن كان بجناح أو جالس على شيء يمسكه فهو سفر فيه راحة وعاقبته سليمة ، وهو بلا جناح ولا شيء يمسكه : قليلُ نكدِ أو تعب.
قال المصنف : إنما كان الطيران ردياً إذا لم يكن على شيء يمسكه ، لأن الريح والسحاب ليسا بجسم فالراكب على خطر. كما قال إنسان : رأيت أنني راكب على سحابه وقد تزلزلت فوقعت في وسطها ، قلت : اسمك سليمان ، قال : نعم ، قلت : عزمت على سفر في بحر ويخشى عليك الغرق وتنجو وتقع من أعلى المركب إلى آخرها ، فجرى ذلك.
فصل : إن نزل من السماء سمن أو عسل أو دقيق أو خبز أو شيء مما فيه نفع : فرزق ورخص وفوائد وتجارات قادمة فيها نفع ، ويدل على عدل الأكابر. كما أنها إذا نزل منها بَقُُّ أو براغيث أو حيات أو عقارب أو حجارة مؤذية أو نار أو دم ونحو ذلك كان دليلاً على الفتن والأمراض من جدري أو برسام أو طاعون أو وباء أو ظلم ممن دلت السماء عليه أو عدو يقدم إلى ذلك المكان ، فإن أتلف شيئاً أو آذى أحداً ، خيف على ذلك الموضع ، وربما كانت جوائح تضر بالغلال ، ونحو ذلك.
قال المصنف : قولي فيما تقدم إن نزل من الَسماء سمن أو عسل أو دقيق أو خبز أو شيء مما فيه نفع احتراز مما لو أتلف الزراعات أو الأُدُر أو الملابس أو شيئاً نافعاً صار ردياً. وإذا انتفع الناس بهذه المؤذية دل على الفائدة من حيث لا


يحتسب ، وأمن من حيث يخاف ، ويدل على الحاجة أيضاً ، وأوقات الضرورة. كما قال إنسان : رأيت أنني آكل الحيات والعقارب ، قلت : أنت رجل حاوٍ. ورأى آخر أنه يآكل الموتى ، قلت : أنت تأخذ أكفان الموتى وأنت حفار القبور ، قال : نعم ، لأن وضعه الموتى في فؤاده كالدافن لهم. ورأى آخر أنه يأخذ الموتى يضعهم في فمه من غير أن يبتلعهم ثم يرمي بهم ، قلت : أنت مغسل الموتى ، قال نعم ، وكان دليله أن الريق في الفم كالماء الذي يغسل به الموتى. فافهم ذلك.
فصل : فإن طلع إلى السماء عصافير أو نحل أو ذباب فموت يقع في ذلك المكان الذي طلع منه على قدر كثرته وقلته ، أو رحيل يقع في ذلك المكان. وكذلك كل ما كان من الحيوانات النافعة.
قال المصنف : دل الطالع إلى السماء على ما ذكرنا لأنها أرواح صعدت إلى محل صعود الأرواح فدل على الموت ودل على الرحيل لنقلهم من الأرض إلى مكان آخر. وقال لي إنسان : رأيت كأن جميع الذباب الذي في بيتي قد طار جملة واحدة ، قلت له : عندك طيور مسجونة ودجاج ، قال : نعم ، قلت : يهرب الجميع أو يموتون أو يسرقون ، فذكر أن ولداً له صغيراً فتح أماكنهم فطار الجميع. فافهم ذلك.
فصل : وأما إن كان ارتفع أقسام الشر كالحيات أو العقارب أو الأسود أو الأوزاغ ونحو ذلك دل على هلاك المفسدين ، وراحة أهل ذلك المكان لذهاب الأذى عنهم.
فصل : وأما تفطر السماء أو دورانها فدليل على كثرة البدع والخوف ، وتغيير من دلت الأسماء عليه. وسقوطها دليل على سفر الأكابر والأولاد والأقارب ، وتغيير المعايش ، ويدل على كثرة الأمطار كما قال الشاعر :
إِذَا نَزلُ السَّمَاءُ بِأرْضِ قومٍ ... رَعَيْنَاهَ وإنْ كانُوا غِضَابًا
فأما إن سقطت وأهلكت الأُدر أو الزراعات أو أتلفت شيئاً أو ضيقت على الناس كان ذلك هماً وغماً ووباءً وجوائح وعدواً وأمراضاً في ذلك المكان الذي سقطت فيه.
قال المصنف : وتدل رؤية السماء على متاع الرائي ، وما في بيته ، كما رأى إنسان أن السماء انشقت ، قلت : ينشق سقف بيتك ، فجرى ذلك. ومثله رأى آخر ، قلت : ينفتح رأسك بضربة ، فجرى ذلك ، وكانت قرينة ذلك أنه رآها قريب رأسه. ورأى آخر أن السماء سقطت من يده وذهبت ، قلت : يقع من يدك إناء زجاج وينكسر ويكون لجليل القدر. ورأى آخر كأنه عريان وقد سقطت السماء على رأسه فأحرقت شعره ، قلت : يسقط على رأسك جَامة حمام وتفتح رأسك ويجري دمك. ورأى آخر أن السماء سقطت من دار جيرانه في داره فملأتها ، قلت : وقع من دار جيرانكم طبق نحاس أو طاسة ملأ صوتها داركم ، قال : نعم.
فصل : وأما الحر الشديد أو البرد الشديد فيدلان على الأمراض والأنكاد ، وبطلان المعايش.
وأما مجيء الليل أو الظلمة فيدل على ضيق الصدر ، وربما دل على فراغ الأعمال ، وأمن الخائف ، ومن أراد أن يعمل مستوراً تم له مراده.
وأما النهار والنور فيدلان على الهدى والخير والراحة ، وعلى خلاص المشدودين ، وعلى إظهار المستورين.
قال المصنف : ويدل مجيء الليل والظلمة على رمد العين لمن هو صحيح ، كما أن مجيء النهار والنور لمن هو مريض بوجع العين يدل على قوة مرضه وطوله ، فإن قوي ذلك خشي عليه ذهاب بصره. كما رأى إنسان أن شخصاً معه زناد وهو يقدح قدام الرائي قدحاً مليحاً يظهر منه نار مليحة ، وكان الرائي قد زال بصره بماء نزل في عينيه ، قلت له : اقدح عينك فإنك تعافى إن شاء الله تعالى ، ففعل ذلك فعوفي.
وأما كثرة الشهب إذا لم تؤذى الناس فدليل على صرف الآفات عن الملك ، وحراسته ، وظفره بأعدائه أو بجواسيس ، وعلى حوادث تحدث وتكون العاقبة سليمة. والله أعلم.
قال المصنف : إذا رؤيت الشهب في النهار دل على الحروب أيضاً كالنجوم. وإنما دلت على أن الملك أو الكبير بالمكان يظفر بجواسيس ؛ لأن الله تعالى جعلها رجوماً للذين يسترقون السمع فهمم كالجواسيس الذين يسترقون الأخبار. وأما حسن العاقبة في الحوادث لأن سقوط الشهب غير مؤذى بخلاف الصواعق. وقال : إنسان رأيت أنني خرج من فمي شهاب فعلا على مئذنة ، قلت : يطلع لك مؤذن بين أقوام مبتدعين. فافهم ذلك.
إدارة الموقع
إدارة الموقع
الباب الرابع
من كتاب البدر المنير في علم التعبير للإمام الشهاب المقدسي الحنبلي


