الحدوود
الحدوود
ثم قال الله عز وجل أعدت للمتقين يعني هيئت لهم والذي أعدها لهم هو الله عز وجل كما جاء في الحديث القدسي أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم من هم المتقون ؟ قال الله تعالى الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفر لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين هؤلاء هم المتقون الذين ينفقون في السراء والضراء يعني : يبذلون أموالهم في السراء يعني : في حال الرخاء وكثرة المال والسرور والانبساط
الحدوود
الحدوود
والضراء في : حال الضيق والانقباض ولكن لم يبين الله تعالى هنا مقدار ما ينفقون ولكنه بينه في آيات كثيرة فقال تعالى ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو العفو : يعني ما زاد عن حاجتكم وضروراتكم فأنفقوه وقال تعالى والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما فهم ينفقون إنفاقا ليس فيه إسراف ولا تقتير وينفقون أيضا العفو أي ما عفا وزاد عن حاجتهم وضروراتهم والكاظمين الغيظ أي الذين إذا اغتاظوا أي : اشتد غضبهم كظموا غيظهم ولم ينفذوه وصبروا على هذا الكظم وهذا الكظم من أشد ما يكون على النفس كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب الصرعة : يعني الذي يصرع الناس أي : يغلبهم في المصارعة فليس هذا هو الشديد ولكن الشديد هو الذي يملك نفسه عند الغضب لأن الإنسان إذا غضب ثارت نفسه فانتفخت أوداجه واحمرت عيناه وصار يحب أن ينتقم فإذا كظم الغيظ وهدأ فإن ذلك من أسباب دخول الجنة واعلم أن الغضب جمرة يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم إذا أتاه ما يهزه ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أعلمنا بما يطفئ هذه الجمرة فمن ذلك أن يتعوذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم فإذا أحس بالغضب وأن الغضب سيغلبه قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومنها أن يجلس إن كان قائما ويضطجع إن كان قاعدا يعني يضع نفسه وينزلها من الأعلى إلى الأدنى فإن كان قائما جلس وإن كان جالسا اضطجع فإن هذا يطفئ الغضب فإذا أحسست بالغضب فاستعمل هذا الذي أرشدك إليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يزول عنك
الحدوود
الحدوود
فما أكثر الذين يقولون : أنا غضبت على وزجتي فطلقتها ثلاثا وربما يغضب ويضرب أولاده ضربا مبرحا وربما يغضب ويكسر أوانيه أو يشق ثيابه أو ما أشبه ذلك مما يثيره الغضب ولهذا قال تعالى والكاظمين الغيظ مدحهم لأنهم ملكوا أنفسهم عند سورة الغضب والعافين عن الناس يعني : الذين إذا أساء الناس إليهم عفوا عنهم فإن من عفا وأصلح فأجره على الله وقد أطلق الله العفو هنا ولكنه بين قوله تعالى فمن عفا وأصلح فأجره على الله أن العفو لا يكون خيرا إلا إذا كان فيه إصلاح فإذا أساء إليك شخص معروف بالإساءة والتمرد والطغيان على عباد الله فالأفضل ألا تعفو عنه وأن تأخذ بحقك لأنك إذا عفوت ازداد شره أما إذا كان الإنسان الذي أخطأ عليك قليل الخطأ قليل العدوان لكن أمر حصل على سبيل الندرة فهنا الأفضل أن تعفو ومن ذلك حوادث السيارات اليوم التي كثرت فإن بعض الناس يتسرع ويعفو عن الجاني الذي حصل منه الحادث وهذا ليس بالأحسن الأحسن أن تتأمل وتنظر : هل هذا السائق متهور ومستهتر لا يبالي بعباد الله ولا يبالي بالأنظمة ؟ فهذا لا ترحمه خذ بحقك منه كاملا أما إذا كان إنسان معروفا بالتأني وخشية الله والبعد عن أذية الخلق والتزم بالنظام ولكن هذا أمر حصل من فوات الحرص فالعفو هنا أفضل لأن الله قال فمن عفا وأصلح فأجره على الله فلابد من مراعاة الإصلاح عند العفو