في الأرض وأشجارها وجبالها
وسهلها ووعرها وما يتعلق بها
الأرض(1) : تدل على الأب والأم والزوجة والمعيشة والقرابة والدواب وكل من فيه نفع. فمن ملك أرضاً مليحة أو زرعها ، نال فائدة ممن ذكرنا. وأما من زالت الأرض من تحته فارق من ذكرنا.
__________
(1) قال النابلسي : الأرض فتدل على الدنيا لمن ملكها ، على قدر اتساعها وكبرها وضيقها وصغرها ، وربما دلت الأرض على الدنيا ، والسماء على الآخرة ، لأن الدنيا أدنيت ، والآخرة أخرت ، سيما أن الجنة في السماء ، وتدل الأرض المعروفة على المدينة التي هو فيها ، وعلى أهلها وساكنها. وتدل

على السفر ، إذا كانت طريقا مسلوكا كالصحاري والبراري ، وتدل على المرأة إذا كانت مما يدرك حدودها ، ويرى أولها وآخرها . وتدل على الأمة والزوجة.

قال المصنف : دلت الأرض على الأبوين لكون الإنسان خلق منها ، وعلى الزوجين لأجل الحرث والوطء كالنكاح ، والنبات منها كالولد ، وعلى المعايش والفوائد لانتفاع الناس والمخلوقات عليها وبها ، وعلى الدواب كذلك ، وتباع كالدواب ، ولمن عبر فيها على السفر فإن كان مريضاً فهو سفر للآخرة ، وإن كان سليماً فهو سفر فيه من الخير والشر على قدر ما وجد فيها ، وربما دل ذلك على الأرض والشجر وضيق النفس فافهم ذلك.

وأما إن صارت حجراً أو حديداً أو خشباً أو شيئاً لا ينبت ، دل على تلاف زرعه ، وبطلان معيشته ، أو يأس من حمل زوجته ، وربما مات أحد أبويه أو أقاربه ، أو وقع ببعض دوابه عيب ، لكون الأرض صارت في صفة لا تنفع كنفعها غالباً.
قال المصنف : إذا صارت حجراً ونحو ذلك مما لا نفع فيه أعطى ما ذكرناه ، وأما إن نفع كرجل رأى أن الأرض صارت حديداً ينتفع به قلت : تتحول صنعتك إلى عمل الحديد أو بيعه وتنتفع منه وتربح ، فجرى ذلك. وآخر يضرب اللبن
قال : رأيت كلما ضربت لبناً يصير خشباً ، قلت : تصير نجاراً أو تتجر في الخشب أو الشجر ، فذكر أنه انتقل إلى ذلك وأفاد منه.
فصل : وأما إن صارت دخاناً أو ناراً أو حيات أو عقارب أو شوكاً أو طيناً ردياً أو جِيَفاً أو رائحة ردية ونحو ذلك دل على نكد ، إما من مرض ، أو
خوف ، أو خسارة ، أو عدو ، أو مخاصمة ، أو أموال حرام.
قال المصنف : إذا صارت دخاناً أو شيئاً مما ذكرناه فانسب إليه ما يليق به. مثاله إذا جعلته نكداً من دخان فقل : من فران أو وقاد أو طباخ ونحو ذلك ، وإن جعلته مرضاً فقل : من غلبة السوداء وكذلك من النار إلا أن المرض يكون من الصفراء ، ومن الشوك فقل : ممن يتعانى بالأشجار والنبات ، وإن كان شوك سياج فقل : من ناطور بستان ، فإن جعلت النكد من طين فقل : من بَنّاء أو فاجْرانيّ أو صارت لبناً أو حِرَاثاً ونحو ذلك ، وإن جعلت النكد من جيف أو رائحة ردية فقل من لحام أو ممن يكنس المراحيض إو من دباغ ونحو ذلك ، وإن جعلته من دم فقل كذلك أو من حجام أو فاصد أو جرائحي ونحو ذلك. وتقول في المرض من غلبة الدم في مرضك. وربما جعلت في الدم بأن تقول من حرب لما فيه من قتل وجرح وسيلان الدماء ونحو ذلك. وهذا شرح مليح فافهمه موفقاً إن شاء الله تعالى.
فصل : وأما نباتها بالزهر أو الحشيش المليح أو حَسُنت بالروائح الطيبة أو تفجرت بالأنهار أو المياه النافعة أو صارت خبزاً أو عسلاً أو سمناً أو سكراً أو حلاوة أو دقيقاً والرائي أو الناس يأكلون أو يجمعون منها ، فأرزاق وفوائد من زراعات أو رُخص أو تجائر أو من أب أو أم أو دواب أو أولاد أو من كثرة المعايش والراحات أو من الأمن والعدل ونحو ذلك.
قال المصنف : أنسب الرائحة كما تقول في الزهر من رجل فكاهٍ أو عطار وكل من يتعانى بيع الطيب وعمله ، وكذلك في المياه ممن يتعاناها ، وفي الخبز فائدة من خباز أو من مخبز أو ممن يبيع الخبز. وتقول في العسل إن كان من عسل النحل فقل من مسافرين وأرباب البوادي. وإن كان من قصب السكر فانسب إلى من يتعانى ذلك. وربما دل الشيء على ما يقصد منه كما قال إنسان : رأيت أنني أجمع حِزَمًاً من زهر قلت : لك نحل قال : نعم ، قلت : يزيد وينمى ، ودليله كثرة قوت النحل من الزهر ومنه يبني بيوته ، فافهم ذلك.
فصل : وأما معادن الأرض لمن ملكها أو انتفع بها : كالذهب ، والفضة ، والقار ، والزفت ، والحديد ، والرصاص ، والزئبق ، والكبريت : فأرزاق لأرباب المعايش ، وبلاد للولاة ، والملوك ، وعلوم لمن يطلبها ، وللعابد أسرار ، وللأعزب زوجة ، ولمن عنده حامل ولد ؛ وتدل على الأخبار المفرحة والاجتماع بالأكابر والعلماء ونحو ذلك. وكذلك الحكم في الدفائن.



قال المصنف : فإذا رأى أنه ملك واحداً من المعادن فأعطه ما يليق به. فتقول لمن ملك الذهب والفضة : ربما تصير أمين خزانة جليل القدر ، وتقول لآخر : تصير صيرفياً ، وتقوم لآخر تصير صائغاً. كما تقول لمن ملك الزفت ، والقار : ستفيد مما يعمل من ذلك كأرباب المراكب. وقال إنسان : رأيت أنني أخذت زفتاً من معدنه قلت له : أنت جندي ولك فرس مريض ، وقد وصف لك البيطار مغرفة زفت ، قال : نعم ، قلت : تعافى. وقال آخر : رأيت أنني جمعت رصاصاً من معدنه قلت : عزمت على عمارة حمام ، قال : نعم ، قلت : فيه راحة ، ودليله أن الحمام يحتاج إلى الرصاص. وقال آخر : رأيت أنني حكمت على معدن زئبق ؛ وكلما أخذت منه شيئاً ما يثبت في يدي ، قلت : أنت تصاحب إنساناً كثير المحال. وقال صغير : رأيت قدامي بركة زئبق ، قلت : يقع في رأسك ، أو ثيابك قمل يهب بالزئبق. ورأى إنسان أنه وقع في كبريت ، قلت : تحترق بالنار ، فجرى ذلك. ومثله رأى آخر ، قلت : يقع بك جرب تحتاج في مداواته إلى كبريت ، ودليله أنه قال كنت ألتذ بذلك فعلمت أن ذلك لذاذة حك الجرب. وربما دل على ما يتداوى به كرجل رأى أن عنده كبريتاً وقد ضاع منه ، قلت : لك جمل وقد جرب ، وقد عزمت على مداواته بالكبريت ، قال : نعم ، قلت : يموت الجمل أو يعدم.

وقال آخر : رأيت الكبريت الذي يوقد منه قد ضاع ، قلت : ينكسر لك سراج أو يعدم. فافهم ذلك.
فصل : من طلب معدناً فوجده حيات أو عقارب أو جيفاً أو روائحاً ردية أو دخاناً أو ناراً فإن جعلناه للملك بلدة كان بلد كفر بلا نفع وربما فتح عليه باب حرب ، وإن جعلناه علوماً كانت بدعاً ، وإن جعلناه تجائر فأموال حرام ، وإن جعلناه عبادة فبواطن ردية ، وإن جعلناه حملاً كان حملاً ردياً ، وإن جعلناه زوجة أو ولداً أو أخباراً كان ذلك كله ردياً.
قال المصنف : قد ذكرنا إذا تضرر بانقلاب المعدن حيات ونحو ذلك فأما إن انتفع بما صار إليه مثل إن طلب معدناً فوجده حيات وانتفع بذلك فتقول : تترك صحبة جليل القدر ، وتنال راحة من رجل حٍاو ، أو ممن يعمل الترياق. وتقول في الجيف من رجل لحام ، أو مُشاعِلي. وتقول في الدخان من طباخ ، أو فران ونحو ذلك. وفي النار فأعطه ما دلت النار عليه في موضعه. وإن وجده تراباً من غير جنس الأرض فقل من ملك جديد أو من سفر ، أو من رجل غريب ، أو امرأة كذلك. فافهم ذلك.
فصل : في الأشجار وثمارها(1). من ملك شجرة ، أو استظل بظلها أو انتفع بثمرها ، أو بشيء منها ، حصل له فائدة من جليل القدر ، أو من أحد أبويه ، أو من زوجه ، أو ولد ، أو معلم ، أو أستاذ ، أو معيشة ، أو ملك ، أو من دابة ، أو مملوك ؛ ونحو ذلك ، وإن كان الرائي أعزب تزوج ، ويكون ذلك على قدر حسن الشجرة ونفعها وعلوها بين الأشجار ، فإن كانت في إقبال الزمان كانت فائدة من دلت الشجرة عليه قريبةً ، وإن كان في أوان سقوط الورق وبطلان ثمرتها فراحة ذلك بعيدة متأخرة على قدر ما بقي لظهور ثمرتها.
قال المصنف : إنما دلت الأشجار على ما ذكرنا وشبهه لوجه الانتفاع ممن ذكرنا ، فإن الشجرة تراد تارة لثمرها ، وتارة لورقها ، وتارة لظلها ، تارة ولخشبها ، وتارة لحطبها ، وتارة للجمال بها ، وتارة للمجموع ؛ وكذلك الذين دلت عليهم ممن ذكرنا ، فإنهم أهل لوجود النفع على ما يليق أن ينتفع بهم الإنسان في كل وقت بوقته فافهم ذلك. وأوان إقبال كل شجرة بحسبها كما ذكرنا ويكون أيضاً أوان إقبالها على قدر حاجة الرائي إليها في المنام كمن خاف من سبع ، أو عدو ، أو سيل ، أو نار ونحو ذلك فصعد عليها ليتحصن من ذلك فوجدها عالية قويةً ثابتةً فذلك بلوغ مراد ، وقضاء حاجة وذهاب هم على يد من دلت الشجرة عليه. ومثله لو رأى كأنه في حر شديد فوجدها ذات ظلٍ مليح وكذلك لأجل مطر وكذلك لو طلبها لأجل ثمرها فوجدها مثمرة مليحة على غرضه ، وكذلك لو طلبها لأجل الوقود فوجدها يابسة سهلة الكسر ونحو ذل ، فعلمنا بذلك كله أن أوان إقبالها ذلك. فافهم.
__________
(1) قال النابلسي : المعروف عددها ، هوا لرجال ، وحالهم في ا لرجال بقدر الشجرة في الأشجار ، فإن رأى أنه زاول منها شيئا ، فإنه يزاول رجلا بقدر جوهر الشجرة ، فإن رأى له نخلا كثيرة ، فإنه يملك رجالا بقدر ذلك ، إذا كانت النخل في موضع لا يكاد النخل تكون في مثل ذلك الموضع ، وإن
كانت في مثل بستان أو أرض تصلح لذلك ، فإن جماعة النخل عند ذلك عقدة لمن ملكها ، فإن رأى أنه أصاب من ثمرها ، فإنه يصيب من الرجال مالا ، أو من العقدة مالا ، ويكون الرجال أشرافا ، والعقدة شريفة ، على ما وصفت من حال النخل وفضله على الشجر في الخصب والمنافع.