الحدوود
الحدوود
ثم بعد أن قال الله تعالى وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ومحبة الله سبحانه وتعالى للعبد هي غاية كل إنسان كل إنسان مؤمن فإن غايته أن يحبه الله عز وجل وهي المقصود لكل مؤمن لقول الله تعالى قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ولم يقل : اتبعوني تصدقوا فيما قلتم بل عدل عن هذا إلى قوله يحببكم الله لأن الشأن كل الشأن أن يحبك الله عز وجل أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أحبابه وأما المحسنون في قوله والله يحب المحسنين فالمراد بهم المحسنون في عبادة الله والمحسنون إلى عباد الله والمحسنون في عبادة الله بين رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتبتهم في قوله حين سأله جبريل عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك يعني : أن تعبد الله سبحانه وتعالى بقلب حاضر كأنك ترى ربك تريد الوصول إليه فإن لم تفعل فاعلم أن الله يراك فاعبده خوفا وخشية وهذه المرتبة دون المرتبة الأولى فالمرتبة الأولى : أن تعبد الله طلبا ومحبة وشوقا والثانية : أن تعبد الله هربا وخوفا وخشية أما الإحسان إلى عباد الله : فأن تعاملهم بما هو أحسن في الكلام والأفعال والبذل وكف الأذى وغير ذلك حتى في القول فإنك تعاملهم بالأحسن قال الله تعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها يعني : إن لم تفعلوا فتردوا بأحسن منها فلا أقل من أن تردوها ولهذا قال كثير من العلماء : إذا قل : السلام عليكم ورحمة الله هذا أدنى شيء فإن زدت وبركاته فهو أفضل لأن الله قال بأحسن منها فبدأ بالأحسن ثم قال : أو ردوها كذلك إذا سلم عليك إنسان بصوت واضح بين ترد عليه بصوت واضح بين على الأقل كثير من الناس أو بعض الناس إذا سلمت عليه رد بأنفه حتى إنك تكاد لا تسمعه في رد السلام وهذا غلط لأن هذا خلاف ما سلم عليك به يسلم عليك بصوت واضح ثم ترد بأنفك هذا خلاف ما أمر الله به كذلك الإحسان بالفعل مثل معونة الناس ومساعدتهم في أمورهم كلما ساعدت إنسانا فقد أحسنت إليه مساعدة بالمال بالصدقة بالهدية بالهبة وما أشبه ذلك هذا من الإحسان ومن الإحسان أيضا : أنك إذا رأيت أخاك على ذنب أن تبين له ذلك وتنهاه عنه لأن هذا من أعظم الإحسان إليه قال النبي عليه الصلاة والسلام : انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا : يا رسول الله هذا المظلوم فكيف ننصر الظالم ؟ قال أن تمنعه من الظلم فإن منعك إياه من الظلم نصر وإحسان إليه
الحدوود
الحدوود
والمهم أنه ينبغي لك في معاملة الناس أن تستحضر هذه الآية والله يحب المحسنين فتحسن إليهم بقدر ما تستطيع والذين فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم والذين إذا فعلوا فاحشة والفاحشة : ما يستفحش من الذنوب وهي كبائر الذنوب مثل : الزنا وشرب الخمر وقتل النفس وما أشبهها كل ما يستفحش فهو فاحشة ظلموا أنفسهم بما دون الفاحشة من المعاصي الصغار ذكروا الله أي : ذكروا عظمته وذكرا عقابه ثم ذكروا أيضا رحمته وقبوله للتوبة وثوابها فهم يذكرون الله من وجهين الوجه الأول : من حيث العظمة والعقوبة والسلطان العظيم فيوجلون ويخجلون ويستغفرون