فصل : فإن جعلناها ملكاً أوراقها سلاحه ، وبنودهَ ، وحسن جيوشه. وثمرها أمواله. وإن جعلناها عالماً كان ذلك كتبه وعلومه ، وإن جعلناها امرأة كان ذلك جهازها وأولادها ، وإن جعلناها تجارة كان ذلك أعدالَها ، وثمرُها البضاعة ، وإن جعلناه أولاداً أو أقارب كان الأوراق ملابسهم ؛ لأن الله تعالى جعل الأوراق سترة للثمرة من الشمس لئلا تحرقها ؛ ألا ترى أن الثمرة البارزة في الشمس يبان أثر الشمس فيها ولا يطيب طعمها غالباً ، وإن جعلناها عابداً كان ورقها تلاميذه ، أو نوافله. فما أصاب ذلك من خير ، أو شر نسبناه إلى من ذكرنا.

قال المصنف : واعتبر الفائدة والأحوال التي ذكرناها بالنسبة إلى أماكن نبات الأشجار والإقليم كامرأة رأت أنها أخذت جوزة هندية وقد أثقلها حملها قلت : ترزقين ولداً يكون أصله ، من الهند ، أو ممن يتردد إلى تلك البلاد فجرى ذلك. ومثله رأت أخرى قلت : يحصل لك نكد من جارية هندية قالت : صحيح. وقال آخر : رأيت أن في داري نخلة وعليها تمر صيحاني ، قلت : إن كنت عزباً تزوجت امرأة شريفة وأصلها من الحجاز وإن كنت مزوجاً قدم عليك إنسان من تلك الجهة فذكر المجموع. وذكر آخر أنه كان باليمن فرأى بعدن شجرة خيار سنبر وهي عالية قلت : قدم بعد ذلك رسول من مصر قال : نعم ، ودليله أن الغالب أنه لا ينبت إلا بمصر وكونه رسول لعلو كلمة الرسول. وقال آخر رأيت أنني عبرت داخل شجرة بندق وحولت منها ورقاً مختلف الألوان قلت له : ستروح إلى بلاد البندق ، أو بلاد الروم وتقدم معك ملابس مختلفة الألوان ، فإن كان الذي أخرجته مليحاً أفدت من ذلك وإلا فلا.
فصل : فإن كانت الشجرة سهلة التناول كان الذي دلت عليه سهلاً قريب الراحة ، وإن كانت صعبة أو لها شوك أو مرّة الثمرة ؛ أو تالفة الثمر كان من دلت عليه بخيلاً أو شَرِس الخلق أو خبيث المكاسب.
قال المصنف : فإن قصد أن يكون لها شوك به في تحويط حائط أو ليدفع به ضرراً ، أو طلب الحنطل للتداوي أو لنفع أو طلب حموضة الرمان فوجد ذلك وشبهه على ما قصده كان في هذه الأحوال جيداً يبلغ مراده ويصير ذلك كالرجل الجيد الذي يوجد عنده ما يقصده ، وأما إن وجد ذلك حلواً أو بلا شوك كان ذلك ردياً كما لو خاف أن يكون مراً أو حامضاً فوجده حلواً أو لا شوك له كان من حكم إنصلاح المفسود ووجود الضائع والصلح مع الأعداء والأمن في موضع الخوف ونحو ذلك.
فصل : وأما من غرس شجرة مليحة لنفع الناس فإن كان الغارس عالماً ، صنف كتاباً أو انتفع الناس بعلومه ، وإن كان عابداً ، انتفع الناس ببركته ، وإن كان تاجراً ، ربما وقف وقفاً. وبالعكس من ذلك لو غرس شجرة ردية أو في مكان يضيق على الناس.
قال المصنف : انظر إذا رأى كأنه غرس نبتاً في غير وقت الغراس كان الذي دل عليه قليل الثبات من خير وشر وإن غرسها ومثلها لا يعيش إلا بالسقي فغرسها في أرض لا ماء فيها كان ذلك أيضاً قليل البقاء ونكداً لمن دل عليه المغروس ، وربما دل على هلاكه. كما قال لي إنسان : رأيت كأنني أزرع الريحان في تربة لا ماء فيها قلت له : اعتقلت رَحلاً قال : نعم قلت : يخشى عليه الهلاك ودليله عدم بقاء ذلك مع عدم الماء . ومثله رأى آخر قلت : له أنت تطلب الولد من امرأة لا يثبت معها . ومثله رأى آخر قلت له أنت توري أنك محسن وأنت مسيء في حق من دل الغراس عليه . ومثله رأى آخر قال : كنت أغرسه لتنفع رائحته أرجو أثواب الله قلت تتصدق أو تعبد الله سبحانه بما تعتقد أنه ينفع ولا نفع في ذلك ودليل ذلك كله كونه وضع الشيء في موضع يتلف مثله فيه فأفهم ذلك .
فصل : وأما من قطع شجرة تنفع الناس ، فعل فعلاً يتضرر الناس به ، وإن كانت الشجرة تضرهم فقطعها : أزال شدة عن الناس إما بعزل ظالم ، أو إزالة مظلمة ، أو بُطلان بدعة ونحو ذلك .
قال المصنف : انظر وصف الشجرة المقطوعة واطلب ذلك الوصف وإن كان خفيفاً ، كما قال لي إنسان : رأيت أنني قطعت شجرة زيتون مليحة ، قلت : كان في البلد غيرها ، قال : لا ، قلت : أنت مُتَوَلٍّ ، قال : نعم ، قلت : سعيت في قطع زيت لمسجد ، أو كنيسة ، قال : صحيح . وقال مريض رأيت أنني تحت شجرة تفاح أستظل بظلها فقطعتها ، قلت : كانت العافية في شراب التفاح فكيف قطعته ! فعاد إليه ، فعوفي . وقال آخر : رأيت أنني قطعت شجرة عنب كنت أسجد لها في المنام ، قلت : كنت تشرب الخمر وقد تبت منه ، قال : صحيح . وقال آخر : رأيت أن حلقي مسدود وأطلب النفَس لم أقدر عليه ، فقطعت شجرة توت وأدخلتها في حلقي فزال ذلك ، قلت : يقع بك خوانيق ولا تبرأ إلا بُربّ التوت ، فكان ذلك.
فصل : وأما من ملك جماعة من الشجر وكان الرائي متولياً ، ملك بلاداً أو جيوشاً أو غلماناً على قدر عددها ، وإن كان عالماً : فعلوم على قدرها ، وهي أعمال للعابد ، وربما كانت أولاداً أو أقارب أو معارف أو دوراً أو تجائر أو



دواب ، وهي لرب المعايش فوائد ، وربما تكون للصعلوك دراهم على قدرها ، فما حدث فيها من صلاح أو فساد في المنام عاد إلى من ذكرنا.

قال المصنف : دلت على العلوم لحلاوة ما يجده الآكل وشفاء قلبه حتى إن الذي تغلب عليه الصفراء يلتذ بأكل الحامض فهو عنده أحسن من الحلو ، ودلت على أعمال العابد ؛ لأن الشجر منتصبة لذكر الله تعالى ؛ لأن سجودها دوران ظلها وتسبيحها صوتها حين تتحرك عند هيوب الرياح. والذي خفي علينا من تمجيدها لله تعالى أعظم مما عرفناه فسبحان الممدوح بكل صوت في كل وقت.
فصل في الثمار : الحلو من الثمار وغيره جيد إلا للمريض الذي لا تصلح له الحلاوة ، والحامض ردي إلا لمن تنفعه الحموضة ، وكل ثمرة مجتمعة كالعنب والرطب ونحوه فائدة ورزق هنيء ، وكل ما كان مفترقاً فرزق أتعب(1).
قال المصنف : إنما دل الحلو على الخير غالباً لكثرة استعمال الناس والدواب
له ؛ لأن عموم ما يؤكل ليس بحامض ، ولا يعني إلا ذلك ، وأكثر منه حلاوة. وإنمٍا صار الحامض ردياً لكونه لا يؤكل غالباً إلا بواسطة ، لأنه بمجرده تنفر النفوس منه ويضر الأبدان ، فصار ردياً. وإنما لم يذكر المر والمالح ؛ لأن ذلك لا يؤكل إلا أوقات الضرورة ؛ لأنا لما علمنا أن الحامض ردي مع استعمال الناس له عرفنا أن ذلك أولى بالردءاة ؛ فافهم ذلك.
فصل : كل ما بيننا وبينه حجاب ففيه من الصعوبة على قدر حجابه ، فعلى هذا التين والعنب والإجاص والتفاح والجميز وأمثالهم ، رزق لا نكد في أوله ولا آخره ، والحلو من المشمش والخوج والقراصيا وشبههم : أولها سهل وآخرها
تعب ، والموز والرمان والفستق والجوز واللوز وجوز الهند ونحوهم : فأرزاق أولها تعب وآخرها هنيء ، وبعضها أتعب من بعض على قدر قوة حجابه ، وأما الأترنج فأوله نكد لمرارة أوله ، ووسطه رزق هني لحلاوته ، وآخره نكد لحموضته.
قال المصنف : المشمش والخوخ ونحوهما آخره نكد لكونه في آخره النوايه التي لا تؤكل غالباً معه ، ويبقى الآكل لذلك يتوقاها خوفاً على أسنانه لئلا تؤذيها ، ويخاف أن يغفل يبتلعها فتقف في حلقه فتفضي به إلى الموت وإلى عذابه لصعوبة ازدراده ، فدل على النكد. وكذلك كل ما يشبهها من المآكل حكمه. ومما يشبه الذي أوله نكد ووسطه هنيء وآخره نكد الرمان ، أوله نكد لمرارة قشرة ، ووسطه هنيء لحلاوة حبه ، وآخره نكد لمرارة ما هو نابت فيه. وقد يكون للشيء حجابان كالجوز قشره الأول حجاب ، والصِفَاق الذي في قلبه حجاب آخر ، لأنه لا يؤكل هنيئاً إلا بزواله. وقد يكون الشيء أوله هنيئاً ، ووسطه نكداً. وآخره هنيئاً ، كالمشمش اللوزي أوله هنيء ووسطه نكد لنوائه ، وآخره هنيء لحلاوة لبه. ومما يشبه ذلك اللحم والمخ في العظم أوله هنيء ، ووسطه عظم نكد ، وآخره مخ هنيء. وقال لي إنسان رأيت أنني صرت عظماً وعليّ لحم وأنا آكل ذلك ، قلت : أول عمرك رزق ووسطه فقر وآخره رزق إن كان فيه مخ. فافهم.
فصل : كل ما كان له صوت عند أخذه أو كسره فهو مال بخصال أو من رجل بخيل.
قال المصنف : إذا جنى ثمرة من غير جنس أصلها كمن يأخذ التمر من الكرم ، والجوز من المشمش ، والباذنجان من اللفت ، ونحو ذلك فإن جعلتهم جيوشاً فمن غير جنسه ، ونفع من بلاد من غير جنس نفع ذلك البلد ، وتزويج وولادة من غير النسب. فإن كانت القرائن في المنام ردية كمن يرى ذلك الثمر تالفاً أو وسخاً أو منتناً أو مُسَوساً ونحو ذلك دل على الحمل والولادة من الزنا ، كما قالت امرأة : رأيت كأن عندي شجرة نخل عليها رطب وعليها عنب أسود ، قلت : فمن أيهما أكلتِ ، قالت : من العنب ، قلت : عندكم عبد أسود ، وقد مال قلبكِ إليه وحملتِ منه ، قالت : بغير اختياري ، قلت : لا تعودي إلى مثل ذلك. وقال آخر : رأيت أنني آكل رماناً من أصله ورماناً آخر نابتاً على جلد خنزير ، قلت : عندك امرأة بنكاح صحيح وامرأة أخرى نصرانية ، قال : نعم ، قلت : قد حملتا منك والنصرانيه بلا عقد نكاح قال : صحيحٌ ذلك.
فصل : من ملك أو تحكم فيما يجمع شيئاً بعد شيء كالعُصْفر والمقثاة والباذنجان ونحوهم فإن كان ملكاً فجيوش ، أو بلاد مترادفة النفع ، وذلك للتاجر تجائر مكسبة ، وللأعزب زوجة كثيرة الجهاز والنسل ، ولأرباب المعايش معيشة دَارَّة ، وهي للمريض الذي لا يصلح له الأكل منها أيام مرض متواصلة ، كل ذلك إذا ملكها أو أن إقبالها. وهي في إدبارها عساكر مولية أو تجارة خاسرة ، أو معيشة بطالة ، أو زوجة فقيرة أو لا نسل لها.
فصل : وأما حقل الفجل واللفت والخس والجزر والبصل ونحوهم ، فأرزاق لمن لا تضرهم لكنها غير مترادفة النفع ، وهي لمن لا تصلح له من المرضى أمراض غير متوالية .
__________
(1) أي أتعب في التحصيل.



فصل : وأما اليابس من الثمار كالزبيب والتمر ، والحبوب كالقمح والشعير والأرز والفول والعدس والحمص والجُلْبَان ، ومن السائلات كالشيرج والزيت ونحوهم : فأرزاق وفوائد ، وأما التبن والحشيش لمن ملكه أو هو عنده : فأرزاق وأموال ، لكون الدواب يأكلونه فيعود سمناً ولبناً ولحماً وشحماً وزبلاً ينتفعون به.

فصل : كل ما دل من الثمار أكلُه ، أو ملكُه على الرزق أو النكد فقُرب تفسير ذلك على قدر قرب مجيء تلك الثمرة وبُعْدِها ، وعلى هذا يقاس جميع الثمار أو النبات والله أعلم.
قال المصنف : إذا أخذ ثمرة من غير جنسها كما ذكرنا فإن كانت أكثر فائدة من ذلك فأرزاق ومعايش دَارَّة ، وربما دل على تحول صنعته إلى ما هي أرفع منها ، كمن يرى أنه يأخذ من أصول التين تمراً أو زبيباً أو رماناً أو نحو ذلك ، وبالعكس من ذلك لو أخذ أدون من ثمرتها أو شيئاً لا ثبات له ، كمن يأخذ من أصول الزعفران ورداً طرياً أو من العصفر ياسميناً ونحو ذلك ، فإنه دال على عدم بقاء المعيشة في التي ينتقل إليها ، وإن دل على الولد كان قصير العمر ، وإن دل على النكد كان سريع الزوال. وأما إذا رأى أنه أخذ السائلات من الجماد أو الحيوان ولم يتلوث به فأرزاق وفوائد وخير ممن دل ذلك عليه ، وإن تلوث أو كان يضره فهو نكد ممن دل عليه ولم يدل ذلك على الزنا ولا الحمل منه. والفرق بينه وبين أخذ الثمار من أولئك لأن السائلات تؤخذ من الحيوانات كاللبن ، والعسل من النحل ، والماء العذب من الحجاة فافهم ذلك.
فصل في الجبال(1) : من ملك جبلاً أو طلع على رأس جبل ، تحكم من جليل القدر ، أو تولى ولاية تليق به ، أو قُضِيَت له حاجة ، وإن كان خائفاً أمن. فإن كان جبلاً مليحاً فيه أشجار نافعة أو عيون مليحة فالرجل المذكور حسن ، أو ولاية حسنة ، أو معيشة ، أو فائدة ، أو زوج جيد ، وأما إن كان أقرع ، أو فيه الحيات ، أو الوحوش المؤذية فرجل ردي ، أو ولاية نكدة.
قال المصنف : دل الجبل على الجليل القدر لعلوه وارتفاعه ، ودل على المنصب والولاية وقضاء الحوائج لكون الطالع قصده أعلى رأسه ، أو المكان الذي في خاطره وقد نال ذلك ، وإن كان خائفاً أمن لأن فيه أماكن يخفي الهارب فيها أكثر من الأرض المتواطئة ولأن الطالب لمن هو في أعلى الجبل يشق عليه إدراكه غالباً للراكب والماشي بخلاف الأرض ، ويدل لأرباب الرياضات على العبادة وحسن الانفراد ، ولمن يطلب العلوم على الاطلاعٍ على الأشياء الغريبة المليحة ؛ لأن العالي على الجبل ينظر الأماكن البعيدة ، وربما كان الواقف على الجبل جاسوساً لكونه يكشف البعيد ولا يعلم به غالباً ، وربما دل الصعود على الجبل والأماكن العالية على أمراض تحدث بالرأس أو بالعين خصوصاً إن كان واقفاً على مكان ضيق ؛ لأن الصاعد على مثل ذلك يدوخ رأسه ويخيل إليه أن الأرض تدور به ، ونحو ذلك. فافهمه موفقاً إن شاء الله.
وأما من طلع إلى رأس جبل(2) بطريق سهلة كان ذلك راحة وإن كان مريضاً ربما مات ، وأما إن لم يبلغ رأسه أو طلع طلوعاً مشقاً ، طال مرض المريض ، وخوف الخائف ، وتعسرت حاجة المذكور ، ولم يبلغ مراده.
قال المصنف : فإن طلع إلى الجبل ، أو المكان العالي بسلم فانظر من أي شيء السلم : من جديد ، أو من حجر ، أو خشب ، أو من حِبال ، أو من نُحاس ، أو من فضة ، أو ذهب ونحو ذلك ، وانظر علو الذي رقى إليه بالسلم ، فإن كان عالياً علواً لا يمكن أن يعمل له سلم دل على قضاء الحوائج لكن بغرامة على قدر
السلم ، ويدل على تسهيل الأمور من حيث لا يحتسب ، كما قال لي إنسان : رأيت بقرة وحش على رأس جبل عالٍ ، فطلبت أخذها فلم أقدر عليها ، فنصبت سلماً من ذهب ، وطلعت أخذتها ، قلت له : كم تقدير عدد درج السلم ، قال : خمس عشرة درجة ، قلت : طلبت تشتري جارية من جليل القدر وقد حصلت ثمنها ألف وخمسمائة درهم ، قال : صحيح ، قلت : تحصل لك ، فجرى ذلك. وقال آخر : رأيت كأنني نصبت سلماً إلى السماء من نحاس وأخذت النجوم التي تسمى الذراع ، قلت : أنت تعاشر المناحيس وقد طلعتم إلى دار جليل القدر ، أو تاجر ، أو خياط وأخذتم من داره لؤلؤاً ، أو مصاغاً قال : صحيح. وعلى هذا فقس.
فصل : وأما من هدم جبلاً : سعى في زوال من دَلّ الجبل عليه ، فإن كان جبلاً نافعاً ، سعى في زوال من فيه نفع الناس وإلا فلا ، وأما تقاتل الجبال ، أو مسيرها فدليل على قتال الأكابر ، أو سفرهم ، وأما ارتفاع الجبل فوق البلد ، أو فوق الإنسان فدليل على الخوف والشدة.
فصل : وأما تهدد الجبال ، أو طيرانها ، أو حرقها بالنار فدليل على فتن وأمراض تهلك فيها الأكابر.
__________
(1) الجبل : ملك أو سلطان قاسي القلب ، قاهر ، أو رجل ضخم على قدر الجبل وعظمه ، وطوله وقصوره ، وعلوه ، ويدل على العالم والناسك ،ويدل على المراتب العالية والأماكن الشريفة والمراكب الحسنة.
(2) وربما دل على الغايات والمطالب ، لأن الطالع إليه لا يصعد إلا بجاهه.



قال المصنف : أنظر ما طَيَّر الجبل ، أو هده فإن كان بثلج ، أو جليد ، أو هواءٍ مزعج ونحو ذلك من الأشياء الباردة ، فأمراض باردة يهلك بها من دل الجبل عليه ، وإن كان من النيران فأمراض حارة ، وكذلك ما يدل على باقي الأخلاط وربما دل هلاكه على يد رجل يتعانى ذلك. مثاله إذا جعلته من رطوبة فقل : نكد ممن يتعانى المياه ، ومن الحرارة فممن يتعانى النيران ، وكذلك قس باقي الأخلاط على ما ذكرناه موفقاً إن شاء الله تعالى .

وأما الجبال المعظمة كعرفات والطور ولبنان وقاسيون وطور زيتا وجودي وأمثالهم ، فهم دالون على العلماء والزهاد والملوك وأماكن العبادة والخير ، فما حدث فيهم من خير ، أو شر نسبناه إلى عالم ، أو زاهد ، أو كبير ، أو ملك ذلك البلد.
قال المصنف : من صار في المنام كأنه جبل من هذه الجبال نال من العلوم ، أو عاشر أربابها ، أو طلع له ولد كذلك ، أو سافر إلى ذلك المكان ، أو اجتمع برجل كذلك من ذلك المكان ، وكذلك لو طلع عليه ، أو صار الجبل في مكانه ، أو جاء الجبل إلى عنده حصل له ما ذكرنا. فافهم ذلك موفقاً إن شاء الله.
والكُدي والتلال حكمها حكم الجبال لكنها دونها في الرتبة.
قال المصنف : وربما دلت الكُدي والتلال(1) والصخور على قضاء الحوائج أكثر من الجبال ، كرجل طلب حاجة من جبل فرأى كأنه ضعيف ، أو لا يقدر على الصعود إلى ذلك فطلع إلى كدية ، أو تل أو حجر ووجد قصده على ذلك دل على بلوغ المراد من الرجل المتواضع القريب من الناس السهل المعاملة الذي لا تتعسر حوائج القاصد إليه بخلاف الجبل في هذه الحال التي ذكرناها ، وإذا كان عادة البلدان يدور حجره بالدواب فرآه يدور بالماء ، أو بالرياح ونحو ذلك ولم يعبر نفعه ففائدة من حيث لا يحتسب لكونه توفرت عليه علوفة الدواب وسقيها ، وأما إن نقصت عملها فنكد ممن دل ذلك عليه ، وإن رآها في صفة لا يثبت مثلها مثل الزجاج وهي تعمل جيداً ففائدة ممن لا يرجى ، وإن لم تعمل صارت ردية ، وأما إذا أكلها وطعمها طيب فهي دالة على الربح والفائدة ويدل أيضاً على أنه ربما باعها وأكل أثمانها ، وإن لم يكن طعمها طيباً دل على ضد ما ذكرنا. فافهم ذلك.
فصل : وأما الصخور فرجال قساة القلوب فمن ملك حجراً مما فيه نفع كحجارة الطاحون والمعصرة وحجر الماء وأمثالهم ففائدة من جليل القدر كالوالد ، والسيد ، والأستاذ ، والأخ ، والزوج ، والوالدة ، والقرابة ، والصديق ،
والصنعة ، وربما كان رجلاً كثير الأسفار ، وأما إن حمل حجراً ، أو وجد منه نكداً ، قاسى من قاسي القلب على قدر ما وجد من الخفة أو الثقل.
فصل : وأما الحجارة النافعة كحجارة الحصر والنافع لوجع العين ، أو الأذن ونحوهم فدالون على الأطباء ، والعلماء ، وأصحاب الجاه ، والراحات ، والفوائد ، والمعايش ، والصنائع المفيدة ، وكذلك سائر الجواهر والرخام ، ويدلون على الأموال.
قال المصنف : إذا ملك حجراً معروفاً بمنفعة لمرض ؛ فإن كان المالك له مريضاً بذلك المرض تعافى من ذلك المرض ، وإن كان يضره كان دليلاً على طول
مرضه ، وإن كان المالك له صحيحاً ؛ فهو إنذار له بمرض يحتاج في مداواته إلى مثل ذلك الحجر المذكور. ودلوا على العلماء لأنهم أطباء الأحكام ، ودلوا على أرباب الجاه لعلوهم في جنسهم ، ودلوا على المعايش والفوائد لكثرة أثمانهم ورغبة الناس في منافعهم وفوائدهم فافهم ذلك. وإنما يدلون على الأموال ، والنعم إذا ملكها من مواضع تليق بها ، وأما إذا رأى ذلك في موضع لا يصلح له مثل عملها في العصائب ، أو العمائم ، أو الكوافي ، أو في الحلي ، أو في السقوف دون الحيطان أعطى النكد ووضع الشيء في غير محله. وكذلك لو رأى الجواهر في الأرجل أو الأراضي ، أو في أسافل القماش دون موضعه ونحو ذلك دل على ما ذكرنا ، وعلى زوال منصب من دلوا عليه ، فافهم ذلك إن شاء الله.
فصل : وأما من أكل الحجارة ، أو الرمل ، أو التراب ، أو الخشب ونحوهم فإن صار في فمه طيباً ، أو عسلاً ، أو سمناً ، أو خبزاً ونحو ذلك ولم تؤذه فذلك أرزاق وفوائد ممن دلوا عليه ، أو من زراعات أو أملاك أو تجارات ، أو معيشة ، وبالعكس من ذلك لو لم يكونوا في فمه كما ذكرنا ، أو كسروا أسنانه ، أو جرحوا فمه ، دل على الأنكاد والفقر والتعب ونحو ذلك.
__________
(1) التل والرابية : إذا كانت الأرض دالة على الناس ، إذ منها خلقوا . فكل نشز منها وتل ورابية وكدية وشرف ، يدل على كل من ارتفع ذكره على ا لعامة ، بنسب أو علم أو مال أو سلطان . وقد تدل على الأماكن الشريفة والمراتب العالية والمراكب الحسنة . فمن رأى نفسه فوق شيء منها
، فإن كان مريضا كان ذلك نعشه ، سيما إن رأى الناس تحته . وإن لم يكن مريضا وكان طالبا للنكاح تزوج امرأة شريفة عالية الذكر ، لها من سعة الدنيا بقدر ما حوت الرابية من سعة الأرض ، وكثرة التراب والرمل.


قال المصنف : وربما دل أكل الرمال على أنه يفيد من عمل الزجاج ، وأكل التراب من عمل الحديد ، والخشب من الثمار والحطب ، وأكل الحجارة لذوي الأقدار فائدة من البلدان ، والقُرى ، والقلاع ، ونحو ذلك.
فإن لم يكن جنس ذلك المأكول في بلده دل على الفائدة من أهل ذلك البلد الموجود فيه ذلك ، أو مما يُجلب منه إلى غيره ، أو يسافر إلى ذلك المذكور. وبالعكس من ذلك إذا لم يكن في فمه طيباً. فافهم ذلك.
فصل : وأما الحصى(1) فدال على عوام الناس وعلى الأموال والعبيد والخدم ونحو ذلك ، فإذا رأى كأن سيلاً أخذ حصى ذلك البلد ، أو التقطه طير ، أو أحرقته
نار ، نزل بعوام ذلك البلد آفة من مرض ، أو عدو ، أو طاعون ، أو وقعت في أموالهم خسارات ، أو ظلم ، أو نهب. وكذلك رجم المكان بالحجارة هموم وأحزان وأخبار ردية ، أو كلام ردئ في أعراض أهل ذلك المكان المرجوم ، وربما كانوا على بدعة ، أو فسوق ، أو كفر والله أعلم.
قال المصنف : دل الكبار من الحجارة على الأكابر ، ودل الحصى على العوام لكثرتهم لم يزالوا مرميين في الطرقات تحت الأرجل ولكونهم لا ينتفع بهم غالباً ، وإنما دل الحصى على الأموال إذا انتفع بهم في المنام ، وكذلك على العبيد والخدم ، فإن انقلب حصى المكان في صفة أحسن مما هو فيه مثل إن صاروا جواهر ، أو كبروا كبراً ينتفع بهم دل على صلاح أهل ذلك المكان ، إلا أن يكبروا كبراً يعوق المشي في الطرقات دل على أنهم قطاع طريق ونحو ذلك ، وإنما يدل الرجم على النكد إذا أضر بأهل المكان ، فأما إذا رجموا بالجواهر ، أو بالأحجار النافعة ، أو المآكل الطيبة ولم تؤذ أحداً دل على قدوم الأكابر إلى ذلك المكان ، أو تجار ، أو مماليك أو جوارٍ ، أو عبيد ، فإن انتفع الناس بهم نالوا راحة مما دلوا عليه ، وإن تضرروا حصل لهم النكد ، واعتبر الرجم أين وقع لهم فإن كان في آذانهم فقد نهوا عن سماع ما لا يليق ، وإن كان في أعينهم فعن نظرهم ، وفي أفواههم فعن
كلامهم ، أو طعامهم ، وفي أيديهم فعن أخذهم ، وعطائهم وضربهم ، وفي أرجلهم فعن سعيهم ، ونحو ذلك.